أويس القرني ؛نسبة ،مناقبهُ،عبادته،وفاته ،خواطر وفوائد

أويس القرني ؛نسبة ،مناقبهُ،عبادته،وفاته ،خواطر وفوائد


سيرة أويس بن عامر ..:

نسب: أويس بن عامر وقبيلته
هو: أويس بن عامر بن جزء بن مالك...المرادي ثم القرني الزاهد المشهور.

 أدرك رسول الله ولم يره وسكن الكوفة وهو من كبار تابعيها، ومن أفضل التابعين، على خلاف، قال أحمد: هو سعيد بن المسيب، وقيل: هو أويس القرني، وقيل: الحسن البصري 
والصواب: أويس لما في صحيح مسلم: أن خير التابعين رجل يقال له: "أويس" وبعضهم قال: الأعلم ابن المسيب، والأزهد والعابد: أويس.

عاش أويس بن عامر في اليمن، وانتقل إلى الكوفة، وكان مع سيدنا علي بن أبي طالب في صفين وبها لقي الله شهيدًا.

روى أويس بن عامر عن عمر وعلي، وتعلم على يد كثير من الصحابة ونهل من علمهم حتى صار من أئمة التابعين زهدًا وورعًا، ولقد تعلم منه خلق كثير، تعلموا منه بره بأمه، وتواضعه لربه رغم ما ورد في فضله من أحاديث، ورغم ما ذكره به أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، وروى عنه بشير بن عمرو وعبد الرحمن بن أبي ليلى ذكره ابن سعد في الطبقة الأولى من تابعي أهل الكوفة وقال كان ثقة وذكره البخاري فقال في إسناده نظر وقال ابن عدي ليس له رواية لكن كان مالك ينكر وجوده إلا أن شهرته وشهرة أخباره لا تسع أحدا أن يشك فيه.

مناقب أويس القرني :
لأويس القرني مكانة عظيمة يعرفها الصحابة رضوان الله عليهم لما سمعوه من النبي ،

 ولقد أفرد الإمام مسلم في صحيحه بابًا من فضائل أويس القرني ، وروى مسلم بسنده عن أسير بن جابر قال: كان عمر بن الخطاب إذا أتى عليه أمداد أهل اليمن سألهم أفيكم أويس بن عامر حتى أتى على أويس فقال: أنت أويس بن عامر؟ قال: نعم قال: من مراد ثم من قرن؟ قال: نعم قال: فكان بك برص فبرأت منه إلا موضع درهم؟ قال: نعم قال: لك والدة؟ قال: نعم قال: سمعت رسول الله يقول: يأتي عليكم أويس بن عامر مع أمداد أهل اليمن من مراد ثم من قرن كان به برص فبرأ منه إلا موضع درهم له والدة هو بها بر لو أقسم على الله لأبره؛ فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل؛ فاستغفر لي فاستغفر له، فقال له عمر: أين تريد؟ قال: الكوفة قال: ألا أكتب لك إلى عاملها؟ قال: أكون في غبراء الناس أحب إلي قال: فلما كان من العام المقبل حج رجل من أشرافهم فوافق عمر فسأله عن أويس قال: تركته رث البيت قليل المتاع قال: سمعت رسول الله  يقول: يأتي عليكم أويس بن عامر مع أمداد أهل اليمن من مراد ثم من قرن كان به برص فبرأ منه إلا موضع درهم له والدة هو بها بر لو أقسم على الله لأبره فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل فأتى أويسًا فقال: استغفر لي قال: أنت أحدث عهدًا بسفر صالح فاستغفر لي قال: استغفر لي قال: أنت أحدث عهدا بسفر صالح فاستغفر لي قال: لقيت عمر قال: نعم فاستغفر له ففطن له الناس فانطلق على وجهه قال أسير وكسوته بردة فكان كلما رآه إنسان قال: من أين لأويس هذه البردة.

