وقد ورد اسم الله (الحكيم) في القرآن الكريم ما يقرب من مائة مرة
 قال تعالى: 
{وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ}

 وقال تعالى: 
{وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}
 
وقال تعالى: 
{وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}

 وقال تعالى:
 {وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا} .. 

_ سنلاحظ هنا أمور: 

الأمر الأول: 
أمر واضح وهو: أن هذا الاسم تكرّر في القرآن ما يقارب مائة مرة. 

الأمر الثاني : 
سنلاحظ أنه اقترن بأسماء متعددة، منها: الخبير, العزيز, العليم, الواسع. 

● وهذا الاسم العظيم دالٌّ على ثبوت كمال الحُكم لله وكمال الحِكمة
 
_ إذًا معنى الحكيم الأوّل سيتضمّن معنيان معًا: 
1_كمال الحُكم ..
2_ كمال الحِكمة.. 

شرح كِلا المعنيين :

 أمّا كمال الحُكم فبثبوت أن الحُكم لله وحده يحكم بين عباده بما يشاء، ويقضي فيهم بما يريد، لا رادّ لحكمه، ولا معقّب لقضائه

 قال تعالى: 
{أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ}

وكان الجواب (بلى)ويسمى جواب منفي

وقال تعالى: 
{أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا}

 وقال تعالى: 
{وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ}
 
وقال تعالى:
{ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ}

 وقال تعالى: 
{وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا}

❌ وليس لأحد أن يراجع الله في حكمه كما يراجع الناس بعضهم بعضًا في أحكامهم

 قال تعالى: 
{وَاللَّهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ}
 فحكمه في خلقه نافذ لا رادّ له... 

ماذا فهمنا الآن؟ 
فهمنا أن الحكم لله يحكم بين عباده كما يشاء، ويقضي بينهم كما يريد، لا رادّ لحكمه، ولا يستطيع أحد أن يراجع الله في حكمه. 

 ماذا نعتقد في حكمه؟!
نعتقد أنه خير الحاكمين وأحكم الحاكمين.  

_وثبوت الحكم له سبحانه يتضمن ثبوت جميع الأسماء الحسنى والصفات العلُيا؛ لأنه لا يكون حَكَمًا إلا سميعًا بصيرًا عليمًا خبيرًا متكلِّمًا مدبِّرًا، إلى غير ذلك من الأسماء والصفات.. 

_يعني كونك تثبت أن الله حكيم يحكم بين عباده، إذًا أنتِ تثبت أنه سميع، بصير، عليم، قريب، متكلم
 تثبت جملة عظيمة من صفاته ـــ سبحانه وتعالى ــ اللازمة لثبوت الحكم لله. 

وفي هذا إبطال لجعل الحكم لغير الله؛
لأن الحكم لا يكون إلا لكامل الصفات الذي له الأمر، وبيده التصرف
وتأمَّل هذا المعنى 
في قوله تعالى:
{فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ}

وقوله تعالى: 
{وَهُوَ اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَىٰ وَالْآخِرَةِ  وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}

 أي: لأنه الله الإله الذي لا إله إلا هو فإنه يُحمَد على ذلك في الأولى والآخرة

 ومما يستحقه: الحُكم؛ لـِمَا له من تمام الألوهية. 
 
وقوله تعالى:
{وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ}  
 أي: يُرَدّ إلى كتاب الله وسنة النبي ـــ صل الله عليه وسلم ـــ، فما حَكَمَا به فهو الحق، وما خالفهما فهو باطل. 

● صفات من له الحكم:
{ ذَٰلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيب}

_أول وصف: 
{عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ} أي: اعتمدت عليه بقلبي في جلب المنافع ودفع المضارّ واثقًا به. 

