سيرة سعيد بن جبير _رضي الله عن
مقدمة :
ابن هشام ، الإمام الحافظ المقرئ المفسر الشهيد ، أبو محمد ، ويقال : أبو عبد الله الأسدي الوالبي ، مولاهم الكوفي ، أحد الأعلام
_جمولد سعيد بن جبير _رضي الله عنه :
أبو عبد الله سعيد بن جبير بن هشام الأسدي الوالبي، مولاهم وفي رواية من صلب بني أسد الكوفي الإمام الحافظ المقرئ المفسّر الشهير أحد الأعلام، لم يصرّح أحد من المترجمين بتاريخ مولده، وصرحوا بأن مقتله كان في شعبان سنة 95 هـ،
وكثير من المترجمين أو كثير من الذين يرصدون الأخبار ويؤرخون للحوادث لا يقفون كثيراً على تاريخ الميلاد، ولكنهم يضبطون تاريخ الوفاة.
وقد قال لابنه: ما بقاء أبيك بعد سبعة وخمسين، كأنه عاش 57 سنة، وتوفي سنة 95 هـ، وعلى ذلك يكون ميلاده سنة 38 هـ تقريباً، وقد صرّح الذهبي بأن ميلاده كان في خلافة الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وقال بعضهم: مات وله تسع وأربعون سنة، فيكون ميلاده سنة 46 هـ.
_ صفة سعيد بن جبير_رضي الله عنه :
قال الذهبي: روي أنه كان أسود اللون. وعن عبد الله بن نمير عن فطر قال: رأيت سعيد بن جبير أبيض الرأس واللحية.
وعن أيوب قال: سئل سعيد بن جبير عن الخضاب بالوسمة فكرهه، وقال: يكسو الله العبد النور في وجهه ثم يطفئه بالسواد؟!
فالصبغ يكون بالأحمر أو بالحناء، ويكره الصبغ بالسواد.
وعن إسماعيل بن عبد الملك قال: رأيت على سعيد بن جبير عمامة بيضاء. وعن القاسم الأعرج قال: كان سعيد بن جبير يبكي بالليل حتى عمش.
كان دعاء سعيد بن جبير على الحجاج قبل مقتله "اللهم لا تسلطه على قتل أحد من بعدي".
وقد مات الحجاج دون أن يقتل أحد من بعد سعيد بن جبير.
وبعد مقتل سعيد بن جبير اغتم الحجاج غما كبيرا وكان يقول: ما لي ولسعيد بن جبير كلما أردت النوم أخذ برجلي،
ويقال أنه رؤي الحجاج في النوم بعد موته فقيل له: ما فعل الله بك ؟
فقال : قتلني بكل قتيل قتلة وقتلني بسعيد بن جبير سبعين قتلة، يوجد مرقد سعيد بن جبير بواسط في العراق.
وُلِدَ سعيد بن جبير في زمن خلافة الإمام على بن أبي طالب بالكوفة، وقد نشأ سعيد محبًّا للعلم، مقبلاً عليه، ينهل من معينه، فقرأ القرآن على ابن عباس، وأخذ عنه الفقه والتفسير والحديث،
كما روى الحديث عن أكثر من عشرة من الصحابة، وقد بلغ رتبة في العلم لم يبلغها أحد من أقرانه، قال خصيف بن عبد الرحمن عن أصحاب ابن عباس: كان أعلمهم بالقرآن مجاهد وأعلمهم بالحج عطاء، وأعلمهم بالطلاق سعيد بن المسيب، وأجمعهم لهذه العلوم سعيد بن جبير.
_ علم سعيد بن المسيب _رضي الله عنه :
روى عن ابن عباس ، وعن عبد الله بن مغفل ، وعائشة ، وعدي بن حاتم ، وأبي موسى الأشعري في سنن النسائي ، وأبي هريرة ، وأبي مسعود البدري - وهو مرسل - وعن ابن عمر ، وابن الزبير ، والضحاك بن قيس ، وأنس، وأبي سعيد الخدري، وروى عن التابعين، مثل أبي عبد الرحمن السلمي. وكان من كبار العلماء، وقرأ القرآن على ابن عباس. قرأ عليه أبو عمرو بن العلاء وطائفة.
في رجب ، فأحرم من الكوفة بعمرة ، ثم رجع من عمرته ، ثم أحرم بالحج في النصف من ذي القعدة ، وكان يحرم في كل سنة مرتين ، مرة للحج ، ومرة للعمرة .
ابن لهيعة ، عن عطاء بن دينار ، عن سعيد بن جبير ، قال : إن الخشية أن تخشى الله حتى تحول خشيتك بينك وبين معصيتك ، فتلك الخشية ، والذكر طاعة الله ، فمن أطاع الله فقد ذكره ، ومن لم يطعه فليس بذاكر وإن أكثر التسبيح وتلاوة القرآن .
وروي عن حبيب بن أبي ثابت : قال لي سعيد بن جبير : لأن أنشر علمي أحب إلي من أن أذهب به إلى قبري .
ابن لهيعة ، عن عطاء بن دينار ، عن سعيد بن جبير ، قال : إن الخشية أن تخشى الله حتى تحول خشيتك بينك وبين معصيتك ، فتلك الخشية ، والذكر طاعة الله ، فمن أطاع الله فقد ذكره ، ومن لم يطعه فليس بذاكر وإن أكثر التسبيح وتلاوة القرآن .
وروي عن حبيب بن أبي ثابت : قال لي سعيد بن جبير : لأن أنشر علمي أحب إلي من أن أذهب به إلى قبري .
قال هلال بن خباب : قلت لسعيد بن جبير : ما علامة هلاك الناس ؟ قال : إذا ذهب علماؤهم .
وقال عمر بن ذر : كتب سعيد بن جبير إلى أبي كتابا أوصاه بتقوى الله وقال : إن بقاء المسلم كل يوم غنيمة ، فذكر الفرائض والصلوات وما يرزقه الله من ذكره .
أحمد حدثنا معتمر ، عن الفضيل بن ميسرة ، عن أبي حريز ، أن سعيد بن جبير قال : لا تطفئوا سرجكم ليالي العشر . تعجبه العبادة ويقول : أيقظوا خدمكم يتسحرون لصوم يوم عرفة .
