حكم الذبح لغير الله ؛شرح كتاب التوحيد للشيخ محمد بن عبد الوهاب _رحمه الله


حكم الذبح لغير الله ؛شرح كتاب التوحيد للشيخ محمد بن عبد الوهاب _رحمه الله



شرح كتاب التوحيد للشيخ محمد بن عبد الوهاب _رحمه الله 
  باب ما جاء في الذبح لغير الله "

أي: من الوعيد، وهل يكون شركًا أم لا؟ .

وقول الله تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لا شَرِيكَ لَهُ ... } .

قال ابن كثير:

 يأمره تعالى أن يخبر المشركين الذين يعبدون غير الله، ويذبحون لغير اسمه وحده لا شريك له،

 وهذا كقوله: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} :

 أي: أخلص له صلاتك وذبيحتك، فإن المشركين يعبدون الأصنام، ويذبحون لها، فأمر الله بمخالفتهم، والانحراف عما هم فيه، والإقبال بالقصد والنية، والعزم على الإخلاص لله تعالى.


 وما معناه:

 وفيه أنه دخل النار بسبب لم يقصده، بل فعله تخلصًا من شرهم.

وفيه أن الذي دخل النار مسلم؟!

 لأنه لو كان كافرًا لم يقل: 

دخل النار في ذباب، وفيه أن عمل القلب هو المقصود الأعظم حتى عند عبدة الأوثان.


وقوله: 

"وقالوا للآخر: قرب. 

قال: ما كنت لأقرب لأحد شيئًا دون الله عز وجل" إلى آخره. في هذا بيان فضيلة التوحيد والإخلاص.

 وفيه معرفة قدر الشرك في قلوب المؤمنين،. 

كيف صبر على القتل ولم يوافقهم على طلبهم مع كونهم لم يطلبوا إلا العمل الظاهر، وفيه شاهد للحديث الصحيح:

 "الجنة أقرب إلى أحدكم من شراك نعله، والنار مثل ذلك" .

قلت: وفيه التنبيه على سعة مغفرة الله وشدة عقوبته، وأن الأعمال بالخواتيم


قال مجاهد في قوله: {صَلاتِي وَنُسُكِي} .

قال: النسك الذبح في الحج والعمرة،
 وقال الثّووي عن السدي عن سعيد بن جبير: 
{وَنُسُكِي} : ذبحي، وكذا قال الضحاك.

 وقال غيره: {وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي} :
 أي وما آتيه في حياتي، وأموت عليه من الإيمان والعمل الصالح {لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} خالصة لوجهه،

 {لا شَرِيكَ لَهُ، وَبِذَلِكَ} من الإخلاص 

{أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} ، لأن إسلام كل نبي متقدم لإسلام أمته 

كما قال قتادة: {وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} ، أي: من هذه الأمة.

قال ابن كثير: وهو كما قال، فإن جميع الأنبياء قبله كلهم كانت دعوتهم إلى الإسلام، وهو عبادة الله وحده لا شريك له. 

كما قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ} . 

وأخبر تعالى عن نوح عليه السلام أنه قال لقومه: 
{فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ} .
 وذكر آيات في هذا المعنى.

قلت: وفي الآية دلائل متعددة على أن الذبح لغير الله شرك، كما هو بين عند التأمل، وفيها بيان العبادة، وأن التوحيد مناف للشرك مضاد له.

قال وقوله: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} .
 قال شيخ الإسلام: أمره الله أن يجمع بين هاتين العبادتين، وهما: 
الصلاة والنسك الدالتان على القرب والتواضع والافتقار، وحسن الظن، وقوة اليقين، وطمأنينة القلب إلى الله، وإلى عدته، عكس حال أهل الكبر والنفرة، وأهل الغنى عن الله الذين لا حاجة لهم في صلاتهم إلى ربهم يسألونه إياها، والذين لا ينحرون له خوفًا من الفقر. 

ولهذا جمع بينهما في قوله: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي}  والنسك:
 الذبيحة لله تعالى ابتغاء وجهه، فإنها أجل ما يتقرب به إلى الله، فإنه أتى فيهما بالفاء الدالة على السبب، 
لأن فعل ذلك سبب للقيام بشكر ما أعطاه الله من الكوثر، وأجل العبادات البدنية الصلاة، وأجل العبادات المالية النحر، وما يجتمع للعبد في الصلاة

لا يجتمع له في غيرها، كما عرفه أرباب القلوب الحية.