انظر لهذه الآيات المتتابعة في الشورى: 

الأولى:
 {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللهِ ذَلِكُمُ اللهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ}

 أي:
بعدما أخبر ـــ سبحانه وتعالى ـــ أن ما اختلفتم فيه من شيء فحكمه يُرَدّ إلى الله

قال مُبَيِّنًا صفات من له الحكم:
 هو الله ربي الذي
 
{عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ}
أي: اعتمدت عليه واطمأننت له

 { وَإِلَيْهِ أُنِيبُ }
 أي: أتوجّه له بقلبي وبدني. 

الثانية:
 { فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الأَنْعَامِ أَزْوَاجًا}

 ماذا يفعل لكم !؟
{يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ}
 أي: يبثّكم ويكثّركم، ويكثّر مواشيكم بسبب أنه جعل لكم من أنفسكم أزواجًا، وجعل لكم لأنعامكم أزواجًا
 {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} . 

الثالثة:
 {لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}

_إذًا: من صفاته ــ سبحانه وتعالى
 
_أنه ربنا ، وأن عليه الاعتماد وإليه الإنابة

_وهو فاطر السموات
، وهو الذي كثّرنا وأعطانا وهو ــ سبحانه وتعالى ــــ ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، له مقاليد السماوات والأرض،

 ماذا يفعل للخلق  ؟! 
يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر، فيوسّع على قوم، ويضيّق على قوم، وهو بكل شي عليم.

 أي:
أن الذي له هذه الصفات هو الذي يستحق أن يشرّع ويحلّل ويحرّم، وجَعْلُ ذلك لغيره أظلم الظلم وأعظم الجور 

{أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ} 

أي: أنه لا يستحق الحكم إلا من خلق وأعطى ورزق، ومَن قلبي إليه مطمئن هو الذي يستحق أن يحكم بين الخلق

وهو حقيقةً يحكم فيهم بأن يبسط لمن يشاء الأرزاق، ويقدِر على من يشاء الأرزاق، وهو ـــ سبحانه وتعالى ـــ ليس كمثله شيء
 
●لاحظ قوله تعالى: 
{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ}

جاء في سياق إثبات الحكم له تبارك وتعالى 
أي: هو وحده يستحق أن يحكم ولا أحد مثله

 {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}

 ليس كوصفه أحد من الخلق، فلا تظن خيرًا إلا فيه، 
وكل أحد غير الله وإن حَكَم فلا بد أن يتخطّفه هواه أو يرتكب الأخطاء، والله ـــ عز وجل ـــ تعالى عن ذلك كله. 

●  كما أن في ذلك دلالة على أن مَن هذه شأنه هو المستحق وحده أن يُفرَد بالذل والخضوع
 قال تعالى: 
{إِنِ الحُكْمُ إِلَّا للهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ القَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ}

{أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} ماذا؟
  أكثر الناس لا يعلمون 
أن هذا الدين هو الذي يُقيمهم

 لمـــاذا؟ 
لأنهم يستجيبون لنزعات أهوائهم. 


 ففي الحديث عن هانئ بن يزيد الحارثي:
 أنه لما وفد إلى الرسول صل الله عليه وسلم مع قومه سمعهم يكنّونه بأبي الحكم، 

فدعاه رسول الله صل الله عليه وسلم فقال: "إن الله تعالى هو الحَكَم وإليه الحُكم، فلِمَ تُكنَّى أبا الحكم؟" 

فقال: 
إن قومي إذا اختلفوا في شيء أتوني فحكمتُ بينهم فرضيَ كِلا الفريقين.
 
فقال رسول الله صل الله عليه وسلم:
"ما أحسن هذا، فما لك من الولد؟" قال: لي شُرَيح ومسلم وعبدالله. قال: "فمن أكبرهم؟" قلت: شُرَيح. قال: "فأنت أبو شُرَيح. " 

_غيّر الرسول صلى الله عليه وسلم كنيته لأن هذا الاسم خاص لله
 
إذًا هذا الاسم –الحَكَم- اسم خاص لله
 لا يُسمَّى به أحد وهو يُلاحَظ فيه معنى الصفة

لكن عندما يقولون -مثلًا-:
 هذا حكم المباراة، هذا حاكم في هذه المسابقة.  
فهذا لا بأس به

لكن متى يكون اسم الحكم ممنوعًا؟
 إذا لوحظت الصفة فيمن تسمّى به، كأن يحكم في شؤونهم، ويرضون بحكمه، لا أن يُقيَّد بحال
وإنما على وجه الإطلاق. 

