سورة العصر؛تفسير ابن كثير ،تفسير السعدي،تفسير القرطبي،تفسير الطبري،تفسير البغوي،تفسير الشوكاني،تفسير الزمخشري ،تفسير ابن القيم ،تفسير ابن تيمية ،تفسير ابن الجوزي ،تفسير ابن عطية ،تفسير ابن عبدالسلام ،تفسير البيضاوي ،تفسير ابن جزي،تفسير ابن عثيمين ،تفسير ابن باز، تفسير الجلاليين،التفسير الوسيط،التفسير الميسر ...إعراب ..خواطر
تفسير سورة العصر لابن كثير
وَالْعَصْرِ (1)
تفسير سورة العصر وهي مكية .
ذكروا أن عمرو بن العاص وفد على مسيلمة الكذاب [ لعنه الله ]
وذلك بعد ما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم وقبل أن يسلم عمرو فقال له مسيلمة :
ماذا أنزل على صاحبكم في هذه المدة ؟
قال لقد أنزل عليه سورة وجيزة بليغة .
فقال : وما هي ؟ فقال : " والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر "
ففكر مسيلمة هنيهة ثم قال : وقد أنزل علي مثلها . فقال له عمرو : وما هو ؟
فقال : يا وبر يا وبر ، إنما أنت أذنان وصدر ، وسائرك حفز نقز .
ثم قال : كيف ترى يا عمرو ؟
فقال له عمرو : والله إنك لتعلم أني أعلم أنك تكذب .
وقد رأيت أبا بكر الخرائطي أسند في كتابه المعروف ب " مساوي الأخلاق " ، في الجزء الثاني منه ، شيئا من هذا أو قريبا منه .
والوبر : دويبة تشبه الهر ، أعظم شيء فيه أذناه ، وصدره وباقيه دميم .
فأراد مسيلمة أن يركب من هذا الهذيان ما يعارض به القرآن ، فلم يرج ذلك على عابد الأوثان في ذلك الزمان .
وذكر الطبراني من طريق حماد بن سلمة ، عن ثابت عن عبد الله بن حصن [ أبي مدينة ] ،
قال : كان الرجلان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا التقيا ، لم يتفرقا إلا على أن يقرأ أحدهما على الآخر " سورة العصر " إلى آخرها ، ثم يسلم أحدهما على الآخر .
وقال الشافعي رحمه الله : لو تدبر الناس هذه السورة ، لوسعتهم .
العصر : الزمان الذي يقع فيه حركات بني آدم ، من خير وشر .
وقال مالك ، عن زيد بن أسلم : هو العشي ، والمشهور الأول .
إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2)
فأقسم تعالى بذلك على أن الإنسان لفي خسر أي في خسارة وهلاك.
إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)
فاستثنى من جنس الإنسان عن الخسران الذين آمنوا بقلوبهم وعملوا الصالحات بجوارحهم " وتواصوا بالحق " وهو أداء الطاعات وترك المحرمات.
....... ........ .......
تفسير سورة العصر للسعدي
وَالْعَصْرِ (1)
أقسم تعالى بالعصر، الذي هو الليل والنهار، محل أفعال العباد وأعمالهم
إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2)
أن كل إنسان خاسر، والخاسر ضد الرابح.
والخسار مراتب متعددة متفاوتة:
قد يكون خسارًا مطلقًا، كحال من خسر الدنيا والآخرة، وفاته النعيم، واستحق الجحيم.
إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)
وقد يكون خاسرًا من بعض الوجوه دون بعض،
ولهذا عمم الله الخسار لكل إنسان، إلا من اتصف بأربع صفات:
الإيمان بما أمر الله بالإيمان به، ولا يكون الإيمان بدون العلم، فهو فرع عنه لا يتم إلا به.
والعمل الصالح، وهذا شامل لأفعال الخير كلها، الظاهرة والباطنة، المتعلقة بحق الله وحق عباده ، الواجبة والمستحبة.
والتواصي بالحق، الذي هو الإيمان والعمل الصالح، أي: يوصي بعضهم بعضًا بذلك، ويحثه عليه، ويرغبه فيه.
والتواصي بالصبر على طاعة الله، وعن معصية الله، وعلى أقدار الله المؤلمة.
فبالأمرين الأولين، يكمل الإنسان نفسه، وبالأمرين الأخيرين يكمل غيره، وبتكميل الأمور الأربعة، يكون الإنسان قد سلم من الخسار، وفاز بالربح العظيم .
...... ....... .....
تفسير سورة العصر للقرطبي
وهي مكية .
وقال قتادة مدنية
وروي عن ابن عباس : وهي ثلاث آيات
والعصر
فيه مسألتان :
_الأولى :
قوله تعالى : والعصر أي الدهر ;
قاله ابن عباس وغيره . فالعصر مثل الدهر ;
ومنه قول الشاعر :
سبيل الهوى وعر وبحر الهوى غمر ويوم الهوى شهر وشهر الهوى دهر
أي عصر .
أقسم الله به - عز وجل - ;
لما فيه من التنبيه بتصرف الأحوال وتبدلها ، وما فيها من الدلالة على الصانع . وقيل : العصر : الليل والنهار .
قال حميد بن ثور :
ولن يلبث العصران : يوم وليلة إذا طلبا أن يدركا ما تيمما
والعصران أيضا : الغداة والعشي .
قال :وأمطله العصرين حتى يملني ويرضى بنصف الدين والأنف راغم
يقول : إذا جاءني أول النهار وعدته آخره . وقيل : إنه العشي ، وهو ما بين زوال الشمس وغروبها ; قاله الحسن وقتادة .
ومنه قول الشاعر :
تروح بنا يا عمرو قد قصر العصر وفي الروحة الأولى الغنيمة والأجر
وعن قتادة أيضا : هو آخر ساعة من ساعات النهار . وقيل : هو قسم بصلاة العصر ، وهي الوسطى ;
لأنها أفضل الصلوات ; قاله مقاتل .
يقال : أذن للعصر ، أي لصلاة العصر .
وصليت العصر ; أي صلاة العصر .
وفي الخبر الصحيح الصلاة الوسطى صلاة العصر .
وقد مضى في سورة ( البقرة ) بيانه .
وقيل : هو قسم بعصر النبي - صلى الله عليه وسلم - ; لفضله بتجديد النبوة فيه .
وقيل : معناه ورب العصر .
_الثانية :
قال مالك : من حلف ألا يكلم رجلا عصرا : لم يكلمه سنة .
قال ابن العربي : إنما حمل مالك يمين الحالف ألا يكلم امرأ عصرا على السنة ;
لأنه أكثر ما قيل فيه ، وذلك على أصله في تغليظ المعنى في الأيمان .
وقال الشافعي : يبر بساعة ;
إلا أن تكون له نية ، وبه أقول ; إلا أن يكون الحالف عربيا ،
فيقال له : ما أردت ؟ فإذا فسره بما يحتمله قبل منه ، إلا أن يكون الأقل ، ويجيء على مذهب مالك أن يحمل على ما يفسر . والله أعلم .
إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2)
قوله تعالى : إن الإنسان لفي خسر
هذا جواب القسم . والمراد به الكافر ;
قاله ابن عباس في رواية أبي صالح .
وروى الضحاك عنه قال : يريد جماعة من المشركين : الوليد بن المغيرة ، والعاص بن وائل ، والأسود بن عبد المطلب بن أسد بن عبد العزى ، والأسود بن عبد يغوث .
وقيل : يعني بالإنسان جنس الناس . لفي خسر لفي غبن .
وقال الأخفش : هلكة . الفراء : عقوبة ;
ومنه قوله تعالى : وكان عاقبة أمرها خسرا .
ابن زيد : لفي شر .
وقيل : لفي نقص ; المعنى متقارب .
وروي عن سلام والعصر بكسر الصاد .
وقرأ الأعرج وطلحة وعيسى الثقفي خسر بضم السين .
وروى ذلك هارون عن أبي بكر عن عاصم . والوجه فيهما الإتباع . ويقال : خسر وخسر ;
مثل عسر وعسر . وكان علي يقرؤها ( والعصر ونوائب الدهر إن الإنسان لفي خسر وإنه فيه إلى آخر الدهر ) .
وقال إبراهيم : إن الإنسان إذا عمر في الدنيا وهرم ، لفي نقص وضعف وتراجع ; إلا المؤمنين ، فإنهم تكتب لهم أجورهم التي كانوا يعملونها في حال شبابهم ;
نظيره قوله تعالى : لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ثم رددناه أسفل سافلين . قال :
وقراءتنا ( والعصر إن الإنسان لفي خسر وإنه في آخر الدهر ) .
والصحيح ما عليه الأمة والمصاحف .
وقد مضى الرد في مقدمة الكتاب على من خالف مصحف عثمان ، وأن ذلك ليس بقرآن يتلى ; فتأمله هناك .
إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)
قوله تعالى : إلا الذين آمنوا استئناء من الإنسان ; إذ هو بمعنى الناس على الصحيح .
قوله تعالى : وعملوا الصالحات أي أدوا الفرائض المفترضة عليهم ; وهم أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
قال أبي بن كعب : قرأت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والعصر ثم قلت ما تفسيرها يا نبي الله ؟
قال : والعصر قسم من الله ، أقسم ربكم بآخر النهار : إن الإنسان لفي خسر : أبو جهل إلا الذين آمنوا : أبو بكر ، وعملوا الصالحات عمر . وتواصوا بالحق عثمان وتواصوا بالصبر علي . - رضي الله عنهم - أجمعين .
وهكذا خطب ابن عباس على المنبر موقوفا عليه .
وعنى وتواصوا أي تحابوا ;
أوصى بعضهم بعضا وحث بعضهم بعضا .
بالحق أي بالتوحيد ;
كذا روى الضحاك عن ابن عباس .
قال قتادة : بالحق أي القرآن .
وقال السدي : الحق هنا هو الله - عز وجل - .
وتواصوا بالصبر على طاعة الله - عز وجل - ، والصبر عن معاصيه وقد تقدم . والله أعلم .
.... ........ ......
تفسير سورة العصر للطبري
وَالْعَصْرِ (1)
القول في تأويل قوله جل جلاله وتقدست أسماؤه:
وَالْعَصْرِ (1)
اختلف أهل التأويل في تأويل قوله: ( وَالْعَصْرِ )
فقال بعضهم: هو قسم أقسم ربنا تعالى ذكره بالدهر، فقال: العصر: هو الدهر.
_ذكر من قال ذلك:
حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، في قوله: ( وَالْعَصْرِ ) قال: العصر: ساعة من ساعات النهار.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن الحسن ( وَالْعَصْرِ ) قال: هو العشيّ.
والصواب من القول في ذلك:
أن يقال: إن ربنا أقسم بالعصر ( وَالْعَصْرِ ) اسم للدهر،
وهو العشيّ والليل والنهار، ولم يخصص مما شمله هذا الاسم معنى دون معنى، فكلّ ما لزِمه هذا الاسم، فداخل فيما أقسم به جلّ ثناؤه.
إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2)
وقوله: ( إِنَّ الإنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ ) يقول: إن ابن آدم لفي هلَكة ونقصان.
وكان عليّ رضى الله عنه يقرأ ذلك: ( إنَّ الإنْسانَ لَفِي خُسْر وإنه فيه إلى آخر الدهر ).
حدثني ابن عبد الأعلى بن واصل، قال: ثنا أبو نعيم الفضل بن دكين، قال: أخبرنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن عمرو ذي مرّ، قال: سمعت عليا رضى الله عنه يقرأ هذا الحرف
( وَالْعَصْرِ وَنَوَائِب الدَّهْرِ، إنَ الإنْسانَ لَفِي خُسْرٍ، وإنه فيه إلى آخر الدهر ) .
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ( إِنَّ الإنْسَانَ لَفِي خُسْر )
ففي بعض القراءات ( وإنه فيه إلى آخر الدهر ).
حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن عمرو ذي مرّ، أن عليا رضى الله عنه قرأها
( وَالْعَصْرِ وَنَوَائِب الدَّهْرِ، إنَّ الإنْسانَ لَفِي خُسْر ).
