" فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُون "




تفسير ابن كثير _رحمه الله  في تفسيرة :
 {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُون}
[الماعون / 4 ، 5 ].

《 عن ابن مسعود أنه قيل له إن الله يكثر ذكر الصلاة في القرآن
 ( الذين هم عن صلاتهم ساهون ) و 
( على صلاتهم دائمون ) و 
( على صلاتهم يحافظون ) 
فقال ابن مسعود : على مواقيتها ،
 قالوا : كنا نرى ذلك إلا على الترك ، 
قال : ذلك الكفر.

 وقال الأوزاعي عن إبراهيم بن يزيد أن عمر بن عبد العزيز قرأ:
 ( فخلف مِن بعدهم خلْف أضاعوا الصلاة واتَّبعوا الشهوات فسوف يلْقَوْن غيّاً )
 ثم قال : لم تكن إضاعتهم تركها ولكن أضاعوا الوقت 》 .
.......      ..........        .........
تفسير ابن رجب _رحمه الله :

قوله تعالى: فويل للمصلين (4) الذين هم عن صلاتهم ساهون 

وقد وردت آثار كثيرة عن السلف في تارك الصلاة عمدا، أنه لا تقبل منه صلاة، كما روي عن الصديق  - رضي الله عنه -، أنه قال لعمر في وصيته له: إن لله حقا بالليل لا يقبله بالنهار، وحقا بالنهار لا يقبله بالليل . 

يشير إلى صلوات الليل والنهار . 

وفي حديث مرفوع: "ثلاثة لا يقبل لهم صلاة"، ذكر منهم: "الذي لا يأتي الصلاة إلا دبارا"  - يعني: بعد فوات الوقت . 

خرجه أبو داود وابن ماجه من حديث عبد الله بن عمرو - مرفوعا . وفي إسناده ضعف . 

ولكن مجرد نفي القبول لا يستلزم عدم وجوب الفعل، كصلاة السكران في مدة الأربعين، وصلاة الآبق والمرأة التي زوجها عليها ساخط . فإن قيل:
 فقد قال تعالى: فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون وفسره الصحابة بإضاعة مواقيتها . وكذا قال ابن مسعود في المحافظة على الصلاة: أي المحافظة على مواقيتها، وأن تركها كفر .

 ففرقوا بين تركها وبين صلاتها بعد وقتها . وقد أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بالصلاة خلف من أخبر أنه يضيع الصلاة ويصليها لغير وقتها، وهذا يدل على أن صلاتهم صحيحة . وقد سئل عن الأمراء وقتالهم؟ قال: "لا، ما صلوا، وكانت على هذا الوجه " .
 فدل على إجزائها .

 قيل: السهو عن مواقيت الصلاة لا يستلزم تعمد التأخير عن الوقت الحاضر، فإنه قد يقع على وجه التهاون بتأخير الصلاة حتى يفوت الوقت - أحيانا - عن غير تعمد لذلك، وقد يكون تأخيرها إلى وقت الكراهة، أو إلى الوقت المشترك الذي يجمع فيه أهل الأعذار عند جمهور العلماء، وغيرهم على رأي طائفة من المدنيين . وهذه الصلاة كلها مجزئة، ولا يكون المصلي لها كالتارك بالاتفاق - 

وقد سئل سعيد بن جبير _رحمه الله :
 عن قوله: فويل للمصلينالذين هم عن صلاتهم ساهون فدخل المسجد، فرأى قوما قد أخروا الصلاة، لا يتمون ركوعا ولا سجودا، فقال: الذي سألتني عنهم هم هؤلاء .

 وهذه الصلاة مثل الصلاة التي سماها النبي - صلى الله عليه وسلم -: "صلاة المنافقين " . وهكذا كانت صلاة الأمراء الذين أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بالصلاة خلفهم نافلة، فإنهم كانوا يؤخرون العصر إلى اصفرار الشمس، وربما أخروا الصلاتين إلى ذلك الوقت، وهو تأخير إلى الوقت المشترك لأهل الأعذار، وكغيرهم عند طائفة من العلماء . 

