حكم الرقي والتمائم ؛شرح كتاب التوحيد للشيخ محمد بن عبد الوهاب_رحمه الله


حكم الرقي والتمائم ؛شرح كتاب التوحيد للشيخ محمد بن عبد الوهاب _رحمه الله


شرح كتاب التوحيد للشيخ محمد بن عبد الوهاب _رحمه الله" باب ما جاء في الرقى والتمائم "

 أي: في حكمها. 

ولما كانت الرقى على ثلاثة أقسام :

_ قسم يجوز

_ وقسم لا يجوز

_وقسم في جوازه خلاف; لم يجزم المصنف بكونهما من الشرك، لأن في ذلك تفصيلاً بخلاف لبس الحلقة والخيط ونحوهما مما ذكر، فإن ذلك شرك مطلقًا.


قال في الصحيح : عن أبي بشير الأنصاري أنه كان مع النبي صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره، فأرسل رسولاً "أن لا يبقين في رقبة بعير ـ قلادة من وتر أو ـ قلادة إلا قطعت" .

قوله: في الصحيح : أي: في الصحيحين.

قوله: (عن أبي بشير) ـ بفتح أوله وكسر المعجمة- الأنصاري، قيل: اسمه قيس بن عبيد، قاله ابن سعد. وقال ابن عبد البر: لا يوقف له على اسم صحيح، وهو صحابي شهد الخندق ومات بعد الستين، يقال: جاوز المائة.

قوله: "في بعض أسفاره". قال الحافظ: لم أقف على تعيينها.

قوله: (فأرسل رسولا) . هو زيد بن حارثة. وروى ذلك الحارث بن أبي أسامة في " مسنده " قاله الحافظ.

قوله: أن لا يبقين :هو بالمثناة والقاف المفتوحتين; وفي رواية لا تبقين بحذف "أن" والمثناة الفوقية والقاف المفتوحتين

أيضًا. و"قلادة" مرفوع على أنه فاعل و"الوتر" بفتحتين واحد أوتار القوس.

قوله: أو قلادة إلا قطعت هو برفع  قلادة  أيضًا، عطف على الأول، ومعناه أن الراوي شك،
 هل قال شيخه قلادة من وتر؟ 
فقيد القلادة بأنها من وتر، أو قال: قلادة وأطلق ولم يقيد.
 ويؤيده ما روي عن مالك أنه سئل عن القلادة
 فقال: ما سمعت بكراهتها إلا في الوتر. 

وفي رواية أبي داود:
 ولا قلادة، بغير شك، والأولى أصح، لاتفاق الشيخين عليها، وللرخصة في القلائد، إلا الأوتار

 ولما روى أبو داود والنسائي من حديث أبي وهب الجشمي مرفوعًا: "ارتبطوا الخيل وقلدوها، ولا تقلدوها الأوتار" ولأحمد عن جابر مرفوعًا مثله وإسناده جيد.

قال البغوي في شرح السنة :
 تأول مالك أمره عليه السلام بقطع القلائد على أنه من أجل العين، وذلك أنهم كانوا يشدون بتلك الأوتار والتمائم والقلائد، ويعلقون عليها العوذ، يظنون أنها تعصم من الآفات، فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم عنها، وأعلمهم أنها لا ترد من أمر الله شيئًا.

 وقال أبو عبيد القاسم بن سلاّم: كانوا يقلدون الإبل الأوتار لئلا نصيبها العين، فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بإزالتها إعلامًا لهم بأن الأوتار لا ترد شيئًا، وكذلك قال ابن الجوزي وغيره.

قال الحافظ: ويؤيده حديث عقبة بن عامر رفعه:
 "من تعلق تميمة فلا أتم الله له" 
_رواه أبو داود
 وهي ما علق من القلائد خشية العين ونحو ذلك انتهى.

فعلى هذا، يكون تقليد الإبل وغيرها الأوتار وما في معناها لهذا المعنى حرامًا، بل شركًا ؛
لأنه من تعليق التمائم المحرمة، ومن تعلق تميمة فقد أشرك ولم يصب من قال: إنه مكروه كراهة تنْزيه.

قال: وعن ابن مسعود سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الرقى والتمائم والتولة شرك" 
_ رواه أحمد وأبو داود.


 ولفظ أبي داود: عن زينب امرأة عبد الله بن مسعود أن عبد الله بن مسعود رأى في عنقي خيطًا،
 فقال: ما هذا؟ قلت: خيط رقي لي فيه.
 قالت: فأخذه فقطعه ثم قال: إن آل عبد الله لأغنياء عن الشرك، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
 إن الرقى والتمائم والتولة شرك. 
فقلت: لم تقول هكذا؟ 
لقد كانت عيني تقذف، وكنت أختلف إلى فلان اليهودي يرقيها، فإذا رقاها: سكنت ؛
فقال عبد الله: إنما ذلك عمل الشيطان ينخسها بيده، فإذا رقيتها كف عنها، إنما كان يكفيك أن تقولي كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أذهب البأس رب الناس، واشف أنت الشافي، لا شفاء إلاّ شفاؤك، شفاء لا يغادر سقمًا". ورواه ابن ماجة وابن حبان، والحاكم وقال: صحيح وأقره الذهبي.

قوله: "إن الرقى": الرقي هي التي تسمى العزائم، وخص منه الدليل ما خلا من الشرك، فقد رخص فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم من العين والحمة.

يشير إلى أن الرقى الموصوفة بكونها شركًا هي الرقى التي فيها شرك، من دعاء غير الله، والاستغاثة والاستعاذة به، كالرقى بأسماء الملائكة والأنبياء والجن ونحو ذلك، 

أما الرقى بالقرآن وأسماء الله وصفاته ودعائه والاستعاذة به وحده لا شريك له، فليست شركًا، بل ولا ممنوعة، بل مستحبة أو جائزة.