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد ( إِنَّ الإنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ ) إلا من آمن.
إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)
( إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ )
يقول: إلا الذين صدّقوا الله ووحَّدوه، وأقرّوا له بالوحدانية والطاعة، وعملوا الصالحات، وأدّوا ما لزمهم من فرائضه، واجتنبوا ما نهاهم عنه من معاصيه، واستثنى الذين آمنوا من الإنسان، لأن الإنسان بمعنى الجمع، لا بمعنى الواحد.
وقوله: ( وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ ) يقول:
وأوصى بعضهم بعضا بلزوم العمل بما أنـزل الله في كتابه، من أمره، واجتناب ما نهى عنه فيه.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
_ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ( وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ ) والحق: كتاب الله.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن الحسن ( وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ )
قال: الحقّ كتاب الله.
حدثني عمران بن بكار الكلاعي، قال: ثنا خطاب بن عثمان، قال: ثنا عبد الرحمن بن سنان أبو روح السكوني، حمصيّ لقيته بإرمينية، قال: سمعت الحسن يقول في
( وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ ) قال: الحقّ: كتاب الله.
وقوله: ( وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ) يقول: وأوصى بعضهم بعضا بالصبر على العمل بطاعة الله.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
_ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ( وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ) قال: الصبر: طاعة الله.
حدثني عمران بن بكار الكُلاعي، قال: ثنا خطاب بن عثمان، قال: ثنا عبد الرحمن بن سنان أبو روح، قال: سمعت الحسن يقول في قوله: ( وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ) قال: الصبر: طاعة الله.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن الحسن ( وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ) قال: الصبر: طاعة الله.
آخر تفسير سورة والعصر
.... ......... ......
تفسير سورة العصر للبغوي
وَالْعَصْرِ (1)
مكية
( والعصر ) قال ابن عباس : والدهر .
قيل : أقسم به لأن فيه عبرة للناظر .
وقيل : معناه ورب العصر ، وكذلك في أمثاله .
وقال ابن كيسان : أراد بالعصر الليل والنهار ، يقال لهما العصران .
وقال الحسن : من بعد زوال الشمس إلى غروبها .
وقال قتادة : آخر ساعة من ساعات النهار .
وقال مقاتل : أقسم بصلاة العصر وهي الصلاة الوسطى .
إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2)
( إن الإنسان لفي خسر ) أي خسران ونقصان ،
قيل : أراد به الكافر
بدليل أنه استثنى المؤمنين ،
و " الخسران " : ذهاب رأس مال الإنسان في هلاك نفسه وعمره بالمعاصي ، وهما أكبر رأس ماله .
إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)
( إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات ) فإنهم ليسوا في خسر ، ( وتواصوا ) أوصى بعضهم بعضا ، ( بالحق ) بالقرآن ، قاله الحسن وقتادة ، وقال مقاتل : بالإيمان والتوحيد .
( وتواصوا بالصبر)
على أداء الفرائض وإقامة أمر الله .
وروى ابن عون عن إبراهيم قال : أراد أن الإنسان إذا عمر في الدنيا وهرم ، لفي نقص وتراجع إلا المؤمنين ، فإنهم يكتب لهم أجورهم ومحاسن أعمالهم التي كانوا يعملونها في شبابهم وصحتهم ،
وهي مثل قوله : لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ثم رددناه أسفل سافلين إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات
....... ........ ......
تفسير سورة العصر للشوكاني
أقسم سبحانه بالعصر، وهو الدهر، لما فيه من العبر من جهة مرور الليل والنهار على تقدير الأدوار، وتعاقب الظلام والضياء،
فإن في ذلك دلالة بينة على الصانع عزّ وجلّ، وعلى توحيده، ويقال لليل عصر، وللنهار عصر،
ومنه قول حميد بن ثور:
ولم ينته العصران يوم وليلة
إذا طلبا أن يدركا ما تمنيا
ويقال للغداة والعشيّ: عصران،
ومنه قول الشاعر:
وأمطله العصرين حتى يملني
ويرضى بنصف الدين والأنف راغم
وقال قتادة والحسن: المراد به في الآية العشيّ، وهو ما بين زوال الشمس وغروبها،
ومنه قول الشاعر:
يروح بنا عمرو وقد قصر العصر
وفي الروحة الأولى الغنيمة والأجر
وروي عن قتادة أيضاً:
أنه آخر ساعة من ساعات النهار.
وقال مقاتل: إن المراد به صلاة العصر، وهي الصلاة الوسطى التي أمر الله سبحانه بالمحافظة عليها.
وقيل: هو قسماً بعصر النبيّ صلى الله عليه وسلم.
قال الزجاج: قال بعضهم: معناه، ورب العصر.
والأوّل أولى. {إِنَّ الإنسان لَفِى خُسْرٍ} هذا جواب القسم. الخسر، والخسران: النقصان، وذهاب رأس المال،
والمعنى: أن كل إنسان في المتاجر والمساعي وصرف الأعمار في أعمال الدنيا لفي نقص، وضلال عن الحق حتى يموت.
وقيل: المراد بالإنسان الكافر.
وقيل: جماعة من الكفار: وهم: الوليد بن المغيرة، والعاص بن وائل، والأسود بن عبد المطلب بن أسد، والأوّل أولى لما في لفظ الإنسان من العموم، ولدلالة الاستثناء عليه.
قال الأخفش: {فِى خُسْرٍ} في هلكة.
وقال الفراء: عقوبة.
وقال ابن زيد: لفي شرّ. قرأ الجمهور: {والعصر} بسكون الصاد. وقرءوا أيضاً: {خسر} بضم الخاء، وسكون السين.
وقرأ يحيى بن سلام: {والعصر} بكسر الصاد. وقرأ الأعرج، وطلحة، وعيسى: {خسر} بضم الخاء والسين، ورويت هذه القراءة عن عاصم.
{إِلاَّ الذين ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات}
أي: جمعوا بين الإيمان بالله والعمل الصالح، فإنهم في ربح لا في خسر؛
لأنهم عملوا للآخرة، ولم تشغلهم أعمال الدنيا عنها، والاستثناء متصل،
ومن قال: إن المراد بالإنسان الكافر فقط، فيكون منقطعاً، ويدخل تحت هذا الاستثناء كل مؤمن ومؤمنة، ولا وجه لما قيل: من أن المراد الصحابة أو بعضهم، فإن اللفظ عام لا يخرج عنه أحد ممن يتصف بالإيمان، والعمل الصالح
{وَتَوَاصَوْاْ بالحق} أي: وصى بعضهم بعضاً بالحق الذي يحق القيام به، وهو الإيمان بالله، والتوحيد، والقيام بما شرعه الله، واجتناب ما نهى عنه.
قال قتادة: {بالحق}، أي: بالقرآن، وقيل: بالتوحيد، والحمل على العموم أولى.
{وَتَوَاصَوْاْ بالصبر} أي: بالصبر عن معاصي الله سبحانه، والصبر على فرائضه. وفي جعل التواصي بالصبر قريناً للتواصي بالحق دليل على عظيم قدره، وفخامة شرفه، ومزيد ثواب الصابرين على ما يحق الصبر عليه: {إِنَّ الله مَعَ الصابرين} [الأنفال: 46]،
وأيضاً التواصي بالصبر مما يندرج تحت التواصي بالحق، فإفراده بالذكر، وتخصيصه بالنص عليه من أعظم الأدلة الدالة على إنافته على خصال الحق، ومزيد شرفه عليها، وارتفاع طبقته عنها.
وقد أخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله: {والعصر} قال: الدهر.
وأخرج ابن جرير عنه قال: هو ساعة من ساعات النهار.
وأخرج ابن المنذر عنه أيضاً قال: هو ما قبل مغيب الشمس من العشيّ.
وأخرج الفريابي، وأبو عبيد في فضائله، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن الأنباري في المصاحف عن عليّ بن أبي طالب أنه كان يقرأ:
{والعصر ونوائب الدهر، إن الإنسان لفي خسر، وإنه فيه إلى آخر الدهر}.
وأخرج عبد بن حميد عن ابن مسعود أنه كان يقرأ: {والعصر إن الإنسان لفي خسر، وإنه لفيه إلى آخر الدهر}.
........ ......... .........
تفسير سورة العصر لابن عطية
قال ابن عباس: {العصر}: الدهر، يقال فيه عصر وعصر بضم العين والصاد،
وقال امرؤ القيس:
وهل يعمن من كان في العصر الخالي
وقال قتادة: {العصر} العشي،
وقال ابي بن كعب: سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن العصر فقال: {أقسم ربكم بآخر النهار}،
وقال بعض العلماء: وذكره أبو علي {العصر}: اليوم، {والعصر} الليلة ؛
ومنه قول حميد: [الطويل]
ولن يلبث العصران يوم وليلة
إذا طلبا أن يدركا ما تيمما
وقال بعض العلماء: {العصر}: بكرة
والعصر: عشية وهما الأبردان،
وقال مقاتل: {العصر} هي الصلاة الوسطى أقسم بها، و{الإنسان} اسم الجنس،
والخسر: النقصان وسوء الحال، وذلك بين غاية البيان في الكافر !
لأنه خسر الدنيا والآخرة، وذلك هو الخسران المبين، وأما المؤمن وإن كان في خسر دنياه في هرمه وما يقاسيه من شقاء هذه الدار فذلك معفو عنه في جنب فلاحه في الآخرة وربحه الذي لا يفنى، ومن كان في مدة عمره في التواصي بالحق والصبر والعمل بحسب الوصاة فلا خسر معه، وقد جمع له الخير كله،
وقرأ علي بن أبي طالب: {والعصر ونوائب الدهر إن الإنسان}،
وفي مصحف عبد الله: {والعصر لقد خلقنا الإنسان في خسر}،
وروي عن علي بن أبي طالب أنه قرأ {إن الإنسان لفي خسر وإنه فيه إلى آخر الدهر إلا الذين}،
وقرأ عاصم والأعرج: {لفي خسُر} بضم السين،
وقرأ سلام أبو المنذر: {والعصِر} بكسر الصاد
{وبالصبٍر} بكسر الباء، وهذا لا يجوز إلا في الوقف على نقل الحركة،
وروي عن أبي عمرو: {بالصبِر} بكسر الباء إشماماً، وهذا أيضاً لا يكون إلا في الوقف. نجز تفسير سورة {العصر}.
...... ...... ...........