فليس حكمهم حكم من ترك الصلاة; فإن التارك هو المؤخر عمدا إلى وقت مجمع على أنه غير جائز، كتأخير صلاة الليل إلى النهار، وصلاة النهار إلى الليل عمدا، وتأخير الصبح إلى بعد طلوع الشمس عمدا . 
.........     ..........       .........
تفسير القرطبي _رحمه الله :

{  الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ }
الذين هم عن صلاتهم ساهون فروى الضحاك عن ابن عباس قال هو المصلي الذي إن صلى لم يرج لها ثوابا ، وإن تركها لم يخش عليها عقابا .
 وعنه أيضا : الذين يؤخرونها عن أوقاتها . 
وكذا روى المغيرة عن إبراهيم ، قال : ساهون بإضاعة الوقت . 
وعن أبي العالية : لا يصلونها لمواقيتها ، ولا يتمون ركوعها ولا سجودها .

قلت : ويدل على هذا قوله تعالى : فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة حسب ما تقدم بيانه في سورة ( مريم ) عليها  السلام .
 وروي عن إبراهيم أيضا : أنه الذي إذا سجد قام برأسه هكذا ملتفتا . 
وقال قطرب : هو ألا يقرأ ولا يذكر الله . وفي قراءة عبد الله ( الذين هم عن صلاتهم لاهون ) .

 وقال سعد بن  أبي وقاص : قال النبي - صلى الله عليه وسلم - في قوله : فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون - قال - : ( الذين يؤخرون الصلاة عن وقتها ، تهاونا بها ) .
 وعن ابن  عباس أيضا : هم المنافقون يتركون الصلاة سرا ، يصلونها علانية وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى الآية . 
ويدل على أنها في المنافقين قوله : الذين هم يراءون ، 

وقال ابن وهب عن مالك . قال ابن عباس : ولو قال في صلاتهم ساهون لكانت في المؤمنين وقال عطاء : الحمد لله الذي قال عن صلاتهم ولم يقل في صلاتهم . 

قال الزمخشري : فإن قلت : أي فرق بين قوله : عن صلاتهم ، وبين قولك : في صلاتهم ؟ قلت : معنى عن أنهم ساهون عنها سهو ترك لها ، وقلة التفات إليها ، وذلك فعل المنافقين ، أو الفسقة الشطار من المسلمين . ومعنى في أن السهو يعتريهم فيها ، بوسوسة شيطان ، أو حديث نفس ، وذلك لا يكاد يخلو منه مسلم . 

وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقع له السهو في صلاته ، فضلا عن غيره ; 
ومن ثم أثبت الفقهاء باب سجود السهو في كتبهم . قال ابن العربي : لأن السلامة من السهو محال ، وقد سها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في صلاته والصحابة : وكل من لا يسهو في صلاته ، فذلك رجل لا يتدبرها ، ولا يعقل قراءتها ، وإنما همه في أعدادها ; وهذا رجل يأكل القشور ، ويرمي اللب . 
وما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يسهو في صلاته إلا لفكرته في أعظم منها ; اللهم إلا أنه قد يسهو في صلاته من يقبل على وسواس الشيطان إذا قال له : اذكر كذا ، اذكر كذا ; لما لم يكن يذكر ، حتى يضل الرجل أن يدري كم صلى .
........    ..........         .......
تفسير الطبري _رحمه الله :

وقوله : ( فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون 

يقول تعالى ذكره : فالوادي الذي يسيل من صديد أهل جهنم للمنافقين الذين يصلون ، لا يريدون الله عز وجل بصلاتهم ، وهم في صلاتهم ساهون إذا صلوها . 

واختلف أهل التأويل في معنى قوله : ( عن صلاتهم ساهون فقال بعضهم : عني بذلك أنهم يؤخرونها عن وقتها ، فلا يصلونها إلا بعد خروج وقتها . 