ونَادَى رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ يَوْمَ صِفِّينَ: فقال: أَفِيكُمْ أُوَيْسٌ الْقَرَنِيُّ، قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ 
يقول: "إِنَّ مِنْ خَيْرِ التَّابِعِينَ أُوَيْسًا الْقَرَنِيَّ".

عبادة أويس القرني :
لكل من يريد الوصول إلى الله طريقًا يلتمس فيه القرب من الله، وما يميزه عن غيره، فالبعض اتخذ قيام الليلة وسيلة القرب إلى الله، 
والبعض الآخر اتخذ الاستغفار بالأسحار الطريق الذي ينتهي به إلى حب الله،
 والبعض اتخذ التفكر وسيلة القرب من الله، ولم يكن أويس القرني كعامة الناس يحيا ولا يفكر إلا في طعامه وشرابه؛ لكنه فهم حقيقة هذه الدنيا، وأدان نفسه وعمل لما بعد الموت، وكان يغلب على أويس القرني التفكر في مخلوقات الله لتنتهي به إلى حب خالقها،

 ولما قدم هرم بن حيان الكوفة سأل عن أويس القرني فقيل له: هو يألف موضعًا من الفرات يقال له: العريض بين الجسر والعاقل ومن صفته كذا فمضى هرم حتى وقف عليه فإذا هو جالس ينظر إلى الماء ويفكر وكانت عبادة أويس الفكرة.

_وانعكست عبادة أويس القرني على سلوكه، مما أثر إيجابًا في الآخرين،
 فقد كان التأثير بسلوكه أكثر منه بقوله، فهو المتواضع لربه، البار بأمه، ومع ذلك فكان دائم النصح والتوجيه للآخرين، قائمًا بالحق رغم معادة الآخرين له ورميه بعظائم الأمور إلا أن ذلك لم يمنعه من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، 

ومما يروى في هذا الصدد أن رجلاً من "مراد" جاءه وقال له: السلام عليكم قال: وعليكم قال: كيف أنت يا أويس؟ قال: بخير نحمد الله قال: كيف الزمان عليكم؟ قال: ما تسأل رجلا إذا أمسى لم ير أنه يصبح، وإذا أصبح لم ير أنه يمسي، يا أخا مراد، إن الموت لم يُبق لمؤمن فرحًا يا أخا مراد، إن معرفة المؤمن بحقوق الله لم تبق له فضة وذهبًا، يا أخا مراد، إن قيام المؤمن بأمر الله لم يُبق له صديقًا والله إنا لنأمرهم بالمعروف وننهاهم عن المنكر فيتخذونا أعداءً ويجدون على ذلك من الفساق أعوانًا حتى والله لقد رموني بالعظائم، وأيم الله لا يمنعني ذلك أن أقوم لله بالحق..

_ولما طلب منه هرم بن حيان أن يوصيه قال له: قرأ عليه آيات من آخر حم الدخان من قوله: {إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقَاتُهُمْ أَجْمَعِينَ} [الدخان:40] حتى ختمها ثم قال له: يا هرم، احذر ليلة صبيحتها القيامة ولا تفارق الجماعة فتفارق دينك ما زاده عليه..

_وكان يخاطب أهل الكوفة قائلاً لهم: يا أهل الكوفة توسدوا الموت إذا نمتم، واجعلوه نصب أعينكم إذا قمتم.

_عاش أويس القرني بين الناس وهم يرمونه بالحجر فلا يجدون منه إلا أطيب الثمر، وكان يد الأذى تناله إلا أنه كان دائمًا ما يعفو ويصفح، وكان يجالسهم ويحدثهم رغم ما يصيبه من أذى ألسنتهم 

ويقول أسير بن جابر: كان محدث يتحدث بالكوفة فإذا فرغ من حديثه تفرقوا ويبقى رهط فيهم رجل يتكلم بكلام لا أسمع أحدًا يتكلم بكلامه فأحببته؛

