الصفحة أو الرقم: 2623 | خلاصة حكم المحدث : حسن لغيره
التخريج : أخرجه الطبراني في ((المعجم الأوسط)) (6026)، وأبو الشيخ في ((التوبيخ والتنبيه)) (97)، وقوام السنة الأصبهاني كما في ((الترغيب والترهيب)) للمنذري (3/265) واللفظ له
.... ..... ..........
شرح الحديث :
كان الصَّحابةُ رضِيَ اللهُ عنهم -لحرصِهم على الطَّاعاتِ وما يُقرِّبُ مِن رِضا اللهِ عزَّ وجلَّ-
كثيرًا ما يسأَلون النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن أفضَلِ الأعمالِ، وأكثرِها قُربةً إلى اللهِ تَعالى،
فكانت إجاباتُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم تختلِفُ باختلافِ أشخاصِهم وأحوالِهِم، وما هو أكثرُ نفعًا لكلِّ واحدٍ منهم.
وفي هذا الحديثِ يقول النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "أحَبُّ الناسِ إلى اللهِ أنفَعُهم للناسِ"،
أي: أكثَرُ مَن يَنتفِعُ الناسُ بهم، وهذا لا يَقتصِرُ على النَّفعِ المادِّيِّ فَقَطْ، ولكنَّه يمتَدُّ ليشمَلَ النَّفعَ بالعِلمِ، والنَّفعَ بالرَّأْيِ، والنَّفعَ بالنَّصيحَةِ، والنَّفعَ بالمَشورةِ، والنَّفعَ بالجاهِ، والنَّفعَ بالسُّلطانِ، ونحوَ ذلك، فكُلُّ هذه من صُوَرِ النَّفعِ التي تجعَلُ صاحِبَها يشرُفُ بحُبِّ اللهِ له،
"وأحَبُّ الأعمالِ إلى اللهِ سُرورٌ يُدخِلُه على مُسلِمٍ"،
أي: أنَّ أحَبَّ الأعمالِ: هي السَّعادَةُ التي تُدخِلُها على قَلبِ المُسلِمِ، وهذا يَختلِفُ باختِلافِ الأحوالِ والأفرادِ، فقد يتحقَّقُ السُّرورُ في قلْبِ المُسلِمِ بسُؤالِ أخيه عنه، وقد يتحقَّقُ بزيارةِ أخيه له، وقد يتحقَّقُ بهدِيَّةِ أخيه له، وقد يتحقَّقُ بأيِّ شَيءٍ سِوى ذلك، الأصْلُ أنْ تُدخِلَ السُّرورَ عليه بأيِّ طريقةٍ استطَعْتَ،
"أو يَكشِفُ عنه كُربَةً"، والكُربَةُ: هي الشِّدَّةُ العظيمةُ التي تُوقِعُ صاحِبَها في الهَمِّ والغَمِّ، فمَنِ استطاعَ أنْ يَكشِفَ عن أخيه كُرُبَه، ويَرفَعَ عنه غَمَّه، فقد وُفِّقَ بذلك إلى أفضَلِ الأعمالِ،
"أو يَقضي عنه دَينًا"، أي: تَقْضي عن صاحِبِ الدَّينِ دَينَه؛ وذلك فيمن يَعجَزُ عن الوفاءِ بدَينِه،
"أو تطرُدُ عنه جُوعًا"، أي: بإطعامِه أو إعطائِه ما يقومُ مَقامَ الإطعامِ، "؛
ولِأَنْ أَمشِيَ معَ أخٍ لي في حاجَةٍ أحَبُّ إليَّ مِن أنْ أَعتكِفَ في هذا المسجِدِ، يعني: مسجِدَ المدينَةِ شَهرًا"، ففي قولِه هذا إشارةٌ إلى فضْلِ المشْيِ مع المُسلِمينَ في قَضاءِ حوائِجِهم، وتَيسيرِ العَقَباتِ لهم، حتى جاوَز هذا الفضْلُ الاعتكافَ في مسجِدِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ولا يَدُلُّ هذا إلَّا على عَظيمِ فضْلِ السَّعيِ بين المُسلِمينَ لقَضاءِ حوائجهم،
"ومَن كَفَّ غَضَبَه سَتَرَ اللهُ عَورَتَه"، وفيه إرشادٌ إلى ما يَجِبُ أنْ يأخُذَ المُسلِمُ به نفسَه وقتَ الغَضَبِ، من كَفِّ الغَضَبِ وكظْمِ الغَيظِ، وأنَّ عاقِبَةَ ذلك طَيِّبةٌ، وهي سَترُ اللهِ عزَّ وجلَّ لعَورَتِه، "ومَن كَظَمَ غيظَه، ولو شاءَ أنْ يُمضِيَه أمضاهُ مَلَأَ اللهُ قلْبَه رَجاءً يومَ القيامَةِ"، وهذا فضْلُ مَن كَظَمَ غيظَه للهِ، مع استطاعَتِه أنْ يُمضِيَ غيظَه، ولكِنَّه كَظَمَه ومَنَعَه للهِ؛
ولأنَّ هذا الأمرَ عزيزٌ على النَّفسِ، فكان فضْلُه عظيمًا، "ومَن مَشى معَ أخيه في حاجَةٍ حتى تتهيَّأَ له"، أي: حتى تُقْضى له، "أَثْبَتَ اللهُ قَدَمَه يوم تَزولُ الأقدامُ"، أي: ثبَّت اللهُ قَدَمَه يومَ القيامَةِ على الصِّراطِ.
