حكم التنجيم ؛ شرح كتاب التوحيد للشيخ محمدبن عبد الوهاب _رحمه الله

حكم التنجيم ؛ شرح كتاب التوحيد للشيخ محمدبن عبد الوهاب _رحمه الله




قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب_ رحمه الله في كتاب التوحيد
" باب ما جاء في التنجيم "

ماهو التنجيم: 

التنجيم لغةً: طلب العلم بالنجوم فالتاء في لفظ التنجيم للطلب فهو تفعيل منه.

_التنجيم شرعاً: هو الاستدلال بالنجوم

حكم التنجيم وأقسامه :

التنجيم: تفعيل نسبة إلى النجوم، 

يعني: الأفعال التي تعتقد في النجوم.

_والتنجيم قسمه العلماء إلى قسمين:

1_قسم شرك بالله جل وعلا، وهذا الذي جعل الإمام محمدبن عبد الوهاب يدخل التنجيم في كتاب التوحيد.

2_وقسم آخر جائز لا بأس به، وإن كان بعض العلماء ينهى عن التوغل فيه، والإكثار منه.

أما القسم الأول:

 فهو الاستدلال بسير النجوم وطلوعها وأفولها على الأمور المستقبلة من الحوادث، كهبوب الرياح، ونزول الأمطار، وحدوث الأمراض، وقيام الحروب، وما أشبه ذلك مما يحدث في الأرض، ولهذا عرف ذلك بعض العلماء،

فقال: هو الاستدلال بالأحوال الفلكية على الحوادث الأرضية، والأحوال الفلكية يعني: 

السير والطلوع والأفول، واقتران بعض النجوم ببعض، وليس المقصود باقترانها أنها تلتصق، ولكنها تتقارب في رأي العين، فيظن الرائي أنها اقترنت، ويسمى ذلك التقارب اقتراناً، فكل ما يضاف إلى النجوم من أن لها تأثيراً في الحوادث، وفي النفوس، والسعود، والأرزاق، والإفقار، أو غير ذلك فهو من الشرك.

وهذا القسم له أقسام عدة، وكلها من الشرك، ومنه ما يكون عند المنجمين، كقولهم: 

_إن الإنسان إذا ولد في النجم الفلاني أو في الفلك الفلاني يكون له كذا وكذا وكذا

_ وإذا سافر في النجم الفلاني يكون له كذا، ويحصل له كذا

_وإذا تزوج بالنجم الفلاني يحصل له كذا

_وإذا عقد صفقة من تجارة أو غيرها في النجم الفلاني يحصل له ربح أو يحصل له خسارة أو ما أشبه ذلك، ...وهذا لا يزال مستعملاً إلى اليوم؛

يستعمله كثير من الناس، فهذا من أقل هذه الأنواع، ومع ذلك فهو من الشرك -نسأل الله العافية-؛

لأن النجوم ليس عندها تصرف، وليس عندها تأثير، وإنما هي مدبَرة مسخرَة، تسير بأمر الواحد القهار جل وعلا، مطيعة خاضعة لربها جل وعلا.


وقسم آخر وهو: 

أن هذه الكواكب لها روحانيات، وهذه الروحانيات تتصرف عندما يُخضع لها، وتُنادى وتطاع، فتنفع وتضر، وهذا فعل المشركين القدامى كقوم إبراهيم عليه السلام وغيرهم؛

فإنهم كانوا يعبدون الكواكب يعتقدون فيها، ولهذا ناظرهم إبراهيم عليه السلام فأبطل عبادتهم، فإنه نظر إلى كوكب فقال -من باب المناظرة:

"    قَالَ هَذَا رَبِّي " [الأنعام:76]، والتقدير: أهذا ربي؟ "  فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ  " [الأنعام:76]، 

والأفول هو: الغروب؛ والإله لا يغيب، وغيبوبته تدل على أنه يجهل، وأنه غير كامل، 

وكذلك قال في القمر وفي الشمس، ثم بعد ذلك قال لهم:
 "  كَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ  " [الأنعام:81]،

 ثم بين الحكم فقال:" الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ يعني:
 بشرك أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ "[الأنعام:82]، فهذا التنجيم من أعظم الشرك وأكبره، ومثل هذا لا يحصل إلا لمن كفر بالله جل وعلا وكفر بشرعه.


وقسم ثالث: 

وهو ربط الأحوال التي تكون في الأرض بهذه الكواكب ربطاً لا ينفك عنه، وهذا زعم باطل أيضاً،

 وقد يستعمله بعض من يدعي الإسلام، فيستدلون على الأحوال التي تكون في الأرض بطلوع الكواكب أو غروبها، أو كون الكوكب الفلاني في البرج الفلاني، أو كونه في وقت كذا، وهذا كثير أيضاً، 

وهو نوع من الشرك، وكل هذا داخل فيما ذكر.