 ففقدته فقلت لأصحابي: هل تعرفون رجلاً كان يجالسنا كذا وكذا؟ فقال رجل من القوم: نعم أنا أعرفه؛ ذاك أويس القرني قلت: أو تعرف منزله قال: نعم فانطلقت معه حتى جئت حجرته فخرج إلي فقلت: يا أخي ما حبسك عنا فقال: العري. قال: وكان أصحابه يسخرون منه ويؤذونه قال: قلت: خذ هذا البرد فالبسه قال: لا تفعل فإنهم يؤذونني قال: فلم أزل به حتى لبسه فخرج عليهم فقالوا: من ترى خدع عن برده هذا فجاء فوضعه وقال: قد ترى فأتيت المجلس فقلت: ما تريدون من هذا الرجل قد آذيتموه الرجل يعرى مرة ويكتسي مرة وأخذتهم بلساني..

وفاة أويس القرني :
خرج أويس القرني مع سيدنا علي كرم الله وجهه في موقعة صفين، وتمنى الشهادة ودعا الله قائلاً: اللهم ارزقني شهادة توجب لي الحياة والرزق. وقاتل بين يدي سيدنا علي حتى استشهد فنظروا فإذا عليه نيف وأربعون جراحة، وكان ذلك سنة 37 هـ في وقعة صفين.

المصادر:
- أسد الغابة
- الإصابة في تمييز الصحابة
 
......     ......    ......
خواطر وفوائد علي سيرة أويس القرني_رضي الله عنه :

_ إدراك أنّ جهلَ النّاسِ لإنسانٍ في الدّنيا لا يعني إلّا جهلهم إيّاه في الدّنيا، فكم من مجهولٍ في الأرض معروفٍ في السّماء.

_ تصحيح رؤيةِ الإنسان المسلم للدنيا، وتعاطيه مع ملذّاتها، فذاك أويسٌ رفضَ ما يراه أهل الدّنيا محمودًا من عطاء السّلطان والقرب من الوالي؛ 
لأنّه أدركَ حقيقةَ الدّنيا وأنّ الآخرة خير له وأبقى. إظهار حاجة المسلمِ إلى الغفران مهما بلغ عمله وعلمه، وعدم الاتّكال إلى العمل، فذاك عمر بن الخطّاب خليفة المسلمين -رضي الله عنه- يطلبُ من رجلٍ أقلّ منه خدمةً لدين الله أن يستغفر له.

_ الصبر في سفر الحَجِّ وزيارة بيت الله واجتناب مسألة الخلق: 
فلم يكُ أحد ممن عرف أويسًا بمانعٍ إعطاءه نفقة الحج وإعانته بالزاد والراحلة لو هو سأل أو عرض طلبه لذلك،
 وكيف يمكن ألَّا يكون مثل أويس مشتاقًا إلى زيارة البيت وأداء المناسك،
 ولكنه لما لم يُرزق استطاعة السبيل للحج؛
 لقلة ماله ورَثَاثةِ حاله - صبر وترك السفر، 
ففي ذلك سلوةٌ للحُزناء الذين لا يستطيعون إلى بيت الله سبيلًا؛ 
لأجل الفقر والمسكنة وضيق المعيشة، كما أن فيه أسوة حسنة لهم ليصبروا صبرًا جميلًا إن لم يملكوا المالَ لهذا السفر المبارك، فلا شك أن الزائرين قد حَظُوا بنعمة كبرى من زيارة بيت الله وشرف الصلاة فيه، لكن وسائل التقرب إلى الله غير محصورة ونعمَه المتكثرة غير محدودة، فمن لم يستطع السبيل، فعليه أن يجاهد نفسه في طاعة الله كيفما كان وأينما كان وحيثما كان.


_ الدعاء بعد الحسنة أقرب إلى الإجابة:
 فلما سأل الرجل اليمني أويسًا أن يدعو له، قال له أويس: "أنتَ أحدثُ عهدًا بسفر صالح، فاستغفِرْ لي"، ففيه أن الدعاء بعد الرجوع من سفر صالح بشكل خاص، وبعد كل حسنة أتى بها المرء بشكل عام - أقرب إلى الإجابة، فعلى المرء ألَّا يترك تلك الفرصة من الاستفادة والانتفاع، وأن يدعو إثر كل عمل صالح،


_زهد في الدنيا نادر، مع أنه قد عرضت عليه هذه الملاذ دون استشراف ولا طلب، ومن حاكم المسلمين، فلا بأس من أخذها شرعًا، ولكنه آثر أن يبقى متبذلاً، بعيدًا عن إغراءات الدنيا مهما كانت قليلة.

