عين لا ترى الجميل ؛قصة ،وعبرة ،وخواطر

عين لا ترى الجميل ؛قصة ،وعبرة ،وخواطر


قصة :عين لا ترى الجميل !

ركب سيارة صاحبه.. فكانت أول كلمة قالها: ياه! ما أقدم سيارتك!
ولما دخل بيت صاحبه رأى الأثاث فقال: أوووه.. ما غيرت أثاث بيتك حتى الآن؟
بعد ذلك ولما رأى أولاد صاحبه قال: ما شاء الله .. حلوين، إلا أنه تابع قائلاً: لكن لماذا لم تلبسهم ملابس أحسن من هذه؟
ولما عاد إلى البيت قدّمت له زوجته طعامه.. وقد وقفت المسكينة في المطبخ ساعات طوال، نظر ورأى أنواعه فقال: يا الله.. لماذا لم تطبخي أيضا بعض الأرزّ؟
مد يده وتناول بعض الطعام ثم قال متذمراً: أوووه.. الملح قليل! لم أكن أشتهي هذا النوع!

دخل محلاً لبيع الفاكهة.. فإذا المحل مليء بأصناف الفواكه الشهية
فقال: هل عندك مانجو؟
ردَ صاحب المحل العجوز: لا .. هذه تأتي في الصيف فقط.
فقال: هل عندك بطيخ؟
فردَ صاحب المحل ثانية: لا.. أيضاً هذه تأتي في الصيف فقط.
فتغير وجهه وقال: ما عندك شيء؟ لماذا إذن لا تغلق هذا المحل؟
وخرج غاضباً ونسي أن في المحل أكثر من أربعين نوعاً من الفواكه.

العبرة من القصة  :

أخي الفاضل، أُختي الفاضلة
نعم، بعض الناس يزعجك بكثرة انتقاده، ولا يكاد يعجبه أي شيء، فلا يرى في الطعام اللذيذ إلا الشعرة التي سقطت فيه سهواً، ولا في الثوب النظيف إلا نقطة الحبر التي سالت عليه خطأً، ولا في الكتاب المفيد إلا خطأًً مطبعياً وقع سهواً، فلا يكاد يسلم أحد من انتقاده.. دائم الملاحظات.. يدقق على الكبيرة والصغيرة!!

في حقيقة الأمر .. من كان هذا حاله فقد عذب نفسه، وكرهه أقرب الناس إليه واستثقلوا مجالسته لأنه لا يقيم لمشاعر الناس اعتباراً، يجرحهم بكل سهولة ولا يعتقد أنه قد أخطأ بشيء!!

خواطر علي القصة :

 _الكلمةُ الطيبةُ جوازُ سفر إلى القلوب، يهَشُّ لها السمع، وتُسر بها النفسُ، وينشرح لها القلب، فتُبقي فيه أثرَها الطيب، وتنشر فيه أريجها الفواح، وتوتي أكلها كل حين؛ توثيقَ أواصر، وتقويةَ روابط، وتعزيزَ وشائج، ونشرَ وئام. ورضوانٌ من الله أكبر. وهي شجرة وارفة الظلال، مثمرة يانعة، ضربت في باطن الأرض جذورَها، وتمددت في الآفاق أغصانها وفروعها؛ 
قال الله تعالى:{أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ}[إبراهيم: 24 - 25]. 

_ وبالكلمة الطيبة تنال مطالب الآخرة فهي أسهل طريق لجني الحسنات، ورفع الدرجات، وحط السيئات، ودخول الجنات؛ 
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {والكلمة الطيبة صدقة}.

_ فبالكلمة الطيبة تحصل الرغبات كلها، فكم قربت بعيداً، ويسرت صعباً، وذللت عسيراً، وفتحت أبواباً، وعبدت طرقاً، وهيأت أسباباً، وبلغت غايات لا تبلغ إلا بشق الأنفس. تنساب انسياب الهواء، فتعطر الأرجاء، وتطيب الأنحاء، وتلطف الأجواء، وتصعد إلى السماء، تجاوز السحب، وتشق الحجب، مشتاقة لربها، وإليه مستقرها ومستودعها؛ 
قال الله تعالى: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ}[فاطر: 10]. يسيرة على المتقين، فقد نشرت في بحورهم شراعها، وألقت عليهم رياحها، فطابت بها صدورهم.