تفسير سورة العصر لابن القيم
ومن ذلك إقسامه بالعصر على حال الإنسان في الآخرة هذه السورة على غاية اختصارها لها شأن عظيم حتى
قال الشافعي رحمه الله لو فكر الناس كلهم فيها لكفتهم
والعصر المقسم به قيل هو أول الوقت الذي يلي المغرب من النهار
وقيل : هو آخر ساعة من ساعاته
وقيل : المراد صلاة العصر،
وأكثر المفسرين على أنه الدهر وهذا هو الراجح
وتسمية الدهر عصرًا أمر معروف في لغتهم قال:
ولن يلبث العصران يوم وليلة
إذا طلبا أن يدركا ما تيمما
ويوم وليلة بدل من العصران فأقسم سبحانه بالعصر لمكان العبرة، والآية فيه فإن مرور الليل والنهار على تقدير قدرة العزيز العليم منتظم لمصالح العالم على اكمل ترتيب ونظام وتعاقبهما واعتدالهما تارة،
وأخذ أحدهما من صاحبه تارة،
واختلافهما في الضوء والظلام والحر والبرد وانتشار الحيوان وسكونه وانقسام العصر إلى القرون والسنين والأشهر والأيام والساعات وما دونها آية من آيات الرب تعالى وبرهان من براهين قدرته وحكمته
فأقسم بالعصر الذي هو زمان أفعال الإنسان ومحلها على عاقبة تلك الأفعال وجزائها، ونبه بالمبدأ وهو خلق الزمان والفاعلين وأفعالهم على المعاد،
وأن قدرته كما لم تقصر عن المبدأ لم تقصر عن المعاد،
وأن حكمته التي اقتضت خلق الزمان وخلق الفاعلين وأفعالهم وجعلها قسمين خيرًا وشرًا تأبى أن يسوى بينهم،
وأن لا يجازي المحسن بإحسانه
والمسيء بإساءته وأن يجعل النوعين رابحين أو خاسرين بل الإنسان من حيث هو إنسان خاسر إلا من رحمه الله فهداه ووفقه للإيمان والعمل الصالح في نفسه وأمر غيره به وهذا نظير رده الإنسان إلى أسفل سافلين واستثناء الذين آمنوا وعملوا الصالحات من هؤلاء المردودين
وتأمل حكمة القرآن لما قال : ﴿إنَّ الإنسان لَفي خُسْرٍ﴾
فإنه ضيق الاستثناء وخصصه فقال ﴿إلاّ الَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِحاتِ وتَواصَوْا بِالحَقِّ وتَواصَوْا بِالصَّبْرِ﴾
ولما قال ﴿ثُمَّ رَدَدْناهُ أسْفَلَ سافِلِينَ﴾ وسع الاستثناء وعممه فقال ﴿إلا الَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِحاتِ﴾
ولم يقل وتواصوا فإن التواصي هو أمر الغير بالإيمان والعمل الصالح وهو قدر زائد على مجرد فعله فمن لم يكن كذلك فقد خسر هذا الربح فصار في خسر ولا يلزم أن يكون في أسفل سافلين، فإن الإنسان قد يقوم بما يجب عليه ولا يأمر غيره فإن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مرتبة زائدة وقد تكون فرضًا على الأعيان، وقد تكون فرضًا على الكفاية وقد تكون مستحبة
والتواصي بالحق يدخل فيه الحق الذي يجب والحق الذي يستحب والصبر يدخل فيه الصبر الذي يجب والصبر الذي يستحب فهؤلاء إذا تواصوا بالحق وتواصوا بالصبر حصل لهم من الربح ما خسره أولئك الذين قاموا بما يجب عليهم في أنفسهم ولم يأمروا غيرهم به وإن كان أولئك لم يكونوا من الذين خسروا أنفسهم وأهليهم فمطلق الخسار شيء والخسار المطلق شيء
وهو سبحانه إنما قال ﴿إن الإنسان لفي خسر﴾
ومن ربح في سلعة وخسر في غيرها قد يطلق عليه أنه في خسر وأنه ذو خسر كما قال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما لقد فرطنا في قراريط كثيرة فهذا نوع تفريط وهو نوع خسر بالنسبة إلى من حصل ربح ذلك
ولما قال في سورة والتين ﴿ثُمَّ رَدَدْناهُ أسْفَلَ سافِلِينَ﴾ قال ﴿إلاّ الَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِحاتِ﴾
فقسم الناس إلى هذين القسمين فقط ولما كان الإنسان له قوتان قوة العلم وقوة العمل وله حالتان حالة يأتمر فيها بأمر غيره وحالة يأمر فيها غيره استثنى سبحانه من كمل قوته العلمية بالإيمان وقوته العملية بالعمل الصالح، وانقاد لأمر غيره له بذلك وأمر غيره به من الإنسان الذي هو في خسر فإن العبد له حالتان حالة كمال في نفسه وحالة تكميل لغيره وكماله وتكميله موقوف على أمرين:
_علم بالحق،
_وصبر عليه،
فتضمنت الآية جميع مراتب الكمال الإنساني من العلم النافع والعمل الصالح والإحسان إلى نفسه بذلك وإلى أخيه به وانقياده وقبوله لمن يأمره بذلك.
وقوله تعالى ﴿وَتَواصَوْا بِالحَقِّ وتَواصَوْا بِالصَّبْرِ﴾ إرشاد إلى منصب الإمامة في قوة الدين كقوله تعالى ﴿وَجَعَلْنا مِنهم أئِمَّةً يَهْدُونَ بِأمْرِنا لَمّا صَبَرُوا وكانُوا بِآياتِنا يُوقِنُونَ﴾
فبالصبر واليقين تنال الإمامة في الدين
والصبر نوعان؟!
_ نوع على المقدور كالمصائب،
_ونوع على المشروع.
وهذا النوع أيضا نوعان صبر على الأوامر، وصبر عن النواهي.
فذاك صبر على الإرادة والفعل، وهذا صبر عن الإرادة والفعل.
فأما النوع الأول من الصبر فمشترك بين المؤمن والكافر، والبر والفاجر لا يثاب عليه لمجرده إن لم يقترن به إيمان واختيار
قال النبي ﷺ في حق ابنته
"مرها فلتصبر ولتحتسب"
وقال تعالى ﴿إلا الَّذِينَ صَبَرُوا وعَمِلُوا الصّالِحاتِ أُولَئِكَ لَهم مَغْفِرَةٌ وأجْرٌ كَبِيرٌ﴾
وقال تعالى ﴿بَلى إنْ تَصْبِرُوا وتَتَّقُوا﴾
وقال ﴿وَإنْ تَصْبِرُوا وتَتَّقُوا﴾
فالصبر بدون الإيمان والتقوى بمنزلة قوة البدن الخالي عن الإيمان والتقوى، وعلى حسب اليقين بالمشروع يكون الصبر على المقدور.
وقال تعالى ﴿فاصبر إن وعد الله حق ولا يستخفنك الذين لا يوقنون﴾
فأمره أن يصبر ولا يتشبه بالذين لا يقين عندهم في عدم الصبر فإنهم لعدم يقينهم عدم صبرهم وخفوا واستخفوا قومهم ولو حصل لهم اليقين والحق لصبروا وما خفوا ولا استخفوا فمن قل يقينه قل صبره ومن قل صبره خف واستخف فالموقن الصابر رزين لأنه ذو لب وعقل ومن لا يقين له ولا صبر عنده خفيف طائش تلعب به الأهواء والشهوات كما تلعب الرياح بالشيء الخفيف. والله المستعان.
(فصل)
وسمع قارئا يقرأ: ﴿والعَصْرِ (١) إنَّ الإنْسانَ لَفي خُسْرٍ (٢) إلّا الَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِحاتِ وتَواصَوْا بِالحَقِّ وتَواصَوْا بِالصَّبْرِ (٣)﴾
فقال: لو أن الناس أخذوا كلهم بهذه السورة لوسعتهم أو كفتهم،
كما قال الشافعي رضي الله عنه: "لو فكر الناس في سورة والعصر لكفتهم "
فإنه سبحانه قسم نوع الإنسان فيها قسمين:
خاسرا ورابحا، فالرابح من نصح نفسه بالإيمان والعمل الصالح، ونصح الخلق بالوصية بالحق المتضمنة لتعليمه وإرشاده، والوصية بالصبر المتضمنة لصبره هو أيضا، فتضمنت السورة النصيحتين والتكميلين وغاية كمال القوتين، بأخصر لفظ و وجزه وأهذبه و حسنه ديباجة وألطفه موقعا.
أما النصيحتان فنصيحة العبد نفسه، ونصيحته أخاه بالوصية بالحق والصبر عليه.
وأما التكميلان فهو تكميله نفسه وتكميله أخاه.
وأما كمال القوتين فإن النفس لها قوتان: قوة العلم والنظر، وكمالها بالإيمان، وقوة الإرادة والحب والعمل، وكمالها بالعمل
الصالح، ولا يتم ذلك لها إلا بالصبر.
فصار هاهنا ستة امور:
ثلاثة يفعلها في نفسه ويأمر بها غيره، تكميل قوته العلمية بالإيمان، والعملية بالأعمال الصا لحة، والدوام على ذلك بالصبر عليه، وأمره لغيره بهذه الثلاثة، فيكون مؤتمرا بها آمرا بها متصفا بها معلما لها داعيا إليها، فهذا هو الرابح كل الربح، وما فاته من الربح بحسبه وحصل له نوع من الخسران، والله المستعان وعليه التكلان.
__ وقال في (مفتاح دار السعادة)
قوله تَعالى: ﴿والعصر إن الإنْسان لفي خسر إلّا الَّذين آمنُوا وعمِلُوا الصّالِحات وتَواصَوْا بِالحَقِّ وتَواصَوْا بِالصبرِ﴾
قالَ الشّافِعِي رضى الله عَنهُ "لَو فكر النّاس كلهم في هَذِه السُّورَة لكفتهم"
وَبَيان ذَلِك أن المَراتِب أربعة وباستكمالها يحصل للشَّخْص غايَة كَماله:
_إحداها :
معرفَة الحق
_الثّانِيَة:
عمله بِهِ
_الثّالِثَة :
تَعْلِيمه من لا يُحسنهُ
_الرّابِعَة:
صبره على تعلمه والعَمَل بِهِ وتعليمه.
فَذكر تَعالى المَراتِب الأربعة في هَذِه السُّورَة،
وأقسم سُبْحانَهُ في هَذِه السُّورَة بالعصر أن كل أحد في خسر إلا الَّذين آمنُوا وعمِلُوا الصّالِحات، وهم الَّذين عرفُوا الحق وصَدقُوا بِهِ، فَهَذِهِ مرتبَة.
(وَعمِلُوا الصّالِحات) وهم الَّذين عمِلُوا بِما علموه من الحق فَهَذِهِ مرتبَة أخرى.
(وَتَواصَوْا بِالحَقِّ) وصّى بِهِ بَعضهم بَعْضًا تَعْلِيما وإرشادا، فَهَذِهِ مرتبَة ثالِثَة.
(وَتَواصَوْا بِالصبرِ) صَبَرُوا على الحق، ووصى بَعضهم بَعْضًا بِالصبرِ عَلَيْهِ والثبات فَهَذِهِ مرتبَة رابِعَة.
وهذا نهاية الكَمال فَإن الكَمال أن يكون الشَّخْص كامِلا في نَفسه مكملا لغيره،
وكماله بإصلاح قوتيه العلمية والعملية فصلاح القُوَّة العلمية بالإيمان وصَلاح القُوَّة العملية بِعَمَل الصّالِحات، وتكميله غَيره بتعليمه إياه وصَبره عَلَيْهِ، وتوصيته بِالصبرِ على العلم والعَمَل.
فَهَذِهِ السُّورَة على اختصارها هي من أجْمَعْ سور القُرْآن للخير بحذافيره، والحَمْد لله الَّذِي جعل كِتابه كافِيا عَن كل ما سواهُ، شافيا من كل داء، هاديا إلى كل خير.
__ وقال في (إغاثة اللهفان)
أقسم سبحانه وتعالى بالدهر الذي هو زمن الأعمال الرابحة والخاسرة، على أن كل واحد في خسر، إلا من كمل قوته العلمية بالإيمان بالله، وقوته العملية بالعمل بطاعته.
فهذا كماله في نفسه، ثم كمل غيره بوصيته له بذلك، وأمره إياه به، وبملاك ذلك، وهو الصبر.
فكمل نفسه بالعلم النافع والعمل الصالح، وكمل غيره بتعليمه إياه ذلك، ووصيته له بالصبر عليه.