_ ولا بد من التنبيه على أن طلب عمر -رضي الله عنه- الدعاء من أويس لا يدل على فضل أويس على عمر، بل عمر أفضل منه، ولكن يدل على فضل أويس -رحمه الله- وصدقه وإجابة دعائه.
 وطلب الدعاء من الأدنى جائز، وهو ما حدث لعمر -رضي الله عنه- أيضًا مع الرسول -صلى الله عليه وسلم- حين استأذن النبي -صلى الله عليه وسلم- للعمرة، فأذن له وقال: "لا تنسنا يا أخي من دعائك"، وفي رواية: "أشركنا يا أخي في دعائك" رواه أبو داود والترمذي.

_ وقال هرم بن حيان له يومًا: أوصني، قال: توسد الموت إذا نمت، واجعله نصب عينيك، وإذا قمت فادع الله أن يصلح لك قلبك ونيتك، فلن تعالج شيئًا أشد عليك منهما.

_ فكم عالم يتعلم العلم ويعلّم الناس ليقال عالم، وكم غني يتصدق وينفق ليقال كريم، وكم من قوي شجاع يقاتل ليقال شجاع، وكم متزهد متعبد ليقال زاهد عابد، لذلك كان هؤلاء من أوائل من تسعر بهم النار يوم القيامة، 
كما في الحديث، أبو هريرة -رضي الله عنه-... قَالَ لَهُ نَاتِلُ أَخو الشَّامِ: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، حَدِّثْنَا حَدِيثًا سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: "إِنَّ أَوَّلَ النَّاسِ يُقْضَى فِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثَلَاثَةٌ: رَجُلٌ اسْتُشْهِدَ فَأَتَى بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعْمَتَهُ فَعَرَفَهَا، فَقَالَ: مَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ فَقَالَ: قَاتَلْتُ فِي سَبِيلِكَ حَتَّى اسْتُشْهِدْتُ، قَالَ: كَذَبْتَ إِنَّمَا أَرَدْتَ أَنْ يُقَالَ: فُلَانٌ جَرِيءٌ فَقَدْ قِيلَ فأمر بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ، وَرَجُلٌ تَعَلَّمَ الْعِلْمَ وَقَرَأَ الْقُرْآنَ فَأَتَى بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا، فَقَالَ: مَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: تَعَلَّمْتُ الْعِلْمَ وَقَرَأْتُ الْقُرْآنَ وَعَلَّمْتُهُ، قَالَ: كَذَبْتَ وَإِنَّما أَرَدْتَ أَنْ يُقَالَ: فُلَانٌ عَالِمٌ فُلَانٌ قَارِئٌ فَقَدْ قِيلَ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللهُ مِنْ أَنْوَاعِ الْمَالِ فَأَتَى بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا، فَقَالَ: مَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ فقَالَ: مَا تَرَكْتُ مِنْ شَيْءٍ تُحِبَّ أَنْ أُنْفِقَ إِلَّا أَنْفَقْتُ فِيهِ لَكَ، قَالَ: كَذَبْتَ إِنَّمَا أَرَدْتَ أَنْ يُقَالَ: فُلَانٌ جَوَادٌ، فَقَدْ قِيلَ، فَأُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ".

 الخلاصة:إننا إذا استعرضنا مثل هذه السير ليس لنا من هدف سوى ما ذكره الله -تعالى- في كتابه: (لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ) [يوسف:111]، فلنعرض حياتنا على مثل هذا التابعي العظيم لنكتشف الخلل، ولنراجع النوايا، ولنقبل على الله -تعالى- كما يحب -عز وجل-.

 
تعليقات