سورة الهمزة؛تفاسير السعدي،وابن كثير والقرطبي،والطبري..وغيرهم..وإعراب ..وخواطر


سورة الهمزة؛تفسير السعدي،تفسير ابن كثير،تفسير القرطبي،تفسير الطبري،تفسير البغوي،تفسير الشوكاني ،تفسير ابن الجوزي،تفسير ابن تيمية،تفسير ابن عثيمين ،تفسيرالبيضاوي ،تفسير النسفي ،تفسير ابن عطية،تفسير الزمخشري ،تفسير ابن عبد السلام،تفسير ابن الجزي،التفسير الوسيط ،تفسير الجلاليين ،التفسير الميسر ..إعراب ..خواطر 


تفسير سورة الهمزة للسعدي

وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ (1)
{ وَيْلٌ } أي: وعيد، ووبال، وشدة عذاب 
{ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ } الذي يهمز الناس بفعله، ويلمزهم بقوله، 
فالهماز: الذي يعيب الناس، ويطعن عليهم بالإشارة والفعل،
 واللماز: الذي يعيبهم بقوله.
 

الَّذِي جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ (2)
ومن صفة هذا الهماز اللماز، أنه لا هم له سوى جمع المال وتعديده والغبطة به، وليس له رغبة في إنفاقه في طرق الخيرات وصلة الأرحام، ونحو ذلك،
 

يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ (3)
{ يَحْسَبُ } بجهله { أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ } في الدنيا، فلذلك كان كده وسعيه كله في تنمية ماله، الذي يظن أنه ينمي عمره، ولم يدر أن البخل يقصف الأعمار، ويخرب الديار، وأن البر يزيد في العمر.
 

كَلَّا ۖ لَيُنبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ (4)
{ كَلَّا لَيُنْبَذَنَّ } أي: ليطرحن { فِي الْحُطَمَةِ}


وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ (5)
[وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ } تعظيم لها، وتهويل لشأنها.


نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ (6)
{ نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ } التي وقودها الناس والحجارة


الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ (7)
{ الَّتِي } من شدتها { تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ } أي: تنفذ من الأجسام إلى القلوب.


إِنَّهَا عَلَيْهِم مُّؤْصَدَةٌ (8)
ومع هذه الحرارة البليغة هم محبوسون فيها، قد أيسوا من الخروج منها،
 ولهذا قال: { إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ } أي: مغلقة


فِي عَمَدٍ مُّمَدَّدَةٍ (9)
{ فِي عَمَدٍ } من خلف الأبواب { مُمَدَّدَةٍ } لئلا يخرجوا منها { كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا } .
 
....    ....    ..........

تفسير سورة الهمزة لابن كثير 

وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ (1)
 سورة ويل لكل همزة لمزة هي مكية .

الهماز : بالقول ،
 واللماز : بالفعل . 
يعني : يزدري بالناس وينتقص بهم . وقد تقدم بيان ذلك في قوله : ( هماز مشاء بنميم ) [ القلم : 11 ] .

قال ابن عباس : ( همزة لمزة ) طعان معياب . وقال الربيع بن أنس : الهمزة ، يهمزه في وجه ، واللمزة من خلفه . 
وقال قتادة : يهمزه ويلمزه بلسانه وعينه ، ويأكل لحوم الناس ، ويطعن عليهم .

وقال مجاهد : الهمزة : باليد والعين ، واللمزة : باللسان . وهكذا قال ابن زيد . وقال مالك ، عن زيد بن أسلم : همزة : لحوم الناس .

ثم قال بعضهم : المراد بذلك الأخنس بن شريق . وقيل غيره . وقال مجاهد : هي عامة .


الَّذِي جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ (2)
وقوله : ( الذي جمع مالا وعدده ) أي : جمعه بعضه على بعض ، وأحصى عدده كقوله : ( وجمع فأوعى ) [ المعارج : 18 ] قاله السدي وابن جرير .

وقال محمد بن كعب في قوله : ( جمع مالا وعدده ) ألهاه ماله بالنهار ، هذا إلى هذا ، فإذا كان الليل ، نام كأنه جيفة .


يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ (3)
وقوله : ( يحسب أن ماله أخلده ) أي : يظن أن جمعه المال يخلده في هذه الدار ؟ 
( كلا ) أي : ليس الأمر كما زعم ولا كما حسب


كَلَّا ۖ لَيُنبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ (4)
أي ليلقين هذا الذي جمع مالا فعدده في الحطمة وهي اسم طبقة من أسماء النار لأنها تحطم من فيها


وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ (5)
قال "وما أدراك ما الحطمة نار الله الموقدة التي تطلع على الأفئدة" 
قال ثابت البناني تحرقهم إلى الأفئدة وهم أحياء ثم يقول لقد بلغ منهم العذاب ثم يبكي وقال محمد بن كعب تأكل كل شيء من جسده حتى إذا بلغت فؤاده حذو حلقه ترجع على جسده.
 

نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ (6)
تأكل كل شيء من جسده حتى إذا بلغت فؤاده حذو حلقه ترجع على جسده.

 
الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ (7)
قال "وما أدراك ما الحطمة نار الله الموقدة التي تطلع على الأفئدة"
 قال ثابت البناني تحرقهم إلى الأفئدة وهم أحياء ثم يقول لقد بلغ منهم العذاب ثم يبكي وقال محمد بن كعب تأكل كل شيء من جسده حتى إذا بلغت فؤاده حذو حلقه ترجع على جسده.


إِنَّهَا عَلَيْهِم مُّؤْصَدَةٌ (8)
وقوله : ( إنها عليهم مؤصدة ) أي : مطبقة كما تقدم تفسيره في سورة البلد .

وقال ابن مردويه : حدثنا عبد الله بن محمد ، حدثنا علي بن سراج ، حدثنا عثمان بن خرزاذ ، حدثنا شجاع بن أشرس ، حدثنا شريك ، عن عاصم ، عن أبي صالح عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم : ( إنها عليهم مؤصدة ) قال : " مطبقة " .
وقد رواه أبو بكر بن أبي شيبة ، عن عبد الله بن أسيد ، عن إسماعيل بن خالد ، عن أبي صالح ، قوله ، ولم يرفعه .


فِي عَمَدٍ مُّمَدَّدَةٍ (9)
( في عمد ممددة ) قال عطية العوفي : عمد من حديد . وقال السدي : من نار . 
وقال شبيب بن بشر ، عن عكرمة عن ابن عباس : ( في عمد ممددة ) يعني : الأبواب هي الممدوة .

وقال قتادة في قراءة عبد الله بن مسعود : إنها عليهم مؤصدة بعمد ممدة .

وقال العوفي ، عن ابن عباس : أدخلهم في عمد فمدت عليهم بعماد ، وفي أعناقهم السلاسل فسدت بها الأبواب .
وقال قتادة : كنا نحدث أنهم يعذبون بعمد في النار . واختاره ابن جرير .
وقال أبو صالح : ( في عمد ممددة ) يعني القيود الطوال . آخر تفسير سورة " ويل لكل همزة لمزة "

.......   .......      ......

تفسير سورة الهمزة للقرطبي

وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ (1)
تفسير سورة الهمزة مكية بإجماع .
 وهي تسع آيات

ويل لكل همزة لمزة
قد تقدم القول في الويل في غير موضع ، ومعناه الخزي والعذاب والهلكة . 
وقيل : واد في جهنم .

 لكل همزة لمزة قال ابن عباس : هم المشاءون بالنميمة ، المفسدون بين الأحبة ، الباغون للبرآء العيب ; فعلى هذا هما بمعنى .
 
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : شرار عباد الله تعالى المشاءون بالنميمة ، المفسدون بين الأحبة ، الباغون للبرآء العيب .

 وعن ابن عباس أن الهمزة : الذي يغتاب واللمزة : العياب . 

وقال أبو العالية والحسن ومجاهد وعطاء بن أبي رباح : الهمزة : الذي يغتاب ويطعن في وجه الرجل ، واللمزة : الذي يغتابه من خلفه إذا غاب ;

 ومنه قول حسان :
همزتك فاختضعت بذل نفس بقافية تأجج كالشواظ
واختار هذا القول النحاس ،

 قال : ومنه قوله تعالى ومنهم من يلمزك في الصدقات  

وقال مقاتل ضد هذا الكلام : إن الهمزة : الذي يغتاب بالغيبة ، واللمزة : الذي يغتاب في الوجه . 

وقال قتادة ومجاهد : الهمزة : الطعان في الناس ، واللمزة : الطعان في أنسابهم . 

وقال ابن زيد : الهامز : الذي يهمز الناس بيده ويضربهم ، واللمزة : الذي يلمزهم بلسانه ويعيبهم .

 وقال سفيان الثوري يهمز بلسانه ، ويلمز بعينيه .

 وقال ابن كيسان : الهمزة الذي يؤذي جلساءه بسوء اللفظ ، واللمزة : الذي يكسر عينه على جليسه ، ويشير بعينه ورأسه وبحاجبيه . 

وقال مرة : هما سواء ; وهو القتات الطعان للمرء إذا غاب . وقال زياد الأعجم :
تدلي بودي إذا لاقيتني كذبا وإن أغيب فأنت الهامز اللمزه

وقال آخر :
إذا لقيتك عن سخط تكاشرني وإن تغيبت كنت الهامز اللمزه

السخط : البعد . والهمزة : اسم وضع للمبالغة في هذا المعنى ; كما يقال : سخرة وضحكة : للذي يسخر ويضحك بالناس .

 وقرأ أبو جعفر محمد بن علي والأعرج همزة لمزة بسكون الميم فيهما . فإن صح ذلك عنهما ، فهي في معنى المفعول ، وهو الذي يتعرض للناس حتى يهمزوه ويضحكوا منه ، ويحملهم على الاغتياب . 

وقرأ عبد الله بن مسعود وأبو وائل والنخعي والأعمش : ويل للهمزة اللمزة . وأصل الهمز : الكسر ، والعض على الشيء بعنف ; ومنه همز الحرف .
 ويقال : همزت رأسه . وهمزت الجوز بكفي كسرته . وقيل لأعرابي : أتهمزون ( الفارة ) ؟ 
فقال : إنما تهمزها الهرة .
 الذي في الصحاح : وقيل لأعرابي أتهمز الفارة ؟
 فقال السنور يهمزها . 
والأول قاله الثعلبي ، وهو يدل على أن الهر يسمى الهمزة . 

قال العجاج :
ومن همزنا رأسه تهشما
وقيل : أصل الهمز واللمز : الدفع والضرب . لمزه يلمزه لمزا : إذا ضربه ودفعه . 
وكذلك همزه : أي دفعه وضربه .

 قال الراجز :
ومن همزنا عزه تبركعا على استه زوبعة أو زوبعا
البركعة : القيام على أربع . وبركعه فتبركع ;
 أي صرعه فوقع على استه ; قاله في الصحاح .

 والآية نزلت في الأخنس بن شريق ، 
فيما روى الضحاك عن ابن عباس . وكان يلمز الناس ويعيبهم : مقبلين ومدبرين . 

وقال ابن جريج : في الوليد بن المغيرة ، وكان يغتاب النبي - صلى الله عليه وسلم - من ورائه ، ويقدح فيه في وجهه . 
وقيل : نزلت في أبي بن خلف .
 وقيل : في جميل بن عامر الثقفي .
وقيل : إنها مرسلة على العموم من غير تخصيص ; وهو قول الأكثرين . 
قال مجاهد : ليست بخاصة لأحد ، بل لكل من كانت هذه صفته . 
وقال الفراء : يجوز أن يذكر الشيء العام ويقصد به الخاص ، قصد الواحد إذا قال : لا أزورك أبدا . فتقول : من لم يزرني فلست بزائره ; يعني ذلك القائل .
 

الَّذِي جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ (2)
قوله تعالى : الذي جمع مالا وعدده
أي أعده - زعم - لنوائب الدهر ; مثل كرم وأكرم . 
وقيل : أحصى عدده ; قاله السدي .

 وقال الضحاك : أي أعد ماله لمن يرثه من أولاده . وقيل : أي فاخر بعدده وكثرته . 

والمقصود الذم على إمساك المال عن سبيل الطاعة . كما قال : مناع للخير ، وقال : وجمع فأوعى . 

وقراءة الجماعة جمع مخفف الميم .
 وشددها ابن عامر وحمزة والكسائي على التكثير . واختاره أبو عبيد ; لقوله : وعدده . 
وقرأ الحسن ونصر بن عاصم وأبو العالية جمع مخففا ، وعدده مخففا أيضا ; فأظهروا التضعيف
لأن : أصله عده وهو بعيد ; 
لأنه وقع في المصحف بدالين .
 وقد جاء مثله في الشعر ; لما أبرزوا التضعيف خففوه . قال :
مهلا أمامة قد جربت من خلقي إني أجود لأقوام وإن ضننوا
أراد : ضنوا وبخلوا ، فأظهر التضعيف ; لكن الشعر موضع ضرورة . 
قال المهدوي : من خفف وعدده فهو معطوف على المال ;
 أي وجمع عدده فلا يكون فعلا على إظهار التضعيف ; لأن ذلك لا يستعمل إلا في الشعر .


يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ (3)
قوله تعالى : يحسب أي يظن أن ماله أخلده أي يبقيه حيا لا يموت ;
 قاله السدي . وقال عكرمة : أي يزيد في عمره .
 وقيل : أحياه فيما مضى ، وهو ماض بمعنى المستقبل . يقال : هلك والله فلان ودخل النار ; أي يدخل .
 

كَلَّا ۖ لَيُنبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ (4)
كلا رد لما توهمه الكافر ; أي لا يخلد ولا يبقى له مال . وقد مضى القول في كلا مستوفى . 
وقال عمر بن عبد الله مولى غفرة : إذا سمعت الله - عز وجل - يقول كلا فإنه يقول كذبت .

لينبذن أي ليطرحن وليلقين . 
وقرأ الحسن ومحمد بن كعب ونصر بن عاصم ومجاهد وحميد وابن محيصن : لينبذان بالتثنية ، أي هو وماله . 
وعن الحسن أيضا لينبذنه على معنى لينبذن ماله . وعنه أيضا بالنون لننبذنه على إخبار الله تعالى عن نفسه ، وأنه ينبذ صاحب المال . 
وعنه أيضا لينبذن بضم الذال ; على أن المراد الهمزة واللمزة والمال وجامعه .

في الحطمة وهي نار الله ; سميت بذلك لأنها تكسر كل ما يلقى فيها وتحطمه وتهشمه . 

قال الراجز :
إنا حطمنا بالقضيب مصعبا يوم كسرنا أنفه ليغضبا
وهي الطبقة السادسة من طبقات جهنم . حكاه الماوردي عن الكلبي . وحكى القشيري عنه : الحطمة الدركة الثانية من درك النار . 
وقال الضحاك : وهي الدرك الرابع . ابن زيد : اسم من أسماء جهنم .


وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ (5)
على التعظيم لشأنها , والتفخيم لأمرها .


نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ (6)
أي التي أوقد عليها ألف عام , وألف عام , وألف عام ; فهي غير خامدة ; أعدها الله للعصاة .

 
الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ (7)
التي تطلع على الأفئدة قال محمد بن كعب : تأكل النار جميع ما في أجسادهم ، حتى إذا بلغت إلى الفؤاد ، خلقوا خلقا جديدا ، فرجعت تأكلهم .

 وكذا روى خالد بن أبي عمران عن النبي - صلى الله عليه وسلم - :
 " أن النار تأكل أهلها ، حتى إذا اطلعت على أفئدتهم انتهت ، ثم إذا صدروا تعود ،
 فذلك قوله تعالى : نار الله الموقدة التي تطلع على الأفئدة " . 
وخص الأفئدة لأن الألم إذا صار إلى الفؤاد مات صاحبه . أي إنه في حال من يموت وهم لا يموتون ; 

كما قال الله تعالى : لا يموت فيها ولا يحيا فهم إذا أحياء في معنى الأموات .

 وقيل : معنى تطلع على الأفئدة أي تعلم مقدار ما يستحقه كل واحد منهم من العذاب ; وذلك بما استبقاه الله تعالى من الأمارة الدالة عليه . 
ويقال : اطلع فلان على كذا : أي علمه . 

وقد قال الله تعالى : تدعو من أدبر وتولى .
 وقال تعالى : إذا رأتهم من مكان بعيد سمعوا لها تغيظا وزفيرا . فوصفها بهذا ، فلا يبعد أن توصف بالعلم .


إِنَّهَا عَلَيْهِم مُّؤْصَدَةٌ (8)
أي مطبقة ; قاله الحسن والضحاك .
وقد تقدم في سورة " البلد " القول فيه .

وقيل : مغلقة ; بلغة قريش .
يقولون : آصدت الباب إذا أغلقته ; قاله مجاهد .
ومنه قول عبيد الله بن قيس الرقيات : إن في القصر لو دخلنا غزالا مصفقا موصدا عليه الحجاب


فِي عَمَدٍ مُّمَدَّدَةٍ (9)
أي موصدة بعمد ممددة ;
 قاله ابن مسعود ; وهي في قراءته بعمد ممددة في حديث أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم 
 ثم إن الله يبعث إليهم ملائكة بأطباق من نار ، ومسامير من نار وعمد من نار ، فتطبق عليهم بتلك الأطباق ، وتشد عليهم بتلك المسامير ، وتمد بتلك العمد ، فلا يبقى فيها خلل يدخل فيه روح ، ولا يخرج منه غم ، وينساهم الرحمن على عرشه ، ويتشاغل أهل الجنة بنعيمهم ، ولا يستغيثون بعدها أبدا ، وينقطع الكلام ، فيكون كلامهم زفيرا وشهيقا ; 
فذلك قوله تعالى : إنها عليهم مؤصدة في عمد ممددة .

 وقال قتادة : عمد يعذبون بها . واختاره الطبري . 

وقال ابن عباس : إن العمد الممددة أغلال في أعناقهم . وقيل : قيود في أرجلهم ; قاله أبو صالح . 

وقال القشيري : والمعظم على أن العمد أوتاد الأطباق التي تطبق على أهل النار . وتشد تلك الأطباق بالأوتاد ، حتى يرجع عليهم غمها وحرها ، فلا يدخل عليهم روح . 
وقيل : أبواب النار مطبقة عليهم وهم في عمد ; أي في سلاسل وأغلال مطولة ، وهي أحكم وأرسخ من القصيرة .
 وقيل : هم في عمد ممددة ; أي في عذابها وآلامها يضربون بها . 
وقيل : المعنى في دهر ممدود ; أي لا انقطاع له .

 وقرأ حمزة والكسائي وأبو بكر عن عاصم ( في عمد ) بضم العين والميم : جمع عمود . وكذلك عمد أيضا .

قال الفراء : والعمد والعمد : جمعان صحيحان لعمود ; مثل أديم وأدم وأدم ، وأفيق وأفق وأفق .

 أبو عبيدة : عمد : جمع عماد ; مثل إهاب . واختار أبو عبيد عمد بفتحتين . 

وكذلك أبو حاتم ; اعتبارا بقوله تعالى : رفع السماوات بغير عمد ترونها . وأجمعوا على فتحها . 

قال الجوهري : العمود : عمود البيت ، وجمع القلة : أعمدة ، وجمع الكثرة عمد ، وعمد ; وقرئ بهما قوله تعالى : في عمد ممددة .

 وقال أبو عبيدة : العمود ، كل مستطيل من خشب أو حديد ، وهو أصل للبناء مثل العماد . عمدت الشيء فانعمد ; أي أقمته بعماد يعتمد عليه وأعمدته جعلت تحته عمدا والله أعلم .

....   .......   .......  .....

تفسير سورة الهمزة للطبري 

لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ (1)
يعني تعالى ذكره بقوله:
( وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ ) الوادي يسيل من صديد أهل النار وقيحهم,
( لِكُلِّ هُمَزَةٍ ) : يقول: لكل مغتاب للناس, يغتابهم ويبغضهم, 
كما قال زياد الأعجم:
تُــدلِي بــوُدِّي إذا لاقَيْتَنِـي كَذِبـا
وَإنْ أُغَيَّــبْ فـأنتَ الهـامِزُ اللُّمَـزَهْ 

ويعني باللمزة: الذي يعيب الناس, ويطعن فيهم.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
_ذكر من قال ذلك:

حدثنا مسروق بن أبان, قال: ثنا وكيع, عن رجل لم يسمه, عن أبي الجوزاء, قال: قلت لابن عباس: من هؤلاء هم الذين بدأهم الله بالويل ؟
 قال: هم المشاءون بالنميمة, المفرقون بين الأحبة, الباغون أكبر العيب.

حدثنا أبو كريب, قال: ثنا وكيع, عن أبيه, عن رجل من أهل البصرة, عن أبي الجوزاء, قال: قلت: لابن عباس: من هؤلاء الذين ندبهم الله إلى الويل ؟
 ثم ذكر نحو حديث مسروق بن أبان.

حدثنا ابن حُميد, قال: ثنا مهران, عن سفيان, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد ( وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ ) قال: الهمزة يأكل لحوم الناس, واللمزة: الطعان.

وقد رُوي عن مجاهد خلاف هذا القول, وهو ما حدثنا به أبو كُرَيب, قال: ثنا وكيع, عن سفيان, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد ( وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ ) قال: الهمزة: الطعان, واللمزة: الذي يأكل لحوم الناس.

حدثنا مسروق بن أبان الحطاب, قال: ثنا وكيع, قال: ثنا سفيان, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, مثله.
ورُوي عنه أيضا خلاف هذين القولين, وهو ما حدثنا به ابن بشار, قال: ثنا يحيى, قال: ثنا سفيان, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد ( وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ ) قال: 

أحدهما الذي يأكل لحوم الناس, 
والآخر الطعان. 

وهذا يدلّ على أن الذي حدث بهذا الحديث قد كان أشكل عليه تأويل الكلمتين, فلذلك اختلف نقل الرواة عنه فيما رووا على ما ذكرت.

حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة ( وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ ) أما الهمزة: فأكل لحوم الناس, وأما اللمزة: فالطعان عليهم.

حدثنا ابن حميد, قال: ثنا مهران, عن سعيد بن أبي عروبة, عن قتادة, قال: الهمزة: آكل لحوم الناس: واللمزة: الطعان عليهم.

حدثنا ابن حميد, قال: ثنا مهران, عن سفيان, عن ابن خثيم, عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس: ( وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ ) قال: ويل لكلّ طعان مغتاب.

حدثنا ابن حميد, قال: ثنا مهران, عن أبي جعفر, عن الربيع, عن أبي العالية, قال: الهمزة: يهمزه في وجهه, واللمزة: من خلفه.

حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: ثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة, قال: يهمزه ويلمزه بلسانه وعينه, ويأكل لحوم الناس, ويطعن عليهم.

حدثني الحارث, قال: ثنا الحسن, قال: ثنا ورقاء، جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قال: الهمزة باليد, واللمزة باللسان.

وقال آخرون في ذلك ما حدثني به يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قول الله: ( وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ ) قال: الهمزة: الذي يهمز الناس بيده, 
ويضربهم بلسانه, واللمزة: الذي يلمزهم بلسانه ويعيبهم.

واختلف في المعنى بقوله: ( وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ ) فقال بعضهم: عني بذلك: رجل من أهل الشرك بعينه, 
فقال بعض من قال هذا القول: هو جميل بن عامر الجُمَحِيّ. 
وقال آخرون منهم: هو الأخنس بن شريق.
_ذكر من قال: عُنِي به مشرك بعينه.

حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: ( وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ )
 قال: مشرك كان يلمز الناس ويهمزهم.

حدثني محمد بن عمرو, قال: ثنا أبو عاصم, قال: ثنا عيسى, وحدثني الحارث, قال: ثنا الحسن, قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح, عن رجل من أهل الرقة قال: نـزلت في جميل بن عامر الجمحي.

حدثني الحارث, قال: ثنا الحسن, قال: ثنا ورقاء, في قوله ( هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ ) قال: ليست بخاصة لأحد, نـزلت في جميع بني عامر; قال ورقاء: زعم الرقاشي.

وقال بعض أهل العربية: هذا من نوع ما تذكر العرب اسم الشيء العام, وهي تقصد به الواحد, كما يقال في الكلام, إذا قال رجل لأحد: لا أزورك أبدا: كل من لم يزرني, فلست بزائره, وقائل ذلك يقصد جواب صاحبه القائل له: لا أزورك أبدا.

وقال آخرون: بل معنيّ به, كل من كانت هذه الصفة صفته, ولم يقصد به قصد آخر.
_ ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو. قال: ثنا أبو عاصم, قاله: ثنا عيسى; وحدثني الحارث, قال: ثنا الحسن, قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, في قول الله:
 ( وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ ) قال: ليست بخاصة لأحد.
والصواب من القول في ذلك: 
أن يقال: إن الله عمّ بالقول كلّ همزة لمزة, كلّ من كان بالصفة التي وصف هذا الموصوف بها, سبيله سبيله كائنا من كان من الناس.
 

الَّذِي جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ (2)
وقوله: ( الَّذِي جَمَعَ مَالا وَعَدَّدَهُ )
يقول: الذي جمع مالا وأحصى عدده, ولم ينفقه في سبيل الله, ولم يؤد حق الله فيه, ولكنه جمعه فأوعاه وحفظه.

واختلفت القرّاء في قراءة ذلك, فقرأه من قرّاء أهل المدينة أبو جعفر, وعامة قرّاء الكوفة سوى عاصم: " جَمَّعَ" بالتشديد, وقرأ ذلك عامة قرّاء المدينة والحجاز, سوى أبي جعفر وعامة قرّاء البصرة, ومن الكوفة عاصم, " جَمَعَ" بالتخفيف, وكلهم مجمعون على تشديد الدال من ( وَعَدَّدَهُ ) على الوجه الذي ذكرت من تأويله. وقد ذكر عن بعض المتقدمين بإسناد غير ثابت, أنه قرأه:

 " جَمَعَ مَالا وَعَدَدَهُ" تخفيف الدال, بمعنى: جمع مالا وجمع عشيرته وعدده. هذه قراءة لا أستجيز القراءة بها, بخلافها قراءة الأمصار, وخروجها عما عليه الحجة مجمعة في ذلك.

وأما قوله: ( جَمَعَ مَالا ) فإن التشديد والتخفيف فيهما صوابان, لأنهما قراءتان معروفتان في قراءة الأمصار, متقاربتا المعنى, فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب.


يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ (3)
وقوله: ( يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ )
يقول: يحسب أن ماله الذي جمعه وأحصاه, وبخل بإنفاقه, مخلده في الدنيا, فمزيل عنه الموت. 
وقيل: أخلده, والمعنى: يخلده, كما يقال للرجل الذي يأتي الأمر الذي يكون سببا لهلاكه: عطب والله فلان, هلك والله فلان, 

بمعنى: أنه يعطب من فعله ذلك, ولما يهلك بعد ولم يعطب; وكالرجل يأتي الموبقة من الذنوب: دخل والله فلان النار.


كَلَّا ۖ لَيُنبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ (4)
وقوله: ( كَلا ) يقول تعالى ذكره: ما ذلك كما ظنّ, ليس ماله مخلِّده,
ثم أخبر جلّ ثناؤه أنه هالك ومعذب على أفعاله ومعاصيه, التي كان يأتيها في الدنيا, 

فقال جل ثناؤه: ( لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ ) يقول: ليُقذفنّ يوم القيامة في الحطمة, والحطمة: اسم من أسماء النار, كما قيل لها: 
جهنم وسقر ولظى, وأحسبها سميت بذلك لحطمها كلّ ما ألقي فيها, كما يقال للرجل الأكول: الحطمة. 

ذكر عن الحسن البصري أنه كان يقرأ ذلك:
 " لَيُنْبَذَانِّ فِي الحُطَمَةِ" يعني: هذا الهمزة اللمزة وماله, فثنَّاه لذلك.


وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ (5)
وقوله: ( وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ ) يقول: وأيّ شيء أشعرك يا محمد ما الحطمة.

نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ (6)
ثم أخبره عنها ما هي, فقال جل ثناؤه: 
هي ( نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ * الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الأفْئِدَةِ ) يقول: التي يطلع ألمها ووهجها القلوب; والاطلاع والبلوغ قد يكونان بمعنى، حُكي عن العرب سماعا: متى طلعت أرضنا; وطلعت أرضي: بلغت.


الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ (7)
ثم أخبره عنها ما هي, فقال جل ثناؤه: هي ( نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ * الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الأفْئِدَةِ ) 
يقول: التي يطلع ألمها ووهجها القلوب; والاطلاع والبلوغ قد يكونان بمعنى، حُكي عن العرب سماعا: متى طلعت أرضنا; وطلعت أرضي: بلغت.


إِنَّهَا عَلَيْهِم مُّؤْصَدَةٌ (8)
وقوله: ( إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ ) يقول تعالى ذكره: إن الحطمة التي وصفت صفتها عليهم, 
يعني: على هؤلاء الهمازين اللمازين

 ( مُؤْصَدَةٌ ) : يعني: مطبقة; وهي تهمز ولا تهمز; وقد قُرئتا جميعا.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
_ذكر من قال ذلك:

حدثنا أبو كُرَيب, قال: ثنا طلق, عن ابن ظهير, عن السديّ, عن أبي مالك, عن ابن عباس في (مُؤْصَدَة): قال: مطبقة.

حدثني عبيد بن أسباط, قال: ثني أبي, عن فضيل بن مرزوق, عن عطية, في قوله: ( إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ ) قال: مطبقة.

