حكم النشرة ؛شرح كتاب التوحيد للشيخ محمد بن الوهاب _رحمه الله
شرح كتاب التوحيد للشيخ محمدبن عبدالوهاب - رحمه الله - باب ما جاء في النشرة
قَالَ الشيخ محمد بن عبد الوهاب -رَحِمَهُ اللَّهُ :
باب ما جاء في النشرة عن جابر:
« أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سئل عن النشرة فقال: هي من عمل الشيطان »رواه أحمد بسند جيد وأبو داود،
وقال: سئل أحمد عنها فقال: ابن مسعود يكره هذا كله
وفي البخاري عن قتادة قلت لابن المسيب:
« رجل به طب أو يؤخذ عن امرأته أيحل عنه أو ينشر قال: لا بأس به إنما يريدون به الإصلاح فأما ما ينفع فلم ينه عنه » انتهى.
وروي عن الحسن أنه قال:
لا يحل السحر إلا ساحر
قال ابن القيم: النشرة حل السحر عن المسحور وهى نوعان :
أحدهما: حل بسحر مثله وهو الذي من عمل الشيطان وعليه يحمل قول الحسن، فيتقرب الناشر والمنتشر إلى الشيطان بما يحب فيبطل عمله عن المسحور
والثاني:النشرة بالرقية والتعوذات والأدعية والأدوية والدعوات المباحة فهذا جائز.
باب ما جاء في النشرة؛
النشرة متعلقة بالسحر وأصلها من النشر وهو قيام المريض صحيحا،
النشرة اسم لعلاج المسحور سميت نشرة؛
لأنه ينتشر بها أي: يقوم ويرجع إلى حاله المعتادة،
وقول الشيخ محمدبن عبد الوهاب -رحمه الله- هنا:
" باب ما جاء في النشرة "
يعني: من التفصيل وهل النشرة جميعا،
وهي حل السحر مذمومة أو أن منها ما هو مذموم ومنها ما هو مأذون به؟.
ومناسبة هذا الباب لكتاب التوحيد ظاهرة
وهي أنه كما أن السحر شرك بالله -جل وعلا- يقدح في أصل التوحيد وأن الساحر مشرك الشرك الأكبر بالله،
فالنشرة التي هي حل السحر قد يكون من ساحر وقد يكون من غير ساحر بالأدوية المأذون بها أو الأدعية ونحو ذلك،
فإذا كان من ساحر فإنها مناقضة لأصل التوحيد ومنافية لأصله، فإذًا المناسبة ظاهرة في الصلة بين هذا الباب وباب ما جاء في السحر، وكذلك مناسبتها لباب التوحيد لأن كثيرين ممن يستعملون النشرة يشركون بالله -جل وعلا-.
والنشرة -كما في الباب قسمان:
_ نشرة جائزة _نشرة ممنوعة
1_النشرة الجائزة:
هي ما كانت بالقرآن أو بالأدعية المعروفة أو بالأدوية عند الأطباء ونحو ذلك،
فإن السحر يكون كما ذكرنا عن طريق الجن، والسحر يحصل منه إمراض حقيقة في البدن ويحصل منه تغيير حقيقة في العقل والذهن والفهم، وإذا كان كذلك فإنه يعالج بالمضادات التي تزيل ذلك السحر،
فمما يزيله القرآن والقرآن هو أعظم ما ينفع في إزالة السحر، كذلك الأدعية والأوراد ونحو ذلك مما هو معروف الرقى الشرعية.
ونوع من السحر يكون في البدن يعني:
من جهة العضوية فهذا أحيانا يعالج بالرقى والأدعية والقرآن وأحيانا يعالج عن طريق الأطباء العضويين وذلك؛
لأن السحر كما قلنا يمرض حقيقة، فإذا أزيل المرض أو سبب المرض فإنه يبطل السحر، ولهذا قال لك ابن القيم _رحمه الله في آخر الكلام
والثاني النشرة بالرقية والتعوذات والأدوية والدعوات المباحة فهذا جائز؛
لأنه يحصل منه المرض وإذا كان كذلك فإنه يعالج بما أذن به شرعا من الرقى والأدوية المباحة.
2_والقسم الثاني من النشرة:
وهى التي من أنواع الشرك أن ينشر عنه بغير الطريق الأول بطريق السحر فيحل السحر بسحر آخر يحل السحر الأول بسحر آخر
وذكرنا أن السحر لا ينعقد أصلا إلا بأن يتقرب الساحر إلى الجني أو أن يكون الجني يخدم الساحر الذي يشرك بالله دائما فيخدم، كذلك حل السحر لا بد فيه من إزالة سببه وهو خدمة شياطين الجن بالسحر، وهذا لا يمكن إلا الجن،
فإن الساحر الثاني الذي ينشر السحر ويرفع السحر لا بد أن يستغيث أو أن يتوجه إلى بعض جنه في أن يرفع أولئك الجن الذين عقدوا هذا السحر أن يرفعوا أثره.
فصار إذًا هذه الجهة أنها من حيث العقد والابتداء لا تكون إلا بالشرك بالله ومن حيث الرفع والنشر لا تكون إلا بالشرك بالله ولهذا قال:
لا يحل السحر إلا ساحر يعني:
لا يحل السحر بغير الطريقة الشرعية المعروفة إلا ساحر. لا يأتي أحد ويقول:
أنا أحل السحر هل تستخدم القراءة والتلاوة والأدعية؟
قال: لا هل أنت طبيب تطب ذلك المسحور؟ قال: لا إذا فهو ساحر إذا لم يستخدم.
الطريقة الثانية :
فإنه لا يمكن أن يحل السحر إلا ساحر؛
لأنه فك أثر الجن في ذلك السحر ولا يمكن إلا عن طريق شياطين الجن الذين يؤثرون على ذلك.
قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله:
عن جابر: « أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سئل عن النشرة فقال: هي من عمل الشيطان »
"سئل عن النشرة " السائل سأله عما كان معهودا معروفا عندهم في هذا الاسم وهو اسم النشرة، والذي كان معروفا معهودا هو أن اسم النشرة إنما هو من جهة الساحر،
النشرة عند العرب هي حل السحر بمثله، هذه هي النشرة عند العرب؛ ولهذا « سئل النبي -عليه الصلاة والسلام- عن النشرة فقال: هي من عمل الشيطان » .
وقال العلماء: أل أو لام التعريف في قوله:
النشرة هذه للعهد،
يعني: النشرة المعهود استعمالها وهي حل السحر بمثله
فقال -عليه الصلاة والسلام:
« هي من عمل الشيطان »؛
لأن رفع السحر لا يكون إلا بعمل شيطان جني؛
ولهذا قال صلي الله وعليه وسلم :
« هي يعني: الرفع والنشر- من عمل الشيطان » ؛
لأن العقد أصلا من عمل الشيطان والرفع والنشر من عمل الشيطان، فإذًا هو سؤال عن النشرة التي كانت تستخدم في الجاهلية.
"رواه أحمد بسند جيد وأبو داود
وقال: سئل أحمد عنها، فقال ابن مسعود يكره هذا كله...يكره هذا كله"
يعني:
أن تكون النشرة عن طريق التمائم التي فيها القرآن؛ لأنه أن ابن مسعود كان يكره جميع أنواع التمائم حتى من القرآن كما قال إبراهيم النخعي -رحمه الله:
كانوا يكرهون التمائم كلها من القرآن ومن غير القرآن، يعني: أصحاب ابن مسعود وابن مسعود كذلك.
فابن مسعود كان يكره التمائم من القرآن !
وهو أن يعلق شيئا من القرآن لأي غرض لدفع العين أو لإزالة السحر ورفع الضرر؛
لهذا لما قال أبو داود: سئل أحمد عنها يعني:
عن النشرة التي تكون بالتمائم من القرآن فقال: ابن مسعود يكره هذا كله
أما النشرة باستخدام النفث والرقية من غير تعليق فلا يمكن للإمام أحمد ولا لابن مسعود أن يكرهوا ذلك؛
لأن النبي صلي الله وعليه وسلم استخدم ذلك وأذن به عملا في نفسه وكذلك في غيره صلي الله وعليه وسلم
قال:
وفي البخاري عن قتادة : « قلت لابن المسيب رجل به طب أو يؤخذ عن امرأته أيحل عنه أو ينشر؟
قال لا بأس به إنما يريدون به الإصلاح فأما ما ينفع فلم ينه عنه »
يريد ابن المسيب بذلك ما ينفع من النشرة في التعوذات والأدعية والقرآن والدواء المباح ونحو ذلك،
أما النشرة التي هي بالسحر :
فابن مسعود أرفع من أن يقول إنها جائزة ولم ينه عنها والنبي صلي الله وعليه وسلم ؛ يقول:
« هي من عمل الشيطان »
بهذا قال « لا بأس به إنما يريدون به الإصلاح فأما ما ينفع فلم ينه عنه »
أما ما ينفع يعني: من الأدوية المباحة والرقى والتعوذات الشرعية وقراءة القرآن ونحو ذلك فهذا لم ينه عنه بل أذن فيه.
إذن ..
فالسحر بلاء !
وسئل ابن المسيب عن هذا الذي به طب يعني:
سحر أو يؤخذ عن امرأته بصرف القلب عنها أيحل عنه أو ينشر بأصل الحل والنشر؟
يعني: أيجوز أن يرفع ذلك الطب الذي به أو ذلك الأخذ عن امرأته بأي وسيلة؟
فقال: نعم ما ينفع فلم ينه عنه إنما يريدون به الإصلاح، ومعلوم أنه يريد بذلك ما أذن به في الشرع من القسم الذي ذكرنا فيه من جواز استخدام الرقى والتعوذات والأدوية والدعوات المباحة.
قال وروي عن الحسن أنه قال:
لا يحل السحر إلا الساحر.وهذا بينا معناه،
قال ابن القيم_رحمه الله :
النشرة حل السحر عن المسحور
وهي نوعان:
_حل بسحر مثله:
وهو الذي من عمل شيطان وعليه يحمل قول الحسن، هذه حقيقة النشرة الشركية
قال: فيتقرب الناشر والمنتشر إلى الشيطان بما يحب كما ذكرنا لكم سلفا فيبطل عمله عن المسحور هذه حقيقة النشرة الشركية
_ والثانية النشرة بالرقية والتعوذات والأدوية والدعوات المباحة :
فهذا جائز إذا تبين ذلك فإن حكم حل السحر بمثله أنه لا يجوز ومحرم بل هو شرك بالله -جل وعلا-؛
لأنه لا يحل السحر إلا ساحر.
بعض العلماء من أتباع المذاهب يرى جواز حل السحر بمثله إذا كان للضرورة كما قال فقهاء مذهب الإمام أحمد في بعض كتبهم وله أو ويجوز حل سحر بمثله ضرورة❌
وهذا القول ليس بصواب بل هو غلط؛
وهذا القول خطأ ..خطأ..
لأن الضرورة لا تكون جائزة ببذل الدين والتوحيد عوضا، عنها معروف أن الأصول الخمسة أولها حفظ، يعني:
التي جاءت بها الشرائع حفظ الدين، وما هو دونها مرتبة لا يبذل ما هو أعلى لتحصيل ما هو أدنى.
وضرورة الحفاظ على النفس هذه لا شك أنها من الضروريات الخمس لكنها دون حفظ الدين مرتبة؛
ولهذا لا يقدم ما هو أدنى على ما هو أعلى أو أن يبذل ما هو أعلى لتحصيل ما هو أدنى من الضروريات الخمس، والأنفس لا يجوز حفظها بالشرك، وهذا أن يموت وهو على التوحيد لا شك أنه خير له من أن يعافى وقد أتى بشرك بالله عزوجل،
والسحر لا يكون إلا بشرك والذي يأتي الساحر ويطلب منه حل السحر،
هذا معناه أنه رضي قوله وعمله ورضي أن يعمل به ذاك رضي أن يشرك ذاك بالله لأجل منفعته وهذا غير جائز،
فإذن تحصل أن السحر وقوعا وأن السحر نشرا لا يكون إلا بالشرك الأكبر بالله -جل وعلا-.