وما يجتمع له في النحر إذا قارنه الإيمان والإخلاص من قوة اليقين، وحسن الظن أمر عجيب. 
وكان النبي صلى الله عليه وسلم كثير الصلاة، كثير النحر.

وقال غيره: أي:
 فاعبد ربك الذي أعزك بإعطائه، وشرفك وصانك، من منن الخلق مراغمًا لقومك الذين يعبدون غير الله، وانحر لوجهه وباسمه إذا نحرت مخالفًا لهم في النحر للأوثان. انتهى. 
وهذا هو الصحيح في تفسيرها.

وأما ما رواه الحاكم عن علي بن أبي طالب قال:
 لما نزلت هذه السورة على النبي صلى الله عليه وسلم {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} .

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لجبريل:
 "ما هذه النحيرة التي أمرني بها ربي؟
 قال: إنها ليست بنحيرة، ولكن يأمرك إذا أحرمت للصلاة أن ترفع يديك إذا كبرت، وإذا ركعت وإذا رفعت رأسك من الركوع" الحديث. 
فهو حديث منكر جدًا، في إسناده إسرائيل بن حاتم، 
قال ابن حبان: يروي عن مقاتل الموضوعات والأوابد والطامات من ذلك خبر يرويه عمر بن صبح عن مقاتل، وظفر به إسرائيل فرواه عن مقاتل عن الأصبغ بن نباته عن علي لما نزلت:
 {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} الحديث.


حديث علي: لعن الله من ذبح لغير الله

قال عن علي رضي الله عنه قال:
 "حدثني رسول الله صلى الله عليه وسلم بأربع كلمات: لعن الله من ذبح لغير الله، ولعن الله من لعن والديه، ولعن الله من آوى محدثًا، ولعن الله من غير منار الأرض" . رواه مسلم.

الحديث رواه مسلم من طرق بمعنى ما ذكره المصنف، وفيه قصة ورواه الإمام أحمد كذلك.
 وعلي بن أبي طالب هو الإمام أبو الحسن الهاشمي ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم. وزوج ابنته

فاطمة الزهراء -واسم أبي طالب عبد مناف بن عبد المطلب بن هاشم القرشي- كان من السابقين الأولين إلى الإسلام ومن أهل بدر وبيعة الرضوان، وأحد العشرة المشهود لهم بالجنة، ورابع الخلفاء الراشدين، ومناقبه كثيرة رضي الله عنه. قتله ابن ملجم الخارجي في رمضان سنة أربعين.

قوله:"لعن الله" :
قالوا: اللعنة: البعد عن مظان الرحمة ومواطنها. 
قيل: واللعين والملعون: من حقت عليه اللعنة، أو دعي عليه بها .
قال أبو السعادات: أصل اللعنة، الطرد والإبعاد من الله، ومن الخلق: السّبّ والدعاء.

قوله:"من ذبح لغير الله" :
 قال النووي. المراد به أن يذبح باسم غير اسم الله تعالى، كمن يذبح للصنم أو للصليب أو لموسى أو لعيسى صلى الله عليهما وسلم، أو للكعبة ونحو ذلك، 
وكل هذا حرام، ولا تحل هذه الذبيحة سواء كان الذابح مسلمًا أو نصرانيًا أو يهوديًا نص عليه الشافعي واتفق عليه أصحابنا، 
فإن قصد مع ذلك تعظيم المذبوح له غير الله والعبادة له، كان ذلك كفرًا، فإن كان الذابح مسلمًا قبل ذلك صار بالذبح مرتدًا. 
ذكره في "شرح مسلم" ونقله غير واحد من الشافعية وغيرهم.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية _رحمه الله 
قوله تعالى: {وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ} :
 ظاهره أنه ما ذبح لغير الله مثل أن يقال: هذه الذبيحة لكذا.
 وإذا كان هذا هو المقصود فسواء لفظ به أو لم يلفظ. وتحريم هذا أظهر من تحريم ما ذبحه للحم، 
وقال فيه: باسم المسيح ونحوه، كما أن ما ذبحناه متقربين به إلى الله كان أزكى وأعظم مما ذبحنا للحم، 
وقلنا عليه: بسم الله. 
فإن عبادة الله بالصلاة له والنسك له أعظم من الاستعانة باسمه في فواتح الأمور، فكذلك الشرك بالصلاة لغيره. 
والنسك لغيره أعظم من الاستعانة باسم غيره في فواتح الأمور، فإذا حرم ما قيل فيه باسم المسيح أو الزهرة، فلأن يحرم ما قيل فيه لأجل المسيح أو الزهرة أو قصد به ذلك أولى، فإن العبادة لغير الله أعظم كفرًا من الاستعانة بغير الله، وعلى هذا، فلو ذبح لغير الله متقرّباً إليه لَحَرُم َ،

 وإنْ قال فيه: باسم الله، كما قد يفعله طائفة من منافقي هذه الأمة، الذين قد يتقربون إلى الكواكب بالذبح والبخور ونحو ذلك، وإن كان هؤلاء مرتدين لا تباح ذبيحتهم بحال، لكن يجتمع في الذبيحة مانعان.

