حكم لبس الحلقة والخيط وغيرها لرفع البلاء أو دفعة ؛ شرح كتاب التوحيد للشيخ محمد بن عبد الوهاب _رحمه الله
شرح كتاب التوحيد للشيخ محمد بن عبد الوهاب _رحمه الله
" باب من الشرك لبس الحلقة والخيط ونحوهما لرفع البلاء أو دفعه "
رفعه: إزالته بعد نزوله.
دفعه: منعه قل نزوله.
قال: قال تعالى: {قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ}
قال ابن كثير: أي لا تستطيع شيئا من الأمر {قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ} أي الله كافي من توكل عليه {عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ}
كما قال هود - عليه السلام حين قال قومه: {إِنْ نَقُولُ إِلا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ مِنْ دَابَّةٍ إِلا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} .
قال مقاتل في معنى الآية:
فسألهم النبي صلي الله عليه وسلم فسكتوا. أي لأنهم لا يعتقدون ذلك فيها
عن عمران بن حصين_رضي الله عنه : أن النبي صلي الله عليه وسلم رأى رجلا في يده حلقة من صفر، فقال: ما هذا؟ قال من الواهنة. فقال: انزعها فإنها لا تزيدك إلا وهنا؛ فإنك لو مت وهي عليك ما أفلحت أبدا _رواه أحمد بسند لا بأس به.
وإنما كانوا يدعونها على معنى أنها وسائط وشفعاء عند الله، لا على أنهم يكشفون الضر، ويجيبون دعاء المضطر، فهم يعلمون أن ذلك لله وحده.
كما قال تعالى: {إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُون ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ}
فهذه الآية وأمثالها تبطل تعلق القلب بغير الله في جلب نفع أو دفع ضر، وأن ذلك شرك بالله.
وفي الآية بيان أن الله تعالى وسم أهل الشرك بدعوة غير الله والرغبة إليه من دون الله. والتوحيد ضد ذلك.
وهو أن لا يدعو إلا الله، ولا يرغب إلا إليه، ولا يتوكل إلا عليه، وكذا جميع أنواع العبادة لا يصلح منها شيء لغير الله.
كما دل على ذلك الكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة وأئمتها .
قال: وعن عمران بن حصين "أن النبي صلي الله عليه وسلم رأى رجلا في يده حلقة من صفر فقال ما هذه؟ قال: من الواهنة. قال: انزعها فإنها لا تزيدك إلا وهنا; فإنك لو مت وهي عليك ما أفلحت أبدا " رواه أحمد بسند لا بأس به".
قال الإمام أحمد: حدثنا خلف بن الوليد حدثنا المبارك عن الحسن قال: أخبرني عمران بن حصين
"أن النبي صلي الله عليه وسلم أبصر على عضد رجل حلقة – قال: أراها من صفر - فقال: ويحك ما هذه؟ قال: من الواهنة.
قال: أما إنها لا تزيدك إلا وهنا. انبذها عنك؛ فإنك لو مت وهي عليك ما أفلحت أبدا " _رواه ابن حبان في صحيحه
فقال: " فإنك إن مت وكلت إليها ". والحاكم، وقال: صحيح الإسناد. وأقره الذهبي.
وقال الحاكم: أكثر مشايخنا على أن الحسن سمع من عمران.
وقوله في الإسناد: "أخبرني عمران" يدل على ذلك
قوله: "عن عمران بن حصين"
أي ابن عبيد بن خلف الخزاعي، أبو نجيد - بنون وجيم – مصغر، صحابي ابن صحابي، أسلم عام خيبر، ومات سنة اثنتين وخمسين بالبصرة.
قوله: "رأى رجلا" في رواية الحاكم: " دخلت على رسول الله صلي الله عليه وسلم وفي عضدي حلقة صفر، فقال: ما هذه؟ " الحديث. فالمبهم في رواية أحمد هو عمران راوي الحديث.
قوله: "ما هذه" يحتمل أن الاستفهام للاستفسار عن سبب لبسها، ويحتمل أن يكون للإنكار، وهو أشهر.
قوله: "من الواهنة" قال أبو السعادات: الواهنة عرق يأخذ في المنكب وفي اليد كلها، فيرقى منها.
وقيل: هو مرض يأخذ في العضد، وهي تأخذ الرجال دون النساء ،وإنما نهى عنها؛
لأنه إنما اتخذها على أنها تعصمه من الألم، وفيه اعتبار المقاصد.
قوله: " انزعها فإنها لا تزيدك إلا وهنا " النزع هو الجذب بقوة، أخبر أنها لا
تنفعه بل تضره وتزيده ضعفا. وكذلك كل أمر نهى عنه فإنه لا ينفع غالبا وإن نفع بعضه فضره أكبر من نفعه.
قوله: " فإنك لو مت وهي عليك ما أفلحت أبدا "
لأنه شرك. والفلاح هو الفوز والظفر والسعادة.
وهذا فيه شاهد لكلام الصحابة: أن الشرك الأصغر أكبر الكبائر، وأنه لم يعذر بالجهالة. وفيه الإنكار بالتغليظ على من فعل مثل ذلك.