قوله: "فقد رخص فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم من العين والحمة". تقدم ذلك في باب من حقق التوحيد، وكذلك رخص فيه من غيرها،

 كما في صحيح مسلم : عن عوف بن مالك قال: كنا نرقي في الجاهلية فقلنا: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف ترى في ذلك؟ 
فقال: اعرضوا علي رقاكم، لا بأس بالرقى، ما لم يكن فيه شرك .

 وفيه "عن أنس قال: رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم في الرقية من العين والحمة والنملة" .

 "وعن عمران بن حصين مرفوعًا "لا رقية إلا من عين أو حمة أو دم" . رواه أبو داود وفي الباب أحاديث كثيرة.

قال الخطابي: وكان عليه السلام قد رقى ورقي، وأمر بها وأجازها، فإذا كانت بالقرآن أو بأسماء الله تعالى، فهي مباحة أو مأمور بها، وإنما جاءت الكراهية والمنع فيما كان منها بغير لسان العرب، فإنه ربما كان كفرًا، أو قولاً يدخله الشرك، 
قال: ويحتمل أن يكون الذي يكره من ذلك ماكان على مذاهب الجاهلية التي يتعاطونها، وأنها تدفع عنهم الآفات، ويعتقدون ذلك من قبل الجن ومعونتهم.

قلت: ويدل على ذلك: "قول علي بن أبي طالب: إن كثيرًا من هذه الرقى والتمائم شرك، فاجتنبوه". رواه وكيع، فهذا يبين معنى حديث ابن مسعود ونحوه.

وقال عبد الواحد بن التين: الرقى بالمعوذات وغيرها من أسماء الله تعالى هو الطب الروحانِي، فإذا كان على لسان الأبرار من الخلق، حصل الشفاء بإذن الله تعالى، فلما عفي عن هذا النوع، فزع الناس إلى الطب الجسماني وتلك الرقى المنهي عنها التي يستعملها المعزم وغيره ممن يدعي تسخير الجن له، فيأتي بأمور مشتبهة مركبة من حق وباطل يجمع إلى ذكر الله تعالى وأسمائه ما يشوبه من ذكر الشياطين والاستعانة بهم والتعوذ بمردتهم.

ويقال: إن الحية لعداوتها الإنسان بالطبع تصادق الشياطين لكونهم أعداء بني آدم، فإذا عزم على الحية
بأسماء الشياطين أجابت وخرجت من مكانها. 

وكذا اللديغ إذا رقي بتلك الأسماء سالت سمها من بدن الإنسان، ولذلك كره الرقى ما لم تكن بآيات الله وأسمائه خاصة، وباللسان العربي الذي يعرف معناه، ليكون بريئًا من شوب الشرك، وعلى كراهية الرقى بغير كتاب الله علماء الأمة.

قال شيخ الإسلام: كل اسم مجهول فليس لأحد أن يرقى به، فضلاً عن أن يدعو به ولو عرف معناه، 
لأنه يكره الدعاء بغير العربية، وإنما يرخص لمن لا يعرف العربية، فأما جعل الألفاظ العجمية شعارًا، فليس من الإسلام.

قلت: وسئل ابن عبد السلام عن الحروف المقطعة، فمنع منها ما لا يعرف، لئلا يكون فيه كفر.

وقال السيوطي: قد أجمع العلماء على جواز الرقى عند اجتماع ثلاثة شروط:
_ أن يكون بكلام الله تعالى أو بأسمائه وصفاته، 
_وباللسان العربي 
_وبما يعرف معناه، 
وأن يعتقد أن الرقية لا تؤثر بذاتها بل بتقدير الله تعالى، فتلخص أن الرقية ثلاثة أقسام.

قوله:"  والتمائم ":
 التمائم شيء يعلق على الأولاد من العين. 
وقال الخلخالي: التمائم جمع تميمة وهي ما يعلق بأعناق الصبيان من خرزات وعظام لدفع العين، وهذا منهي عنه، لأنه لا دافع إلا الله، ولا يطلب دفع المؤذيات إلا بالله وأسمائه وصفاته، وظاهره أن ما علق لدفع العين وغيرها فهو تميمة من أي شيء كان، وهذا هو الصحيح.

وقد يقال: إن كلام المنذري وابن الأثير وغيرهما لا يخالفه.
 لكن إذا كان المعلق من القرآن فرخص فيه بعض السلف، وبعضهم لم يرخص فيه ويجعله من المنهي عنه، منهم ابن مسعود.

اعلم أن العلماء من الصحابة والتابعين فمن بعدهم اختلفوا في جواز تعليق التمائم التي من القرآن وأسماء الله وصفاته :

_ فقالت طائفة: 
يجوز ذلك، وهو قول عبد الله بن عمرو بن العاص وغيره، وهو ظاهر ما روي عن عائشة، وبه قال أبو جعفر الباقر وأحمد في رواية،
 وحملوا الحديث على التمائم الشركية،

 أما التي فيها القرآن وأسماء الله وصفاته، فكالرقية بذلك. قلت: وهو ظاهر اختيار ابن القيم.

_ وقالت طائفة:
 لا يجوز ذلك، وبه قال ابن مسعود، وابن عباس وهو ظاهر قول حذيفة، وعقبة بن عامر، وابن عكيم رضي الله عنهم، وبه قال جماعة من التابعين، منهم أصحاب ابن مسعود، وأحمد في رواية اختارها كثير من أصحابه، وجزم بها المتأخرون، 
واحتجوا بهذا الحديث وما في معناه فإن ظاهره العموم لم يفرق بين التي في القرآن وغيرها بخلاف الرقى فقد فرق فيها، ويؤيد ذلك أن الصحابة الذين رووا الحديث فهموا العموم كما تقدم عن ابن مسعود. 

