"أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ۖ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِن دُونِهِ ۚ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ "تفاسير :لابن كثير ,للسعدي،للطبري،للقرطبي،للشوكاني


"أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ۖ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِن دُونِهِ ۚ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ "سورةالزمر..الأية 36

تفاسير :لابن كثير ,للسعدي،للطبري،للقرطبي،للشوكاني ،للبغوي ،للإمام الرازي ،لابن عاشور ،لابن عطية ،لابن الجوزي ،التفسير الميسر ،تفسير الجلاليين،
الوسيط لطنطاوي ،تفسيرالبيضاوي ،اتحاف السادةالمتقين للزبيدي،كتاب الحاوي ...إعراب ..خواطر



_ تفسير بن كثير:
أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ۖ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِن دُونِهِ ۚ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ 

يقول تعالى : ( أليس الله بكاف عبده ) - وقرأ بعضهم : " عباده " - يعني أنه تعالى يكفي من عبده وتوكل عليه.

وقال ابن أبي حاتم هاهنا : حدثنا أبو عبيد الله ابن أخي ابن وهب حدثنا عمي ، حدثنا أبو هانئ ، عن أبي علي عمرو بن مالك الجنبي ، عن فضالة بن عبيد الأنصاري ; أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " أفلح من هدي إلى الإسلام ، وكان عيشه كفافا ، وقنع به " .

ورواه الترمذي والنسائي من حديث حيوة بن شريح ، عن أبي هانئ الخولاني ، به . وقال الترمذي : صحيح .
( ويخوفونك بالذين من دونه ) يعني : المشركين يخوفون الرسول ويتوعدونه بأصنامهم وآلهتهم التي يدعونها من دونه ; جهلا منهم وضلالا ; ولهذا قال تعالى : ( ومن يضلل الله فما له من هاد)

......    .......    ......

تفسير السعدي :

أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ۖ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِن دُونِهِ ۚ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ 

{ أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ } أي: أليس من كرمه وجوده، وعنايته بعبده، الذي قام بعبوديته، وامتثل أمره واجتنب نهيه، خصوصا أكمل الخلق عبودية لربه، وهو محمد صلى اللّه عليه وسلم، فإن اللّه تعالى سيكفيه في أمر دينه ودنياه، ويدفع عنه من ناوأه بسوء.

{ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ } من الأصنام والأنداد أن تنالك بسوء، وهذا من غيهم وضلالهم.
{ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ }

......       ..........       ........

تفسير البغوي :

أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ۖ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِن دُونِهِ ۚ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ 

قوله عز وجل : ( أليس الله بكاف عبده ) ؟ 
يعني : محمدا - صلى الله عليه وسلم 
 وقرأ أبو جعفر وحمزة والكسائي : " عباده " بالجمع يعني : الأنبياء عليهم السلام ، قصدهم قومهم بالسوء كما قال : " وهمت كل أمة برسولهم ليأخذوه " ( غافر - 5 ) فكفاهم الله شر من عاداهم ،

 ( ويخوفونك بالذين من دونه ) وذلك أنهم خوفوا النبي - صلى الله عليه وسلم - معرة الأوثان . 
وقالوا : لتكفن عن شتم آلهتنا أو ليصيبنك منهم خبل أو جنون ( ومن يضلل الله فما له من هاد )

......    .....   ....

تفسير القرطبي :

أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ۖ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِن دُونِهِ ۚ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ

قوله تعالى : أليس الله بكاف عبده ويخوفونك بالذين من دونه ومن يضلل الله فما له من هاد
قوله تعالى : أليس الله بكاف عبده حذفت الياء من " كاف " لسكونها وسكون التنوين بعدها ،
 وكان الأصل ألا تحذف في الوقف لزوال التنوين ، إلا أنها حذفت ليعلم أنها كذلك في الوصل .

 ومن العرب من يثبتها في الوقف على الأصل فيقول : كافي . وقراءة العامة " عبده " بالتوحيد يعني محمدا - صلى الله عليه وسلم - يكفيه الله وعيد المشركين وكيدهم . 

وقرأ حمزة والكسائي " عباده " وهم الأنبياء ، أو الأنبياء والمؤمنون بهم .

 واختار أبو عبيدة قراءة الجماعة لقوله عقيبه : ويخوفونك بالذين من دونه . ويحتمل أن يكون العبد لفظ الجنس ، كقوله عز من قائل : إن الإنسان لفي خسر وعلى هذا تكون القراءة الأولى راجعة إلى الثانية . 

والكفاية شر الأصنام ، فإنهم كانوا يخوفون المؤمنين بالأصنام ، حتى قال إبراهيم عليه السلام : وكيف أخاف ما أشركتم ولا تخافون أنكم أشركتم بالله . 

وقال الجرجاني : إن الله كاف عبده المؤمن وعبده الكافر ، هذا بالثواب وهذا بالعقاب .

قوله تعالى : ويخوفونك بالذين من دونه وذلك أنهم خوفوا النبي - صلى الله عليه وسلم - مضرة الأوثان ، فقالوا : أتسب آلهتنا ؟ لئن لم تكف عن ذكرها لتخبلنك أو تصيبنك بسوء . 

وقال قتادة : مشى خالد بن الوليد إلى العزى ليكسرها بالفأس . فقال له سادنها : أحذركها يا خالد فإن لها شدة لا يقوم لها شيء ، فعمد خالد إلى العزى فهشم أنفها حتى كسرها بالفأس . وتخويفهم لخالد تخويف للنبي صلى الله عليه وسلم ; لأنه الذي وجه خالدا . ويدخل في الآية تخويفهم النبي - صلى الله عليه وسلم - بكثرة جمعهم وقوتهم ، كما قال : أم يقولون نحن جميع منتصر .
ومن يضلل الله فما له من هاد تقدم .

....   .........       .........

تفسير الطبري :

أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ۖ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِن دُونِهِ ۚ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ 

القول في تأويل قوله تعالى : أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ 

اختلفت القرّاء في قراءة: ( أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ) فقرأ ذلك بعض قرّاء المدينة وعامة قرّاء أهل الكوفة: " أليس الله بكاف عباده " على الجماع, 
بمعنى: أليس الله بكاف محمدا وأنبياءه من قبله ما خوّفتهم أممهم من أن تنالهم آلهتهم بسوء،

 وقرأ ذلك عامة قرّاء المدينة والبصرة, وبعض قرّاء الكوفة: ( بِكَافٍ عَبْدَهُ ) على التوحيد, بمعنى: أليس الله بكاف عبده محمدا.

والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان مشهورتان في قراءة الأمصار. فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب لصحة مَعْنَيَيْهَا واستفاضة القراءة بهما في قَرَأَةِ الأمصار.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
_ ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد, قال: ثنا أحمد, قال: ثنا أسباط, عن السديّ( أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ) يقول: محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم.
حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: ( أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ) قال: بلى, والله ليكفينه الله ويعزّه وينصره كما وعده.

وقوله: ( وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ ) يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: ويخوّفك هؤلاء المشركون يا محمد بالذين من دون الله من الأوثان والآلهة أن تصيبك بسوء, ببراءتك منها, وعيبك لها, والله كافيك ذلك.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
_ ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة ( وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ ) الآلهة, قال: " بعث رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم خالد بن الوليد إلى شعب بسُقام ليكسر العزّى, فقال سادنها, وهو قيمها: يا خالد أنا أحذّركها, إن لها شدّة لا يقوم إليها شيء, فمشى إليها خالد بالفأس فهشّم أنفها ".

حدثنا محمد, قال: ثنا أحمد, قال: ثنا أسباط, عن السديّ( وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ ) يقول: بآلهتهم التي كانوا يعبدون.

حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: ( وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ ) قال: يخوّفونك بآلهتهم التي من دونه.

وقوله: ( وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ) يقول تعالى ذكره: ومن يخذله الله فيضلَّه عن طريق الحق وسبيل الرشد, فما له سواه من مرشد ومسدّد إلى طريق الحقّ, ومُوفِّق للإيمان بالله, وتصديق رسوله, والعمل بطاعته .

.......        ......      .......

تفسير الشوكاني :

قَوْلُهُ: ﴿ألَيْسَ اللَّهُ بِكافٍ عَبْدَهُ﴾ قَرَأ الجُمْهُورُ عَبْدَهُ بِالإفْرادِ.

 وقَرَأ حَمْزَةُ والكِسائِيُّ " عِبادَهُ " بِالجَمْعِ، فَعَلى القِراءَةِ الأُولى المُرادُ النَّبِيُّ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - أوِ الجِنْسُ، ويَدْخُلُ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - دُخُولًا أوَّلِيًّا، وعَلى القِراءَةِ الأُخْرى المُرادُ الأنْبِياءُ أوِ المُؤْمِنُونَ أوِ الجَمِيعُ، واخْتارَ أبُو عُبَيْدٍ قِراءَةَ الجُمْهُورِ لِقَوْلِهِ عَقِبَهُ: ﴿ويُخَوِّفُونَكَ﴾ والِاسْتِفْهامُ لِلْإنْكارِ لِعَدَمِ كِفايَتِهِ - سُبْحانَهُ - عَلى أبْلَغِ وجْهٍ كَأنَّهُ بِمَكانٍ مِنَ الظُّهُورِ لا يَتَيَسَّرُ لِأحَدٍ أنْ يُنْكِرَهُ.

وقِيلَ: المُرادُ بِالعَبْدِ والعِبادِ ما يَعُمُّ المُسْلِمَ والكافِرَ.

قالَ الجُرْجانِيُّ: إنَّ اللَّهَ كافٍ عَبْدَهُ المُؤْمِنَ وعَبْدَهُ الكافِرَ هَذا بِالثَّوابِ، وهَذا بِالعِقابِ.

وقُرِئَ " بِكافِي عِبادِهِ " بِالإضافَةِ، وقُرِئَ " يُكافِي " 
بِصِيغَةِ المُضارِعِ،

 وقَوْلُهُ: ﴿ويُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِن دُونِهِ﴾ يَجُوزُ أنْ يَكُونَ في مَحَلِّ نَصْبٍ عَلى الحالِ، إذِ المَعْنى ألَيْسَ كافِيكَ حالَ تَخْوِيفِهِمْ إيّاكَ،
 ويَجُوزُ أنْ تَكُونَ مُسْتَأْنَفَةً، والَّذِينَ مِن دُونِهِ عِبارَةٌ عَنِ المَعْبُوداتِ الَّتِي يَعْبُدُونَها ﴿ومَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِن هادٍ﴾
 أيْ: مَن حَقَّ عَلَيْهِ القَضاءُ بِضَلالِهِ فَما لَهُ مِن هادٍ يَهْدِيهِ إلى الرُّشْدِ ويُخْرِجُهُ مِنَ الضَّلالَةِ

....   .......    .....   .....

تفسير الجلاليين :

﴿ أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِن دُونِهِ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ﴾
 - (أليس الله بكاف عبده) أي النبي بلى (ويخوفونك) الخطاب له (بالذين من دونه) الأصنام أي تقتله أو تخبله (ومن يضلل الله فما له من هاد)

.....     .....    ......

التفسير الميسر :

أليس الله بكاف عبده محمدًا وعيد المشركين وكيدهم من أن ينالوه بسوء؟ 
بلى إنه سيكفيه في أمر دينه ودنياه، ويدفع عنه مَن أراده بسوء، ويخوِّفونك -أيها الرسول- بآلهتهم التي زعموا أنها ستؤذيك. 
ومن يخذله الله فيضله عن طريق الحق، فما له مِن هاد يهديه إليه.

....    ....  ...

قال الإمام الرازي - رحمه الله :

 في قوله تعالى: ﴿ أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ﴾

"أنه جرَتِ العادة أن المبطِلين يخوِّفون المحقِّين بالتخويفات الكثيرة، فحسم الله مادة هذه الشبهة بقوله تعالى: ﴿ أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ﴾ 

، وذكَره بلفظ الاستفهام، والمراد تقرير ذلك في النفوس، والأمر كذلك؛
 لأنه ثبت أنه عالم بجميع المعلومات، قادر على كل الممكنات، غنيٌّ عن كل الحاجات؛
 فهو تعالى عالم حاجات العباد، وقادر على دفعها وإبدالها بالخيرات والراحات، 
وهو ليس بخيلًا ولا محتاجًا حتى يمنعه بُخلُه وحاجته عن إعطاء ذلك المراد، وإذا ثبت هذا كان الظاهر أنه سبحانه يدفع الآفات، ويزيل البليَّات، ويوصل إليه كل المرادات؛
 فلهذا قال: ﴿ أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ﴾ .
......    ........   .......
تفسير ابن عاشور :

 أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ۖ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِن دُونِهِ ۚ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ
أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ

 { أَلَيْسَ الله بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بالذين مِن دُونِهِ } .