قوله: "رواه أحمد بسند لا بأس به" :هو الإمام أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد بن إدريس بن عبد الله بن حسان بن عبد الله بن أنس بن عوف بن قاسط بن مازن بن شيبان بن ذهل بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل بن قاسط بن هنب بن أفصى بن دعمى بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان الإمام العالم أبو عبد الله الذهلي ثم الشيباني المروزي، ثم البغدادي، إمام أهل عصره وأعلمهم بالفقه والحديث، وأشدهم ورعا ومتابعة للسنة،
وهو الذي يقول فيه بعض أهل السنة: عن الدنيا ما كان أصبره، وبالماضين ما كان أشبهه، أتته الدنيا فأباها، والشبه فنفاها. خرج به من مرو وهو حمل، فولد ببغداد سنة أربع وستين ومائة في شهر ربيع الأول.
وطلب أحمد العلم سنة وفاة مالك، وهي سنة تسع وسبعين، فسمع من هشيم وجرير بن عبد الحميد وسفيان بن عيينة ومعتمر بن سليمان ويحيى بن سعيد القطان ومحمد بن إدريس الشافعي ويزيد بن هارون وعبد الرزاق وعبد الرحمن بن مهدي وخلق لا يحصون بمكة والبصرة والكوفة وبغداد واليمن وغيرها من البلاد. روى عنه ابناه صالح وعبد الله، والبخاري ومسلم وأبو داود وإبراهيم الحربي وأبو زرعة الرازي الدمشقي وعبد الله ابن أبي الدنيا وأبو بكر الأثرم وعثمان بن سعيد الدارمي وأبو القاسم البغوي، وهو آخر من حدث عنه، وروى عنه من شيوخه عبد الرحمن بن مهدي والأسود بن عامر، ومن أقرانه علي بن المديني ويحيى بن معين.
قال البخاري: مرض أحمد لليلتين خلتا من ربيع الأول ومات يوم الجمعة لاثنتي عشرة خلت منه.
وقال حنبل: مات يوم الجمعة في ربيع الأول سنة إحدى وأربعين ومائتين وله سبع وسبعون سنة.
وقال ابنه عبد الله والفضل بن زياد: مات في ثاني عشر ربيع الآخر - رحمه الله .
قوله: "وله عن عقبة بن عامر مرفوعا:
" من تعلق تميمة فلا أتم الله له، ومن تعلق ودعة فلا ودع الله له _ وفي رواية
" من تعلق تميمة فقد أشرك " .
الحديث الأول رواه الإمام أحمد كما قال المصنف، ورواه أيضا أبو يعلى والحاكم، وقال: صحيح الإسناد وأقره الذهبي.
قوله: "وفي رواية" أي من حديث آخر رواه أحمد فقال: حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث حدثنا عبد العزيز بن مسلم حدثنا يزيد ابن أبي منصور عن دجين الحجري عن عقبة بن عامر الجهني " أن رسول الله صلي الله عليه وسلم أقبل إليه رهط فبايع تسعة وأمسك عن واحد،
فقالوا: يا رسول الله، بايعت تسعة وأمسكت عن هذا؟ فقال: إن عليه تميمة فأدخل يده فقطعها، فبايعه
وقال: من تعلق تميمة فقد أشرك " ورواه الحاكم بنحوه. ورواته ثقات.
ولابن أبي حاتم عن حذيفة " أنه رأى رجلا في يده خيط من الحمى فقطعه،
قوله: "عن عقبة بن عامر"
صحابي مشهور فقيه فاضل، ولي إمارة مصر لمعاوية ثلاث سنين، ومات قريبا من الستين.
قوله: " من تعلق تميمة " :
أي علقها متعلقا بها قلبه في طلب خير أو دفع شر.
قال المنذري: "خرزة كانوا يعلقونها يرون أنها تدفع عنهم الآفات، وهذا جهل وضلالة؛ إذ لا مانع ولا دافع غير الله تعالى".
وقال أبو السعادات:
"التمائم جمع تميمة وهي خرزات كانت العرب تعلقها على أولادهم يتقون بها العين في زعمهم، فأبطلها الإسلام".
قوله: " فلا أتم الله له " دعاء عليه.
قوله: " ومن تعلق ودعة " بفتح الواو وسكون المهملة.
قال في مسند الفردوس: "شيء يخرج من البحر يشبه الصدف يتقون به العين".
قوله: " فلا ودع الله له ":
بتخفيف الدال. أي لا جعله في دعة وسكون.
قال أبو السعادات: وهذا دعاء عليه.
قوله: "وفي رواية: من تعلق تميمة فقد أشرك"
قال أبو السعادات: إنما جعلها شركا؛ لأنهم أرادوا دفع المقادير المكتوبة عليهم، وطلبوا دفع الأذى من غير الله الذي هو دافعه.
ولابن أبي حاتم عن حذيفة أنه :رأى رجلا في يده خيط من الحمى فقطعه، وتلا قوله تعالى:
{وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} .
قال ابن أبي حاتم: حدثنا محمد بن الحسين بن إبراهيم بن أشكاب حدثنا يونس بن محمد حدثنا حماد بن سلمة عن عاصم الأحول عن عروة قال:
" دخل حذيفة على مريض، فرأى في عضده سيرا فقطعه أو انتزعه ثم قال:
{وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} ".