__ وقال في (المدارج)
أقْسَمَ سُبْحانَهُ أنَّ كُلَّ أحَدٍ خاسِرٌ إلّا مَن كَمَّلَ قُوَّتَهُ العِلْمِيَّةَ بِالإيمانِ، وقُوَّتَهُ العَمَلِيَّةَ بِالعَمَلِ الصّالِحِ، وكَمَّلَ غَيْرَهُ بِالتَّوْصِيَةِ بِالحَقِّ والصَّبْرِ عَلَيْهِ، فالحَقُّ هو الإيمانُ والعَمَلُ، ولا يَتِمّانِ إلّا بِالصَّبْرِ عَلَيْهِما، والتَّواصِي بِهِما كانَ حَقِيقًا بِالإنْسانِ أنْ يُنْفِقَ ساعاتِ عُمْرِهِ بَلْ أنْفاسَهُ فِيما يَنالُ بِهِ المَطالِبَ العالِيَةَ، ويَخْلُصُ بِهِ مِنَ الخُسْرانِ المُبِينِ، ولَيْسَ ذَلِكَ إلّا بِالإقْبالِ عَلى القُرْآنِ وتَفَهُّمِهِ وتَدَبُّرِهِ واسْتِخْراجِ كُنُوزِهِ وإثارَةِ دَفائِنِهِ، وصَرْفِ العِنايَةِ إلَيْهِ، والعُكُوفِ بِالهِمَّةِ عَلَيْهِ، فَإنَّهُ الكَفِيلُ بِمَصالِحِ العِبادِ في المَعاشِ والمَعادِ، والمُوَصِّلُ لَهم إلى سَبِيلِ الرَّشادِ، فالحَقِيقَةُ والطَّرِيقَةُ، والأذْواقُ والمَواجِيدُ الصَّحِيحَةُ، كُلُّها لا تُقْتَبَسُ إلّا مِن مِشْكاتِهِ، ولا تُسْتَثْمَرُ إلّا مِن شَجَراتِهِ.
__ وقال في (عدة الصابرين)
إنه سبحانه حكم بالخسران حكما عاما على كل من لم يؤمن، ولم يكن من أهل الحق والصبر.
وهذا يدل على أنه لا رابح سواهم فقال تعالى ﴿والعصر أن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر﴾
ولهذا قال الشافعي لو فكر الناس كلهم في هذه الآية لوسعتهم.
وذلك أن العبد كماله في تكميل قوتيه قوة العلم وقوة العمل، وهما الإيمان، والعمل الصالح.
وكما هو محتاج إلى تكميل نفسه فهو محتاج إلى تكميل غيره، وهو التواصي بالحق والتواصي بالصبر.
وأخية ذلك وقاعدته وساقه الذي يقوم عليه إنما هو الصبر.
(((( (فائدة) ))))
اعلم أن الدين مبني على أصلين:
الحق والصبر، وهما المذكوران في قوله تعالى ﴿وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر﴾
ولما كان المطلوب من العبد هو العمل بالحق في نفسه وتنفيذه في الناس، وكان هذا هو حقيقة الشكر لم يمكنه ذلك إلا بالصبر عليه، فكان الصبر نصف الإيمان والله سبحانه وتعالى أعلم.
(فصل)
الِاجْتِماع بالإخوان قِسْمانِ:
_أحدهما :
اجْتِماع على مؤانسة الطَّبْع، وشغل الوَقْت فَهَذا مضرّته أرجح من منفعَته، وأقل ما فِيهِ أنه يفْسد القلب ويضيع الوَقْت.
_الثّانِي :
الِاجْتِماع بهم على التعاون على أسباب النجاة والتواصي بِالحَقِّ والصَّبْر
فَهَذا من أعظم الغَنِيمَة وأنفعها،
ولَكِن فِيهِ ثَلاث آفات:
_إحداها: تزين بَعضهم لبَعض.
_الثّانِيَة: الكَلام والخلطة أكثر من الحاجة.
_الثّالِثَة: أن يصير ذَلِك شَهْوَة وعادَة يَنْقَطِع بها عَن المَقْصُود.
وَبِالجُمْلَةِ فالاجتماع والخلطة لقاح إما للنَّفس الأمارة، وإما للقلب والنَّفس المطمئنة،
والنتيجة مستفادة من اللقاح، فَمن طلب لقاحه طابت ثَمَرَته.
وَهَكَذا الأرْواح الطيّبة لقاحها من الملك، والخبيثة لقاحها من الشَّيْطان، وقد جعل الله سُبْحانَهُ بِحِكْمَتِهِ الطَّيِّبات للطيبين والطيبين للطيبات.
....... ...... .......
تفسير سورة العصر لابن تيمية
والقرآن لا تنقضي عجائبه والله سبحانه بين مراده بيانا أحكمه لكن الاشتباه يقع على من لم يرسخ في علم الدلائل الدالة فان هذه السورة وغيرها فيها عجائب لا تنقضي ومنها أن قوله :(فما يكذبك بعد بالدين)
ذكر فيه الرسول المكذب والدين المكذب به جميعا فإن السورة تضمنت الأمرين تضمنت الاقسام بأماكن الرسل المبينة لعظمتهم
وما أتوا به من الآيات الدالة على دقهم الموجبة للايمان
وهم قد أخبروا بالمعاد المذكور في هذه السورة وقد أقسم الله عليه كما يقسم عليه في غير موضع وكما أمر نبيه أن يقسم عليه في مثل قوله (زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا قل بلى وربي لتبعثن)
وقوله (وقال الذين كفروا لا تأتينا الساعة قل بلى وربي لتأتينكم)
فلما تضمنت هذا وهذا ذكر نوعي التكذيب فقال : (فما يكذبك بعد بالدين)
والله سبحانه أعلم وأيضا فإنه لا ذنب له في ذلك والقرآن مراده أن يبين أن هذا الرد جزاء على ذنوبه ولهذا قال (إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات)
كما قال :(إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر)
لكن هنا ذكر الخسر فقط فوصف المستثنين بأنه تواصوا بالحق وتواصوا بالصبر مع الايمان والصلاح
وهناك ذكر أسفل سافلين وهو العذاب والمؤمن المصلح لا يعذب وان كان قد ضيع أمورا خسرها لو حفظها لكان رابحا غير خاسر وبسط له موضع آخر
...... ......... ........
تفسير سورة العصر لابن الجوزي
قوله تعالى {والعصر} فيه ثلاثة أقوال :
_أحدها: أنه الدهر، قاله ابن عباس، وزيد بن أسلم، والفراء، وابن قتيبة.
وإنما أقسم بالدهر لأن فيه عبرة للناظر من مرور الليل والنهار على تقدير لا ينخرم.
_والثاني: أنه العشي، وهو ما بين زوال الشمس وغروبها، قاله الحسن وقتادة.
_والثالث: صلاة العصر، قاله مقاتل.
قوله تعالى: {إن الإنسان لفي خسر}
قال الزجاج: هو جواب القسم. والإنسان هاهنا بمعنى الناس، كما تقول: كثر الدرهم في أيدي الناس، تريد الدراهم. والخسر والخسران في معنى واحد.
قال أهل المعاني: الخسر: هلاك رأس المال أو نقصه. فالإنسان إذا لم يستعمل نفسه فيما يوجب له الربح الدائم، فهو في خسران،
لأنه عمل في إهلاك نفسه، وهما أكبر رأس ماله
{إلا الذين آمنوا} أي: صدَّقوا الله ورسوله، وعملوا بالطاعة
{وتَواصَوْا بالحق} أي: بالتوحيد، والقرآن، واتباع الرسول
{وتواصَوْا بالصبر} على طاعة الله، والقيام بشريعته.
وقال إبراهيم في تفسير هذه السورة:
إن الإنسان إذا عُمِّر في الدنيا لفي نقص وضعف، إلا المؤمنين، فإنهم يكتب لهم أجور أعمالهم التي كانوا يعملون في شبابهم وصحتهم.
........ ...... .........
تفسير سورة العصر لابن عثيمين
يقول الله عز وجل: ﴿وَالْعَصْرِ (١) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ﴾ [العصر ١، ٢]،
فما المراد بالعصر؟
قيل: إن المراد بالعصر آخِر النهار؛
لأن آخِر النهار أَفْضلُه، وصلاة العصر تُسَمَّى الصلاة الوسطى؛
أي: الفُضْلى، كما سَمَّاها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بذلك.
وقيل: إن العصر هو الزمان، وهذا هو الأصحُّ أنَّ العصر هو الزمان، أَقْسَمَ الله به لِمَا يقع فيه من اختلاف الأحوال، وتَقَلُّبات الأمور، ومُداولة الأيام بين الناس،
وغير ذلك مِمَّا هو مُشاهَدٌ في الحاضر ومُتَحَدَّثٌ عنه في الغابر، فالعصر هو الزمان الذي يعيشه الخلْق، وتختلف أوقاته شِدَّةً ورخاءً، وحربًا وسِلْمًا، وصِحَّةً ومرضًا، وعملًا صالحًا وعملًا سيِّئًا، إلى غير ذلك مما هو معروفٌ للجميع.
أَقْسَمَ الله به على أيِّ شيءٍ؟
على قوله: ﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ﴾،
والإنسان هنا عامٌّ؛ لأن المراد به الجنس،
وعلامة الإنسان الذي يُراد به العموم أن يحلَّ مَحَلَّه
أي: محلَّ (أل)- كلمة (كُل)،
فهُنا لو قيل: كلُّ إنسانٍ في خُسْر، لكان هذا هو المعنى.
ومعنى الآية الكريمة أن الله أَقْسَمَ قَسَمًا على حال الإنسان أنَّه في خُسْر؛
أي: في خُسرانٍ ونُقْصانٍ في كلِّ أحواله في الدنيا وفي الآخرة إلَّا مَن استثنى اللَّهُ عز وجل.
وهذه الجملة كما ترون مؤكَّدةٌ بثلاثة مؤكِّدات؛
الأول: القَسَم،
والثاني: ﴿إِنَّ﴾،
والثالث: اللام،
وأتى بقوله: ﴿لَفِي خُسْرٍ﴾ ليكون أَبْلَغ من قوله: لَخاسِرٌ؛ وذلك أنَّ (في) معناها.؟
معناها الظرفية، فكأنَّ الإنسان منغمسٌ في الْخُسْر، والْخُسْران محيطٌ به من كلِّ جانب.
﴿إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾ [العصر ٣]
استثنى اللَّهُ سبحانه وتعالى هؤلاء المتَّصفين بهذه الصفات الأربع؛
_الصفة الأولى:
الإيمان الذي لا يخالجه شكٌّ ولا تردُّد، بماذا؟
بما بيَّنه الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم حين سأله جبريل عن الإيمان؛
قال: «أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ، وَمَلَائِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ، وَرُسُلِهِ، وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ».
فالذين آمنوا بهذه الأصول السِّتَّة هم المؤمنون، ولكن يجب أن يكون إيمانًا لا شكَّ معه ولا تردُّد؛
بمعنى أنك تؤمن بهذه الأشياء وكأنك تراها رأي العين.
والناسُ في هذا المقام ثلاثة أقسام:
القِسم الأول: مؤمنٌ خالصٌ إيمانًا لا شكَّ فيه ولا تردُّد.
والقِسم الثاني: كافرٌ جاحدٌ مُنْكِر.
والقِسم الثالث: متردِّد.
فمَن الناجي مِن هؤلاء الأقسام الثلاثة؟
الناجي القِسم الأول :
الذي يؤمن إيمانًا لا تردُّد فيه، يؤمن بالله؛ بوُجوده، بأسمائه، بصفاته، بأُلُوهيَّته ورُبُوبيَّته، وغير ذلك مِمَّا هو معلومٌ من صفات الربِّ جل وعلا، ويؤمن بالملائكة وهم عالَمٌ غَيْبِيٌّ، خَلَقهم الله تعالى من نور، وكَلَّفهم بأعمالٍ منها ما هو معلومٌ ومنها ما ليس بمعلوم؛
فجبريل عليه الصلاة والسلام مُكَلَّفٌ بالوحي يَنْزل به مِن عند الله إلى الأنبياء والرُّسُل، وميكائيل مُكَلَّفٌ بالقَطْر والنبات؛ يعني وكَّلَهُ اللَّهُ على المطر وكلِّ ما يتعلَّق به المطر وعلى النبات، وإسرافيل مُوَكَّلٌ بالنفخ في الصُّور، ومالِكٌ مُوَكَّلٌ بالنار، ورضوان مُوَكَّلٌ بالجنة، ومِن الملائكة مَن لا نعلم أسماءهم ولا نعلم أعمالهم أيضًا،
لكنْ جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنَّه «ما مِن موضعِ أَرْبعِ أصابعٍ في السماء إلَّا وفيه مَلَكٌ قائمٌ لله أو راكعٌ أو ساجدٌ».