وعليه فلا يجوز أن يحل لا من جهة الضرورة ولا من جهة غير الضرورة من باب أولى بسحر مثله بل يحل وينشر بالرقى الشرعية.
النشرة لابن القيم _رحمه الله:
النُشرة: حل السحر عن المسحور،
وقد قسَّم ابن القيم -رحمه الله النُشرة إلى قسمين، فقال:
القسم الأول:
النشرة بالأدعية والتعوذات والقراءة :
فهذه جائزة ولا إشكال فيها.
القسم الثاني:
النشرة بالسحر :
بأن يذهب إلى السحرة يعينون له محل السحر الذي سُحر،
قال ابن القيم_رحمه الله :
هذا من عمل الشيطان، ولا يجوز، وأما قول بعض الناس: الضرورة تبيح المحرم. فهذه لا تبيح الشيء الذي يتعلق بالعقيدة، أرأيتم لو قيل لرجل مريض: إنه لا يشفى إلا إذا زنى، فهل يزني؟
لا يمكن أن يزني؛ لأن من شرط إباحة المحرمات عند الضرورة أن تزول الضرورة بذلك، على كل حال: هذه المسألة قسمها ابن القيم هذا التقسيم،
.... .... ....
شبهة من أجاز حَلَّ السحر بسحرٍ مثله !
شبهة من أجاز نشرة السحرة بأن عائشة – رضي الله عنها – لم تقصد بقولها: «هلا تنشرت؟» النشرة بالرقية الشرعية، وإنما تقصد بها فعل الساحر معللاً ذلك بأن الرسول صلي الله وعليه وسلم قد فعل النشرة الشرعية عندما قرأ المعوذتين.
الجواب:
قلت: الحديث صحيح، والاستدلال به على جَوَازِ نشرة السحر غلطٌ فاحشٌ ومنكرٌ من القول وزور!!! وبيان ذلك من وجوه:
_الأول: أن الحديث المذكور لا يدل على جواز نشرة السحرة البتة، وهذا نَصُّه أضعه بين يديك:
قال الإمام البخاري رحمه الله تعالى في الصحيح: «حدثني عبد الله بن محمد، قال: سمعت ابن عيينة يقول: أول من حدثنا به ابن جريج،
يقول: حدثني آل عروة، عن عروة، فسألت هشامًا عنه فحدثنا عن أبيه، عن عائشة – رضي الله عنها
قالت: كان رسول الله صلي الله وعليه وسلم_ سحر، حتى كان يرى أنه يأتي النساء، ولا يأتيهن.
قال سفيان: وهذا أشد ما يكون من السِّحْرِ إذا كان كذا.
فقال: «يا عائشة أعلمت أن الله قد أفتاني فيما استفتيته فيه؟
أتاني رجلان، فقعد أحدهما عند رأسي والآخر عند رجلي، فقال الذي عند رأسي للآخر: ما بال الرجل؟
قال: مطبوب. قال: ومن طبه؟
قال: لبيد بن أعصم رجل من بين زُرَريق حليفٌ ليهود، كان منافقًا قال: وفيم؟
قال: في مُشط ومشاقة.
قال: وأين؟ قال: في جُفًّ طلعةٍ ذكرٍ تحت رَعُوفةٍ في بئر ذروان.
قالت: فأتى النبي صلي الله وعليه وسلم البئر حتى استخرجه.
فقال: «هذه البئر التي رأيتها، وكأن ماءها نقاعة الحناء وكأن نخلها رؤوس الشياطين».
قال: فاستخرج. قالت: فقلت: (أفلا – أي تنشرت؟ فقال: «أما والله فقد شفاني، وأكره أن أثير على أحدٍ من الناس شرًا».
فانظر – أيها المسلم الكريم – هذا الحديث الشريف كلمة كلمة، وحرفًا حرفًا:
هل تجد فيه أو ترى أو تشم دليلاً أو شبه دليل
بأن عائشة – رضي الله عنها – لم تقصد بسؤالها المذكور في هذا الحديث النشرة الشرعية، وإنما تقصد النشرة التي هي بفعل السحرة؟!!
قلت: وكيف يكون مقصدها من سؤاله للنبي صلي الله وعليه وسلم نُشْرة السحرة،
وقد أخبرها قبل سؤالها بأنه صلب الله وعليه وسلم قد علم مكان السحر من بئر ذروان بوحي من الله سبحانه – وقد استخرجه، وعافاه الله منه.
فهذا الادِّعاء ممتنع؛ بل باطل قطعًا.
وعلى هذا يكون مراد عائشة ومقصدها من قولها:
(أفلا – أي انتشرت؟) هو نشر ما في الجُفَّ للناس وإشاعته بينهم يوضح هذا أمران:
أحدهما: إخبار النبي صلي الله وعليه وسلم لها قبل سؤالها هذا بأنه قد علم مكانه وأنه قد أخرجه، وعافاه الله منه.
والثاني: تعليله عدم الإخراج بكراهة أن يثير على أحد من الناس شرًا بنشرة بينهم وإشاعته، وقد يحتمل أن تريد به النشرة الشرعية.
وهذا ما عليه أئمة العلم وشراح الحديث، قال الحافظ في فتح الباري (10/235): قوله:
«قالت: فقلت أفلا - أي تنشرت؟»
وقع في رواية الحميدي:
«فقلت: يا رسول الله، فهلا؟
قال سفيان: (بمعنى تنشرت)
فبين الذي فسر المراد بقولها: (أفلا) كأنه لم يستحضر اللفظة فذكره بالمعنى، وظاهر هذه اللفظة أنه من النشرة» .
وكذا وقع في رواية معمر، عن هشام عند أحمد، فقالت عائشة:
«لو أنك» تعني تنشر، وهو مقتضى صنيع المصنف؛
حيث ذكر النشرة في هذه الترجمة، ويحتمل أن يكون من النشر بمعنى الإخراج، فيوافق رواية من رواه بلفظ: «فهلا أخرجتَه»؛
ويكون لفظ هذه الرواية: «هلا استخرجت» وحذف المفعول للعلم به، ويكون المراد بالمخرج ما حواه الجف، لا الجف نفسه.
ونُقِلَ مثلُ هذا عن المهلب
«ما محصله: أن الاستخراج المنفي في رواية أبي أسامة غير الاستخراج المثبت في رواية سفيان؛
فالمثبت هو استخراج الجف، والمنفي استخراج ما حواه، قال:
وكأن السَّرَّ في ذلك أن لا يراه الناس، فيتعلمه من أراد استعمال السحر.
قلت: وقع في رواية عمرة: فاستخرج جُفُّ من تحت راعوفة. وفي حديث زيد بن أرقم: فأخرجوه، فرموا به».
وقال أبو العباس شهاب الدين أحمد بن محمد القسطلاني في إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري (8/406):
«قالت عائشة - رضي الله عنها – فقلت له صلي الله وعليه وسلم :
(أفلا - أي تنتشرت؟)
وسقطت لفظة (أي) في بعض النسخ،
والنشرة: الرقية التي يحل بها عقدة الرجل عن مباشرة امرأته
فقال: أما بالتخفيف (والله) جُرَّ بواو القسم،
ولابن عساكر وأبوي الوقت وذَرَّ: (أمَّا الله - بتشديد الميم وحذف الواو والرفع - فقد شفاني)؛
أي من ذلك السحر، (وأكره أن أثير على أحد من الناس شرًا)،
وسبق في أن قال:
النشرة التي أجازها سعيد بن المسيب: أنها من النشرة؛ وهي ضرب من العلاج يعالج به من يظن أن به سحرًا أو شيئًا من الجن. قيل لها ذلك لأنه يكشف بها غمة ما خالطه من الداء» اهـ.
وقال في ترجيح رواية سفيان:
(والنظر يقتضي ترجيح رواية سفيان؛
لتقدُّمِهِ في الضبط، ويؤيده أن النشرة لم تقع في رواية أبي أسامة، والزيادة من سفيان مقبولة،
لأنه أثبتهم، ولا سيما أنه كرر استخراج السحر في روايته مرتين – يعني بالمرة الأخرى في قوله:
قال: فاستخرجه، فبعد من الوهم، وزاد ذكر (النشرة) وجعل جوابه صلي الله وعليه وسلم :
عنها بـ(لا) بدلاً عن الاستخراج المنفي في رواية أبي أسامة غير الاستخراج المثبت في رواية سفيان؛ فالمثبت هو استخراج الجُفَّ، والمنفي استخراج ما حواه، وكأن السر في ذلك أن لا يراه الناس، فيتعلمه من أراد السحر).
وقال ابن بطال في شرح صحيح البخاري (9/467) في ترجيح رواية سفيان بن عيينة:
(وفيه وجه آخر يحتمل أن يحكم بالاستخراج لسفيان، وحكم لأبي أسامة بقوله: (لا) على أنه استخرج الجُفَّ بالمشاقة، ولم يستخرج صورة ما في الجف من المشط، وما ربط به، لئلا يراه الناس، فيتعلموه إن أرادوا استعمال السحر، فهو عندهم مستخرج من البئر، وغير مستخرج من الجف).
إلى أن قال:
(واختلفوا في النشرة أيضًا، فذكر عبد الرزاق، عن عقيل بن معقل، عن همام بن منبه، قال: سئل جابر بن عبد الله عن النشرة؟
قال: (من عمل الشيطان)
وقال عبد الرزاق: قال الشعبي: لا بأس بالنشرة العربية التي لا تضر إذا وطئت: وهي: أن يخرج الإنسان في موضع عضاه، فيأخذ عن يمينه وشماله من كل ثم يدقه، ويقرأ فيه، ثم يغتسل به ... إلى أن قال: (وقولها: (هل تنشرت؟) يدل على جواز النشرة، كما قال الشعبي ...) .
ومما يؤكد عدم دلالة الحديث على جواز النشرة السحرية أنه جاء في صحيح الإمام مسلم (4/1719) رقم 2189/ كتاب السلام - باب السحر - أن عائشة أم المؤمنين – رضي الله عنها – قالت: فقلت: يا رسول الله، أفلا أحرقته؟ قال: «لا». أما أنا فقد عافاني الله، وكرهت أن أثير على الناس شرًا ...).
قال الإمام النووي – رحمه الله تعالى – في شرح مسلم (14/177):
فقلت: (يا رسول الله، أفلا أحرقته)
وفي الرواية الثانية: قلت: (يا رسول الله، فأخرجه) كلاهما صحيح، فطلبت أنه يخرجه، ثم يحرقه،
والمراد إخراج السحر.
فدفنها رسول الله صلي الله وعليه وسلم ، وأخبر أن الله تعالى قد عافاه، وأنه يخاف من إخراجه، وإحراقه، وإشاعة هذا ضررًا، وشرًا على المسلمين من تَذَكُّرِ السِّحْرِ، وتَعَلُّمِه، وشيوعِه، والحديث فيه، أو إبداء فاعله فيحمله ذلك، أو يحمل بعض أهله، ومحبيه والمتعصبين له من المنافقين وغيرهم على سحر الناس وأذاهم وانتصابهم لمناكدة المسلمين بذلك،
هذا من باب ترك مصلحة لخوف مفسدة أعظم منها، وهو من أهم قواعد الإسلام) .
وقال الإمام الحافظ أبو الفضل القاضي عياض – رحمه الله تعالى - في إكمال المعلم (7/91) في الحديث نفسه رقم 2189:
(فقلت: يا رسول الله، أفلا أحرقته؟)
يعني السحر. كذا الرواية عندنا في جميع النُّسَخِ ...
