سيرة الإمام الشوكاني _رحمه الله
مقدمة :
محمد بن علي بن محمد الشوكاني، الملقب بـبدر الدين الشوكاني، أحد أبرز علماء أهل السنة والجماعة وفقهائها ومن كبار علماء اليمن ولد فيه هجر شوكان في اليمن 1173هجرياً ونشأ بصنعاء، وولي قضائها سنة 1229هجرياًومات حاكمًا بها في سنة 1250هجرياً.نبذة عن الإمام الشوكاني_رحمه الله :
إمام الأئمة، ومفتي الأئمة، بحر العلوم، وشمس الفهوم، سند المجتهدين الحفاظ، فارس المعاني والألفاظ، فريد العصر، نادرة الدهر، شيخ الإسلام، علامة الزمان، ترجمان الحديث والقرآن، علم الزهاد، أوحد العباد، قامع المبتدعين، رأس الموحدين، تاج المتبعين، صاحب التصانيف التي لم يسبق إلى مثلها، قاضي قضاة أهل السنة والجماعة، شيخ الرواية والسماع، علي الإسناد، السابق في ميدان الاجتهاد، على الأكابر الأمجاد، المطلع على حقائق الشريعة ومواردها، العارف بغوامضها ومقاصدها، الإمام محمد بن علي الشوكاني رحمه الله تعالى.
مولد الإمام الشوكاني ونشأته:
هو الإمام العلامة المجتهد القاضي محمد بن علي بن محمد بن عبد الله الشوكاني ثم الصنعاني، ولد رحمه الله تعالى في نهار الاثنين الثامن والعشرين من شهر ذي القعدة سنة 1173هـ / 1760م،
والشوكاني نسبة إلى عدني شوكان، أو إلى هجرة شوكان وهي قرية صغيرة جنوب شوكان، تبعد عن صنعاء شرقًا نحو عشرين كيلو متر تقريبًا،
وهي إحدى قرى "السحامية" من بلاد خولان العالية "الطيال" باليمن، وهجرة وشوكان اسمان لقرية واحدة، بينها وبين صنعاء دون مسافة يوم،
وهي نسبة والده. والصنعاني نسبة إلى صنعاء.
وكان والده قاضي صنعاء، ومن العلماء البارزين فيها، فيه طيبة وصلاح تجعل من يعرفه حق المعرفة يتيقن أنه من أولياء الله، ولعل هذا كان له أثره في حياة ابنه بعد ذلك.
نشأ الإمام الشوكاني بصنعاء، فقرأ القرآن الكريم وجوَّده على جماعة من مشايخ القراء بصنعاء، وفي أثناء ذلك كان قد حفظ عدة مختصرات في الفقه والنحو، والعروض، وآداب البحث وعلوم اللغة، وطالعَ عدة كتب من كتب التاريخ والأدب، ثم شرع في طلب العلم فدرس على والده، وعلى البارزين من العماء في عصره في مختلف العلوم: الدينية، واللسانية، والعقلية، والرياضي، والفلكية.
حياة الإمام الشوكاني :
ولد في وسط نهار الاثنين الثامن والعشرين من شهر ذي القعدة سنة 1173 هجرية في بلده هجرة شوكان ونشأ في صنعاء، وتلقى العلم على شيوخها.
اشتغل بالقضاء والإفتاء.
تربى في بيت العلم والفضل فنشأ نشأة دينية طاهرة، تلقى فيها معارفه الأولى على والده وأهل العلم والفضل في بلدته، فحفظ القرآن الكريم وجوّده، ثم حفظ كتاب "عيون الأزهار " للإمام المهدي في فقه الزيدية ومختصر الفرائض للعُصيفيري و ملحة الأعراب في صناعة الإعراب للحريري ، والكافية والشافية لابن الحاجب ، وغير ذلك من المتون التي اعتاد حفظها طلاب العلم في القرون المتأخرة.
وكان الإمام الشوكاني_ رحمه اللّه كثير الاشتغال بمطالعة كتب التاريخ، والأدب، وهو لايزال مشتغلاً بحفظ القرآن الكريم .