_ والكلمة الخبيثة بعكس ذلك، تمجها الآذان، ويظلم منها الوجدان، وتورد النيران، وتفرق الإخوان، كم أغلقت باباً، ووضعت حجاباً، وقطعت أسباباً، وفرقت أحباباً، وأسخطت الخالق، وأوردت المهالك، 
قال النبي صلى الله عليه وسلم: «وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالا يهوي بها في جهنم». 

_ والكلمة الخبيثة كشجرة خبيثة، قريبة جذورها، قصيرة فروعها، مُرة ثمارُها، قد بلغ بها السُّوسُ كلَّ مبلغ؛ فلا تنتفع برِي ولا سَماد، كالوتد والحجر لا حياة فيهما؛ رآها صاحب البستان على ذلك الحال فاجتثها فهوت في النار تستعر،
 قال الله تعالى في شانها: {وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ}[إبراهيم: 26].  

_قال تعالى : { ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها فى السماء تؤتى أكلها كل حين بإذن ربها ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون } .
فربما للأسف يستهين بعض الناس بالكلمة ولا يدرى ما يمكن أن تفعله هذه الكلمة بالإنسان سواء كانت كلمة طيبه أم كلمه خبيثة , فبكلمة يدخل الإنسان فى دين الله الإسلام ،وبكلمة قد يخرج منه .
وبكلمه يستطيع أن يصلح بين متخاصمين , وبكلمة أيضا يستطيع أن يهدم بيتا معمورا .

قال تعالى: { ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد } 
وقال صلى الله عليه وسلم : ( إن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله تعالى ما يظن أن تبلغ ما بلغت،فيكتب الله له بها رضوانه إلى يوم القيامة،وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله تعالى ما يظن أن تبلغ ما بلغت ،فيكتب الله عليه بها سخطه إلى يوم القيامة )

_فعلى المسلم أن يتأمل كلام رب العزة وكلام نبيه صلى الله عليه وسلم قبل أن ينطق بأي كلمة ليتجنب الوقوع فى المحظور كما أخبرنا صلى الله عليه وسلم حين قال : ( من كان يؤمن بالله واليوم الاخر فليقل خيرا أو ليصمت ) متفق عليه
وكما قال تعالى : { وقولوا للناس حسنا }

_قال أهل العلم : يعتبر كل أدب الدنيا والدين داخل تحت هذه الآية،يقول أهل التحقيق (كلام الناس مع الناس إما أن يكون فى الأمور الدينية أو فى الأمور الدنيوية ، فإن كان فى الأمور الدينية فإما أن يكون فى الدعوه إلى الإيمان (وهو مع الكافر) , أو الدعوة إلى الطاعة( وهو مع الفاسق ) ,

_ أما الدعوة إلى الإيمان فلا بد أن تكون بالقول الحسن قال تعالى لموسى وهارون { فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى }

فالله سبحانه وتعالى أمرهم بالرفق مع فرعون مع جلالتهما وعظم كفر فرعون وتمرده وعتوه على الله تعالى
وقال لمحمد صلى الله عليه وسلم ( ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك )

_وأما دعوة الفاسق فالقول الحسن فيه معتبر قال تعالى { ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنه }.

_وأما الأمور الدنيوية فمن المعلوم أنه إذا أمكن التوصل إلى الغرض بالتلطف من القول لم يحسن سواه قال تعالى : { قولٌ معروفٌ ومغفرةٌ خيرٌ من صدقةٍ يتبعها أذى } .

وهذه الآية دليل على أهمية الكلمة الطيبة؛
 وأنها خيرمن أن تعطى فقيرا مالا بيدك وتؤذيه بلسانك ؛فجعل الله الكلمة الطيبة خيرا لأنها تقرب القلوب وتذهب حزنها وتمسح غضبها ؛
فهى دليل على طيب قائلها و تثمر عملا صالحا فى كل الأوقات وتصعد إلى السماء ،قال تعالى { إليه يصعد الكلم الطيب }

_والكلمة الطيبة تشمل الصدق فى الحديث والإصلاح بين الناس والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر قال تعالى: { كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر }
وغير ذلك مما ينفع الناس .