حدثنا ابن حميد, قال: ثنا يعقوب, عن جعفر, عن سعيد, قال: في النار رجل في شعب من شعابها ينادي مقدار ألف عام: يا حنان يا حنان, 
فيقول رب العزة لجبريل: أخرج عبدي من النار, فيأتيها فيجدها مطبقة, فيرجع فيقول: يا ربّ( إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ )
 فيقول: يا حبريل فكها, وأخرج عبدي من النار, فيفكها, ويخرج مثل الخيال, فيطرح على ساحل الجنة حتي يُنبت الله له شعرا ولحما ودما.

حدثني يعقوب بن إبراهيم, قال: ثنا ابن علية, عن أبي رجاء, عن الحسن, في قوله: ( إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ ) قال: مطبقة.

حدثنا أبو كريب, قال: ثنا وكيع, عن مضرِّس بن عبد الله, قال: سمعت الضحاك ( إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ ) قال: مطبقة.

حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس: ( إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ ) قال: عليهم مغلقة.

حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة ( إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ ) : أي مطبقة.

حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: ( إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ ) قال: مطبقة, والعرب تقول: أوصد الباب: أغلق.


فِي عَمَدٍ مُّمَدَّدَةٍ (9)
وقوله: ( فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ ) اختلفت القرّاء في قراءة ذلك, فقرأته عامة قرّاء المدينة والبصرة: ( فِي عَمَدٍ ) بفتح العين والميم. 
وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفة: " فِي عُمُدٍ" بضم العين والميم. والقول في ذلك عندنا أنهما قراءتان معروفتان, قد قرأ بكل واحدة منهما علماء من القرّاء, ولغتان صحيحتان.
 والعرب تجمع العمود: عُمُدا وعَمَدا, بضم الحرفين وفتحهما, وكذلك تفعل في جمع إهاب, تجمعه: أُهُبا, بضم الألف والهاء, وأَهَبا بفتحهما, وكذلك القضم, فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب.

واختلف أهل التأويل في معنى ذلك,
 فقال بعضهم: (إنها عليهم مؤصدة بعمد ممددة ) 
أي مغلقة مطبقة عليهم, وكذلك هو في قراءة عبد الله فيما بلغنا.

حدثنا ابن حميد, قال: ثنا مهران, عن سفيان, عن قتادة, في قراءة عبد الله: " إنها عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٍ بِعَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ".

وقال آخرون: بل معنى ذلك: إنما دخلوا في عمد, ثم مدت عليهم تلك العمد بعماد.
_ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس
 ( فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ ) قال: أدخلهم في عمد, فمدت عليهم بعماد, وفي أعناقهم السلاسل, فسدّت بها الأبواب.

حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد ( فِي عَمَدٍ ) من حديد مغلولين فيها, وتلك العمد من نار قد احترقت من النار, فهي من نار ( مُمَدَّدَةٍ ) لهم.

وقال آخرون: هي عمد يعذّبون بها.
_ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة ( فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ ) كُنَّا نحدَّث أنها عمد يعذّبون بها في النار, قال بشر: قال يزيد: في قراءة قتادة: ( عَمَدٍ ) .

حدثنا ابن حميد, قال: ثنا مهران, عن سعيد, عن قتادة ( فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ ) قال: عمود يعذبون به في النار.
وأولى الأقوال بالصواب في ذلك قول من قال: 
معناه: أنهم يعذّبون بعمد في النار, والله أعلم كيف تعذيبه إياهم بها, ولم يأتنا خبر تقوم به الحجة بصفة تعذيبهم بها, ولا وضع لنا عليها دليل, فندرك به صفة ذلك, فلا قول فيه, غير الذي قلنا يصحّ عندنا, والله أعلم.
آخر تفسير سورة الهمزة

....   .......   ......

تفسير سورة الهمزة للبغوي 

وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ (1)
مكية
( ويل لكل همزة لمزة ) قال ابن عباس : هم المشاءون بالنميمة ، المفرقون بين الأحبة ، الباغون للبرآء العيب ، ومعناهما واحد وهو العياب .

وقال مقاتل : " الهمزة " : الذي يعيبك في الغيب ، 
و " اللمزة " : الذي يعيبك في الوجه . 

وقال أبو العالية والحسن بضده .

وقال سعيد بن جبير ، وقتادة : " الهمزة " الذي يأكل لحوم الناس ويغتابهم ، و " اللمزة " : الطعان عليهم .

وقال ابن زيد : " الهمزة " الذي يهمز الناس بيده ويضربهم ، و " اللمزة " : الذي يلمزهم بلسانه ويعيبهم .

وقال سفيان الثوري : ويهمز بلسانه ويلمز بعينه . 

ومثله قال ابن كيسان : " الهمزة " الذي يؤذي جليسه بسوء اللفظ و " اللمزة " الذي يومض بعينه ويشير برأسه ، ويرمز بحاجبه وهما نعتان للفاعل ، نحو سخرة وضحكة : للذي يسخر ويضحك من الناس [ والهمزة واللمزة ، ساكنة الميم ، الذي يفعل ذلك به ] .
وأصل الهمز : الكسر والعض على الشيء بالعنف .

واختلفوا فيمن نزلت هذه الآية ؟ 
قال الكلبي : نزلت في الأخنس بن شريق بن وهب الثقفي كان يقع في الناس ويغتابهم .

وقال محمد بن إسحاق : ما زلنا نسمع أن سورة الهمزة
 [ نزلت في أمية بن خلف الجمحي ] .

وقال مقاتل : نزلت في الوليد بن المغيرة ، كان يغتاب النبي - صلى الله عليه وسلم - من ورائه ويطعن عليه في وجهه .

وقال مجاهد : هي عامة في حق كل من هذه صفته .


الَّذِي جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ (2)
ثم وصفه فقال : ( الذي جمع مالا ) قرأ أبو جعفر ، وابن عامر ، وحمزة ، والكسائي : " جمع " بتشديد الميم على التكثير ، وقرأ الآخرون بالتخفيف . ( وعدده ) أحصاه ، وقال مقاتل : استعده وادخره وجعله عتادا له ، يقال : أعددت [ الشيء ] وعددته إذا أمسكته .
 


يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ (3)
"يحسب أن ماله أخلده"، في الدنيا، يظن أنه لا يموت مع يساره.
 

كَلَّا ۖ لَيُنبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ (4)
"كلا"، رداً عليه أن لا يخلده ماله، "لينبذن"، ليطرحن، "في الحطمة"، في جهنم، والحكمة من أسماء النار، مثل: سقر، ولظى، سميت حطمة لأنها تحطم العظام وتكسرها.
 

وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ (5)
"وما أدراك ما الحطمة".
 

نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ (6)
"نار الله الموقدة".

 
الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ (7)
"التي تطلع على الأفئدة"، 
أي التي يبلغ ألمها ووجعها إلى القلوب، والاطلاع والبلوغ بمعنىً واحد، يحكى عن العرب: متى طلعت أرضنا؟
 أي بلغت. ومعنى الآية: أنها تأكل كل شيء منه حتى تنتهي إلى فؤاده، قاله القرظي والكلبي.


إِنَّهَا عَلَيْهِم مُّؤْصَدَةٌ (8)
" إنها عليهم مؤصدة "، مطبقة مغلقة.


فِي عَمَدٍ مُّمَدَّدَةٍ (9)
( في عمد ممددة ) قرأ حمزة والكسائي وأبو بكر : ( في عمد ) بضم العين والميم ، وقرأ الآخرون بفتحهما ، كقوله تعالى : رفع السماوات بغير عمد ترونها ( الرعد - 2 ) وهما جميعا جمع عمود ، مثل : أديم وأدم [ وأدم ] ، قاله الفراء .

وقال أبو عبيدة : جمع عماد ، مثل : إهاب وأهب وأهب .

قال ابن عباس : أدخلهم في عمد فمدت عليهم بعماد .
[ وقيل : " في عمد ممددة ] : في أعناقهم الأغلال السلاسل .

[ وقيل : " هي عمد ممددة " : على باب جهنم ] ، سدت عليهم بها الأبواب [ لا يمكنهم الخروج ] .

وقال قتادة : بلغنا أنها عمد يعذبون بها في النار .

وقيل : هي أوتاد الأطباق التي تطبق على أهل النار ، أي أنها مطبقة عليهم بأوتاد ممددة ، وهي في قراءة عبد الله " بعمد " بالباء .

قال مقاتل : أطبقت الأبواب عليهم ثم سدت بأوتاد من حديد من نار حتى يرجع عليهم غمها وحرها ، فلا يفتح عليهم باب ولا يدخل عليهم روح ، والممددة من صفة العمد ، 
أي مطولة فتكون أرسخ من القصيرة .

...   ....   .....  ....

تفسير سورة الهمزة للشوكاني 

الويل: هو مرتفع على الابتداء، وسوّغ الابتداء به مع كونه نكرة كونه دعاء عليهم، وخبره: {لّكُلّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ} والمعنى: خزي، أو عذاب، أو هلكة أو واد في جهنم لكل همزة لمزة. 

قال أبو عبيدة، والزجاج: الهمزة اللمزة الذي يغتاب الناس، وعلى هذا هما بمعنى وقال أبو العالية، والحسن، ومجاهد، وعطاء بن أبي رباح: الهمزة الذي يغتاب الرجل في وجهه، واللمزة: الذي يغتابه من خلفه.
وقال قتادة عكس هذا.

وروي عن قتادة، ومجاهد أيضاً أن الهمزة: الذي يغتاب الناس في أنسابهم.

وروي عن مجاهد أيضاً أن الهمزة: الذي يهمز الناس بيده. واللمزة الذي يلمزهم بلسانه.

وقال سفيان الثوري: يهمزهم بلسانه، ويلمزهم بعينه.

وقال ابن كيسان الهمزة: الذي يؤذي جلساءه بسوء اللفظ، واللمزة: الذي يكسر عينه على جليسه، ويشير بيده وبرأسه وبحاجبه، والأوّل أولى، 

ومنه قول زياد الأعجم:
تدلي بودّي إذا لاقيتني كذبا
               وإن أغيب فأنت الهامز اللمزه

وقول الآخر:
إذا لقيتك عن سخط تكاشرني
                وإن تغيبت كنت الهامز اللمزه

وأصل الهمز: الكسر. يقال: همز رأسه كسره، 

ومنه قول العجاج:
ومن همزنا رأسه تهشما 

وقيل: أصل الهمز واللمز: الضرب والدفع. يقال: همزه يهمزه همزاً، ولمزه يلمزه لمزاً: إذا دفعه وضربه، 

ومنه قول الشاعر؛
ومن همزنا عزه تبركعا 
             على أسته زوبعة أو زوبعا

البركعة: القيام على أربع. يقال بركعه، فتبركع، أي: صرعه، فوقع على أسته. 

كذا في الصحاح، وبناء فعلة يدلّ على الكثرة، ففيه دلالة على أنه يفعل ذلك كثيراً، وأنه قد صار ذلك عادة له، ومثله ضحكة ولعنة.

 قرأ الجمهور: {همزة لمزة} بضم أوّلهما، وفتح الميم فيهما. وقرأ الباقر، والأعرج بسكون الميم فيهما. 
وقرأ أبو وائل، والنخعي، والأعمش: {ويل للهمزة اللمزة} والآية تعمّ كلّ من كان متصفاً بذلك، ولا ينافيه نزولها عل سبب خاص، فإن الاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. 

{الذى جَمَعَ مَالاً وَعَدَّدَهُ} الموصول بدل من كلّ، أو في محل نصب على الذمّ، وهذا أرجح؛
 لأن البدل يستلزم أن يكون المبدل منه في حكم الطرح، وإنما وصفه سبحانه بهذا الوصف؛ 
لأنه يجري مجرى السبب، والعلة في الهمز واللمز، وهو إعجابه بما جمع من المال، وظنه أنه الفضل، فلأجل ذلك يستقصر غيره. 

قرأ الجمهور: {جمع} مخففاً. وقرأ ابن عامر، وحمزة، والكسائي بالتشديد. 

وقرأ الجمهور: {وعدّده} بالتشديد. 
وقرأ الحسن، والكلبي، ونصر بن عاصم، وأبو العالية بالتخفيف، والتشديد في الكلمتين يدلّ على التكثير وهو جمع الشيء بعد الشيء، وتعديده مرّة بعد أخرى. 

قال الفراء: معنى: {عدّده} أحصاه.

وقال الزجاج: وعدّده لنوائب الدّهور. يقال: أعددت الشيء وعددته: إذا أمسكته.
 قال السديّ: أحصى عدده.

وقال الضحاك: أعدّ ماله لمن يرثه. 
وقيل: المعنى فاخر بكثرته وعدده، والمقصود ذمه على جمع المال، وإمساكه، وعدم إنفاقه في سبيل الخير. 

وقيل: المعنى على قراءة التخفيف في {عدّده}: أنه جمع عشيرته وأقاربه. 
قال المهدوي: من خفف {وعدّده}، فهو معطوف على المال، أي: وجمع عدده.

وجملة: {يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ} مستأنفة: لتقرير ما قبلها، ويجوز أن تكون في محل نصب على الحال، 
أي: يعمل عمل من يظنّ أن ماله يتركه حياً مخلداً لا يموت.

وقال عكرمة: يحسب أن ماله يزيد في عمره، والإظهار في موضع الإضمار للتقريع والتوبيخ. 
وقيل: هو تعريض بالعمل الصالح، وأنه الذي يخلد صاحبه في الحياة الأبدية لا المال. وقوله: {كَلاَّ} ردع له عن ذلك الحسبان 
أي: ليس الأمر على ما يحسبه هذا الذي جمع المال وعدده، واللام في: {لَيُنبَذَنَّ فِى الحطمة} جواب قسم محذوف، أي: ليطرحنّ في النار، وليلقينّ فيها. 

قرأ الجمهور: {لينبذنّ} وقرأ عليّ، والحسن، ومحمد بن كعب، ونصر بن عاصم، ومجاهد، وحميد، وابن محيصن: {لينبذانّ} بالتثنية، أي: لينبذ هو وماله في النار.

 وقرأ الحسن أيضاً: {لينبذنّ} أي: لينبذن ماله في النار. 

{وَمَا أَدْرَاكَ مَا الحطمة}؟ هذا الاستفهام للتهويل والتفظيع حتى كأنها ليست مما تدركه العقول، وتبلغه الأفهام.

 ثم بيّنها سبحانه فقال: {نَارُ الله الموقدة} أي: هي نار الله الموقدة بأمر الله سبحانه، وفي إضافتها إلى الاسم الشريف تعظيم لها وتفخيم، 
وكذلك في وصفها بالإيقاد. وسميت حطمة: لأنها تحطم كل ما يلقى فيها وتهشمه،

 ومنه:
إنا حطمنا بالقضيب مصعبا 
                   يوم كسرنا أنفه ليغضبا
قيل: هي الطبقة السادسة من طبقات جهنم. 
وقيل: الطبقة الثانية منها. 
وقيل: الطبقة الرابعة {التى تَطَّلِعُ عَلَى الأفئدة} 
أي: يخلص حرّها إلى القلوب فيعلوها ويغشاها، وخصّ الأفئدة مع كونها تغشى جميع أبدانهم؛ لأنها محلّ العقائد الزائغة، أو لكون الألم إذا وصل إليها مات صاحبها، 
أي: إنهم في حال من يموت، وهم لا يموتون. 