لمّا ضرب الله مثلاً للمشركين والمؤمنين بمَثَل رجل فيه شركاء متشاكسون ورجللٍ خالصصٍ لرجل ، كان ذلك المثَل مثيراً 
لأن يقول قائِلُ المشركين لَتَتَأَلبَنَّ شركاؤنا على الذي جاء يحقرها ويسبها ، ومثيراً لحمية المشركين أن ينتصروا لآلهتهم كما قال مشركو قوم إبراهيم { حرقوه وانصروا آلهتكم } .

 وربما أنطقتهم حميتُهم بتخويف الرسول ،
 ففي " الكشاف "و«تفسير القرطبي» :
 أن قريشاً قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم «إنّا نخاف أن تُخْبِلَك آلهتُنا وإنا نخشى عليك معرتها 
( بعين بعد الميم بمعنى الإِصابة بمكروه يَعنون المضرة ) لعيبك إياها» . 

وفي «تفسير ابن عطية» ما هو بمَعنى هذا :
فلمَّا حكى تكذيبَهم النبي عطف الكلام إلى ما هددوه به وخوفوه من شر أصنامهم بقوله :
 { أليس الله بكاف عبده ويخوفونك بالذين من دونه } .

فهذا الكلام معطوف على قوله : { ضَربَ الله مثَلاً رجُلاً فيه شُركاء }  الآية
 والمعنى : أن الله الذي أفردتَه بالعبادة هو كافيك شر المشركين وباطل آلهتهم التي عبدوها من دونه ، فقوله : أليس الله بكاففٍ عبده } 

تمهيد لقوله : و { يخوفونك بالذين من دونه } قدم عليه لتعجيل مساءة المشركين بذلك ، ويستتبع ذلك تعجيل مسرة الرسول صلى الله عليه وسلم بأن الله ضامن له الوقاية كقوله : { فسيكفيكهم اللَّه }  .

وأصل النظم : ويُخوّفونك بالذين من دون الله والله كافيك ، فغُير مجرى النظم لهذا الغرض ، ولك أن تجعل نظم الكلام على ترتيبه في اللفظ فتجعل جملة أليس الله بكاف عبده } استئنافاً ، وتصير جملة { ويخوفونك } حالاً .

ووقع التعبير عن النبي صلى الله عليه وسلم بالاسم الظاهر وهو { عَبْدَه } دون ضمير الخطاب ؟!
 لأن المقصود توجيه الكلام إلى المشركين ، وحُذف المفعول الثاني ل { كافٍ } لظهور أن المقصود كافيك أَذاهُم ،
 فأما الأصنام فلا تستطيع أذىً حتى يُكْفاه الرسول صلى الله عليه وسلم والاستفهام إنكار عليهم ظنّهم أن لا حامِيَ للرسول صلى الله عليه وسلم من ضرّ الأصنام .  والمراد ب { عَبْدَه } هو الرسول صلى الله عليه وسلم لا محالة وبقرينة و { يُخوفونك } .

وفي استحضار الرسول صلى الله عليه وسلم بوصف العبودية وإضافته إلى ضمير الجلالة ، معنى عظيم من تشريفه بهذه الإِضافة وتحقيققِ أنه غير مُسلمِه إلى أعدائه .

والخطاب في { ويخوفونك } للنبيء صلى الله عليه وسلم وهو التفات من ضمير الغيبة العائد على { عبده } ، ونكتةُ هذا الإلتفات هو تمحيض قصد النبي بمضمون هذه الجملة بخلاف جملة { أليس الله بكاف عبده } كما علمت آنفاً .

و { الذين من دونه } هم الأصنام . عُبر عنهم وهم حجارة بمَوصول العقلاءِ لكثرة استعمال التعبير عنهم في الكلام بصيغ العقلاء . 
و { من دونه } صلة الموصول على تقدير محذوف يتعلق به المجرور دل عليه السياق ،
 تقديره : اتخذُوهم من دونه أو عبَدُوهم من دونه .

....    .....    ......    .......

 تفسير البيضاوي: 
أن سبب نزول هذه الآية هو خبر توجيه النبي صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد إلى هدم العُزّى وأن سادن العزّى قال لخالد : أحذِّرُكَها يا خالد فإن لها شدةً لا يقوم لها شيء ، فعمد خالد إلى العزّى فهشم أنفها حتى كسرها بالفأس فأنزل الله هذه الآية .

وتأول الخطاب في قوله : { ويخوفونك } بأن تخويفهم خالداً أرادوا به تخويف النبي صلى الله عليه وسلم فتكون هذه الآية مدنية وسياق الآية ناببٍ عنه . ولعل بعض من قال هذا إنما أراد الاستشهاد لتخويف المشركين النبي صلى الله عليه وسلم من أصنامهم بمثال مشهور .

وقرأ الجمهور { بكاففٍ عبده } .
 وقرأ حمزة والكسائي وأبو جعفر وخلف { عبادَه } بصيغة الجمع أي النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين فإنهم لما خوَّفوا النبي صلى الله عليه وسلم فقد أرادوا تخويفه وتخويف أتباعه وأن الله كفاهم شرهم .

.....    ......    ......

كتاب"إتحاف السادةالمتقين"للزبيدي_رحمه الله:

 في قوله تعالى: ﴿ أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ﴾ 

قال: "وقبيح بذوي الإيمان أن يُنزلوا حاجتهم بغير الله تعالى مع علمهم بوحدانيَّتِه وانفراده بربوبيته وهم يسمعون قوله تعالى: ﴿ أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ﴾ .