إذًا: اسم الله الحكيم يحمل معنيين - كما اتفقنا-: 
1_الحُكم 
2_الحكمة 

_ وأخذنا معنى أن له الحكم، وكيف أنه لا رادّ لحكمه، وأن حكمه هو الصواب
وأنه يجب علينا أن نستسلم لحكمه لـِما له من كمال الصفات
 ويجب أن يكون في قلوبنا القبول بحكم الله ــ عز وجل ــ القدري والشرعي بدون منازعة. 

●أما كمال الحكمة فبثبوت الحكمة له سبحانه في خلقه وفي أمره وشرعه، حيث يضع الأشياء مواضعها ويُنزِلها منازلها، ولا يتوجه إليه سؤال ولا يقدح في حكمته مقال
  

●أما الحكمة في الخلق فإنه سبحانه:
 خلق الخلق بالحق، ومشتملًا على الحق، وكان نهايته وغايته الحق، أوجده بأحسن نظام، ورتّبه بأكمل إتقان

وأعطى كل مخلوق خلقه اللائق به، بل أعطى كل جزء من أجزاء المخلوقات وكل عضو من أعضاء الحيوانات خِلقته وهيئته اللائقة به، بحيث لا يُرى فيه شي من التفاوت والخلل
 
ومن أمثلة ذلك: 
السماء 
{مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ}

 ماذا تفعل؟ 
{فَارْجِعِ البَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ }

 ماذا سيحصل؟ 
{يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ البَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ}
 لا يُرى تفاوت في خلقه أبدًا. 

ولو اجتمعت عقول الخلق على أن يقترحوا مثلًا أو أحسن من هذه الموجودات لم يقدروا على ذلك 
{صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ}

_وإذا كان من المتقرِّر أن الله سبحانه له الكمال الذي لا يحيط به العباد، وأنه ما من كمال تفرضه الأذهان ويقدّره المقدّرون إلا والله أعظم من ذلك وأجلّ، فإن أفعاله وجميع ما أوصله إلى الخلق أكمل الأمور وأحسنها وأنظمها وأتقنها

 فالفعل يتبع في كماله وحُسنه إلى فاعله، والتدبير منسوب إلى مدبّره، و الله تعالى كما لا يشبه أحد في صفاته في العظمة والحُسن والجمال، فكذلك لا يشبهه أحد في أفعاله.

 هذا الكلام تابع للكلام الماضي. 

ماذا قرّر في أول الكلام ؟
_ قرّر أن الله ــ عز وجل ــ حكيم، وأفعاله كلها حكمة، ومخلوقاته كلها حكمة

_ولو اجتمع الناس على أن يقترحوا فيقولوا لو كان شكل هذا المخلوق كذا لكان أحسن لـَما استطاعوا، فإنهم لا يجدون أحسن مما خلق الله

 ثم بيّن أن الكمال الذي يوصَف به ـــ سبحانه وتعالى ــــ لا يمكن لأحد أن يحيط به علمًا، ولا أن يقدّره أحد، و إذا قدّر مَن قدّر كمال الله فالله أجلّ مما يقدّره أي مُقَدِّر. 

وكذلك الأفعال، فأنت عندما ترى أفعاله ستعلم أن أفعاله لا يمكن أن يقدّر الخلق عظمتها والحِكمة فيها ولو اجتمعوا. 

_فأنت عندما يقال لك: 
هذه الحكمة من الوضوء، وهذه الحكمة من الصلاة، أو هذه الحكمة من خلق هذا الحيوان، أو هذه الحكمة من خلق الأرض بهذه الصورة. 