إلى أن قال:
«كرهت أن أثير على الناس شرًا، فَأَمَرْتُ بها فدفنت».
يريد والله أعلم يثير عليهم شرًا بإخراجها، واطلاع بعضهم عليها، وتعلم السحر وعمله لمن يراها، فأمر بدفن البئر؛
أي ردمها، ولا يبعد عندي صواب: (أحرقته) ولا يعترض عليه بما تقدم، بل لا يحرقه حتى يخرجه، فيخشى الوقوف عليه؛ بل أحرقته أظهر؛ لما أراد به من إفناء ذاته وإبطال عمله وما يتوقع من بقاء شره، مع بقائه، ولم يغيَّر.
وقد رواه بعضهم عن سفيان، وفيه: (فاستخرجه).
وقال في موضع آخر: (أفلا استخرجته) (أفلا تنشرت)؛ فرجح بعضهم رواية سفيان لحفظه،
وأن السؤال عن النشرة، وجمع بعضهم بين الروايتين، وأن إتيان الاستخراج من البئر، ونفيه من الجف، وهو الذي يثير على الناس بين المشاهدة صفة عُقَدِه وعمله، ثم يكون ردم البئر بعد هذا لما لعله يخشى أن يبقى فيها منه).
وقد قال القاضي في مشارق الأنوار على صحيح الآثار (2/36) في "ن ش ر":
(قوله: وتنشرت، وهلا تنشرت؟
النُّشرة بضم النون نوع من التطيب بالاغتسال على هيئة مخصوصة بالتجربة).
وبنحو ذلك قال القرطبي في المفهم (5/573) رقم 2129.
وقال الإمام المحدث عبد الرحمن السهيلي في الروض الأنف (4/404) في فقه حديث السحر:
(وأما ما فيه من الفقه، فإن عائشة قالت له:
(هلا تنشرت؟)
فقال: «أما أنا فقد شفاني الله، وأكره أن أثير على الناس شرًا».
وهو حديث مشكل في ظاهره، وإنما جاء الإشكال فيه من قبل الرواة؛
فإنهم جعلوا جوابين لكلامين كلامًا واحدًا، وذلك أن عائشة قالت له أيضًا:
(هلا استخرجته؟) أي
هلا استخرجت السحر من الجُفِّ والمشاطة حتى ينظر إليه).
فذلك قال: «وأكره أن أثير على الناس شرًا».
قال ابن بطال: كره أن يخرجه، فيتعلم منه بعض الناس، فذلك هو الشر الذي كره... إلى أن قال:
(وأما الفقه الذي أشرنا إليه، فهو إباحة النشرة، من قول عائشة:
(هلا تنشرت؟) ولم ينكر عليها قولها ... إلى أن قال: (ومن الناس من كره النشرة على العموم،
ونزع بحديث خرجه أبو داود مرفوعًا:
(أن النشرة من عمل الشيطان). وهذا في النشرة التي فيها الخواتم والعزائم، وما لا يفهم من الأسماء العجمية.
وبهذا البسط لأقوال أهل العلم بالحديث وشراحه وفقهائه اتضح وضوح الشمس في رابعة النهار أنه لا دليل فيه البتّة على ما ادعاه فضيلة المفتي؛
يؤيد هذا أني لا أعلم له فيما وقفت عليه دليلاً غيره يصلح للاحتجاج على جواز نشرة السحرة.
وبناءً على هذا فإنه يستحيل أن تقصد عائشة ما استفتت به رسول الله صلي الله وعليه وسلم نشرة السحرة وذلك من وجوه:
_ الأول:
أن الشرع ورد بالوعيد الشديد لمن قصد السحر لحل السحر عنه، وذلك مثل حديث عمران بن حصين رضي الله عنه عن رسول الله صلي الله وعليه وسلم
أنه قال:
«ليس منا من تطير أو تطير له أو تكهن أو تكهن له أو سحر أو سحر له». إسناده صحيح، رجاله ثقات.
وحديث أبي موسى رضي الله عنه أن النبي صلي الله وعليه وسلم قال:
«لا يدخل الجنة مدمن خمر، ولا مؤمن بسحر». صححه ابن حبان والحاكم.
وحديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال:
«من مشى إلى ساحر، أو كاهن، أو عراف، فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل الله على محمد صلي الله وعليه وسلم». رجاله ثقات.
وحديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلي الله وعليه وسلم قال:
«من سحر أو تسحر له، فليس منا ...» الحديث.
وحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلي الله وعليه وسلم :
قال: «اجتنبوا السبع الموبقات: الشرك بالله، والسحر ...» الحديث. متفق عليه.
_الثاني:
أنه قد تقرر عن عائشة وعند غيرها أن النبي صلي الله وعليه وسلم كان مجاب الدعوة،
فلا يمكن أن يخطر ببالها الاستفهام عن نشرة السحرة.
وأقرب مثال لكونه صلي الله وعليه وسلم مستجاب الدعوة هذه القضية؛
فقد دعا ربه فاستجاب له، فعافاه من داء السحر، وقصة المرأة السوداء التي تصرع، وتتكشف ودعاؤه لها أن لا تتكشف، متفق عليه.
_الثالث:
أن نُشرة السحرة من عمل الشيطان، حيث يتقرب الناشر والمنتشر إليه بما يحبط الأعمال من الشرك والكفر والفساد في الأرض، وقد بعث صلي الله وعليه وسلم بمحق ذلك، ونبذه، والتحذير منه، بل وأزهقت الأرواح من أجله.
_الرابع:
أن الله تعالى قد وعد، ووعده حق بأنه يبطل ما جاءت به السحرة من السحر،
وأول من يصدق ذلك ويعتقده نبيه صلي الله وعليه وسلم، ومثل عائشة لا يغيب عنها ذلك،
وقد جاء ذلك الوعد في سورة يونس يقول الله سبحانه وتعالى:
﴿ فَلَمَّا أَلْقَوْا قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ﴾ [يونس: 81].
_الخامس:
أن عائشة – رضي الله عنها – قالت:
«من أصابه بسرة، أو سم، أو سحر، فليأت الفرات، فليغتسل الجرية، فيغمس فيه سبع مرات».
وفي رواية: أنها سئلت عن النشر؟
فقالت: «ما تصنعون بهذا؟
هذا الفرات إلى جانبكم يستنقع فيه أحدكم، يستقبل الجرية» .
فهل مع هذا يقال: أنها تقصد نشرة الساحر؟!!!
هذا وقد نقل المفتي عن الحافظ أنه ذكر في الفتح (10/233، 234) كلام ابن القيم،
ومنه قوله: (فلما أوحي إليه أنه سحر، عدل إلى العلاج المناسب له، وهو استخراجه ولم يقل: اكتفى بالرقية) .
هذا الكلام بحروفه لم يوجد في الموضع الذي عزاه إليه.
وما مراده منه؛
اللهم إن كان يريد أن يعزز مذهبه بأن الرقية الشرعية لم تكفه في إخراج السحر وأن العلاج المناسب له استخراجه.
فإن كان هذا مراده فلا مانع من استخراج السحر إذا علم مكانه بدون ذهاب إلى السحرة؛
بدليل فعله صلي الله وعليه وسلم مع سحره؛
ولكن كلام ابن القيم في وادٍ، ومذهبه في واد.
وهاك نص كلام ابن القيم من زاد المعاد (4/126) في هديه صلي الله وعليه وسلم في علاج السحر بقوله:
(وكان استعمال الحجامة إذ ذاك من أبلغ الأدوية، وأنفع المعالجة، فاحتجم، وكان ذلك قبل أن يوحى إليه أن ذلك من السحر، فلما جاءه الوحي من الله تعالى، وأخبره أنه قد سحر، عدل إلى العلاج الحقيقي وهو استخراج السحر وإبطاله، فسأل الله – سبحانه - فدله على مكانه، فاستخرجه، فقام كأنما أنشط من عقال).
لم يذكر ابن القيم – كما ترى – الرقية الشرعية.
ونقله ابن مفلح في الآداب الكبرى (3/96) ولم يعزه لابن القيم، ولفظه:
(وكان استعمال الحجامة حينئذ من أنفع المعالجة، وكان ذلك قبل الوحي فلما جاءه الوحي أنه سحر عدل إلى العلاج الحقيقي، وهو استخراج السحر، وإبطاله، فدعا الله، فأعلمه به، فاستخرجه) .
فصل في الفرق بين النشرة السحرية الشركية وبين النشرة الشرعية والأدوية المباحة مما يزيل الإشكال
قال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب – رحمه الله تعالى – في كتاب التوحيد: (باب ما جاء في النشرة):
قلت:قال أبو سليمان الخطابي في معالم السنن (4/201) رقم 3868:
(النشرة ضرب من الرقية والعلاج يعالج به من كان يظن به مس من الجن). اهـ.
وقال أبو السعادات مجد الدين ابن الأثير في النهاية (5/54) وجامع الأصول (7/575) رقم 5727:
(النشرة كالتعويذ والرقية.
يقال: نشرته تنشيرًا إذا رقيته وعوذته،
وإنما سميت نشرة
لأنها ينشر بها عن المريض أي يحل عنه ما خمره من الداء. هذا لفظه في الجامع، ولفظه في النهاية:
(النشرة بالضم ضرب من الرقية والعلاج يعالج به من كان يظن أن به مسًا من الجن،
سميت نشرة لأنه ينشر بها عنه ما خامره من الداء؛
أي يكشف ويزال،
ومنه الحديث: (فلعل طبًا أصابه، ثم نشره بـ:
(قل أعوذ برب الناس)؛ أي رقاه،
والحديث الآخر: (هلا تنتشرت).
قال الشيخ سليمان بن عبد الله في تيسير العزيز الحميد ص364 تحت هذا الباب: (لما ذكر المصنف حكم السحر والكهانة ذكر ما جاء في النشرة؛
لأنها قد تكون مباحة كما سيأتي تفصيله).
ثم قال شيخ الإسلام: (عن جابر: أن رسول الله صلي الله وعليه وسلم؛
سئل عن النُّشرة فقال:
«هي من عمل الشيطان».
رواه أحمد بسند جيد، وأبو داود ).
في هذا الحديث:
(الألف واللام في (النشرة) للعهد؛
أي النشرة المعهودة التي كان أهل الجاهلية يصنعونها هي من عمل الشيطان؛
لا النشرة بالرقى والتعويذات الشرعية والأدوية المباحة؛ فإن ذلك جائز كما قرره ابن القيم).
قلت: وقول ابن القيم الذي أشار إليه الشيخ فقد ذكره في إعلام الموقعين (4/396) بلفظ:
(النشرة حل السحر عن المسحور، وهي نوعان:
حل سحر بسحر مثله، وهو الذي من عمل الشيطان؛
فإن السحر من عمله، فيتقرب إليه الناشر والمنتشر بما يجب، فيبطل عمله عن المسحور.
والثاني: النشرة بالرقية الشرعية والتعوذات والأدوية المباحة؛ فهذا جائز، بل مستحب، وعلى النوع المذموم يحمل قول الحسن (لا يحل السحر إلا ساحر).
وقال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب – رحمه الله – بعد سياقه لقول ابن القيم: هذا فيه مسائل:
1- النهي عن النشرة.
2- الفرق بين المنهي عنه والمرخص فيه مما يزيل الإشكال). اهـ.
وقال الإمام البيهقي في السنن الكبرى (9/351):
(باب النشرة، ثم ساق تعريف الخطابي لها آنف الذكر، وحديث جابر هذا ثم قال:
(والقول فيما يكره من النشرة، وفيما لا يكره كالقول في الرقية، وقد ذكرناه). اهـ.
قلت: ولفظه في الرقية الذي ذكره – كما في نفس الصفحة هكذا:
(وهذا كله يرجع إلى ما قلنا من أنه إن رقى بما لا يعرف أو على ما كان من أهل الجاهلية من إضافة العافية إلى الرقى لم يجز، وإن رقى بكتاب الله أو بما يعرف من ذكر الله متبركًا به وهو يرى نزول الشفاء من الله تعالى فلا بأس به).
