ابن القيِّم :
فيوسفُ الصِّدِّيق كان قد كِيدَ غير مرَّةٍ:
أوَّلها أنَّ إخوته كادوا به كيدًا، حيث احتالوا به في التَّفريق بينه وبين أبيه، ثمَّ إنَّ امرأة العزيز كادته بما أظهرت أنّه راودها عن نفسها، ثمَّ أُودِع السِّجن، ثمَّ إنَّ النِّسوة كادوه حتَّى استعاذ بالله مِن كيدهنَّ، فصرفهنَّ عنه،
وقال له يعقوب: لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيدًا،
وقال الشَّاهد لامرأة العزيز: إنه مِن كيدكنَّ إنَّ كيدكنَّ عظيمٌ، وقال تعالى في حقِّ النِّسوة: فاستجاب له ربُّه فصرف عنه كيدهنَّ،
وقال الرَّسول: ارجع إلى ربِّك فاسأله ما بال النِّسوة اللَّاتي قطَّعن أيديهنَّ إنَّ ربِّي بكيدهنَّ عليم،
فكاد الله له أحسن كيدٍ، وألطفَه وأعدلَه، بأن جمع بينه وبين أخيه، وأخرجه مِن أيدي إخوته بغير اختيارهم، كما أخرجوا يوسف مِن يد أبيه بغير اختياره، وكاد له عوض كيد المرأة، بأن أخرجه مِن ضيق السِّجن إلى فضاء الملك، ومكَّنه في الأرض يتبوَّأ منها حيث يشاء، وكاد له في تصديق النِّسوة اللَّاتي كذبنه، وراودنه حتى شهدن ببراءته وعفَّته، وكاد له في تكذيب امرأة العزيز لنفسها، واعترافها بأنّها هي التي راودته، وأنّه مِن الصَّادقين،
فهذه عاقبة مَن صبر على كيد الكائد له، بغيًا وعُدوانًا ..
إعلامُ الموقِّعين ٣/ ٢١٨