ثانيًا: ﴿ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾

قال تعالى: ﴿ فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾

.........    ........       ......
الوسيط لطنطاوي :

 أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ۖ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِن دُونِهِ ۚ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ
ثم بين عصمته لنبيه صلى الله عليه وسلم بأبلغ وجه وأتمه فقال ( أَلَيْسَ الله بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بالذين مِن دُونِهِ ) .

وقراءة الجمهور : ( عبده ) بالإِفراد وقرأ حمزة والكسائى : ( عباده ) والاستفهام للتقرير .

قال القرطبى : وذلك أنهم خوفوا النبى صلى الله عليه وسلم مضرة الأوثان فقالوا له : أتسب آلهتنا لئن لم تنته عن ذكرها لتصيبنك بالسوء .

وقال قتادة : مشى خالد بن الوليد إلى العزى ليكسرها بالفأس ، فقال له سادتها : احذرك منها يا خالد ، فإن لها شدة لا يقوم لها شئ . 
فعمد خالد إلى العزى فهشم أنفها حتى كسرها ، وتخويفهم لخالد تخويف للنبى صلى الله عليه وسلم لأنه هو الذى أرسله . ويدخل فى الآية تخويفهم النبى صلى الله عليه وسلم بكثرة جميعهم وقوتهم . .

والمعنى : أليس الله - تعالى - بكاف عبده محمدا صلى الله عليه وسلم من كل سوء؟
 وكاف عباده المؤمنين الصادقين من أعدائهم؟ 
بلى إنه - سبحانه - لعاصم نبيه صلى الله عليه وسلم من أعدائه ، ولناصر عباده المتقين على من ناوأهم .

والحال أن هؤلاء المشركين يخوفونك - أيها الرسول الكريم - من أصنامهم التى يعبدونها من دونه - تعالى - ، مع أن هذه الآلهة الباطلة أتفه من أن تدافع عن نفسها فضلا عن غيرها .

( وَمَن يُضْلِلِ الله ) أى : من يضلله الله - تعالى - ( فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ) يهديه إلى الصراط المستقيم .

...     .......   .....
ورد في تفسير ابن عطية '

قوله تعالى: " أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ "
 تقوية لنفس النبي صلى الله عليه وسلم !
لأن كفار قريش كانت خوفته من الأصنام،
 وقالوا: أنت تسبها ونخاف أن تصيبك بجنون أو علة، فنزلت الآية في ذلك. 

 وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث خالد بن الوليد إلى كسر العزى، فقال سادنها: يا خالد ، إني أخاف عليك منها، فلها قوة لا يقوم لها شيء، فأخذ خالد الفأس فهشم به وجهها وانصرف

....    .....    ....
ورد عند ابن الجوزي_رحمه الله :

قوله تعالى: " أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ "

ذكر المفسرون أن مشركي مكة قالوا: يا محمد، ما تزال تذكر آلهتنا وتعيبها، فاتق أن تصيبك بسوء، فنزلت هذه الآية . والمراد بعبده هاهنا: محمد صلى الله عليه وسلم

....    .........       .....
كتاب الحاوي في تفسير القرآن

أَلَيْسَ اللَّهُ بِكافٍ عَبْدَهُ} الهمزة للاستفهام التقريري
 لأن همزة الإنكار إذا دخلت على النفي أثبتته بطريق المبالغة وليس واسمها والباء حرف جر زائد وكاف مجرور لفظا منصوب محلا على أنه خبر ليس وعبده مفعول كاف والمراد به النبي أو الجنس عامة ويؤيده قراءة حمزة والكسائي: عباده.

{وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ} لك في الواو أن تجعلها للحال فتكون الجملة حالية 
والمعنى أليس اللّه كافيك حال تخويفهم إياك هذا إذا أراد بالعبد نبيه صلى اللّه عليه وسلم ولك أن تجعلها استئنافية فتكون الجملة مستأنفة مسوقة لتفنيد ما يعمدون إليه من تخويف بالأصنام، ويخوفونك فعل مضارع ومفعول به وبالذين متعلقان بيخوفونك ومن دونه متعلقان بمحذوف هو الصلة ومن يضلل اللّه فما له من هاد تقدم إعرابها بنصها قريبا فجدد به عهدا.

{وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ مُضِلٍّ أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انْتِقامٍ} الجملة معطوفة على الجملة السابقة والإعراب متشابه والهمزة للاستفهام التقريري وليس واسمها وبعزيز الباء حرف جر زائد وعزيز مجرور لفظا منصوب محلا على أنه خبر ليس وذي انتقام نعت.

.....   ......    ......
إعراب الأية  :

 أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ۖ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِن دُونِهِ ۚ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ

 «أَلَيْسَ» الهمزة حرف استفهام تقريري وماض ناقص 
«اللَّهُ» لفظ الجلالة اسم ليس
 «بِكافٍ» حرف جر زائد واسم مجرور لفظا منصوب محلا خبر ليس
 «عَبْدَهُ» مفعول به لاسم الفاعل كاف والجملة استئنافية 
«وَيُخَوِّفُونَكَ» الواو حالية ومضارع مرفوع والواو فاعله والكاف مفعوله 
«بِالَّذِينَ» متعلقان بالفعل والجملة حال 
«مِنْ دُونِهِ» متعلقان بمحذوف صلة «وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ

...   ......     .....

خواطر علي آية :
"  أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ۖ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِن دُونِهِ ۚ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ  "

_إن الإنسان في أمس الحاجة إلى كاف يكفيه شؤون دينه ودنياه ويحفظه في نفسه وأهله ورزقه وصحته، ويرعاه ويؤمنه ويحميه ويدافع عنه من شر كل ذي شر، ولا يقدر على أن يكفيه كل ذلك إلا الكافي -سبحانه وتعالى ؛ 
ولن يتحصل على تمام الكفاية والعناية والحفظ والرعاية إلا إذا قام بعبادته وواظب على طاعته؛

_ يقول الحق -تبارك وتعالى-: (أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ)؛ 
 
وإن كانت هذه الآية نزلت في أكمل الخلق عبودية لربه ومولاه -صلى الله عليه وسلم-؛ إلا أن كفاية الله تشمل كل من أحسن في عبادته واجتهد في لزوم سبيله وشريعته؛ 
قال بعض العارفين بكفاية رب العالمين لعباده المؤمنين: "ومَن ذا يشك في كفاية الله لعبده وهو القوي القاهر فوق عباده‏؟‏".
 