ومما ساعد الإمام الشوكاني على طلب العلم والنبوغ المبكر:
وجوده وتربيته في بيت العلم والفضل، فإن والده ـ رحمه اللّه تعالى ـ كان من العلماء المبرزين في ذلك العصر، كما أن أكثر أهل هذه القرية كانوا كذلك من أهل العلم والفضل
قال الإمام الشوكاني عن والده وأهل قريته:
"... وهذه الهجرة معمورة بأهل الفضل والصلاح والدين من قديم الزمان، لايخلو وجود عالم منهم في كل زمن، ولكنه يكون تارة في بعض البطون، وتارة في بطن أخرى، ولهم عند سلف الأئمة جلالة عظيمة، وفيهم رؤساء كبار، ناصروا الأئمة، ولاسيما في حروب الأتراك، فإن لهم في ذلك اليد البيضاء، وكان فيهم إذ ذاك علماء و فضلاء، يعرفون في سائر البلاد الخولانية بالقضاة "
استطاع " الشوكاني " أن يستفيد من علماء عصره، وما أكثرهم، فأخذ يطلب العلم بجميع فنونه:
فقرأ " شرح الأزهار " على والده، و " شرح الناظري " على " مختصر العصيفيري " .
كما قرأ التهذيب للعلامة التفتازاني ،
و تلخيص المفتاح في علوم البلاغة للقزويني ، والغاية لابن الإمام،
و مختصر المنتهى لابن الحاجب في أصول الفقه ،
و منظومة ابن الجزري في القراءات
و منظومة " الجزار في العروض،
و آداب البحث والمناظرة للإمام عضد الدين الإيجي ، وما إلى ذلك من سائر العلوم النقلية والعقلية.
وظل هكذا ينتقل بين العلماء، يتلقَّى عليهم، ويستفيد منهم، حتى صار إماماً يشار إليه بالبنان، ورأسا يرحل إليه، فقصده طلاب العلم والمعرفة للأخذ عنه، من اليمن والهند ، وغيرهما حتى طار صيته في جميع البلاد، وانتفع بعلمه كثير من الناس.
وقد تأثر الإمام الشوكاني بشخصيَّات كثيرة من العمالقة الذين كانوا قبله: منهم من بلده اليمن ،
وأشهرهم:
العلامة محمد بن إبراهيم الوزير ،
والعلامة محمد بن إسماعيل الأمير ( ت 1182ه )
والعلامة الحسن بن مهدي المقبلي ( ت 1108ه )
والحسين أحمد الجلال ( ت 804 ه )
ومنهم من غير بلده ولم يكونوا في عصره، وعلى رأسهم:
إمام الدنيا ابن حزم الأندلسي ( ت 456ه )
وشيخ الإسلام ابن تيمية ( ت 728 ه ) .
أبرز شيوخ الإمام الشوكاني :
_ العلامة الحسن بن إسماعيل المغربي (ت 1208هـ): وقد وصفه الشوكاني
بأنه كان يقبل عليه إقبالاً زائداً، ويعينه على الطلب بكتبه، وهو من أرشده إلى شرح المنتقى ، وأنه تأثر به في تقوية حياته الروحية، وتكوينه الخلقي، وخاصة خلق التواضع، وقد سمع منه "التنقيح في علوم الحديث".
_ الإمام الحافظ عبد القادر بن أحمد الكوكباني (ت 1207هـ):
وقد وصفه الشوكاني
بأنه كان أبرز علماء عصره وأكثرهم إفادة، وذكر أنه لم يكن في اليمن له نظير، وأقر له بالتفرد في جميع العلم كل أحد -وهو من تلاميذ الإمام ابن الأمير الصنعاني، وحامل لواء السنة بعده.
وقد قرأ عليه الشوكاني مختلف الفنون من حديث وتفسير ومصطلح وغيره، وقد سمع منه "صحيح مسلم" و"سنن الترمذي" وبعض "موطأ مالك" وبعض "فتح الباري" وبعض "الشفاء".
_ العلامة محمد علي بن إبراهيم بن علي بن إبراهيم بن أحمد بن عامر الشهيد (ت 1208هـ):
قال عنه الشوكاني:
كان إماماً في جميع العلوم، محققاً لكل فن، ذا سكينة ووقار، قل أن يوجد له نظير، وهو شيخ الشوكاني في "صحيح البخاري" حيث سمعه منه من أوله إلى آخره.
_هادي بن حسين القارني (ت 1247هـ):
شيخ الشوكاني في القراءات والعربية، ثم أخذ عنه شرح "المنتقى" وغيره.
_ العلامة أحمد بن محمد الحرازي ( ت 1227هـ):
لازمه الشوكاني ثلاث عشرةسنةوبه انتفع في الفقه.
مؤلفات الإمام الشوكاني_رحمه الله:
له مؤلفات كثيرة تجاوزت مائة وأربعة عشر منها:
_نيل الأوطار في الحديث.
_فتح القدير في التفسير.
_البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن التاسع
_ٳرشاد الفحول إلى إلى تحقيق الحق من علم الاصول
_ابطال دعوى الإجماع في تحرم مطلق السماع
_شرح الصدور بتحريم رفع القبور
_إرشاد الثقات إلى إتفاق الشرائع على التوحيد والمعاد والنبوات
_تحفة الذاكرين بعدة الحصن الحصين من كلام سيد المرسلين
_رفع الباس عن حديث النفس والهم والوسواس
_البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع
_السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار
_الأدلة الرضية لمتن الدرر البهية في المسائل الفقهية
_إرشاد الغبي إلى مذهب أهل البيت في صحب النبي
_الفتح الرباني من فتاوى الإمام الشوكاني
_بلوغ المنى في حكم الاستمناء
_الدراري المضية شرح الدرر البهية
_القول الجلي في حكم لبس النساء للحلي
_رفع الالتباس لفوائد حديث ابن عباس
_رسالة في حكم التصوير
_در السحابة في مناقب القرابة والصحابة
_الدر النضيد في إخلاص كلمة التوحيد
_وبل الغمام على شفاء الأوام
_الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة
_الدواء العاجل في دفع العدو الصائل
_وبل الغمام على شفاء الأوام
_أدب الطلب ومنتهى الأرب
_القول المفيد في أدلة الاجتهاد والتقليد
_السلوك الإسلامي القويم
_التحف في مذاهب السلف
_البحث المسفر عن تحريم كل مسكر ومفتر
_الدر النضيد في إخلاص كلمة التوحيد
طلب الإمام الشوكاني للعلم:
كتب الشوكاني لنفسه ترجمة في كتابه "البدر الطالع" أسوة بغيره من المحدثين، والعلماء،
وهذا ملخص لما كتبه: فعن بداية طلبه للعلم يقول الشوكاني رحمه الله :
"إني لما أردت الشروع في طلب العلم، ولم أكن إذ ذاك قد عرفت شيئًا فيه حتى ما يتعلق بالطهارة والصلاة إلا مجرد ما يتلقاه الصغير من تعليم الكبير لكيفية الصلاة والطهارة ونحوها".
ثم قرأ "القرآن الكريم" على جماعة من المعلمين، ثم ختمه على الفقيه حسن بن عبد الله
وجوّده على جماعة من مشايخ القرآن بصنعاء، ثم حفظ الكثير من الكتب،
منها:
_ كتاب الأزهار للإمام المهدي
_ومختصر الفرائض للعصيفري
_ والملحة للحريري
_ والكافية الشافية لابن الحاجب
_ والتهذيب للتفتازاني
_ والتلخيص للقزويني
_ ومنظومة الجزري
_ وآداب البحث للعضد، ومع ذلك كان كثير الاشتغال بمطالعة كتب التواريخ، ومجاميع الأدب،
ثم شرع في طلب العلم، وأخذ علومه عن عدد كبير من العلماء:
_ فقرأ على والده رحمه الله تعالى في شرح الأزهار، وشرح الناظري لمختصر العصيفري،
_وقرأ الفقه على أحمد بن محمّد بن الحرازي وبه انتفع، وعليه تخرج، وطالت ملازمته له نحو ثلاث عشرة سنة.
وفي أيام قراءته في الفروع شرع في قراءة النحو؛ فقرأ عدة كتب في ذلك منها:
_الملحة وشرحها على العلّامة إسماعيل بن الحسن بن أحمد
_ وقرأ شرح الرضي على الكافية على القاسم بن يحيى الخولاني
_وقرأ شرح إيساغوجي للقاضي زكريا على عبد الله بن اسماعيل النّهمي.
_ وقرأ الشرح المطول للسعد التفتازاني،
_ وقرأ شرح جمع الجوامع للمحلّى على عبد القادر بن أحمد
_ وقرأ شرح الجزرية على هادي بن حسين،
_وقرأ البحر الزخار وحاشيته، وتخريجه، وضوء النهار على شرح الأزهار على عبد القادر بن أحمد.
_ وقرأ الكشاف وحاشيته، على الحسن بن إسماعيل المغربي .
_وسمع صحيح مسلم، وسنن الترمذي، وبعض الموطإ، وبعض شفاء القاضي عياض
على عبد القادر بن أحمد .
_ وسمع جميع سنن أبي داود وتخريجها للمنذري، على الحسن بن إسماعيل المغربي"
_وكذلك سمع شرح بلوغ المرام، على الحسن بن إسماعيل
وهناك كتب أخرى ذكرها الشوكاني، أعرضت عن ذكرها، وبعد ذلك يقول الشوكاني :
هذا ما أمكن سرده من مسموعات صاحب الترجمة ومقروءاته، وله غير ذلك من المسموعات والمقروءات.