وروى أبو داود:
 "عن عيسى بن حمزة, قال: دخلت على عبد الله بن عكيم وبه حمرة. 
فقلت: ألا تعلق تميمة؟ 
فقال: نعوذ بالله من ذلك قال رسول الله: "من تعلق شيئًا وكل إليه" . 

وروى وكيع: "عن ابن عباس قال: اتفل بالمعوذتين ولا تعلق".

وأما القياس على الرقية بذلك، فقد يقال بالفرق، فكيف يقاس التعليق الذي لا بد فيه من ورق أو جلود ونحوهما على ما لا يوجد ذلك فيه، فهذا إلى الرقى المركبة من حق وباطل أقرب.

هذا اختلاف العلماء في تعليق القرآن وأسماء الله وصفاته، فما ظنك بما حدث بعدهم من الرقى بأسماء الشياطين وغيرهم وتعليقها؟! 
بل والتعلق عليهم، والاستعاذة بهم، والذبح لهم، وسؤالهم كشف الضر، وجلب الخير مما هو شرك محض، وهو غالب على كثير من الناس إلا من سلم الله،

فتأمل ما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم وما كان عليه أصحابه والتابعون، وما ذكره العلماء بعدهم في هذا الباب وغيره من أبواب الكتاب، ثم انظر إلى ما حدث في الخلوف المتأخرة، يتبين لك دين الرسول صلى الله عليه وسلم وغربته الآن في كل شيء، فالله المستعان.


قوله: "والتولة شرك:" هو شيء يصنعونه يزعمون أنه
يحبب المرأة إلى زوجها، والزوج إلى امرأته، وكذا قال غيره أيضًا.

 وبهذا فسره ابن مسعود راوي الحديث كما في "صحيح ابن حبان" والحاكم. 

قالوا: يا أبا عبد الرحمن هذه الرقى والتمائم قد عرفناهما، فما التولة؟
 قال شيء يضعه النساء يتحببن إلى أزواجهن. 
قال الحافظ: التولة بكسر المثناة وفتح الواو واللام مخففًا شيء كانت المرأة تجلب به محبة زوجها، وهو ضرب من السحر، وإنما كان ذلك من الشرك، لأنهم أرادوا دفع المضار وجلب المنافع من عند غير الله.

قال: وعن عبد الله بن عكيم مرفوعًا: "من تعلق شيئًا وكل إليه"  رواه أحمد، والترمذي. ورواه أيضًا أبو داود والحاكم.


قوله: (عن عبد الله بن عكيم) : هو بضم المهملة مصغرًا، ويكنى أبا معبد الجهني الكوفي.

 قال البخاري: أدرك زمن النبي صلى الله عليه وسلم ولا يعرف له سماع صحيح، وكذا قال أبو حاتم: وقال معناه أبو زرعة، وابن حبان وابن منده، وأبو نعيم.
 وقال البغوي: يشك في سماعه.
 وقال الخطيب: سكن الكوفة، وقدم المدائن في حياة حذيفة، وكان ثقة، وذكر ابن سعد عن غيره أنه مات في ولاية الحجاج، وظاهر كلام هؤلاء الأئمة أن الحديث مرسل.


قوله: "من تعلق شيئًا وكل إليه":
التعلق يكون بالقلب ويكون بالفعل، ويكون بهما جميعًا، أي: من تعلق شيئا بقلبه، أو تعلقه
بقلبه وفعله، وكل إليه، أي: وكله الله إلى ذلك الشيء الذي تعلقه، فمن تعلقت نفسه بالله، وأنزل حوائجه بالله، والتجأ إليه، وفوض أمره كله إليه، كفاه كل مؤنة، وقرب إليه كل بعيد، ويسر له كل عسير، ومن تعلق بغيره أو سكن

إلى علمه وعقله ودوائه وتمائمه، واعتمد على حوله وقوته، وكله الله إلى ذلك وخذله، وهذا معروف بالنصوص والتجارب.

قال الله تعالى: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} . 

وقال الإمام أحمد: حدثنا هاشم بن القاسم، ثنا أبو سعيد المؤدب، ثنا من سمع: "عطاء الخراساني،
 قال: لقيت وهب بن منبه وهو يطوف بالبيت، 
فقلت له: حدثني حديثًا أحفظه عنك في مقامي هذا وأوجز.
 قال: "نعم، أوحى الله تبارك وتعالى إلى داود: 
يا داود أما وعزتي وعظمتي لا يعتصم بي عبد من عبيدي دون خلقي أعرف ذلك من نيته فتكيده السموات السبع ومن فيهن والأرضون السبع ومن فيهن إلا جعلت له من بينهن مخرجًا،
 أما وعزتي وعظمتي لا يعتصم عبد من عبيدي بمخلوق دوني أعرف ذلك من نيته، إلا قطعت أسباب السماء من يده، وأسخت الأرض من تحت قدميه، ثم لا أبالي بأي واد هلك".

قال: وروى الإمام أحمد: عن رويفع قال:
 قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم "يا رويفع، لعل الحياة تطول بك، فأخبر الناس أن من عقد لحيته أو تقلد وترًا أو استنجى برجيع دابة أو عظم، فإن محمدًا بريء منه" .