وقال الإمام ابن القيم -رحمه الله-:

وَهُوَ الْحَسِيبُ كِفَايَةً وَحِمَايَة
                   وَالْحَسْبُ كَافِي الْعَبْدِ كُلَّ أَوَانِ

وَهُوَ الكَفِيْلُ بِكُلِّ مَا يَدْعُونَهُ
                   لا يَعْتَرِي جَدْوَاهُ مِن نُقْصَانِ

وهو الحفيظ عليهم وهو الكفيل
                    بحفظهم من كل أمر عانِ

 
_ ولكفاية الكافي -سبحانه- لعباده صور كثيرة؛ فمن ذلك:

دفاعه عن نبيه -صلى الله عليه وسلم- وعن عباده المؤمنين ونصره لهم؛ (إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ)

وقال تعالى: (إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ)

  وكفى الله المؤمنين يوم الأحزاب؛
 فقال تعالى: (وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا)، 

وقوله: (أَمَّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ إِنِ الْكَافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ)

وقوله: (إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا)
، ومن كان الله عنه مدافعا؛ فمن ذا يقدر عليه.


ومنها: الرزق؛
 فليس للإنسان الضعيف كاف ورازق سوى الكافي -جل في عليائه-: (أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ).
 
ومن صور كفاية الكافي سبحانه لعباده المؤمنين: حفظهم ورعايته لهم؛
 فمن حفظ إبراهيم -عليه السلام- حين ألقي في النار؟ 
ومن حفظ يونس -عليه السلام- في بطن الحوت؟
 ومن حفظ يوسف -عليه السلام- في البئر وسنوات الاغتراب عن الأهل والأحباب؟
 ومن الذي يرعى من على هذه البسيطة، ويمدهم بالطعام والشراب والعافية؟؛ والجواب: إنه الله الكافي.
 

ماهي الأسباب التي بها ننال كفاية الكافي؟!

فمنها:
التوكل على الله -سبحانه وتعالى-؛ فهو حسب من توكل عليه ورجاه، قال -تعالى-: (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ).


ومن الأسباب: 
دعاء الله وطلب الكفاية منه؛ 
فإن من دعا الله كفاه وحماه وحفظه ونجاه؛ 
وقد صح عن النبي -صلى الله عليه وسلم-؛
 كما روى مسلم في قصة الغلام المؤمن الذي أبى الرجوع عن دينه: "فدفَعَه الملِك إلى نَفَرٍ من أصحابه، وقال لهم: اذهبوا به إلى جبل كذا وكذا -جبل معروف عندهم شاهِق رفيع-، 

وقال لهم: إذا بلغوا ذروتَه فاطرحوه؛ 
يعني: على الأرض؛ ليقعَ من رأس الجبل فيموت، بعدَ أن تَعرِضوا عليه أن يرجع عن دِينه؛ 
فإنْ رجع وإلا فاطرحوه؛ فلمَّا بلغوا قمَّة الجبل؛ 
فطلبوا منه أن يرجع عن دِينه، أبَى؛
 لأنَّ الإيمان قد وَقَر في قلبه، ولا يمكن أن يتحوَّل أو يَتزحزح؛ 
فلمَّا همُّوا أن يطرحوه، قال: اللهم اكفنيهم بما شئتَ دعوة مضطر مؤمن؛ 
أي: بالذي تشاء ولم يُعيِّن؛ 
فرجف الله بهم الجبلَ فسقطوا وهلكوا، وجاء الغلام إلى الملِك، فقال: ما الذي جاء بك؟ أين أصحابك؟! فقال: قد كفانيهم الله،

 ثم دَفَعه إلى جماعة آخرين وأمرَهم أن يركبوا البحر في سفينة؛ فإذا بلغوا لُجَّة البحر عرَضوا عليه أن يرجع عن دِينه، فإن لم يفعلْ رمَوْه في البحر، فلمَّا توسَّطوا من البحر، عَرَضوا عليه أن يرجع عن دينه - وهو الإيمان بالله - فقال: لا،
 فقال: اللهم اكفنيهم بما شِئت، فانقلبتِ السفينة وغرقوا، وأنجاه الله".

وجاء من حديث أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم:
 "ومَن استكفى، كفاه الله عزَّ ووجلّ"(وروى النسائيُّ)، 

وروى الترمذيُّ في سُننه من حديث علي -رضي الله عنه: "أنَّ مُكاتبًا جاءه، فقال: إني قد عجزتُ عن كتابتي فأعنِّي، قال:
 "ألا أُعلِّمك كلماتٍ علَّمنيهنَّ رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- لو كان عليك مثلُ جَبل صِيرٍ دَينًا، أدَّاه الله عنك"؟ قال: "قل: اللهمَّ اكْفِني بحلالك عن حرامك، وأغْنني بفضلِك عمَّن سواك".

 
ومن أسباب نيل كفاية الكافي سبحانه: 
القيام بحقوق الله التي أوجبها على عباده؛

 يقول ابن رجب -رحمه الله: 
"فمن قامَ بحقوقِ اللَّهِ عليهِ فإنَّ اللَّهَ يتكفلُ له بالقيامِ بجميع مصالحِهِ في الدنيا والآخرةِ".

 ومن أسباب كفاية الله لعباده:
 المداومة على الأذكار المشروعة؛
 كأذكار اليوم والليلة وأذكار النوم والاستيقاظ منه، وأذكار دخول المنزل والخروج منه، وغير ذلك من الأذكار الواردة؛ 

وقد صح عن النبي عليه الصلاة والسلام- أن من ذكر ربه عند خروجه من بيته؛ 
فقال: "بِاسْمِ اللَّهِ تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ؛ فَيُقَالُ لَهُ حِينَئِذٍ هُدِيتَ وكُفِيتَ ووُقِيتَ، فَيَتَنَحَّى عَنْهُ الشَّيْطَانُ؛ فَيَقُولُ شَيْطَانٌ آخَرُ: كَيْفَ لَكَ بِرَجُلٍ قَدْ هُدِيَ وَكُفِيَ وَوُقِيَ"(رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ).