ذكر من قال ذلك : 

حدثنا ابن المثنى ، قال : ثنا سكن بن نافع الباهلي ، قال : ثنا شعبة ، عن خلف بن حوشب ، عن طلحة بن مصرف ، عن مصعب بن سعد ، قال : قلت لأبي ، أرأيت قول الله عز وجل : ( الذين هم عن صلاتهم ساهون ) : أهي تركها ؟ قال : لا ولكن تأخيرها عن وقتها . 

حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : ثنا ابن علية ، عنهشام الدستوائي ، قال :ثنا عاصم ابن بهدلة ، عن مصعب بن سعد ، قال : قلت لسعد : (الذين هم عن صلاتهم ساهون ) : أهو ما يحدث به أحدنا نفسه في صلاته ؟ قال : لا ولكن السهو أن يؤخرها عن وقتها . 

حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا وكيع ، عن سفيان ، عنعاصم ، عن مصعب بن سعد ( الذين هم عن صلاتهم ساهون ) قال : السهو : الترك عن الوقت . 

حدثنا عمرو بن علي ، قال : ثنا عمران بن تمام البناني ، قال : ثنا أبو جمرة الضبعي نصر بن عمران ، عن ابن عباس ، في قوله : ( الذين هم عن صلاتهم ساهون ) قال : الذين يؤخرونها عن وقتها . 

وحدثنا ابن حميد ، قال : ثنا يعقوب ، عن جعفر ، عنابن أبزى ( فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون ) قال : الذين يؤخرون الصلاة المكتوبة حتى تخرج من الوقت أو عن وقتها . 

حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثناسفيان ، عن الأعمش ، عن أبي الضحى عن مسروق (الذين هم عن صلاتهم ساهون ) قال : الترك لوقتها . 

حدثني أبو السائب ، قال : ثني أبو معاوية ، عنالأعمش ، عن مسلم ، عن مسروق ، في قوله : ( الذين هم عن صلاتهم ساهون ) قال : تضييع ميقاتها . 

حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عنالأعمش ، عن أبي الضحى ( عن صلاتهم ساهون ) قال : ترك المكتوبة لوقتها . 

حدثنا ابن البرقي ، قال : ثنا ابن أبي مريم ، قال : ثنايحيى بن أيوب ، قال : أخبرني ابن زحر ، عن الأعمش، عن مسلم بن صبيح عن صلاتهم ساهون ) الذين يضيعونها عن وقتها . 

وقال آخرون : بل عني بذلك أنهم يتركونها فلا يصلونها . 

ذكر من قال ذلك : 

حدثني علي ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، في قوله : ( فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون ) فهم المنافقون كانوا يراءون الناس بصلاتهم إذا حضروا ، ويتركونها إذا غابوا ، ويمنعونهم العارية بغضا لهم ، وهو الماعون . 

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس: ( الذين هم عن صلاتهم ساهون ) قال : هم المنافقون يتركون الصلاة في السر ، ويصلون في العلانية . 

حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ( عن صلاتهم ساهون ) قال : الترك لها . 

وقال آخرون : بل عني بذلك أنهم يتهاونون بها ، ويتغافلون عنها ويلهون . 

ذكر من قال ذلك : 

حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثناعيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثناورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : (عن صلاتهم ساهون ) قال : لاهون . 

حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة( الذين هم عن صلاتهم ساهون ) : غافلون . 

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ( عن صلاتهم ساهون ) قال : ساه عنها ، لا يبالي صلى أم لم يصل . 

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( الذين هم عن صلاتهم ساهون ) يصلون ، وليست الصلاة من شأنهم . 

حدثني أبو السائب ، قال : ثنا ابن فضيل ، عن ليث ، عن مجاهد ، في قوله : ( الذين هم عن صلاتهم ساهون) قال : يتهاونون . 

وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب بقوله : (ساهون ) : لاهون يتغافلون عنها ، وفي اللهو عنها 9والتشاغل بغيرها ، تضييعها أحيانا ، وتضييع وقتها أخرى ، وإذا كان ذلك كذلك صح بذلك قول من قال : عني بذلك ترك وقتها ، وقول من قال : عني به تركها لما ذكرت من أن في السهو عنها المعاني التي ذكرت . 

وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك خبران يؤيدان صحة ما قلنا في ذلك : 

أحدهما : ما حدثني به زكريا بن أبان المصري ، قال : ثناعمرو بن طارق ، قال : ثنا عكرمة بن إبراهيم ، قال : ثنا عبد الملك بن عمير ، عن مصعب بن سعد ، عنسعد بن أبي وقاص ، قال : سألت النبي صلى الله عليه وسلم ، عن (الذين هم عن صلاتهم ساهون) قال : هم الذين يؤخرون الصلاة عن وقتها 

والآخر منهما : ما حدثني به أبو كريب ، قال : ثنامعاوية بن هشام ، عن شيبان النحوي ، عن جابر الجعفي ، قال : ثني رجل ، عن أبي برزة الأسلمي ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لما نزلت هذه الآية : ( الذين هم عن صلاتهم ساهون ) : الله أكبر هذه خير لكم من أن لو أعطي كل رجل منكم مثل جميع الدنيا هو الذي إن صلى لم يرج خير صلاته ، وإن تركها لم يخف ربه " . 

حدثني أبو عبد الرحيم البرقي ، قال : ثنا عمرو بن أبي سلمة ، قال : سمعت عمر بن سليمان يحدث عن عطاء بن دينار أنه قال : الحمد لله الذي قال : ( الذين هم عن صلاتهم ساهون ) وكلا المعنيين اللذين ذكرت في الخبرين اللذين روينا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم محتمل عن معنى السهو عن الصلاة . 

وقوله : ( الذين هم يراءون ) يقول : الذين هم يراءون الناس بصلاتهم إذا صلوا ؛ لأنهم لا يصلون رغبة في ثواب ، ولا رهبة من عقاب ، وإنما يصلونها ليراهم المؤمنون فيظنونهم منهم ، فيكفون عن سفك دمائهم ، وسبي ذراريهم ، وهم المنافقون الذين كانوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يستبطنون الكفر ، ويظهرون الإسلام ، كذلك قال أهل التأويل . 

ذكر من قال ذلك : 

حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا أبو عامر ومؤمل ، قالا : ثناسفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ( الذين هم عن صلاتهم ساهون ) قال : هم المنافقون . 

حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا وكيع ، عن سفيان ، عنابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله . 

حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله . 

حدثني يونس ، قال : ثنا سفيان ، عن ابن أبي نجيح ،عن مجاهد ، عن علي بن أبي طالب عليه السلام في قوله : ( يراءون ويمنعون الماعون ) قال : يراءون بصلاتهم . 

حدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : ثناعبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : ( الذين هم عن صلاتهم ساهون الذين هم يراءون ) يعني المنافقين .  

حدثني علي ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قال : هم المنافقون ، كانوا يراءون الناس بصلاتهم إذا حضروا ، ويتركونها إذا غابوا . 

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : ثني ابن زيد : ويصلون - وليس الصلاة من شأنهم - رياء . 


.......       ........        ........

تفسير الشيخ ابن باز _رحمه الله :

" فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُون "

الآية الكريمة المذكورة على ظاهرها، والويل 
إشارة إلى شدة العذاب، والله سبحانه يتوعد المصلين الموصوفين بهذه الصفات التي ذكرها عز وجل، وهي قوله: الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ.