وهكذا ظل العلامة محمد بن علي بن عبد الله الشوكاني يأخذ عن شيوخه العلم حتى استوفى كل ما عندهم من كتب،
بل زاد في قراءاته الخاصة على ما ليس عندهم، وكان طلبه للعلم في صنعاء نفسها،
يقول الإمام الشوكاني عن نفسه:
وكانت قراءتي لما تقدم ذكره في صنعاء ولم أرحل لأعذار منها:
عدم الإذن من الأبوين، وقد درس جميع ما تقدم ذكره، وأخذه عنه الطلبة، وتكرر أخذهم عنه في كل يوم من تلك الكتب، وكثيرا ما كان يقرأ على مشايخه، فإذا فرغ من كتاب قراءة أخذه عنه تلامذته، بل ربما اجتمعوا على الأخذ عنه قبل أن يفرغ من قراءة الكتاب على شيخه، وكان يبلغ دروسه في اليوم والليلة إلى نحو ثلاثة عشر درسا، منها ما يأخذه من مشايخه، ومنها ما يأخذه عنه تلامذته، واستمرّ على ذلك مدّة حتى لم يبق عند أحد من شيوخه ما لم يكن من جملة ما قد قرأه.
ثم يقول الإمام الشوكاني_رحمه الله عن نفسه:
ثم إن صاحب الترجمة جلس لإفادة الطلبة فقط، فكانوا يأخذون عنه في كل يوم زيادة على عشرة دروس، في فنون متعددة،
واجتمع منها في بعض الأوقات:
التفسير، والحديث، والأصول، والنحو، والصرف، والبيان، والمعاني والمنطق، والفقه، والجدل، والعروض.
المفتي الإمام الشوكاني بين شيوخه:
تفرغ الإمام الشوكاني رحمه الله تعالى لإفادة طلاب العلم، فكانوا يأخذون عنه في كل يوم زيادة على عشرة دروس في فنون متعددة كالتفسير والحديث والأصول والمعاني والبيان، والمنطق.
وتقدم للإفتاء وهو في نحو العشرين من عمره، وكانت ترد عليه الفتاوى من خارج صنعاء، وشيوخه إذ ذاك أحياء، وكاد الإفتاء يدور عليه وحده، وهو في هذه السن.
ويقول الإمام الشوكاني _رحمه الله عن نفسه:
وربما قال الشعر إذا دعت لذلك حاجة كجواب ما يكتبه إليه بعض الشعراء من سؤال، أو مطارحة أدبيّة، أو نحو ذلك، ومن ذلك قوله:
أنا راض بما قضى
واقف تحت حكمه
سـائل أن أفوز بالخير
من حسن ختمه
وقد أحاط رحمه الله إلى جانب العلوم العربية الدينية بالعلوم الرياضية والطبيعية والإلهية، وعلم الهيئة، والمناظرة والوضع، وحده دون معلم مباشر، ودرّس هذه العلوم أيضًا لتلاميذه.
وفي الجملة، فقد درس دراسة واسعة، واطلع اطلاعًا يندر أن يحيط به غيره، فليس من المستطاع سرد ما درسه من كتب، أو استجازه من مراجع،
ومن يرجع إلى كتابه مثلًا :
_ إتحاف الأكابر بإسناد الدفاتر: يدرك مدى ما كان عليه هذا الرجل من تنوّع في الثقافة، واتساع فيها، وقد برع في كل ذلك تقريبًا، وصنف ودرس فيه،
ولا غرو أنْ رأينا بعض كتاب التراجم يعرّف به فيقول : مفسر، محدث، فقيه، أصولي، مؤرخ، أديب، نحوي، منطقي، متكلم، حكيم.
تلامذة الإمام الشوكاني رحمه الله :
جمع الإمام الشوكاني من العلوم الكثير، وأحاط بالمعقول منها والمنقول، وبرز في شتى المعارف، وأضاف إليها الكثير، بالنظر الثاقب، والفكر المستنير، وألف العديد من الكتب، لذلك كان لا بد وأن يتخًرج على يديه الكثيرون واستفاد منه العامة والخاصة.
ومن أشهر تلاميذه:
_ابنه أحمد بن محمد بن علي الشوكاني :
ولد سنة 1229هـ، وانتفع بعلم والده وبمؤلفاته، حتى حاز من العلوم السهم الوافر، وانتفع به عدة من الأكابر، تولى القضاء بمدينة صنعاء وله مؤلفات وكان من أكابر علماء اليمن بعد والده توفي سنة 1281هـ.
