في خلافة أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز - رحمه الله ،
كان قتيبة بن مسلم الباهلي - رحمه الله - يفتح المدن والقرى ينشر دين الله في الأرض ، وفتح الله على يديه مدينة سمرقند !
افتتحها بدون أن يدعوَ أهلها للإسلام أو الجزية ، ثم يمهلهم ثلاثاً كعادة المسلمين ، ثم يبدأ القتال !
فلما علم أهل سمرقند بأن هذا الأمر مخالف للإسلام كتب كهنتها رسالة إلى سلطان المسلمين في ذلك الوقت وهو : " عمر بن عبد العزيز عليه رحمة الله "
أرسلوا بهذه الرسالة أحد أهل سمرقند يقول هذا الرسول :
أخذت أتنقّل من بلد إلى بلد أشهراً حتى وصلت إلى دمشق دار الخلافة فلما وصلت أخذت أتنقل ، في أحيائها وأُحدِّث نفسي بأن أسأل عن دار السلطان !
فأخذت على نفسي إن نطقت باسم السلطان أن أؤخذ أخذاً فلما رأيت أعظم بناءٍ في المدينة !
دخلت إليه وإذا أناس يدخلون ويخرجون ويركعون ويسجدون ، وإذا بحلقات هذا البناء ، فقلت لأحدهم أهذه دار الوالي !؟
• قال : لا ، بل هذا هو المسجد .
• قال : صليت؟ قال : قلت : وما صليت؟ ، • قال : وما دينك ؟
• قال : على دين أهل سمرقند !
فجعل يحدثني عن الإسلام حتى اعتنقته وشهدت بالشهادتين ، ثم قلت له : أنا رجل غريب أريد السلطان دلّني عليه يرحمك الله ؟ قال أتعني أمير المؤمنين ؟ قلت : نعم .
قال : اسلك ذلك الطريق حتى تصل إلى تلك الدار ، وأشار إلى دار من طين !
فقلت : أتهزأ بي !؟
قال : لا ولكن اسلك هذا الطريق فتلك دار أمير المؤمنين إن كنت تريده ،
قال : فذهبت واقتربت وإذا برجل يأخذ طيناً ويسدّ به ثُلمة في الدار وامرأة تناوله الطين ،
قال : فرجعت إلى الذي دلّني وقلت : أسألك عن دار أمير المؤمنين وتدلّني على طيّان ! فقال : هو ذاك أمير المؤمنين !
قال : فطرقت الباب وذهبت المرأة وخرج الرجل فسلّم علي ورحّب بي وغسّل يديه ، وقال : ما تريد ؟
قلت : هذه رسالة من كهنة سمرقند فقرأها ، ثم قلبها فكتب على ظهرها :
( من عبد الله عمر بن عبد العزيز إلى عامله في سمرقند أن انصب قاضياً ينظر فيما ذكروا ) ، ثم ختمها وناولنيها !
فانطلقت أقول : فلولا أني خشيت أن يكذبني أهل سمرقند لألقيتها في الطريق ماذا تفعل هذه الورقة وهذه الكلمات في إخراج هذه الجيوش العرمرم وذلك القائد الذي دوّخ شرق الأرض برمتها !
قال : وعدت بفضل الله مسلماً كلما دخلت بلداً صليت بمسجده وأكرمني أهله ، فلما وصلت إلى سمرقند وقرأ الكهنة الرسالة أظلمت عليهم الأرض ، وضاقت عليهم بما رحبت !
ذهبوا بها إلى عامل عمر على سمرقند فنصّب لهم القاضي جُمَيْع بن حاضر الباجي لينظر في شكواهم ، ثم اجتمعوا في يوم وسألناه دعوانا فقلنا اجتاحنا قتيبة ، ولم يدعنا إلى الإسلام ويمهلنا لننظر في أمرنا فقال القاضي :
لخليفة قتيبة وقد مات قتيبة – رحمه الله – : أنت ما تقول ؟
قال : لقد كانت أرضهم خصبة وواسعة فخشي قتيبة إن أذنهم وأمهلهم أن يتحصنوا عليه !
قال القاضي : لقد خرجنا مجاهدين في سبيل الله وما خرجنا فاتحين للأرض أشراً وبطراً ، ثم قضى القاضي بإخراج المسلمين على أن يؤذنهم القائد بعد ذلك وفقاً للمبادئ الإسلامية !
ما ظنّّ أهل سمرقند أنّ تلك الكلمات ستفعل فعلها ، ما غربت شمس ذلك اليوم ورجل من الجيش الإسلامي في أرض سمرقند ، خرج الجيش كله ودعوهم إلى الإسلام أو الجزية أو القتال ؛
فلما رأى أهل سمرقند ما لا مثيل له في تاريخ البشرية من عدالة تنفذها الدولة على جيشها وقائدها ، قالوا : هذه أمة حُكمُها رحمة ونعمة ، فدخل أغلبهم في دين الله وفُرضت الجزية على الباقين !
العبرة :
كما قال الشاعر :
عَـلَى قَـدْرِ أَهـلِ العَـزمِ تَأتِي العَزائِمُ
وتَــأتِي عَـلَى قَـدْرِ الكِـرامِ المَكـارِمُ
وتَعظُـمُ فـي عَيـنِ الصّغِـيرِ صِغارُها
وتَصغُـر فـي عَيـنِ العَظِيـمِ العَظـائِمُ