 السهو عن الصلاة: هو الغفلة عنها والتهاون بشأنها، وليس المراد تركها؛
لأن الترك كفر أكبر وإن لم يجحد وجوبها في أصح قولي العلماء. نسأل الله العافية.
أما التساهل عنها:
فهو التهاون ببعض ما أوجب الله فيها كالتأخر عن أدائها في الجماعة في أصح قولي العلماء، وهذا فيه الوعيد المذكور.
أما إن تركها عمدًا فإنه يكون كافرًا كفرًا أكبر وإن لم يجحد وجوبها في أصح قولي العلماء كما تقدم لقول النبي ﷺ:( العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها) فقد كفر خرجه الإمام أحمد، وأهل السنن بإسناد صحيح،
ولقوله عليه الصلاة والسلام:( بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة )خرجه الإمام مسلم في صحيحه، فهذان الحديثان وما جاء بمعناهما حجة قائمة وبرهان ساطع على كفر تارك الصلاة وإن لم يجحد وجوبها. 

أما إن جحد وجوبها فإنه يكفر بإجماع العلماء ولو صلى،
 أما السهو فيها فليس هو المراد في هذه الآية، وليس فيه الوعيد المذكور؛ لأنه ليس في مقدور الإنسان السلامة منه، 

وقد سها النبي ﷺ في الصلاة غير مرة كما دلت عليه الأحاديث الصحيحة، وهكذا غيره من الناس يقع منه السهو من باب أولى، ومن السهو عنها الرياء فيها كفعل المنافقين.

 فالواجب أن يصلي المؤمن لله وحده، يريد وجهه الكريم، ويريد الثواب عنده سبحانه وتعالى؛ لعلمه بأن الله فرض عليه الصلوات الخمس فيؤديها إخلاصا لله، وتعظيما له، وطلبا لمرضاته عز وجل، وحذرا من عقابه.
ومن صفات المصلين الموعودين بالويل: أنهم يمنعون الماعون، والماعون، فسر بـ: بالزكاة، وأنهم يمنعون الزكاة؛ لأن الزكاة قرينة الصلاة كما قال سبحانه:
 {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ }

وقال تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ }

 وقال آخرون من أهل العلم: إنه العارية، وهي التي يحتاج إليها الناس ويضطرون إليها. وفسره قوم بـ: الدلو لجلب الماء، وبالقدر للطبخ ونحوه. ولكن منع الزكاة أعظم وأكبر. 

فينبغي للمسلم أن يكو حريصا على أداء ما أوجب الله عليه وعلى مساعدة إخوانه عند الحاجة للعارية؛ لأنها تنفعهم وتنفعه أيضا ولا تضره .
مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز (299/8).

.....      .........       .........
تفسير السعدي _رحمه الله

 فويل للمصلين أي: الملتزمين لإقامة الصلاة، ولكنهم عن صلاتهم ساهون أي: مضيعون لها، تاركون لوقتها، مخلون بأركانها وهذا لعدم اهتمامهم بأمر الله حيث ضيعوا الصلاة، التي هي أهم الطاعات وأفضل القربات، والسهو عن الصلاة، هو الذي يستحق صاحبه الذم واللوم وأما السهو في الصلاة، فهذا يقع من كل أحد، حتى من النبي صلى الله عليه وسلم. 

ولهذا وصف الله هؤلاء بالرياء والقسوة وعدم الرحمة، فقال: الذين هم يراءون أي يعملون الأعمال لأجل رئاء الناس. 
.......              .............         ......
‏{‏فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ، الَّذِينَ هُمْ عَن صَلاتِهِمْ سَاهُونَ، الَّذِينَ هُمْ يُرَاؤُونَ، وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ‏}‏ ‏

 (‏ويل‏)‏ كلمة عذاب وتهديد ووعيد شديد، 
وقيل‏:‏ إنه واد في جهنم، ‏{‏لِّلْمُصَلِّينَ، الَّذِينَ هُمْ عَن صَلاتِهِمْ سَاهُونَ‏}‏ 
أي‏:‏ الذين يؤخرون الصلاة عن وقتها  يعني‏:‏ يصليالفجر بعدما تطلع الشمس، ويصلي الظهر في وقت العصر،  والعصر في وقت المغرب..... وهكذا، فالذي يخرج الصلاة عن وقتها هذا يعتبر ساهيًا عنها ومضيعًا لها كما في الآية الأخرى ‏{‏فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ‏}‏ ‏