قلت: وقد غلط في هذا الباب بعض الناس؛
حيث نسب إلى بعض أهل العلم القول بجواز سؤال السحرة حل السحر عن المسحور؛
وذلك لعدم تفريقه بين النشرة الجائزة التي أفتى بجوازها العلماء، وبين النشرة التي هي من عمل الشيطان؛
فقد جاء في جريدة (المدينة – الرسالة 4 جمادى الآخرة 1427هـ الموافق 30 يونيو 2006م ما نصه:
(سعيد بن المسيب والحسن البصري والإمام أحمد وابن الجوزي والبخاري أجازوا حل السحر من قبل ساحر...).
ثم قال:
(قال الإمام البخاري – رحمه الله– باب هل يستخرج السحر؟
وقال قتادة: قلت لسعيد بن المسيب: رجل بن طب أويؤخذ عن امرأته؟
أيحل عنه أو ينشر؟
قال: لا بأس به؛ إنما يريدون به الإصلاح.
فأما ما ينفع الناس فلم ينه عنه، وذكر البخاري رواية أخرى عن عائشة رضي الله عنها قالت: فأتى النبي صلي الله وعليه وسلم البئر حتى استخرجه.
فقال: «هذه البئر التي أريتها، وكأن ماءها ناقعة الحناء، وكأن نخلها رؤوس الشياطين».
قال: فاستخرج. قالت: فقلت أفلا؟ أي تنشرت؟
فقال: «أما والله فقد شفاني الله، وأكره أن أثير على أحد من الناس شرًا».
قال الحافظ ابن حجر في شرحه:
(وصدَّر – أي البخاري – بما نقله عن سعيد بن المسيب من الجواز إشارة على ترجيحه،
قال الحافظ: وأخرجه الطبري في التهذيب من طريق يزيد بن زريع عن قتادة، عن سعيد بن المسيب، أنه كان لا يرى بأسًا إذا كان بالرجل سحر أن يمشي إلى من يطلق عنه.
فقال: هو صلاح.
قال قتادة: وكان الحسن يكره ذلك، يقول: لا يعلم ذلك إلا ساحر) قال:
فقال سعيد بن المسيب: (إنما نهى الله عما يضر ولم ينه عما ينفع). وقد أخرج أبو داود في المراسيل عن الحسن رفعه: (النشرة من عمل الشيطان، ووصله أحمد وأبو داود بسند حسن، عن جابر).
قال ابن الجوزي _رحمه الله :
النشرة حل السحر عن المسحور، ولا يكاد يقدر عليه إلا من يعرف السحر، وقد سئل أحمد عمن يطلق السحر عن المسحور فقال: لا بأس به وهذا هو المعتمد).
وقد سبق قبل هذا أنه وعد بذكر الأدلة ونصوص الفقهاء، فهذه أدلته.
فهذا ما أبانه وكتبه ووعد بذكره من النصوص عن المذكورين، هل ترى فيها دليلاً نصًا أو ظاهرًا على جواز حل السحرة عن المسحور، أو دليلاً نصًا أو ظاهرًا عن واحد منهم أنه أجاز نشرة السحرة؟
فإذا نظرت إليها لم تجد فيها أكثر من نفي بعضهم البأس عن الحل والنشرة، وعمن يطلق السحر، والاستخراج والانتشار اللذين سألتهما عائشة النبي صلي الله وعليه وسلم فقط.
فإذا كانت أجوبة هؤلاء الأئمة ليس فيها دليل .. لا نصًا ولا ظاهرًا على جواز سؤال السحرة حلَّ ونشر السحر عن المسحور لم يبق إلا أن يكون مرادهم بذلك النفي النشرة التي ليست من عمل الشيطان ليس إلا، وذلك من وجوه:
_الأول:
أن بقية كلام الحافظ المذكور في نفس الجزء والصفحة يؤيد هذا، فقال:
ما نصه: (قوله: أو ينشّر) بتشديد المعجمة من النُّشرة بالضم، وهي
: ضرب من العلاج يعالج به من يظن أن به سحرًا أو مسًا من الجن؛
قيل لها ذلك لأنه يكشف بها عنه ما خالطه من الداء).
_ الثاني:
قوله رحمه الله: (ويوافق قول سعيد بن المسيب ما تقدم في باب الرقية الشرعية في حديث جابر عند مسلم مرفوعًا: «من استطاع أن ينفع أخاه فليفعل».
قلت: وقيد هذا النفع بما رواه مسلم أيضًا في الصحيح من حديث عوف بن مالك الأشجعي، قال: كنا نرقي في الجاهلية فقلنا: يا رسول الله، كيف ترى في ذلك؟
فقال: «اعرضوا عليَّ رقاكم، لا بأس بالرقي ما لم يكن فيه شرك».
_الثالث:
قول الحافظ أيضًا: (ويؤيد مشروعية النُّشرة ما تقدم في حديث «العين حق»، في قصة اغتسال العائن).
قلت: وقصة اغتسال العائن ذكرها الحافظ في الفتح أيضًا: (10/204)،..
وملخَّصُها: أن عامر بن ربيعة عان سهل بن حُنيف، فلبط سهل، فقال:
«علام يقتل أحدكم أخاه، هلا إذا رأيت ما يعجبك بَرَّكْتَ»،
ثم قال: «اغتسل له»، فغسل وجهه ويديه ومرفقيه وركبتيه وأطراف رجليه وداخلة إزاره في قدح، ثم صب ذلك الماء عليه رجل من خلفه على رأسه وظهره، ثم يكفأ القدح، ففعل به ذلك، فراح سهل مع الناس ليس به بأس).
ثم أخذ الحافظ يذكر أنواعًا للنُّشْرة، وليس فيها شيء من عمل الشيطان.
إذا تقرر هذا، فإليك كشف شبه من نسب إليه القول بجواز النشرة السحرية الشركية من أهل العلم، وذلك على النحو التالي:
فصل في قول ابن الجوزي في تعريف النشرة
جاء في النهاية في غريب الحديث لابن الجوزي 2/408 أنه قال:
(سئل رسول الله صلي الله وعليه وسلم عن النشرة؟
فقال: «من عمل الشيطان».
النشرة إطلاق السحر عن المسحور، ولا يكاد يقدر على ذلك إلا من يعرف السحر، ومع هذا فلا بأس بذلك).
قلت: وهذا من غرائب ابن الجوزي؛
كيف يحكي عن الرسول أنه حكم على النشرة أنها من عمل الشيطان ومن العلم المقطوع به أن عمل الشيطان كله بأس.
ثم يذكر أنه لا بأس بنشرة السحر التي هي من عمل الشيطان؟!
لكن لعله – رحمه الله – نزع إلى ما نسب للإمام أحمد بلفظ: (وقد سئل أحمد عمن يطلق السحر
فقال: لا بأس به). وهذا لا يصح عنه .
فصل فيما روي عن سعيد بن المسيب – رحمه الله – في الحل والنشر عن المسحور
اعلم أن جميع ما روي عن سعيد في ذلك قد رواه عنه الإمام الحافظ التابعي الكبير قتادة بن دعامة، ورواه عن قتادة جماعة من أصحابه، وهم هشام بن أبي عبد الله سَنْبَر الدستوائي، وسعيد بن أبي عروبة وأبان بن يزيد العطار، وأبو عوانة الوضاح بن عبد الله اليشكري وشعبة بن الحجاج.
أما رواية هشام، فعند ابن أبي شيبة في المصنف (8/27) رقم 23870، وابن عبد البر في التمهيد (6/244)، وعند الحافظ ابن حجر في تغليق التعليق (5/49)، وعزاه الحافظ في المصدر نفسه (5/50) لإبراهيم الحربي في غريب الحديث، وعلقه البخاري في الصحيح (7/29)، ألفاظ حديث هشام.
قلت لسعيد: رجل طب بسحر يَحلُّ عنه؟
قال: نعم؛
من استطاع أن ينفع أخاه فليفعل. هذا لفظ ابن أبي شيبة وإبراهيم الحربي عن قتادة عن سعيد بن المسيب في الرجل يؤخذ عن امرأته، فيلتمس من يداويه،
قال: إنما نهى الله عما يضر؛
ولم ينه عما ينفع.
هذا لفظ ابن عبد البر والحافظ ابن حجر.
إذا تقرر هذا فانظر وتأمل في إمام كبير مثل سعيد بن المسيب،
هل يليق بمثله أن يجيز تداوي المسحور بالسحر الضار بالدِّين لا محالة ولا نفع فه البتة؛
كما هو صريح القرآن:
﴿ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ ﴾ [البقرة: 102].
وأما رواية أبي عوانة اليشكري فأخرجها الحافظ في تغليق التعليق (5/50) بلفظ:
(وقال سعيد بن منصور، ثنا أبو عوانة عن قتادة سألت سعيد بن المسيب عن النشرة؟ فلم ير بها بأسًا).
وأما رواية شعبة فأخرجها ابن أبي شيبة في المصنف (8/24) رقم 23859 بلفظ:
(قال شعبة: أخبرنا قتادة عن سعيد بن المسيب،
قال: سألته عن النشر، فأمرني بها، قلت: أرويها عنك؟ قال: نعم. وأما رواية أبان العطار فأخرجها الحافظ في تغليق التعليق (5/50) بلفظ:
ثنا أبان عن قتادة عن سعيد بن المسيب في الرجل يُؤخَّذ عن امرأته فينشر عنه؟ قال: لا بأس؛
إنما يريدون الإصلاح).
وأما رواية سعيد بن أبي عروبة فأخرجها أبو جعفر بن جرير في تهذيب الآثار كما في تغليق التعليق للحافظ ابن حجر (5/49) بلفظ:
(ثنا حميد بن مسعدة ثنا يزيد بن زريع ثنا سعيد عن قتادة عن سعيد بن المسيب، أنه كان لا يرى بأسًا إذا كان الرجل به سحر أن يمشي إلى من يطلق ذلك عنه؛ قال: هو صالح.
قال: وكان الحسن يكره ذلك، ويقول: لا يعلم ذلك إلا ساحر.
قال: فقال سعيد بن المسيب: لا بأس بالنشرة؛
إنما نهى عما يضر، ولم ينهه عما ينفع).
قال الحافظ: إسناده صحيح.
قوله: لا بأس به ... إلخ
يعني أن النشرة لا بأس بها؛
لأنهم يريدون به الإصلاح؛
أي إزالة السحر، ولم ينه عما يراد به الإصلاح؛
إنما ينهى عما يضر، وهذا الكلام من ابن المسيب يحمل على نوع من النشرة لا يعلم هل هو نوع من السحر أم لا؟
فأما أن يكون ابن المسيب يفتي بجواز قصد الساحر الكافر المأمور بقتله ليعمل، فلا يظن به ذلك، حاشاه منه، ويدل على ذلك قوله: (إنما يريدون به الإصلاح)؛ فأي إصلاح في السحر؟ بل كله فساد وكفر). اهـ.
فصل فيما نقل عن الإمام البخاري وسعيد بن المسيب من القول بجواز سؤال السحرة حل السحر عن المسحور
اعلم أنه نُقِلَ عن الإمام البخاري أنه نَقَلَ عن سعيد بن المسيب القول بجواز إتيان السحرة لحل سحرهم عن المسحور،
وممن نقل ذلك عن البخاري ابن بطال في شرحه صحيح البخاري (9/467) فقال ما نصه:
(واختلف السلف: هل يسأل الساحر عن حل السحر عن المسحور؟
فأجازه سعيد بن المسيب–على ما ذكره البخاري وكرهه الحسن،
وقال: لا يعلم ذلك إلا ساحر، ولا يجوز إتيان الساحر؛
لما روى سفيان عن أبي إسحاق عن هبيرة عن عبد الله بن مسعود قال:
(من مشى إلى ساحر أو كاهن فصدقه بما يقول:
فقد كفر بما أنزل على محمد صلي الله وعليه وسلم )
ثم تتابع العلماء على نقل هذا القول عن الإمام البخاري تقليدًا لابن بطال، وممن نقل هذا القول الإمام القرطبي في الجامع لأحكام القرآن (1/439)
فقال:
(واختلفوا هل يسأل الساحر حلَّ السحر عن المسحور؛ فأجازه سعيد بن المسيب على ما ذكره البخاري).