_ محمد بن أحمد السودي:
ولد سنة 1178هـ؛
وتوفي سنة 1236هـ،
لازم الإمام الشوكاني من بداية طلبه للعلم، حتى مدحه الشوكاني بقوله:
أعز المعالي أنت للدهر زينة
وأنت على رغم الحواسد ماجده
_ محمد بن أحمد مشحم الصعدي الصنعاني:
ولد سنة 1186هـ،
وتولى القضاء في صنعاء وغيرها، وأثنى عليه الشوكاني كثيرًا، وتوفي سنة 1223هـ.
_ أحمد بن علي بن محسن :
ابن الإمام المتوكل على الله إسماعيل بن القاسم.
ولد سنة 1150هـ، واشتغل بطلب العلم، بعد أن قارب الخمسين،
ولازم الإمام الشوكاني نحو عشر سنين توفي سنة 1223هـ.
_ محمد بن محمد بن هاشم بن يحيى الشامي :
ثم الصنعاني، ولد سنة 1178هـ وتوفي سنة 1251هـ.
_ عبد الرحمن بن أحمد البهكلي الضمدي الصبيائي :
ولد سنة 1180هـ،
وتلقى على الشوكاني وغيره، ولكنه كان من أوفى تلاميذ الشوكاني ومن الملازمين له، توفي سنة 1227هـ.
_أحمد بن عبد الله الضمدي:
أخذ عن الإمام الشوكاني وغيره، ولكن صلته بالشوكاني كانت أكثر، حتى صار المرجع إليه في التدريس والإفتاء في ضمد وما حولها، وله أسئلة عديدة إلى شيخه الشوكاني أجاب له عنها في رسالة سماها ؛
العقد المنضد في جيد مسائل علامة ضمد ،
توفي سنة 1222هـ.
_علي بن أحمد بن هاجر الصنعاني:
ولد في حدود سنة 1180هـ، وتبحر في العلوم النقلية والعقلية، درس على الشوكاني علم المنطق وغيره.
قال عنه الشوكاني بالنسبة لعلم المنطق :
هو يفهمه فهمًا بديعًا، ويتقنه إتقانًا عجيبًا، قل أن يوجد نظيره مع صلابة الدين،
توفي سنة 1235هـ.
_قال أبو عبد الرحمن:
ذكر الدكتور إبراهيم إبراهيم هلال في مقدمة
قطر الولي,
تلاميذ الشوكاني وعددهم ثلاثة عشر تلميذًا.
وذكر الدكتور محمد حسن الغماري صاحب كتاب الشوكاني مفسرًا ثلاثة وثلاثين تلميذًا.
وذكر الدكتور عبد الغني قاسم غالب الشرجبي
صاحب كتاب: الشوكاني حياته وفكره.
تلاميذ الشوكاني وعددهم اثنان وتسعون تلميذًا. كما أورد عقب ترجمة كل تلميذ العلوم التي استفادها من الشوكاني.
مكانة الإمام الشوكاني_رحمه الله العلمية:
كان الإمام الشوكاني رحمه الله مبرزًا في علوم كثيرة، سيما علوم السنة والتفسير والفقه فروعه وأصوله، مؤرخ، له شعر حسن.
وقد كرس حياته في سبيل الدفاع عن هذا الدين، وإزالة ما علق به من شوائب التقليد، والتعصب، والجمود وغيرها.
وتصدر الشوكاني للتدريس في جامع صنعاء، وأقبل عليه طلبة العلم من كل مكان ينهلون من معارفه الواسعة، وفيهم من كان من شيوخه.
تولى رحمه الله تعالى القضاء الأكبر للإمام المنصور في شهر رجب سنة 1209هـ
خلفًا للقاضي يحيى بن صالح السحولي على غير رغبة منه، ثم تولى لابنه المتوكل أحمد، فابنه المهدي عبد الله.
ويقول الشوكاني عن نفسه:
وابتلى بالقضاء في مدينة صنعاء بعد موت من كان متوليا للقضاء، وكان دخوله في القضاء وهو ما بين الثلاثين والأربعين.
وكان جريئًا في قول الحق، آمرًا بالمعروف ناهيًا عن المنكر، لا يخشى في الله لومة لائم، أنكر على الهادوية اعتمادهم أقوال أئمتهم وجمودهم على التقليد، فكتب كتابه: القول المفيد في أدلة الاجتهاد والتقليد.