الحديث رواه الإمام أحمد عن يحيي بن إسحاق، والحسن بن موسى الأشيب، كلاهما عن ابن لهيعة، وهذا لفظ الحسن. 
قال: حدثنا ابن لهيعة: ثنا عياش بن عباس، عن شييم بن بيتان قال: ثنا: "رويفع بن ثابت قال: كان أحدنا في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأخذ جمل أخيه على أن يعطيه النصف مما يغنم، وله النصف، حتى إن أحدنا ليصير له النصل والريش، والآخر القدح،
 ثم قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم "يا رويفع لعل الحياة تطول بك، فأخبر الناس أنه من عقد لحيته، أو تقلد وترًا، أو استنجى برجيع دابة أو عظم فإن محمدا بريء منه". ثم رواه أحمد عن يحيى بن غيلان، ثنا المفضل، حدثني عياش بن عباس أن شييم بن بيتان أخبره أنه سمع شيبان القتباني يقول: استخلف مسلمة بن مخلد رويفع بن ثابت الأنصاري على أسفل الأرض، قال: فسرنا معه، فقال: 
قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ... الحديث.


وفي الإسناد الأول ابن لهيعة، وفيه مقال، وفي الثاني شيبان القتباني قيل فيه: مجهول، وبقية رجالهما ثقات. 
ورواه أبو داود من طريق المفضل به مطولاً وسكت عليه، ثم قال: حدثنا يزيد بن خالد، أنا مفضل عن عياش أن شييم بن بيتان أخبره أيضًا بهذا الحديث عن أبي سالم الجيشاني عن عبد الله بن عمرو يذكر ذلك وهو معه مرابط بحصن باب أليون.

قال أبو داود: حصن أليون بالفسطاط على جبل. 
قلت: وهذا إسناد جيد. رواه النسائي من رواية شييم عن رويفع، وصرح بسماعه منه ولم يذكر شيبان، فإن كان ذكر شيبان وهمًا فالإسناد صحيح، وحسنه النووي، وصححه بعضهم. قال الحافظ أبو زرعة بن العراقي في "شرح أبي داود": ورواه الطحاوي مختصرًا فذكر منه الاستنجاء برجيع دابة أو عظم فقط. ورواه محمد بن الربيع الجيزي في كتاب من دخل مصر من الصحابة أولاً، وفيه أن من عقد لحيته في الصلاة.


قوله: "فأخبر الناس" :
دليل على وجوب إخبار الناس بذلك على رويفع، وليس هذا مختصًا به، بل كل من كان عنده علم ليس عند غيره مما يحتاج إليه الناس، وجب عليه تبليغه للناس، وإعلامهم به فإن اشترك هو وغيره في علم ذلك، فالتبليغ فرض كفاية. هذا كلام أبي زرعة.


قوله: "لعل الحياة تطول بك":
 علم من إعلام النبوة، لأنه وقع

كما أخبر به صلى الله عليه وسلم، فإن رويفعًا طالت حياته إلى سنة ست وخمسين، فمات فيها ببرقة من أعمال مصر أميرًا عليها، وهو من الأنصار.
 وقيل: مات سنة ثلاث وخمسين، قاله ابن يونس.

قوله: أن من عقد لحيته. بكسر اللام لا غير، قاله في "المشارق" والجمع لحى، بالكسر والضم، قاله الجوهري.


قال الخطابي: وأما نهيه عن عقد اللحية،
 فإن ذلك يفسر على وجهين:
_ أحدهما: ما كانوا يفعلونه من ذلك في الحروب، كانوا في الجاهلية يعقدون لحاهم، وذلك من زي بعض الأعاجم يفتلونها ويعقدونها.

قلت: كأنهم كانوا يفعلونه تكبرًا وعجبًا، كما ذكره أبو السعادات.

قال: 
_ثانيهما: أن معناه معالجة الشعر ليتعقد ويتجعد، وذلك من فعل أهل التوضيع والتأنيث.


وقال أبو زرعة بن العراقي: والأولى حمله على عقد اللحية في الصلاة كما دلت عليه رواية محمد بن الربيع المتقدم ذكرها، فهو موافق للحديث الصحيح في النهي عن كف الشعر والثوب فإن عقد اللحية فيه كفها وزيادة.


قوله: "أو تقلد وترًا" :
أي: جعله قلادة في عنقه أو عنق دابته ونحو ذلك.

وفي رواية محمد بن الربيع: أو تقلد وترًا، يريد تميمة،

فهذا يدل على أنهم كانوا يتقلدون الأوتار من أجل العين، إذ فسره بالتميمة وهي تجعل لذلك.

قوله:"أو استنجى برجيع دابة أو عظم، فإن محمدًا بريء منه".
 قال النووي: أي: بريء من فعله. وقال بهذه الصيغة ليكون أبلغ في الزجر.

قلت: فيه النهي عن الاستنجاء برجيع الدواب والعظام.

وقد ورد في ذلك أحاديث، منها: ما في "صحيح مسلم" عن ابن

مسعود مرفوعًا: "لا تستنجوا بالروث ولا بالعظام، فإنه زاد إخوانكم من الجن" . وعلى هذا فلا يجزئ الاستنجاء بهما كما هو ظاهر مذهب أحمد، واختار شيخ الإسلام وجماعة الإجزاء وإن كان محرمًا.

قالوا: لأنه لم ينه عنه لكونهما لا ينقيان، بل لإفسادهما.  والأول أولى، لما رواه ابن خزيمة، والدارقطني من طريق الحسن بن الفرات، عن أبيه، عن أبي حازم الأشجعي، عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم "نهى أن يستنجى بعظم أو روث وقال: إنهما لا يطهران". وهذا إسناد جيد.

قال: وعن سعيد بن جبير، قال:"من قطع تميمة من إنسان كان كعدل رقبة". رواه وكيع.