وقيل معنى: {تَطَّلِعُ عَلَى الأفئدة} أنها تعلم بمقدار ما يستحقه كل واحد منهم من العذاب، وذلك بأمارات عرّفها الله بها.

 {إِنَّهَا عَلَيْهِم مُّؤْصَدَةٌ} أي: مطبقة مغلقة، كما تقدّم بيانه في سورة البلد، يقال أصدت الباب: إذا أغلقته، ومنه قول قيس بن الرقيات:
إن في القصر لو دخلنا غزالا 
                  مصفقاً موصداً عليه الحجاب

{فِى عَمَدٍ مُّمَدَّدَةِ} في محل نصب على الحال من الضمير في {عليهم}، أي: كائنين في عمد ممدّدة موثقين فيها، أو في محلّ رفع على أنه خبر مبتدأ محذوف،
 أي: هم في عمد، أو صفة لمؤصدة،
 أي: مؤصدة بعمد ممدّدة.

 قال مقاتل: أطبقت الأبواب عليهم، ثم شدّت بأوتادٍ من حديد، فلا يفتح عليهم باب، ولا يدخل عليهم روح.

ومعنى كون العمد ممدّدة: أنها مطوّلة، 
وهي: أرسخ من القصيرة. 
وقيل: العمد أغلال في جهنم، وقيل: القيود.
 قال قتادة: المعنى: هم في عمد يعذّبون بها، واختار هذا ابن جرير.

 قرأ الجمهور: {في عمد} بفتح العين، والميم. وقيل: هو اسم جمع لعمود. وقيل: جمع له. قال الفرّاء: هي جمع لعمود كأديم وأدم.

وقال أبو عبيدة: هي جمع عماد. وقرأ حمزة، والكسائي، وأبو بكر بضم العين، والميم جمع عمود. قال الفرّاء: هما جمعان صحيحان لعمود. واختار أبو عبيد، وأبو حاتم وقراءة الجمهور. 
قال الجوهري: العمود عمود البيت، وجمع القلة أعمدة، وجمع الكثرة عمد وعمد، وقرئ بهما. قال أبو عبيدة: العمود كل مستطيل من خشب أو حديد.

وقد أخرج سعيد بن منصور، وابن أبي الدنيا، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه من طرق عن ابن عباس أنه سئل عن قوله: {وَيْلٌ لّكُلّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ} قال: هو المشاء بالنميمة، المفرّق بين الجمع، المغري بين الإخوان.

وأخرج ابن جرير عنه: {وَيْلٌ لّكُلّ هُمَزَةٍ} قال: طعان. {لُّمَزَةٍ} قال: مغتاب.

وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر عنه أيضاً في قوله: {إِنَّهَا عَلَيْهِم مُّؤْصَدَةٌ} قال: مطبقة. {فِى عَمَدٍ مُّمَدَّدَةِ} قال: عمد من نار.

وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن مسعود قال: هي الأدهم.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: الأبواب هي الممدّدة.

وأخرج ابن جرير عنه في الآية قال: أدخلهم في عمد، فمدّت عليهم في أعناقهم، فشدّت بها الأبواب.

......   ...

تفسير سورة الهمزة ابن الجوزي 

قوله تعالى: {ويل لكل هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ}
 اختلفوا في الهُمَزَة واللُّمَزَة هل هما بمعنى واحد، أم مختلفان؟ على قولين.

أحدهما: أنهما مختلفان. ثم فيهما سبعة أقوال.
_أحدها: 
أن الهُمَزَة: المُغْتَاب، واللُّمَزَة: العيَّاب، قاله ابن عباس.

_والثاني:
 أن الهُمَزَة: الذي يهمز الإنسان في وجهه. واللُّمَزَة: يَِلْمِزُه إذا أدبر عنه، قاله الحسن، وعطاء، وأبو العالية.

_والثالث: 
أن الهُمَزَة: الطعَّان في الناس، واللُّمَزَة: الطعَّان في أنساب الناس، قاله مجاهد.

_والرابع: 
أن الهُمَزَة: بالعين، واللُّمَزَة: باللسان، قاله قتادة.

_والخامس:
 أن الهُمَزَة: الذي يهمز الناس بيده ويضربهم، واللُّمَزَة: الذي يَلْمِزهم بلسانه، قاله ابن زيد.

_والسادس:
 أن الهُمَزَة: الذي يهمز بلسانه، واللُّمَزَة: الذي يلمز بعينه، قاله سفيان الثوري.

_والسابع:
 أن الهُمَزَة: المغتاب، واللُّمَزَة: الطاعن على الإنسان في وجهه، قاله مقاتل.


والقول الثاني: أن الهُمَزَة: العَيَّاب الطعان، واللُّمَزَة مثله. وأصل الهمز واللمز: الدفع، قاله ابن قتيبة،
 وكذلك قال الزجاج: الهُمَزَة اللُّمَزَة: الذي يغتاب الناس ويَغُضُّهم. 
قال الشاعر:
إذا لَقِيتُكَ عَنْ كُرْهٍ تُكَاشِرُني
            وإن تَغَيَّبْتُ كُنْتَ الهَامِزَ اللُّمَزَهْ

قوله تعالى: {الذي جمع مالاً} قرأ أبو جعفر، وابن عامر، وحمزة، والكسائي، وخلف، وروح {جَمَّع} بالتشديد. والباقون بالتخفيف.

قوله تعالى: {وَعَدَّده} قرأ الجمهور بتشديد الدال.
 وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي، والحسن، وابن يعمر بتخفيفها.

وللمفسرين في معنى الكلام قولان:

_أحدهما:
 أحصى عَدَدَه، قاله السدي.

_والثاني: 
أَعَدَّه لما يكفيه في السِّنين، قاله عكرمة. 

قال الزجاج: من قرأ {عدَّده} بالتشديد، فمعناه: عدَّده للدهور.
 ومن قرأ {عَدَدَه} بالتخفيف، فمعناه: جمع مالاً وَعَدَداً. أي: وقوماً اتخذهم أنصاراً.

قوله تعالى: {يحسب أنَّ ماله أخلده} أخلده بمعنى يخلده، والمعنى: يظن ماله مانعاً له من الموت، فهو يعمل عمل من لا يظن أنه يموت 

{كلا} أي: لا يخلده ماله ولا يبقى له 
{ليُنْبَذَنَّ} أي: ليُطْرَحَنَّ
 {في الحطمة} وهو اسم من أسماء جهنم. 

سميت بذلك لأنها تحطم ما يُلقى فيها،
 أي: تكسره، فهي تكسر العظم بعد أكلها اللحم.
 ويقال للرجل الأكول: إنه لَحُطَمة. وقرأ أبو بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، وأبو عبد الرحمن، والحسن، وابن أبي عبلة، وابن محيصن، {لينبذانِّ} بألف ممدودة، وبكسر النون، وتشديدها، أي: هو وماله.


قوله تعالى: {التي تَطَّلع على الأفئدة} أي: تأكل اللحم والجلود حتى تقع على الأفئدة فتحرقها، 
قال الفراء: يبلغ ألمها الأفئدةَ.
 والاطِّلاع والبلوغ قد يكونان بمعنى واحد، والعرب تقول: متى طلعَت أرضنا؟
 أي: بلغتَ. 

وقال ابن قتيبة: تَطَّلع على الأفئدة، أي: توفي عليها وتشرف. وخص الأفئدة، لأن الألم إذا صار إلى الفؤاد مات صاحبه، فأخبر أنهم في حال من يموت، وهم لا يموتون. وقد ذكرنا تفسير {المؤصدة} في سورة [البلد: 20].

قوله تعالى: {في عَمَدٍ} قرأ حمزة، وخلف، والكسائي، وعاصم إلا حفصاً بضم العين، وإسكان الميم.

 قال المفسرون: وهي أوتاد الأطباق التي تطبق على أهل النار. 

و{في} بمعنى الباء. 
والمعنى: مطبَقة بعُمُدٍ.
 قال قتادة: وكذلك هو في قراءة عبد الله. وقال مقاتل: أُطبقت الأبواب عليهم، ثم شُدَّت بأوتادٍ من حديد، حتى يرجع عليهم غَمُّها وحَرُّها. 
و{ممدَّدة} صفة العُمُد، أي: أنها ممدودة مطوّلة، وهي أرسخ من القصيرة. 
وقال قتادة: هي عُمُدٌ يعذَّبون بها في النار.
 وقال أبو صالح: {في عَمَدٍ مُمَدَّدة} قال: القيود الطوال.

.....    ......     ........

تفسير سورة الهمزة لابن عطية  

ويل} لفظ يجمع الشر والحزن، وقيل {ويل}: واد في جهنم، والهمزة الذي يهمز الناس بلسانه أي يعيبهم، ويغتابهم،

 وقال ابن عباس: هو المشاء بالنميم.

قال القاضي أبو محمد: ليس به لكنهما صفتان تتلازم، قال الله تعالى: {هماز مشاء بنميم} [القلم: 11]،

 وقال مجاهد: الهمزة الذي يأكل لحوم الناس، 

وقيل لأعرابي: أتهمز إسرائيل فقال: إني إذاً لرجل سوء، حسب أنه يقال له أتقع في سبه، واللمزة قريب من المعنى في الهمزة،
 قال الله تعالى: {ولا تلمزوا أنفسكم} [الحجرات: 11]، 

وقرأ ابن مسعود والأعمش والحسن: {ويل الهمزة اللمزة}، وهذا البناء الذي هو فعلة يقتضي المبالغة في معناه،

 قال أبو العالية والحسن: الهمز بالحضور واللمز بالمغيب، وقال مقاتل ضد هذا، 
وقال مرة: هما سواء، 
وقال ابن أبي نجيح: الهمز باليد والعين: واللمز باللسان، 
وقال تعالى: {ومنهم من يلمزك في الصدقات} [التوبة: 58] 
وقيل نزلت هذه الآية في الأخنس بن شريق وقيل في جميل بن عامر الجمحي ثم هي تتناول كل من اتصف بهذه الصفات،
 وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي والحسن وأبو جعفر: {جمّع} بشدة الميم، والباقون بالتخفيف، وقوله {وعدده} معناه: أحصاه وحافظ على عدده وأن لا ينتقص، فمنعه من الخيرات ونفقة البر، وقال مقاتل: المعنى استعده وذخره وقرأ الحسن: {وعدَدَه} بتخفيف الدالين، 
فقيل المعنى جمع مالاً وعدداً من عشرة، 
وقيل أراد عدداً مشدداً فحل التضعيف، وهذا قلق، 

وقوله: {يحسب أن ماله أخلده} معناه: يحسب أن ماله هو معنى حياته وقوامها، وأنه حفظه مدة عمره ويحفظه، ثم رد على هذه الحسبة وأخبر إخباراً مؤكداً أنه ينبذ {في الحطمة} أي التي تحطيم ما فيها وتلتهبه، 
وقرأ: {يحسَب} بفتح السين الأعرج وأبو جعفر وشيبة، 

وقرأ ابن محيصن والحسن بخلاف عنه: {لينبذان} بنون مكسورة مشددة قبلها ألف، يعني هو ماله،

 وروي عنه ضم الذال على نبذ جماعة هو ماله وعدده، أو يريد جماعة الهمزات ثم عظم شأنها وأخبر أنها {نار الله الموقدة} التي يبلغ إحراقها القلوب ولا يخمد، والفؤاد القلب، ويحتمل أن يكون المعنى أنها لا يتجاوزها أحد حتى تأخذه بواجب عقيدة قلبه ونيته فكأنها متطلعة على القلوب باطلاع الله تعالى إياها، ثم أخبر بأنها عليهم موصدة ومعناه مطبقة أو مغلقة، 

قال علي بن أبي طالب: أبواب النار بعضها فوق بعض، 

وقوله تعالى: {في عمد} هو جمع عمود كأديم وأدم، وهي عند سبيويه أسماء جمع لا جموع جارية على الفعل،
 
وقرأ ابن مسعود: {موصدة بعمد ممدّدة}،
 وقال ابن زيد: المعنى في عمد حديد مغلولين بها والكل من نار، 
وقال أبو صالح: هذه النار هي في قبورهم، 

وقرأ عاصم في رواية أبي بكر وحمزة والكسائي: {عُمُد} بضم العين والميم، 

وقرأ الباقون وحفق عن عاصم بفتحهما، 

وقرأ الجمهور: {ممددةٍ} بالخفض على نعت العمد، 

وقرأ عاصم: {ممددة} بالرفع على اتباع {موصدة}.
نجز تفسيرها بحمد الله.

.......    ......    ....

تفسير سورة الهمزة لابن تيمية

قال شَيْخُ الْإِسْلَامِ رَحِمَهُ اللَّهُ:

قوله: {وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ} 
هُوَ الطَّعَّانُ الْعَيَّابُ كَمَا قال: {هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ} 
وَقال: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ} 
وَقال: {الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} 
وَالْهَمْزُ: أَشَدُّ ؟
لِأَنَّ الْهَمْزَ الدَّفْعُ بِشِدَّةِ وَمِنْهُ الْهَمْزَةُ مِنْ الْحُرُوفِ وَهِيَ نَقْرَةٌ فِي الْحَلْقِ وَمِنْهُ: {وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ} وَمِنْهُ قول النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ مِنْ هَمْزِهِ وَنَفْخِهِ وَنَفْثِهِ»
 وَقال: (هَمْزُهُ الموتة) وَهِيَ الصَّرْعُ فَالْهَمْزُ مِثْلُ الطَّعْنِ لَفْظًا وَمَعْنًى. 
وَاللَّمْزُ كَالذَّمِّ وَالْعَيْبِ وَإِنَّمَا ذَمَّ مَنْ يُكْثِرُ الْهَمْزَ. 
وَاللَّمْزَ فَإِنَّ الْهُمَزَةَ وَاللُّمَزَةَ هُوَ الَّذِي يَفْعَلُ ذَلِكَ كَثِيرًا 

و(الْهُمْزَةُ) و(اللُّمْزَةُ) الَّذِي يَفْعَلُ ذَلِكَ بِهِ. كَمَا فِي نَظَائِرِهِ مِثْلُ الضُّحْكَةِ وَالضُّحَكَةِ وَاللُّعْبَةِ وَاللُّعَبَةِ 

وَقوله: {الَّذِي جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ} وَصَفَهُ بِالطَّعْنِ فِي النَّاسِ وَالْعَيْبِ لَهُمْ وَبِجَمْعِ الْمَالِ وَتَعْدِيدِهِ وَهَذَا نَظِيرُ قوله: {وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} {الَّذِينَ يَبْخَلُونَ} فِي (الْحَدِيدِ) وَنَظِيرُهَا فِي الْمَعْنَى فِي (النِّسَاءِ) 

فَإِنَّ الْهُمَزَةَ اللُّمَزَةَ يُشْبِهُ الْمُخْتَالَ الْفَخُورَ وَالْجَمَّاعُ الْمُحْصِي نَظِيرُ الْبَخِيلِ. 