قام الإمام الشوكاني بالدعوة إلى الإصلاح وجوانب ذلك :
دعوته إلى الاجتهاد ونبذ التقليد، ودعوته إلى العقيدة السلفية، وتطهير العقيدة وتنقيتها من مظاهر الشرك.
دعوة الإمام الشوكاني إلى الاجتهاد:
لقد ذهب الإمام الشوكاني رحمه الله إلى أن ترك الاجتهاد من القادر عليه كفر وشرك؛
لأنه تعطيل لكتاب الله تعالى وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، وإحلال لقول صاحب المذهب محلّهما.
والإمام الشوكاني رحمه الله :
في هذا يعبّر عن الروح الاجتهادية لدى الأئمة السابقين، وإن كان قد تشدد في الحكم على المقلد القادر على الاجتهاد بالشرك. فمثلًا،
نرى الإمام الغزالي يوجب الاجتهاد على القادرين عليه دون أن يُدينه بالشرك أو الكفر، إذا أصرّ على التقليد، لأن ؛
الذي وصل إلى درجة الاجتهاد غير عاجز، فلا يكون في معنى العاجز،
فينبغي أن يطلب الحق بنفسه، فإنه يجوز الخطأ على العالِم بوضع الاجتهاد في غير محله، كما أنه يجوز على المجتهد أيضًا الذي نقلده أن يبادر بالحكم قبل استتمام الاجتهاد، والغفلة عن دليل قاطع، والعالم المقلد قادر على معرفة ما يعرفه إمامه الذي يقلده، ومن الممكن أن يتوصل بنفسه إلى ما يريده،
إما إلى درجة اليقين،
وإما إلى الظن، فكيف يبني الأمر على عماية كالعميان، وهو بصير بنفسه؟
ويحمل على هؤلاء المقلدين الذين يبلغ بهم التعصب لإمامهم أن يعتقدوا فيه العصمة عن الخطأ في الأحكام، مع أن المجتهدين أنفسهم لا يدعون العصمة أو يعدون الحق وقفًا عليهم.
وقد بُحث في عقيدة الإمام الشوكاني في رسالة علمية بعنوان :
" منهجُ الإمامِ الشوكاني في العقيدة تأليف الدكتور عبد الله نومسوك ، وملخص الدكتور في الخاتمة
؛فقال:
1 - عاش الشوكاني رحمه الله 1173 - 1250 هـ :
في فترة كانت البلاد الإسلامية فيها تعاني من تفكك ومن ضعف شديد ، وكانت الصراعات المذهبية والطائفية القبلية تسود المجتمعات الإسلامية بصفة عامة ومجتمع اليمن مسقط رأسه؛بصفة خاصة ،
وقد عاصر رحمه الله المذاهب والفرق والطوائف الدينية المختلفة ، كالرافضة، والزيدية ، والصوفية ، والمعتزلة ، وغيرهم ،
ورأى ما فيهم من التعصب والجمود ،
ومن الأنحراف العقدي والسلوكي المتناقض لتعاليم الأسلام ،
كما رأى ما وقع فيه الناس حوله من الفساد ، والشرور ، والبدع ، والشركيات ، وجهالهم بأمور الدين ،
ورأى قعود العلماء والحكام عن أداء واجباتهم في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ،
ورأى الظلم الأجتماعي الذي ساد المجتمع اليمني
عموماً ، تبدّت مظاهره في سلوكيات القضاة والعمال والحكام وهذه الأمور التي تكونت منها بيئه الشوكاني لها أثر بالغ في ظهوره وقيامه بالأصلاح .
2_ نشأ الإمام الشوكاني_رحمه الله:
في بيت علم حيث كان والده من العلماء الكبار ، وكان له أكبر الأثر في تكوين الشوكاني ، حيث هيأ له فرصة التفرغ للعلم ، وكفل له وسائل الحياة المعيشية ، فبدأ حياته العلمية منذ الصغر ، وتتلمذ على عدد كبير من علماء صنعاء في عصره ، ولم يرحل منها .
وكان أكثرهم تأثيراً فيه شيخه عبد القادر بن أحمد الكوكبانى ، والحسن بن إسماعيل المغربي ، وعبد الله بن إسماعيل النهمي ، ودرس جميع العلوم الشرعية والعربية ونبغ فيها ، بل درس العلوم الفلسفية الشائعة في ذلك الوقت ، كالمنطق ، والطبيعة ، والرياضة ، وغير ذلك ، وقد بلغ مرتبة من التفوق المبكر جعلته يدرّس وهو في أثناء طابه العلم ،
ويفتى وهو في العشرين من عمره ، ثم يتولّى بعد ذلك القضاء العام وهو في السادسة والثلاثين من عمره ،
ووجد في قضائه فرصة متاحه له لنشر مذهبه في الأجتهاد ونبذ التقليد ، والدعوة إلى طريق السلف الصالح ، وظل متولياً منصب القضاء
حتى توفى بصنعاء عام 1250هـ .