ثم قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "وإنَّ سُوءَ الخُلُقِ يُفسِدُ العَمَلَ، كما يُفسِدُ الخَلُّ العَسَلَ"، خَتَمَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بهذه العِباراتِ، وهذا الإرشادِ، بعدَ أنْ أرشَدَ السائِلَ إلى أحَبِّ الأعمالِ إلى اللهِ تَعالى،
وكأنَّه أرادَ أن يقولُ له: إنْ فَعَلتَ هذه الأعمالَ الصالِحَةَ، فإيَّاك أنْ يَفوتَك حُسْنُ الخُلُقِ؛ فإنَّ سوءَ الخُلُقِ يُفسِدُ الأعمالَ الصالِحَةَ، فَسادًا عَظيمًا، كما يفسُدُ العَسَلُ إذا وُضِعَ عليه الخَلُّ، فعليكَ -إذنْ- أنْ تَجتنِبَ سوءَ الخُلُقِ؛ فإنَّ سوءَ الخُلُقِ يُحبِطُ الأعمالَ، ويُضيعُ الثَّوابَ.
وفي الحديثِ: الحثُّ على مَكارِمِ الأخلاقِ والتَّحذيرُ من سُوءِ الخُلُقِ
ففي هذا الحديث فوائد:
- بيان أن من تعدى نفعه للغير، هو من خير الناس و من أحبِّ الناس إلى الله، و هذه منزلة عظيمة جدا، ودرجة عالية رفيعة، ذلك أن محبة الله للعبد شيء عظيم، فإن الله إذا أحب عبداً أحبه أهل السماء و الأرض،
كما روى أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا أحب الله العبد، نادى جبريل، إن الله يحب فلانا فأحببه، فيحبه جبريل، فينادي جبريل في أهل السماء، إن الله يحب فلانا فأحبوه، فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض ) متفق عليه.
- وأفاد الحديث أيضا، أن مِن أحبِّ الأعمال إلى الله، سرور تدخله على مسلم، وهذا يختلف باختلاف الأحوال والأفراد.
لكن هذا الإسناد واه جدا، ولذا قال الشيخ الألباني في "السلسلة الضعيفة" (10 / 177):
" وهذا إسناد ضعيف جدا؛ سكين هذا؛ اتهمه ابن حبان، فقال: يروي الموضوعات. " انتهى.
وقال الشيخ الألباني_ رحمه الله :
" وعبد الرحمن بن قيس الضبي مثله ، أو شر منه، قال الحافظ في "التقريب": متروك، كذبه أبو زرعة وغيره " انتهى من "السلسة الصحيحة" (2 / 575).
