خرجَ العبد الصالح سليمان بن يسار رحمه الله من بلدته مسافِراً و معه رفيق له ، فانطلقوا إلى السوق ليشتري لهم طعاماً ، و قعد سليمان ينتظره ،
و كان سليمان بن يسار وسيماً قسيماً من أجمل الناس وجهاً ، و أورعهم عن محارم الله !!
فبصُرت به أعرابيّة من أهل الجبل ، فلما رأت حسنهُ و جماله انحدرت إليه ، و عليها البرقع ، فجاءت فوقفت بين يديه ،
فأسفرت عن وجهٍ لها كأنَّه فلقة قمرٍ ليلة التمام ثُمَّ قالت : " هبني " .
فَغَضَّ بَصَرهُ عنها ! ..
و ظنَّ أنَّها فقيرة مُحتاجة تُرِيدُ طعاماً ، فقام ليُعطيها من بعض الطَّعام الموجود لديه ،
فلمَّا رأت ذلك قالت له : لستُ أريد هذا الطعام ، إنَّما أريد ما يكون بين الرجل و زوجته !!
فتغيَّر وجه سليمان و تمعّر و صاح فيها قائِلاً :
لقد جهزّك إبليس !!
ثُمَّ غطَّى وجهه بكفَّيه ، و دسّ رأسه بين ركبتيه ، و أخذ بالبكاء و النَّحِيب !!
فلما رأت تلك المرأة الحسناء أنَّه لا ينظر إليها ، سَدلَت البرقع على وجهها ، و انصرفت و رجعت إلى خيمتها .
و بعد فترة ، جاء رفيقه و قد اشترى لهم طعامهم ، فلما رأى سليمان عيناهُ من شدّة البُكاء و انقطع صوته ،
قال له : ما يُبكِيك ؟!!
قال سليمان : خيراً ..
ذكرت صبيتي و أطفالي !!
فقال رفيقهُ : لا !! إنَّ لك قصة !! .. إنَّما عهدك بأطفالك منذ ثلاث أو نحوها ،،، فلم يزل به رفيقه حتَّى أخبره بقصة المرأة معه !! ,, فوضع رفيقه السفرة ، و جعل يبكِي بُكاء شديداً ،، فقال له سليمان : و أنت ما يُبكِيك ؟!
فقال رفيقه : أنا أحقّ بالبُكاء منك !!
قال سليمان : و لِمَ ؟!!
قال : لأنَّني أخشى أن لو كنت مكانك لما صبرتُ عنها !!
فأخذ سليمان ورفيقه يبكيان !!
ولما انتهى سليمان إلى مكة و طاف و سعى ، أتى الحجر و احتبى بثوبه ، فنعس و نام نومة خفيفة ،
فرأى في منامه ، رجلاً وسيماً جميلاً طولاً ، له هيئة حسنة و رائحة طيِّبة ،
فقال له سليمان
مَن أنت يرحمك الله ؟!!
قال الرجل : أنا يوسف النَّبيّ الصّدِّيق ابن يعقوب ،
قال سليمان : إنَّ في خبرك و خبرِ امراةِ العزيز لشأناً عجيباً !
فقال له يوسف عليه السَّلام :
بل شأنك و شأن الأعرابيّة أعجب !.
_ من كتاب حلية الأولياء لأبي نعيم (191/2)
العبرة :
إن لكم من قصص وأخبار السابقين بالإقتداء والأسوة الحسنة
2_غضوا أبصاركم يرحمكم الله