أما القسم الذي هو جائز:

 فهو الاستدلال بالأجرام السماوية على الجهات، وعلى الأوقات، والأعداد، وكذلك الأبعاد، والتفكر في ذلك، فهذا جائز، 
وهذا هو الذي يسمى الآن بـ(علم الفلك)، 

وقد وضعت له الأرصاد والمناظر المكبرة والمقربة، فصار هذا العلم يختلف عن العلم السابق، وهذا العلم نهى العلماء عن الإيغال فيه؛

لأن أقل ما فيه أنه يشغل عن ما هو أفضل منه، ومع ذلك لا ينكر مثل هذا، وهو ليس مقصوداً في الباب.


ماهي الأغراض التي خلقت لها النجوم :

وقد ذكر الله جل وعلا أن النجوم خلقت لأغراض ثلاثة ذكرها لنا جل وعلا:

_الأول:
 أنها زينة للسماء، كما قال جل وعلا:
"  زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ  " [الملك:5].

_الثاني: 
أنها رجوم للشياطين، وفي الآية أيضاً: 
"وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ " [الملك:5]،

وذلك أن الشياطين -مردة الجن- يركب بعضهم بعضاً حتى يصلوا إلى عنان السماء -أي:
 قرب السحاب أو ما أشبه ذلك- ليستمعوا إلى كلام الملائكة، والملائكة يكونون بين السماء والأرض أو يكونون في السحاب أو حيث يشاء الله جل وعلا، فحينما يدبرهم حويأمرهم بتصريف الأمور،

 فإن الجن يريدون أن يستمعوا إلى ما يتكلم به الملائكة فيحاولون استراق السمع، فيلتقطون بعض الكلمات فيأتون بها إلى أوليائهم من السحرة والكهنة، فجعل الله جل وعلا النجوم شهباً يرجمون بها، كما كان الوحي الذي يوحيه الله إلى أوليائه مانعاً لهم من استقراق السمع إلا أن الوحي قد انقطع ولم يبق إلا الرجم الذي يرسل عليهم، فيقتل منهم ما شاء الله أن يقتل، ويسلم بعضهم.


_الأمر الثالث: أنها علامات يهتدى بها، كما قال الله تعالي:
 وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ [النحل:16]، 

يعني: يهتدون في طرقهم في البر والبحر، وهذا شيء مألوف ومعروف، وكذلك يهتدون بها على القبلة والجهات والتي تعرف بها الجهات الأصلية والفرعية


وسيأتي قول قتادة : أن من بحث في النجوم عن غير هذه الأمور الثلاثة فقد أضاع سبيله ونصيبه من الآخرة وضل، وترك ما أمره الله جل وعلا به، واتبع طريق الضلالة.

وأما معرفة النجوم بأحوالها وأبعادها وأجرامها فهذا من هذا النوع؛ 

لأن فيه دليلاً على الله وعظمته جل وعلا، كما أخبر الله جل وعلا عن ذلك في آيات عدة، فهي داخلة في القسم الثالث: قسم الاهتداء بما، فيُهتدى بها إلى الطرق، ويُهتدى بها إلى معرفة الله جل وعلا؛

لكونها من الآيات، مثل: السموات، والأرض، والجبال، والشجر، والنبات، والإنسان، وغير ذلك من المخلوقات التي تدل على وجود الرب جل وعلا. 

 ....   ....  .....

 قال شيخ الإسلام ابن تيمية _رحمه الله : 
التنجيم :

هو الاستدلال بالأحوال الفلكية على الحوادث الأرضية. 

وقال الخطابي: علم النجوم المنهي عنه هو ما يدعيه أهل التنجيم من علم الكوائن والحوادث التي لم تقع وستقع في مستقبل الزمان، كأوقات هبوب الرياح، ومجيء المطر، وظهور الحر والبرد، وتغير الأسعار، وما كان في معناها من الأمور التي يزعمون أنهم يدركون معرفتها بمسير الكواكب في مجاريها واجتماعها وافتراقها، ويدعون أن لها تأثيرًا في السفليات، وأنها تجري على قضايا موجباتها، وهذا منهم تحكم على الغيب، وتعاطٍ لعلم قد استأثر الله به لا يعلم الغيب سواه.

_ واعلم أن التنجيم على ثلاثة أقسام:

أحدها:
 ما هو كفر بإجماع المسلمين
 وهو القول بأن الموجودات في العالم السفلي مركبة على تأثير الكواكب والروحانيات، وأن الكواكب فاعلة مختارة وهذا كفر بإجماع المسلمين، وهذا قول الصابئة المنجمين الذين بعث إليهم إبراهيم الخليل عليه السلام، [كما في الأنعام 75-79] 

ولهذا كانوا يعظمون الشمس والقمر والكواكب تعظيمًا يسجدون لها ويتذللون لها ويسبحونها تسابيح معروفة في كتبهم، ويدعونها دعوات لا تنبغي إلا لخالقها وفاطرها وحده لا شريك له، ويبنون لكل كوكب هيكلاً، أي: موضعًا لعبادته ويصورون فيه ذلك الكوكب، ويتخذونه لعبادته

وتعظيمه، ويزعمون أن روحانية ذلك الكوكب تنْزل عليهم وتخاطبهم وتقضي حوائجهم. 

وتلك الروحانيات هي الشياطين تنَزلت عليهم، وخاطبتهم وقضت حوائجهم.