ومن هذا الباب ما يفعله الجاهلون بمكة من الذبح للجن ولهذا روي عن النبي صلى الله عليه وسلم:
 "أنه نهى عن ذبائح الجن" قلت: هذا الحديث رواه البيهقي عن الزهري مرسلاً، وفي إسناده عمر بن هارون، وهو ضعيف عند الجمهور إلا أن أحمد بن سيار روى عن قتيبة أنه كان يوثقه ورواه ابن حبان في الضعفاء من وجه آخر عن عبد الله بن أذينة عن ثور بن يزيد، عن الزهري عن حميد بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة مرفوعًا.

 قال ابن حبان: وعبد الله يروي عن ثور ما ليس من حديثه.

 قال الزمخشري: كانوا إذا اشتروا دارًا أو بنوها أو استخرجوا عينًا ذبحوا ذبيحة خوفًا أن تصيبهم الجن، فأضيفت الذبائح إليهم، لذلك

 قال النووي: وذكر الشيخ إبراهيم المروذي من أصحابنا أن ما ذبح عند استقبال السلطان تقربًا إليه أفتى أهل بخارى بتحريمه لأنه مما أهل به لغير الله. 

قال الرافعي: هذا إنما يذبحونه استبشارًا بقدومه، فهو كذبح العقيقة لولادة المولود. 
قلت: إن كانوا يذبحون استبشارًا كما ذكر الرافعي فلا يدخل في ذلك، وإن كانوا يذبحونه تقربًا، إليه فهو داخل في الحديث.

قوله:"لعن الله من لعن والديه":
قال بعضهم: يعني أباه وأمه وإن علوا وفي "الصحيح" أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
 "إن من الكبائر شتم الرجل والديه". 

قالوا: يا رسول الله، وهل يشتم الرجل والديه؟
 قال: "نعم يسب أبا الرجل فيسب أباه ويسب أمه فيسب أمه"  فإذا كان هذا حال المتسبب فما ظنك بالمباشر؟ .

قوله: "ولعن الله من آوى محدثًا".
 أما "آوى" بفتح الهمزة ممدودة :
أي: ضم إليه وحمى.

وقال أبو السعادات: يقال: أويت إلى المنْزل وآويت غيري وأويته، وأنكر بعضهم المقصور المتعدي. 

وقال الأزهري: هي لغة فصيحة.

وأما "محدثًا" :
فقال أبو السعادات: يروى بكسر الدال وفتحها على الفاعل والمفعول، 
فمعنى الكسر: من نصر جانيًا وآواه وأجاره من خصمه، وحال بينه وبين أن يقتص منه،
 والفتح: هو الأمر المبتدع نفسه،
 ويكون معنى الإيواء فيه الرضى به والصبر عليه، فإنه إذا رضي بالبدعة وأقر عليها فاعلها، ولم ينكر عليه، فقد آواه. 
قلت: الظاهر أنه على الرواية الأولى يعم المعنيين؛
 لأن المحدث أعم من أن يكون بجناية أو ببدعة في الدين، بل المحدث بالبدعة في الدين شر من المحدث بالجناية، فإيواؤه أعظم إثمًا،

 ولهذا عده ابن القيم في كتاب "الكبائر" 
وقال: هذه الكبيرة تختلف مراتبها باختلاف مراتب الحدث في نفسه، فكلما كان الحدث في نفسه أكبر، كانت الكبيرة أعظم


قوله:"ولعن الله من غير منار الأرض":
 قال الشيخ محمد بن عبدالوهاب_رحمه الله: 
هي المراسيم التي تفرق بينك وبين جارك. 

وقال النووي: منار الأرض -بفتح الميم- علامات حدودها، والمعنى واحد. 

قيل: وتغييرها أن يقدمها أو يؤخرها، فيكون هذا من ظلم الأرض الذي قال فيه صلى الله عليه وسلم:
 "من ظلم شبرًا من الأرض طوقه يوم القيامة من سبع أرضين". رواه البخاري ومسلم.