وابن أبي حات: م هو الإمام أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم محمد بن إدريس
وتلا قوله: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} ".
فيه مسائل:
_الأولى:
التغليظ في لبس الحلقة والخيط ونحوهما لمثل ذلك.
_الثانية:
أن الصحابي لو مات وهي عليه ما أفلح. فيه شاهد لكلام الصحابة: إن الشرك الأصغر أكبر من الكبائر.
_الثالثة:
أنه لم يعذر بالجهالة.
_الرابعة:
أنها لا تنفع في العاجلة، بل تضر؛ لقوله " لا تزيدك إلا وهنا".
الرازي التميمي الحنظلي الحافظ، صاحب الجرح والتعديل والتفسير وغيرهما، مات سنة سبع وعشرين وثلاثمائة.
وحذيفة: هو ابن اليمان. واسم اليمان: حسيل بمهملتين مصغرا، ويقال: حسل - بكسر ثم سكون - العبسي بالموحدة، حليف الأنصار، صحابي جليل من السابقين، ويقال له: صاحب السر وأبوه أيضا صحابي، مات حذيفة في أول خلافة علي رضي الله عنه سنة ست وثلاثين.
لأن النبي صلى الله عليه وسلم استصحبه في عودته من غزوة تبوك حين أخذ في طريق العقبة التي كان المنافقون كمنوا عندها؛
لينفروا راحلة رسول الله صلى الله عليه وسلم ليقع عنها فيموت. فأطلعه الله على ما بيتوا وأعلمه بأسمائهم.
فأعلم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حذيفة بأسمائهم إذ ناداهم بأسمائهم حين حاذاهم. ثم استكتم حذيفة أسماءهم اتقاء الفتنة. ولم يكن عند حذيفة سر في الدين, كما يدعي الضالون من الصوفية. لأن الإسلام علانية لا سر فيه, وإنما الأسرار في النصرانية وكنائسها وقسسها ورهبانيتها.
قوله: "رأى رجلا في يده خيط من الحمى" أي عن الحمى. وكان الجهال يعلقون التمائم
والخيوط ونحوها لدفع الحمى وروى وكيع عن حذيفة: " أنه دخل على مريض يعوده فلمس عضده، فإذا فيه خيط، فقال: ما هذا؟
قال: شيء رقي لي فيه، فقطعه وقال: لو مت وهو عليك ما صليت عليك ".
وفيه إنكار مثل هذا، وإن كان يعتقد أنه سبب، فالأسباب لا يجوز منها إلا ما أباحه الله تعالى ورسوله مع عدم الاعتماد عليها.
وأما التمائم والخيوط والحروز والطلاسم ونحو ذلك مما يعلقه الجهال فهو شرك يجب إنكاره وإزالته بالقول والفعل، وإن لم يأذن فيه صاحبه.
والخيوط ونحوها لدفع الحمى
وروى وكيع عن حذيفة: " أنه دخل على مريض يعوده فلمس عضده، فإذا فيه خيط، فقال: ما هذا؟
قال: شيء رقي لي فيه، فقطعه وقال: لو مت وهو عليك ما صليت عليك ".
عدم الاعتماد عليها.
وأما التمائم والخيوط والحروز والطلاسم ونحو ذلك مما يعلقه الجهال فهو شرك يجب إنكاره وإزالته بالقول والفعل، وإن لم يأذن فيه صاحبه.
قوله: "وتلا قوله: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} "
استدل حذيفة رضي الله عنه:ولا يزال هذا معتقدا عند أهل الجاهلية الثانية،
يتخذون خيوطا يعقدونها بأيدي من اسمه محمد,
وبعض ذلك يعملونه يوم الجمعة,
وبعض ذلك يعملونه على مقاس باب الكعبة ثم يعقدونه أربعين عقدة ممن أسماؤهم محمد, ويقرأون عند كل عقدة قل هو الله أحد،
ويزعمون أن هذا الخيط نافع من العقم، فلا تلبسه عقيم في زعمهم إلا وتحمل.
وهذا من أعظم الانحطاط إلى أحط دركات البكم والصمم والعمى, بل إلى البهيمية أن يعتقد في خيوط.
ومثله اتخاذ سبع من أنواع الحبوب تعلق في كيس مع سرة الطفل وأشباه ذلك كثير فاش فيمن يتسمون بأسماء إسلامية،
وهم من أجهل المشركين الشرك الأكبر. ولا حول ولا قوة إلا بالله
قوله: "وتلا قوله: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} " استدل حذيفة رضي الله عنه
_الخامسة:
الإنكار بالتغليظ على من فعل مثل ذلك.
_السادسة:
التصريح بأن من تعلق شيئا وكل إليه.
إنما وكله الله إليه؛ لأنه أعرض عن رحمة ربه واستغنى عن الله وتمسك بالسبب الأضعف بل نمسك بلا شيء, فوكله إلى ما تمسك به فلم ينفعه شيئا.
_السابعة:
التصريح بأن من تعلق تميمة فقد أشرك.
_الثامنة:
أن تعليق الخيط من الحمى من ذلك.
