معني من حقق التوحيد دخل الجنة بغير حساب
شرح لكتاب التوحيد للشيخ محمد بن عبد الوهاب
قال تعالى : "إن إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين "
لآية فيها وصف بأن ابراهيم كان أمة لانه كان حنيفا لا يميل عن الحق وصبر على كل الاختبارات من ذبح ابنه ومن فراق ولده وختانه وهو في سن كبير والقي في النار
وكل بلاء يزداد به إيمانا
وكان توابا كثير التوبة اوابا منيبا
فمدح الله إبراهيم بأنه لم يك من المشركين
فهذا ثناء من الله عليه
" والذين هم بربهم لايشركون "
فكل من آمن بالله ووحد به وكانت عقيدته وتوحيده خالصا لله بلا شرك ولا شوائب عقيدية يمدح ويكون له فضل التوحيد وكماله ولم يقع في شرك كبير ولا صغير حق له أن يدخل الجنة بفضل الله
فهذا ثناء الله على أوليائه الذين سلمت عقائدهم من الشرك
وليس الأولياء كما يظن الناس أنهم الدراويش الذين في المقابر والأضرحة
أولياء الله الصالحين لا يعلمهم إلا الله
وان من شرط الولاية لله أن يكون صافيا من الشرك
الحديث:
"عن حصين بن عبد الرحمن قال : كنت عند سعيد بن جبير فقال : أيكم رأى الكوكب الذي انقض البارحة ؟ فقلت : أنا ثم قلت : أما إني لم أكن في صلاة ( قول عبد الرحمن بن حصين ولكني لم أكن في صلاة اي لم يكن يقيم الليل وقتها لانه كان من المعروف عندهم ان من كان مستيقظا في الليل يصلي
وهذا دليل على بعد السلف عن مدح الإنسان بما ليس فيه
وهذا من فقه الصحابة ومن عظيم سعيهم لنقاء قلوبهم فكانوا لا يحبوا أن يحمدوا بما لم يفعلوا)
=وقال ولكني لدغت ( أي سبب استيقاظه أنه لدغ)
قال : فما صنعت ، قلت : ارتقيت (اي قرأت الرقية) قال : فما حملك على ذلك قلت : حديث حدثناه الشعبي ،قال : فما حدثكم ،قلت : حدثنا عن بريدة بن حصين انه قال : لا رقية إلا من عين أو حمة ( أي من حسد والحمة إما أن تكون إثر اللدغ أو الحمة المعلومة)
الرقية هنا هي الرقية المعلومة وهي ما يستشفى به من قراءة القرآن أو من الأحاديث التي وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم
وأنه لا أشفى ولا أولي من رقية العين وهي إفاضة العائن غيره بعينه والحمة أي السم أو اللدغ
=فقال قد أحسن من انتهى إلى ما سمع لكن حدثنا ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم
( اي كلامك صحيح لكن هناك حديث آخر لم تسمع به)
فهذا دليل على عمق علم السلف وفهمهم أنه لا تعارض بين الحديثين ولكن لكل حديث وجهته ولكل حديث فائدة وفيه ذم من يعمل بجهله اي دليل على جهل من يعمل عمل بدون دليل أما الصحابة لا يعملون إلا بدليل.
=انه قال : "عرضت علي الأمم فرأيت النبي ومعه الرهط والنبي ومعه الرجل والرجلان والنبي وليس معه أحد ( الرهط هم الجماعة من ٣ إلى ٩ )
الأنبياء لم يقصروا في دعوتهم
وعدم وجود أتباع كثر ليس دليلا على تقصير الداعي ورجوعه للسلف وطريقة الأنبياء وأهل العلم والقواعد الشرعية
فهذا دليل على قلة من استجاب للأنبياء
فكيف بنا ونحن لم نفعل أفعالهم ولم نبذل بذلهم ولم تقم بحق الله كما قاموا هم ثم نريد أن يعطى لنا ما لم يعطى الأنبياء
فوجب على من يدعو إلى الله أن يكون صابرا محتسبا ويمشي في الطريق ولا يتركه وان قل من يتبعه
امض ولا تلتفت وثق بأن الله وعد بالنصر لكن لا تنتظر متى يأتي
وأيضا يدل على أن كل أمة تحشر مع نبيها
ومن لم يجبه أحد يحشر وحده
وأيضا ثمرة هذا العلم عدم الاغترار بالكثرة وعدم الزهد في القلة
فليس كثرة الأتباع دليلا على صحة المنهج وليس قلة الأتباع دليلا على خطأ المنهج
فالقلة والكثرة ليست دليلا ولا مقياسا في الشرع
وصحة المنهج ترجع إلى الشرع والدليل والقواعد.