وهذا عند أهل العلم له حكم الرفع ؛
 لأن مثل ذلك لا يقال بالرأي فيكون على هذا مرسلاً، لأن سعيدًا تابعي، وفيه فضل قطع التمائم، لأنها من الشرك.

ووكيع هو ابن الجراح بن وكيع الكوفي،
ثقة إمام، صاحب تصانيف منها "الجامع" وغيره.
روى عنه الإمام أحمد وطبقته. مات سنة سبع وتسعين ومائة.

قال: وله عن إبراهيم، كانوا يكرهون التمائم كلها، من القرآن وغير القرآن.

وإبراهيم: هو إبراهيم بن يزيد النخعي الكوفي يكنى أبا عمران، ثقة إمام، من كبار فقهاء الكوفة.

قال المزني: دخل على عائشة ولم يثبت له سماع منها، مات سنة ست وتسعين وله خمسون سنة ونحوها.


قوله:"كانوا يكرهون التمائم ... " إلى آخره.
مراده بذلك أصحاب عبد الله بن مسعود كعلقمة والأسود وأبي وائل والحارث بن سويد وعبيدة السلماني، ومسروق والربيع بن خيثم وسويد بن غفلة وغيرهم من أصحاب ابن مسعود وهم من سادات التابعين، وهذه الصيغة يستعملها

إبراهيم في حكاية أقوالهم كما بين ذلك الحفاظ كالعراقي وغيره.

......    ........
شرح ابن باز من كتاب التوحيد للشيخ محمد بن عبد الوهاب _رحمه الله
باب ما جاء في الرقى والتمائم

في الصحيح عن أبي بشير الأنصاري :
 "أنه كان مع رسول الله صلي الله وعليه وسلم في بعض أسفاره؛ فأرسل رسولا أن لا يبقين في رقبة بعير قلادة من وتر، أو قلادة إلا قطعت".

وعن ابن مسعود قال: سمعت رسول الله صلي الله وعليه وسلم يقول:
 "  إن الرقى والتمائم والتولة شرك  " رواه أحمد وأبو داود.

وعن عبد الله بن عكيم مرفوعا: 
"  من تعلق شيئا وُكل إليه  "
رواه أحمد والترمذي.

"التمائم":
 شيء يعلق على الأولاد يتقون به العين؛
 لكن إذا كان المعلَّق من القرآن فرخص فيه بعض السلف، وبعضهم لم يرخص فيه، ويجعله من المنهي عنه، منهم ابن مسعود .

و"الرقى"
هي التي تسمى العزائم، وخص منها الدليل ما خلا من الشرك فقد رخص فيه رسول الله صلي الله وعليه وسلم من العين والحمة.

و"التولة":
 هي شيء يصنعونه يزعمون أنه يحبب المرأة إلى زوجها، والرجل إلى امرأته.


وروى أحمد عن رويفع قال: 
"قال لي رسول الله صلي الله وعليه وسلم: يا رويفع، لعل الحياة ستطول، بك فأخبر الناس أن من عقد لحيته، أو تقلد وترا، أو استنجى برجيع دابة أو عظم، فإن محمداً بريء منه".


وعن سعيد بن جبير قال:
 "من قطع تميمة من إنسان كان كعدل رقبة" رواه وكيع. وله عن إبراهيم قال: "كانوا يكرهون التمائم كلها، من القرآن وغير القرآن".


يقول الامام محمدبن عبد الوهاب _رحمه الله: 
"باب ما جاء في الرقى والتمائم"

 يعني باب أحكام الرقى جمع رقية: وهي ما يقرأه الناس على المرضى والتمائم،
 وهي ما يعلق على الناس يسمونها التمائم، 
يسمونها حروزا، يسمونها جوامعا،

 وهي شيء يعلق على الصبي أو على المريض إما في رقبته وإما في عضده يسمونها الحروز، يسمونها الجوامع، يسمونها التمائم، 

وهي منكرة أنكرها النبي صلي الله وعليه وسلم  وحذر منها،
 قال: "من علق تميمة فلا أتم الله له، من تعلق تميمة فقد أشرك " 


وفي الصحيح أنه صلي الله وعليه وسلم:
  بعث في السرايا وفي البعوث من يدعوهم إلى الله جل وعلا وأن يبلغهم أن لا يبق في رقبة أي بعير قلادة من وتر إلا قطعت، كان بعض الناس يعلق على الإبل القلادة من الأوتار يزعمون أنه يحفظها بذلك،
 فأمر النبي صلي الله وعليه وسلم  بقطع الأوتار التي تعلق على الإبل من أجل حفظها بزعمهم، 
قلادة من وتر أو قلادة قصد بها هذا المعنى.

أما القلائد التي للقيادة وللزينة فلا بأس بها، لا بأس أن يقلد إبله وخيله على الزينة أو القيادة، لكن أما أن يقلدها لدفع البلاء
 وتسمى الأوتار وتسمى التمائم هذا لا يجوز لا إبل ولا غيرها.


وهكذا حديث ابن مسعود يقول صلي الله وعليه وسلم : إن الرقى والتمائم والتولة شرك الرقى يعنى المجهولة والتي فيها شرك والتي يعتمد أهلها عليها دون الله، هذه من الشرك.