_عليك أن تقول:
 هذا ما وصلتم إليه من الحكمة، أما أفعال الله فلا يمكن أن تحيطوا بها علمًا، بحيث أنكم تحصرون كمال حِكمته في ما تذكرون

لذلك من الأخطاء التي تحصل أن يُرَبَّى الناس على أن يعتقدوا أن هذه فقط هي حكمة الله من كذا وكذا. 

وإنما كلما قلت عن شيء من الحكمة لا بد أن تقول: 
أن هذا شيء من حكمة الله، وحكمة الله في كل شيء لا يُحاط بها، فأفعاله كلها حكمة وحكمته لا يحاط بها

والدليل على ذلك:
 أن هناك أشياء لا نعلم الحكمة منها، مثلًا:

 لو سألنا: لماذا كوكب المشتري موجود؟ لماذا كوكب الزهرة موجود؟ هل عندك جواب؟! ماذا سنفعل؟

 سنقول: أن الله هو الحكيم سبحانه الذي لا يمكن لأحد أن يحيط بحكمته
 لا بد أن تشعر بالعجز عن الإحاطة بحكمته كما أنك عاجز عن الإحاطة بكماله. 

سترى هذا أيضًا في شرعه: 
وأما الحكمة في أمره وشرعه فإنه تعالى شرع الشرائع، وأنزل الكتب وأرسل الرسل ليعرفه العباد ويعبدوه، فلم يخلقهم هملًا، ولم يوجدهم سُدًى، بل خلقهم لأكمل مقصد وأوجدهم لأجلّ غاية. 

ومعرفته تعالى وعبادته وحده لا شريك له -التي هي مقصود الخلق- هي أفضل العطايا منه تعالى لعباده على الإطلاق, و أجلّ الهبات وأشرف المِنَن لمن يـَمُنّ الله عليه بها ويكرمه ببلوغها وتحقيقها، وهي أكمل السعادة والفلاح والسرور للقلوب والأرواح، بل هي السبب الوحيد للوصول إلى السعادة الأبدية، والفلاح السرمدي..

هنا يبيّن أن الحكمة من أمره وشرعه وإنزاله لكتبه كلها تدور حول أمر واحد
 وهو أن يعرفه العباد
ولا تدري كم من وراء هذه المعرفة من حكمة

 فإن أُسّ السعادة وأساسها وصلاح المرء في دينه ودنياه كلها تدور حول هذه المعرفة، فلا تدري ولا تستطيع أن تقدّر ما مقدار الرحمة والحكمة التي أنعم الله بها على العباد حال تعليمه لهم عن نفسه

والخاسر حقيقةً في الدنيا الذي لم يعرف الله، هذا حقًّا خاسر! 
لأن الله ــ عز وجل ـــ من أعظم مِنَنِه على الخلق أن أنزل عليهم كتبًا يتعلمون منها عنه، فهذا أعظم ما تَسأل عنه، فالله أرسل الرسل وأنزل الكتب من أجل هذه الحكمة التي معرفة الله.  

فكان أولى ما تُجيب به وقت ما تُسأل عن الحكمة من خلق الخلق وإنشائهم أن تقول: 
خلق الله الخلق ليعرفوه، فإذا عرفوه عبدوه..

 هذا التسلسل منطقي مفهوم، وله أدلة في القران، ومن أدلته: -نفس الدليل الذي نحفظهُ كلنا 

أن الله خلق المخلوقات لحكمة عظيمة وهي: معرفته والتمتّع بعبادته. 

 وهذا الكلام موجود حتى في أصول الدين
 فإنه مما يُشكِل على الخلق كونهم لا يفهمون معنى أن يكونوا عِبادًا

ولكن للأسف...أتت المفاهيم الجديدة تشوّه كلمة (عبودية)، نعم أمر مؤذي ومُضِرّ أن تكون عبدًا للخلق، فهذا أمر تكرهه وتُبغضه

لكن عندما تأتي تتكلم عن الحرية لابد أن تتكلم عنها بمعناها الحقيقي
لأنك لا تظن أنك ستصبح حُرًّا عندما تتحرّر من العبودية لله! 
بل أنت ستنتقل من نوع عبودية إلى نوع عبودية آخر، ونوع العبودية الآخر هذا هو العبودية للهوى...

