"واجتنبوا الطاغوت "
ومعني الطاغوت :
هو كل من جاوز حده كعبد او تعدى حدود الله، وهو كل ما تجاوز العبد به حده من معبود أو متبوع أو مطاع ، فطاغوت كل قوم من يتحاكمون إليه غير الله ورسوله ، أو يعبدونه من دون الله، أو يتبعونه على غير بصيرة من الله ، أو يطيعونه فيما لا يعلمون أنه طاعة لله .
رؤوس الطواغيت :
وهم خمسة :_
١_ الشيطان الداعي لعبادة غير الله :
قال تعالى :" ألم أعهد إليكم يا بني ءادم ألا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين "
وطاعته في الكفر كفر ، وأما طاعته في المعاصي التي يأمر بها مع اعتقاد القلب وبقائه على أصل الإيمان بالله فهي ليست طاعة تامة
مثل:
من يزني وهو يعتقد أن الزنا حرام فهذه معصية وليست كفر
أما إذا اعتقد أنها حلال واستحلها يكفر
وحد العبد الذي لا يجاوزه ان يدعو لعبادة الله وحده
٢_الحاكم الذي يحكم بغير ما أنزل الله هو طاغوت بنص القرآن
٣_ الحاكم الجائر الذي يغير أحكام الله وهو قريب من الذي قبله إلا أنه يدعي لنفسه حق التبديل والتعديل على احكام الله من قبل نفسه
مثل :
الأحبار والرهبان ، وشيوخ الضلال
اما الذي قبله فيدعي الاستقلال بالحكم
٤_الكاهن الذي يدعي معرفة الغيب
٥_ الساحر الذي يدعي ملك الضر والنفع
فكل الطواغيت تنزل تحت هذه الرؤوس الخمسة
كيفية / صفة الكفر بالطاغوت :
أن نعتقد بطلان عبادة غير الله عز وجل، وبطلان ما ادعاه الطواغيت لأنفسهم من صفات الربوبية أو حقوق الألوهية ، ونبغضهم ونعاديهم
وأيضا بالسعي بكل ما نقدر عليه باللسان واليد و المال لإبطال عبادتهم حتى يكون الدين كله لله
قال الرسول صلى الله عليه وسلم:
"بعثت بين يدي الساعة بالسيف حتى يُعبد الله وحده لا شريك له"
وهذا مصداقا قول الله عز وجل:
" وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله"
فالجهاد الإسلامي غايته تحقيق التوحيد وتقليل المفاسد ، وإقامة الحق ،. إزالة عبادة الطواغيت كلية أو تقليلها قدر المستطاع وليس كما يظن البعض أن الغاية من الجهاد القتل فقط
كما قال ربعي بن عامر لرسطم قائد الفرس :
" الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله ، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها ، ومن جور الأديان إلى الإسلام فأرسلنا بدينه إلى خلقه لندعوهم إليه فمن قبل ذلك قبلنا منه ورجعنا عنه ، ومن أبىٰ قاتلناه ابدا حتى نفضي إلى موعود الله عز وجل "
وقول الله تعالى:
" وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا ،،،"
معناها :
قضى اي امر ووصى ، وهذا القضاء قضاء شرعي وهو الذي يحبه الله ويرضاه من عباده ، وهو الذي يحاسبهم عليه
وهذا غير القضاء الكوني في قوله :
" وإذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون "
وهو متعلق بما أراد الله إيجاده وتكوينه مما يحبه ومما لا يحبه ولكن الله خلقه لحكمة بالغة ومصالح عظيمه كما سبق شرحه اول الدرس.
فلو كانت هذه الآية " وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه" من باب القضاء الكوني لما عبد أحد غير الله ، وما كان يوجد أحد لا يحسن إلى والديه
فالقضاء الشرعي مطلوب من الجميع لكنه لا يحدث من الجميع
وفي الآيات المحكمات في سورة الإسراء التي نبهنا الله على عظم شأنها بقوله " ذلك مما أوحى إليك ربك من الحكمة "
فيها البدء بالنهي عن الشرك والأمر بالتوحيد في قوله :" لا تجعل مع الله إلها آخر فتقعد مذموما مخذولا "
وختم بها ايضا :
" ولا تجعل مع الله إلها آخر فتلقى في جهنم ملوما محسورا "
فهذا تنبيه على عظم شأن التوحيد ومنزلته ، وخطر الشرك وعاقبته في الدنيا أولا وفي الآخرة.