وقال الحافظ ابن كثير في تفسير القرآن العظيم (1/141):
مسألة:
وهل يسأل الساحر حلاً لسحره، فأجازه سعيد بن المسيب فيما نقله البخاري
وقال ابن حجر الهيثمي في الزواجر (2/104):
(قال القرطبي: هل يسأل الساحر حلَّ السحر عن المسحور؟
قال البخاري: عن سعيد بن المسيب رضي الله عنه يجوز، وإليه مال المازري، وكرهه الحسن البصري). اهـ.
فانظر كيف تتابع هؤلاء العلماء الكبار على عزو هذا القول للإمام البخاري؛
مع أن نقل البخاري عن سعيد لا يساعد على ذلك؛ لوجوه:
_الأول:
أن البخاري – رحمه الله – قال في صحيحه (7/29): بابٌ: هل يستخرج السحر؟
وقال قتادة لسعيد بن المسيب: رجل به طب، أوْ يؤخذ عن امرأته. أيحل عنه أو ينشر؟
قال: لا بأس به؛
إنما يريدون به الإصلاح، فأما ما ينفع فلم ينه عنه...
ومما يدلك على أن مراد سعيد بالجواز المذكور قول القرافي في الفروق (4147) الفرق 242:
(الرقية لما يطلب به النفع، أما ما يطلب به الضرر، فلا يسمى رقية، بل هو سحر). اهـ.
وأيضًا فجواب سعيد بن المسيب – رحمه الله–
ليس فيه أكثر من جواز الحل والنشر عن المسحور، والحل والنشر عن المسحور ليس خاصًا،
ولا مقصورًا ولا محصورًا على حل ونشر السحرة؛
فقد تقدم التعريف بالنُّشْرة الشرعية؛
بأنها:
(رقية المريض وتعويذه. يقال:
نشرته تنشيرًا إذا رقيته، وعوذته، وإنما سميت نشرة؛
لأنها ينشر بها عن المريض؛
أي يحل عنه ما خامره من الداء).
إذا تقرر هذا فمن أين يفهم أن سعيد بن المسيب أجاز إتيان السحرة لحل السحر عن المسحور؟!
يؤيد هذا أنه تقدم سياق ألفاظ سؤال قتادة لسعيد وجواب سعيد ، وليس فيه ما يدل على جواز إتيان السحرة لحل السحر عن المسحورة أيضًا.
_الوجه الثاني:
أن فتوى سعيد هذه أوردها الإمام البخاري في باب (هل يستخرج السحر)،
وقد اختلف في استخراج سحر النبي صلي الله وعليه وسلم ما المراد به في هذا الحديث؛
أما إذا علم مكان السحر ومواضعه فإنه يجوز إخراجه وإبطاله بدون إتيان السحرة؛ بدليل استخراج النبي صلي الله وعليه وسلم سحره بعد علمه به كما في حديث عائشة الذي أورده البخاري في هذا الباب.
_الوجه الثالث:
أن عائشة قالت في هذا الحديث الوارد في هذا الباب: (أفلا تنشرت؟ فقل صلي الله وعليه وسلم:
«أما والله فقد شفاني ... الحديث».
والنشرة :
في عُرْفِ عائشة رضي الله عنها جائزة،
وليس فيها شيء من السحر؛ فقد سئلت عنها – كما تقدم - فأجابت عنها بأنها :
الانغماس في الفرات سبع مرات باستقبال الحرية،
ولهذا قال الإمام ابن القيم – رحمه الله- في جواب قول عائشة هذا وجواب سعيد في كتابه تفسير المعوذتين ص31:
(قالت عائشة: فقلت: (أفلا – أي تنشرت؟ -
من النُّشرة بالضم:
علاج يعالج به المسحور – قال:
«أما والله فقد شفاني، وأكره أن يثيرَ على أحد أحدٌ من الناس شرًا»؛
ففي هذا الحديث أنه استخرجه،
وترجم البخاري عليه: (باب هل يستخرج السحر،
وقال قتادة: قلت لسعيد:
رجل به طب أوْ يؤخذ عن امرأته)؛
أي يحبس دون جماعها. (أيحل عنه أو ينشر)
أي يعالج؟ قال: لا بأس به؛
إنما يريدون به الإصلاح؛ فأما ما ينفع الناس فلم ينه عنه).
فهذه ألفاظ فتوى الإمام سعيد بن المسيب – رحمه الله تعالى - كما ترى؛
هل يفهم منها أنه أجاز نُشْرة السحرة عن المسحور، أو أجاز سؤال الساحر حلَّ السحر عن المسحور؟!
_الوجه الرابع:
أن هذا النقل المنسوب للإمام البخاري –رحمه الله– بأن سعيد بن المسيب يقول بجواز سؤال السحرة حلَّ السحر عن المسحور ليس له أساس من الصحة
فقد تهدَّمَ بُنْيانه، وقُوِّضت خيامه،
وصدق الله إذ يقول:
﴿ وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا ﴾ [الإسراء: 81].
فهذا الإمام أبو عبد الله القرطبي :
وهو ممن نقل عن الإمام البخاري، عن سعيد بن المسيب القول بجواز نُشْرة السحرة – يوضح ويفصح عن مراد سعيد بن المسيب في جوابه المذكور؛
فقد قال في المصدر نفسه (5/3934) ما نصه:
(اختلف العلماء في النُّشْرَة :
وهي أن يكتب شيئًا من أسماء الله أو من القرآن،
ثم يغسله بالماء، ثم يمسح به المريض أو يسقيه،
فأجازها سعيد بن المسيب، قيل له:
الرجل يؤخذ عن امرأته. أيحل عنه وينشر؟
قال: لا بأس به، وما ينفع لم ينه عنه،
ولم ير مجاهد أن تكتب آيات من القرآن، ثم تغسل، ثم يسقاه صاحب الفزع،
وكانت عائشة تقرأ بالمعوذتين في إناء، ثم تأمر أن يصب على المريض.
وقال المازري أبو عبد الله:
النَّشْرة أمر معروف عند أهل التعزيم،
وسميت بذلك لأنها تنشر عن صاحبها؛
أي تَحُلُّ. ومنعها الحسن وإبراهيم النخعي ... إلى أن قال: والنشرة من جنس الطب؛ فهي غسالة شيء له فضل). اهـ.
قلت: لقد تظاهرت هذه الأوجه الأربعة – كما ترى – على بطلان هذه النسبة المزعومة لسعيد. بهذا تعلم:
فلا سعيد قال، ولا البخاري نَقَلَ عن سعيد الجواز المزعوم.
وعلى هذا فقد بطل الأصل، وإذا بطل الأصل بطل الفرع ولا بد .
فصل فيما روي عن الحسن البصري في النشرة
جاء في فتح الباري (10/233): قال قتادة: وكان الحسن يكره ذلك يقول: لا يعلم ذلك إلا ساحر). اهـ.
وجاء في الآداب الشرعية (3/73) لابن مفلح:
(وقد قال الحسن: لا يطلق السحر إلا ساحر إلا أنه لا يجوز ذلك).
وقال سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب – رحمهم الله – في كتابه تيسير العزيز الحميد ص367: (نقل ذلك ابن الجوزي عن الحسن بغير إسناد). اهـ.
قال الحافظ في الفتح (10/233):
(وقد أخرج أبو داود في المراسيل عن الحسن رفعه، النشرة من عمل الشيطان).
فهذا جميع ما نقل عن الحسن رحمه الله تعالى، فهل ترى فيه كلمة أو حرفًا يشم منه أنه أجاز النشرة السحرية؟!!
قال الإمام موفق الدين عبد اللطيف البغدادي في كتابه (الطب من الكتاب والسنة) ص233:
(وأما النشرة :
وهو ماء يرقَّى، ويترك تحت السماء، يغسل به المريض فقال أحمد: كان ابن مسعود يكره ذلك، وذكره أبو داود في كتاب المراسيل بإسناده، قال: سألت الحسن عن النُّشْرة فقال: (ذكر لي عن النبي صلي الله وعليه وسلم أنها من عمل الشيطان).
قلت: روى ابن أبي شيبة في المصنف (8/25) رقم 2363، وأبو داود في المراسيل ص319 رقم 453، والحاكم في المستدرك (4/418) والطبراني في الأوسط – كما في مجمع البحرين للهيثمي (7/132 رقم 418، والبزار في المسند (13/225) رقم 6709 من طرق عن شعبة، عن أبي رجاء محمد بن سيف عن الحسن البصري،
قال: سئل أنس عن النُّشْرة فقال: ذكروا أنها من عمل الشيطان).
قال الحاكم: هذا حديث صحيح، وأبو رجاء هو مطر الوراق، وأقره الذهبي.
وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (5/102):
رجال البزار رجال الصحيح.
وجزم أبو حاتم الرازي كما في العلل لابنه عبد الرحمن (2/295) رقم 2393 أن الحديث ليس مرفوعًا، وإنما هو من كلام الحسن، وقيله).
قلت: وأبو رجاء هو محمد بن سيف الحداني الثقة – كما عند البزار – وليس هو مطر الوراق، كما عند الحاكم.
ورواه ابن أبي شيبة أيضًا في المصنف (8/25) رقم 23862، والخطابي في معالم السنن (4/201) رقم 3868 من طرق، عن الحكم بن عطية، قال: سمعت الحسن، وسئل عن النُّشر فقال: (سحر).
ونقل ابن بطال في شرح صحيح البخاري (9/467) عن الحسن البصري أنه قال:
(لا يجوز إتيان الساحر؛
لما روى سفيان عن أبي إسحاق عن هبيرة، عن عبد الله بن مسعود قال:
(من مشى إلى ساحر أو كاهن فصدقه بما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمد صلي الله وعليه وسلم).
فصل في مذهب الإمام أحمد في علاج المسحور
جاء في المغني للإمام ابن قدامة – رحمه الله – في المغني (12/304) والكافي (5/334):
(وأما من يحل السحر، فإن كان بشيء من القرآن أو شيء من الذكر والأقسام والكلام الذي لا بأس به فلا بأس به، وإن كان بشيء من السحر، فقد توقف أحمد عنه. قال الأثرم:
سمعت أبا عبد الله سئل عن رجل يزعم أنه يحل السحر، فقال: قد رخص فيه بعض الناس.
قيل: إنه يجعل في الطنجير ماءً، ويغيب فيه، ويعمل كذا؟ فنفض يده كالمنكر،
وقال: ما أدري ما هذا؟
قيل له: فترى أن يؤتى مثل هذا يحل السحر؟ فقال: ما أدري ما هذا).
وكذلك ما روي عن الإمام أحمد من إجازة النُّشرة؛
فإنه محمول على ذلك، وغلط من ظن أنه أجاز النشرة السحرية، وليس في كلامه ما يدل على ذلك؛
بل لما سئل عن الرجل يحل السحر؟
قال: قد رخص فيه بعض الناس.
قيل: إنه يجعل في الطنجير ماءً، ويغيب فيه؟
فنفض يده، وقال: لا أدري ما هذا؟
قيل له: أفترى أن يؤتى مثل هذا؟
قال: لا أدري ما هذا. وهذا صريح في النهي عن النشرة على الوجه المكروه، وكيف يجيزه وهو الذي روى الحديث: أنها «من عمل الشيطان»؛
لكن لما كان لفظ النشرة مشتركًا بين الجائز والتي من عمل الشيطان ورأوه قد أجاز النشرة ظنوا أنه قد أجاز التي من عمل الشيطان، وحاشاه من ذلك).