 وقد صنف بعض المتأخرين في هذا الشرك مصنفًا وذكر صاحب "التذكرة" فيها.

الثاني: 
الاستدلال على الحوادث الأرضية بمسير الكواكب واجتماعها وافتراقها ونحو ذلك، 
ويقول: إن ذلك بتقدير الله ومشيئته، فلا ريب في تحريم ذلك، واختلف المتأخرون في تكفير القائل بذلك. 
وينبغي أن يقطع بكفره، لأنها دعوى لعلم الغيب الذي استأثر الله تعالى بعلمه بما لا يدل عليه.

الثالث
خلق الله النجوم لثلاث :

قوله قال البخاري في: " صحيحه " 
قال قتادة: خلق الله هذه النجوم لثلاث، زينة للسماء، ورجومًا للشياطين، وعلامات يهتدى بها، فمن تأول فيها غير ذلك أخطأ وأضاع نصيبه، وتكلف ما لا علم له به.

هذا الأثر علقه البخاري في "صحيحه" كما قال المصنف وأخرجه عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ والخطيب في كتاب "النجوم" عن قتادة. ولفظه: 
قال: إن الله إنما جعل هذه النجوم لثلاث خصال: 
جعلها زينة للسماء، وجعلها يُهتدى بها، وجعلها رجومًا للشياطين، فمن تعاطى فيها غير ذلك، فقد قال برأيه، وأخطأ حظه، وأضاع نصيبه، وتكلف ما لا علم له به، وإن ناسًا جهلة بأمر الله قد أحدثوا في هذه النجوم كهانة: 
من أعرس بنجم كذا وكذا كان كذا وكذا،
 ومن سافر بنجم كذا وكذا كان كذا وكذا،
 ولعمري ما من نجم إلا يولد به الأحمر والأسود والطويل والقصير والحسن والذميم،
 وما علم هذه النجوم وهذه الدابة وهذا الطائر بشيء من هذا الغيب، ولو أن أحدًا

علم الغيب، لعلمه آدم الذي خلقه الله بيده، وأسجد له ملائكته، وعلمه أسماء كل شيء.

قوله: خلق الله هذه النجوم لثلاث. إلى آخره.
 هذا مأخوذ من القرآن في قوله تعالى:
 {وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُوماً لِلشَّيَاطِينِ} 
 وقوله تعالى: {وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ} 

 وفيه إشارة إلى أن النجوم في السماء الدنيا كما هو ظاهر الآية، وفيه حديث رواه ابن مردويه عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
 "أما السماء الدنيا، فإن الله خلقها من دخان، وجعل فيها سراجًا وقمرًا منيرًا، وزينها بمصابيح النجوم، وجعلها رجومًا للشياطين وحفظًا من كل شيطان رجيم".

وقوله: {وَعَلامَاتٍ} ، 
أي: دلالات على الجهات والبلدان ونحو ذلك يُهتدى بها بصيغة المجهول. 
أي: يهتدي بها الناس في ذلك 
كما قال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} .
 وليس المراد: يهتدون بها في علم الغيب 
ولهذا قال: فمن تأول فيها [غير] ذلك،

 أي: زعم فيها غير ما ذكر الله تعالى في هذه الثلاث، فادعى بها علم الغيب، فقد أخطأ، 

أي: حيث تكلم رجمًا بالغيب وأضاع نصيبه،

 أي: حظه من عمره،
 لأنه اشتغل بما لا فائدة فيه، بل مضرة محضة، وتكلف ما لا علم له به، 

أي: تعاطى شيئًا لا يتصور علمه، لأن أخبار السماء، والأمور المغيبة لا تعلم إلا من طريق الكتاب والسنة، وليس فيهما أزيد مما تقدم.

 قال الداوودي: قول قتادة في النجوم حسن إلا قوله: أخطأ وأضاع نصيبه، فإنه قصر في ذلك، بل قائل ذلك كافر.

فإن قلت: إن المنجمين قد يصدقون بعض الأحيان.

قيل: صدقهم كصدق الكهان يصدقون مرة ويكذبون مائة، وليس في صدقهم مرة ما يدل على أن ذلك علم صحيح كالكهان.


وقد استدل بعض المنجمين بآيات من كتاب الله على صحة علم التنجيم 
منها قوله: {وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ} 

والجواب أنه ليس المراد بهذه الآية أن النجوم علامات على الغيب يهتدي بها الناس في علم الغيب،
 وإنما المعنى وعلامات،

 أي: دلالات على قدرة الله وتوحيده. وعن قتادة ومجاهد أن من النجوم ما يكون علامة لا يهتدى إلا بها، 

وقيل: إن هذا من تمام الكلام الأول وهو قوله: 
{وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَاراً وَسُبُلاً لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ وَعَلامَاتٍ} ، 

أي: وألقى لكم معالم يعلم بها الطريق والأراضي من الجبال الكبار والصغار يستدل بها المسافرون في طرقهم. 
وقوله: {وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ} . 