عباد بن العوام : أنبأنا هلال بن خباب : خرجنا مع سعيد بن جبير في جنازة ، فكان يحدثنا في الطريق ويذكرنا ، حتى بلغ ، فلما جلس ، لم يزل يحدثنا حتى قمنا ، فرجعنا ، وكان كثير الذكر لله .
وعن سعيد ، قال : وددت الناس أخذوا ما عندي ; فإنه مما يهمني .
أبو بكر بن عياش ، عن أبي حصين ، قال : أتيت سعيد بن جبير بمكة ، فقلت : إن هذا الرجل قادم - يعني خالد بن عبد الله - ولا آمنه عليك ، فأطعني واخرج .
فقال : والله لقد فررت حتى استحييت من الله .
قلت : إني لأراك كما سمتك أمك سعيدا . فقدم خالد مكة ، فأرسل إليه فأخذه .
أحمد : حدثنا إبراهيم بن خالد ، حدثنا أمية بن شبل ، عن عثمان بن برذويه قال : كنت مع وهب وسعيد بن جبير يوم عرفة بنخيل ابن عامر ،
فقال له وهب : يا أبا عبد الله ، كم لك منذ خفت من الحجاج ؟
قال : خرجت عن امرأتي وهي حامل ، فجاءني الذي في بطنها وقد خرج وجهه .
فقال وهب : إن من قبلكم كان إذا أصاب أحدهم بلاء عده رخاء ، وإذا أصابه رخاء عده بلاء .
حامد بن يحيى البلخي : حدثنا حفص أبو مقاتل السمرقندي ، حدثنا عون بن أبي شداد : بلغني أن الحجاج لما ذكر له سعيد بن جبير أرسل إليه قائدا يسمى المتلمس بن أحوص في عشرين من أهل الشام .
فبينما هم يطلبونه إذا هم براهب في صومعته ، فسألوه عنه فقال : صفوه لي ، فوصفوه فدلهم عليه ، فانطلقوا فوجدوه ساجدا يناجي بأعلى صوته ، فدنوا وسلموا ، فرفع رأسه ، فأتم بقية صلاته ، ثم رد السلام ،
فقالوا : إنا رسل الحجاج إليك ، فأجبه ،
قال : ولا بد من الإجابة ؟
قالوا : لا بد . فحمد الله وأثنى عليه وقام معهم حتى انتهى إلى دير الراهب ،
فقال الراهب : يا معشر الفرسان أصبتم صاحبكم ؟ قالوا : نعم . فقال : اصعدوا ، فإن اللبؤة والأسد يأويان حول الدير . ففعلوا وأبى سعيد أن يدخل . فقالوا : ما نراك إلا وأنت تريد الهرب منا ،
قال : لا ، ولكن لا أدخل منزل مشرك أبدا ،
قالوا : فإنا لا ندعك ، فإن السباع تقتلك ، قال : لا ضير ، إن معي ربي يصرفها عني ويجعلها حرسا تحرسني ، قالوا : فأنت من الأنبياء ؟
قال : ما أنا من الأنبياء ، ولكن عبد من عبيد الله مذنب .
قال الراهب : فليعطني ما أثق به على طمأنينة . فعرضوا على سعيد أن يعطي الراهب ما يريد ، قال : إني أعطي العظيم الذي لا شريك له ، لا أبرح مكاني حتى أصبح إن شاء الله .
فرضي الراهب بذلك ، فقال لهم : اصعدوا وأوتروا القسي لتنفروا السباع عن هذا العبد الصالح ; فإنه كره الدخول في الصومعة لمكانكم .
فلما صعدوا وأوتروا القسي ، إذا هم بلبؤة قد أقبلت ، فلما دنت من سعيد ، تحككت به وتمسحت به ، ثم ربضت قريبا منه . وأقبل الأسد يصنع كذلك .
فلما رأى الراهب ذلك وأصبحوا ، نزل إليه ، فسأله عن شرائع دينه ، وسنن رسوله ، ففسر له سعيد ذلك كله ، فأسلم . وأقبل القوم على سعيد يعتذرون إليه ويقبلون يديه ورجليه ، ويأخذون التراب الذي وطئه
فيقولون : يا سعيد ، حلفنا الحجاج بالطلاق والعتاق ، إن نحن رأيناك لا ندعك حتى نشخصك إليه ، فمرنا بما شئت ، قال : امضوا لأمركم ، فإني لائذ بخالقي ولا راد لقضائه ، فساروا حتى بلغوا واسطا فقال سعيد : قد تحرمت بكم وصحبتكم ، ولست أشك أن أجلي قد حضر فدعوني الليلة آخذ أهبة الموت ، وأستعد لمنكر ونكير ، وأذكر عذاب القبر ، فإذا أصبحتم فالميعاد بيننا المكان الذي تريدون .
فقال بعضهم : لا تريدون أثرا بعد عين ،
وقال بعضهم : قد بلغتم أمنكم واستوجبتم جوائز الأمير ، فلا تعجزوا عنه . وقال بعضهم : يعطيكم ما أعطى الراهب ، ويلكم أما لكم عبرة بالأسد ؟ !
ونظروا إلى سعيد قد دمعت عيناه ، وشعث رأسه ، واغبر لونه ، ولم يأكل ولم يشرب ولم يضحك منذ يوم لقوه وصحبوه ،
فقالوا : يا خير أهل الأرض ، ليتنا لم نعرفك ، ولم نسرح إليك ، الويل لنا ويلا طويلا ، كيف ابتلينا بك ! اعذرنا عند خالقنا يوم الحشر الأكبر ، فإنه القاضي الأكبر ، والعدل الذي لا يجور .
قال : ما أعذرني لكم وأرضاني لما سبق من علم الله في . فلما فرغوا من البكاء والمجاوبة ، قال كفيله : أسألك بالله لما زودتنا من دعائك وكلامك
، فإنا لن نلقى مثلك أبدا . ففعل ذلك ، فخلوا سبيله ، فغسل رأسه ومدرعته وكساءه وهم محتفون الليل كله ، ينادون بالويل واللهف .