3_حلّف الشوكاني رحمه الله :
مع اشتغاله بالأعمال الكثيرة عدداً كبيراَ من المؤلفات والرسائل القيمة في مختلف العلوم ، ولم يزل معظم هذا التراث مخطوطاً وتجدر العناية بتحقيقه ، ودراسته ، وتسهيل السبل إلى طبعه ، حتى تتحقّق الفائدة .
4_ تفقّه الشوكاني رحمه الله:
على مذهب الزيدية ، إلا أنه لم يلبث أن تخلى عن التقليد والتمذهب ، وأصبح لا يتقيد بفرقة من الفرق أو مذهب من المذاهب ،
بل اعتمد اعتمادا مباشرا على الكتاب والسنة ،
وأصبح من المجتهدين في البحث عن الحكم الشرعي والرأي العقائدي من خلال الأدلة والبراهين ،
لا من طريق التقليد والتلقين ،
وقد وصل إلى هذه المرتبة وهو دون الثلاثين
من عمره ،
وكانت دعوته إلى الاجتهاد ونبذ التقليد والرجوع بالتشريع إلى طريق السلف تمثل إمتدادا لأدوار من سبقه من المجددين والمصلحين ،
_ كالإمام مالك _وأبي حنيفة
_ وأحمد بن حنبل _ وشيخ الإسلام ابن تيمية
_ وابن القيم _ وكابن الوزير
_والمقبلي _والأمير الصنعاني _
والإمام محمد بن عبد الوهاب ، ونظائرهم
رحمهم الله .
وقد تعرض في سبيل الدعوة لأذى كثير من المتعصبين والمقلدين في عصره ، واتهموه بالدعوة إلى هدم مذهب أهل البيت ، وهو بريء من هذه التهمة ، وهذا شأنهم مع كل عالم مجتهم آخذ بالدليل .
5_ أورد الشوكاني رحمه الله أحاديث ضعيفة ومنكرة في فضائل علي بن أبي طالب رضي الله عنه في بعض كتبه ، وألف في آخر عمره كتابه : الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة ، حيث بين نكارة كثير من تلك الأحاديث .
وهذا يدل على أنه لم يتبين له ما في تلك الأحاديث من النكارة ، ولما نضج علمه توصل إلى هذه النتيجة في الحكم عليها ، وهو أمر يدل على تطور في علمه بعلوم الحديث ، شأنه كشأن غيره من العلماء المجتهدين .
6_ من خلال دراستي لمنهج الشوكاني في العقيدة تبين لي أنه وافق السلف أهل السنة في جميع أركان الإيمان الستة ،
وهي : الإيمان بالله ، وملائكته ، وكتبه ، ورسله ، واليوم الآخر ، والقضاء والقدر ، ولم يخالفهم إلا في مسائل قليلة ، وكان رأيه في بعضها مضطربا بين كتاب وآخر ، كما في بعض الصفات .
وفيما يلي أذكر تلك المسائل مختصرا ؟!
( أ ) في توحيد الألوهية :
أجاز التوسل بالذات والجاه وجعله كالتوسل بالعمل الصالح ،
وهذا مخالف لما قرره ودعا إليه في عدد من كتبه من محاربة الشرك وسد الذرائع المؤدية إليه .
( ب ) في أسماء الله تعالى :
ذهب إلى جواز تسمية الله بما ثبت من صفاته ، سواء ورد التوقيف بها أو لم يرد . غير أني لم أقف على تطبيق الشوكاني هذه القاعدة لا في تفسيره ، ولا في غيره .
( ج ) في صفات الله تعالى :
1 - أوّل بعض الصفات الإلهية في تفسيره :
فتح القدير تأويلا أشعريا .
والصفات التي أولها هي : الوجه ، والعين ، واليد ، والعلو ، والمجيء ، والإتيان ، والمحبة ، والغضب ، على التفصيل الذي ذكرته في الرسالة .
وهذا التأويل مناقض لمنهجه في رسالته التحف في إثبات الصفات على ظاهرها من غير تحريف ولا تعطيل ، ولا تكييف ، ولا تمثيل ، وهو مذهب السلف رضوان الله عليهم .