فإضاعة الصلاة والسهو عنها الذي ورد الوعيد عليه في هاتين الآيتين هو إخراجها عن وقتها من غير عذر شرعي؛ لأن الله تعالى يقول‏:‏ ‏{‏إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا‏}‏ ‏ أي‏:‏ مفروضة في أوقاتها لا يجوز إخراجها عنها من غير عذرٍ شرعي‏.‏ 

وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏الَّذِينَ هُمْ يُرَاؤُونَ‏}‏ ‏
 يعني‏:‏ يراءون  الناس في أعمالهم يريدون مدحهم، ويؤدون الأعمال الصالحة لا يريدون بها وجه الله، وإنما يريدون أن يمدحهم الناس كالذي يتصدق لأجل أن يمدحه الناس أو يصلي أو يطلبالعلم أو يؤدي أي عبادة من العبادات لا رغبة في  الطاعة والثواب، وإنما يريد بذلك أن يمدحه الناس ويثنوا عليه، فهذا هو الرياء‏.‏ 

وهذا يحبط العمل كما قال سبحانه وتعالى‏:‏ ‏{‏فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا‏}‏ ‏، 

والنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول‏:‏ ‏(‏أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر‏)‏‏. ‏فسئل عنه فقال‏:‏ ‏(‏الرياء‏)‏ ‏[‏رواه مسلم في  ‏"‏صحيحه‏"‏‏ من حديث أبي هريرة رضي الله عنه‏]‏ فالرياء محبط للعمل وهو شرك‏.‏ شرك أصغر، وهو خطر شديد، وهو من صفات المنافقين، لأنهم كما قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَآؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلاَّ قَلِيلاً‏}‏ ‏

‏ فالرياء داء خطر ومرض وبيل‏.‏ والواجب على المسلم أن يخلص عمله لله عز وجل ولا يقصد من ورائه رياء ولا سمعة‏.‏ 

وأما الذين يمنعون الماعون‏:‏ المراد بالماعون هنا العاريّة، لأن بذل العاريّة للمحتاج من الطاعة والإحسان يثاب عليها الإنسان، فالذي يمنع العاريّة عن المحتاج، وهو لا ضرر عليه في بذلها عليه هذا الوعيد العظيم‏.‏ قد فسر الماعون بما يشمل القدر، والفأس، والحبل، والدلو، وكل ما يحتاج الناس لأمورهم التي يضطرون إليها، فبذل العاريّة للمحتاجين إذا لم يترتب على ذلك ضرر بالمعير وهو في غنى عنها فإن بذلها من الطاعة ومنعها من المتوعد عليه في هذه الآية الكريمة‏.‏
...........      ...............    
تفسير الشيخ محمد بن عثيمين _رحمه الله :

﴿فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون الذين هم يراءون ويمنعون الماعون﴾؟

 ويل هذه صيغة وعيد وتهديد والمصلون الذين هم عن صلاتهم ساهون هم الذين يصلون؛

 ولكن لا  يبالون بصلاتهم، يغفلون عنها فيؤخرونها عن وقتها، ولا يقومون بواجباتها وأركانها وشروطها؛ فهم يصلون ولكنهم ساهون عن صلاتهم؛ 

لا يقيمونها على الوجه المطلوب منهم، وأما الذين يراءون فهم الذين يراءون الناس في عبادة الله؛ يتعبدون لله أمام الناس ليراهم الناس ويمدحوهم على عبادتهم لله عز وجل،

 وأما الذين يمنعون الماعون فهم الذين يمنعون الأواني وشبهها مما يستعيره الناس في العادة؛ والإنسان مستغنٍ  عنه؛ فتجده لفقره، فتجده لبخله يمنع حتى إعارة الماعون، فوصف الله هؤلاء بأنهم غافلون عن صلاتهم مراءون في عباداتهم بخلاء في أموالهم

....        ........       .......            

أسباب نزول سورة الماعون ؟!

 هذه السورة كانت محل خلاف !