فلما انشق عمود الصبح ، جاءهم سعيد فقرع الباب ، فنزلوا وبكوا معه ،وذهبوا به إلى الحجاج ، وآخر معه ، فدخلا
، فقال الحجاج : أتيتموني بسعيد بن جبير ؟ قالوا نعم ، وعاينا منه العجب . فصرف بوجهه عنهم . فقال : أدخلوه علي . فخرج المتلمس فقال لسعيد أستودعك الله ، وأقرأ عليك السلام
. فأدخل عليه . فقال : ما اسمك ؟ قال : سعيد بن جبير ، قال : أنت شقي بن كسير . قال : بل أمي كانت أعلم باسمي منك . قال : شقيت أنت وشقيت أمك . قال : الغيب يعلمه غيرك . قال : لأبدلنك بالدنيا نارا تلظى . قال : لو علمت أن ذلك بيدك لاتخذتك إلها .
قال : فما قولك في محمد صلى الله عليه وسلم ؟
قال : نبي الرحمة ، إمام الهدى .
قال : فما قولك في علي ، في الجنة هو أم في النار ؟ قال : لو دخلتها ، فرأيت أهلها عرفت .
قال : فما قولك في الخلفاء ؟
قال : لست عليهم بوكيل .
قال : فأيهم أعجب إليك ؟
قال : أرضاهم لخالقي .
قال : فأيهم أرضى للخالق ؟
قال : علم ذلك عنده .
قال : أبيت أن تصدقني .
قال : إني لم أحب أن أكذبك .
قال : فما بالك لم تضحك ؟
قال : لم تستو القلوب .
قال : ثم أمر الحجاج باللؤلؤ والياقوت والزبرجد فجمعه بين يدي سعيد ،
فقال : إن كنت جمعته لتفتدي به من فزع يوم القيامة فصالح ، وإلا ففزعة واحدة تذهل كل مرضعة عما أرضعت ، ولا خير في شيء جمع للدنيا ، إلا ما طاب وزكا . ثم دعا الحجاج بالعود والناي ، فلما ضرب بالعود ونفخ في الناي بكى ، فقال الحجاج : ما يبكيك ؟ هو اللهو . قال : بل هو الحزن ، أما النفخ ، فذكرني يوم نفخ الصور ، وأما العود ، فشجرة قطعت من غير حق ، وأما الأوتار فأمعاء شاة يبعث بها معك يوم القيامة .
فقال الحجاج : ويلك يا سعيد .
قال : الويل لمن زحزح عن الجنة وأدخل النار .
قال : اختر أي قتلة تريد أن أقتلك ، قال : اختر لنفسك يا حجاج ، فوالله ما تقتلني قتلة إلا قتلتك قتلة في الآخرة .
قال : فتريد أن أعفو عنك ؟
قال : إن كان العفو ، فمن الله ، وأما أنت فلا براءة لك ولا عذر .
قال : اذهبوا به فاقتلوه . فلما خرج من الباب ، ضحك ، فأخبر الحجاج بذلك ، فأمر برده ،
فقال : ما أضحكك ؟ قال : عجبت من جرأتك على الله وحلمه عنك ! فأمر بالنطع فبسط ،
فقال : اقتلوه .
فقال : إني وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفاً وما أنا من المشركين قال : شدوا به لغير القبلة . قال : فأينما تولوا فثم وجهة الله
قال : كبوه لوجهه .
قال : منها خلقناكم وفيها نعيدكم
قال : اذبحوه
قال : إني أشهد وأحاج أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله ، خذها مني حتى تلقاني يوم القيامة . ثم دعا سعيد الله وقال : اللهم لا تسلطه على أحد يقتله بعدي . فذبح على النطع .
وبلغنا أن الحجاج عاش بعده خمس عشرة ليلة ، وقعت في بطنه الأكلة فدعا بالطبيب لينظر إليه ، فنظر إليه ، ثم دعا بلحم منتن ، فعلقه في خيط ثم أرسله في حلقه ، فتركه ساعة ثم استخرجه وقد لزق به من الدم ، فعلم أنه ليس بناج .
هذه حكاية منكرة ، غير صحيحة . رواها أبو نعيم في " الحلية " ، فقال : حدثنا أبي ، حدثنا خالي أحمد بن محمد بن يوسف ، أخبرني أبو أمية محمد بن إبراهيم كتابة ، حدثنا حامد بن يحيى .
هارون الحمال حدثنا محمد بن مسلمة المخزومي ، حدثنا مالك ، عن يحيى بن سعيد ، عن كاتب الحجاج قال مالك - هو أخ لأبي سلمة الذي كان على بيت المال - قال : كنت أكتب للحجاج وأنا يومئذ غلام يستخفني ويستحسن كتابتي ، وأدخل عليه بغير إذن ، فدخلت عليه يوما بعدما قتل سعيد بن جبير وهو في قبة له ، لها أربعة أبواب ، فدخلت عليه مما يلي ظهره ، فسمعته يقول : ما لي ولسعيد بن جبير ، فخرجت رويدا وعلمت أنه إن علم بي قتلني ، فلم ينشب إلا قليلا حتى مات .
أبو حذيفة النهدي : حدثنا سفيان ، عن عمر بن سعيد بن أبي حسين ، قال : دعا سعيد بن جبير حين دعي للقتل فجعل ابنه يبكي ،
وبلغنا أن الحجاج عاش بعده خمس عشرة ليلة ، وقعت في بطنه الأكلة فدعا بالطبيب لينظر إليه ، فنظر إليه ، ثم دعا بلحم منتن ، فعلقه في خيط ثم أرسله في حلقه ، فتركه ساعة ثم استخرجه وقد لزق به من الدم ، فعلم أنه ليس بناج .
هذه حكاية منكرة ، غير صحيحة . رواها أبو نعيم في " الحلية " ، فقال : حدثنا أبي ، حدثنا خالي أحمد بن محمد بن يوسف ، أخبرني أبو أمية محمد بن إبراهيم كتابة ، حدثنا حامد بن يحيى .
هارون الحمال حدثنا محمد بن مسلمة المخزومي ، حدثنا مالك ، عن يحيى بن سعيد ، عن كاتب الحجاج قال مالك - هو أخ لأبي سلمة الذي كان على بيت المال - قال : كنت أكتب للحجاج وأنا يومئذ غلام يستخفني ويستحسن كتابتي ، وأدخل عليه بغير إذن ، فدخلت عليه يوما بعدما قتل سعيد بن جبير وهو في قبة له ، لها أربعة أبواب ، فدخلت عليه مما يلي ظهره ، فسمعته يقول : ما لي ولسعيد بن جبير ، فخرجت رويدا وعلمت أنه إن علم بي قتلني ، فلم ينشب إلا قليلا حتى مات .