 
ومن ذلك أيضا:
 الإكثار من الصلاة على النبي صلي الله وعليه وسلم عن أبي بن كعب: " أنَّ رجلًا قال للنبيِّ -صلى الله عليه وسلم- أجعَلُ لكَ نِصفَ صلاتي … الحديثَ"، 
وفي آخرِهِ أجعلُ لَكَ صلاتي كلَّها قالَ: "إذًا تُكفى همَّكَ ويغفَرَ ذنبُكَ"(ابن حجر العسقلاني).

 
ومن المظاهر والصور لكفاية الله لعباده؛ 
 من أيقن أن الله -عز وجل- هو الكافي لعباده المؤمنين حفظا ورعاية، ودفاعا ونصرا، وجب عليه ألا تكون الرغبة إلا إليه، والرجاء إلا منه، والركون إلا عليه؛ 

فمن وقع في ضيق في معاشه، أو مسه ضر في نفسه أو أهله، أو احتاج إلى شيء من أمور دينه ودنياه؛ فليطلب كل ذلك من الله الكريم الكافي؛ فهو حسبه وكافيه.

ومن علم أن الله كافيه تفرغ لعبادته وحده،
 واطمئن قلبه وصلح حاله، وزال خوفه من فوات رزق أو حلول بلاء، وحقق رجاءه بربه وعظم يقينه به دون سواه؛
كما قال تعالى:على لسان خليله -عليه السلام:
(الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ * وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ * وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ * وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ * وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ) 

يَا مَنْ لَهُ الْفَضْلُ مَحْضًا فِي بَرِيَّتِهِ
                  وَهُوَ الْمُؤَمَّلُ فِي الْبَأْسَاءِ وَالْبَاسِ

عَوَّدْتَنِي عَادَةً أَنْتَ الْكَفِيلُ بِهَا
                 فَلَا تَكِلْنِي إلَى خَلْقٍ مِنْ النَّاسِ


_وكذلك أسماءُ الله الحسنى التي اقترنت بكفاية الله تعالى لعباده وكفالته لهم:

فإن كفايةَ الله تعالى للعبد في آيات القرآن الكريم يصحَبُها مِن أسمائه الحسنى ما يجعَل العبد في استقرار تام، بل في اعتزاز وفخر وكرامة بأن اللهَ (الحسيب - الولي - النصير - العليم - الشهيد - الوكيل - الخبير - البصير - السميع) يَكفيه ويتولى أمره، ويدبِّر شؤونه.

_ الحسيب :
قال تعالى: ﴿ ... وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا ﴾

 قال تعالى: ﴿ الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا ﴾ 

 الحسيب : هو الكافي عبادَه جميعَ ما أهمَّهم، مِن أمور دينهم ودنياهم، المحاسب عبادَه على كل صغيرة وكبيرة؛
 فهو تعالى أسرعُ الحاسبين، فلا يَشغَله حسابُ أحد عن أحد.

 
_ الولي :
 قال تعالى: ﴿ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ وَكَفَى بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفَى بِاللَّهِ نَصِيرًا ﴾ .

 الولي : 
له الولايةُ العامة على جميع الخلائق بالتدبير والإصلاح والرِّزق، والولاية الخاصة لأوليائه بالعناية والنُّصرة، والحفظ والعِصمة.

 
 النصير:
 قال تعالى: ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا ﴾ .

النَّصير :
 الذي تولَّى نصر عباده المؤمنين على أعدائهم، مِن الظالمين والكافرين، وينصُرُ المظلومين على الظالمين، ولو كانوا من الكافرين.

 
_ العليم :
 قال تعالى: ﴿ ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا ﴾

العليم :
هو العالم بما كان وما يكون قبل كونه، وبما سيكون، يعلم ما في السموات السبع، وما في الأرض، وما بينهما، وما تحت الثَّرى.

 
_الشهيد :
قال تعالى: ﴿ مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا ﴾ 

 قال تعالى: ﴿ لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلَائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا ﴾ 

 قال تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا ﴾

الشهيد - جل جلاله : الشاهد الحاضرُ على الخليقة كلها، أينما كانوا، لا يَغيب عنه شيءٌ، وهو تعالى الشاهدُ للمظلوم الذي لا شاهد له ولا ناصر إلا هو سبحانه؛ فشَهادته شهادةُ رؤية وعِلم ومراقبة.
 

_ الوكيل؛ قال تعالى: ﴿ ... فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا ﴾ 

 قال تعالى: ﴿ وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا ﴾ 

 قال تعالى: ﴿ ... لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا ﴾ 

 قال تعالى: ﴿ إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلًا ﴾ 

 قال تعالى: ﴿ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا ﴾

 قال تعالى: ﴿ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا ﴾ 

الوكيل - جل جلاله : الكفيلُ بالعالمين؛
 خَلْقًا وتدبيرًا، وتصريفًا وحفظًا، الكافي للمتوكلين عليه بالتيسير لليسرى، وتجنيبهم للعسرى، وكل ما يُهِمُّهم في الآخرة والأولى؛ فوكالته تقتضي الحفظَ والنصرة، والكفاية والعناية.

 
_ الخبير؛ قال تعالى: ﴿ وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا ﴾ .

 الخبير - جل جلاله : هو الذي أحاط علمُه ببواطن الأمور ودقائقها، كما أحاط بظواهرها، المعقولة منها والمحسوسة، فلا تعزُبُ عنه الأخبارُ الباطنة، فلا تتحرَّك ذرة ولا تسكُنُ إلا بعلمه تعالى.

 
_ البصير: قال تعالى: ﴿ ... وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا ﴾ 

البصير - جل جلاله : هو الذي أحاط بصَرُه بجميعِ أقطار الأرض والسموات، وهو ذو البصيرةِ، العليمُ بالأشياء.

 
_ السميع؛ قال تعالى: ﴿ فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾

 السميع - جل جلاله : أحاط سمعُه بجميع المسموعات، باختلاف اللُّغات، على تفنُّن الحاجات، في كل الأوقات، فلا يَشغَله سمعٌ عن سمعٍ في الآن الواحد.