حيث قالا الكلبي ومقاتل أنها قد نزلت في العاص بن وائل السهمي، ولكن هناك رواية أخري لابن جريج تؤكد أن سبب نزول سورة الماعون أن أبو سفيان بن حرب كان يقوم بالنحر كل أسبوع؛ وإذا أتاه يتيم ليطلب منه شيئًا من الطعام؛ فكان ينهره ويُبعده بعصا؛ لذلك ورد بالسورة قوله تعالى ” أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ “.

يُمكن القول أن سبب نزول سورة الماعون هو التأكيد على أن الدين الإسلامي هو دين الرحمة والتقوى؛ حيث أمر الله سبحانه وتعالى برحمة اليتيم والرفق بالمسكين؛ 

كما حذر الله تعالى من الغفلة في إقامة الصلاة.، ففي قوله تعالي “أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ” ؛ وهو يشير إلى الذين يكذبون بيوم البعث والحساب ؛ حيث أن هؤلاء لايؤمنون بما أنزله الله تعالى على رسله، ثم يقول تعالى “فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ “؛ ويوضح الله أن هؤلاء الذين كذبوا بدين الله؛ هم الذين ينهرون الأيتام بكل عنف وقسوة؛ حيث قد اُنتزعت كل الرحمة من قلوبهم.

هل سورة الماعون مكية أم مدنية؟

إختلف العلماء على كونِ سورة الماعون مكيّةً أم مدنيّة، 

فهي على قول الأكثر مكيّةٌ

 إلا أنّ ابن عباس وقتادة فيقولان بمدنيتها، أي أنّ الآيات الثلاث الأولى مكية وما بقي فمدنيٌّ، وتتمحور الآيات حول صنفيْن من الناس هما: الكفار والمنافقون في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم-.

سبب تسمية سورة الماعون ؟!

سورة الماعون من السُّور القرآنية التي تعدّدت أسماؤها في بعض المصاحف، 

حيث أطلق عليها اسم سورة أرأيت في أحد مصاحف القيروان، 

وكذلك أطلق عليها البخاري هذا الاسم، ومن أسمائها أيضًا في كتب التفسير والحديث: الدِّين والتكذيب واليتيم وأرأيت الذي إلى جانب اسمها في المصحف العثماني وهو الماعون، وسُمّيت به نسبةً إلى ورود كلمة الماعون فيها دون سواها من سُور القرآن قال تعالى:”وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ”.

اختُلف في تفسير معنى الماعون؛
 فقيل: هي الزكاة أي يمتنع بعض الناس عن أداء الزكاة وهو التفسير الأرجح، وقيل الماعون: هي العارية أي الشيء الذي يُستعار من الجار لمنفعةٍ ما كالماء والملح والنار وأدوات الطبخ والفأس والقدور والدلو والميزان وغيرها مما يستعان بها على قضاء الحاجة.

وفد قومٌ إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ فقالوا : يا رسولَ اللهِ ما تعهدُ إلينا ؟ قال : لا تَمنعوا الماعونَ ، قالوا : يا رسولَ اللهِ وما الماعونُ ؟ قال : في الحَجَرِ وفي الحديدةِ وفي الماءِ ،  قالوا : فأيُّ الحديدةِ ؟ قال : قُدُورُكُمُ النحاسُ وحديدُ الفأسِ الذي تمتهنونَ بهِ ، قالوا : وما الحَجَرُ ؟ قال : قُدُورُكُمُ الحجارةُ. 

جاء عن عبد الله بن مسعود: قال اللهُ سبحانَهُ وتعالى: {وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ} : كنَّا نعُدُّ الماعونَ عاريَّةَ الدَّلْوِ والقِدْرِ. 

فضل سورة الماعون؟!