وهكذا التمائم :
وهي الحروز المعلقة من الشرك،

 وهكذا التولة :
وهي الصرف والعطف نوع من السحر يستعمله النساء في الغالب، تصرفه المرأة زوجها إليها، 
وهذا يسمى الصرف والعطف، 
وهو من أنواع السحر، فكلها سماها النبي عليه الصلاة والسلام من الشرك،

 ويستثنى من هذا الرقى الشرعية الرقى بالقرآن والدعوات الطيبة غير داخلة في هذا؛ لقوله صلي الله وعليه وسلم : لا بأس بالرقى مالم تكن شركًا، وقد رقى النبي ورُقي عليه الصلاة والسلام، وقال: لا رقية إلا من عين أو حمة يعني لا رقية كاملة تامة إلا من عين أو حمة، من عين العائن، والحمة السامة من ذوات السموم.


وفي الحديث الآخر في صحيح مسلم: 
لا بأس بالرقى مالم تكن شركًا، وقد رقى النبي ورقي، ورقى الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم فلا بأس بالرقية إذا كانت بالقرآن أو بالدعوات الطيبة لا بأس بذلك.

أما الرقية بالأسماء المجهولة أو الدعوات المجهولة أو باللغات المجهولة فلا تجوز، أو الرقية التي فيها شرك 
لا تجوز.. لا تجوز 

فالرقى الشرعية لا بدّ فيها من شروط ثلاثة:
_الشرط الاول :
أن تكون باللسان العربي المعروف.

_الشرط الثاني :
وأن لا يكون فيها محذور شرعًا.

_والشرط الثالث:
 ألا يعتمد عليها بل يعتقد أنها سبب إن شاء الله نفع بها وإن شاء لم ينفع بها، العمدة على الله سبحانه في كل شيء.

ويقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب _رحمه الله: 
وعن عبدالله بن عكيم رضي الله عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام ,قال: 
من تعلق شيئًا وكل إليه من تعلق التمائم وكل إليها، ومن تعلق الودع وكل إليه، 
ومن تعلق على الرقى وكل إليها، 
ومن تعلق على الله كفاه الله .
"   وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ  " [الطلاق:3] 

فالإنسان يفعل الأسباب ويعتمد على الله لا على السبب.
فالرقى جائزة ..والأدوية جائزة  .. لكن مع الاعتماد على الله سبحانه وتعالى. 
وسأله سائل، قال: يا رسول الله، إن الرقى نسترقي بها، ودواء نتداوى به، هل يرد من قدر الله شيئًا؟ قال صلي الله وعليه وسلم : هي من قدر الله الرقى والدعوات والكي كله من قدر الله سبحانه وتعالى.


يقول الشيخ محمد بن عبدالوهاب_ رحمه الله:
 "التمائم شيء يعلق على الأولاد يتقون به العين" 
ويسمى الحروز، والغالب تعلق على الأولاد الصغار،
 وقد تعلق على الكبار، فما كان من القرآن والدعوات الطيبة لا بأس به عند جمع من أهل العلم، والصواب أنه يحرم، 
ولهذا قال تنازع الناس في هذا إن كان من القرآن، 
والصواب أنه لا يجوز حتى من القرآن لعموم الأدلة لعموم النهي عن التمائم؛
 ولأن هذا قد يشتبه يعلق هذا أو هذا فيشتبه، ولهذا قال إبراهيم يعني النخعي: كانوا يكرهونه يعني أصحاب ابن مسعود التمائم كلها من القرآن وغير القرآن، والأحاديث عامة تعم ذلك،
 من تعلق تميمة فلا أتم الله له،
 ومن تعلق تميمة فقد أشرك، هذا يعم التمائم التي من القرآن أو من غير القرآن.
وهكذا الصرف و العطف وهو التولة فالسحر كله منكر لا يجوز.
وجميع التمائم مطلقاً، 
أما الرقى ففيها تفصيل، ما كان باللسان العربي ومعروف المعنى ولا يعتمد عليه بل على الله جل وعلا فلا بأس، النبي عليه الصلاة والسلام قال: لا بأس بالرقى مالم تكن شركًا.

وقال لرويفع بن ثابت، قال: يا رويفع لعل الحياة تطول بك، فأخبر الناس أن من عقد لحيته أو تقلد وترا أو استنجى برجيع دابة أو عظم فإنه محمدًا بريء منه ؛
هذا يدل على منع عقد اللحى للتكبر، والتعاظم،
 هذا لا يجوز، أو عقدها للتشبه بالنساء والمخنثين، 
هذا لا يجوز بل يجب توفيرها، ولكن يكون على وجه ليس فيه تكبر ولا تشبه بأعداء الله، يوفرها ويربيها ويتركها كما رباها النبي صلي الله وعليه وسلم وتركها ووفرها عليه الصلاة والسلام.

وعقد اللحية محمول عند العلماء عقدها على سبيل التكبر أو التشبه بأهل التخنث والنساء هذا لا يجوز.
وهكذا إذا تقلد الأوتار والتمائم لا تجوز،
 فإن محمدًا بريء منه.

وهكذا لا يستنجي بالرجيع ولا بالعظم لا يُستنجي بالعظام ولا بالبعر الرسول صلي الله وعليه وسلم 
 نهى عن هذا، 
وقال: إنهما طعام إخوانكم من أهل الجن كل بعرة ذكر اسم الله عليها تكون علفًا لدوابهم، وكل عظم ذكر اسم الله عليه يكون عليه أوفر ما كان لحمًا لهم، فلا يُستنجى بالرجيع ولا بالعظام ولا بالبعر ولا بالروث ولا بالعظام.

ويقول سعيد بن جبير التابعي الجليل رحمه الله:
 {من قطع تميمة من إنسان كان كعدل رقبة} من قطع تميمة من إنسان كأنه أعتقه، فإذا قال له: هذا لا يجوز، وقطعها إذا كان يقدر وأزالها، كأنه أعتق رقبة.