وأيضا الآية فيها وجوب بر الوالدين والإحسان إليهما
وقوله :" واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا،،،"
وهذه الآية التي في سورة النساء وتسمى آية الحقوق العشرة فبدأت في أولها بحق الله على العباد ثم حق الوالدين ثم القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل ،،،
وقال ابن عباس في تفسيرها ( الجار الجنب) اي الذي ليس بينك وبينه قرابة
و( الصاحب بالجنب ) الرفيق في السفر ، وقيل المرأة ، وقيل هو الملازم يرافقك ويرجو نفعك
ورجح الامام بن جرير كل هذه المعاني
فايضا بدء هذه الآية بالأمر بالتوحيد يدل على أهميته وعظمته ، ونبذ الشرك
وذكر هذه الحقوق العشرة بعدها يدل على عظم بر الوالدين وأهمية باقي الحقوق بعدها
وقوله تعالى :
" قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا،،،"
فيكون معناها أن الله حرم عليكم ما وصاكم بتركه من الإشراك به
وهذه الثلاث آيات التي في سورة الأنعام أيضا فيها ١٠ احكام بدأها بالنهي عن الشرك
وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال :
" كنت رديف النبي صلى الله عليه وسلم على حمار فقال يا معاذ أتدري ما حق الله على العباد ، وما حق العباد على الله؟ قلت : الله ورسوله أعلم ، قال :" حق الله على العباد ان يعبدوه ولا يشاركوا به شيئا ، وحق العباد على الله ألا يعذب من لا يشرك به شيئا " ،فقلت يا رسول الله أفلا ابشر الناس ؟ ، قال :" لا تبشرهم فيتكلوا "
فذكر الحديث حق الله على العباد
فلابد أن نعلم أن التوحيد هو حق الله على العبيد
اما حق العباد على الله فيقول فيه ابن تيمية أنه استحقاق انعام وفضل وليس استحقاق مقابلة
فالله هو الذي أوجب ذلك على نفسه ، ولم يوجبه على اي مخلوق آخر
كما أنه كتب على نفسه الرحمة ، وحرم على
نفسه الظلم
فهذا قول أكثر أهل السنة ، ومنهم من يقول ( حقهم ) اي المتحقق وقوعه
فحق الله على العباد هذا حق واجب أوجبه عليهم
اما حق العباد على الله هذا حق أوجبه الله على نفسه فقط ، ولم يوجبه على اي احد ، ولا يحق لأحد أن يوجبه على الله
ونستفيد أيضا من هذا الحديث :
جواز كتمان العلم الزائد للمصلحة ، فقد قال الرسول لمعاذ :" لا تبشرهم فيتكلوا "
أيضا جواز تخصيص بعض الناس بالعلم ، فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم:" خاطبوا الناس بقدر عقولهم "
فالنبي كان يكلم الصحابة ،ولكن يخصص بعضهم ببعض العلم الذي يتحمله ويأتي الوقت المناسب لينشره
فهذا الحديث لم ينشره معاذ الا قبل وفاته خوفا ان يكون كتم شيئا عن الرسول ولم يبلغه
أيضا الخوف من الاتكال على سعة رحمة الله ، وذلك في قوله :" لا تبشرهم فيتكلوا "
فنحن مأمورون بالاتكال على الله لكن لا نتواكل ولا يكون الأمر بالتمني وترك العمل كمن يفعل المعاصي ويقول إن الله غفور رحيم ولا يستحضر أن الله شديد العقاب
فلابد للمؤمن أن يجمع في عبادته بين ٣ اشياء ( الحب ، والخوف ،.والرجاء)
وأيضا فيه رحمة النبي على أمته وكيف أنه مشفق عليهم
وأيضا. فيه دلالة على حسن خلقه وتواضعه صلى الله عليه وسلم ، وفيه حسن الادب من المتعلم ، وجواز الارداف على الدابة
وفيه أيضا قول المسئول عما لا يعلم :" الله ورسوله أعلم" كما قال معاذ بن جبل فنتعلم الا نتكلم في شيئ إلا بعلم ، فهذا من آداب هذا الحديث العظيم
وفيه أيضا فضيلة معاذ بن جبل
وأيضا يدل على عظم شأن هذه المسألة، وهي عظم التوحيد وفضله واثره في الدنيا والآخرة وأن حياتنا كلها تقوم على التوحيد ، وهو الغاية التي خلقنا لأجلها ولا يشغلنا عنها شيئ في الدنيا ، بل لابد أن نجعل حياتنا كلها تدور حول هذه الغاية ، وخدمة التوحيد..