كذلك نؤمن بالكُتُب التي أنزلها الله على الرُّسُل عليهم الصلاة والسلام، ونؤمن بالرُّسُل؛
الذين قَصَّهم الله علينا نؤمن بهم بأعيانهم، والذين لم يَقُصَّهم علينا نؤمن بهم إجمالًا؛ لأن الله لم يَقُصَّ علينا جميع أنباء الرُّسُل؛ قال الله تعالى: ﴿مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ﴾ [غافر ٧٨].
واليومُ الآخِرُ هو يوم البعث، يوم يخرج الناسُ من قبورهم للجزاء «حُفاةً عُراةً غُرْلًا بُهْمًا»؛
فالْحُفاة يعني: الذين ليس عليهم نِعالٌ ولا خِفافٌ؛
أي إن أقدامهم عاريةٌ، والعُراة: الذين ليس عليهم ثيابٌ،
والغُرْل: الذين لم يُخْتَنوا،
والبُهْم: الذين ليس معهم مال. يُحشَرون كذلك، «ولَمَّا حدَّثَ النبيُّ عليه الصلاة والسلام بأنهم عُرَاةٌ قالت عائشة: يا رسول الله، الرِّجال والنِّساء ينظُر بعضُهم إلى بعض؟! قال: «الْأَمْرُ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ»؛
أي: مِنْ أن ينظر بعضهم إلى بعض؛ لأن الناس كلٌّ مشغولٌ بنفسه.
قال شيخ الإسلام_ رحمه الله: ومِن الإيمانِ باليوم الآخِر الإيمانُ بكلِّ ما أخبر به النبيُّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم مِمَّا يكون بعد الموت، فيجب أن تؤمن بفتنة القبر؛ أي:
بالاختبار الذي يكون للميت إذا دُفِنَ وتَوَلَّى عنه أصحابُه؛ فإنَّه يأتيه مَلَكانِ يسألانِهِ عن ربِّه ودِينه ونبيِّه، وتؤمن كذلك بأن القبر إمَّا روضةٌ من رياض الجنة وإمَّا حُفْرة من حُفَر النار؛
أي إن فيه العذاب أو الثواب، وتؤمن كذلك بالجنة والنار، وكلُّ ما يتعلَّق باليوم الآخِر فإنه داخلٌ في قولنا: أنْ تؤمن بالله واليوم الآخِر.
القَدَر: تقدير الله عز وجل؛ يعني يجب أن تؤمن بأن الله تعالى قدَّر كلَّ شيء؛
وذلك «أن الله خَلَق القَلَمَ فقال له: اكتُبْ. قال: وماذا أكتُبُ؟ قال: اكتُبْ ما هو كائنٌ إلى يوم القيامة».
فجرى في تلك الساعة بما هو كائنٌ إلى يوم القيامة.
إذَن الإيمان في قوله: ﴿إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ يشمل ؟
الإيمانَ بالأصول الستة التي بيَّنها الرسولُ عليه الصلاة والسلام.
أمَّا قوله: ﴿وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ فمعناه أنهم قاموا بالأعمال الصالحة من صلاةٍ، وزكاةٍ، وصيامٍ، وحجٍّ، وبِرٍّ للوالدين، وصلةٍ للأرحام، وغير ذلك؛ لم يقتصروا على مجرَّد ما في القلب، بل عَمِلوا وأنتجوا.
والصالحاتُ هي التي اشتملتْ على شيئين؛
الأول: الإخلاص لله،
والثاني: المتابعة للرسول عليه الصلاة والسلام؛
وذلك أنَّ العمل إذا لم يكن خالصًا لله فهو مردودٌ؛
قال الله تبارك وتعالى في الحديث القدسي الذي يرويه النبيُّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم عنه،
قال الله: «أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ، مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ».
فلو قُمْتَ تُصلِّي مُراءاةً للناس، أو تصدَّقْتَ مُراءاةً للناس، أو طلبتَ العلم مُراءاةً للناس، أو وَصَلْتَ الرَّحِمَ مُراءاةً للناس، أو غير ذلك، فالعمل مردودٌ حتى وإنْ كان صالحًا؛ يعني في ظاهره.
كذلك الاتِّباع؛ لو أنَّك عَمِلتَ عملًا لم يعمله الرسولُ عليه الصلاة والسلام وتقرَّبْتَ به إلى الله مع الإخلاص لله فإنَّه لا يُقبل منك؛ لأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ».
إذَن العملُ الصالحُ ما جَمَعَ وَصْفين؛
الأول: الإخلاص لله،
والثاني :المتابعةُ للرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
﴿وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ﴾ أي: صار بعضُهم يُوصي بعضًا بالحقِّ، والحقُّ هو الشَّرع؛
يعني: كلُّ واحدٍ منهم يُوصي الآخَر، إذا رآهُ مُفَرِّطًا في واجبٍ أوصاه؛
قال: يا أخي، انفعْ نفسَك، قُمْ بالواجب. إذا رآه فاعلًا محرَّمًا أوصاه؛
قال: يا أخي، اجتنب الحرام. فهُمْ لم يقتصروا على نفْعِ أنفسهم، بل نفعوا أنفسَهم وغيرَهم،
﴿تَوَاصَوْا بِالْحَقِّ﴾، الحقُّ هنا بمعنى ؟
الشرع، يُوصي بعضُهم بعضًا به.
﴿وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾
والصبر: حَبْس النفس عمَّا لا ينبغي فِعْله،
وقسَّمه أهل العلم إلى ثلاثة أقسامٍ فقالوا:
_ إن الصبر صبرٌ على طاعة الله
_ وصبرٌ عن محارم الله
_ وصبرٌ على أقدار الله
1_الصبر على الطاعة؛
كثيرٌ من الناس يكون فيه كَسَلٌ عن الصلاة مع الجماعة مَثَلًا، لا يذهب إلى المسجد، يقول: أُصَلِّي في البيت وأدَّيتُ الواجب، فيكسل، نقول: يا أخي اصبرْ نفسَك، احبِسْها، كلِّفْها على أن تصلِّي مع الجماعة.
كثيرٌ من الناس إذا رأى زكاة ماله كثيرةً شَحَّ وبَخِلَ وصار يتردَّد: أُخرِج هذا المالَ الكثيرَ، أو أتركه، أو بَعْدِين أطلعه؟ وما أشبهَ ذلك،
نقول: يا أخي، اصبرْ نفسَك، أَكْرِهها على أداء الزكاة.
وهكذا بقيَّة العبادات،
فإن العبادات كما قال الله تعالى في الصلاة: ﴿وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ﴾ [البقرة ٤٥]،
أكثر عباد الله تجد أن العبادات عليهم ثقيلة، فهم يتواصون بالصبر: اصبرْ على الطاعة، لا تَمَلَّ، لا تكسل.
2_الصبر عن المعصية بعضُ الناس تجرُّه نفسُه إلى أكسابٍ محرَّمةٍ؛
إمَّا بالرِّبا، وإمَّا بالغِشِّ والكذب، وإمَّا بالتدليس، أو بغير ذلك من أنواع الحرام، فنقول: اصبرْ يا أخي، اصبرْ نفسَك، لا تتعاملْ على وجهٍ محرَّم.
بعضُ الناس أيضًا يُبتلَى بالنظر إلى النساء، تجده ماشيًا في السوق كُلَّما مَرَّت امرأةٌ أَتْبَعَها بَصَرَهُ، نقول: يا أخي اصبرْ، احبِسْ نفسَك عن هذا الشيء.
3_على أقدار الله؛
يُصاب الإنسانُ بمرضٍ في بَدَنِه، يُصاب الإنسانُ بفَقْد شيءٍ من ماله، يُصاب الإنسانُ بفَقْد أحِبَّته، فيجزع ويتسخَّط ويتألَّم، فيوصون فيما بينهم: اصبرْ يا أخي، هذا أمْرٌ مُقَدَّر، والجزعُ لا يُفيد شيئًا، واستمرارُ الحزنِ لا يرفع الحزنَ، اصبرْ، قَدِّر أنَّ هذا الشيءَ لَمْ يكُنْ أصلًا؛
يعني مَثَلًا إنسان فَقَدَ مليون ريال فحَزِنَ لذلك وتعذَّب منه، ماذا نقول له؟
نقول: اصبرْ يا أخي، قَدِّر أنَّ هذا المليون لم يوجَد، ألسْتَ قد خرجْتَ من بطن أُمِّك ليس عليك ثياب؟! قَدِّر أنَّ هذا ما كان.
كذلك أيضًا الأولاد؛ مَثَلًا إنسان امتُحِنَ بموت ابنه، نقول: يا أخي، اصبرْ، قَدِّر أنَّ هذا الابن لم يُخْلَق، ثم كما قال الرسول عليه الصلاة والسلام لإحدى بناته: «مُرْهَا فَلْتَصْبِرْ وَلْتَحْتَسِبْ؛ فَإِنَّ لِلَّهِ مَا أَخَذَ وَلَهُ مَا أَعْطَى»،
الأمر كلُّه لله ما هو لك، فإذا أخذ الله تعالى ملْكَه كيف تعتبُ على ربِّك؟!
كيف تتسخَّط؟!
فهذه أنواع الصبر؛
الصبر الأول: على طاعة الله،
والثاني: عن معصية الله،
والثالث: على أقدار الله.
أيُّها أشقُّ على النفوس؟ هذا يختلف؛
بعضُ الناس يشقُّ عليه القيامُ بالطاعة وتكون ثقيلةً عليه جِدًّا، وبعضُ الناس بالعكس؛
الطاعة هيِّنة عليه، لكنْ تَرْك المعصية صعبٌ شاقٌّ يشقُّ عليه مشقَّة كبيرة، وبعضُ الناس يَسْهُل عليه الصبرُ على الطاعة والصبرُ عن المعصية لكنْ لا يتحمَّل الصبرَ على المصائب، يعجز، حتى إنَّه قد تَصِل به الحال إلى أن يرتَدَّ -والعياذُ بالله- كما قال الله تعالى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ﴾ [الحج ١١].
إذَنْ نأخذ من هذه الآية أنَّ الله سبحانه وتعالى أكَّدَ بالقَسَم المؤكَّد بـ(إنَّ) واللام أنَّ جميع بني آدم ؟ خاسرون، بل في خُسْرٍ؛
الْخُسْر محيطٌ بهم من كلِّ جانب، إلَّا مَن اتَّصَفَ بهذه
الصفات الأربع:
الإيمان، والعمل الصالح، والتواصي بالحق، والتواصي بالصبر.
قال الشافعي رحمه الله: لولم يُنزل اللَّهُ على عباده حُجَّةً إلا هذه السورة لَكَفَتْهم.
يعني: كَفَتْهم موعظةً، وليس كَفَتْهم تشريعًا؛
لأنه ما فيها شيءٌ من التشريع؛ ما فيها طهارةٌ ولا صلاةٌ ولا زكاةٌ ولا حجٌّ ولا صيامٌ، لكنْ كَفَتْهم موعظةً، كل إنسان عاقل يعرف أنَّه في خُسْرٍ إلَّا إذا اتَّصَفَ بهذه الصفات الأربع فإنه سوف يحاول بقَدْر ما يستطيع أن يتَّصِفَ بهذه الصفات الأربع.
.... .......... ...........
تفسير سورة العصر لابن باز
بسم الله الرحمن الرحيم وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ [العصر:1-3]
هذه السورة العظيمة مع قصرها قد اشتملت على بيان أسباب الربح وأسباب الخسران،
فالرابحون هم الذين تخلقوا بهذه الأخلاق الأربعة ؛
من: الإيمان، والعمل الصالح، والتواصي بالحق، والتواصي بالصبر، هؤلاء هم الرابحون في الدنيا والآخرة.