 والعبودية للهوى تجعلك في مرتبة أحطّ من مرتبة الحيوان. 

لو ذهبت لمنطقة بها حيوانات ستجدهم يمارسون كل الحياة المعروفة، من الأكل والشرب والتناسل أمام بعضهم بعض وأمام الناس ولهم أصوات ولغة يحدّث بعضهم بعضًا بها، 

هذه بالضبط صورة للإنسان لو ما كان عبدًا لله، بالضبط بهذه الصورة! بهذا الانفلات! بهذا القُبح! بهذه العلانية!
 
ما عليهم إلا أن يستيقظوا مع شروق الشمس ليأكلوا، ويشربوا، ويتنافسوا ويتقاتلوا، ويبحثوا عما يأكلونه ويتناسلوا، ثم يتهارجوا ويتصايحوا، ثم يعودوا فيناموا، وانتهى أمرهم!

هذه هي صورة الأنعام –الحيوانات- الحقيقية المعروفة التي لا يجادل فيها أحد، خلقهم الله لهذه الصورة من الحياة

 لكن الله أخرجك من هذه البهيميّة، وشرّفك، و بُيِّن لك أنك لو لم تكن عبدًا له ستكون عبدًا لهذه الشهوات: تأكل، تشرب، تصارخ، تتناسل، وينتهي الأمر! وتصبح كل يوم من هذا لهذا، ثم أنك لن تشبع! 

ما تأكله اليوم ستطمع فيه غدًا وأكثر
 سيكون حالك كل يوم إلى الأسوأ والأردى في عدم الشبع وزيادة الطمع. 

لابد أن تكون عبدًا
إن لم تكن عبدًا لله
 كنت عبدًا لهواك.. 

أي شيء تحاربه و تدافعه كي لا تكون عبدًا لله؟! 

ما الذي سَيَضِيق عليك لو أصبحت عبدًا لله؟! 

اسمع ما هي المميزات التي ستكون لك لو أصبحت عبدًا لله:

سيكون لك سيّد ومولى، تتوكل عليه فيكفيك، تناديه فيسمعك، تسترزقه فيرزقك
 إن كنت في مأزق يفرّج عليك، إن كنت في ضيق يلطف بك، يناديك في الثلث الأخير من الليل 

"مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ؟ مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ؟ مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ" 

كلما شعرت بشعور الخوف إليه تفزع، إليه تصمد، يكفيك، ويؤويك، 

بل يعاملك بالجَبْر فيجبر قلبك، ويعاملك باللطف فيخرجك من مضائق حياتك، ويعاملك بتمام الرأفة فيمهّد لك الأرض، ويعطيك ما يحملك وينقلك
كل هذا سيكون لك! 

إذًا ما الذي يضرّك في عبوديته؟! 

معنى أن تكون عبدًا: 
أي: أن لك سيد يكفل لك كل شؤونك، لك سيد يقال لك: عامِله بالاعتماد والتوكل، وهو يكفيك كل ما أهمّك

 واعلم أن سيدك ومولاك له كل الملك، يده سحّاء الليل والنهار، كريم ـــ سبحانه وتعالى  خزائنه ملأى

 أتدري ما أنفق منذ أن خلق السموات والأرض إلى أن تقوم الساعة؟ 

كمثل ما تدخل الإبرة في البحر، أتُنقِص منه شيئًا؟! 
لو أنقَصَت من البحر شيئًا لكان ما أنفقه على أهل الأرض في هذا الزمن نقص في ملكه شيء، لكن ملكه ــ سبحانه وتعالى ـــ لا ينقص

_فماذا تريد بعد ذلك؟! 