أبو حذيفة النهدي : حدثنا سفيان ، عن عمر بن سعيد بن أبي حسين ، قال : دعا سعيد بن جبير حين دعي للقتل فجعل ابنه يبكي ،
فقال : ما يبكيك ؟
ما بقاء أبيك بعد سبع وخمسين سنة ؟
ابن حميد : حدثنا يعقوب القمي ، عن جعفر بن أبي المغيرة ، عن سعيد ، قال : قحط الناس في زمان ملك من ملوك بني إسرائيل ثلاث سنين ، فقال الملك : ليرسلن علينا السماء أو لنؤذينه ، قالوا : كيف تقدر على أن تؤذيه ، وهو في السماء وأنت في الأرض ؟
ابن حميد : حدثنا يعقوب القمي ، عن جعفر بن أبي المغيرة ، عن سعيد ، قال : قحط الناس في زمان ملك من ملوك بني إسرائيل ثلاث سنين ، فقال الملك : ليرسلن علينا السماء أو لنؤذينه ، قالوا : كيف تقدر على أن تؤذيه ، وهو في السماء وأنت في الأرض ؟
قال : أقتل أولياءه من أهل الأرض فيكون ذلك أذى له . قال : فأرسل الله عليهم السماء .
وروى أصبغ بن زيد ، عن القاسم الأعرج ، قال : كان سعيد بن جبير يبكي بالليل حتى عمش .
وروي عن ابن شهاب ، قال : كان سعيد بن جبير يؤمنا ، يرجع صوته بالقرآن .
وروى أصبغ بن زيد ، عن القاسم الأعرج ، قال : كان سعيد بن جبير يبكي بالليل حتى عمش .
وروي عن ابن شهاب ، قال : كان سعيد بن جبير يؤمنا ، يرجع صوته بالقرآن .
وروى الثوري ، عن حماد ، قال : قال سعيد : قرأت القرآن في ركعتين في الكعبة .
جرير الضبي ، عن أشعث بن إسحاق ، قال : كان يقال : سعيد بن جبير جهبذ العلماء .
ابن عيينة ، عن أبي سنان ، عن سعيد بن جبير ، قال : لدغتني عقرب ، فأقسمت علي أمي أن أسترقي ، فأعطيت الراقي يدي التي لم تلدغ ، وكرهت أن أحنثها .
جرير بن حازم ، عن يعلى بن حكيم ، قال : قال سعيد بن جبير : ما رأيت أرعى لحرمة هذا البيت ، ولا أحرص عليه ، من أهل البصرة ، لقد رأيت جارية ذات ليلة تعلقت بأستار الكعبة تدعو وتضرع وتبكي حتى ماتت .
جرير بن حازم ، عن يعلى بن حكيم ، قال : قال سعيد بن جبير : ما رأيت أرعى لحرمة هذا البيت ، ولا أحرص عليه ، من أهل البصرة ، لقد رأيت جارية ذات ليلة تعلقت بأستار الكعبة تدعو وتضرع وتبكي حتى ماتت .
كان ابن عباس يجعل سعيدًا بن جبير يفتي وهو موجود، ولما كان أهل الكوفة يستفتونه، فكان يقول لهم: أليس منكم ابن أم الدهماء؟
يعني سعيد بن جبير، وكان سعيد بن جبير كثير العبادة لله، فكان يحج مرة ويعتمر مرة في كل سنة، ويقيم الليل، ويكثر من الصيام، وربما ختم قراءة القرآن في أقل من ثلاثة أيام.إسنادها صحيح .
محمد بن حميد الرازي : حدثنا يعقوب القمي ، عن جعفر بن أبي المغيرة ، عن سعيد بن جبير ، قال : لما أهبط الله آدم إلى الأرض ، كان فيها نسر وحوت ، لم يكن غيرهما ، فلما رأى النسر آدم - وكان يأوي إلى الحوت يبيت عنده - فقال : يا حوت لقد أهبط اليوم إلى الأرض شيء يمشي على رجليه ، ويبطش بيديه . قال : لئن كنت صادقا ما لي في البحر منه منجى ، ولا لك في البر .
وروي عن سعيد بن جبير ، قال : لو فارق ذكر الموت قلبي ، لخشيت أن يفسد علي قلبي .
وعنه ، قال : إنما الدنيا جمع من جمع الآخرة .
رواه ضمرة بن ربيعة عن هشام عنه .
قال ابن فضيل ، عن بكير بن عتيق ، قال : سقيت سعيد بن جبير شربة من عسل في قدح ، فشربها ثم قال : والله لأسألن عنه . قلت : لم ؟ قال : شربته وأنا أستلذه .
وعن خلف بن خليفة ، عن أبيه ، قال : شهدت مقتل سعيد ، فلما بان رأسه قال : لا إله إلا الله ، لا إله إلا الله ، ولم يتم الثالثة .
همام بن يحيى ، عن محمد بن جحادة ، عن أبي معشر ، عن سعيد بن جبير ، قال : رآني أبو مسعود البدري في يوم عيد ولي ذؤابة ، فقال : يا غلام ، إنه لا صلاة في مثل هذا اليوم قبل صلاة الإمام ، فإذا صلى الإمام ، فصل بعدها ركعتين ، وأطل القراءة .
شعبة ، عن الأعمش ، عن مجاهد قال : قال ابن عباس لسعيد بن جبير : حدث . قال : أحدث وأنت هاهنا ؟ ! قال : أوليس من نعمة الله عليك أن تحدث وأنا شاهد ، فإن أصبت فذاك ، وإن أخطأت ، علمتك .
يعقوب القمي ، عن جعفر بن المغيرة ، عن سعيد بن جبير ، قال : ربما أتيت ابن عباس ، فكتبت في صحيفتي حتى أملأها ، وكتبت في نعلي حتى أملأها ، وكتبت في كفي .
قال جعفر بن أبي المغيرة : كان ابن عباس بعدما عمي إذا أتاه أهل الكوفة يسألونه ، يقول : تسألوني وفيكم ابن أم دهماء ! - يعني سعيد بن جبير .