_التاسعة:
تلاوة حذيفة الآية دليل على أن الصحابة يستدلون بالآيات التي في الشرك الأكبر على الأصغر، كما ذكر ابن عباس في آية البقرة.
_العاشرة:
أن تعليق الودع عن العين من ذلك.
_الحادية عشرة:
الدعاء على من تعلق تميمة أن الله لا يتم له، ومن تعلق ودعة فلا ودع الله له. أي ترك الله له.
..... ...... .....
الخلاصة :
قوله: "باب من الشرك لبس الحلقة والخيط ونحوهما، لرفع البلاء أو دفعه"
رفع البلاء: إزالته بعد حصوله،
ودفعه: منعه قبله،
ومن هنا ابتدأ المصنف في تفسير التوحيد وشهادة أن لا إله إلا الله بذكر شيء مما يضاد ذلك من أنواع الشرك الأكبر والأصغر، فإن الضد لا يعرف إلا بضده.
كما قيل: وبضدها تتبين الأشياء.
فمن لا يعرف الشرك لم يعرف التوحيد وبالعكس، فبدأ بالأصغر الاعتقادي انتقالاً من الأدنى إلى الأعلى فقال:
وقول الله تعالى: {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ ... } .
قال ابن كثير في تفسيرها، أي: لا تستطيع شيئا من الأمر.
قل: {حَسْبِيَ اللَّهُ} ، أي: الله كافي مَن توكل عليه،
{عَلَيْهِ} يتوكل
{الْمُتَوَكِّلُونَ} ، كما قال هود عليه السلام حين قال له قومه:
{إِنْ نَقُولُ إِلاَّ اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا}
وحاصل أن الله تعالى أمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يقول للمشركين: أرأيتم، أي: أخبروني عن
{مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ} مّا تدعون من دون الله،
أي: تعبدونهم وتسألونهم من الأنداد والأصنام والآلهة المسميات بأسماء الإناث الدالة أسماؤهن على بطلانهن وعجزهن،
لأن الأنوثة من باب اللين والرخاوة، كاللات والعزى
{إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ} ، أي: بمرض أو فقر أو بلاء أو شدة
{هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ} ، أي: لا يقدرون على ذلك أصلاً
{أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ} ، أي: صحة، وعافية، وخير، وكشف بلاء.
{هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ} . قال مقاتل: فسألهم النبي صلى الله عليه وسلم فسكتوا، أي: لأنهم لا يعتقدون ذلك فيها، وإنما كانوا يدعونها على معنى أنها وسائط وشفعاء عند الله، لا لأنهم يكشفون الضر ويجيبون دعاء المضطر، فهم يعلمون أن ذلك لله وحده كما قال تعالى: {ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ} .
وقد دخل في ذلك كل من دعي من دون الله من الملائكة والأنبياء والصالحين، فضلا عن غيرهم فلا يقدر أحد علىكشف ضر ولا إمساك رحمة، كما قال تعالى: {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} .
وإذا كان كذلك بطلت عبادتهم من دون الله، وإذا بطلت عبادتهم فبطلان دعوة الآلهة والأصنام أبطل وأبطل، وليس الحلقة والخيط لرفع البلاء أو دفعه كذلك، فهذا وجه استدلال المصنف بالآية، وإن كانت الترجمة في الشرك الأصغر، فإن السلف يستدلون بما نزل في الأكبر على الأصغر،
كما استدل حذيفة وابن عباس وغيرهما وكذلك من جعل رؤوس الْحُمُر ونحوها في البيت والزرع لدفع العين كما يفعله أشباه المشركين، فإنه يدخل في ذلك، وقد يحتجون على ذلك بما رواه أبو داود في المراسيل [540] عن علي بن الحسين مرفوعًا:
"احرثوا فإن الحرث مبارك، وأكثروا فيه من الجماجم". وعنه أجوبة:
_أحدها: أنه حديث ساقط مرسل وأبو داود لم يشترط في مراسيله جمع المراسيل الصحيحة الإسناد، وقد ضعفه السيوطي وغيره.
_الثاني: أنه اختلف في تفسير الجماجم، فقيل: هي البذر، ذكره العزيزي في "شرح الجامع".
وقيل: الخشبة التي يكون في رأسها سكة الحرث، قاله أبو السعادات بن الأثير في " النهاية ".
وقيل: هي جماجم رؤوس الحيوان ذكره العزيزي وغيره.
وعلى هذا فقيل: أمر بجعلها لدفع الطير، ذكره العزيزي وغيره، وهذا هو الأقرب لو ثبت الحديث مع أنه باطل وقيل: بل لدفع العين، وفيه حديث ساقط أنه أمر بالجماجم في الزرع من أجل العين، وهو مع ذلك منقطع، ذكره السيوطي وغيره، وهذا المعنى هو الذي تعلق به أشباه المشركين ولا ريب أنه معنى باطل، لم يرده النبي صلى الله عليه وسلم لو كان الحديث صحيحًا، وكيف يريده وقد أمر بقطع الأوتار كما في " الصحيح ".
وقال: "من تعلق شيئًا وكل إليه" . وقال: "من تعلق ودعة فلا ودع الله له" وكانوا يجعلون ذلك من أجل العين كما سيأتي، فهلا أرخص لهم فيه؟!