2 - نهج منهج أهل التفويض في صفة المعية في رسالته التحف ، فلم يفسرها بمعية العلم ، بل زعم أن هذا التفسير شعبة من شعب التأويل المخالف لمذهب السلف .
وهذا مخالف لما ذهب إليه في تفسيره ةفي كتابه تحفة الذاكرين من أن هذه المعية معية العلم ، وفسرها هنا تفسير السلف .
3 - ذهب مذهب الواقفية في مسألة خلق القرآن ، فلم يجزم برأي هل هو مخلوق أو غير مخلوق ؟
( د ) في نواقض التوحيد :
1 - أجاز تحري الدعاء عند قبور الأنبياء والصالحين باعتبارها أماكن مباركة يستجاب الدعاء فيها .
وهذا مخالف لما قرره ودعا إليه في عدد من كتبه من سد الذرائع إلى الشرك في الأموات .
2 - جعل الحلف بالقرآن كالحلف بمخلوق من مخلوقات الله .
( هـ ) في النبوات :
يرى التوقف في مسألة التفضيل بين الأنبياء والرسل عليهم السلام .
هذا وقد سلك الشوكاني رحمه الله طريقة السلف في الاستدلال لكل مسألة من مسائل العقيدة التي أثبتها ، فيقدم الأدلة النقلية على العقلية ،
ويقدم المعنى الظاهر من النصوص على معنى المجاز منها ، كما في كتابه التحف ، إلا في مسألة المعية كما تقدم إيضاحه في فقهة .
وكذلك في تفسيره لمسألة الاستواء وغيرها من الصفات التي أثبتها في تفسيره ولم يؤولها .
أما ما يظهر في كتبه من اضطراب وتناقض في هذا الباب وغيره وخالف فيه السلف أهل السنة فيمكن الاعتذار عنه بأنه نشأ وترعرع في بيئة زيدية ،
وكانت دراسته داخلها ولم يخرج منها ،
فلعل الظروف المحيطة بهذه البيئة لم تتهيأ له كثيرا للأطلاع على كتب أئمة السلف أهل السنة والجماعة .
هذا وقد أخطأ الشوكاني فيما أخطأ ، ولا ندعي له العصمة ، ولا نقول عنه إلا أنه من البشر ، والبشر يخطئون ويصيبون ،
وكما قال هو نفسه :
إن الخطأ شأن البشر ، وكل يؤخذ من قوله ويترك إلا المعصوم صلى الله عليه وسلم ، والأهوية تختلف ، والمقاصد تتباين ، وربك يحكم بينهم فيما كانوا فيه يختلفون .
ورحمه الله إذ قال :
فكرت في علمي وفي أعمالي
ونظرت في قولي وفي أفعالي
فوجدت ما أخشاه منها فوق ما
أرجو فطاحت عند ذا آمالي
ورجعت نحو الرحمة العظمى إلى
ما أرتجي من فضل ذي الأفضال
فغدا الرجا والخوف يعتلجان في
صدري وهذا منتهى أحوالي .
مؤلفات الشوكاني رحمه الله :
ترك العلامة الكبير الإمام الشوكاني للمكتبة الإسلامية والعربية الكثير من المصنفات في علوم متفرقة منها المطولات، ومنها المختصرات،
من أشهرها:
1- (نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار)
مطبوع،
وهو أشهر كتبه على الإطلاق.
2- (السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار)
مطبوع، وهو خلاصة فقه الشوكاني.
3- (الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة) مطبوع.
4- (إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول) مطبوع.
5- (البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع)
مطبوع، اشتمل على تراجم أكابر العلماء من أهل القرن الثامن ومن بعدهم.
6- (الدراري المضيئة)
مطبوع، وهو شرح متن الدرر البهية في الفقه، كلاهما للمصنف.
7- (وبل الغمام على شفاء الأوام)
مطبوع، في الفقه.
8- (الدر النضيد في إخلاص كلمة التوحيد)
مطبوع، في العقيدة.
9- (فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير)
مطبوع ، في التفسير.
10- (در السحابة في مناقب القرابة والصحابة) مطبوع.
وفاة الإمام الشوكاني _رحمه الله :
توفي الإمام الشوكاني رحمه الله تعالى ليلة الأربعاء 27من جمادى الآخرة
سنة 1250هـ / 1834م
بصنعاء، عن 76 سنة وسبعة أشهر،
وصُلي عليه بالجامع الكبير بصنعاء رحمه الله تعالى.
ودُفن بمقبرة خزيمة المشهورة بصنعاء، فرحمه الله تعالى رحمة واسعة، وجزاه عنا كل خير.