المطلوب منك فقط أن تعتمد عليه وتتوكل عليه، الخير سيجلبه لك، الشر سيصرفه عنك، يُقبِل عليك الشر فيحفظك منه

 فكل ما يقال لك عن العبودية معناه الكفاية
فأنت كُن عبدًا له وهو سبحانه وعدك بالكفاية
 فماذا يضرّك أن تكون عبدًا لرب العالمين؟! 

إلّا أن كلمة العبودية شُوِّهَت في عقول الخلق، وظنوا أنهم يهربون من العبودية والرِّق، وما عرفوا أنهم يخرجون من عبودية الله إلى عبودية الشيطان والهوى
 وما تدري هذا الذي يصبح عبدًا للشيطان والهوى ما حاله؟ 

أليست القلوب بيد الله؟ 
فحتى لو انشرح صدرك لأنه عاملك برأفته زمنًا من الأزمنة، أتظن أنه يُبقِي صدرك مشروحًا؟! 

الله ــ عز وجل ـــ حينما تهرب منه وتذهب بعيدًا عنه يعاملك برأفته وحِلمه، ولا يُضيق عليك الأمور مرةً واحدة

 وإنما يذيقك شيئًا من الآلام لكي تعود، وهو عنك غني، ولكن من تمام رأفته بخلقه وتربيته لهم أنه يعيدهم

فأنت عندما تظن خاطئًا -كما يظن مَن ليس له عقل، ولس برشيد- أن الهروب من الله يوصِل إلى السعادة تكون قد اغتررت بحلمه

واعلم أن الذين يقولون لك: نحن سعداء؛ لأننا في حرية وانطلاق
إنما هم في زمن بقائهم تحت حِلم الله، وزمن بقائهم تحت حِلم الله هو الذي يوهِم الناس أن هؤلاء سعداء

ثم إذا أتى الضيق والله لا يُفرَّج على القلوب ولو كانت الدنيا ملك يمينهم، فلا يغرّك هذا الهروب، 

واعلم أن العبودية نعمة أنعم الله ــــ  عز وجل  ـــ علينا بها، وشرف تشعر به إذا عرفت الله. 

●ومن تمام حكمت الله في معاملته لخلقه 
أن جعل كتابه(القرآن) مليئًا بالخبر عنه

_فأعظم الحِكم أنه خلقنا ورزقنا ولم يتركنا هملًا

_بل أرسل إلينا رسولًا، والرسول أتى بالكتاب، والكتاب فيه خبر عن الله

_فأعظم ما تشعر به وتشاهده من حكمته ـــ سبحانه وتعالى ـــ أنه علمك عن نفسه، وفي هذا ستكون السعادة والفلاح السرمدي. 

ماهو أول الشرع؟

 أول الدين أن تعرف الله، 
نعم...أُس الدين وأساسه أن تعرفه جل وعلا..

فإن شرعه قد اشتمل على كل خير، 
فأخباره تملأ القلوب علمًا وعقائد صحيحة، وتستقيم بها القلوب ويزول انحرافها، ويحصل لها أفضل المعارف وأجلّ العلوم ..

والمقصود من هذا:
أن الأخبار عن الله التي جاءت في الشرع تملأ قلبك علمًا وعقائد صحيحة..

_ فمن حكمته أن يخبرك عن نفسه بما أخبرك
ومن حكمته أن يعلّمك هذه العقائد التي بها تستقيم القلوب ويزول انحرافها، وأيضاً ستجد أن أوامره كلها منافع ومصالح. 

_وأوامره كلها منافع ومصالح، وتُثمِر الأخلاق الجميلة والخصال الكريمة والأعمال الصالحة والطاعات الزاكية، والهدي الكامل 
إذًا هذه آثار الأوامر 

_ونواهيه كلها موافقة للعقول الصحيحة والفِطَر السليمة، فلم ينهَ إلا عمّا يضر الناس في عقولهم وأخلاقهم وأعراضهم وأبدانهم وأموالهم  

ومن حُكمه وحِكمته سبحانه: مجازاة المحسن بإحسانه
هذا الحُكم والحِكمة في الجزاء. 