الثالث: أن هذا مضاد لدين الإسلام الذي بعث الله به رسله، فإنه تعالى إنما أرسل الرسل وأنزل الكتب ليعبد وحده ولا يشرك به شيء، لا في العبادة ولا في الاعتقاد، وهذا من جنس فعل الجاهلية الذين يعتقدون البركة والنفع والضر فيما لم يجعل الله فيه شيئًا من ذلك، ويعلقون التمائم والودع ونحوهما على أنفسهم لدفع الأمراض والعين فيما زعموا.
فإن قيل: الفاعل لذلك لم يعتقد النفع فيه استقلالاً، فإن ذلك لله وحده، فهو النافع الضار، وإنما اعتقد أن الله جعله سببا كغيره من الأسباب.
قيل: هذا باطل أيضًا، فإن الله لم يجعل ذلك سببًا أصلاً
وكيف يكون الشرك سببًا لجلب الخير ولدفع الضر، ولو قدر أن فيه بعض النفع، فهو كالخمر والميسر فيهما إثم كبير ومنافع للناس، وإثمهما أكبر من نفعهما.
فإن قيل: كيف يكون شركًا وقد روى أبو داود ذلك في مراسيله وغيره من العلماء يروون الحديث ولم ينكره.
قيل: أهل العلم يروون الأحاديث الضعيفة والموضوعة لبيان حالها وإسنادها لا للاعتماد عليها واعتقادها، وكتب المحدثين مشحونة بذلك، فبعضهم يذكر علة الحديث، ويبين حاله وضعفه إن كان ضعيفًا، ووضعه إن كان موضوعًا، وبعضهم يكتفي بإيراد الحديث بإسناده ويرى أنه قد برئ من عهدته إذا أورده بإسناده لظهور حال رواته، كما يفعل ذلك الحافظ أبو نعيم، وأبو القاسم بن عساكر وغيرهما، فليس في رواية من رواه وسكوته عنه دليل على أنه عنده صحيح أو حسن أو ضعيف، بل قد يكون موضوعًا عنده، فلا يدل سكوته عنه على جواز العمل به عنده، وسيأتي في الكلام على حديث قطع الأوتار ما يدل على النهي عن هذا من كلام العلماء.
قال: عن عمران بن حصين "أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً في يده حلقة من صفر.
فقال: ما هذه؟ قال: من الواهنة.
فقال انزعها فإنها لا تزيدك إلا وهنًا فإنك لو مت وهي عليك ما أفلحت أبدا" . رواه أحمد بسند لا بأس به.
وهذا الحديث ذكره المصنف بمعناه،
أما لفظه فقال الإمام أحمد: حدثنا خلف بن الوليد، ثنا المبارك عن الحسن قال أخبرني عمران بن حصين "أن النبي صلى الله عليه وسلم أبصر على عضد رجل حلقة قال: أراه قال: من صفر ، فقال: ويحك ما هذه قال من الواهنة قال: أما إنها لا تزيدك إلا وهنا، انبذها عنك، فإنك لو مت وهي عليك ما أفلحت أبدًا" . ورواه ابن ماجة دون قوله انبذها إلى آخره، وابن حبان في " صحيحه".
وقال: فإنك إن مت وكلت إليها والحاكم وقال: صحيح الإسناد، وأقره الذهبي: قال المنذري: رووه كلهم عن مبارك بن فضالة عن الحسن عن عمران. ورواه ابن حبان أيضًا بنحوه عن أبي عامر الخزاز، عن الحسن، وهذه متابعة جيدة، إلا أن الحسن اختلف في سماعه من عمران.
قال ابن المديني وغيره: لم يسمع منه،: وقال الحاكم: وأكثر مشايخنا على أنه سمع منه. قلت: رواية الإمام أحمد ظاهرة في سماعه منه وهو الصواب.
قوله: عن عمران بن حصين. أي: ابن عبيد بن خلف الخزاعي أبو نجيد - بنون وجيم مصغر - صحابي ابن صحابي. أسلم عام خيبر، ومات سنة اثنتين وخمسين بالبصرة.
قوله: " رأى رجلاً " في رواية الحاكم:
"دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي عضدي حلقة صفر. فقال: ما هذه؟
قلت: من الواهنة فقال: انبذها". فالمبهم في رواية أحمد ومن وافقه هو عمران راوي الحديث.
قوله: "فقال ما هذا؟ " يحتمل أن الاستفهام للاستفصال هل لبسها تحليًا أم لا؟
ويحتمل أن يكون للإنكار فظن اللابس أنه استفصل.
قوله: "من الواهنة".
قال أبو السعادات: الواهنة: عرق يأخذ في المنكب وفي اليد كلها، فيرقى منها.
وقيل: هو مرض يأخذ في العضد، وربما علق عليها جنس من الخرز يقال له: خرز الواهنة،
وهي تأخذ الرجال دون النساء
قال: وإنما نهاه عنها، لأنه اتخذها على معنى أنها تعصمه من الألم، فكان عنده في معنى التمائم المنهي عنه. قلت: وفيه استفصال المفتي واعتبار المقاصد
قوله: "انزعها"؛ فإنها لا تزيدك إلا وهنا.