وجاء وفد من الجن إلى النبي صلي الله وعليه وسلم يسألونه الزاد الشراب والطعام فقال: لكم كل بعرة علف لدوابكم، ولكم كل عظم ذكر اسم الله عليه يكون أوفر ما كان لكم لحمًا، ولهذا نهى عن الاستنجاء بالعظام والأرواث كما روى مسلم في الصحيح وكما في حديث رويفع هذا.

وقال إبراهيم النخعي_ رحمه الله: كان أصحاب ابن مسعود رضي الله عنه يكرهون التمائم كلها من القرآن وغير القرآن.
 وهكذا ابن مسعود رضي الله عنه ينهى عنها ويحرمها من القرآن وغير القرآن سدًا للذريعة وعملاً بعموم الأحاديث الدالة على منع التمائم، وسدًا لذريعة التساهل في هذا والالتباس.

......    .......   ........
سؤال وجواب

س/ هل يجوز للمسلم أن يرقي الكافر؟
ج/ لا بأس، مثل ما يعطيه الدواء إذا كان مستأمنًا له عهده أما الحربي لا.


س/ الماء الذي يقرأ فيه هل ورد فيه شيء؟
ج/ ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ بماء لثابت بن قيس وصبه عليه رواه أبو داود بإسناد صحيح.


س/ ما يسمى الحصن الحصين الذي يباع في الحج فيه سورة يس، وآية الكرسي ويحطونها في صندوق أحمر ويبيعونها؟
ج/ ما يصلح هذا.


س/ وحكم من يبيعها؟
ج/ يعلم أنه لا يجوز؛ لأن هذا دعوة إلى التمائم.


س/يُقال: إنَّ سورة ياسين إذا قرئَت عدَّة مرَّات "41" مرَّة، ودعا صاحبُها على الظَّالم، كان للدُّعاء الأثر، وأنَّ قِراءتَها هي المسبِّبة لهذا الأثر. فما صحَّة ذلك؟

ج/ فإنَّ ما يُعرَف بـ "عِدّيَّة يس" ليس له أصْل صحيح في الدِّين
 كما أنَّ لها طُرُقًا في القراءة لا تُوافِقُ الشَّرْعَ، بل تخالف الطرق المعروفة عن السلف،
 ويُقال بَعْدَ القِراءة: "اللَّهُمَّ إنِّي أسْأَلُكَ بِحقِّ ما قَرأتُ مِن القُرْآنِ الكَريمِ: أنْ تَحْفظَني مِن السُّوءِ، وتَرْفَعَ عَنِّي ظُلْمَ الظَّالِمينَ"، ولمْ يُنْقَلْ هذا عَنْ أحَدٍ منَ القُرُونِ الخَيْرِيَّة الذينَ أُمِرْنا بالاقْتِداءِ بِهمْ؛ ومِنْ ثَمَّ فلا أثَرَ لها في السُّنَّة.

ولا شَكَّ أنَّ قراءةَ القُرْآنِ فيها خَيْرٌ كثيرٌ، وثَوابٌ جزيلٌ عِنْدَ اللَّهِ تَعالى، ولَكِنَّ ما وَرَدَ في سورة يس منَ الفَضائل في الأحَادِيثِ حَكَمَ عليه المُحَقِّقون مِنْ أهْلِ العِلْمِ إمَّا بالضَّعْفِ أوِ الوَضْعِ، والمقرَّر عند أهل العِلْم:
 أنَّ العبادةَ لا بدَّ أن تَكُونَ مَشْروعةً، وأنَّ الْتِزامَ الأعْدَادِ والكَيْفِيَّاتِ والهَيْئاتِ التِي لم يَقُمْ عليها دليلٌ مِنَ الشَّرْعِ - يُعْتَبرُ مِنَ البِدَعِ، لاسِيَّما إن كانَ صاحِبُها يَظُنُّ أنَّ في التقيُّد بِذَلكَ العدد فَضْلاً ما.

قال الشاطبي _رحِمَهُ اللَّهُ:
 "فالبِدْعةُ إذًا: عبارةٌ عن طريقةٍ في الدين مخترعَةٍ، تُضاهِي الشَّرْعِيَّةَ، يُقْصَدُ بِالسُّلوكِ عَليْها المُبَالغةُ في التَّعَبُّدِ لِلَّهِ سُبْحانهُ ... ومنها التِزامُ الكَيْفِيَّاتِ والهَيْئاتِ المُعَيَّنةِ؛ كالذِّكْرِ بِهَيْئَةِ الاجتِماع على صَوْتٍ واحِدٍ، واتِّخاذ يَوْمِ وِلادةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عيدًا، وما أشْبَهَ ذَلِكَ، ومنها الْتِزامُ العِباداتِ المُعَيَّنَةِ، في أوْقاتٍ مُعَيَّنَةٍ، لم يُوجَدْ لها ذَلِكَ التَّعْيِينُ في الشَّرِيعَةِ؛
 كالتزامِ صِيامِ يَوْمِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبانَ، وقيام لَيْلَتِهِ". 
اهـ من "الاعتصام" (1/ 37 - 39).

وكوْنُ العَمَلِ اعْتادَهُ النَّاسُ وتَوارثُوهُ، أو كان يَتَرَتَّبُ على فِعْلِه بَعْضُ النَّتَائِجِ - لا يَدُلُّ على سُنِّيَّتِه، بَلْ تُوزَنُ الأقْوالُ والأَعْمالُ بِأقْوالِ وأعْمَالِ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم فما وَافَقَ منها قُبِلَ، وما خالَفَ مِنْهَا رُدَّ على صاحِبِه، 

وفي "الصَّحيحَيْن": أَنَّ النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: "مَنْ أَحْدَثَ في أَمْرِنَا هذا ما ليس مِنْهُ، فهو رَدٌّ"، وفي رواية مُسْلِمٍ: "مَنْ عَمِلَ عملاً ليس عليه أَمْرُنَا، فهو رَدٌّ".