=إذ رفع بي سواد عظيم فظننت أنهم أمتي
(فسمي كثرة الناس بالسواد فإذا اجتمع رجال من بعيد برءوسهم وشعرهم يسود فيهم اللون الأسود
والسواد هو الشخص الذي يُرى من بعيد )
=فقيل لي هذا موسى وقومه ، فنظرت فإذا سواد عظيم فقيل لي هذه أمتك
فهذا دليل على أن أمة موسى وأتباعه كانوا كثرا لكن أتباع النبي أكثر
=ومعهم سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب
ثم نهض فدخل منزله ، فخاض الناس في أولئك
(اي تكلموا وتناظروا في ذلك واخذوا يتحدثون فيما سمعوا من النبي )
وهذا دليل على حرص الصحابة في الأخذ بالأسباب التي تدخلهم الجنة بغير حساب
وفيه أيضا دليل على إباحة المناظرة في العلم
وتكون بالنصوص الشرعية والمباحثة في الشرع على جهة الاستفادة ونصر الحق
ومن يعترض و يقول أن دين الإسلام ليس فيه مناظرة لأهل الباطل فهو يشك في دينه ويشك في قوة أدلته وحجة ولا يستطيع أن يناظر أهل الضلال
والمناظرة تكون للكل الكافر والمنافق والعاصي
تعليما وتوجيهات وردا على الشبهات
والمناظرة تكون ممنوعة في حالتين ؟!
_ اما في حالة إذا كان صاحب البدعة فصيح البيان قوي اللسان ومن يناظره صاحب حق لكنه ضعيف الحجة والبيان فهذا لا يحق له أن يناظر كي لا يفتن الناس ويثبت الباطل لهم ويقع في الشبهات
_واذا كان الشخص من أهل بدع لكنه غير معروف للناس فلا تناظره كي يظل مجهولا بين الناس ولا تنتشر ضلالته
=فقال بعضهم فلعلهم الذين صحبوا رسول الله
وقال بعضهم فلعلهم الذين ولدوا في الإسلام فلم يشاركوا بالله شيئا ... وذكروا اشياء ،
فخرج عليهم رسول الله فأخبروه ، فقال : " هم الذين لا يسترقون ، ولا يكتوون ، ولا يتطيرون ، وعلى ربهم يتوكلون "
وفي رواية لا يرقون ولا يسترقون
فالمسترقي : سائل ملتفت بقلبه لغير الله
والراقي : محسن لانه يرقي نفسه من نفسه
فهذا من تمام التوكل فلا يسئلون غيرهم ان يرقيهم ويكويهم
" لا يرقون ولا يسترقون "
ويحتمل في هذا الحديث أن يكون :
الذي كره في الرقى ما كان من رقى الشرك والجاهلية وما كان مصحوبا بتعاويذ الجن والشياطين والأحجبة والذهاب للدجالين
فلذلك قال بعض أهل العلم لا يرقون اي لا يرقون رقى الجاهلية ولا يسترقون اي لا يطلبون الرقية الشرعية من احد لكمال توكلهم على الله
وهذا هو التفصيل الأرجح للحديث
أدلة جواز الرقية الشرعية ؟!