قال ابن عباس في الآية: {وَعَلامَاتٍ} 
يعني: معالم الطرق بالنهار

 {وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ} .
 قال: يهتدون به في البحر في أسفارهم.
 رواه ابن جرير وابن أبي حاتم.
 فهذا القول ونحوه هو معنى الآية،

 فالاستدلال بها على صحة علم التنجيم استدلال على ما يعلم فساده بالاضطرار من دين الإسلام بما لا يدل عليه لا نصًّا ولا ظاهرًا،

 وذلك أفسد أنواع الاستدلال، فإن الأحاديث جاءت عن النبي صلى الله عليه وسلم بإبطال علم التنجيم وذمه، منها حديث "من اقتبس شعبة من علم النجوم فقد اقتبس شعبة من السحر" . الحديث وقد تقدم.

 وعن عبد الله بن محيريز التابعي الجليل أن سليمان بن عبد الملك دعاه فقال:
 لو علمت علم النجوم فازددت إلى علمك.
 فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

 "إن أخوف ما أخاف على أمتي ثلاث: حيف الأئمة، وتكذيب بالقدر، وإيمان بالنجوم".

 وعن رجاء بن حيوة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
 "مما أخاف على أمتي التصديق بالنجوم، والتكذيب بالقدر، وحيف الأئمة". رواهما عبد بن حميد. فهذان المرسلان من هذين الوجهين المختلفين يدلان
على ثبوت الحديث، لا سيما وقد احتج به من أرسله. 

وعن أبي محجن مرفوعًا:
 "أخاف على أمتي من بعدي ثلاثًا: 
حيف الأئمة، وإيمانًا بالنجوم، وتكذيبًا بالقدر".
 رواه ابن عساكر وحسنه السيوطي.


 وعن أنس مرفوعًا: 
"أخاف على أمتي بعدي خصلتين تكذيبًا بالقدر، وإيمانًا بالنجوم". 
رواه أبو يعلى وابن عدي والخطيب في كتاب "النجوم" وحسنه السيوطي أيضًا.


وروى الإمام أحمد والبخاري عن ابن عمر مرفوعًا: "مفاتيح الغيب خمس لا يعلمها إلا الله،
 لا يعلم ما في غد إلا الله:
 ولا يعلم ما تغيض الأرحام إلا الله، 
ولا يعلم متى يأتي المطر أحد إلا الله، 
ولا تدري نفس بأي أرض تموت،
 ولا يعلم متى تقوم الساعة إلا الله"- لفظ البخاري. 

وعن العباس بن عبد المطلب قال:
 قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: 
"لقد طهر الله هذه الجزيرة من الشرك ما لم تضلهم النجوم". رواه ابن مردويه.

 وعن ابن عمر مرفوعًا: 
"تعلموا من النجوم ما تهتدون به في ظلمات البر والبحر ثم انتهوا" 

. وعن أبي هريرة قال:
 "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن النظر في النجوم". رواهما ابن مردويه والخطيب.

وعن سمرة بن جندب أنه خطب فذكر حديثًا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: 
"أما بعد: فإن ناسًا يزعمون أن كسوف هذه الشمس، وكسوف هذا القمر، وزوال هذه النجوم عن مواضعها لموت رجال عظماء من أهل الأرض، وأنهم قد كذبوا ولكنها آيات من آيات الله يعتبر بها عباده لينظر من يحدث له منهم توبة". رواه أبو داود. 

وفي الباب أحاديث وآثار غير ما ذكرنا. 
فتبين بهذا أن الاستدلال بالآية على صحة أحكام النجوم من أفسد أنواع الاستدلال.

- ومنها قوله تعالى عن إبراهيم: {فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ} .

والجواب: 
أن هذا من جنس استدلاله بالآية الأولى في الفساد، فأين فيها ما يدل على صحة أحكام النجوم بوجه من وجوه الدلالات؟!
 وهل إذا رفع إنسان بصره إلى النجوم، فنظر إليها، دل ذلك على صحة علم النجوم عنده؟! 
وكل الناس ينظرون إلى النجوم، فلا يدل ذلك على صحة علم أحكامها. 
وكأن هذا ما شعر أن إبراهيم عليه السلام إنما بعث إلى الصابئة المنجمين مبطلاً لقولهم مناظرًا لهم على ذلك.

فإن قيل على هذا: فما فائدة نظرته في النجوم؟.

قيل:
 نظرته في النجوم من معارض الأفعال ليتوصل به إلى غرضه من كسر الأصنام كما كان قوله:
 {قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا} . 
فمن ظن أن نظرته في النجوم ليستنبط منها علم الأحكام، وعلم أن طالعه يقضي عليه بالنحس، فقد ضل ضلالاً بعيدًا.

 ولهذا جاء في حديث الشفاعة الصحيح أنه عليه السلام يقول:
 "لست هناكم ويذكر ثلاث كذبات كذبهن" وعدها العلماء قوله: {إِنِّي سَقِيمٌ} . قوله: {بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا} . وقوله لسارة: هي أختي.

فلو كان قوله: إني سقيم أخذه من علم النجوم لم يعتذر من ذلك، وإنما هي من معاريض الأفعال، فلهذا اعتذر منها كما اعتذر من قوله: {بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ} ، 
ذكر ذلك ابن القيم.