والإيمان يقتضي أن يكون هناك علم بمضمونه، إذ الإيمان إنما يتحقق عن علم المؤمن بما أوجب الله عليه وما أخبر الله به ورسوله من أمر الآخرة وما كان وما يكون حتى يؤمن بذلك على بصيرة،
فالإيمان يقتضي أن يكون هناك علم وبصيرة،
ثم العمل الصالح وهو أداء الفرائض وترك المحارم،
ثم التواصي بالحق والتواصي بأداء الواجبات وترك السيئات، والحرص على كل خير، والحذر من كل شر،
ثم التواصي بالصبر على ذلك، إذ لا يمكن أن يؤدي العبد الإيمان على التمام،ويؤدي الأعمال الصالحات على التمام، ويؤدي التواصي بالحق والدعوة إلى الحق إلا بصبر على ذلك وعناية بهذا الأمر.
فالصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد، فالمؤمن يحتاج إلى الصبر في إيمانه وعمله ودعوته إلى الله وأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر وغير ذلك.
وقد أقسم الله بالعصر -وهو الزمان الذي هو محل أعمال بني آدم من خير وشر- على أن بني الإنسان في خسران، يعني في نقص في أيامهم ولياليهم، إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا إلا الذين تخلقوا بهذه الأخلاق الأربعة من:
الإيمان، والعمل الصالح، والتواصي بالحق، والتواصي بالصبر.
فالواجب على كل ذي لب، الواجب على طالب النجاة، الواجب على الخائف من الله والراغب بما عنده
أن يهتم بهذه الأمور الأربعة، وأن يعنى بها وأن يجتهد في تحقيقها، وذلك بالإيمان بالله ورسوله إيمانا صادقا يثمر العمل الصالح ويثمر التواصي بالحق ويثمر التواصي بالصبر.
فالمؤمن هو الذي عرف الله وآمن به سبحانه وآمن برسله عليهم الصلاة والسلام، وصدقهم فيما أخبروا به وآمن بما كان وما يكون على حسب ما أخبر به نبينا محمد عليه الصلاة والسلام، وعلى حسب ما دل عليه كتاب الله ، هذا هو المؤمن، وهذا الإيمان الصحيح المتركز على الأدلة الشرعية يثمر العمل الصالح،
فكل إيمان صادق يدعو إلى العمل والاجتهاد في الخير والتواصي بالحق والتواصي بالصبر عليه، وكلما حصل نقص في العمل أو في التواصي والدعوة أو في الصبر فما ذاك إلا من نقص الإيمان ومن ضعف الإيمان، وعلى حسب قوة الإيمان وكمال العلم يكون عمل الإنسان ويكون اجتهاده في الخير ويكون حذره من الشر، ويكون نصحه للعباد وتواصيه معهم بالحق وتواصيه معهم بالصبر.
والله يقسم من خلقه ما شاء لتأكيد المقام، وبيان أن ما أقسم عليه مهم جدا، فقد أقسم بالسماء ذات البروج، وبالشمس وضحاها، وبالضحى، وبالتين، وبغير ذلك
ليدل عباده على أن ما أقسم به من آكد الأمور ومن مهمات الأمور، وفيما أقسم به آيات وعبر ودلائل على قدرته سبحانه، وأنه رب العالمين وأنه الخلاق العليم، وأنه المستحق لأن يعبد ويعظم ويطاع جل وعلا، فالعصر الذي هو الليل والنهار
ويطلق أيضا على آخر النهار هو محل أعمال بني آدم، وهو من آيات الله ، وهكذا السماء وبروجها، وهكذا الأرض، وهكذا التين والزيتون، وهكذا جميع ما أقسم الله به سبحانه كله من آياته ، ومن براهين قدرته العظيمة وحكمته، وأنه رب العالمين، وأنه المستحق لأن يعظم ويجل .
أما المخلوق فليس له أن يقسم إلا بالله ، العبد ليس له أن يقسم إلا بربه كما قال النبي عليه الصلاة والسلام:
من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت، وقال عليه الصلاة والسلام: من حلف بالأمانة فليس منا،
وقال أيضا عليه الصلاة والسلام: من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك وكثير من الناس عندهم تساهل بهذا الأمر، تجد بعض الناس يقسم بشرف فلان وحياة فلان، وبالنبي عليه الصلاة والسلام، وبالأمانة وبالكعبة وبغير ذلك، وهذا نقص في الإيمان وضعف في التوحيد،
لأن القسم بغير الله من الشرك الذي حرمه الله.
فيجب عليك أيها المؤمن أن تحذر هذا المنكر، وأن تعود به لسانك الحلف بالله وحده، وأن تحذر الحلف بغيره كائنا من كان، فالله سبحانه هو الذي يعلم حالك، ويعلم صدقك وكذبك، ويعلم سريرتك وهو الذي يقدر أن يثيبك ويعاقبك جل وعلا، فعليك أن تقسم به وحده وأن تؤدي حقه ،
وأن تكون في سائر أحوالك مستقيما على الإيمان والعمل الصالح والتواصي بالحق والصبر عليه، وبهذا تربح الربح الكامل وتسعد في الدنيا والآخرة، وتنجو من عذاب الله الذي أوعد به من أعرض عن هذه الخصال ولم يستقم عليها.
والصلاة والزكاة والصيام والحج وسائر ما أمر الله به ورسوله كله داخل في الإيمان والعمل الصالح، والدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتوجيه الناس إلى الخير وإرشادهم إلى أسباب النجاة وتحذيرهم من أسباب الهلاك كل هذا داخل في التواصي بالحق والصبر عن محارم الله، والصبر على طاعة الله والصبر على كل ما شرعه الله، كل هذا داخل في قوله: وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ [العصر:3].
فعلينا معشر المسلمين أن نجاهد أنفسنا في هذا الأمر أن نجاهدها في الإيمان حتى نؤمن إيمانا صادقا بالله ورسوله، بكتب الله، بالملائكة، باليوم الآخر، بالقضاء والقدر، وحتى نصدق إيماننا بالأعمال الصالحات، ومن الإيمان أيضا أن نؤمن بما أخبر الله به ورسوله من أخبار الماضين وأخبار يوم القيامة وأخبار الجنة والنار إلى غير ذلك، فكل ما أخبر الله به ورسوله عليه الصلاة والسلام مما صح عن رسول الله فعلينا أن نؤمن به ونصدق به على حسب علمنا إجمالا وتفصيلا.
كما أن علينا نتيجة هذا الإيمان وثمرة هذا الإيمان علينا أن نصدق إيماننا بالعمل الصالح بأداء فرائض الله وترك محارم الله والوقوف عند حدود الله،
وعلينا أيضا أن نحقق هذا الإيمان بالدعوة إلى الله والتوجيه إليه وإرشاد العباد إلى ما خلقوا له، وتحذيرهم من أسباب الهلاك والتواصي معهم على كل خير، وعلى ترك كل شر،
وعلينا مع ذلك أن نصبر على ذلك، وأن نتواصى بالصبر، فهذا هو طريق النجاة وسبيل السعادة.
وكلما أخل الإنسان بشيء من هذه الأمور ناله من الخسران بحسب ذلك، فإن ضعف إيمانه حتى أخل بشيء من الأعمال الصالحات بأن ضيع بعض الواجبات أو ركب بعض المحارم صار ذلك نقصا عليه ونوعا من الخسران الذي يحصل له،
وهكذا إذا ضعف تواصيه بالحق أو ضعف صبره صار نقصا في إيمانه وصار من أسباب الخسران الذي يناله بقدر ذلك.
فعلى المؤمن أن يحافظ غاية المحافظة على كل ما أوجب الله عليه، وأن يحذر كل ما حرم الله عليه حرصا على تمام الربح وحذرا من سائر أنواع الخسران.
...... ....... .........
تفسير سورة العصر لابن عبد السلام
{وَالْعَصْرِ (1)}
الدهر أو العشي ما بين الزوال إلى الغروب أو صلاة العصر.
{إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2)}
{الإِنسَانَ} جنس {خُسْرٍ} هلاك أو شر أو نقص أو عقوبة.
{إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)}
{بِالْحَقِّ} بالله أو بالتوحيد أو القرآن {بِالصَّبْرِ} على طاعة الله تعالى أو فرائضه.
...... ..... .......
تفسير سورة العصر للبيضاوي
{والعصر}
أقسم سبحانه بصلاة العصر لفضلها، أو بعصر النبوة أو بالدهر لاشتماله على الأعاجيب والتعريض بنفي ما يضاف إليه من الخسران.
{إِنَّ الإنسان لَفِى خُسْرٍ}
إن الناس لفي خسران في مساعيهم وصرف أعمارهم في مطالبهم، والتعريف للجنس والتنكير للتعظيم.
{إِلاَّ الذين ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات}
فإنهم اشتروا الآخرة بالدنيا ففازوا بالحياة الأبدية والسعادة السرمدية.
{وَتَوَاصَوْاْ بالحق} الثابت الذي لا يصح إنكاره من اعتقاد أو عمل.
{وَتَوَاصَوْاْ بالصبر} عن المعاصي أو على الحق، أو ما يبلو الله به عباده. وهذا من عطف الخاص على العام للمبالغة إلا أن يخص العمل بما يكون مقصوراً على كماله، ولعله سبحانه وتعالى إنما ذكر سبب الربح دون الخسران اكتفاء ببيان المقصود، وإشعاراً بأن ما عد إما عد يؤدي إلى خسر ونقص حظ، أو تكرماً فإن الإبهام في جانب الخسر كرم.
عن النبي صلى الله عليه وسلم: «من قرأ سورة والعصر غفر الله له وكان ممن تواصوا بالحق وتواصوا بالصبر».
..... ..... .....
تفسير سورة العصر لابن جزي
{وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)}
{والعصر} فيه ثلاثة أقوال:
الأول:
أنه صلاة العصر أقسم الله بها لفضلها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«الذي تفوته صلاة العصر كأنما وتر أهله وماله»
الثاني:
أنه العشيّ أقسم به كما أقسم بالضحى، ويؤيد هذا قول أبيّ بن كعب: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العصر فقال: أقسم ربك بآخر النهار.
الثالث :
أنه الزمان {إِنَّ الإنسان لَفِى خُسْرٍ} الإنسان جنس، ولذلك استثنى منه الذين آمنوا فهو استثناء متصل {وَتَوَاصَوْاْ بالحق} أي وصى بعضهم بعضاً بالحق وبالصبر، فالحق هو الإسلام وما يتضمنه،
وفيه إشارة إلى كذب الكفار، وفي الصبر إشارة إلى صبر المؤمنين على إذاية الكفار لهم بمكة
..... ........ ......
تفسير سورة العصر للزمخشري
مكية، وآياتها 3 «نزلت بعد الشرح» بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
أقسم بصلاة العصر لفضلها،
بدليل قوله تعالى: وَالصَّلاةِ الْوُسْطى صلاة العصر، في مصحف حفصة. وقوله عليه الصلاة والسلام «من فاتته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله»
ولأنّ التكليف في أدائها أشق لتهافت الناس في تجاراتهم ومكاسبهم آخر النهار، واشتغالهم بمعايشهم.
أو أقسم بالعشي كما أقسم بالضحى لما فيهما جميعا من دلائل القدرة.
أو أقسم بالزمان لما في مروره من أصناف العجائب. والإنسان: للجنس. والخسر: الخسران، كما قيل: الكفر في الكفران.
والمعنى: أن الناس في خسران من تجارتهم إلا الصالحين وحدهم، لأنهم اشتروا الآخرة بالدنيا، فربحوا وسعدوا، ومن عداهم تجروا خلاف تجارتهم، فوقعوا في الخسارة والشقاوة وَتَواصَوْا بِالْحَقِّ بالأمر الثابت الذي لا يسوغ إنكاره،
وهو الخير كله: من توحيد الله وطاعته، واتباع كتبه ورسله، والزهد في الدنيا، والرغبة في الآخرة وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ عن المعاصي وعلى الطاعات، وعلى ما يبلو الله به عباده.
عن رسول الله ﷺ: «من قرأ سورة والعصر غفر الله له وكان ممن تواصى بالحق وتواصى بالصبر».
...... ......... .....
تفسير سورة العصر في الجلاليين
{والْعَصْرِ} الدهر، أو ما بعد الزوال إلى الغروب، أو صلاة العصر.
{إِنَّ الإنسان} الجنس {لَفِى خُسْرٍ} في تجارته.