لفظ الحديث: "انبذها" وهو أبلغ، أي: اطرحها.
والنّزع هو الجذب بقوة، والنبذ يتضمن ذلك وزيادة وهو الطرح والإبعاد، أمره بطرحها عنه وأخبر أنها لا تنفعه بل تضره، فلا تزيده إلا وهنًا، أي: ضعفًا.
وكذلك كل أمر نهي عنه فإنه لا ينفع غالبًا أصلاً، وإن نفع بعضه، فضره أكبر من نفعه، وفيه النهي عن تعليق الحلق والخرز ونحوهما على المريض أو غيره، والتنبيه على النهي عن التداوي بالحرام. وروى أبو داود بإسناد حسن، والبيهقي عن أبي الدرداء مرفوعًا في حديث: "تداوَوا ولا تداوَوا بحرام" .
فإن قيل كيف قال صلى الله عليه وسلم: "لا تزيدك إلا وهنًا" وهي ليس لها تأثير؟
وقيل: هذا والله أعلم يكون عقوبة له على شركه لأنه وضعها لدفع الواهنة، فعوقب بنقيض مقصوده.
قوله: "فإنك لو مت وهي عليك ما أفلحت أبدًا،"،
أي:- لأنه مشرك والحالة هذه، والفلاح هو الفوز والظفر والسعادة.
والشاهد لكلام الصحابة أن الشرك الأصغر أكبر الكبائر، وأنه لم يعذر بالجهالة، والإنكار بالتغليظ على من فعل مثل ذلك.
وفيه أن الصحابي لو مات وهي عليه ما أفلح أبدًا، ففيه رد على المغرورين الذين يفتخرون بكونهم من ذرية الصالحين، أو من أصحابهم، ويظنون أنهم يشفعون لهم عند الله، وإن فعلوا المعاصي وفيه أن رتب الإنكار متفاوتة فإذا كفى الكلام في إزالة المنكر لم يحتج إلى ضرب ونحوه.
وفيه أن المسلم إذا فعل ذنبًا وأنكر عليه فتاب منه فإن ذلك لا ينقصه، وأنه ليس من شرط أولياء الله عدم الذنوب.
قوله: رواه أحمد بسند لا بأس به. هو الإمام أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد الشيباني، أبو عبد الله المروزي، ثم البغدادي; إمام أهل عصره وأعلمهم بالفقه والحديث، وأشدهم ورعً
ومتابعة للسنة. روى عن الشافعي ويزيد بن هارون وابن مهدي ويحيى القطان وابن عيينة وعفان وخلف.
وروى عنه ابناه: عبد الله وصالح والبخاري ومسلم وأبو داود وأبو بكر الأثرم والمروزي وخلق لا يحصون، مات سنة إحدى وأربعين ومائتين وله سبع وسبعون سنة.
قال: وله عن عقبة بن عامر مرفوعًا: "من تعلق تميمة فلا أتم الله له، ومن تعلق ودعة فلا ودع الله له" .
وفي رواية: "من تعلق تميمة فقد أشرك" .
و الحديث الأول رواه أحمد كما قال المصنف، ورواه أيضًا أبو يعلى والحاكم وقال: صحيح الإسناد، وأقره الذهبي.
وقوله: "وفي رواية": هذا يوهم أن هذا في بعض الأحاديث المذكورة، وليس كذلك، بل المراد أنه في حديث آخر رواه أحمد أيضًا فقال: حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث، ثنا عبد العزيز بن مسلم، ثنا يزيد بن أبي منصور، عن دخين الحجري، عن عقبة بن عامر الجهني "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبل إليه رهط فبايع تسعة وأمسك عن واحد.
فقالوا: يا رسول الله، بايعت تسعة وأمسكت عن هذا؟ قال: إن عليه تميمة فأدخل يده فقطعها، فبايعه.
وقال: من علق تميمة فقد أشرك" . ورواه الحاكم بنحوه، ورواته ثقات.
وقوله: (في هذا الحديث) : فأدخل يده فقطعها.
أي: الرجل، بينه الحاكم في روايته.
قوله: (عن عقبة بن عامر) . هو الجهني، صحابي مشهور، وكان فقيهًا فاضلاً ولي إمارة مصر لمعاوية ثلاث سنين ومات قريبًا من الستين.
قوله: "من تعلق تميمة"، أي: متمسكًا بها عليه وعلى غيره من طفل
أو دابة ونحو ذلك. قال المنذري: يقال: إنها خرزة كانوا يعلقونها
يرون أنها تدفع عنهم الآفات واعتقاد هذا الرأي جهل وضلالة إذ لا مانع ولا دافع غير الله تعالى.
وقال أبو السعادات: التمائم جمع تميمة وهي خرزات كانت العرب تعلقها على أولادهم، يتقون بها العين في زعمهم، فأبطله الإسلام. قال: كأنّهم كانوا يعتقدون أنها تمائم الدواء والشفاء.
قوله: "فلا أتم الله له"، دعاء عليه بأن الله لا يتم له أموره.