عرفنا الآن ثلاثة أنواع من الحُكم والحِكمة
● فنقول: أن حكمة الله –عز وجل- تظهر في ثلاثة أمور: 

1_ حكمته ـــ سبحانه وتعالى ـــ في خلق المخلوقات.
 
2_ حكمته ـــ سبحانه وتعالى ــ في شرع الشرائع. 

3_  حكمته ـــ سبحانه وتعالى ــ في الجزاء. 

●نرى حكمته في الجزاء:

 ومن حُكمه وحِكمته سبحانه مجازاة المحسِن بإحسانه، والمسيء بإساءته

قال تعالى في شأن المحسٍن:
{هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلَّا الإِحْسَانُ}

وقال في شأن المسيء: 
{ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوأَى}

إذًا من حكمته في جزائه أن كانت عاقبة الإحسان الإحسان، وعاقبة الإساءة السوء. 

أين الحكمة في أن يعاملنا الله بهذه المعاملة؟ 

الحكمة هي العدل؛
ثم من حكمته ـــ سبحانه وتعالى ـــأن يعاملهم بشيء من الفضل،

_فالحكمة تكون في العدل أو في الفضل. 
أي:
أن معاملة الله لخلقه ليست فقط العدلوإنما هناك نوعان من معاملة الله لخلقه تظهر فيهما الحكمة: 
▪معاملة العدل
▪ ومعاملة الفضل

_ لكن معاملة الفضل تكون مع المحسِن وهنا تكون الحكمة..

_والمسيء من حكمة الله ــ عز وجل ـــ أن يعامله بالإساءة التي يستحقها

أما المحسِن فيعامله الله إما بالإحسان المكافِئ ــ وهذا العدل ــ، أو يعامله بالفضل ـــ والفضل معناه الزيادة ـــ

● والأصل في معاملة الله للمحسنين(الفضل)

وفي معاملة الله ــ عز وجل ــ للمسيئين (العدل)

●نأتي هنا لمشكلة كبيرة في التفكير اتجاه الحكمة الجزائية:

 الله ــ عز وجل ـــ يخبِر أنه سيعامل المسيء بالسيئة، ويخبِر أنه لا يغفر أن يُشرَك به، ويخبِر أنه 

{لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ}
وأن الكفار مصيرهم الخلود في النار 

فيقال:
ربنا قادر على أن يدخله الجنة، أليس الله رحيم؟!. 

ما رأيك؟
 إذا عامل الله من مات على الكفر بالرحمة 
فإن ذلك سيخالف الحكمة

_ الله ــ عز وجل ــ حكيم، ومن حكمته أن يعامل المسيء بالعدل، وأن يعامل المحسِن بالفضل
فإن قلت بخلاف ذلك فقد اتّهمت حكمته. 

ولذلك انظر لعيسى ــ عليه السلام  ـــ كيف يفهم ذلك عن ربه فيقول: 
{إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ}
 أنت تعاملهم بما تريد
 {وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ} 
أي: أن مغفرتك صادرة من عزة وحكمة

 فمن المؤكد أنك لن تغفر إلا لمن يستحق المغفرة، لن تغفر لمن حكمت عليه بأنه مسيء..

وإلا فمعنى ذلك أن الإنسان سيمشي هذا الطريق الصعب ويشقّه، ويبقى موحّدًا !
🤚وغيره يُشرِك ويلهو، ثم بعد هذا كله يستوي هو والموحّد!!! 

هل تتصور أن من حكمة الله أن يساوي هذا المشرِك بالمؤمن الموحّد؟! 

الجواب: لا!
 ولا بد أن تتيقّن من هذا؛ لأن هذا يخالف حكمة الله

 كيف يقول الله في كتابه: 
{إِنَّ اللهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ}

  ثم تظن أنه سيأتي بحكم جزائي يخالف ما أخبر به؟!

❎ لا تختلط عليكم صفة الرحمة وصفة الحكمة لله عز وجل..


تعليقات