{إِلاَّ الذين ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات} فليسوا في خسران {وَتَوَاصَوْاْ} أوصى بعضهم بعضاً {بالحق} أي الإِيمان {وَتَوَاصَوْاْ بالصبر} على الطاعة وعن المعصية.
....... ....... ......
تفسير سورة العصر في التفسير الميسر
{وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2)}
أقسم الله بالدهر على أن بني آدم لفي هلكة ونقصان. ولا يجوز للعبد أن يقسم إلا بالله، فإن القسم بغير الله شرك.
{إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)}
إلا الذين آمنوا بالله وعملوا عملا صالحًا، وأوصى بعضهم بعضًا بالاستمساك بالحق، والعمل بطاعة الله، والصبر على ذلك.
....... ........ .....
تفسير سورة العصر في التفسير الوسيط
وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَتَواصَوْا بِالْحَقِّ وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ (3)} [العصر: 103/ 1- 3].
هذه سورة جامعة لأصول الخير والنجاة عند اللّه تعالى،
قال الإمام الشافعي رحمه اللّه: لو تدبر الناس هذه السورة لوسعتهم، لو لم ينزل غير هذه السورة لكفت الناس؟!
لأنها شملت جميع علوم القرآن.
وأخرج الطبراني في الأوسط، والبيهقي في الشعب عن أبي حذيفة- وكانت له صحبة- قال: كان الرجلان من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه تعالى عليه وآله وسلّم إذا التقيا، لم يتفرقا، حتى يقرأ أحدهما على الآخر سورة: والعصر ثم يسلّم أحدهما على الآخر.
وفيها إشارة إلى حال من لم يلهه التكاثر، ولذا وضعت بعد سورته.
ومعناها: أقسم بالعصر: وهو الدهر أو الزمان الذي يمر به الناس، لما فيه من العبر وتقلبات الليل والنهار، وتعاقب الظلام والضياء، وتبدل الأحداث والدول، والأحوال والمصالح، مما يدل على وجود الصانع عز وجل، وعلى توحيده وكمال ذاته وقدرته وصفاته. أقسم بذلك على أن الإنسان
(أي اسم الجنس) لفي خسارة وهلاك وسوء حال، في المتاجر والأعمال، والمساعي والأفعال، إلا من استثناهم اللّه فيما يأتي.
وهذا القسم بالدهر دليل على شرفه وأهميته، لذا قال النبي صلّى اللّه عليه وسلّم- فيما أخرجه مسلم عن أبي هريرة رضي اللّه عنه-: «لا تسبّوا الدهر، فإن اللّه هو الدهر» أي خالقه.
والآية، كما ذكر الرازي، كالتنبيه على أن الأصل في الإنسان أن يكون في الخسران والخيبة، وذلك بيّن غاية البيان في الكافر، إنه خسر الدنيا والآخرة، وذلك هو الخسران المبين، وأما المؤمن- وإن خسر في دنياه أحيانا، كالتجارة، والهرم ومقاساة شقاء الدنيا- فذلك لا يعد شيئا في جانب فلاحه في الآخرة، وربحه الذي لا يفنى.
ثم استثنى اللّه تعالى من جنس الإنسان من اتصف بصفات أربع، حيث يجمع له الخير كله،
وهذه الصفات:
_ هي الإيمان الصحيح بالله عز وجل وبملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقضاء والقدر، خيره وشره، حلوه ومر:
والشر في المقضي بحسب تقدير الإنسان عاجلا، أما في المستقبل، أو في علم اللّه تعالى فلا شر في القدر.
_والمداومة على العمل الصالح:
وهو أداء الفرائض وبقية الطاعات، وفعل الخيرات، وترك المحرمات، وترداد الباقيات الصالحات وهي سبحان اللّه، والحمد لله، ولا إله إلا اللّه، واللّه أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
_ والتواصي بالحق وهو كل أمر ثابت صحيح خلاف الباطل:
وهو الخير كله من الإيمان بالله عز وجل، واتباع كتبه ورسله عليهم السّلام، في كل عقد وعمل.
قال الزمخشري: هو الخير كله. من توحيد اللّه، وطاعته، واتباع كتبه ورسله والزهد في الدنيا، والرغبة في الآخرة.
_والتواصي بالصبر عن المعاصي التي تشتاق إليها النفس بحكم الجبلّة البشرية،
والصبر على الطاعات التي يشق على النفس أداؤها، وعلى ما يبتلي اللّه تعالى به عباده من المصائب.
والصبر المذكور داخل في الحق، وذكره بعده مع إعادة الجار والفعل المتعلق هو به، لإبراز كمال العناية به.
والصبر: ليس مجرد حبس النفس عما تتوق إليه من فعل أو ترك، بل هو تلقي ما ورد منه عز وجل بالجميل والرضا به، باطنا وظاهرا.
واستدل بعض المعتزلة بما في هذه السورة، على أن مرتكب الكبيرة مخلد في النار، لأنه لم يستثن فيها عن الخسر، إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات. إلخ، وأجيب عنه بأنه لا دلالة في ذلك على أكثر من كون غير المستثنى في خسر، وأما على كونه مخلدا في النار، فلا.
كيف والخسر عام؟!
فهو إما بالخلود إن مات كافرا، وإما بالدخول في النار إن مات عاصيا، ويبقى بعد ذلك الإحالة إلى مغفرة اللّه تعالى، فهو سبحانه إن غفر المعاصي لم يخلد، وقد ورد في الحديث الثابت الذي أخرجه البزار عن أبي سعيد الخدري رضي اللّه عنه:
أن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «من قال: لا إله إلا اللّه، مخلصا دخل الجنة»
........ ......... ......
إعراب سورة العصر
وَالْعَصْرِ ﴿١﴾إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ ﴿٢﴾إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴿٣﴾
وَالْعَصْرِ:الواو: واو القسم وهي حرفُ جر.
العَصْرِ: اسمٌ مجرور بواو القسم وعلامة جرّه الكسرة، والجار والمجرور مُتعلّقان بفعلٍ محذوف تقديره (أقسم).
إِنَّ: حرف توكيد ونصب مبني على الفتح.
الْإِنسَانَ: اسم إنَّ منصوب وعلامة نصبه الفتحة.
لَفِي: لَ: اللّام المُزحلقة(اللّام المُزحلقة هي لام توكيد؛ ولكراهة اجتماع توكيدان زُحلِقت إلى الخبر.) الواقعة في خبر إنّ للتّأكيد. فِي: حرفُ جرٍّ مبني على السّكون.
خُسْرٍ: اسمٌ مجرورٌ بـ (فِي) وعلامة جرّه تنوين الكسر، وشبه الجُملة من الجار والمجرور (لَفِي خُسْرٍ) في محلّ رفع خبر إنَّ. وجُملة إنَّ واسمها وخبرها جُملة جواب القسم.
إِلَّا: أداةُ استثناء مبنيّة على السّكون.
الَّذِينَ: اسمٌ موصولٌ مبني على الفتح في محلّ نصب مُستثنى.
آمَنُوا: فعلٌ ماضٍ مبني على الضّم لاتّصاله بواو الجماعة، وواو الجماعة: ضميرٌ مُتّصلٌ مبني على السّكون في محلّ رفع فاعل. والجُملة الفعليّة لا محلّ لها من الإعراب صلة الموصول.
وَعَمِلُوا: الواو: حرفُ عطفٍ مبني على الفتح. عَمِلُوا: فعلٌ ماضٍ مبني على الضّم لاتّصاله بواو الجماعة، وواو الجماعة: ضميرٌ مُتّصلٌ مبني على السّكون في محلّ رفع فاعل.
الصَّالِحَاتِ: مفعولٌ بهِ منصوب وعلامة نصبه الكسرة لأنّه جمع مؤنّث سالم.
وَتَوَاصَوْا: الواو: حرفُ عطفٍ مبني على الفتح. تَوَاصَوْا: فعلٌ ماضٍ مبني على الضّم المُقدّر على الألف المقصورة المحذوفة، وواو الجماعة: ضميرٌ مُتّصلٌ مبني على السّكون في محلّ رفع فاعل.
بِالْحَقِّ: الباء: حرفُ جرٍّ مبني على الكسر. الحَقِّ: اسمٌ مجرورٌ بـ (الباء) وعلامة جرّه الكسرة.
وَتَوَاصَوْا: الواو: حرفُ عطفٍ مبني على الفتح. تَوَاصَوْا: فعلٌ ماضٍ مبني على الضّم المقدّر على الألف المقصورة المحذوفة، وواو الجماعة: ضميرٌ مُتّصلٌ مبني على السّكون في محلّ رفع فاعل.
بِالصَّبْرِ: الباء: حرفُ جرٍّ مبني على الكسر. الصَّبْرِ: اسمٌ مجرورٌ بـ (الباء) وعلامة جرّه الكسرة.
.......... ......... ........
خواطر علي سورة العصر
بدأ الله هذه السورة بالقَسَمِ بالعصر، وهو الدهر، فقال: والعصر! والعصرُ هو الدهر، والدهر هو أيام الله التي يخلق الله فيها ما يشاء، ويفعل فيها ما يريد، ويحكم فيها بحكمته وإرادته:
(وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ) [القصص:68].
أقسم الله بالدهر لأهميته، ولتبيين مكانته ولتعظيم منزلته، فهو ميدان العاملين، ومضمار المتسابقين، فمَن استغلَّه في طاعة الله، وعمل فيه على مرضاة مولاه، فقد فاز بالفوز العظيم، ومَن ضيَّعَه في معصية الله فذلك هو الخسران المبين.
وقال بعض المفسِّرين: إن المراد بالعصر في هذه السورة صلاة العصر التي تكون عند منتهى النهار ومقتبل الليل، وهي من أفضل الصلوات عند الله، حيث خصها الله بالذكر، وأقسم بها، فقال:
(وَالْعَصْرِ) [العصر:1]!
وأمر بالمحافظة الخاصة عليها، فقال -سبحانه وتعالى-: (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ) [البقرة:238].
ويقول -سبحانه-: (وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ) [ق:39]، يعني صلاة العصر، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحديث المتفق عليه: "مَن صلَّى البردَيْنِ دخل الجنة"، والبردان هما الصبح والعصر، وحذَّر -صلى الله عليه وسلم- من التفريط فيها، وعدم المحافظة عليها، أو التكاسل عن القيام بها، فقال -صلى الله عليه وسلم-:
"مَن تَرَكَ صلاةَ العَصْرِ فقد حبِطَ عملُه".
(إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ) [العصر:2]، أقسم الله على أن الإنسان -كل إنسان- في خسارة ونقصان، وضياع وحرمان؛
لأنه يُفضل العاجلة على الآجلة، وتغلبه الأهواء والشهوات، ويطغى عليه حب الذات والماديات.
(إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ)،
(إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ) [إبراهيم:34]،
(إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ) [العاديات:6]،
(وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا) [الإسراء:11]،
(وَكَانَ الْإِنْسَانُ قَتُورًا) [الإسراء:100]،
(وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا) [الكهف:54]،
(وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا) [الأحزاب:72].
(إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ)، كل إنسان، الأبيض والأسود، العربي والأعجمي، كلهم في خسارة وخسران؛ ثم استثنى الله مَن استكمل أسباب النجاة، وأخذ بأسباب النجاة، وأولها الإيمان بالله، وبما جاء من عند الله.
(إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَواصَوْا بالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بالصَّبْرِ) [العصر:3].
(إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا)، الإيمان تلكم الكلمة المدوية المجلجلة التي تهز الكون هزاً. (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا): الإيمان أعظم كنز يمتلكه المؤمن في هذه الحياة وأعظم ثروة يكتنزها العبد للقاء الله.