عن عوف بن مالك رضي الله عنه قال: كنا نرقي في الجاهلية فقلنا يا رسول الله كيف ترى في ذلك ، فقال : أعرضوا علي رقاكم ، فقال لا بأس بالرقة ما لم يكن فيها شرك "
وفي حديث عائشة قالت : أمر أن يسترقى من العين
وهذا الأمر بالاسترقاء يكون بالإباحة في طلب الرقية الشرعية من العين لانه جاء بعد حديث النهي عنه
ويدل عليه أيضا حديث جابر " كان لي خال يرقي من العقرب فنهى النبي عن الرقية ، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله انك نهيت عن الرقية وانا ارقي من العقرب فقال : من استطاع منكم أن ينفع أخاه فليفعل "
إذن الاحاديث التي وردت في الرقية جائزة ولكن عدم طلبها من الآخرين هو من تمام التوكل
وورد أيضا حديث عائشة أن النبي صل الله عليه وسلم كان يعود بعض أهله فيقول اللهم رب الناس أذهب الباس واشف أنت الشافي لا شفاء الا شفاؤك شفاء لا يغادر سقما
فهذا دليل على أن النبي كان يرقي أهله
وورد في حديث عن أبي سعيد " أن جبريل أتى النبي فقال يا محمد : أشتكيت؟ فقال نعم فرقاه جبريل وقال : بسم الله أرقيك من كل شيئ يؤذيك ومن شر كل نفس او عين حاسد الله يشفيك بسم الله أرقيك"
إذن يجوز ان ترقي نفسك بالرقية الشرعية أو يرقيك به غيرك دون أن تطلبي منه ذلم
والدليل أن النبي رقاه جبريل من غير طلب منه صلى الله عليه وسلم وهذا لم يخرجه من مرتبة كمال التوكل
وفي حديث لعائشة " أن النبي إذا اشتكى يقرأ على نفسه بالمعوذات وينفث ، فلما اشتد عليه الوجع كنت أقرأ عليه وامسح بيده رجاء بركتها"
فهذا كله كان من غير طلب منه
وهذا طبعا لا يدل على جواز التبرك بأحد غير النبي فهذا خاص به
"وعن عثمان بن أبي العاص الثقفي انه اشتكى لرسول الله وجعا يجده في جسده منذ أسلم
فقال له الرسول ضع يدك على الذي تألم من جسدك وقل بسم الله ثلاثا وقل سبع مرات أعوذ بالله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر"
وهذا لا يمنع أن نأخذ بالأسباب والعلاج فهناك أمراض عضوية تحتاج إلى علاج بجانب الرقية
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" تداووا"
فأمر بأخذ الدواء لأجل الشفاء مع الاستعانة والتوكل على الله والجوارح تأخذ بالاسباب والقلب معلق بالله فقط لا ينصرف إليها
وعن أبي سعيد الخدري ان ناسا من أصحاب رسول الله كانوا في سفر ومروا بحي من أحياء العرب فاستضافوهم فلم يضيفوهم فقالوا لهم هل فيكم راقٍ فإن سيد الحي لدغ فقال رجل منهم نعم فأتاه فرقاه بفاتحة الكتاب فبرئ الرجل ، فأعطاه قطيعا من غنم ، فأبى الصحابي أن يقبلها وقال سأذكر ذلك للنبي ، فأتى النبي فذكر ذلك له فقال يا رسول الله والله ما رقيت الا بفاتحة الكتاب ، فتبسم النبي صلى الله عليه وسلم وقال : وما أدراك انها رقية ، ثم قال : خذوا منهم واضربوا لي بسهم معكم "
فالأمر الأول :
تبسم النبي يدل على جواز الرقية بها
والأمر الثاني :
جواز أخذ الاجر .
● ماهي الرقية الشرعية الجائزة ؟!
التي تكون بالقرآن وبأسماء الله تعالى وصفاته والأحاديث النبوية الشريفة المعلومة
اماا التي لا تجوز اعمال الدجل والسحر والشعوذة وأقوال الكفر وغيرها من أمور الجاهلية والاستعانة بالجن
والدليل حديث بن مسعود "إن الرقى والتمائم والتولة شرك"
● شروط الرقية الشرعية ؟!
١_أن تكون بكلام الله تعالى وأسمائه وصفاته
٢_ان تكون بلسان عربي وبما عرف معناه فلا تجوز الحروف المقطعة وغيرها من تعاويذ الجن
٣_أن يعتقد أن الرقية لا تؤثر بذاتها لكن بذات الرب عز وجل
● أشكال الرقية الشرعية ؟!
١_القراءة عنده أو عليه أو عند رأسه أو الدعاء
٢_المسح باليد اليمنى مع الدعاء
٣_وضع اليد اليمنى على موضع الألم مع الدعاء والقراءة
٤_جمع البذاق (اي الريق )والتفل خصوصا في اللدغ مع قراءة الرقية
٥_النفس اي تقرأي مع النفس أمام يدك وتمسحي بها جسدك
٦_أخذ شيء من الريق ووضعه على الأرض ثم على موضع الألم مع الدعاء
● أشكال الرقية غير الشرعية ؟!