وجاء في الفروع للإمام ابن مفلح –رحمه الله– (6/178):
(وتوقف الإمام أحمد في الحل بسحر، وفيه وجهان، وسأله منها عمن تأتيه مسحورة، فيطلقه عنها؟
قال: لا بأس).
قال الخلال: إنما كره أحمد فعاله، ولا يرى به بأسًا كما بينه هنا، وهذا من الضرورة التي يبيح فعلها).
قلت: وفي صحة هذا عن أحمد نظر من وجوه:
_الأول:
أن إتيان المسحور الساحر ليحلّ عنه السحر يؤدي إلى الشرك والكفر، والشرك والكفر لا يجوز التداوي بهما بلا خلاف.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – في مجمع الفتاوى (19/61):
(والمسلمون وإن تنازعوا في جواز التداوي بالمحرمات كالميتة والخنزير فلا يتنازعون في أن الكفر والشرك لا يجوز التداوي به بحال؛
لأن ذلك محرم في كل حال).
_الثاني:
أن حلَّ السحر عن المسحور بسحر مثله فيه معاونة للساحر وإقرار له على عمله، وتقرّب إلى الشيطان بأنواع القرب؛
ليبطل عمله عن المسحور. أفاده حافظ حكمي في معارج القبول ص530.
_الثالث:
أن الناشر والمنتشر كل منهما يتقرب إلى الشيطان بما يحب من ذبح شيء، أو السجود له أو غير ذلك، فإذا فعل ذلك ساعد الشيطان وجاء إلى إخوانه الشياطين الذين عملوا ذلك العمل، فيبطل عمله عن المسحور، وهذا كفر؛
أفيُعمل الكفر لتحيا نفس مريضة أو مصابة مع أن الغالب في المسحور أنه يموت أو يختل عقله؟!.
_الرابع:
أن الإمام أحمد نَصَّ على قتل الساحر؛
فقد جاء في مسائله برواية إسحاق بن هانئ (2/93): وسألته عن الساحر والساحرة يقتلان؟
قال: نعم؛
إذا أبان ذلك بأحد منهما، وعُرِفا به مرارًا وأَقَرَّا على أنفسهما).
وجاء في مسائله برواية ابنه عبد الله ص427:
سمعت أبي يقول:
إذا عرف بذلك فَأَقَرَّ يقتل؛ يعني الساحر).
وجاء في مسائله ومسائل إسحاق بن راهويه برواية إسحاق بن منصور المروذي (7/3476) رقم 2503: قلت لأحمد:
(الساحر والساحرة؟ قال: يقتلان).
فإن كان الإمام أحمد - رحمه الله - يفتي بقتل الساحر، فإنه يمتنع أن يفتي بجواز سؤاله حَلَّ السحر عن المسحور؛
لأن الفتوى بجواز سؤاله إقرار له على بقائه.
فهذه الوجوه الأربعة قد تواطأت وتظاهرت على عدم صحة القول إلى الإمام أحمد - رحمه الله – أنه يجيز للمسحور حلَّ سحره عند السحرة.
يؤيد هذا ما جاء في الإنصاف للمرداوي –رحمه الله – (10/350) بقوله:
(فائدة: من اعتقد أن السحر حلال كفر قولاً واحدًا).
وقول في حكم السحر؛ فقد قال ما نَصُّه:
(وتعلُّمُه، وتعليمه وفعله حرام بلا نزاع، ومعتقد حِلَّهِ كافر إجماعًا).
قلت: وعلى هذا يكون القول بجواز حَلَِّ السحر بسحر مثله ذريعة إلى استحلال الشكر والكفر بالتداوي عند السحرة.
فصل فيما أطلقت عليه النُّشْرة عند أهل العلم :
ضابط النُّشرة وما ورد فيها من الآثار التي دلت على أنها من عمل الشيطان، وأنها سحر؛
ولكن نرى أن أهل العلم أطلقوها على كيفيات متنوعة، ومن الأَوْلَى ذِكْرُ ما تَيَسَّرَ مِنْها هاهنا؛
ليُعْلَمَ الجائزُ منها وغيرُ الجائز؛
وذلك بعَرْضِها على ضابط النُّشرة الشرعية.
وقبل أن نشرع في ذلك ينبغي أن يُعْلَمَ أن الأخبار الواردة بأن النُّشرة من عمل الشيطان المراد بها النُّشرة المعهودة في الجاهلية؛
قوله: «سئل عن النُّشْرَة»:
الألف واللام في النُّشرة للعهد؛ أي النُّشرة المعهودة التي كان أهل الجاهلية يصنعونها، هي من عمل الشيطان لا النُّشرة بالرقى والتعوُّذات الشرعية والأدوية المباحة؛ فإن ذلك جائز كما قرره ابن القيم. اهـ.
يعني بذلك ما ذكره ابن القيم في أعلام الموقعين (4/396) بلفظ:
(النُّشرة حلُّ السحر عن المسحور، وهي نوعان:
_حل سحر بسحر مثله، وهو الذي من عمل الشيطان، فإن السحر من عمله؛
فيتقرب إليه الناشر والمنتشر بما يجب، فيبطل عمله عن المسحور.
_والثاني:
النُّشرة بالرقية الشرعية والتعوذات والأدوية المباحة، فهذا جائز، بل مستحب، وعلى النوع المذموم يُحمل قول الحسن: (لا يحل السحر إلا ساحر).
1- قال الإمام عبد الرزاق في المصنف (11/13/19763):
وقال الشعبي: لا بأس بالنُّشرة العربية التي لا تضرُّ إذا وطئت؛ والنُّشرة العربية:
أن يخرج الإنسان في موضع عضاه فيأخذ عن يمينه وشماله من كل ثم يدقُّه، ويقرأ فيه، ثم يغتسل به
2- وقال عبد الرزاق أيضًا (11/ 13):
وفي كتب وهب: أن يؤخذ سبع ورقات من سدر أخضر، فيدقه بين حجرين، ثم يضربه في الماء، ويقرأ فيه آية الكرسي، وذوات قل، ثم يحسو منه ثلاث حسوات، ويغتسل به؛
فإنه يذهب عنه كل ما به وهو جيد للرجل إذا حبس عن أهله
3- الانغماس في الفرات سبع مرات؛
قال ابن أبي شيبة في المصنف (8/25) رقم 23864: حدثنا عثام بن علي عن الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة قالت:
من أصابه بُسْرَةٌ أو سم أو سحر، فليأت الفرات، فليستقبل الجرية فيغمس فيه سبع مرات.
وقال ابن أبي شيبة أيضًا في المصنف (8/24) رقم 23860:
حدثنا يزيد قال: أخبرنا ابن عون، عن إبراهيم، عن الأسود، أن أم المؤمنين عائشة سئلت عن النشر,
فقالت: (ما تصنعون بهذا؟
هذا الفرات إلى جانبكم يستنقع فيه أحدكم يستقبل الجرية). وأخرجه ابن عبد البر في التمهيد (6/245) كذلك.
4- ونقل عبد الرزاق في المصنف (11/14) بعد رقم 19768 عن معمر بن راشد أنه قال في الرجل يجمع السحر يغتسل به إذا أقرأ عليه القرآن: فلا بأس به
5- ومما جاء في صفة النُّشرة الجائزة ما رواه أبن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ليث بن أبي سليم قال:
بلغني أن هؤلاء الآيات شفاء من السحر بإذن الله تقرأ في إناء فيه ماء، ثم تصب على رأس المسحور، الآية التي في سورة يونس:
﴿فَلَمَّا أَلْقَوْا قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ * وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ﴾
[يونس: 81-82].
وقوله: ﴿ فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ * وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ * قَالُوا آَمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾
[الأعراف: 118-121].
وقوله: ﴿ وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى ﴾
[طه: 69].
6- وقال العلامة ابن مفلح في الآداب الشرعية والمنح المرعية (3/73):
(فصل في النُّشرة وهو ماء يرقَّى، ويترك تحت السماء، ويُغسَل به المريض).
7- وقال الحافظ في الفتح (10/233):
(ثم وقفت على صفة النُّشرة في (كتاب الطِّب النَّبوي) لجعفر المستغفري قال:
وجدت في خط (نصوح بن واصل) على ظهر جزء من (تفسير قتيبة بن أحمد البخاري) قال: قال قتادة لسعيد بن المسيب:
رجل به طب أوْ يُؤْخَذُ عَنِ امْرَأتِه، أَيَحِلُّ له أن ينشِّر؟ قال: لا بأس؛
يريد به الإصلاح، فأما ما ينفع فلم ينه عنه، قال نصوح: فسألني حماد بن شاكر: ما الحَلُّ، وما النُّشرة؟
فلم أعرفهما، فقال: هو الرجل إذا لم يقدر على مجامعة أهله، وأطاق ما سواها؛
إن المبتلى بذلك يأخذ حزمة قضبان، وفأسًا ذا قطارين، ويضعه في وسط تلك الحزمة حتى ما حمت الفأس استخرجه من النار، وبال على حره، فإنه يبرأ بإذن الله تعالى،
وأما النُّشْرة :
فإنه يجمع أيام الربيع ما قدر عليه من ورد المفازة وورد البساتين ثم يلقيها في إناء نظيف، ويجعل فيهما ماء عذبًا؛ ثم يغلي تلك الورود في الماء غليًا يسيرًا، ثم يمهل حتى إذا فتر الماء أضافه عليه، فإنه يبرأ بإذن الله تعالى، قال حاشد: تعلمت هاتين الفائدتين بالشام.
141
8- وقال الحافظ ابن كثير في تفسير القرآن العظيم (1/):
(أنفع ما يستعمل لإذهاب السحر ما أنزل الله على رسوله صلي الله وعليه وسلم في إذهاب ذلك، وهما المعوِّذتان،
وفي الحديث: لم يَتعوَّذ المتعوِّذُ بمثلهما، وكذلك قراءة آية الكرسي؛ فإنها مطردة للشياطين).
9- استخراج السحر وإبطاله:
قال العلامة ابن مفلح في الآداب (3/96):
(كان استعمال الحجامة حينئذ من أنفع المعالجة، وكان ذلك قبل الوحي، فلما جاءه الوحي أنه سحر، عدل إلى العلاج الحقيقي، وهو استخراج السحر، وإبطاله، فدعا الله، فأعلمه به، فاستخرجه، وقال قبل هذا بأسطر:
(أما علاج المسحور، فإما باستخراجه، وتبطيله كما في الخبر؛ فهو كإزالة المادة الخبيثة بالاستفراغ، وإما بالاستفراغ في المحل الذي يصل إليه أذى السِّحْر).
10- وقال أيضًا في المصدر نفسه (3/97) (ومن أعظم ما يُتَحَصَّن به من السحر، ومن أنفع علاج له بعد وقوعه التَّوَجُّه إلى الله سبحانه وتعالى، وتَوَكُّل القلب والاعتماد عليه والتَّعَوُّذ والدعاء،
وهذا هو السبب الذي لم يَصِحَّ عن النبي صلي الله وعليه وسلم أنه استعمل شيئًا قبله؛
بل قد يقال: لم يصح أنه استعمل شيئًا غيره، وهو الغاية القصوى، والنهاية العظمى).