الإيمان قولٌ باللسان، واعتقاد بالجنان، وعمل بالجوارح والأركان، يزيد بالطاعات وينقص بالعصيان؛ الإيمان يبعث في القلب الثقة بالله، والأنس بالله، والطمأنينة بذكر الله، فالمؤمنون في رياض المحبة يرتعون، وفي جنة العبودية يتقرَّبون، أحبَّهُم الله فأحبوه، ورضِي عنهم ورضُوا عنه، تقربوا منه بالصالحات، فتقرب منهم بالمغفرة والرحمات، "ومَا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبَّه؛ فإذا أحببتُه كنتُ سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها. وإن سألني لأعطينه، وإن استعاذني لَأُعِيذَنَّهُ".
إنَّ الإيمان هو الركن الثاني من أركان الدين بعد الإسلام، وله شروط صعبة لا تنطبق إلا على قليل من الناس، ذكَر اللهُ -جل جلاله- صفاتهم في كتابه العظيم فقال: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) [الأنفال:2].
وقال في وصفهم: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) [الأنفال:74].
ويقول -سبحانه-: (قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ) [الحجرات:14-15].
الإيمان، كما فسره جبريل للنبي -صلى الله عليه وسلم-: "الإيمان أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، وباليوم الآخر، وبالقدر خيره وشره".
(قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) [المؤمنون:1-11].
فبعدأن ذكر الله أن الشرط الأول للنجاة هو الإيمان: (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا)، ذكر الشرط الثاني فقال: (وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ)، لا يكفي الإيمان فقط؛
بل لابد بعد الإيمان من العمل، إذ لا يصح الإيمان إلا بالعمل الصالح.
ولهذا قرن الله بينهما في كثير من الآيات في كتابه العظيم: (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ * ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ) [التين:4-6]،
(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا) [الكهف:107]،
(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ) [البينة:7]،
(وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ...) [المائدة:9]،
وغيرها من الآيات الكثيرات التي تذكر الإيمان والعمل الصالح وتقرن بينهما.
فليعلم مَن يشرك بالله، أو يقطع الصلاة، أو يمنع الزكاة أنه لا إيمان إلا بالعمل الصالح، وعلى قدر إيمان العبد يكون عمله الصالح، فمَن كان إيمانه قوياً كان عمله الصالح كثيراً، ومَن كان إيمانه ضعيفاً كان عمله ضعيفاً.
ثم ذكر الله الشرط الثالث للنجاة فقال: (وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ)،
التواصي هو التناصح، فالدين النصيحة كما أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم-: "الدين النصيحة"، قالوا: لمن يا رسول الله؟ قال: لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم.
يقول الإمام علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-: "المؤمنون نصَحَة، والمنافقون غشَشَة"، فمَن أراد النجاة فإن من أسباب النجاة التي ذكرها الله في هذه السورة العظيمة التناصح، والتواصي بالحق.
والحقُّ هو الشيء البيِّنُ الواضح، والمقصود به في هذه الآية الكريمة أداء الطاعات وترك المنكرات، فيجب علينا -إن أردنا النجاة- أن نتناصح فيما بيننا، وأن يوصي بعضنا بعضاً، وأن نُفعِّل هذه الفضيلة العظيمة، فضيلة النصيحة، والتناصح بالأسلوب الحسَن، وباللِّين والرفق والستر، عبر جميع الوسائل المتاحة، (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) [النحل:125].
يقول الإمام الشافعي -رحمه الله-:
تعمَّدْني بنُصحِكَ في انفرادي
وجنِّبْنِي النصيحةَ في الجماعَهْ
فإنَّ النصحَ بين الناس نوعٌ
من التوبيخِ لا أرضَى اسْتِمَاعَه
فإنْ خالَفْتَنِي وعصَيْتَ قولي
فلا تجزعْ إذا لم تُعْطَ طاعه
(وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ)، يوصي بعضنا بعضاَ بالصبر، والصبر هو حبس النفس على طاعة الله، وحبسها عن معصية الله، وحبسها عن التسخُّط من أقدار الله؛
فالمؤمن لن يستطيع مواصلة الطريق إلا بالصبر، فالإيمان يحتاج إلى صبر، والعمل الصالح يحتاج إلى صبر، والنصيحة تحتاج إلى صبر، والمعاصي تحتاج إلى صبر حتى لا يقع الإنسان فيها؛ ولهذا ذكر الله -جل جلاله- الصبر في أكثر من تسعين موضعاً من القرآن الكريم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [آل عمران:200].
فالصبر يجعل المؤمن لا يخاف إلا من الله، ولا يلجأ إلا لله، ولا يخضع لأحد سوى الله، صابراً على طاعة الله، صابراً عن الوقوع في معصية الله، صابراً على أقدار الله المؤلمة: ( وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) [البقرة:155-157].
يقول السعدي -رحمه الله-:" فالإيمان والعمل الصالح يُكمل الإنسان بهما نفسه، والتواصي بالحق والتواصي بالصبر يُكمل الإنسان بهما غيره، وبتكميل الأمور الأربعة يكون الإنسان قد سلم من الخسارة، وفاز بالربح العظيم
كما بيَّنَتِ سورة العصر أنَّ الناسَ فريقانِ: فريقٌ يلحَقُهُ الخسرانُ،﴿ إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ)
والخسار مراتب متعددة ومتفاوتة: فقد يكون الانسان خسارًا مطلقًا، وذلك كحال من خسر الدنيا والآخرة، وفاته النعيم، واستحق الجحيم.
وقد يكون الانسان خاسرًا من بعض الوجوه دون البعض، ولهذا عمم الله الخسار لكل إنسان، إلا من اتصف بالإيمان بما أمر الله به، والعمل الصالح،
وقد ورد في هذه الآيات الصفات المنجية من الخسران وهي:
(1) الإيمان بما أمر الله به، ولا يكون الإيمان بدون العلم؛ فهو فرع عنه ولا يتم إلا به.
(2) والعمل الصالح: وهذا شامل لأفعال الخير كلها الظاهرة والباطنة المتعلقة بحقوق الله وحقوق عباده الواجبة والمستحبة.
(3) والتواصي بالحق الذي هو الإيمان والعمل الصالح أي: يوصي بعضهم بعضاً بذلك، ويحثُّه عليه، ويرغِّبه فيه.
(4) التواصي بالصبر على طاعة الله، وعن معصية الله، وعلى أقدار الله المؤلمة.
فبالأمرين الأوَّلين يكمِّل العبد نفسه، وبالأمرين الأخيرين يكمِّل غيره، وبتكميل الأمور الأربعة يكون العبد قد سلم من الخسار وفاز بالربح العظيم
وأما الفريق الآخر:
فهو فريقٌ نَاجٍ وفائز برضا الرحمن، ( إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا ﴾ فالإيمانُ هوَ الركنُ الذِي لاَ غِنَى عنْهُ للإنسانِ، وهوَ أساسُ الفرَحِ والأمانِ، وبابُ السرورِ والاطمئنانِ، ولاَ يقبلُ اللهُ تعالَى مِنْ إنسانٍ عملاً، ولا يُثبِتُ لهُ أجراً، مَا لَمْ يكُنْ عملُهُ نابعاً مِنَ الإيمانِ باللهِ تعالَى، وحقيقتُهُ التسليمُ والخضوعُ للهِ عزَّ وجلَّ، وامتثالُ أمرِهِ، والرضَا بقَسَمِهِ، وفي صحيح مسلم (عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ« ذَاقَ طَعْمَ الإِيمَانِ مَنْ رَضِىَ بِاللَّهِ رَبًّا وَبِالإِسْلاَمِ دِينًا وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولاً ».
ولا يكون الإيمان بالله إلا بمعرفته عز وجل بربوبيته، وأنه الخالق الرازق المدبر لهذا الكون، وبألوهيته وأنه المستحق للعبادة وحده دون سواه، وبأسمائه وصفاته، ومعرفة رسوله – صلى الله عليه وسلم – المعرفة التي تستلزم قبول ما جاء به من الهدى ودين الحق وتصديقه فيما أخبر وامتثال أمره فيما أمر واجتناب ما نهى عنه وزجر وتقديم حبه على النفس والمال والولد، ومعرفة دين الإسلام وذلك بتعلم أحكامه وتعاليمه ومن ثم العمل بها، فمن عرف ذلك فقد آمن وصدق، ومن خالف وأعرض فهو المتصف بالخسارة.
ومِنَ الإيمانِ باللهِ استثمارُ الجوارحِ فِي عملِ الطاعاتِ والقُرُباتِ، ولذَا أردفَ اللهُ سبحانَهُ وتعالَى عملَ الصالحاتِ بعدَ ذِكْرِ الإيمانِ فقالَ تعالى :﴿ إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ﴾
ولأن الإيمان حقيقة إيجابية متحركة كان العمل الصالح هو الثمرة الطبيعية للإيمان، فما إن تستقر حقيقة الإيمان في ضمير المؤمن حتى تسعى بذاتها إلى تحقيق ذاتها، في صورة عمل صالح، فلا يمكن أن يظل الإيمان في نفس المؤمن خامداً لا يتحرك، كامناً لا يتبدى، فإن لم يتحرك الإيمان هذه الحركة الطبيعية؛ فهو مزيف، أو ميت، شأنه شأن الزهرة ينبعث أريجها منها، انبعاثاً طبيعياً، فإن لم ينبعث منها أريج، فهو غير موجود، والزهرة غير طبيعية
والعمل الصلح ليس فلتةً عارضة، ولا نزوةً طارئة، ولا حادثةً منقطعة، إنما ينبعث عن دوافع، ويتجه إلى هدف، ويتعاون عليه المؤمنون.
فالإيمان ليس انكماشاً، ولا سلبيةً، ولا انزواءً، ولا تقوقعاً بل هو حركةٌ خيرةٌ، نظيفة، وعمل إيجابي، هادف، وإعمار متوازنٌ للأرض، وبناء شامخ للأجيال،
والايمان والعمل الصالح هو جوهر العبادة وأساسها، فالعمل الصالح شامل لأفعال الخير كلها الظاهرة والباطنة، المتعلقة بحق الله وحق عباده الواجبة والمستحبة. والعمل الصالح من لوازم الإيمان بالله، فكلما زاد عملك زاد إيمانك، وكلما قل عملك قل إيمانك، فالإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية.
وبعض الناس يظن أنه يكفي مجرد الإيمان في القلب ولا حاجة للعمل، وهذا باطل،فالإيمان مقترن بالعمل، والعمل دال على الإيمان، فمن صلح باطنه بالإيمان صلح ظاهره بالعمل الصالح، ومن فسد باطنه ونقص إيمانه فسد ظاهره وترك العمل، فلا تجد الإيمان في القرآن إلا وهو مقرون بالعمل الصالح، وهذا كثير لمن تأمل وتدبر القرآن .
فيَا فوزَ مَنِ اغتنمَ وقتَهُ بالطاعاتِ، واستقامَ علَى فِعلِ الخيراتِ ،وأكثَرَ مِنْ عملِ الصالحاتِ، والْتزَمَ الحقَّ ولَمْ يتَّبِعْ هواهُ ،وبذلَ النصيحةَ للناسِ، ودعَاهُمْ إلَى اتباعِ الحقِّ ، والتواصِي بالصبرِ، فإنَّ الصبرَ مفتاحُ الفرَجِ، وعاقبتَهُ كريمةٌ، وفي سنن الترمذي قال صلى الله عليه وسلم :
(فَإِنَّ مِنْ وَرَائِكُمْ أَيَّامًا الصَّبْرُ فِيهِنَّ مِثْلُ الْقَبْضِ عَلَى الْجَمْرِ لِلْعَامِلِ فِيهِنَّ مِثْلُ أَجْرِ خَمْسِينَ رَجُلاً يَعْمَلُونَ مِثْلَ عَمَلِكُمْ ». قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ وَزَادَنِى غَيْرُ عُتْبَةَ
(قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَجْرُ خَمْسِينَ رَجُلاً مِنَّا أَوْ مِنْهُمْ قَالَ « لاَ بَلْ أَجْرُ خَمْسِينَ مِنْكُمْ ».
فالتخَلُّقُ بالصبرِ ملاكُ فضائلِ الأخلاقِ كلِّهَا، فمَنْ حازَهُ جمعَ الخيرَ كلَّهُ، قالَ تعالَى:
إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَاب﴾