وَكَذَلِكَ نَظِيرُهُمَا: قوله: {هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ} وَصَفَهُ بِالْكِبْرِ وَالْبُخْلِ 

وَكَذَلِكَ قوله: {وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ واستغنى} فَهَذِهِ خَمْسُ مَوَاضِعَ وَذَلِكَ نَاشِئٌ عَنْ حُبِّ الشَّرَفِ وَالْمَالِ فَإِنَّ مَحَبَّةَ الشَّرَفِ تُحْمَلُ عَلَى انْتِقَاصِ غَيْرِهِ بِالْهَمْزِ وَاللَّمْزِ وَالْفَخْرِ وَالْخُيَلَاءِ وَمَحَبَّةُ الْمَالِ تُحْمَلُ عَلَى الْبُخْلِ وَضِدُّ ذَلِكَ مَنْ أعطى فَلَمْ يَبْخَلْ واتقى فَلَمْ يَهْمِزْ وَلَمْ يَلْمِزْ وَأَيْضًا فَإِنَّ الْمُعْطِيَ نَفَعَ النَّاسَ وَالْمُتَّقِيَ لَمْ يَضُرَّهُمْ فَنَفَعَ وَلَمْ يَضُرَّ وَأَمَّا الْمُخْتَالُ الْفَخُورُ الْبَخِيلُ فَإِنَّهُ بِبُخْلِهِ مَنَعَهُمْ الْخَيْرَ وَبِفَخْرِهِ سَامَهُمْ الضُّرَّ فَضَرَّهُمْ وَلَمْ يَنْفَعْهُمْ وَكَذَلِكَ 

{الْهُمَزَةُ الَّذِي جَمَعَ مَالًا} وَنَظِيرُهُ قَارُونُ الَّذِي جَمَعَ مَالًا وَكَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ. 
وَمَنْ تَدَبَّرَ القرآن وَجَدَ بَعْضَهُ يُفَسِّرُ بَعْضًا فَإِنَّهُ كَمَا قال ابْنُ عَبَّاسٍ فِي رِوَايَةِ الوالبي: 
مُشْتَمِلٌ عَلَى الْأَقْسَامِ وَالْأَمْثَالِ وَهُوَ تَفْسِيرُ: مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ.

وَلِهَذَا جَاءَ كِتَابُ اللَّهِ جَامِعًا. كَمَا قال صلى الله عليه وسلم: «أُعْطِيت جَوَامِعَ الْكَلِمِ».

وقال تعالى: {كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ} فَالتَّشَابُهُ يَكُونُ فِي الْأَمْثَالِ وَالْمَثَانِي فِي الْأَقْسَامِ فَإِنَّ التَّثْنِيَةَ فِي مُطْلَقِ التَّعْدِيدِ.
 كَمَا قَدْ قِيلَ فِي قوله: {ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ} وَكَمَا فِي قول حُذَيْفَةَ «كُنَّا نَقول بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ: رَبِّ اغْفِرْ لِي رَبِّ اغْفِرْ لِي»،
 وَكَمَا يُقال: فَعَلْت هَذَا مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ فَتَثْنِيَةُ اللَّفْظِ يُرَادُ بِهِ التَّعْدِيدُ؛ 
لِأَنَّ الْعَدَدَ مَا زَادَ عَلَى الواحد وَهُوَ أَوَّلُ التَّثْنِيَةِ وَكَذَلِكَ ثَنَيْت الثَّوْبَ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَرَّتَيْنِ فَقَطْ أَوْ مُطْلَقَ الْعَدَدِ فَهُوَ جَمِيعُهُ مُتَشَابِهٌ يُصَدِّقُ بَعْضُهُ بَعْضًا لَيْسَ مُخْتَلِفًا بَلْ كُلُّ خَبَرٍ وَأمر مِنْهُ يُشَابِهُ الْخَبَرَ لِاتِّحَادِ مَقْصُودِ الْأمريْنِ وَلِاتِّحَادِ الْحَقِيقَةِ الَّتِي إلَيْهَا مَرْجِعُ الْمَوْجُودَاتِ. 
فَلَمَّا كَانَتْ الْحَقَائِقُ الْمَقْصُودَةُ وَالْمَوْجُودَةُ تَرْجِعُ إلَى أصل واحد وَهُوَ اللَّهُ سبحانه. كَانَ الْكَلَامُ الْحَقُّ فِيهَا خَبَرًا وَأمرا مُتَشَابِهًا لَيْسَ بِمَنْزِلَةِ الْمُخْتَلِفِ الْمُتَنَاقِضِ. 

كَمَا يُوجَدُ فِي كَلَامِ أَكْثَرِ الْبَشَرِ وَالْمُصَنِّفُونَ الْكِبَارُ مِنْهُمْ يَقولونَ شَيْئًا ثُمَّ يَنْقُضُونَهُ وَهُوَ جَمِيعُهُ مَثَانِي؛
 لِأَنَّهُ اُسْتُوْفِيَتْ فِيهِ الْأَقْسَامُ الْمُخْتَلِفَةُ فَإِنَّ اللَّهَ يَقول: {وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خلقنا زَوْجَيْنِ}

 فَذِكْرُ الزَّوْجَيْنِ مَثَانِي وَالْإِخْبَارُ عَنْ الْحَقَائِقِ بِمَا هِيَ عَلَيْهِ بِحَيْثُ يَحْكُمُ عَلَى الشَّيْءِ بِحُكْمِ نَظِيرِهِ وَهُوَ حُكْمٌ عَلَى الْمَعْنَى الواحد الْمُشْتَرَكِ خَبَرًا أَوْ طَلَبًا خِطَابٌ مُتَشَابِهٌ فَهُوَ مُتَشَابِهٌ مَثَانِي.

وَهَذَا فِي الْمَعَانِي مِثْلُ الْوُجُوهِ وَالنَّظَائِرِ فِي الْأَلْفَاظِ فَإِنَّ كُلَّ شَيْئَيْنِ مِنْ الْأَعْيَانِ وَالْأَعْرَاضِ وَغَيْرِ ذَلِكَ

 إمَّا أَنْ يَكُونَ أحدهُمَا مِثْلَ الْآخَرِ أَوْ لَا يَكُونَ مِثْلَهُ فَهِيَ الْأَمْثَالُ وَجَمْعُهَا هُوَ التَّأْلِيفُ وَإِذَا جَاءَتْ بلفظ واحد كَانَتْ نَظَائِرَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِثْلَهُ فَهُوَ خِلَافُهُ سَوَاءٌ كَانَ ضِدًّا أَوْ لَمْ يَكُنْ 

وَقَدْ يُقال: إمَّا أَنْ يَجْمَعَهُمَا جِنْسٌ أَوْ لَا فَإِنْ لَمْ يَجْمَعْهُمَا جِنْسٌ فَأحدهُمَا بَعِيدٌ عَنْ الْآخَرِ وَلَا مُنَاسَبَةَ بَيْنَهُمَا وَإِنْ جَمَعَهُمَا جِنْسٌ فَهِيَ الْأَقْسَامُ وَجَمْعُهَا هُوَ التَّصْنِيفُ وَدَلَالَةُ اللَّفْظِ الواحد عَلَى الْمَعَانِي الْمُخْتَلِفَةِ تُسَمَّى الْوُجُوهَ. 

وَالْكَلَامُ الْجَامِعُ هُوَ الَّذِي يَسْتَوْفِي الْأَقْسَامَ الْمُخْتَلِفَةَ وَالنَّظَائِرَ الْمُتَمَاثِلَةَ جَمْعًا بَيْنَ الْمُتَمَاثِلَيْنِ وَفَرْقًا بَيْنَ الْمُخْتَلِفَيْنِ.
 بِحَيْثُ يَبْقَى مُحِيطًا وَإِلَّا فَذِكْرُ أحد الْقِسْمَيْنِ أَوْ الْمِثْلَيْنِ لَا يُفِيدُ التَّمَامَ وَلَا يَكُونُ الْكَلِمُ مُحِيطًا وَلَا الْكَلِمُ جَوَامِعَ وَهُوَ فِعْلُ غَالِبِ النَّاسِ فِي كَلَامِهِمْ. 

وَالْحَقَائِقُ فِي نَفْسِهَا: مِنْهَا الْمُخْتَلِفُ وَمِنْهَا الْمُؤْتَلِفُ وَالْمُخْتَلِفَانِ بَيْنَهُمَا اتِّفَاقٌ مِنْ وَجْهٍ وَافْتِرَاقٌ مِنْ وَجْهٍ فَإِذَا أَحَاطَ الْكَلَامُ بِالْأَقْسَامِ الْمُخْتَلِفَةِ وَالْأَمْثَالِ الْمُؤْتَلِفَةِ كَانَ جَامِعًا وَبِاعْتِبَارِ هَذِهِ الْمَعَانِي كَانَتْ ضُرُوبُ الْقِيَاسِ الْعَقْلِيِّ الْمَنْطِقِيِّ ثَلَاثَةً: 
_الْحَمْلِيَّاتُ
_ وَالشَّرْطِيَّاتُ الْمُتَّصِلَةُ 
_وَالشَّرْطِيَّاتُ الْمُنْفَصِلَةُ. 

فَالْأَوَّلُ لِلْحَقَائِقِ الْمُتَمَاثِلَةِ الدَّاخِلَةِ فِي الْقَضِيَّةِ الْجَامِعَةِ. 

وَالثَّانِي لِلْمُخْتَلِفَاتِ الَّتِي لَيْسَتْ مُتَضَادَّةً بَلْ تتلَازَمُ تَارَةً وَلَا تتلَازَمُ أُخْرَى.

وَالثَّالِثُ لِلْحَقَائِقِ الْمُتَضَادَّةِ الْمُتَنَافِيَةِ إمَّا وُجُودًا أَوْ عَدَمًا وَهِيَ النَّقِيضَانِ 
وَإِمَّا وُجُودًا فَقَطْ وَهُوَ أَعَمُّ مِنْ النَّقِيضَيْنِ
 وَإِمَّا عَدَمًا فَقَطْ وَهُوَ أَخَصُّ مِنْ النَّقِيضَيْنِ. 

فَالْحَمْلِيَّاتُ لِلْمِثْلَيْنِ وَالْأَمْثَالِ وَالشَّرْطِيَّاتُ الْمُنْفَصِلَةُ لِلْمُتَضَادَّيْنِ وَالْمُتَضَادَّاتِ وَيُسَمَّى التَّقْسِيمَ

 وَالسَّبْرَ وَالتَّرْدِيدَ وَالْبَيَانِيَّ وَالْمُتَّصِلَةُ لِلْخِلَافَيْنِ غَيْرِ الْمُتَضَادَّيْنِ وَيُسَمَّى التَّلَازُمَ. اهـ.

...     .......     ......

تفسير سورة الهمزة لابن عثيمين 

{ويل لكل همزة} في هذه السورة يبتدىء الله سبحانه وتعالى بكلمة {ويل} وهي كلمة وعيد، 
أي أنها تدل على ثبوت وعيد لمن اتصف بهذه الصفات. {همزة لمزة} إلى آخره،
 وقيل: إن {ويل} اسم لوادٍ في جهنم 
ولكن الأول أصح.

 {لكل همزة لمزة} كل من صيغ العموم، والهمزة واللمزة وصفان لموصوف واحد، فهل هما بمعنى واحد؟ 
أو يختلفان في المعنى؟

قال بعض العلماء: إنهما لفظان لمعنى واحد، يعني أن الهمزة هو اللمزة. 
وقال بعضهم: بل لكل واحد منهما معنى غير المعنى الآخر.

وثم قاعدة أحب أن أنبه عليها في التفسير وغير التفسير وهي: 
أنه إذا دار الأمر بين أن تكون الكلمة مع الأخرى بمعنى واحد، أو لكل كلمة معنى، فإننا نجعل لكل واحدة معنى، 
لأننا إذا جعلنا الكلمتين بمعنى واحد صار في هذا تكرار لا داعي له، لكن إذا جعلنا كل واحدة


لها معنى صار هذا تأسيسًا وتفريقًا بين الكلمتين، والصحيح في هذه الآية {لكل همزة لمزة} أن بينهما فرقًا: فالهمز: بالفعل. واللمز: باللسان، 

كما قال الله تعالى: {ومنهم من يلمزك في الصدقات فإن أعطوا منها رضوا وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون} [التوبة: 58] .

 فالهمز بالفعل يعني أنه يسخر من الناس بفعله 
إما أن يلوي وجهه، أو يعبس بوجهه. 
أو بالإشارة يشير إلى شخص، انظروا إليه ليعيبه أو ما أشبه ذلك، فالهمز يكون بالفعل، واللمز باللسان، وبعض الناس ـ والعياذ بالله ـ مشغوف بعيب البشر إما بفعله وهو الهمَّاز، وإما بقوله وهو اللمَّاز، 

وهذا كقوله تعالى: {ولا تطع كل حلاَّف مهين. هَّماز مشاء بنميم} [القلم: 10، 11] .

 {الذي جمع مالاً وعدده} هذه أيضاً من أوصافه القبيحة جماع مناع، يجمع المال، ويمنع العطاء، فهو بخيل لا يعطي يجمع المال ويعدده.

 {وعدده} وقيل: معنى التعديد يعني الإحصاء يعني لشغفه بالمال كل مرة يذهب إلى الصندوق ويعد، يعد الدراهم في الصندوق في الصباح، وفي آخر النهار يعدها، وهو يعرف أنه لم يأخذ منه شيئاً ولم يضف إليه شيئاً لكن لشدة شغفه بالمال يتردد عليه ويعدده، ولهذا جاءت بصيغة المبالغة

 {عدده} يعني أكثر تعداده لشدة شغفه ومحبته له يخشى أن يكون نقص، أو يريد أن يطمئن زيادة على ما سبق فهو دائماً يعدد المال.

وقيل معنى {عدده} أي جعله عُدة له يعني ادخره لنوائب الدهر، وهذا وإن كان اللفظ يحتمله لكنه بعيد، لأن إعداد المال لنوائب الدهر مع القيام بالواجب بأداء ما يجب فيه من زكاة وحقوق ليس مذموماً، 
وإنما المذموم أن يكون أكبر هم الإنسان هو المال، يتردد إليه ويعدده، وينظر هل زاد، هل نقص، فالقول بأن المراد عدده أي: جمعه للمستقبل قول ضعيف.

 {يحسب أن ماله أخلده} يعني يظن هذا الرجل أن ماله سيخلده ويبقيه، 
إما بجسمه 
وإما بذكره، 
لأن عمر الإنسان ليس ما بقي في الدنيا، بل عمر الإنسان حقيقة ما يخلده بعد موته، ويكون ذكراه في قلوب الناس وعلى ألسنتهم، 

فيقول في هذه الآية: {يحسب أن ماله أخلده} أي: أخلد ذكره أو أطال عمره، والأمر ليس كذلك. فإن أهل الأموال إذا لم يُعرفوا بالبذل والكرم فإنهم يخلدون لكن بالذكر السيىء.