وبالنسبة لكتابة الآيات ووضع الزعفران والماء وغيره فيها وشربه أو رشه
بعض أهل العلم قال إنه من التمائم
وبعضهم قال إنه جائز
لكن الأرجح منعها
اما ما يفعله الجهلة من كتابة الآيات في خرقة وحرقها أو كتابة الأحرف المقطعة على الجسد وغير ذلك هذا لا يجوز لان فيه امتهان للقرآن وهو من البدع المستحدثة
لان الرقية الشرعية يستشفى بقرائتها فقط
" لا يكتوون "
أدلة جواز الكي مع أفضلية تركه :
ثبت عن جابر ان الرسول صلى الله عليه وسلم بعث إلى أبي بن كعب طبيبا فقطع منه عرقا ثم كواه عليه
وعن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم:"الشفاء ثلاثة شربة عسل وشرطة محجم وكية نار وأنهى أمتي عن الكي وفي رواية " وما أحب أن اكتوي"
فهذا فيه دلالة على جواز الكي و لا يدل معني أن النبي لا يحبه على المنع بل يدل على الثناء على تاركه
والنهي عن فعله على سبيل الاختيار والكراهة لا التحريم ، لكن تركه اولى
واحتج بعض أهل العلم بهذا الحديث على ترك التداوي وهذا طبعا خطأ
لان هناك أسباب أخرى كثيرة غير الكي
لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " يا عباد الله تداووا"
والأحاديث تدل على جواز التداوي بل وجوبه وخاصة أن كان ترك العلاج سيؤدي إلى هلاك الإنسان
ويجب الكي ان لم يكن هناك حل غيره.
" لا يتطيرون "
ولا يتشائمون بالطيور وغيرها كمن يتشائم بالأرقام والأشخاص والطرق
فهو من كمال التوكل
أنهم لا يعلقون وجود الضرر والنفع بأحد
وأصل التطير في الجاهلية أنهم كانوا يعتمدون على الطير فكان أحدهم في الجاهلية إذا خرج لأمر ثم راي الطير طار يمينا تيمن وأكمل حاجته وإذا رأى الطير طار شمالا يتشائم ويرجع عن الأمر
الرسول مدح التفاؤل بالكلمة الطيبة فقط
قال صلى الله عليه وسلم :
" لا طير وخيرها الفأل ، قالوا : وما الفأل يا رسول الله؟ ، قال : الكلمة الصالحة يسمعها أحدكم "
وقال : "بشروا ولا تنفروا"
وعن أنس بن مالك قال : "كان الرسول صلى الله عليه وسلم يعجبه إذا خرج لحاجة ان يسمع يا راشد يا نجيح"
وكان يحب ان يسمع شخصا ينادي آخر باسمه فيستبشر
ومن ذلك قول النبي للصحابة يوم الحديبية
عندما جاء سهيل بن عمرو : لقد سهُل لكم من امركم "
من باب الاستبشار والتفاؤل
● وشرط التفاؤل بالكلمة الطيبة؟!
الا يقصد اليه فيصير من الطيرة فلا يعتقد في الكلمة بذاتها لكن يستبشر من ربه الخير
فالله جعل في الناس الارتياح والانس بالكلمة الطيبة مثل الانس بالمنظر الجميل مع أنه لا يملكه
ومما يجب الحذر منه في باب التطير
ما انتشر بين الناس مثل اعتقادهم في روث الطير أو بقطع النعل أو بهرش في اليد أو غيرها من الامور
وثبت في حديث مسعود إن الطيرة شرك
وقال وما منا الا وقع في قلبه ( يقصد التطير ) لكن يصرفه عنه التوكل على الله
الاسباب أما أن تكون :
١_ظاهرة يشترك في معرفته سبب للخير أو الشر كل الناس
وهذه الأسباب الانسان مأمور بالاخذ بما ينتفع بها وهي غالبا تعلم بالتجربة مثل ان شرب السم يقتل
٢_او سبب باطن لا يعرف بالتجربة ويعرف بالدليل والشرع فهناك أمور ورد فيها دليل مثل الحسد
٣_اما ما لم يعلم بالتجربة ولا بالدليل فهي باطلة
وتكون شركا اكبر اذا أعتقد أنها بذاتها تنفع أو تضر
واما لو اعتقد انها اسباب وعلامات فهذا شرك اصغر
فالأسباب نأخذها إما بالتجربة وما ورد فيه دليل
وما غير ذلك مما لم يرد في دليل ولم يعلم بالتجربة أو ورد فيه دليل بحرمته فهو من الأسباب باطلة ولا يجوز الأخذ بها وهي باب وذريعة الشرك الأكبر
● علاج التطير ؟!
التوكل على الله والدعاء والأخذ بالأسباب الظاهرة النافعة الشرعية التي ورد فيها دليل
وان يعلم الا نفع ولا ضر إلا بإذن الله
= فقام عكاشة بن محصن فقال ادع الله أن يجعلني منهم ، فقال : أنت منهم ، ثم قام رجل آخر فقال ادع الله أن يجعلني منهم فقال : سبقك بها عكاشة"
فضيلة عكاشة رضي الله عنه
وتسابق الصحابة على الخير وعلى دعاء النبي لهم
وفيه دليل على حسن خلق النبي صلى الله عليه وسلم
استخدام المعاريض حينما قال قد أحسن من انتهى إلى ما سمع ولكن كذا وكذا