وقال أيوب السختياني ، عن سعيد بن جبير ، قال : كنت أسأل ابن عمر في صحيفة ، ولو علم بها كانت الفيصل بيني وبينه .الثوري ، عن أسلم المنقري ، عن سعيد بن جبير ، قال : سأل رجل ابن عمر عن فريضة ، فقال : ائت سعيد بن جبير ; فإنه أعلم بالحساب مني ، وهو يفرض فيها ما أفرض .
عبد الواحد بن زياد ، حدثنا أبو شهاب ، قال : كان يقص لنا سعيد بن جبير كل يوم مرتين : بعد الفجر وبعد العصر .
قيس بن الربيع ، عن الصعب بن عثمان ، قال : قال سعيد بن جبير : ما مضت علي ليلتان منذ قتل الحسين إلا أقرأ فيهما القرآن ، إلا مريضا أو مسافرا .
إسرائيل ، عن أبي الجحاف ، عن مسلم البطين ، عن سعيد بن جبير ، أنه كان لا يدع أحدا يغتاب عنده .
أبو نعيم : حدثنا إسماعيل بن عبد الملك ، قال : رأيت سعيد بن جبير يصلي في الطاق ، ولا يقنت في الصبح ، ويعتم ، ويرخي لها طرفا من ورائه شبرا .
قلت : الطاق : هو المحراب .
قال هلال بن خباب : رأيت سعيد بن جبير أهل من الكوفة .
قال محمد بن سعد كان الذي قبض على سعيد بن جبير والي مكة خالد بن عبد الله القسري ، فبعث به إلى الحجاج ، فأخبرنا يزيد عن عبد الملك بن أبي سليمان ، قال سمع خالد بن عبد الله صوت القيود
فقال : ما هذا ؟ قيل : سعيد بن جبير وطلق بن حبيب وأصحابهما يطوفون بالبيت ، فقال : اقطعوا عليهم الطواف .
وأنبأنا عبيد الله بن موسى ، أنبأنا الربيع بن أبي صالح ، قال : دخلت على سعيد بن جبير حين جيء به إلى الحجاج ، فبكى رجل ، فقال سعيد : ما يبكيك ؟
قال : لما أصابك ، قال : فلا تبك ، كان في علم الله أن يكون هذا ،
ثم تلا : ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها .
حماد بن زيد ، عن أيوب : سئل سعيد بن جبير عن الخضاب بالوسمة فكرهه ، وقال : يكسو الله العبد النور في وجهه ، ثم يطفئه بالسواد .
الحسين بن حميد بن الربيع : حدثنا واصل بن عبد الأعلى ، حدثنا أبو بكر بن عياش ، عن أبي حصين ، قال : رأيت سعيدا بمكة فقلت : إن هذا قادم - يعني خالد بن عبد الله - ولست آمنه عليك ، قال : والله لقد فررت حتى استحييت من الله .
قلت : طال اختفاؤه ، فإن قيام القراء على الحجاج كان
في سنة اثنتين وثمانين ، وما ظفروا بسعيد إلى سنة خمس وتسعين ; السنة التي قلع الله فيها الحجاج .
قال أبو بكر بن عياش : فأخبرني يزيد بن أبي زياد ، قال : أتينا سعيدا فإذا هو طيب النفس ، وبنته في حجره فبكت ، وشيعناه إلى باب الجسر فقال الحرس له : أعطنا كفيلا فإنا نخاف أن تغرق نفسك ،
قال : فكنت فيمن كفل به . قال أبو بكر : فبلغني أن الحجاج قال : ائتوني بسيف عريض .
قال سليمان التيمي : كان الشعبي يرى التقية ، وكان ابن جبير لا يرى التقية ; وكان الحجاج إذا أتي بالرجل - يعني ممن قام عليه
قال له : أكفرت بخروجك علي ؟ فإن قال نعم ، خلى سبيله . فقال لسعيد : أكفرت ؟ قال : لا .
قال : اختر أي قتلة أقتلك . قال : اختر أنت ; فإن القصاص أمامك .
أبو نعيم : حدثنا عبد الواحد بن أيمن ، قال : قلت لسعيد بن جبير : ما تقول للحجاج ؟
قال : لا أشهد على نفسي بالكفر .
ابن حميد : حدثنا يعقوب القمي عن جعفر ، عن سعيد بن جبير ، قال : إن في النار لرجلا ينادي قدر ألف عام : يا حنان يا منان .
فيقول : يا جبريل أخرج عبدي من النار ، قال : فيأتيها فيجدها مطبقة فيرجع فيقول : يا رب إنها عليهم مؤصدة فيقول : يا جبريل ارجع ففكها فأخرج عبدي من النار ، فيفكها ، فيخرج مثل الخيال ، فيطرحه على ساحل الجنة حتى ينبت الله له شعرا ولحما .
إبراهيم بن طهمان ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :
كان نبي الله سليمان إذا قام في مصلاه رأى شجرة نابتة بين يديه ،
فقال لها : ما اسمك ؟ قالت : الخرنوب . قال : لأي شيء أنت ؟
فقالت : لخراب هذا البيت . فقال : اللهم عم عليهم موتي حتى يعلم الإنس أن الجن لا تعلم الغيب . قال فنحتها عصا يتوكأ عليها ، فأكلتها الأرضة فسقطت ، فخر ، فحزروا أكلها الأرضة ، فوجدوه حولا ، فتبينت الإنس أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين - وكان ابن عباس يقرأها هكذا - فشكرت الجن الأرضة ، فكانت تأتيها بالماء حيث كانت .
قرأته على إسحاق بن أبي بكر ، أنبأنا يوسف بن خليل ، أنبأنا أحمد بن محمد التيمي ، أنبأنا أبو علي الحداد ، أنبأنا أبو نعيم ، حدثنا سليمان بن أحمد ، حدثنا علي بن عبد العزيز ، حدثنا أبو حذيفة موسى بن مسعود ، حدثنا إبراهيم بن طهمان إسناده حسن .