 لكن قوله: وعدها العلماء. يدل على أنه لم يستحضر الحديث الوارد في عدها. وقد رواه أحمد والبخاري وأصحاب "السنن" وابن جرير وغيرهم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
لم يكذب إبراهيم عليه السلام غير ثلاث كذبات اثنتين في ذات الله قوله: إني سقيم،
 وقوله: بل فعله كبيرهم هذا،
 وقوله في سارة هي أختي" لفظ ابن جرير.


وروى ابن أبي حاتم عن أبي سعيد مرفوعًا: 
"في كلمات إبراهيم الثلاث التي
 قال: ما منها كذبة إلا ما حل بها عن دين الله، 
فقال: إني سقيم، 
وقال: بل فعله كبيرهم هذا،
 وقال للملك حين أراد امرأته: هي أختي". 
وفي إسناده ضعف.

 وقال قتادة في الآية: العرب تقول لمن تفكر: نظر في النجوم قال ابن كثير: يعني قتادة: أنه نظر إلى السماء متفكرًا فيما يكذبهم به فقال: إني سقيم، أي: ضعيف.

قال: وكره قتادة تعلم منازل القمر ولم يرخص ابن عيينة فيه، ذكره حرب عنهما ورخص في تعلم المنازل أحمد وإسحاق.

و هذا هو القسم الثالث من علم التنجيم
 وهو تعلم منازل الشمس والقمر، للاستدلال بذلك على القبلة وأوقات الصلوات والفصول، 
وهو كما ترى من اختلاف السلف فيه، فما ظنك بذينك القسمين؟! 
ومنازل القمر ثمانية وعشرون كل ليلة في منْزلة منها، فكره قتادة وسفيان بن عيينة تعلم المنازل، وأجازه أحمد وإسحاق وغيرهما.

قال الخطابي: 
"أما علم النجوم الذي يدرك من طريق المشاهدة والْخُبْر الذي يعرف به الزوال، وتعلم به جهة القبلة، فإنه غير داخل فيما نهي عنه، وذلك أن معرفة رصد الظل ليس شيئًا بأكثر من أن الظل ما دام متناقصًا، فالشمس بعد صاعدة نحو وسط السماء من الأفق الشرقي، وإذا أخذ في الزيادة، فالشمس هابطة من وسط السماءنحو الأفق الغربي.

 وهذا علم يصح دركه بالمشاهدة، إلا أن أهل هذه الصناعة قد دبروها بما اتخذوا له من الآلات التي يستغني الناظر فيها عن مراعاة مدته ومراصدته، 
وأما ما يستدل به من النجوم على جهة القبلة، 
فإنها كواكب رصدها أهل الخبرة بها من الأئمة الذين لا نشك في عنايتهم بأمر الدين، ومعرفتهم بها وصدقهم فيما أخبروا به عنها. 
مثل أن يشاهدوها بحضرة الكعبة، ويشاهدوها على حال الغيبة عنها، فكان إدراكهم الدلالة منها بالمعاينة وإدراكنا ذلك بقبول خبرهم، إذ كانوا عندنا غير متهمين في دينهم، ولا مقصرين في معرفته".


وروى ابن المنذر عن مجاهد أنه كان لا يرى بأسًا أن يتعلم الرجل منازل القمر قلت:

 لأنه لا محذور في ذلك. وعن إبراهيم أنه كان لا يرى بأسًا أن يتعلم الرجل من النجوم ما يهتدي به. رواه ابن المنذر.


قال ابن رجب_رحمه الله :

 "والمأذون في تعلمه علم التسيير لا علم التأثير، فإنه باطل محرم قليله وكثيره.

 وأما علم التسيير، فتعلم ما يحتاج إليه للاهتداء، ومعرفة القبلة، والطرق جائز عند الجمهور، وما زاد عليه لا حاجة إليه لشغله عما هو أهم منه، وربما أدى تدقيق النظر فيه إلى إساءة الظن بمحاريب المسلمين، كما وقع من أهل هذا العلم قديمًا وحديثًا، وذلك يفضي اعتقاده إلى خطإ السلف في صلاتهم وهو باطل. انتهى مختصرًا".


وهذا هو الصحيح إن شاء الله، ويدل على ذلك الآيات والأحاديث التي تقدمت.

 وهل يدخل في النهي وقت الكسوف الشمسي والقمري أم لا؟ رجح ابن القيم أنه لا يدخل.

قوله: (ذكره حرب عنهما).

هو الإمام الحافظ حرب بن إسماعيل أبو محمد الكرماني الفقيه من أجلة أصحاب الإمام

أحمد روى عن أحمد وإسحاق وابن المديني وابن معين وأبي خيثمة وابن أبي شيبة وغيرهم، وله مصنفات جليلة منها كتاب "المسائل" التي سئل عنها الإمام أحمد وغيره وأورد فيها الأحاديث والآثار، وأظنه روى أثر قتادة وابن عيينة فيها. مات سنة ثمانين ومائتين.