كان الإمام الألباني من علماء المسلمين الذين حقّقوا أحاديثَ النبيّ -صلى الله عليه وسلم- 
لتبيان الصحيح منها والموضوع والضعيف وغيرها من مراتب الحديث، 
ومن بينها الأحاديث الواردة في فضل بعض سور القرآن الكريم وآياته فلم تكنْ سورة الماعون من بين السُّور القرآنية ذات فضل مخصوصٍ بها عن سواها من السُّور سوى الفضل العام لجميع سور القرآن وهو ثواب التلاوة أي الحرف بعشرِ حسناتٍ،
 بينما ما ورد من أحاديث في اختصاص هذه السورة بالفضل، فهي أحاديث موضوعة 
مثل حديث: من قرأ سورة أرأيت غفر الله له إن كان للزكاة مؤديًا
........        ..........      .......
خواطر علي تفسير أية :

"  فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ من الآية الرابعة: الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ " 

قالوا: هذه  صفة أهل النفاق، ومن ثَمّ فهي مدني، وهذا مروي عن ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما، وهذا القول اختاره الطاهر بن عاشور.

وقول عامة أهل العلم: إن هذه السورة مكية.

والذي تتحدث عنه هذه السورة هي صفة هذا المكذب بالدين، ما الذي يوقع به التكذيب بالدين وبالجزاء والحساب؟ ما الذي يوقع به هذا التكذيب من أعمال وأوصاف سيئة؟ فهذا يَدُعُّ الْيَتِيمَ ۝ وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ.

وقوله: فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ ۝ الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ هو مرتبط بما سبق،

 بمعنى أن ذلك مظنة لهذه الصفة، أنه مضيع لصلاته -كما سيأتي، هذا الإنسان الذي لا يؤمن بالجزاء والحساب، واليوم الآخر فإنه يكون مضيعًا لحقوق الله ، ولحقوق خلقه، تكون صلته بربه -تبارك وتعالى- التي من أعظمها: الصلاة -فهي صلة بين العبد وربه- ضعيفة، فهو مضيع لها، وهو لما سواها أضيع.

وما يتعلق بالصلة بالمخلوقين، والإحسان إلى المخلوقين، فهذا إذا كان يدع اليتيم، ولا يحض على طعام المسكين، فكيف بغيرهم؟

هذا المسكين الذي لا يجد من يدفع عنه، أو يحفظ حقه، فيدفعه دفعًا شديدًا، دفعًا عنيفًا عن حقه، فكيف بالإحسان إليه، بالتصدق، وما إلى ذلك؟ إذا كان حقه يُدفع عنه، فكيف بما كان من قبيل الإحسان والإفضال على هذا اليتيم؟!

وقد مضى الكلام على وجه الاقتران بين الصلاة والزكاة، وذكرت هناك أوجهًا ذكرها أهل العلم، 

منها: أن الصلاة هي رأس العبادات البدنية، وأنها صلة بين العبد وربه، وأن الزكاة هي رأس العبادات المالية، وأن سعادة العبد دائرة بين الأمرين: حسن صلته بربه، والإحسان إلى الخلق، هذا: لا هذا ولا هذا..

وكذلك ايضا :

قوله تعالى: ﴿ فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ ﴾ فويل: أي  عذاب لهم، قال بعض المفسرين: هم الذين يؤخرون الصلاة عن وقتها، فلا يصلونها إلا بعد خروج الوقت.

روى أبو يعلى في مسنده من حديث مصعب بن سعد عن أبيه سعد بن أبي وقاص قال: قلت لأبي: يا أبتاه أرأيت قوله - تبارك وتعالى -: ﴿ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ ﴾ أينا لا يسهو؟ أينا لا يحدث نفسه؟! قال: ليس ذاك، إنما إضاعة الوقت يلهو حتى يضيع الوقت.


قال تعالى: ﴿ فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا ﴾ .

وقال آخرون: يتركونها فلا يصلونها، وقد ورد ذلك عن ابن عباس، وقال: هم المنافقون الذين يتركون الصلاة سرًا، ويصلونها علانية

وهنا نلاحظ فوائد الأية :

الحث على أداء الصلاة في وقتها، قال تعالى: ﴿ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا ﴾ 

والله أعلم


تعليقات