وعليه؛ فقراءة سورة يس بالعدَد المذْكور ثمَّ الدُّعاء بعدَه: 
محْض بدْعة، لم تثبت عن النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ولا عن أحد من الصَّحابة، وليس لأحدٍ أن يَستحْسِن عبادةً لم تَثبتْ عن النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم.

وعلى المسلم أن يسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى، ويتضرَّع إليه في كل وقت، وخاصَّة في أوقات الإجابة؛ ليقضِي اللهُ حوائجه؛ 

كما قال تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة: 186].



س/ ماحكم قراءة "سورة يس واحد وأربعين (41) مرة " لقضاء الحاجات إما قراءة فردية أو يجتمع عدد من الأشخاص ويتقاسمونها .
 أو قراءة "سورة يس" مع تكرار بعض آياتها بعدد محدد والدعاء بعد تكرار الآية بدعاء محدد. أو الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بصيغة معينة بعدد محدد (عشرة آلاف مرة مثلا) إما فردية أو يجتمع عدد من الأشخاص ويتقاسمونها. 
أو قراءة سور معينة من القرآن الكريم، وتكون باجتماع عدد من الأشخاص وتوزيعها عليهم بحيث يقرأ كل واحد منهم جزء معين. والكثير ممن ناقشتهم بعدم صحة ذلك أو إنها ليست سنة متبعة عن الرسول صلى الله عليه وسلم فيدافع عنها بشدة وأن لها نتائج أكيدة ومجربة

ج/قراءة سورة يس بعدد معين ، أو قراءة غيرها أو الصلاة على النبي صل الله عليه وسلم بعدد معين ، جماعة أو فرادى ، بغرض قضاء الحاجات وتحقيق الرغبات ، كل ذلك لا أصل في الشرع ، وهو من المحدثات ، وقد قال صلى الله عليه وسلم : 
( مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ فَهُوَ رَدٌّ ) رواه البخاري (2697) ومسلم (1718).

والمقرر عند أهل العلم أن العبادة :
لابد أن تكون مشروعة بأصلها ووصفها وزمانها ومكانها ، وأن التزام الأعداد والكيفيات والهيئات التي لم يقم عليها دليل من الشرع ، يعتبر من البدع .

قال الشاطبي _رحمه الله : 
" فالبدعة إذن عبارة عن طريقة في الدين مخترعة ، تضاهي الشرعية ، يقصد بالسلوك عليها المبالغة في التعبد لله سبحانه ... ومنها التزام الكيفيات والهيآت المعينة ، كالذكر بهيئة الاجتماع على صوت واحد ، واتخاذ يوم ولادة النبي صلى الله عليه وسلم عيدا ، وما أشبه ذلك .

ومنها التزام العبادات المعينة ، في أوقات معينة ، لم يوجد لها ذلك التعيين في الشريعة ، كالتزام صيام يوم النصف من شعبان ، وقيام ليلته " 
انتهى من "الاعتصام" (1/37-39).

وكون العمل اعتاده الناس وتوارثوه ، أو كان يترتب عليه بعض النتائج ، لا يدل على مشروعيته ، بل توزن الأقوال والأعمال بأقواله وأعماله صلى الله عليه وسلم ، فما وافق منها قبل ، وما خالف رد على صاحبه كائنا من كان .

ويقال هنا :
 لو كان هذا العمل خيرا لسبقنا إليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، لاسيما مع وجود المقتضي لذلك ، فقد تعرض كثير من الصحابة للأذى والظلم ، ولم يثبت عن واحد منهم أنه فعل ذلك ولا أرشدهم إليه صلى الله عليه وسلم .

والخير كل الخير في اتباع من السلف ، والشر في ابتداع من خلف .

والحاصل :
 أنه يتعين البعد عن هذه المحدثات ، والاكتفاء بما هو مشروع من الأدعية والأذكار التي جعلها الله سببا لقضاء الحاجات وتحقيق الرغبات ، 
قال تعالى : ( أَمْ مَنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلا مَا تَذَكَّرُونَ ) النمل/62 ، 

وقال : ( وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ) البقرة/186

وروى الترمذي (3475) وأبو داود (1493) وابن ماجه (3857) عَنْ بُرَيْدَةَ الأَسْلَمِيِّ قَالَ سَمِعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلا يَدْعُو وَهُوَ يَقُولُ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِأَنِّي أَشْهَدُ أَنَّكَ أَنْتَ اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ الأَحَدُ الصَّمَدُ الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ . 
قَالَ فَقَالَ : ( وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ سَأَلَ اللَّهَ بِاسْمِهِ الأَعْظَمِ الَّذِي إِذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ وَإِذَا سُئِلَ بِهِ أَعْطَى ). وصححه الألباني في صحيح الترمذي .

وروى الترمذي (3544) وابن ماجه (3858) عَنْ أَنَسٍ قَالَ دَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَسْجِدَ وَرَجُلٌ قَدْ صَلَّى وَهُوَ يَدْعُو وَيَقُولُ فِي دُعَائِهِ اللَّهُمَّ لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ الْمَنَّانُ بَدِيعُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ ذَا الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَدْرُونَ بِمَ دَعَا اللَّهَ دَعَا اللَّهَ بِاسْمِهِ الأَعْظَمِ الَّذِي إِذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ وَإِذَا سُئِلَ بِهِ أَعْطَى ) وصححه الألباني في صحيح الترمذي .
تعليقات