وإسحاق هو ابن إبراهيم بن مخلد أبو يعقوب الحنظلي النيسابوري الإمام المعروف بابن راهويه، روى عن ابن المبارك وأبي أسامة وابن عيينة وطبقتهم 

قال أحمد: إسحاق عندنا إمام من أئمة المسلمين، وروى عنه أحمد والبخاري ومسلم وأبو داود وغيرهم، وروى هو أيضًا عن أحمد مات سنة تسع وثلاثين ومائتين.

ثلاثة لا يدخلون الجنة مدمن الخمر وقاطع الرحم ومصدق بالسحر

قال: وعن أبي موسى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

 "ثلاثة لا يدخلون الجنة: مدمن الخمر، وقاطع الرحم، ومصدق بالسحر". رواه أحمد وابن حبان في " صحيحه".

 هذا الحديث رواه أيضًا الطبراني والحاكم وقال: صحيح وأقره الذهبي: 

وتمام الحديث: 

"ومن مات وهو مدمن الخمر سقاه الله من نهر الغوطة نهر يجري من فروج المومسات يؤذي أهل النار ريح فروجهن" .

قوله: (عن أبي موسى) ، هو عبد الله بن قيس بن سليم بن حضار بفتح المهملة وتشديد الضاد المعجمة أبو موسى الأشعري، صحابي جليل استعمله النبي صلى الله عليه وسلم وأمره عمر ثم عثمان، وهو أحد الحكمين بصفين مات سنة خمسين.


قوله: "ثلاثة لا يدخلون الجنة"،

 هذا من نصوص الوعيد التي كره السلف تأويلها وقالوا: أمروها كما جاءت. 

وإن كان صاحبها لا ينتقل عن الملة عندهم، وكأن المصنف رحمه الله يميل إلى هذا القول. 

وقالت طائفة: هو على ظاهره فلا يدخل الجنة أصلاً مدمن الخمر ونحوه، ويكون هذا مخصصًا لعموم الأحاديث الدالة على خروج الموحدين من النار ودخولهم الجنة، وحمله أكثر الشراح على من فعل ذلك مستحلاً، أو على معنى أنهم لا يدخلون الجنة إلا بعد العذاب إن لم يتوبوا والله أعلم.


قوله: (مدمن الخمر) ، أي: المداوم على شربها.

قوله: (وقاطع الرحم) . أي: القرابة كما قال تعالى:

 {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ أُُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ} .

قوله: "ومصدق بالسحر"مطلقًا ويدخل فيه التنجيم لحديث: 

"من اقتبس علمًا من النجوم اقتبس علمًا من السحر". وهذا وجه مطابقة الحديث للباب. 

قال الذهبي في "الكبائر": 

ويدخل فيه تعلم السيمياء وعملها، وهو محض السحر، وعقد المرء عن زوجته، ومحبة الزوج لامرأته وبغضها وبغضه، وأشباه ذلك بكلمات مجهولة 

قال: وكثير من الكبائر بل عامتها إلا الأقل يجهل خلق من الأمة تحريمه، وما بلغه الزجر فيه، ولا الوعيد عليه، فهذا الضرب فيهم تفصيل، 

فينبغي للعالم أن لا يجهل على الجاهل، بل يرفق به ويعلمه سيما إذا قرب عهده بجهله، كمن أسر وجلب إلى أرض الإسلام وهو تركي فبالجهد أن يتلفظ بالشهادتين فلا يأثم أحد إلا بعد العلم بحاله وقيام الحجة عليه.

.....   ......  ...

 شرح كتاب التوحيد لابن باز_رحمه الله باب ما جاء في التنجيم

قال البخاري في صحيحه: 

قال قتادة: "خلق الله هذه النجوم لثلاث:

 زينة للسماء، ورجوما للشياطين، وعلامات يهتدى بها. فمن تأول فيها غير ذلك أخطأ، وأضاع نصيبه، وكلف ما لا علم له به" انتهى.

وكره قتادة تعلم منازل القمر، ولم يرخص ابن عيينة فيه". ذكره حرب عنهما. ورخص في تعلم المنازل أحمد، وإسحاق، 

وعن أبي موسى قال: قال رسول الله صلي الله وعليه وسلم: ثلاثة لا يدخلون الجنة: مدمن الخمر، ومصدق بالسحر، وقاطع الرحم رواه أحمد، وابن حبان في صحيحه.


قال الشيخ ابن باز _رحمه الله:

 ما جاء في التنجيم في كتابه "كتاب التوحيد"

 لما كان التنجيم شائعًا بين الناس، وله من يتبعه، ويبني عليه أشياء ذكر هذا في كتاب التوحيد تنبيهًا على بطلان التنجيم، والتنجيم مصدر نجم ينجم تنجيمًا يعني حزر، وحدث فيما يعتقده في النجوم،

 والتنجيم:

 هو الاستدلال بالأحوال الفلكية على الحوادث الأرضية، يسمى تنجيمًا، 

يعني: النظر في النجوم، واستماعها، واستراقها، وطلوعها، وغروبها، وتقاربها، وتباعدها، يستدلون به على أنه يقع كذا في الأرض، ويقع كذا، ويقع كذا، وهو باطل، وهو من دعوى علم الغيب الباطلة التي أبطلها الله في قوله سبحانه: 

قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ [النمل:65]،

 وفي قوله سبحانه: وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ [هود:123]، الآية، 

المقصود: أن التنجيم من دعوى علم الغيب، 

وهو الاستدلال بالأحوال الفلكية على الحوادث الأرضية هذا هو مقصود المؤلف من هذا الباب، لبيان التحذير منه،

 أما النظر في النجوم من باب التفكير، من باب منازل القمر؛ حتى تعلم الأوقات أوقات الصلوات، وحتى تعلم القبلة، وتعلم الطرقات، هذا لا بأس به كما قال أحمد، وإسحاق، وإن كرهه قتادة، وكرهه ابن عيينة، ولم يروا التفصيل، لكن الصواب جواز تعلم المنازل؛

 لمعرفة جهات القبلة في الأسفار، والبلدان، ولمعرفة أوقات الصلوات عند الغيم، وعند الحاجة إلى ذلك، هذه أمور لا بأس بها، ولأوقات الحراثة والفلاحة التي يحصل بها كذا في وقت كذا، أو في وقت كذا، وهذا لا بأس به.

قال قتادة: خلق الله هذه النجوم لثلاث،

قتادة هو: ابن دعامة –بالكسر-، السدوسي في سن كبار التابعين، المعروفين بالرواية عن جماعة من الصحابة، وهو من الثقات المعروفين، وكره قتادة تعلم منازل القمر،

 فقال قتادة: خلق الله هذه النجوم لثلاث: زينة للسماء، ورجومًا للشياطين، وعلامات يهتدى بها، فمن تأول فيها غير ذلك، وزعم أنها تدل على كذا، أو كذا من علم الغيب فقد أخطأ، وأضاع نصيبه من الآخرة، وتكلف ما لا علم له به،

 قال الله جل وعلا: وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ [الملك:5]،

 وقال تعالى: وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ [النحل:16]، 

وقال سبحانه: وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ [الأنعام:97] 

هذا هو علم المنازل للتسيير، هذه من فوائدها، 

وأما الاستدلال بها على أنه يولد كذا، ويكون موت كذا، ويزول ملك كذا، ويحدث كذا، هذا كله لا أصل له، بل هو باطل، ولهذا قال: وكره قتادة  تعلم المنازل، منازل القمر، ولم يرخص ابن عيينة فيه، وهو سفيان بن عيينة المعروف، العلامة المشهور، المتوفى سنة 198هـ، هذا قول لهما، وهو ضعيف مرجوح عند أهل العلم، ورخص بتعلم المنازل أحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهوية، وذلك لا بأس به كما تقدم فإن منازل القمر، والشمس يعرف بها الأوقات، أوقات الصلوات، وجهات القبلة، وجهات الرياح، وطرق البلاد، وما أشبه ذلك،

 كما قال الله جل وعلا: وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ [الأنعام:97].

وقال أبو موسى - وهو الأشعري عبد الله بن قيس الأشعري صحابي جليل، يماني - عن النبي صلي الله وعليه وسلم قال:

 ثلاث لا يدخلون الجنة: مدمن الخمر هذا وعيد شديد ما هو من باب الوعيد؛

 لأن إدمان الخمر من كبائر الذنوب، وصاحبه تحت المشيئة إذا مات على ذلك، أما إن تاب، فالتائب لا ذنب له، ولكن مدمن الخمر إذا كان لم يستحلها؛ 

فهو عاص، فإن استحلها؛ فهو كافر نعوذ بالله! ، 

وقاطع الرحم كذلك، قطيعة الرحم من الذنوب العظيمة، والكبائر، كما قال صلي الله وعليه وسلم:

 لا يدخل الجنة قاطع رحم، فهذه قطيعة الرحم من أكبر الكبائر، وكذلك إدمان الخمر من أكبر الكبائر يقول النبي صلي الله وعليه وسلم:

 لا يشرب الخمر حين يشربها، وهو مؤمن، ويقول صلي الله وعليه وسلم: إن حقًا على الله من الناس من يشرب الخمر أن يسقيهم من طينة الخبال قيل يا رسول الله ما طينة الخبال؟

 قال: عصارة أهل النار، أو قال: عرق أهل النار، وهذا من باب الوعيد، وقد يدخل الجنة من أول وهلة، ويعفى عنه، وقد يعذبون في النار بقطيعة الرحم، وإدمان الخمر، ثم يكون له نهاية إذا ماتوا على التوحيد، والإسلام يخرجون من النار إلى الجنة كسائر العصاة؛ لقوله تعالى:

" وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ " [النساء:48]

_ أما المصدق بالسحر فهذا هو الذي يدخل الكفر إذا صدق بأن السحر حق، وأنه يغير كذا، ويغير كذا، وأن صاحبه على حق، وأنه مصيب، أو أن صاحبه يعلم الغيب فهذا يكون كفرًا، ويكون صاحبه ضالًا، وكافرًا، 

_أما إذا صدق بأنه موجود، وأن له تأثير، ولكنه حرام، ومنكر فهذا لا حرج عليه، السحر موجود، وقد أخبر الله عن وجوده 

 قال: وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ [البقرة:102]

 فالسحر موجود، ولكنه مما يتألف من خدمة الشياطين، وعبادتهم من دون الله فالذي يصدق به، ويرى أنه صواب، وأنه دين، وأنه جائز، ولو كان فيه شركًا أكبر، وعبادة الشياطين هذا يكون كافرًا، والعياذ بالله فلهذا توعد بعدم دخول الجنة.