أخبرنا يحيى بن أحمد الجذامي ، ومحمد بن حسين الفوي ، قالا : أنبأنا محمد بن عماد ، أنبأنا عبد الله بن رفاعة ، أنبأنا أبو الحسن الخلعي ، أنبأنا شعيب بن عبد المنهال ، حدثنا أحمد بن الحسن بن إسحاق الرازي ، حدثنا أبو الزنباع روح بن الفرج ، حدثنا عمرو بن خالد ، حدثنا عبيد الله بن عمرو ، عن عبد الكريم بن مالك الجزري ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :
يكون قوم في آخر الزمان يخضبون بهذا السواد ، كحواصل الحمام ، لا يريحون رائحة الجنة .
هذا حديث حسن غريب ، أخرجه أبو داود والنسائي من طريق عبد الله الرقي .
قال خلف بن خليفة ، عمن حدثه : إن سعيد بن جبير لما ندر رأسه هلل ثلاث مرات يفصح بها .
يحيى بن حسان التنيسي حدثنا صالح بن عمر ، عن داود بن أبي هند ، قال : لما أخذ الحجاج سعيد بن جبير قال : ما أراني إلا مقتولا وسأخبركم :
إني كنت أنا وصاحبان لي دعونا حين وجدنا حلاوة الدعاء ، ثم سألنا الله الشهادة ، فكلا صاحبي رزقها ، وأنا أنتظرها ، قال : فكأنه رأى أن الإجابة عند حلاوة الدعاء .
قلت : ولما علم من فضل الشهادة ثبت للقتل ولم يكترث ، ولا عامل عدوه بالتقية المباحة له ، رحمه الله تعالى .
أحمد بن داود الحراني ، حدثنا عيسى بن يونس ، سمعت الأعمش يقول : لما جيء بسعيد بن جبير وطلق بن حبيب وأصحابهما ، دخلت عليهم السجن ، فقلت : جاء بكم شرطي أو جليويز من مكة إلى القتل أفلا كتفتموه وألقيتموه في البرية ؟ !
فقال سعيد : فمن كان يسقيه الماء إذا عطش .
محمد بن عبد الله بن عبد الحكم : حدثنا أبي ، سمعت مالكا يقول : حدثني ربيعة عن سعيد بن جبير ، وكان سعيد من العباد العلماء ، قتله الحجاج ، وجده في الكعبة وناسا فيهم طلق بن حبيب ، فسار بهم إلى العراق ، فقتلهم عن غير شيء تعلق عليهم به إلا العبادة ، فلما قتل سعيد بن جبير ، خرج منه دم كثير حتى راع الحجاج ، فدعا طبيبا قال له : ما بال دم هذا كثير ؟ قال : إن أمنتني أخبرتك ، فأمنه ، قال : قتلته ونفسه معه .
عبد السلام بن حرب ، عن خصيف ، قال : كان أعلمهم بالقرآن مجاهد ، وأعلمهم بالحج عطاء ، وأعلمهم بالحلال والحرام طاوس ، وأعلمهم بالطلاق سعيد بن المسيب ، وأجمعهم لهذه العلوم سعيد بن جبير .
أبو أسامة عن الأعمش : حدثني مسعود بن الحكم قال : قال لي علي بن الحسين : أتجالس سعيد بن جبير ؟ قلت : نعم .
قال : لأحب مجالسته وحديثه . ثم أشار نحو الكوفة وقال : إن هؤلاء يشيرون إلينا بما ليس عندنا .
جرير ، عن أشعث بن إسحاق قال : كان يقال : سعيد بن جبير جهبذ العلماء .
الأصبغ بن زيد قال : كنت إذا سألت سعيد بن جبير عن حديث ، فلم يرد أن يحدثني ،
قال : كيف تباع الحنطة ؟
محمد بن أحمد بن البراء : حدثنا علي بن المديني ، قال : ليس في أصحاب ابن عباس مثل سعيد بن جبير . قيل : ولا طاوس ؟ قال : ولا طاوس ولا أحد .
وكان قتله في شعبان سنة خمس وتسعين . ومن زعم أنه عاش تسعا وأربعين سنة لم يصنع شيئا ، وقد مر قوله لابنه : ما بقاء أبيك بعد سبع وخمسين . فعلى هذا يكون مولده في خلافة أبي الحسن علي بن أبي طالب رضي الله عنه .
أخبرنا يوسف بن أحمد ، وعبد الحافظ بن بدران ، قالا : أنبأنا موسى بن عبد القادر ، أنبأنا سعيد بن أحمد ، أنبأنا علي بن أحمد بن البسري أنبأنا أبو طاهر المخلص ، حدثنا عبد الله بن محمد ، حدثنا أبو نصر التمار ، حدثنا عبد العزيز بن مسلم ، عن الأعمش ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال :
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكرم : " استغنوا عن الناس ولو بشوص السواك " .
وبه ، إلى المخلص ، حدثنا عبد الله البغوي ، حدثنا أبو الربيع الزهراني حدثنا يعقوب القمي ، حدثنا جعفر بن أبي المغيرة ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : سلونا ; فإنكم لن تسألونا عن شيء إلا وقد سألنا عنه ، فقال رجل : أفي الجنة غناء ؟ قال : فيها أكمات من مسك ، عليهن جوار يحمدن الله عز وجل بأصوات لم تسمع الآذان بمثلها قط
أخبرنا المسلم بن محمد ، وابن أبي عمر كتابة ، أن عمر بن محمد أخبرهم ، أنبأنا هبة الله بن محمد ، أنبأنا محمد بن محمد ، أنبأنا أبو بكر الشافعي ، حدثنا محمد بن شداد ، حدثنا أبو نعيم ، حدثنا عبد الله بن حبيب عن أبي ثابت ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : أوحى الله إلى محمد - صلى الله عليه وسلم - أني قد قتلت بيحيى بن زكريا سبعين ألفا ، وإني قاتل بابن ابنتك سبعين ألفا ، وسبعين ألفا .
هذا حديث نظيف الإسناد ، منكر اللفظ . وعبد الله وثقه ابن معين وخرج له مسلم .
الحجاج
أهلكه الله في رمضان سنة خمس وتسعين . كهلا ، وكان ظلوما ، جبارا ، ناصبيا ، خبيثا ، سفاكا للدماء ، وكان ذا شجاعة وإقدام ومكر ودهاء ، وفصاحة وبلاغة ، وتعظيم للقرآن . قد سقت من سوء سيرته في تاريخي الكبير ، وحصاره لابن الزبير بالكعبة ، ورميه إياها بالمنجنيق ، وإذلاله لأهل الحرمين ، ثم ولايته على العراق والمشرق كله عشرين سنة ، وحروب ابن الأشعث له ، وتأخيره للصلوات إلى أن استأصله الله . فنسبه ولا نحبه ، بل نبغضه في الله ; فإن ذلك من أوثق عرى الإيمان .