بعد الاستعراض السريع لهذه الآيات،
 هنيئًا لمن تكفَّله الله تعالى وشمِله بحفظه ورعايته، ودبَّر أموره وكفاه ما أهَمَّه؛
 فتفرَّغ لعبادة ربه، مقبلًا عليها، ينهل مِن مَعينها الذي لا ينضب، ومِن فيضها الذي لا يغيض.


_وهناك بعض الأحاديث التي ورد فيها كفايةُ الله تعالى لعباده:

1- عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: لم يُرِدْ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم سفرًا قط إلا قال حين ينهض مِن جلوسه:
 (اللهم بك انتشرتُ، وإليك توجهت، وبك اعتصمت، اللهم أنت ثقتي، وأنت رجائي، اللهم اكفِني ما همني، وما لا أهتم به، وما أنت أعلم به، اللهم زوِّدْني التقوى، واغفر لي ذنبي، ووجِّهْني للخير أينما اتجهتُ)، قال: ثم يخرج؛ (رواه ابن جرير الطبري).

 
2- عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: 
(مَن استغنى أغناه الله عز وجل، ومَن استعَفَّ أعفَّه الله عز وجل، ومَن استكفى كفاه الله عز وجل، ومَن سأل وله قيمة أوقيةٍ فقد ألحف)؛ (رواه النسائي).
 

3- عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: أن قريشًا لما أبطَؤُوا على النبي صلى الله عليه وسلم بالإسلام، قال: (اللهم اكفِنيهم بسبعٍ كسبعِ يوسفَ)،
 فأصابتهم سنةٌ حصَّت كل شيءٍ، حتى أكلوا العظام، حتى جعل الرجل ينظر إلى السماء فيرى بينه وبينها مثل الدُّخَان،
 قال الله: ﴿ فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ ﴾، 
قال الله: ﴿ إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ ﴾، أفيكشف عنهم العذاب يوم القيامة؟
 وقد مضى الدُّخَان، ومضت البَطْشة)؛ (رواه البخاري).

 
4- عن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما، قال: كنت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا،
 قال: (يا غلام، إني أعلمك كلماتٍ: احفَظِ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألتَ فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله،
 واعلم أن الأمةَ لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيءٍ، لم ينفعوك إلا بشيءٍ قد كتبه الله لك،
 وإن اجتمعوا على أن يضرُّوك بشيءٍ لم يضروك إلا بشيءٍ قد كتبه اللهُ عليك، رُفِعَتِ الأقلام، وجَفَّتِ الصُّحف)؛ (رواه الترمذي).
 

5- عن أنس بن مالك رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: 
(مَن كانت الآخرة همَّه، جعل الله غناه في قلبه، وجمع له شمله، وأتَتْه الدنيا وهي راغمةٌ، ومن كانت الدنيا همَّه، جعل الله فقره بين عينيه، وفرَّق عليه شمله، ولم يأتِه مِن الدنيا إلا ما قدر له)؛ (رواه الترمذي).

 
6- عن أنس بن مالك رضي الله عنه: أن أمَّ سُليمٍ كانت مع أبي طلحة يوم حنينٍ، فإذا مع أم سليمٍ خَنجَرٌ، فقال أبو طلحة: ما هذا معك يا أمَّ سُليمٍ؟! 
فقالت: اتخذتُه، إن دنا مني أحدٌ من الكفار أبعج به بطنه، فقال أبو طلحة: يا نبي الله، ألا تسمع ما تقول أم سُليمٍ؟! 
تقول كذا وكذا، فقالت: يا رسول الله، اقتُلْ مَن بعدنا مِن الطُّلقاء، انهزَموا بك يا رسول الله، فقال: (يا أمَّ سُلَيمٍ، إن الله عز وجل قد كفانا وأحسَن)؛ (صححه الألباني).
 

7- عن عبدالله بن حوالة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: 
(سيصير الأمر أن تكونوا أجنادًا مجندةً، جندٌ بالشام، وجندٌ باليمن، وجندٌ بالعراق)،
 قال ابن حوالة: خِرْ لي يا رسول الله إن أدركتُ ذلك، فقال: 
(وعليك بالشام؛ فإنها خيرةُ الله مِن أرضه، يَجتبي إليها خِيرتَه من عباده، فأما إن أبيتم فعليكم بيَمَنِكم، واسقُوا من غُدَرِكم، فإن الله توكَّل - وفي روايةٍ: تكفَّل - لي بالشَّام وأهلِه)؛ (صححه الألباني).

 
8- عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: 
(تكفَّل الله لمَن جاهد في سبيله، لا يخرجه إلا الجهاد في سبيله وتصديق كلماته، بأن يُدخِلَه الجنة، أو يَرجِعَه إلى مسكنه الذي خرج منه، مع ما نال مِن أجرٍ أو غنيمةٍ)؛ (رواه البخاري).
 

9- عن ثوبانَ مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: 
(مَن تكفَّل لي ألا يسألَ الناس شيئًا، تكفَّلتُ له بالجنة)؛ (رواه ابن عبدالبر في التمهيد بإسناد صحيح).

 
10- عن أنس بن مالك رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
 (إذا خرج الرجلُ مِن بيته فقال: بسم الله، توكلت على الله، لا حول ولا قوة إلا بالله، قال: يقال حينئذٍ: هُدِيتَ وكُفِيتَ ووُقِيتَ، فتتنحى له الشياطين، فيقول شيطانٌ آخر: كيف لك برجلٍ قد هُدي وكُفي ووُقي؟)؛
 (رواه أبو داود، وصححه الألباني).