قوله: "ومن تعلق ودعة"، بفتح الواو وسكون المهملة. قال [الدّيلمي] في "مسند الفردوس" شيء يخرج من البحر يشبه الصدف، يتقون به العين،
قوله: "فلا ودع الله له"، بتخفيف الدال، أي: لا جعله في دعة وسكون،
وقيل: هو لفظ بني من الودعة، أي: لا خفف الله عنه ما يخافه، قاله أبو السعادات. وهذا دعاء عليه، فيه وعيد شديد لمن فعل ذلك، فإنه مع كونه شركًا، فقد دعا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بنقيض مقصوده.
قوله: "من تعلق تميمة فقد أشرك". قال ابن عبد البر: إذا اعتقد الذي علقها أنها ترد العين، فقد ظن أنها ترد القدر، واعتقاد ذلك شرك.
وقال أبو السعادات: إنما جعلها شركًا، لأنهم أرادوا دفع المقادير المكتوبة عليهم، وطلبوا دفع الأذى من غير الله الذي هو دافعه.
قال: ولابن أبي حاتم، "عن حذيفة أنه رأى رجلاً في يده خيط من الحمى فقطعه وتلا قوله: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلاَّ وَهُمْ مُشْرِكُونَ} ".
وهذا الأثر رواه ابن أبي حاتم كما قال المصنف.
ولفظه: حدثنا محمد بن الحسين بن إبراهيم بن إشكاب، ثنا يونس بن محمد ثنا حماد بن سلمة عن عاصم بن أبي النجود،
عن عروة قال: دخل حذيفة على مريض، فرأى في عضده سيرًا فقطعه أو انتزعه، ثم قال: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلاَّ وَهُمْ مُشْرِكُونَ}
وابن أبي حاتم هو الإمام أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم محمد بن إدريس الرازي التميمي الحنظلي، الحافظ ابن الحافظ، صاحب "الجرح والتعديل"، والتفسير وغيرهما. مات سنة سبع وعشرين وثلاثمائة.
وحذيفة هو ابن اليمان، واسم اليمان حسيل بمهملتين. مصغرًا ويقال حسل بكسر ثم سكون، العبسي بالموحدة، حليف الأنصار، صحابي جليل من السابقين ويقال [له] : صاحب السر، وأبوه أيضًا صحابي، مات حذيفة في أول خلافة علي سنة ست وثلاثين.
قوله: (رأى رجلاً في يده خيط من الحمى) .
أي: من أجل الحمى لدفعها، وكان الجهال يعلقون لذلك التمائم والخيوط ونحوها.
وروى وكيع: "عن حذيفة أنه دخل على مريض يعوده، فلمس عضده فإذا فيه خيط فقال: ما هذا؟
فقال: شيء رقي لي فيه، فقطعه فقال: لو مت وهو عليك ما صليت عليك".
قوله: (فقطعه) ، فيه إنكار هذا، وإن كان يعتقد أنه سبب فإن الأسباب لا يجوز منها إلا ما أباحه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم مع عدم الاعتماد عليه، فكيف بما هو شرك كالتمائم والخيوط والخرز والطلاسم ونحو ذلك مما يعلقه الجهال؟
وفيه إزالة المنكر باليد بغير إذن الفاعل، وإن كان يظن أن الفاعل يزيله، وإن إتلاف آلات المنكر واللهو جائزة وإن لم يأذن صاحبها.
قوله: وتلا قوله: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلاَّ وَهُمْ مُشْرِكُونَ} .
استدل حذيفة بهذه الآية على أن تعليق الخيط ونحوه مما ذكر شرك،
أي: أصغر كما تقدم في الحديث، ففيه صحة الاستدلال بما نزل في الأكبر على الأصغر،
ومعنى الآية أن الله أخبر عن المشركين أنهم يجمعون بين الإيمان بالله،
أي: بوجوده، وأنه الخالق الرزاق المحيي المميت، ثم مع ذلك يشركون في عبادته فسرها بذلك ابن عباس وعطاء ومجاهد والضحاك وابن زيد وغيرهم.
........ .......
باب من الشرك لبس الحلقة والخيط ونحوهما لرفع البلاء أودفعه شرح الشيخ ابن باز _رحمه الله لكتاب التوحيد
قول الله تعالى: قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ [الزمر: 38].
عن عمران بن حصين : "أن النبي صلي الله وعليه وسلم رأى رجلا في يده حلقة من صفر فقال: ما هذه؟
قال من الواهنة. فقال: انزعها، فإنها لا تزيدك إلا وهنا؛ فإنك لو مت وهي عليك ما أفلحت أبدا رواه أحمد بسند لا بأس به.
وله عن عقبة بن عامر مرفوعا: من تعلق تميمة فلا أتم الله له، ومن تعلق ودعة فلا ودع الله له وفي رواية: من تعلق تميمة فقد أشرك.
ولابن أبي حاتم عن حذيفة: أنه رأى رجلا في يده خيط من الحمى، فقطعه وتلا قوله: وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلاَّ وَهُمْ مُشْرِكُونَ [يوسف: 106].