وله حسنات مغمورة في بحر ذنوبه ، وأمره إلى الله ، وله توحيد في الجملة ، ونظراء من ظلمة الجبابرة والأمراء .
الخلاصة في مقتل سعيد بن جبير _رضي الله عنه :
كان الحجاج قد جعله على نفقات الجند حين بعثه مع ابن الأشعث إلى قتال رتبيل ملك الترك، فلما خلعه ابن الأشعث خلعه معه سعيد بن جبير،
فلما ظفر الحجاج بابن الأشعث وأصحابه هرب سعيد بن جبير إلى أصبهان، فكتب الحجاج إلى نائبها أن يبعثه إليه، فلما سمع بذلك سعيد هرب منها، ثم كان يعتمر في كل سنة ويحج، ثم إنه لجأ إلى مكة فأقام بها إلى أن وليها خالد بن عبد الله القسري، فأشار من أشار على سعيد بالهرب منها،
فقال سعيد: والله لقد استحييت من الله مما أفر ولا مفر من قدره؟
وتولى على المدينة عثمان بن حيان بدل عمر بن عبد العزيز، فجعل يبعث من بالمدينة من أصحاب ابن الأشعث من العراق إلى الحجاج في القيود، فتعلم منه خالد بن الوليد القسري، فعين من عنده من مكة سعيد بن جبير وعطاء بن أبي رباح، ومجاهد بن جبر وعمرو بن دينار وطلق ابن حبيب،
ويقال أن الحجاج أرسل إلى الوليد يخبره أن بمكة أقواما من أهل الشقاق، فبعث خالد بهؤلاء إليه ثم عفا عن عطاء وعمرو بن دينار !
لأنهما من أهل مكة وبعث بأولئك الثلاثة، فأما طلق فمات في الطريق قبل أن يصل، وأما مجاهد فحبس فما زال في السجن حتى مات الحجاج،
وأما سعيد ابن جبير فلما أوقف بين يدي الحجاج قال له: يا سعيد ألم أشركك في أمانتي؟ ألم أستعملك؟ ألم أفعل؟ ألم أفعل؟
كل ذلك يقول: نعم حتى ظن من عنده أنه سيخلي سبيله حتى قال له:
فما حملك على الخروج علي وخلعت بيعة أمير المؤمنين ؟
فقال سعيد: إن ابن الأشعث أخذ مني البيعة على ذلك وعزم علي، فغضب عند ذلك الحجاج غضبا شديدا، وانتفخ حتى سقط طرف ردائه عن منكبه،
وقال له ويحك ألم أقدم مكة فقتلت ابن الزبير وأخذت بيعة أهلها وأخذت بيعتك لأمير المؤمنين عبد الملك؟ قال: بلى،
قال: ثم قدمت الكوفة واليا على العراق فجددت لأمير المؤمنين البيعة فأخذت بيعتك له ثانية، قال: بلى !
قال فتنكث بيعتين لأمير المؤمنين وتفي بواحدة للحائك ابن الحائك؟ يا حرسي اضرب عنقه.
قال: فضربت عنقه فبدر رأسه عليه لا طئة صغيرة بيضاء، وقد ذكر الواقدي نحو هذا،
وقال له: أما أعطيتك مائة ألف؟ أما فعلت أما فعلت.
ودار بينهما هذا الحوار:
الحجاج: ما اسمك؟ سعيد: سعيد بن جبير.
الحجاج: بل أنت شقي بن كسير.
سعيد: بل أمي كانت أعلم باسمي منك.
الحجاج: شقيتَ أنت، وشقيتْ أمك.
سعيد: الغيب يعلمه غيرك.
الحجاج: لأبدلنَّك بالدنيا نارًا تلظى.
سعيد: لو علمتُ أن ذلك بيدك لاتخذتك إلهًا.
الحجاج: فما قولك في محمد.
سعيد: نبي الرحمة، وإمام الهدى.
الحجاج: فما قولك في على بن أبي طالب، أهو في الجنة أم في النار؟
سعيد: لو دخلتها؛ فرأيت أهلها لعرفت.
الحجاج: فما قولك في الخلفاء؟
سعيد: لست عليهم بوكيل.
الحجاج: فأيهم أعجب إليك؟
سعيد: أرضاهم لخالقي.
الحجاج: فأيهم أرضى للخالق؟
سعيد: علم ذلك عنده.
الحجاج: أبيتَ أن تَصْدُقَنِي.
سعيد: إني لم أحب أن أكذبك.
الحجاج: فما بالك لم تضحك؟
سعيد: لم تستوِ القلوب وكيف يضحك مخلوق خلق من طين والطين تأكله النار.
اتبع الحجاج مع سعيد بن جبير طريقًا آخر، لعله يزحزحه عن الحق، أغراه بالمال والدنيا، وضع أموالا كثيرة بين يديه،
فقال: إن كنت يا حجاج قد جمعت هذا المال لتتقي به فزع يوم القيامة فصالح، وإلا ففزعة واحدة تذهل كل مرضعة عما أرضعت.
لقد أفهمه سعيد أن المال هو أعظم وسيلة لإصلاح الأعمال وصلاح الآخرة، إن جمعه صاحبه بطريق الحلال لاتـِّقاء فزع يوم القيامة.
يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ . ومرة أخرى تفشل محاولات الحجاج لإغراء سعيد، فهو ليس من عباد الدنيا ولا ممن يبيعون دينهم بدنياهم،
وبدأ الحجاج يهدد سعيدًا بالقضاء عليه، ودار هذا المشهد بينهما: الحجاج: ويلك يا سعيد! سعيد: الويل لمن زحزح عن الجنة وأدخل النار.
الحجاج: أي قتلة تريد أن أقتلك؟
سعيد: اختر لنفسك يا حجاج، فوالله ما تقتلني قتلة إلا قتلتك قتلة في الآخرة.