ومن هذا الباب قول الإمام ابن قيم الجوزية في زاد المعاد (4/126):
(ومن أنفع علاجات السحر الأدوية الإلهية؛
بل هي أدويته النافعة بالذات؛ فإنه من تأثيرات الأرواح الخبيثة السفلية، ودفع تأثيرها يكون بما يعارضها ويقاومها من الأذكار والآيات والدعوات التي تبطل فعلها وتأثيرها، وكلَّما كانت أقوى وأشد كانت أبلغ في النشرة، وذلك بمنزلة التقاء جيشين مع كل واحد منهما عُدَّتُه وسلاحه، فأيهما غلب الآخر قهره، وكان الحكم له؛ فالقلب إذا كان ممتلئًا من الله مغمورًا بذكره وله من التوجُّهات والدعوات والأذكار والتعوذات وِرْدٌ لا يُخِلُّ به يطابقُ فيه قلبُه لسانَه كان هذا من أعظم الأسباب التي تمنع إصابة السِّحْر له، ومن أعظم العلاجات له بعدما يصيبه).
11- وأخرج ابن عبد البر في التمهيد (6/245) بسنده عن ابن جريج، قال:
سألت عطاء بن أبي رباح عن النُّشْرة فَكَرِهَ نُشْرَةَ الأطباء وقال: لا أدري ما يصنعون فيها، وأما شيء تصنعه أنت فلا بأس به.
12- وقال ابن عبد البر في المصدر نفسه (6/245):
قال ابن وهب: وأخبرني يحيى بن أيوب أنه سمع يحيى بن سعيد يقول
: ليس بالنشرة التي يجمع فيها من الشجر والطيب، ويغتسل به الإنسان بأس).
13- قال الموفق بن قدامة في الكافي (5/335): وسئل ابن سيرين عن امرأة تعذبها السحرة؟
فقال رجل: أخط خطًا عليها، وأغرز السكين عند مجمع الخط، وأقرأ عليها القرآن؟
فقال محمد: ما أعلم بقراءة القرآن بأسًا على حال، ولا أدري ما الخط والسكين؟)
14- ومن ذلك قراءة السورة التي لا يستطيعها البطلة وهي سورة (البقرة) أو قراءتها في ماء، أو زيت زيتون، وشرب ذلك.
ذَكَرَ ذلك بعضُ أهلِ العلمِ قال: وقد جرب ذلك، فيحصل الشفاء بإذن الله تعالى.
15- قال ابن مفلح في الآداب الكبرى (3/103).
(وروى أبو بكر بن أبي شيبة بإسناده عن عائشة أنها كانت لا ترى بأسًا أن تعوذ في الماء، ثم يصب على المريض). اهـ.
16- وروى أبو محمد الخلال بإسناده عن جابر قال: مرض الحسن بن علي، فعاده النبي صلي الله وعليه سلم
، فأصابه موعوكًا فانكَبَّ عليه يقبِّله، ويبكي، فهبط جبريل، قال: هذه هدية من الله لك، ولأهل بيتك. فأمر عبد الله بن رواحة أن يكتب، فدعا بجام وعسل نحل، فقال: اكتب:
(وإنه لكتاب عزيز، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ثم دعا بماء مطر، فغسله وسقاه، فبرأ من ساعته فقال: النبي صلي الله وعليه وسلم:
«معاشر أمتي هذه هدية الله، فتداووا بها». ومن ذلك قول ابن بطال في شرح صحيح البخاري (9/478)، والقاضي عياض في إكمال المعلم (7/92).
(واختلفوا في عمل النشرة؛ فأجازها الشعبي، ويحيى بن سعيد وجماعة، وجاءت بها آثار، وروي عن الحسن أنها من عمل السحرة، وعن جابر: أنها من عمل الشيطان).
وهذا قد يفهم منه أن النُّشرة نوع واحد وهو نشرة السحرة، وليس الأمر كذلك؛
بل هي أنواع شتي والذي أجازه الشعبي ويحيى بن سعيد هي النشرة الجائزة شرعًا ، وأما التي من عمل الشيطان وعمل السحر، فلم يجزها الشعبي ولا يحيى بن سعيد.
شبهة وجوابها
ونقل ابن بطال في شرح صحيح البخاري (9/468) عن الطبري أنه قال:
"وحلُّ السحر عن المسحور نفع له وقد أذن الله لذوي العلل في العلاج من غير حصرٍ معالجتهم منها على صفة دون صفة؛ فسواء كان المعالج مسلمًا تقيًا أو مشركًا ساحرًا بعد أن يكون الذي يتعالج به غير محرم، وقد أذن النبي ﷺ في التعالج وأمر به أمته فقال: «إن الله لم ينزل داء إلا وأنزل له شفاء، علمه من علمه وجهله من جهله "
فسواء كان علمُ ذلك وحَلُّه عند ساحر أو غير ساحر، وأما معنى نهيه - عليه الصلاة والسلام – عن إتيان السحرة، فإنما ذلك على التصديق لهم فيما يقولون على علم من أتاهم بأنه سحرة أو كهان؛ فأما من أتاهم لغير ذلك وهو عالم به وبحاله فليس بمنهيٍّ عنه عن إتيانه).
وملخصه: جواز إتيان السحرة لحل السحر عن المسحور، وأما الأحاديث الواردة بالنهي عن إتيان السحرة فالمراد بها تصديق السحرة بما يقولون فقط.
قلت: والقول بجواز إتيان السحرة لحل السحر عن المسحور قول باطل من وجوه:
الأول: معارضته لصريح الأدلة المصرحة بالنهي والزجر عن طلب حل الساحر عن المسحور؛ مثل حديث عمران بن حصين رضي الله عنه بلفظ:
«ليس منا من سحر أو سحر له» ... الحديث، وتقدم ذكره.
وحديث ابن عباس – رضي الله عنهما بلفظ:
«من سحر أو تُسُحِّرَ له»... الحديث، وتقدم.
وحديث عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - بلفظ: «من أتى عرافًا أو ساحرًا أو كاهنًا، فسأله، فصدقه بما يقول فقد كفر بما نزل على محمد صلي الله وعليندم و لا».
وحديث أبي هريرة رضي الله عنه بلفظ:
«اجتنبوا السبع الموبقات: الشرك بالله، والسحر»... الحديث.
_الثاني:
أن السَّحرة يستخدمون الشياطين في عمل السحر؛ فإنهم يتقرَّبون إليهم بما يُحبون من الشِّرك بالله والكفر به؛
فإذا تقرب الإنسان إلى الشيطان بذلك أعانته الشياطين على عمل السحر، فأصبح ساحرًا؛
فمتى أراد أن يسحر أحدًا من الناس سحره.
فإذا أتى المسحور الساحر ليحل عنه السحر، طلب منه أن يتقرب إلى الشيطان أو الجن:
إما بذبح شاة أو دجاجة أو ذباب أو نحو ذلك، فإذا تقرب المسحور إلى الشيطان بذلك أشرك بالله، وكفر به، عند ذلك يطلب الساحر من الشيطان أن يبطل عن المسحور عمل السحر؛
لأن مقصد الساحر الحصول على دريهمات من المال، ومقصد الشيطان إخراج المسلم من الإسلام إلى إدخاله في الكفر والشرك.
والأصل في هذا ما تقدم عن الإمام شمس الدين بن القيم – رحمه الله– الذي قاله في إعلام الموقعين (4/396) في فتاوى إمام المفتين صلي الله وعليه وسلم في الطِّبِّ، فقال ما نصه:
وسئل عن النُّشرة فقال:
«هي من عمل الشيطان». ذكره أحمد وأبو داود،
والنُّشرة :
حَلُّ السِّحر عن المسحور.
وهي نوعان:
_ حل سحر بسحر مثله، وهو الذي من عمل الشيطان؛
فإن السِّحرَ من عمله فيتقرب إليه الناشر والمنتشر لما يحب فيبطل عن المسحور.
_والثاني: النشرة بالرقية والتعوذات والدعوات والأدوية المباحة؛ فهذا جائز بل مستحب، وعلى النوع المذموم يُحمل قول الحسن: «لا يحل السحر إلا ساحر». اهـ.
وقول سماحة مفتي المملكة ورئيس القضاة والشؤون الإسلامية الشيخ محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف آل الشيخ رحمه الله؛ إذ يقول في فتاويه (1/165) ما نصُّه:
ومعنى حديث جابر في ذلك يعني أن رسول الله صلي الله وعليه وسلم؛
سئل عن النُّشرة :
فقال: «هي من عمل الشيطان».
وقول الحسن: لا يحل السِّحر إلا ساحر، والسحر حرام وكفر، أفَيُعْمَلُ الكفر لتحيى نفس مريضة أو مصابة؟!
مع أن الغالب في المسحور أنه يموت أو يختل عقله؛ فالرسول منع وسد الباب، ولم يفصل في عمل الشيطان، ولا في المسحور).
_الثالث: أن السحر حرام بالكتاب والسنة والإجماع كما قاله شيخ الإسلام وغيره وتقدم،
ومعتقد حلَّه كافر بالإجماع كما قاله النووي وغيره فيما تقدم؛ فكيف يجوز إتيان السحرة، والحال ما ذكر؟!
_الرابع: أنه تقدَّمَ عند أهل العلم أنه يجب قتل الساحر، حتى لقد قال الإمام الشوكاني في السيل الجرار (4/375):
(نعم؛ يؤدَّبُ بضربه بالسيف يطير بها رأسه عن جسده). فكيف مع هذا يقال:
يجوز إتيان السحرة ليحلُّوا السِّحر عن المسحور؛
لأن القول بجواز ذلك يقتضي عدم قتلهم؛
لأجل حل السحر عن المسحورين، ومن ثَمَّ يَلْزَمُ من عدم القتل إقرارهم على السحر وتكثير سوداهم.
_الخامس: أن إتيان السحرة لحل السحر يؤدي إلى الشرك والكفر، كما تقدم، وما كان يؤدي إلى شيء من ذلك حرم تعاطيه ووجب اجتنابه بلا نزاع.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجمع الفتاوى (19/61):
(والمسلمون وإن تنازعوا في جواز التداوي بالمحرمات كالميتة والخنزير
فلا يتنازعون في أن الكفر والشرك لا يجوز التداوي به بحال؛
لأن ذلك محرَّمٌ في كل حال).
_السادس:
أن الطبري قيد القول بالجواز بأن لا يكون الذي يتعالج به غير محرم.
قلت: فإن وجد ساحر يعالج بشيء غير محرم فلا مانع من التداوي عنده؛ لكن أنَّى له ذلك؛
بل يجب سد الباب وترك التفصيل في الأحوال.
وأما قوله: (وأما معنى نهيه – عليه السلام – عن إتيان السحرة،
فإنما ذلك على التصديق لهم فيما يقولون على علم من أتاهم بأنهم سحرة أو كهان؛
فأما من أتاهم لغير ذلك وهو عالم به وبحاله فليس بمنهيٍّ عن إتيانه).
قلت: إتيان السحرة لغرض التداوي ممنوع شرعًا، سواء صدق السحرة بما يقولون أم لم يصدقهم؛
أي فليس من شرط المنع التصديق، وإنما المنع والحظر لما يفضي إليه إتيان الساحر من الشرك بالله والكفر بالتقرب إلى الشياطين بما يحبون كما تقدم؛
فإن صَدَّقَهم بما يقولون فزيادة شر على شره وبلاء على بلاء، وخسارة الآخرة والأولى.
....... ....... ....
قال ابن الأثير _رحمه الله :
النشرة : بالضم ضرب من الرقية والعلاج يعالج به من كان يظن أن به مسًّا من الجن،
سميت نشرة ؟!
لأنه ينشر بها عنه ما خامره من الداء أي:
يكشف ويزال)،
والمراد بها هنا:
هي حل السحر عن المسحور وهي نوعان:
الأول: حل السحر عن المسحور بسحر مثله، وهو محرم، وهو كفر أصغر،
وهو الذي قال فيه الحسن: (لا يحل السحر إلا الساحر) ،
حيث يتقرب الناشر والمنتشر إلى الشيطان بما يحب فيبطل عمله عن المسحور.