يقول رحمه الله: " باب من الشرك": يعني الأصغر
"لبس الحلقة والخيط ونحوهما لرفع البلاء أو دفعه" كثير من الناس يلبسون التمائم والخيوط والحروز وغيرها من رُقع أو غير ذلك
إما لرفع البلاء بعد نزوله أو دفعه قبل نزوله، يعني يرون أنها من أسباب رفع البلاء إذا نزل أو دفعه قبل أن ينزل، فهذا من الشرك وهو من الشرك الأصغر.
يقول الله جل وعلا:
" أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ "[الزمر:38]
هذه الآية نزلت في الشرك الأكبر، والسلف يحتجون بالآيات التي في الأكبر على ما يقع من الشرك الأصغر؛
لأن الشرك الأكبر والأصغر يجمعهما اسم الشرك،
ولأن هذا واقع من المشركين أيضاً، فالآية تحذر من ذلك؛
لأنه في تعليق الودع أو التمائم أو الحروز نوع من تعلق القلوب على غير الله، ونوع من ضعفها في رجاء الله والتوكل عليه، فصارت من الشرك من هذه الحيثية.
وهكذا ما يقع للناس من الكلمات الشركية مثل الحلف بغير الله ولولا الله وفلان، ولولا الله وأنت كل هذا من الشرك الأصغر كما جاءت به الأحاديث.
وهكذا حذيفة استدل على تعليق الخيط بالآية التي نزلت في الشرك الأكبر: وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ [يوسف:106]؛
لأن اسم الشرك يعمهما فناسب أن يُحتج عليهما بالآيات التي نزلت في الشرك الأكبر.
والتمائم تكون من خرق وتكون من ودع وتكون من عظام وتكون من رقع من جلد وتكون من قرطاس، وتكون من غير ذلك تعلق على الأولاد عن العين، وربما علقت على البهائم، وربما علقت على الكبير المريض وكلها ممنوعة، يأتي في الباب الذي بعد هذا تفصيل للتمائم.
فالواجب الحذر من ذلك ولهذا جاء في حديث عمران بن حصين لما رأى عليه النبي صلي الله وعليه وسلم رجلاً عليه حلقة من صوف، قال: ما هذا؟ قال: من الواهنة، قال: انزعها، فإنها لا تزيدك إلا وهنًا؛ فإنك لو مت وهي عليك ما أفلحت أبدًا والواهنة مرض يأخذ باليد، فهذا يدل على أن تعليق الحلقة أو الودعة أو غير ذلك لأجل الواهنة أو غيرها من الشرك.
أما العلاج بالأدوية من كي من مروخ لا بأس،
أما اعتقاد في حلقة أو خيط يعلق هذا هو الممنوع.
قال: لا تزيدك إلا وهنًا؛
لأن هذا الاعتقاد الباطل يزيده وهنًا وضعفًا وشرًا لسوء اعتقاده. وهكذا كونه يعلق ورقة مكتوب فيها كذا وكذا يعلقها في عضده أو في حلقة أو ما أشبه ذلك هي من جنس الحلقة، يجب تجنب ذلك، أما الدواء يداويه أو يربطه رباط الدواء أو يجبره بجبيره هذا لا بأس به هذا من الدواء، يقول النبي صلي الله وعليه وسلم: عباد الله تداووا، ولا تداووا بحرام، ما أنزل الله من داء إلا أنزل له شفاء، وإنما الممنوع هذه التعليقات التي يعلقها الجهال يزعمون أنها تدفع عنهم البلاء أو ترفعه عنهم بعد وقوعه، هذه التي أخبر فيها النبي صلي الله وعليه وسلم أنها من الشرك.
وهكذا قوله صلى الله عليه وسلم: من تعلق ودعة فلا ودع الله له، ومن تعلق تميمة فلا أتم الله له، من تعلق تميمة فقد أشرك كل هذا من هذا الباب، يجب الحذر من ذلك.
وهكذا ما في حديث حذيفة أنه رأى رجلاً في يده خيط من الحمى فقطعه ثم تلا قوله تعالى:
وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ [يوسف:106] لما قال له أنه قرأ فيه وعلقه من أجل الحمى،
فدل ذلك على أنه لا يعلق شيء ولو رقية فيه، الرقية ما ينفث على المريض أو في ماء يصب عليه أو يشربه أما أن يعلق عليه خيط أو خرق قرئ فيها أو ما أشبه ذلك فلا، فهذا من جنس التمائم، يجب ترك ذلك، وإنما المشروع الرقية أو الأدوية الأخرى المباحة التي يرجى من ورائها أن تكون سببًا للاستشفاء كتضميد بشيء كالكي كالمروخ كالإبر كالحبوب وما أشبه ذلك من الأدوية المعروفة؛
لأن الرسول صلي الله وعليه وسلم قال: عباد الله تداووا ولا تداووا بحرام، ويقول صلي الله وعليه وسلم ما أنزل الله من داء إلا أنزل فيه شفاء، علمه من علمه وجهله من جهله فالدواء شيء من مشروب أو مأكول، وأما تعليق التمائم فشيء آخر ممنوع؛
لأنه يعتقد في التميمة المعلقة دواء، يعتقد أنها تكون سبب لدفع البلاء أو رفع البلاء، فيكون ذلك من باب الشرك الأصغر، أما لو اعتقد أنها ترفع البلاء وأنها تدفع البلاء بنفسها كان شركًا أكبر.