الحجاج: أتريد أن أعفو عنك؟
سعيد: إن كان العفو فمن الله، وأما أنت فلا براءة لك ولا عُذر.
الحجاج: اذهبوا به فاقتلوه. فلما خرجوا ليقتلوه، بكي ابنه لما رآه في هذا الموقف، فنظر إليه سعيد وقال له: ما يبكيك؟
ما بقاء أبيك بعد سبع وخمسين سنة؟ وبكي أيضًا صديق له، فقال له سعيد: ما يبكيك؟ الرجل: لما أصابك. سعيد: فلا تبك، كان في علم الله أن يكون هذا، ثم تلا: {ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها} [الحديد:22] ثم ضحك سعيد، فتعجب الناس وأخبروا الحجاج، فأمر بردِّه،
فسأله الحجاج: ما أضحكك؟
سعيد: عجبت من جرأتك على الله وحلمه عنك.
الحجاج: اقتلوه.
سعيد: {وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفًا وما أنا من المشركين} [الأنعام: 79].
الحجاج: وجهوه لغير القبلة.
سعيد: {فأينما تولوا فثم وجه الله} [البقرة:115].
الحجاج: كبوه على وجهه.
سعيد: مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى .
الحجاج: اذبحوه.
سعيد: أما أنا فأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدًا عبده ورسوله، خذها مني يا حجاج حتى تلقاني بها يوم القيامة،
ثم دعا سعيد ربه فقال: اللهم لا تسلطه على أحد يقتله بعدي.
و مات سعيد شهيدًا في 11 رمضان 95 هـ الموافق 714م، وله من العمر تسع وخمسون سنة، مات ولسانه رطب بذكر الله
_ خواطر علي سيرة سعيد بن جبير _رضي الله عنه :
سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ إنه الإمام الحافظ المقرئ المفسر الشهيد ، أبو محمد ، مولاهم
أي: أنه لم يكن من أصل عربي ولكنه مولى لبني أسد،
أي: أن أحد أفراد هذه القبيلة اشتراه فأعتقه، فصارت هناك علاقة بين المُعتِق والمُعتَق وهي علاقة الولاء ،
وقد وُلِدَ سعيد بن جبير في زمن خلافة الإمام على بن أبي طالب بالكوفة، وقد نشأ سعيد محبًّا للعلم، مقبلاً عليه، ينهل من معينه
فكان سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ تقياً وعالماً بالدين ،
وقد درس العلم عن عبد الله بن عباس حبر الأمة وعن عبد الله بن عمر وعن السيدة عائشة أم المؤمنين في المدينة المنورة، وقد سكن الكوفة ونشر العِلم فيها ، وكان من علماء التابعين،
وقد روى الحديث عن أكثر من عشرة من الصحابة، وقد بلغ رتبة في العلم لم يبلغها أحد من أقرانه،
قال خصيف بن عبد الرحمن عن أصحاب ابن عباس:
كان أعلمهم بالقرآن مجاهد وأعلمهم بالحج عطاء، وأعلمهم بالطلاق سعيد بن المسيب، وأجمعهم لهذه العلوم سعيد بن جبير.
وكان ابن عباس إذا أتاه أهل الكوفة يستفتونه يقول:
أليس فيكم ابن أم الدهماء يعني سعيد بن جبير.
وعن سعيد بن جبير قال: جاء رجل إلى ابن عمر فسأله عن فريضة فقال:
ائت سعيد بن جبير فإنه أعلم بالحساب مني وهو يفرض منها ما أفرض.
وقد روى له البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه.
ومن ملامح شخصية سعيد بن جبير :
أنه كان عابدًا قوامًا، فعن أصبغ بن زيد قال :
كان لسعيد بن جبير ديك كان يقوم من الليل بصياحة فلم يصح ليلة من الليالي حتى أصبح فلم يصل سعيد تلك الليلة فشق عليه فقال: ما له قطع الله صوته فما سمع له صوت بعد فقالت له أمه: يا بني لا تدع على شيء بعدها.
وقال القاسم بن أبي أيوب سمعت سعيدًا يردد هذه الآية في الصلاة بضعا وعشرين مرة :
(وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ) البقرة (281)
ويقول هلال بن خباب: خرجت مع سعيد بن جبير في رجب فأحرم من الكوفة بعمرة ثم رجع من عمرته، ثم أحرم بالحج في النصف من ذي القعدة وكان يحرم في كل سنة مرتين مرة للحج ومرة للعمرة.
وكان لسعيد شأن وحال مع القرآن فروي أنه كان يختم القرآن في كل ليلتين.
وكان سعيد بن جبير يجيء فيما بين المغرب والعشاء فيقرأ القرآن في رمضان،
وعن الصعب بن عثمان قال: قال سعيد بن جبير:
ما مضت علي ليلتان منذ قتل الحسين إلا أقرأ فيها القرآن إلا مريضًا أو مسافرًا.
ومما أثر عن سعيد بن جبير خوفه وخشيته وكان ذكر الموت لا يفارقه فيقول:
لو فارق ذكر الموت قلبي لخشيت أن يفسد علي قلبي.
وعنه قال: إنما الدنيا جمع من جمع الآخرة.
ولما علم من فضل الشهادة تمناها ،وثبت للقتل ،ولم يكترث ولا عامل عدوه بالتقية المباحة له رحمه الله، فعن داود بن أبي هند قال:
لما أًخذ الحجاج سعيد بن جبير قال:
ما أراني إلا مقتولاً وسأخبركم:
إني كنت أنا وصاحبان لي دعونا حين وجدنا حلاوة الدعاء ، ثم سألنا الله الشهادة ، فكلا صاحبي رزقها ،وأنا أنتظرها ، قال: فكأنه رأى أن الإجابة عند حلاوة الدعاء.
ومن الكلمات الخالدات لسعيد بن جبير أنه قال :
التوكل على الله جماع الإيمان ، والخشية أن تخشى الله حتى تحول خشيتك بينك وبين معصيتك فلتلك الخشية، والذكر طاعة الله فمن أطاع الله فقد ذكره ومن لم يطعه فليس بذاكر وإن أكثر التسبيح وتلاوة القرآن.
وقال: أظهر اليأس مما في أيدي الناس فإنه عناء، وإياك وما يعتذر منه فإنه لا يعتذر من خير .