العين و الحسد و الفرق بينهما  ؟!
و العائن و الحاسد يشتركان في شيء و يفترقان في شيء، فيشتركان في أن كُلا منهما تتكيف نفسه و تُوَجهُ نحو من تقصد أذاه.

و العائن : تتكيف نفسه عنه مقابلة المعين و معاينته.

و الحاسد : يحصل حسده في الغيبة و الحضور

و يفترقان في أن العائن قد يعين من لا يحسده؛ من حيوان أو زرع، و إن كان لا ينفك من حسد صاحب، بل رما أصاب نفسه، و سببُه الإعجاب بالشيء و استعظامه، فإن رؤيته للشيء رؤية تعجب و تحديق مع تكيف بتلك الكيفية يؤثر في المعين.

و قوله تعالى " وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ " يعُم الحاسد من الجن و الإنس، فإن الشيطان و حزبَه يحسدون المؤمنين على ما آتاهم الله من فضله.

و لكن الوسواس أخص بشياطين الجن.

و الحسد أخص بشياطين الإنس.

و الوسواس يعمهما أيضا، فكلا الشيطانين حاسد موسوس، فالإستعاذة من شر الحاسد يعمهما جميعا.

فقد اشتملت السورة على الإستعاذة من كل شر في العالم، و تضمنت شرورا أربعة يُستعاذ منها:
شرا عاما و هو شر ما خلق
و شر غاسق إذا وقب

فهذان نوعان

ثم ذكر شر الساحر و الحاسد و هما نوعان أيضا، لأنهما من شر النفس الشريرة. و أحدهما يستعين بالشيطان و يعبُدُه، و هو الساحر، و قَل ما يتأتى السحر بدون نوع عبادة الشيطان و تقربٍ إليه، إما بذبح باسمه يقصد به هو، فيكون ذبحا لغير الله و بغير ذلك من أنواع الشرك.

و الساحر و إن لم يُسَم هذا عبادة للشيطان فهو عبادة له، و إن سَماهُ بما سماه به، فإن الشرك و الكفرَ هو شرك و كفر لحقيقته و معناه، لا لاسمه و لفظه، فمن سجد لمخلوق و قال ليس هذا سجود له، هذا خضوع، و يُقبلُ الأرض بالجبهة كما قبلها بالفم، و هذا إكرام؛ لم يخرج بهذه الألفاظ عن كونه سجود لغير الله، فليُسَمه بما شاء.

و كذلك من ذبح للشيطان و دعاه و استعاذ به و تقرب إليه، فقد عبده و إن لم يُسَم ذلك عبادة، بل يُسميه استخداما، و صَدَقَ، هو من استخدام الشيطانِ لهُ، فيصير خادما من خَدم الشيطان و عابديه، و بذلك يَخدُمُه الشيطان.
لكن خدمة الشيطان ليست خدمةَ عبادة، فإن الشيطان لا يخضع له و يعبُدُه كما يفعل هو به، و المقصود أن هذا عبادة منه للشيطان، و إن سماه استخداما.

و تأمل تقييدَه سبحانه شرَ الحاسد بقوله عز و جل: " إِذَا حَسَدَ " لأن الرجل قد يكون عنده حسد، و لكن يُخفيه و لا يترتب عليه أذى لا بقلبه و لا بلسانه و لا بيده، بل يجد في قلبه شيئا من ذُل، و لا يُعامل أخاه إلا بما يُحبه الله، فهذا لا يكاد يخلو منه أحد إلا من عَصَمَه الله.

و قيل للحسن البصري " أيَحسِد المؤمن؟ قال: ما أنساك إخوةَ يوسف؟ "
فالرجل إذا كان في قلبه حسد لكن يُخفيه و لا يترتب عليه أذى بوجه ما، لا بقلبه و لا بلسانه و يده، بل لا يُعامل أخاه إلا بما يحب الله، فهو لا يطيع نفسَه، بل يعصيها خوفا من الله و حياء منه أن يكرهَ نِعَمَه على عباده، فيرى ذلك مخالفة لله، و بُغضا لما يحب الله، فهو يجاهد نفسه على دفع ذلك، و يلزمها الدعاء للمحسود و تمني زيادة الخير له، فإن هذا الحسدَ الذي في قلبه لا يضره و لا يضر المحسود. بخلاف ما إذا حقق ذلك و حَسد، و رتبَ على حسده مُقتضاهُ من الأذى بالقلب و اللسان و الجوارح، فهذا الحسد المذموم، هذا كله حسد تمني الزوال.