لكن الشيخ الألباني _رحمه الله لمّا وقف على إسناد آخر للحديث، عند ابن أبي الدنيا في "قضاء الحوائج" وغيره، عَنْ بَكْرِ بْنِ خُنَيْسٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
" قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! مَنْ أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ؟
قَالَ: أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ، وَإِنَّ أَحَبَّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ سُرُورٌ تَدْخِلُهُ عَلَى مُؤْمِنٍ: تَكْشِفُ عَنْهُ كَرْبًا، أَوْ تَقْضِي عَنْهُ دَيْنًا، أَوْ تَطْرُدُ عَنْهُ جُوعًا، وَلَأَنْ أَمْشِيَ مَعَ أَخِي الْمُسْلِمِ فِي حَاجَةٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَعْتَكِفَ شَهْرَيْنِ فِي مَسْجِدٍ، وَمَنْ كَفَّ غَضَبَهُ سَتَرَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنْ كَظَمَ غَيْظَهُ، وَلَوْ شَاءَ أَنْ يُمْضِيَهُ أَمْضَاهُ، مَلَأَ اللَّهُ قَلْبَهُ رِضا، وَمَنْ مَشَى مَعَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ فِي حَاجَةٍ حَتَّى يُثْبِتَهَا لَهُ، ثَبَّتَ اللَّهُ قَدَمَيْهِ يَوْمَ تَزِلُّ الْأَقْدَامُ، وَإِنَّ سُوءَ الْخُلُقِ لَيُفْسِدُ الْعَمَلَ كَمَا يُفْسِدُ الْخَلُّ الْعَسَلَ ".
فرأى الشيخ أن بكر بن خنيس يحسّن حديثه.
فقال رحمه الله تعالى:
" لكن قد جاء بإسناد خير من هذا، فرواه ابن أبي الدنيا في "قضاء الحوائج" (رقم 36)، وأبو إسحاق المزكي في "الفوائد المنتخبة" (1 / 147 / 2) -ببعضه - وابن عساكر (11 / 444 / 1) من طرق عن بكر بن خنيس عن عبد الله بن دينار عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. كذا قال ابن أبي الدنيا، وقال الآخران: عن عبد الله بن عمر - قال: قيل يا رسول الله من أحب الناس إلى الله ... " وفيه الزيادة.
قلت: وهذا إسناد حسن، فإن بكر بن خنيس، صدوق له أغلاط كما قال الحافظ.
وعبد الله بن دينار ثقة من رجال الشيخين.
فثبت الحديث. والحمد لله تعالى " انتهى من "السلسلة الصحيحة" (2 / 575 - 576).
فالشيخ اتبع الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى، في قوله:
" بكر بن خنيس، كوفي عابد، سكن بغداد، صدوق له أغلاط أفرط فيه ابن حبان " انتهى من "تقريب التهذيب" (ص 126).
لكن الراجح فيه الضعف، كما نص الحافظ ابن حجر نفسه في "فتح الباري" (9 / 432)، وفي "التلخيص الحبير" (5 / 2348)، و (5 / 2396).
ولذا قال مؤلفو "تحرير تقريب التهذيب" (1 / 181):
" بل: ضعيف، ضعَّفه يحيى بن معين، وعليُّ بن المديني، وعمرو بن علي الفَلَّاس، ويعقوب بن شَيْبة السَّدُوسي، والنسائي، ويعقوب بن سفيان الفسوي، وابن عدي. وقال أحمد بن صالح، وابن خِراش، والدارقطني، والجوزقاني: متروكٌ. وقال أبو داود: ليس بشيء. وقال أبو زُرْعة: ذاهب، وضعَّفه العقيلي... " انتهى.
وهذا الذي رجحه الشيخ الألباني نفسه في مواضع من كتبه منها قوله في "السلسلة الضعيفة" (13 / 782):
" بكر بن خنيس مختلف فيه، فوثقه بعضهم وضعفه الجمهور، كما ترى أقوالهم في "تهذيب الحافظ"، وقال في "تقريبه":
"صدوق له أغلاط، أفرط فيه ابن حبان".
والحق أنه كما قال الذهبي في "الكاشف": واه. " انتهى.
فلذا الراجح ضعف هذا الحديث، كما أشار إلى هذا جمع من المحققين في هذا العصر.
وينبغي التنبه إلى أن علم التصحيح والتضعيف، وإن كانت له أصول وقواعد ثابتة، إلا أن تطبيقاته محل اجتهاد كحال علم الفقه، فقد يختلف علماء الحديث في تصحيح حديث، وقد يتغير اجتهاد العالم الواحد فيضعف حديثا في وقت ، ويحسنه أو يصححه في وقت آخر وكذا العكس، وربما وقع من المجتهد في هذا العلم الوهم والسهو والخطأ، كحال المجتهدين في مسائل الفقه.