_الثاني: حل السحر بالأدعية والرقى المباحة من القرآن والسنة، فهذا جائز.
وعن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن النشرة،
وعن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن النشرة،
فقال: (هي من عمل الشيطان) رواه أحمد بسند جيد .
وقال صلى الله عليه وسلم: (لا تداووا بحرام) .
صلي الله وعليه وسلم:
(ما جعل الله شفاء أمتي فيما حرم عليها) .
فحل السحر بالسحر من عمل الشيطان،
وعمل الشيطان محرم، فلا يكون فيه شفاء وتوقع أن فيه شفاء عادة لم يجز؛
لأنه يحرم التداوي بالمحرمات، ولا يقال أن ذلك مما تمليه الضرورة؛
لأن محل الضرورة ما فيه نفع يدفعها، والسحر ليس كذلك كما دل عليه الحديث المتقدم.
وإن قلنا: إن فيها نفعاً فإن محل الضرورة خوف الموت، والمسحور لا يموت بمجرد سحره حتى يقال إنه يحافظ على نفسه,
كما أن تجويز إتيان السحر من أجل العلاج به يساعد على تعلمه وهو يحمل ضمناً تجويز تعلمه والعمل به,
ويفتح الباب لكل شرير أن يسحر فيلجأ الناس إليه من أجل العلاج مما يزيد في شر السحرة وإفسادها, مع أن الشرع يحل دم الساحر ويدل على كفره ،
وهذا الأمر مما ابتلي به كثير من الناس في عصرنا، فيكثر منهم من يذهب إلى السحر لحل ما أصابه من السحر عنه، مما جعل الناس يكثرون من لجوئهم إلى السحر سواء في العلاج، أو في طلب سحر الغير لحقد أو حسد أو بغضاء، مما زاد في الفساد وفتح باب الخرافة للناس.
....... ........
قول الشيخ ابن عثيمين عن النشرة :
ما حكم حل السحر عن المسحور "النشرة"؟
الإجابة:
حل السحر عن المسحور "النشرة" ؟
الأصح فيها أنها تنقسم إلى قسمين:
_القسم الأول: أن تكون بالقرآن الكريم، والأدعية الشرعية، والأدوية المباحة فهذه لا بأس بها لما فيها من المصلحة وعدم المفسدة،
بل ربما تكون مطلوبة؛
لأنها مصلحة بلا مضرة.
_ القسم الثاني: إذا كانت النشرة بشيء محرم كنقض السحر بسحر مثله فهذا موضع خلاف بين أهل العلم:
___فمن العلماء من أجازه للضرورة :
ومنهم من منعه :لأن النبي صلى الله عليه وسلم، سئل عن النشرة فقال:
"هي من عمل الشيطان"، وإسناده جيد رواه أبو داود.
وعلى هذا يكون حل السحر بالسحر محرماً، وعلى المرء أن يلجأ إلى الله سبحانه وتعالى بالدعاء والتضرع لإزالة ضروري ؛والله يقول:
{وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان}،
ويقول الله تعالى: {أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض أإله مع الله قليلاً ما تذكرون}،
_مجموع فتاوى و رسائل الشيخ محمد صالح العثيمين المجلد الثاني - باب السحر
... .... ...
كلام ابن باز عن النشرة :
سؤال :
قول النبي صلي الله وعليه وسلم: من أتى عرافا وقوله: من أتى كاهنا يشمل هذا الساحر؟
ج/
الساحر :/ قد يدخل في هذا بمعنى أنه يدعي معرفة الأمور الغيبية يدخل في العرافين،
أما الكاهن :/ في الغالب المراد بالكاهن اللي يدعي علم المغيبات من طريق مسترق السمع،
أما السحرة :/فشأنهم إما إدخال ضرر على الناس أو جمع بين الرجل والمرأة أو تفريق بينهما من طريق الشياطين، هذا عمل السحرة،
أما الكهانة :/يدعون علم الغيب يخبرون أنه سوف يكون كذا سوف يسافر فلان سوف يموت فلان سوف يهزم آل فلان سوف يقع مصائب كذا، هذه غالب أخبار الكهنة، نسأل الله السلامة.
سؤال :
هل عقوبة الذهاب إلى الساحر هي نفس عقوبة من أتى كاهنًا أو عرافًا؟
ج/:
كلهم يجب منعهم من جهة ولاة الأمور، ولا يذهبون إليهم، ولا يصدقونهم، ولو بالتأديب، الجاهل يعلم، والمتعلم يؤدب.
سؤال /
العقاب المترتب في الذهاب إلى الساحر هو نفس العقاب المترتب في الذهاب إلى الكاهن؟
ج/: أشد وأشد.
سؤال: السحرة يصنعون شيئًا يحبب المرأة إلى الرجل، ويحبب الرجل إلى المرأة هل هذا جائز؟
ج/:
هذا السحر، فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ [البقرة:102]
وضده ما يحبب الرجل إلى زوجته،
وهذا يسمى التولة: إن الرقى والتمائم والتولة شرك التولة هي السحر.
سؤال:
حكم مشاهدة أعمال السحرة؟
ج/: لا يجوز هذا، ينكرها ويبين لهم حكمها، بعضهم يري الناس طيور وحمام وعصافير يقول هذه من فمي من بطني كله تلبيس على الناس.
س: حكم حضورها؟
ج: حضورها للإنكار.
س: للتمتع؟
ج: لا يجوز هذا،
لأن هذا منكر إلا على سبيل معرفة الحقيقة حتى يخبر عنها.
سؤالي سيلاحبوت: إذا كان الشخص يذهب إلى الساحر وتاب هل عليه؟
ج: إذا تاب الحمد لله.
سؤال : هل عليه أن يخبر ولاة الأمور؟
ج: إذا تاب الحمد لله، عليه أن يخبر عن السحرة.
سؤال:
ما صحة حديث النبي صلي الله وعليه ويل: من استعاذ بالله فقد عاذ بمعاذ؟
ج: نعم هذا صحيح في قصة المرأة التي أراد أن يتزوجها ولم استعاذت منه قال: لقد عذت بمعاذ الحقي بأهلك هذا في البخاري.
س: هذا اللفظ؟
ج: نعم، لقد عذت بمعاذ الحقي بأهلك.
سؤال :
كتاب الشيخ ابن عثيمين المفيد في شرح كتاب التوحيد يقول: وقد ذكر بعض أهل العلم أن من العلاج أن يطلقها زوجها إن كان محبوسا الزوج عن زوجته،
يقول من العلاج: أن يطلقها ثم يراجعها طبعا الشيخ هنا يقول لا أدري عن صحته؟
ج: والله ما بلغني ما أعرف له أصلا، هذا مشهور عندهم، ولكن ما أعرف له أصلا، العلاج يعالجها بالدعوات الشرعية والرقية الشرعية ويبشر بالخير إن شاء الله.
سؤال: مشهور عند من؟
ج: عند العامة.
سؤال : يطلقها ويراجعها؟
ج: لا ما له أصل، هذا من كلام العامة الذي ما له أساس، العامة عندهم خرافات كثيرة
..... ........
الحل والعلاج :
قال الإمام عبد العزيز بن باز_ رحمه الله :
الأشياء التي يُتَّقى بها خطرُ السحرِ قبلَ وقوعه
والأشياءُ التي يُعالجُ بها بعد وقوعه :
من الأمور المباحة شرعا:
_ أما النوع الأول:
وهو الذي يتقى به خطر السحر قبل وقوعه
فأهم ذلك وأنفعه هو التحصن بالأذكار الشرعية والدعوات والتعوذات المأثورة.
ومن ذلك قراءة آية الكرسي خلف كل صلاة مكتوبة بعد الأذكار المشروعة بعد السلام.
ومن ذلك قراءتها عند النوم،
وآية الكرسي هي أعظم آية في القرآن الكريم وهي قوله سبحانه:
[ اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَاْلأَرْضَ وَلا يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ].
ومن ذلك قراءة !!
قل هو الله أحد، وقل أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ برب الناس
خلف كل صلاة مكتوبة
وقراءة السور الثلاث ثلاث مرات في أول النهار وأول الليل.
ومن ذلك قراءة الآيتين من آخر سورة البقرة في أول الليل
وهما قوله تعالي :
" آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ " إلى آخر السورة.
وقد صح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال"من قرأ آية الكرسي في ليلة لم يزل عليه من الله حافظ ولا يقربه شيطان حتى يصبح " ،
وصح عنه أيضا - صلى الله عليه وسلم - أنه
قال: من قرأ الآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه ،
والمعنى :
والله أعلم كفتاه من كل سوء.
ومن ذلك الإكثار من التعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق في الليل والنهار،
وعند نزول أي منزلو منذليلم عبدالفاتح٠ .
في البناء أو الصحراء أو الجو أو البحر
لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - :
" من نزل منزلا فقال: "أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم يضره شيء حتى يرتحل من منزله ذلك" ".
ومن ذلك
: أنه يقول المسلم في أول النهار وأول الليل ثلاث مرات:
بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم " ،
لصحة الترغيب في ذلك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
وهذه الأذكار والتعوذات
من أعظم الأسباب في اتقاء شر السحر وغيره من الشرور
لمن حافظ عليها بصدق وإيمان وثقة بالله واعتماد عليه وانشراح صدر لما دلت عليه،
وهي أيضا من أعظم العلاج لإزالة السحر بعد وقوعه
مع الإكثار من الضراعة إلى الله وسؤاله سبحانه أن يكشف الضر ويزيل البأس.
ومن الأدعية الثابتة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ذلك في علاج الأمراض من السحر وغيره
وكان - صلى الله عليه وسلم - يرقي بها أصحابه:
"اللهم رَبَّ الناسِ اذهبِ البأسَ أشفِ أنتَ الشافي لا شفاء إلا شفاؤُك شفاءً لا يغادرُ سقماً "،
ومن ذلك الرقية التي رقى بها جبرائيلُ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم -
وهي قوله: "بسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك
ومن شر كل نفس أو عين حاسد اللهُ يشفيك بسم الله أرقيك"
وليكرر ذلك ثلاث مرات.
ومن علاج السحر بعد وقوعه أيضا
وهو علاج نافع للرجل إذا حبس عن جماع أهله
أن يأخذ سبع ورقات من السِّدْر الأخضر فيدقها بحجر أو نحوه
ويجعلها في إناء يصب عليه من الماء ما يكفيه للغسل
ويقرأ فيها:
آية الكرسي، وقل يا أيها الكافرون، وقل هو الله أحد، وقل أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ برب الناس
وآيات السحر التي في سورة الأعراف
وهي قوله سبحانه: وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ، فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ، فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ
والآيات التي في سورة يونس
وهي قوله سبحانه:
{وَقَالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِي بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ، فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ
قَالَ لَهُمْ مُوسَى أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ، فَلَمَّا أَلْقَوْا قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ
إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ، وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ "
والآيات التي في سورة طه:
" قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى، قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى، فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى، قُلْنَا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ اْلأعْلَى، وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى" ،
وبعد قراءة ما ذكر في الماء يشرب بعض الشيء ويغتسل بالباقي
وبذلك يزول الداء إن شاء الله،
وإن دعت الحاجة لاستعماله مرتين أو أكثر فلا بأس حتى يزول الداء.
ومن علاج السحر أيضا ؟!
وهو من أنفع علاجه
بذل الجهود في معرفة موضع السحر في أرض أو جبل أو غير ذلك
فإذا عرف واستخرج وأتلف بطل السحر.
هذا ما تيسر بيانه من الأمور التي
يُتَّقى بها السحرُ ويعالَجُ بها والله ولي التوفيق.
وأما علاجه بعمل السحر الذي هو التقرب إلى الجن بالذبح أو غيره من القربات
لا يجوز
لأنه من عمل الشيطان
بل من الشرك الأكبر
فالواجب الحذر من ذلك