 فيقال: أبخل من فلان، وأبخل من فلان ويذكر في المجالس ويعاب، ولهذا قال: {كلا لينبذن في الحطمة} {كلا} هنا يسميها العلماء حرف ردع 
أي: تردع هذا القائل أو هذا الحاسب عن قوله أو عن حسبانه. 

ويحتمل أن تكون بمعنى حقًّا «يعني حقاً لينبذن» وكلاهما صحيح، هذا الرجل لن يخلده ماله، ولن يخلد ذكراه، بل سينسى ويطوى ذكره، وربما يذكر بالسوء لعدم قيامه بما أوجب الله عليه من البذل. 

{لينبذن في الحطمة} اللام هذه واقعة في جواب القسم المقدر، والتقدير «والله لينبذن في الحطمة» أي: يطرح طرحاً. 

وإذا قلنا: أن اللام لجواب القسم صارت هذه الجملة مؤكدة باللام، ونون التوكيد، والقسم المحذوف.

 ومثل هذا كثير في القرآن الكريم، أي تأكيد الشيء باليمين، واللام، والنون. والله تعالى يقسم بالشيء تأكيداً له وتعظيماً لشأنه.

وقوله: {لينبذن} ما الذي يُنبذ هل هو صاحب المال أو المال؟ كلاهما ينبذ، أما صاحب المال فإن الله يقول في آية أخرى: {يوم يدَّعون إلى نار جهنم دعًّا} [الطور: 13] . أي: يدفعون

، وهنا يقول: «ينبذ» أي يطرح في الحطمة،
 والحطمة هي التي تحطم الشيء، أي: تفتته وتكسره فما هي؟
 قال الله تعالى: {وما أدراك ما الحطمة} وهذه الصيغة للتعظيم والتفخيم {نار الله الموقدة} هذا

الجواب:
 أي: هي نار الله الموقدة. وأضافها الله سبحانه وتعالى إلى نفسه؛ لأنه يعذب بها من يستحق العذاب فهي عقوبة عدل وليست عقوبة ظلم. 

أي: نار يحرق الله بها من يستحق أن يُعذب بها، إذاً هي نار عدل وليست نار ظلم. 
لأن الإحراق بالنار قد يكون ظلماً وقد يكون عدلاً، فتعذيب الكافرين في النار لا شك أنه عدل، وأنه يُثنى به على الرب عز وجل حيث عامل هؤلاء بما يستحقون. 
وتأمل قوله: {الحطمة} مع فعل هذا الفاعل {همزة لمزة} حطمة، وهمزة لمزة، على وزن واحد ليكون الجزاء مطابقاً للعمل حتى في اللفظ 

{نار الله الموقدة} أي: المسجّرة المسعرة. 
{التي تطلع على الأفئدة} الأفئدة جمع فؤاد وهو القلب. 


والمعنى: أنها تصل إلى القلوب ـ والعياذ بالله ـ من شدة حرارتها، مع أن القلوب مكنونة في الصدور وبينها وبين الجلد الظاهر ما بينها من الطبقات لكن مع ذلك تصل هذه النار إلى الأفئدة.

{إنها عليهم} أي: الحطمة وهي نار الله الموقدة أي على الهمَّاز واللمَّاز الجمَّاع للمال المناع للخير،
 وأعاد الضمير بلفظ الجمع مع أن المرجع مفرد باعتبار المعنى،
 لأن {لكل همزة} عام يشمل جميع الهمَّازين وجميع اللمَّازين 

{مؤصدة} أي: مغلقة، مغلقة الأبواب لا يُرجى لهم فرج ـ والعياذ بالله ـ {كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها} [السجدة: 20]

 يعني: يرفعون إلى أبوابها حتى يطمعوا في الخروج ثم بعد ذلك يركسون فيها ويعادون فيها، كل هذا لشدة التعذيب؛ 

لأن الإنسان إذا طمع في الفرج وأنه سوف ينجو ويخلص يفرح، فإذا أعيد صارت انتكاسة جديدة،
 فهكذا يعذبون بضمائرهم وأبدانهم، وعذاب أهل النار مذكور مفصل في القرآن الكريم والسنة النبوية. 

تأمل الان لو أن إنسانًا كان في حجرة أو في سيارة اتقدت النيران فيها وليس له مهرب، الأبواب مغلقة ماذا
يكون؟
 في حسرة عظيمة لا يمكن أن يماثلها حسرة. فهم ـ والعياذ بالله ـ هكذا في النار، النار عليهم مؤصدة 

{في عمد ممددة} أي: أن هذه النار مؤصدة، وعليها أعمدة ممدة أي ممدودة على جميع النواحي والزوايا حتى لا يتمكن أحد من فتحها أو الخروج منها. 

حكى الله سبحانه وتعالى ذلك علينا وبينه لنا في هذه السورة لا لمجرد أن نتلوه بألسنتنا، أو نعرف معناه بأفهامنا، لكن المراد أن نحذر من هذه الأوصاف الذميمة: عيب الناس بالقول، وعيب الناس بالفعل، والحرص على المال حتى كأن الإنسان إنما خلق للمال ليخلد له، أو يخلد المال له، ونعلم أن من كانت هذه حاله فإن جزاءه هذه النار التي هي كما وصفها الله، الحطمة، تطلع على الأفئدة، مؤصدة، في عمد ممدة. نسأل الله تعالى أن يجيرنا منها، وأن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل والاستقامة على دينه.


........    ...  .........    .....
تفسير سورة الهمزة للبيضاوي

{وَيْلٌ لّكُلّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ} الهمز الكسر كالهزم، واللمز الطعن كاللهز فشاعا في الكسر من أعراض الناس والطعن فيهم، وبناء فعله يدل على الاعتياد فلا يقال ضحكة ولعنة إلا للمكثر المتعود،

 وقرئ: {همزة لمزة} بالسكون على بناء المفعول وهو المسخرة الذي يأتي بالأضاحيك فيضحك منه ويشتم. 

ونزولها في الأخنس بن شريق فإنه كان مغياباً، أو في الوليد بن المغيرة واغتيابه رسول الله صلى الله عليه وسلم.

{الذى جَمَعَ مَالاً} بدل من كل أو ذم منصوب أو مرفوع، وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي بالتشديد للتكثير 

{وَعَدَّدَهُ} وجعله عدة للنوازل أو عدة مرة بعد أخرى، ويؤيده أنه قرئ: {وَعَدَّدَهُ} على فك الإِدغام.

{يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ} تركه خالداً في الدنيا فأحبه كما يحب الخلود، أو حب المال أغفله عن الموت أو طول أمله حتى حسب أنه مخلد فعمل عمل من لا يظن الموت، وفيه تعريض بأن المخلد هو السعي للآخرة.

{كَلاَّ} ردع له عن حسبانه.
 {لَيُنبَذَنَّ} ليطرحن. 

{فِى الحطمة} في النار التي من شأنها أن تحطم كل ما يطرح فيها.

{وَمَا أَدْرَاكَ مَا الحطمة} ما هذه النار التي لها هذه الخاصية.

{نَارُ الله} تفسير لها. {الموقدة} التي أوقدها الله وما أوقده لا يقدر غيره أن يطفئه.

{التى تَطَّلِعُ عَلَى الأفئدة} تعلو أوساط القلوب وتشتمل عليها، وتخصيصها بالذكر لأن الفؤاد ألطف ما في البدن وأشده ألماً، أو لأنه محل العقائد الزائفة ومنشأ الأعمال القبيحة.

{إِنَّهَا عَلَيْهِم مُّؤْصَدَةٌ} مطبقة من أوصدت الباب إذا أطبقته،
 قال:
تحن إلى أجبال مكة ناقتي 
              وَمَنْ دُونِهَا أبواب صنعاء مُوصَدَة
وقرأ حفص وأبو عمرو وحمزة بالهمزة.

{فِى عَمَدٍ مُّمَدَّدَةِ} أي موثقين في أعمدة ممدودة مثل المقاطر التي تقطر فيها اللصوص وقرأ الكوفيون غير حفص بضمتين، 
وقرئ: {عُمْدٍ} بسكون الميم مع ضم العين.

عن النبي صلى الله عليه وسلم: «من قرأ سورة الهمزة أعطاه الله عشر حسنات بعدد من استهزأ بمحمد عليه الصلاة والسلام وأصحابه» رضوان الله عليهم أجمعين.

....     .....   .......
تفسير سورة الهمزة للنسفي 

{وَيْلٌ} مبتدأ خبره 
{لّكُلّ هُمَزَةٍ} أي الذي يعيب الناس من خلفهم
 {لُّمَزَةٍ} أي من يعيبهم مواجهة. وبناء (فعلة) يدل على أن ذلك عادة منه.

 قيل: نزلت في الأخنس بن شريق وكانت عادته الغيبة والوقيعة. 

وقيل: في أمية بن خلف. 

وقيل: في الوليد. 

ويجوز أن يكون السبب خاصاً والوعيد عاماً ليتناول كل من باشر ذلك القبيح 

{الذى} بدل من كل أو نصب على الذم {جَمَعَ مَالاً} {جَمَعَ} شامي وحمزة وعلي مبالغة جمع وهو مطابق لقوله
 {وَعَدَّدَهُ} أي جعله عدة لحوادث الدهر 

{يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ} أي تركه خالداً في الدنيا لا يموت أو هو تعريض بالعمل الصالح وأنه هو الذي أخلد صاحبه في النعيم، فأما المال فما أخلد أحداً فيه {كَلاَّ} ردع له عن حسبانه

 {لَيُنبَذَنَّ} أي الذي جمع {فِى الحطمة} في النار التي شأنها أن تحطم كل ما يلقى فيها 

{وَمَا أَدْرَاكَ مَا الحطمة} تعجيب وتعظيم {نَارُ الله} خبر مبتدأ محذوف أي هي نار الله {الموقدة} نعتها {التى تَطَّلِعُ عَلَى الافئدة} 
يعني أنها تدخل في أجوافهم حتى تصل إلى صدورهم وتطلع على أفئدتهم وهي أوساط القلوب، ولا شيء في بدن الإنسان ألطف من الفؤاد ولا أشد تألماً منه بأدنى أذى يمسه، فكيف إذا اطلعت عليه نار جهنم واستولت عليه؟ 

وقيل: خص الأفئدة لأنها مواطن الكفر والعقائد الفاسدة، ومعنى اطلاع النار عليها أنها تشتمل عليها {إِنَّهَا عَلَيْهِم} أي النار أو الحطمة

 {مُّؤْصَدَةُ} مطبقة {فِى عَمَدٍ} {بضمتين} كوفي حفص، الباقون 
{فِى عَمَدٍ} وهما لغتان في جمع عماد كإهاب وأهب وحمار وحمر 
{مُّمَدَّدَةِ} أي تؤصد عليهم الأبواب وتمدد على الأبواب العمد استيثاقاً في استيثاق.

 في الحديث: «المؤمن كيس فطن وقاف متثبت لا يعجل عالم ورع، والمنافق همزة لمزة حطمة كحاطب الليل لا يبالي من أين اكتسب وفيم أنفق» والله أعلم.

......   .......   ......
تفسير سورة الهمزة لابن جزي 

{وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ (1) الَّذِي جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ (2) يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ (3) كَلَّا لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ (4) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ (5) نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ (6) الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ (7) إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ (8) فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ (9)}

{ويْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ} هو على الجملة الذي يعيب الناس ويأكل أعراضهم، واشتقاقه من الهمز واللمز، وصيغة فعلة للمبالغة، واختلف في الفرق بين الكلمتين
 فقيل: الهمز في الحضور، واللمز في الغيبة، 
وقيل: بالعكس. 
وقيل: الهمز باليد والعين، واللمز باللسان، 
وقيل: هما سواء. 

ونزلت السورة في الأخنس بن شريق لأنه كان كثير الوقيعة في الناس 
وقيل: في أمية بن خلف، وقيل في الوليد بن المغيرة. ولفظها مع ذلك على العموم في كل من اتصف بهذه الصفات

 {وَعَدَّدَهُ} أي أحصاه وحافظ على عدده أن لا ينقص فمنعه من الخيرات،
 وقيل: معناه استعدّه وادّخره عدّة لحوادث الدهر 

{يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ} أي يظن لفرط جهله واغتراره أن ماله يخلده في الدنيا، 
وقيل: يظن أن ماله يوصله إلى دار الخلد {كَلاَّ} رد على فيما ظنه

 {لَيُنبَذَنَّ فِي الحطمة} هذا جواب قسم محذوف والحطمة هي جهنم، 
وإنما سميت حُطَمة لأنها تحطم ما يلقى فيها، وتلتهبه 

وقد عظّمها بقوله: {وَمَآ أَدْرَاكَ} ثم فسّرها بأنها {نَارُ الله الموقدة * التي تَطَّلِعُ عَلَى الأفئدة} أي: تبلغ القلوب بإحراقها 

قال ابن عطية: يحتمل أن يكون المعنى أنها تطلع على ما في القلوب من العقائد والنيّات باطلاع الله إياها 
{مُّؤْصَدَةٌ} مغلقة {فِي عَمَدٍ مُّمَدَّدَةِ} العمد جمع عمود وهو عند سيبويه اسم جمع وقرئ في عُمُد بضمتين، 
والعمود هو: المستطيل من حديد أو خشب والمددة الطويلة، وفي المعنى قولان:

_ أحدهما: أن أبواب جهنم أغلقت عليهم، ثم مدت على أبوابها عُمُدٌ تشديداً في الإغلاق والثقاف كما تثقف أبواب البيوت بالعمد، وهو على هذا متعلق بمؤصدة، 

_والآخر أنهم موثوقون مغلولون في العمد، فالمجرور على هذا في موضع خبر مبتدأ مضمر تقديره: هم موثوقون في عمد.

....    ......    ......
تفسير  سورة الهمزة للزمخشري 

{وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ (1) الَّذِي جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ (2) يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ (3) كَلَّا لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ (4) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ (5) نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ (6) الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ (7) إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ (8) فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ (9)}

الهمز: الكسر، كالهرم.
 واللمز: الطعن. 
يقال: لمزه لهزه طعنه، 
والمراد: الكسر من أعراض الناس والغض منهم، واغتيابهم؛ والطعن فيهم وبناء {فعلة}
 يدلّ على أنّ ذلك عادة منه قد ضرى بها. ونحوهما: اللعنة والضحكة. 

قال:
وَإنِ أُغَيَّبْ فَأَنْتَ الْهَامِزُ اللُّمَزَهْ 

وقرئ: {ويل للهمزة اللمزة} وقرئ: {ويل لكل همزة لمزة} بسكون الميم: وهو المسخرة الذي يأتي بالأوابد والأضاحيك فيضحك منه، ويشتم. 

وقيل: نزلت في الأخنس بن شريق وكانت عادته الغيبة والوقيعة. 
وقيل: في أمية بن خلف.
 وقيل: في الوليد بن المغيرة واغتيابه لرسول الله صلى الله عليه وسلم وغضه منه. 