_أما من اعتقد وجوده، وأنه موجود، لكنه منكر، يجب محاربته، ويجب القضاء عليه، ومحاربة أهله، وقتلهم هذا هو الحق، فإن السحرة يجب قتلهم، ولا يستتابون لفسادهم في الأرض كما تقدم في الباب..، وفق الله الجميع، وصلى الله على نبينا محمد.

سؤال: 

قوله تعالى: وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ [الجن:23]، ما معناه؟

 هذا وعيد، لكن إذا أطلق فهو في الكفرة، وأما العصاة فهم تحت المشيئة.

.....   .....

سؤال وجواب للشيخ ابن عثيمين _رحمه الله 

السؤال
منذ سبع سنوات ذهبت عند عراف ثم عند كاهن وكنت حينها مصاباً بالوساس .
وكنت أعلم أن الذهاب إلى الكاهن أو العراف شرك ، ولكني لم أكن أعرف معنى الشرك وأنه خروج من الملة . وبعد هذه السنين تبت إلى الله تعالى من كل الذنوب والمعاصي ، وبدأت أقرأ في كتب التوحيد حتى أصحح عقيدتي ، فوجدت أني وقعت في الشرك الأكبر . فهل لي من توبة ؟ وهل أعيد الشهادة ؟.

الجواب
أولا:
نحمد الله تعالى أن وفقك للتوبة ، ونسأله سبحانه أن يرزقك الثبات والاستقامة على الحق .
ثانياً :
قد تظاهرت الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في تحريم الذهاب إلى الكهان والعرافين.

ولكن ليس كل من ذهب إلى كاهن أو عراف يكون مشركاً شركاً أكبر خارجاً عن الملة ، بل الذهاب إلى الكاهن أو العراف فيه تفصيل ، فقد يكون شركاً أكبر ، وقد يكون معصية ، وقد يكون جائزاً .

" والذي يأتي إلى الكاهن ينقسم إلى ثلاثة أقسام :

القسم الأول :
 أن يأتي إلى الكاهن فيسأله من غير أن يصدقه ، فهذا محرم ، وعقوبة فاعله أن لا تقبل له صلاة أربعين يوماً ، كما ثبت في صحيح مسلم (2230) 
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلاةٌ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ) .

القسم الثاني :
 أن يأتي إلى الكاهن فيسأله ويصدقه بما أخبر به ، فهذا كفر بالله عز وجل ، 
لأنه صدقه في دعوى علمه الغيب ، وتصديق البشري دعوى علم الغيب تكذيب لقول الله تعالى :
 ( قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ ) النمل/65 .
 ولهذا جاء في الحديث الصحيح : ( من أتى كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم ) .

القسم الثالث : 
أن يأتي إلى الكاهن فيسأله ليبين حاله للناس ، وأنها كهانة وتمويه وتضليل ، وهذا لا بأس به ، 
ودليل ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى ابن صياد ، فأضمر له النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً في نفسه ، فسأله النبي صلى الله عليه وسلم ماذا خَبَّأ له ؟
 فقال : الدخ . يريد الدخان " انتهى .

"مجموع فتاوى ورسائل الشيخ ابن عثيمين" (2/184) .
وعليه ؛ فمن أتى إلى عراف أو كاهن وكان مصدقاً له فيما يقول ومعتقدا أنه يعلم الغيب فقد كفر كفرا أكبر يخرج به من الإسلام ، 
وأما إذا لم يكن معتقدا لصدقه فلا يكفر .

وعلى كل الأحوال فباب التوبة مفتوح ، 
كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إِنَّ اللَّهَ يَقْبَلُ تَوْبَةَ الْعَبْدِ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ ) رواه الترمذي ( 3537) .

أي : ما لم تبلغ الروح إلى الحلقوم ، وكل ذنب يتوب منه الإنسان فإن الله يتوب عليه ، 
قال الله تعالى : ( قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ) الزمر/53 .

فأي ذنب وقع فيه الإنسان ثم تاب منه قبلت توبته ، حتى الشرك .

والأصل أن الكافر  ومثله المرتد عن الإسلام يطلب منه أن ينطق بالشهادتين حتى يدخل في الإسلام ، فإن كان ذهابك إلى الكاهن من القسم الثاني السابق ذكره ، فلا بد من الإتيان بالشهادتين ، وحيث إنك قد تبت واستقمت فلا شك أنك قد كررت الشهادتين مرات ومرات ، فلا يلزمك الآن شيء ، وعليك العزم على عدم العودة لمثل هذا مرة أخرى .

واجتهد في طلب العلم حتى تعبد الله على بصيرة .
تعليقات