_وأما الكلمة الخبيثة وما تشمله من كلمة الكفر ثم الكذب وشهادة الزور والغيبة والنميمة والاستهزاء والسخرية من الناس وغير ذلك مما يترتب عليه ضرر بالمجتمع .

_فقد يظن الإنسان الأمر هينا وأنه مجرد كلام لا نؤاخذ عليه ،فقد جاء فى حديث معاذ رضى الله عنه أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أوإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ قال : ( ثكلتك أمك وهل يكب الناس فى النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم ) أحمد والترمذي

_وقد ورد فى كتاب الله آيات تحدثنا عن مساوئ الكلام الخبيث ،قال تعالى: { يا أيها الذين ءامنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فألئك هم الظالمون ،يا أيها الذين ءامنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه واتقوا الله إن الله تواب رحيم }

ففى هاتين الآيتين منهاجٌ للتعامل بين المسلمين أساسه الاحترام والثقة وحسن الظن ومراقبة الله عز وجل فى كل شئ .

_وقد نهى الله عز وجل عن السخرية والاستهزاء بالناس فقد يكون المستهزئ به أفضل منك عند الله ، وشمل النهى فى الآية الكريمة الرجال والنساء ، ففى الحديث عن عائشة رضى الله عنها أنها قالت :قلت للنبي صلى الله عليه وسلم (حسبك من صفيه كذا وكذا،قال بعض الرواة تعنى قصيرة ، فقال صلى الله عليه وسلم " لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته ) ابو داود

_ثم نهانا عز وجل فى الآية الكريمة وفى آيات أخري من كتابه الكريم عن اللمز قال تعالى: { ويل لكل همزة لمزه } وقال أيضا عز و جل فى موضع آخر :{ هماز مشاء بنميم } قال ابن كثير المراد به احتقار الناس والنميمة.

_ثم نهى عز وجل عن التنابز بالألقاب وهو مناداة الشخص بلقب يكرهه و هذا الأمر انتشر بكثرة فى مجتمعنا رغم النهى الصريح عنه .

_ثم جاء التحذير من الغيبة بتشبيه فاعلها بآكل الميتة ،ففى حديث حسان ابن المخارق ( أن امرأة دخلت على عائشة رضى الله عنها فلما قامت لتخرج أشارت عائشة رضى الله عنها بيدها إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنها قصيرة فقال النبي صلى الله عليه وسلم إغتبتها ) صحيح الأدب المفرد

_وقد ذكر النبي صلي الله عليه وسلم الفرق بين الغيبة والبهتان فعن أبى هريرة رضى الله عنه قال (قيل يا رسول الله ما الغيبة ؟ قال صلي الله عليه وسلم :ذكر أخاك بما يكره، قيل أفرأيت إن كان فى أخى ما أقول ؟ قال صلى الله عليه وسلم: إن كان فيه ما تقول اغتبته وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته ) الترمذى .

وعن ابن عمر أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: ( يا معشر من آمن بلسانه ولم يفض الإيمان إلى قلبه لا تغتابوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم فإنه من يتبع عورات المسلمين يتبع الله عورته ومن يتبع الله عورته يفضحه في بيته ) ابو داود

_قال ابن دقيق العيد أعراض الناس حفره من حفر النار 

_والكلمة الخبيثة تشمل أيضا قول الزور وشهادة الزور لما يترتب عليهما من ضياع الحقوق .

 قال صلى الله عليه وسلم : ( ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ؟ قلنا بلى يا رسول الله ،قال: الإشراك بالله ،وعقوق الوالدين ،وكان متكئا فجلس فقال: ألا وقول الزور وشهادة الزور ،ألا وقول الزور وشهادة الزور ،قال فمازال يقولها حتى قلت لا يسكت ) متفق عليه

_فعلى كل مسلم أن يعى أن للكلمة مخاطر ويفكر جيدا قبل أن ينطق بها لسانه هل ستؤول إلى الخير أم إلى الشر، وأن يضع نصب عينيه قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت ) متفق عليه
تعليقات