 
11- عن صُهيب بن سنان رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
 (كان ملِكٌ فيمن كان قبلكم، وكان له ساحرٌ، فلما كبِر قال للملك: إني قد كبِرت، فابعث إليَّ غلامًا أعلمه السِّحر، فبعث إليه غلامًا يعلمه، فكان في طريقه إذا سلك راهبٌ، فقعد إليه وسمع كلامه، فأعجبه، فكان إذا أتى الساحر مرَّ بالراهب وقعد إليه، فإذا أتى الساحرَ ضربه، فشكا ذلك إلى الراهب، فقال:
 إذا خشيت الساحر، فقل: حبَسني أهلي، وإذا خشيت أهلك، فقل: حبَسني الساحر، فبينما هو كذلك إذ أتى على دابةٍ عظيمةٍ قد حبستِ الناس، فقال: اليوم أعلم آلساحر أفضل أم الراهب أفضل؟ 
فأخذ حجرًا فقال: اللهم إن كان أمرُ الراهب أحب إليك من أمر الساحر، فاقتُلْ هذه الدابة؛
 حتى يمضي الناس، فرماها فقتلها، ومضى الناس، فأتى الراهب فأخبره،
 فقال له الراهب: أي بني، أنت اليوم أفضلُ مني، قد بلغ مِن أمرك ما أرى، وإنك ستُبتلى، فإن ابتُليتَ فلا تدُلَّ علَيَّ،
 وكان الغلام يُبْرئ الأكمهَ والأبرص، ويداوي الناس من سائر الأدواء، فسمع جليسٌ للملك كان قد عمِي، فأتاه بهدايا كثيرةٍ، 
فقال: ما ها هنا لك أجمع إن أنت شفَيْتَني، فقال: إني لا أَشفي أحدًا، إنما يَشفي الله، فإن أنتَ آمنت بالله دعوتُ الله فشفاك، فآمن بالله، فشفاه الله، فأتى الملِكَ فجلس إليه كما كان يجلس،
 فقال له الملك: مَن رَدَّ عليك بصرَك؟ قال: ربي،
 قال: ولك رب غيري؟ قال: ربي وربك الله، فأخذه فلم يزَلْ يُعذِّبه حتى دل على الغلام، 
فجِيءَ بالغلام، فقال له الملِك: أي بني، قد بلَغ مِن سحرك ما تُبْرئ الأكمه والأبرص، وتفعل وتفعل،

 فقال: إني لا أَشفي أحدًا، إنما يشفي اللهُ، فأخذه فلم يزَلْ يعذِّبه حتى دل على الراهب، فجِيءَ بالراهب، فقيل له: ارجع عن دينك، فأبى، فدعا بالمئشار، فوضع المئشار على مفرق رأسه، فشقه حتى وقع شقاه، ثم جِيء بجليس الملك، فقيل له: ارجع عن دِينك، فأبى، فوضع المئشار في مفرق رأسه، فشقه به حتى وقع شقاه، ثم جيء بالغلام، 
فقيل له: ارجع عن دينك، فأبى، فدفعه إلى نفرٍ من أصحابه فقال: اذهبوا به إلى جبل كذا وكذا، فاصعدوا به الجبل، فإذا بلغتم ذروته، فإن رجع عن دينه، وإلا فاطرحوه، فذهبوا به فصعِدوا به الجبل، فقال: اللهم اكْفِنيهم بما شئتَ، فرجف بهم الجبل، فسقطوا، وجاء يمشي إلى الملك،
 فقال له الملك: ما فعل أصحابك؟ قال: كفانيهم الله، فدفَعه إلى نفرٍ من أصحابه، فقال: اذهبوا به فاحمِلوه في قرقورٍ، فتوسطوا به البحر، فإن رجع عن دينه وإلا فاقذفوه، فذهبوا به، فقال: اللهم اكْفِنيهم بما شئت، فانكفأت بهم السفينة، فغرقوا،
 وجاء يمشي إلى الملك، فقال له الملك: ما فعل أصحابك؟ قال: كفانيهم الله، فقال للملك: إنك لستَ بقاتلي حتى تفعل ما آمُرُك به، 
قال: وما هو؟ قال: تجمع الناس في صعيدٍ واحدٍ، وتصلبني على جذعٍ، ثم خُذْ سهمًا من كنانتي، ثم ضع السهم في كبد القوس، ثم قل: باسم الله ربِّ الغلام، ثم ارمِني، فإنك إذا فعلت ذلك قتلتني، فجمع الناس في صعيدٍ واحدٍ، وصلبه على جذعٍ، ثم أخذ سهمًا من كنانته، ثم وضع السهم في كبد القوس، ثم قال: باسم الله رب الغلام، ثم رماه، فوقع السهم في صُدْغه، فوضع يده في صدغه في موضع السهم، فمات،
 فقال الناس: آمنَّا برب الغلام، آمنا برب الغلام، آمنا برب الغلام،
 فأتى الملك فقيل له: أرأيت ما كنت تحذر؟ 
قد والله نزَل بك حذَرُك، قد آمن الناس، فأمر بالأخدود في أفواه السكك فخُدَّت، وأضرم النيران، 
وقال: مَن لم يرجع عن دينه فأحموه فيها، أو قيل له: اقتحم، ففعلوا حتى جاءت امرأةٌ ومعها صبي لها، فتقاعست أن تقع فيها، فقال لها الغلام: يا أمَّه، اصبِري؛ فإنك على الحق)؛ (رواه مسلم).

 
12- عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما، 
قال: غزَوْنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة نجدٍ، فلما أدركته القائلة، وهو في وادٍ كثيرِ العضاه، فنزل تحت شجرةٍ واستظل بها وعلق سيفه، فتفرق الناس في الشجر يستظلون، وبينا نحن كذلك إذ دعانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فجئنا، فإذا أعرابي قاعدٌ بين يديه، فقال:
 (إن هذا أتاني وأنا نائمٌ، فاخترط سيفي، فاستيقظت وهو قائمٌ على رأسي، مخترطٌ صلتًا)، قال: مَن يمنعك مني؟ قلت: (الله، فشامه ثم قعد، فهو هذا)، قال: ولم يعاقِبْه رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ (رواه البخاري).

 
• العضاه: الشجر الذي له شَوْك.
• اخترط السيف: أي سلَّه وهو في يده، أخرَجه مِن غِمده.
• صلتًا: أي مسلولًا، وهو بفتح الصاد وضمه - صقيلٌ ماضٍ

_ وخلاصة القول :
إن العبدَ إذا أحسن عبادته لربه وأحسن يقينه بربه، وتوكله على ربه، كفاه كلَّ ما أهمَّه، وحفظه مِن جَور الجائرين، وظُلم الظالمين، وتسلُّط المتسلطين، وشر الشياطين، وغير ذلك مما لا يعلَمُه إلا ربُّ العالمين.


تعليقات