ويجوز أن يكون السبب خاصاً والوعيد عاماً، ليتناول كل من باشر ذلك القبيح، وليكون جارياً مجرى التعريض بالوارد فيه، فإنّ ذلك أزجر له وأنكى فيه {الذى} بدل من كل. أو نصب على الذم. 
وقرئ: {جمع} بالتشديد، وهو مطابق لعدده. 

وقيل: {عدّده} جعله عدة لحوادث الدهر.

 وقرئ: {وعدده} أي: جمع المال وضبط عدده وأحصاه. أو جمع ماله وقومه الذين ينصرونه، من قولك: فلان ذو عدد وعدد: إذا كان له عدد وافر من الأنصار وما يصلحهم.

 وقيل: {وَعَدَّدَهُ} معناه: وعدّه على فك الإدغام،
 نحو: ضننوا {أَخْلَدَهُ} وخلده بمعنى أي: طوّل المال أمله، ومنّاه الأماني البعيدة، حتى أصبح لفرط غفلته وطول أمله يحسب أنّ المال تركه خالداً في الدنيا لا يموت. أو يعمل من تشييد البنيان الموثق بالصخر والآجر وغرس الأشجار وعمارة الأرض: عمل من يظن أن ماله أبقاه حياً.
 أو هو تعريض بالعمل الصالح. 
وأنه هو الذي أخلد صاحبه في النعيم؛ فأما المال فما أخلد أحداً فيه.

وروي أنه كان للأخنس أربعة آلاف دينار. وقيل: عشرة آلاف.

وعن الحسن: أنه عاد موسراً فقال: ما تقول في ألوف لم أفتد بها من لئيم ولا تفضلت بها على كريم؟ 
قال: ولكن لماذا؟
قال: لنبوة الزمان، وجفوة السلطان، ونوائب الدهر. ومخافة الفقر.

 قال: إذن تدعه لمن لا يحمدك، وترد على من لا يعذرك {كَلاَّ} ردع له عن حسبانه.

 وقرئ: {لينبذان} أي: هو وماله. ولينبذن، بضم الذال، أي: هو وأنصاره. ولينبذنه 

{فِى الحطمة} في النار التي من شأنها أن تحطم كل ما يلقى فيها. ويقال للرجل الأكول: إنه لحطمة. 

وقرئ: {الحاطمة} يعني أنها تدخل في أجوافهم حتى لا تصل إلى صدورهم وتطلع على أفئدتهم، وهي أوساط القلوب، ولا شيء في بدن الإنسان ألطف من الفؤاد، ولا أشدّ تألماً منه بأدنى أذى يمسه، فكيف إذا أطلعت عليه نار جهنم واستولت عليه. 

ويجوز أن يخصّ الأفئدة لأنها مواطن الكفر والعقائد الفاسدة والنيات الخبيثة. 

ومعنى اطلاع النار عليها: أنها تعلوها وتغلبها وتشتمل عليها.
أو تطالع على سبيل المجاز معادن موجبها {مُّؤْصَدَةٌ} مطبقة. قال:
تَحِنُّ إلَى أَجْبَالِ مَكَّةَ نَاقَتِي 
                وَمِنْ دُونِهَا أَبْوَابُ صَنْعَاءَ مُوصَدَهْ
   
وقرئ: {في عمد} بضمتين. وعمد، بسكون الميم. وعمد بفتحتين.
 والمعنى: أنه يؤكد يأسهم من الخروج وتيقنهم بحبس الأبد، فتؤصد عليهم الأبواب وتمدد على الأبواب العمد، استيثاقاً في استيثاق. 
ويجوز أن يكون المعنى: إنها عليهم مؤصدة، موثقين في عمد ممدّدة مثل المقاطر التي تقطر فيها اللصوص. اللهم أجرنا من النار يا خير مستجار.

عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قرأ سورة الهمزة أعطاه الله عشر حسنات بعدد من استهزأ بمحمد وأصحابه»

.....   ......   ....
تفسير سورة الهمزة لابن عبد السلام 

{وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ (1)}
{هُمَزَةٍ} المغتاب واللُّمزة العيَّاب أو الهمزة الذي همز الناس بيده واللمزة الذي يلمزهم بلسانه أو الهمزة الذي يهمز الذي يلمز في وجهه إذا أقبل واللمزة الذي يلمز في خلفه إذا أدبر أو الهمزة الذي يعيب الناس جهراً بيد أو لسان واللمزة الذي يعيبهم سراً بعين أو حاجب نزلت في أبي بن خلف أو جميل بن عامر أو الأخنس بن شريق أو الوليد بن المغيرة أو عامة عند الأكثرين.


{الَّذِي جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ (2)}
{وَعَدَّدَهُ} أحصى عدده أو عَدَّد أنواعه أو أعده لما يكفيه من السنين أو اتخذ لماله من يرثه من أولاده.


{يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ (3)}
{أَخْلَدَهُ} يزيد في عمره أو يمنعه من الموت.


{كَلَّا لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ (4)}
{الْحُطَمَةُ} الباب السادس من أبواب جهنم أو الدرك الرابع منها أو جهنم نفسها لأنها تأكل ما ألقي فيها والحطمة الرجل الأكول أو لأنها تحطم ما فيها أي تكسره.


{الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ (7)}
{تَطَّلِعُ} قال الرسول صلى الله عليه سلم:
 «إن النار تأكل أهلها حتى إذا اطعلت على أفئدتهم انتهت ثم إذا صدروا تعود».



{إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ (8)}
{مُّؤْصَدَةٌ} مطبقه «ح» أو مغلقة بلغة قيس أو مسدودة الجوانب لا يفتح منها جانب فلا يدخلها روح ولا يخرج منها غم.



{فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ (9)}
{عَمَدٍ مُّمَدَّدَةٍ} موصدة بعمد ممدودة أو معذبون فيها بعمد ممددة أو العمد الممددة أغلال في أعناقهم «ع» أو قيود في أرجلهم أو في دهر ممدود.

.....    .....    ......   ......
التفسير الوسيط لسورة الهمزة 

{وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ (1) الَّذِي جَمَعَ مالاً وَعَدَّدَهُ (2) يَحْسَبُ أَنَّ مالَهُ أَخْلَدَهُ (3) كَلاَّ لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ (4) وَما أَدْراكَ مَا الْحُطَمَةُ (5) نارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ (6) الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ (7) إِنَّها عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ (8) فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ (9)} [الهمزة: 104/ 1- 9].

قال عطاء وغيره: نزلت في الأخنس بن شريق، كان يلمز الناس ويغتابهم، وبخاصة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، 

وقيل: في جميل بن عامر الجمحي،

 وقال مقاتل: نزلت في الوليد بن المغيرة، كان يغتاب النبي صلّى اللّه عليه وسلّم من ورائه، ويطعن عليه في وجهه، وروي أيضا أن أمية بن خلف كان يفعل ذلك، 

والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
وهذه قاعدة عامة، فهي تتناول كل من اتصف بهذه الصفات.
هلاك وعذاب وخزي لكل همزة لمزة. والهمزة: الذي يهمز الناس بلسانه، أي يعيبهم ويغتابهم،

 وقال ابن عباس: هو المشاء بالنميم. واللمزة: الذي يغتاب الناس ويطعن في الوجه.

وسبب همزه ولمزه: إعجابه بما جمع من المال وأحصاه وحافظ على عدده ألا ينقص، وظن أن له به الفضل على غيره، فمنعه من الخيرات ونفقة البر.

 يظن أن ماله يضمن له الخلود، ويتركه حيا باقيا لا يموت، لشدة إعجابه بما يجمعه من المال، فلا يفكر فيما بعد الموت.
 ويحسب أيضا أن ماله هو معنى حياته وقوامها، وأنه حفظه مدة عمره ويحفظه.

ثم رد اللّه تعالى عليه هذه المزاعم والأوهام، وأخبر إخبارا مؤكدا أنه ينبذ في الحطمة، أي التي تحطم ما فيها وتلتهمه، لينزجر ويرتدع عما يقول، فليس الأمر كما زعم ولا كما حسب، بل ليلقين ويطرحن هذا الأفاك هو وماله في النار التي تحطم أو تهشم كل ما يلقى فيها.

ثم عظّم اللّه تعالى شأن النار، وأخبر أنهار نار اللّه الموقدة التي يبلغ إحراقها القلوب ولا تخمد،
 و(الفؤاد) القلب.
 وما أعلمك ما هذه النار، وأي شيء هي؟ 
فكأنها لا تدركها العقول والأفكار، هي النار المستعرة بأمر اللّه تعالى، التي لا تخمد أبدا.

وفائدة وصف جهنم بالحطمة: 
مناسبتها لحال المتكبر، المتجبر بماله، المترفع على غيره، فهي تكسر كسرا كل ما يلقى فيها، لا تبقي ولا تذر. وإضافة {نارُ اللَّهِ} للتفخيم، أي هي نار، لا كسائر النيران.

ثم وصف اللّه تعالى النار بأوصاف ثلاثة، وأخبر بها خبرا دائما عاما، وهي:

 التي تعلو وتصل إلى القلوب وتغشاها بحرها الشديد، وتحرقهم وهم أحياء، وتتجدد الحياة ويدوم العذاب، والقلوب أشد أجزاء البدن تألما، وخصت بالذكر، لأنها محل العقائد الزائغة، والنيات الخبيثة، وسوء الأخلاق من الكبر واحتقار الناس، والأعمال القبيحة.

 وهي عليهم مطبقة، مغلقة عليهم أبوابها جميعا، فلا منافذ، ولا يستطيعون الخروج منها، كما جاء في آية أخرى: {عَلَيْهِمْ نارٌ مُؤْصَدَةٌ} .

وقال اللّه تعالى مبينا استمرار بقائهم فيها: {كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيها} . 
قال علي رضي اللّه عنه: أبواب النار بعضها فوق بعض.

وهي أيضا كائنة ثابتة في أعمدة ممددة طويلة موثّقة، 

قال مقاتل: أطبقت الأبواب عليهم، ثم شدّت بأوتاد من حديد، فلا يفتح عليهم باب، ولا يدخل عليهم روح، 
قال ابن زيد: المعنى: في عمد حديد مغلولين لها، والكل من نار.

والآية تفيد المبالغة في العذاب، بقوله تعالى: {لَيُنْبَذَنَّ} أي أنه موضع، له قعر عميق جدا كالبئر، وأن أبوابها لا تفتح ليزيد في حسرتهم، وتغلق إغلاقا محكما، للتيئيس من الخروج منها، وممددة في أعمدة دائمة اللهب، فلا أمل في إطفائها أو تخفيف شدة حرارتها.

إن من يشاهد أفران النار للتوتر العالي، أو مراكز الطاقة الذرية المتفجرة، أو البراكين التي تظهر فيها المعادن والحجارة منصهرة كالماء السيّال أو النيران المتآكلة، يفزع كل الفزع، ويهرب من غير وعي ولا عقل، فكيف بنيران جهنم التي هي أشد من جميع نيران الدنيا؟! 
ونار الدنيا جزء من سبعين أو مائة جزء من نار الآخرة، عافانا اللّه منها.
.......     ......     ........

تفسير الجلاليين لسورة الهمزة 

{وَيْلٌ} كلمة عذاب، أو واد في جهنم {لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ} أي كثير الهمز واللمز، أي الغيبة. 
نزلت فيمن كان يغتاب النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين كأمية بن خلف والوليد بن المغيرة وغيرهما.


{الذى جَمَعَ} بالتخفيف والتشديد {مَالاً وَعَدَّدَهُ} أحصاه وجعله عدّة لحوادث الدهر.


{يَحْسَبُ} لجهله {أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ} جعله خالداً لا يموت.

{كَلاَّ} ردع {لَيُنبَذَنَّ} جواب قسم محذوف أي ليطرحنّ {فِى الحطمة} التي تحطم كل ما ألقي فيها.


{وَمَآ أَدْرَاكَ} أعلمك {مَا الحطمة}.


{نَارُ الله الموقدة} المسعرة.

{التى تَطَّلِعُ} تشرف {عَلَى الأفئدة} القلوب فتحرقها وألمها أشدّ من ألم غيرها للطفها.


{إِنَّهَا عَلَيْهِم} جمع الضمير رعاية لمعنى (كل) {مُّؤْصَدَةُ} بالهمز وبالواو بدلها مطبقة.


{فِى عَمَدٍ} بضم الحرفين وبفتحهما {مُّمَدَّدَةِ} صفة لما قبله فتكون النار داخل العمد.
......   .....   ...

التفسير الميسر لسورة الهمزة 


{وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ (1)}
شر وهلاك لكل مغتاب للناس، طعان فيهم.


{الَّذِي جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ (2)}
الذي كان همُّه جمع المال وتعداده.


{يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ (3)}
يظن أنه ضَمِنَ لنفسه بهذا المال الذي جمعه، الخلود في الدنيا والإفلات من الحساب


{كَلاَّ لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ (4)}
ليس الأمر كما ظن، ليُطرحنَّ في النار التي تهشم كل ما يُلْقى فيها.



{وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ (5)}
وما أدراك- أيها الرسول- ما حقيقة النار؟



{نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ (6) الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الأَفْئِدَةِ (7)}
إنها نار الله الموقدة التي من شدتها تنفُذ من الأجسام إلى القلوب


{إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُوصَدَةٌ (8) فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ (9)}
إنها عليهم مطبَقة في سلاسل وأغلال مطوَّلة؛ لئلا يخرجوا منها.

......   .......    .......

إعراب سورة الهمزة 

وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ ﴿١﴾الَّذِي جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ ﴿٢﴾يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ﴿٣﴾كَلَّا لَيُنبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ ﴿٤﴾وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ ﴿٥﴾نَارُ اللَّـهِ الْمُوقَدَةُ ﴿٦﴾الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ ﴿٧﴾إِنَّهَا عَلَيْهِم مُّؤْصَدَةٌ ﴿٨﴾فِي عَمَدٍ مُّمَدَّدَةٍ ﴿٩﴾


وَيْلٌ: مُبتدأٌ مرفوعٌ وعلامة رفعه تنوين الضّم.

لِّكُلِّ: اللّام: حرفُ جرٍّ مبني على الكسر. كُلِّ: اسمٌ مجرور بـ (اللام) وعلامة جرّه الكسرة، وشبه الجُملة في محلّ رفع خبر، وهو مُضاف.

هُمَزَةٍ: مُضافٌ إليه مجرور وعلامة جرّه تنوين الكسر.

لُّمَزَةٍ: بدلٌ أو نعتٌ لـ (هُمَزَةٍ) مجرور وعلامة جرّه تنوين الكسر.

الَّذِي: اسمٌ موصولٌ مبني السّكون في محلِّ جرّ نعت.

جَمَعَ: فعلٌ ماضٍ مبني على الفتح، والفاعل: ضميرٌ مُستترٌ تقديره هو. والجُملة الفعليّة صلة الموصول لا محلّ لها من الإعراب.

مَالًا: مفعولٌ بهِ منصوب وعلامة نصبه تنوين الفتح.

وَعَدَّدَهُ: الواو: حرفُ عطفٍ مبني على الفتح. عَدَّدَ: فعلٌ ماضٍ مبني على الفتح، والفاعل: ضميرٌ مُستتر تقديره هو، والهاء: ضميرٌ مُتّصلٌ مبني على الضّم في محلّ نصب مفعول به.

يَحْسَبُ: فعلٌ مُضارعٌ مرفوعٌ وعلامة رفعه الضّمة، والفاعل: ضميرٌ مُستترٌ تقديره هو.

أَنَّ: حرفٌ مصدري ونصب مبني على الفتح.

مَالَهُ: اسم (أَنَّ) منصوب وعلامة نصبه الفتحة، وهو مُضاف، والهاء: ضميرٌ مُتّصل مبني على الضّم في محلّ جرّ مُضاف إليه.

أَخْلَدَهُ: أَخْلَدَ: فعلٌ ماضٍ مبني على الفتح، والفاعل: ضميرٌ مُستترٌ تقديره هو، والهاء: ضميرٌ مُتّصل مبني على الضّم في محلّ نصب مفعول به، والجُملة الفعليّة (أَخْلَدَهُ) في محلّ رفع خبر (أَنَّ). والمصدر المؤول من (أنّ واسمها وخبرها) سدّ مسدّ مفعولي (يَحْسَبُ).

كَلَّا: حرفُ ردعٍ وزجرٍ مبني على السّكون.

لَيُنبَذَنَّ: اللّام: حرفُ توكيد أو قَسَم. يُنْبَذَن: فعلٌ مُضارعٌ مبني للمجهول مبني على الفتحِ لاتّصاله بنون التّوكيد الثّقيلة، ونون التّوكيد الثّقيلة: لا محلّ لها من الإعراب، ونائبُ الفاعل: ضميرٌ مُستترٌ تقديره هو.

فِي: حرفُ جرٍّ مبني على السّكون.

الْحُطَمَةِ: اسمٌ مجرورٌ بـ (في) وعلامة جرّه الكسرة.

وَمَا: الواو: حرفُ استئناف. مَا: اسمُ استفهامٍ مبني على السّكون في محلِّ رفع مُبتدأ.

أَدْرَاكَ: أَدْرَى: فعلٌ ماضٍ مبني على الفتح المُقدّر على الألف الممدودة منع من ظهورها التّعذّر، والفاعل: ضميرٌ مُستترٌ يعود على ما، والكاف: ضميرٌ مُتّصلٌ مبني على الفتح في محلّ نصبٍ مفعول به أوّل. والجُملة الفعليّة (أَدْرَاكَ) في محلّ رفع خبر المُبتدأ (مَا).

مَا: اسمُ استفهامٍ مبني على السّكون في محلِّ رفع مُبتدأ.

الْحُطَمَةُ: خبرٌ مرفوعٌ وعلامة رفعه الضّمة، والجُملة الاسميّة (مَا الحُطَمَةُ) في محلِّ نصب مفعول به ثانٍ لـ (أَدْرى).

نَارُ: خبرٌ مرفوعٌ لمُبتدأ محذوف تقديره هي (الحُطَمَةُ)، وهو مُضاف.

اللَّـهِ: لفظُ الجلالةِ مُضاف إليه مجرور وعلامة جرّه الكسرة.

الْمُوقَدَةُ: نعتٌ لـ (نار) مرفوعٌ وعلامة رفعه الضّمة.

الَّتِي: اسمٌ موصولٌ مبني على السّكون في محلّ رفع نعت ثان لـ (نار).

تَطَّلِعُ: فعلٌ مُضارعٌ مرفوعٌ وعلام رفعه الضّمة، والفاعل: ضميرٌ مُستترٌ تقديره (هي) يعودُ على النّار. والجُملة الفعليّة صلة الموصول لا محلّ لها من الإعراب.

عَلَى: حرفُ جرٍّ مبني على السّكون.

الْأَفْئِدَةِ: اسمٌ مجرورٌ بـ (عَلَى) وعلامة جرّه الكسرة.

إِنَّهَا: إِنَّ: حرفُ توكيد ونصب مبني على الفتح. الهاء: ضميرٌ مُتّصل مبني على السّكون في محلّ نصب اسم إِنَّ.

عَلَيْهِم: عَلَى: حرفُ جرٍّ مبني على السّكون، هم: ضميرٌ مُتّصل مبني على السّكون في محلّ جرِّ بحرف الجر.

مُّؤْصَدَةٌ: خبرُ إنَّ مرفوعٌ وعلامة رفعه تنوين الضّم.

فِي: حرفُ جرٍّ مبني على السّكون.

عَمَدٍ: اسمٌ مجرورٌ بـ (فِي) وعلامة جرّه تنوين الكسر. وشبه الجُملة (فِي عَمَدٍ) خبرٌ ثانٍ لـ (إِنَّ).

مُّمَدَّدَةٍ: نعتٌ لـ (عَمِدٍ) مجرور وعلامة جرّه تنوين الكسر

....     ......    ........

خواطر وإضاءات علي سورة الهمزة 

_توعد الله سبحانه بالويل :وهو كلمة عذاب، أو واد في جنهم من اتصف بهذه الصفات
 وهي: الهمز واللمز وجمع المال وتعداده والانشغال به عن ذكر الموت وما بعده، 
ثم بين سبحانه عاقبة من اتصف بهذه الصفات ومصيره الذي ينتظره بأنه سيطرح ويلقى في نارٍ حطمةٍ موقد شديد حرها، مغلقة الأبواب دائماً وأبداً لا يمكن الخروج منها. بقي أن نعرف تفسير هذه الصفات التي رُتَبت عليها هذه العقوبات الشديدة لنأخذ حذرنا منها.

أما الهمزة: فهو الذي يهمز الناس بفعله، 
بمعنى أنه يشير إليهم بيده وعينه على وجه التنقص و الازدراء لهم 

واللمزة: هو الذي يلمز الناس بقوله فيسلط لسانه بسبهم واغتيابهم والكلام في أعراضهم، 
ومن صفات هذا الهماز اللماز أيضاً أنه لا هم له سوى جمع المال وتعديده والانشغال بتنميته، بالنهار يجمع هذا إلى وبالليل ينام كأنه جيفة منتنة، وقد أخذ عليه كل وقته ومع هذا لا رغبة في الإنفاق في طرق الخيرات:(وَجَمَعَ فَأَوْعَى) ويظن أن هذا المال سيخلده في الدنيا ويزيد من عمره، ولم يدر أن البخل يقصم العمر ويخرب الديار، وأن البر يزيد في العمر.
 وقد حمله إعجابه بماله على تنقص غيره فصار همزة لمزة، إن من كانت هذه صفاته  ؛الهمز والانشغال بجمع المال عن الاستعداد للآخرة سيكون مصيره وخيماً، وعذابه أليماً. 
سيلقى أسوأ مصير (لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ) أي نار تُحطم ما يلقى فيها وتهشمه بقوة.


_والحطمة: هي إحدى طبقات النار. ثم بين سبحانه أن هذه النار لا تتصورها العقول ولا تبلغ شدة هولها الأفهام.
 فقال: (وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ)؟
 استفهام للتضخيم والتهويل،
 ثم بينها بقوله: (نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ) فإضافتها إلى الله !لبيان عظم شأنها وشدة هولها، وأخبر أنها موقدة دائماً وأبداً لا تطفأ ولا تبرد، 
(وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ) (الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ) أي: يصل حرها إلى القلوب.
 لا تقتصر على ظاهر البدن أو أطراف الأعضاء، بل يعم حرها ظاهر البدن وباطنه. ثم أخبر سبحانه أن هذه النار مغلقة الأبواب مسدودة المنافذ فقال: (إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ) 
والعمد: أوتاد الأطباق التي تطبق على أهل النار، وتشد تلك الأطباق بالأوتاد حتى يرجع عليهم غمها وحرها فلا يدخل عليهم روح، ولا يخرج منها غم

_ إنه إخبار من أصدق القائلين، وتهديد من عزيز مقتدر يقول للشيء: (كُنْ فَيَكُونُ) إنه وعيد لمن أعجبته نفسه فاحتقر الناس بالهمز واللمز  وأعجبه ماله حتى صار عبداً له، اشتغل به عن طاعة ربه، وحبسه عن واجبه، وصار يظن أنه سيبقى دائماً لهذا المال وسيبقى هذا المال له. لا يفكر في حساب، ولا يخاف من عقاب، ولا يطمع في ثواب، إن هذه السورة العظيمة الكريمة، تحذرنا تحذيراً مؤكداً من هذه الصفات، وتحثنا على الاتصاف بأضدادها من صفات الخير صفة التواضع واحترام المسلمين والكف عن أعراضهم، وإطابة المكاسب وعدم الاغترار بالمال والغني، والانشغال به عما أوجب الله، إن الله لم يحرم علينا جمع المال ومنح الحقوق الواجب والمستحبة. 
إنه سبحانه إنما ذم من (وَجَمَعَ فَأَوْعَى) (الَّذِي جَمَعَ مَالاً وَعَدَّدَهُ يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ) وأثنى على (فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى) 
فاحذروا أن تكون أموالكم سبباً في هلاككم وشقاوتكم.

 (وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً رَجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعاً) إلى قوله تعالى: (الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً)...


_ وجعل من الكبائر أن تنطلق اللسان في أعراض المسلمين، وسمَّى سورة في كتابه العزيز بسورة الهمزة لبيان خطر الهمز واللمز على صاحبه وعلى المجتمع المسلم.
بل توعد الله تعالى من هذا قوله وفعله بالويل.

قال تعالى: {وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ} و{وَيْلٌ} أي: وعيد، ووبال، وشدة عذاب {لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ} الذي يهمز الناس بفعله، ويلمزهم بقوله.
 
فالهماز: الذي يعيب الناس، ويطعن عليهم بالإشارة والفعل، واللماز: الذي يعيبهم بقوله.

قال الله في بيان عقوبتهم: {كَلا لَيُنْبَذَنَّ} أي: ليطرحن {فِي الْحُطَمَةِ  وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ} تعظيم لها، وتهويل لشأنها.

ثم فسرها بقوله: {نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ} التي وقودها الناس والحجارة {الَّتِي} من شدتها {تَطَّلِعُ عَلَى الأفْئِدَةِ} أي: تنفذ من الأجسام إلى القلوب.

فيلقى بهذا الشقي في نار الله الموقدة، التي تصل إلى أعماق الأفئدة والقلوب، فتحيط بها، وتنفذ إليها، فتحرقها إحراقاً تاماً. 

وخصت الأفئدة التي هي القلوب بالذكر  ؟!
لأنها ألطف ما في الأبدان وأشدها تألما بأدنى أذى يصيبها، أو لأنها محل العقائد الزائفة، والنيات الخبيثة، ومنشأ الأعمال السيئة، التي استحق هذا الهمزة اللمزة بسببها العقاب الشديد.

ومع هذه الحرارة البليغة هم محبوسون فيها، قد أيسوا من الخروج منها، ولهذا قال: {إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ} أي: مغلقة {فِي عَمَدٍ} من خلف الأبواب {مُمَدَّدَةٍ} لئلا يخرجوا منها فـ{كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا} (20) سورة السجدة.


_ والتعبير بقوله: {هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ} يدل على أن تلك الصفات القبيحة، كانت عادة متأصلة فيهم؛
 لأن اللفظ الذى بزنة فُعَلَة  بضم الفاء وفتح العين
يؤتى به للدلالة على أن الموصوف به ديدنه ودأبه الإِتيان بهذا الوصف، ومنه قولهم: فلان ضُحَكة: إذا كان يكثر من الضحك.

وهذه صورة لئيمة حقيرة من صور النفوس البشرية حين تخلو من المروءة وتعرى من الإيمان.


_الإسلام يكره هذه الصورة الهابطة من صور النفوس بحكم ترفعه الأخلاقي، وقد نهى عن السخرية واللمز والعيب في مواضع كثيرة من القرآن الكريم، من أمثلتها ما ورد في سورة الحجرات:
 {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} (11) سورة الحجرات.

 
_قال أبو عبد الله الأنطاكي: أشر مكنة الرجل البذاء، وهو: الوقيعة منه، وهي الغيبة؛ 
وذلك أنه لا ينال بذلك منفـعة في الـدنيا ولا في الآخرة، بل يبغضه عليه المتقون، ويهجره الغافلون، وتجتنبه الملائكة، وتفرح به الشياطين.

_والغيبة والنميمة قرينتان، مخرجهما من طريق البغي، والنمام قاتل، والمغتاب آكل الميتة، والباغي مستكبر؛ ثلاثتهم واحد، وواحدهم ثلاثة؛
 فإذا عود نفسه ذلك: رفعه إلى درجة البهتان، فيصير: مغتاباً، مباهتاً، كذاباً؛ فإذا ثبت فيه الكذب والبهتان: صار مجانباً للإيمان.

_فيا من تعيب الناس في زيهم وملبسهم، وخَلقهم وخُلقهم {لَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ } (11) سورة الحجرات.

لا تظهر عيب أخيك فيظهر الله عيبك، ولا تفضح أخاك فيظهر الله سوأتك، واشغل نفسك بعيبك فطوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس. والله المستعان.

الخلاصة :

_ ابتداء الله تعالى سورة الهمزة بتهديد شديد اللهجة بالويل حيث قال يقول في مفتتح السورة 
﴿وَيلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ﴾ وهناك فارق بين الهمز واللمز.

_يُعتبر الهمز تعبير عن الاستهزاء والانتقاص من الآخرين وذلك من خلال استخدام لغة الجسد والإشارات.

_عندما يُحقر الشخص من غيره وينتقص منه بالقول مثل مناداته بالألقاب الاستهزائية، فإن هذا يُسمى لمزًا، ويمكن أن يجمع اللمز بين القول والإشارات.

_يرى ابن زيد أن الهامز هو الشخص الذي يهمز الآخرين بيده كأن يضربهم، بينما اللامز هو الذي يعيب الناس بلسانه.

_يوجد تفسير آخر للهمز : بأنه من يأكل لحوم الناس في غيبتهم، 
بينما اللمز هو الطعان عليهم، ورغم تعدد معاني الهمز واللمز إلا أن المقصود هو التحذير الإلهي من إيذاء الآخرين واحتقارهم.

_ عدم الاغترار بالمال يجب على الإنسان ألا يغتر بماله، لأن مصير جميع الخلق إلى الموت، والمال لا يستطيع أن يُخلد الإنسان في الدنيا.

_ تتضمن سورة الهمزة الذم للبخيل الذي يجمع المال ويُعدده دون أن يبذل منه شيئًا في سبيل الله تعالى.
هدّد الله كل من يظن أن ماله سيخلده في الدنيا بالنار الموقدة التي لا يمكن الهروب منها في الآخرة.

_تؤكد السورة على أن الافتخار بالمال هو باب من أبواب الهلاك، 
لأنه من الواجب على الإنسان أن يحرص على العمل الصالح الذي ينفعه في الخير دون أن يكون كل همه هو جمع المال.

تعليقات