وفي الحديث دليل على جواز لعن أنواع الفساق، كقوله:
"لعن الله آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه" . ونحو ذلك،
 فأما لعن الفاسق المعين ففيه قولان: 
ذكرهما شيخ الإسلام أحدهما:
 أنه جائز اختاره ابن الجوزي وغيره. 
والثاني: لا يجوز، اختاره أبو بكر عبد العزيز وشيخ الإسلام. قال: والمعروف عن أحمد كراهة لعن المعين كالحجاج وأمثاله، وأن يقول 
كما قال الله تعالى: {أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} .

قال: وعن طارق بن شهاب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
 "دخل الجنة رجل في ذباب، ودخل النار رجل في ذباب". 

قالوا: وكيف ذلك يا رسول الله؟ 
قال: " مر رجلان على قوم لهم صنم لا يجاوزه أحد حتى يقرب له شيئًا.

 فقالوا لأحدهما: قرب. قال: ما عندي شيء. 

قالوا: قرب ولو ذبابًا، فقرب ذبابًا فخلوا سبيله، فدخل النار. وقالوا للآخر: قرب. 

قال: ما كنت لأقرب لأحد شيئًا دون الله عز وجل. فضربوا عنقه، فدخل الجنة". رواه أحمد

 هذا الحديث. ذكره الشيخ محمد بن عبدالوهاب -
رحمه الله معزوًا لأحمد، وأظنه تبع ابن القيم في عزوه لأحمد.

قال ابن القيم: قال الإمام أحمد: حدثنا أبو معاوية، حدثنا الأعمش، عن سليمان بن ميسرة عن طارق بن شهاب يرفعه قال:
 "دخل رجل الجنة في ذباب". الحديث.

وقد طالعت "المسند" فما رأيته فيه، فلعل الإمام رواه في كتاب الزهد3 أو غيره.


قوله: (عن طارق بن شهاب) :
 أي: البجلي الأحمسي أبو عبد الله رأى النبي صلى الله عليه وسلم وهو رجل،
 ويقال: إنه لم يسمع منه شيئًا. 
قال البغوي: ونزل الكوفة. 
قال أبو حاتم: ليست له صحبة. 
والحديث الذي رواه مرسل. 
وقال أبو داود: رأى النبي صلى الله عليه وسلم ولم يسمع منه شيئًا.


....    ........
شرح الشيخ ابن باز لكتاب التوحيد للشيخ محمد بن عبد الوهاب _رحمه الله 
باب ما جاء في الذبح لغير الله

وقول الله تعالى:
 قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لا شَرِيكَ لَهُ ۝ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ [الأنعام: 162، 163] 

وقوله: فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ [الكوثر: 2].

عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: 
"حدثني رسول الله صلي الله وعليه وسلم بأربع كلمات: لعن الله من ذبح لغير الله. 
لعن الله من لعن والديه. لعن الله من آوى محدثا ; لعن الله من غير منار الأرض رواه مسلم.

وعن طارق بن شهاب: أن رسول الله صلي الله وعليه وسلم قال: 
دخل الجنة رجل في ذباب، ودخل النار رجل في ذباب. قالوا: وكيف ذلك يا رسول الله؟
 قال: مر رجلان على قوم لهم صنم لا يجوزه أحد حتى يقرب له شيئا، 
فقالوا لأحدهما: قرب. قال ليس عندي شيء أقرب. قالوا له: قرب ولو ذبابا. فقرب ذبابا، فخلوا سبيله. فدخل النار.
 وقالوا للآخر: قرب. فقال: ما كنت لأقرب لأحد شيئا دون الله عز وجل، فضربوا عنقه؛ 
فدخل الجنة رواه أحمد.

"  باب ما جاء في الذبح لغير الله  "
يعني من الوعيد، والدلائل على أنه شرك أكبر،
 فالذبح لغير الله عبادة لغير الله
 قال الله تعالى: 
"  قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ۝ لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ  " [الأنعام:162، 163] 

وقال تعالى: "  فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ   "[الكوثر:2]

 فالعبادة كلها لله وحده، ومن جملتها الذبح
 كالصلاة كما أن الصلاة لله فالذبح لله ليس لأحد أن يتقرب بذبح ناقة أو بقرة أو شاة أو دجاجة أو عصفور أو ذباب لغير الله؛
 لأن : المقصود هو التقرب، فإذا تقرب بشيء لغير الله يرجو إحسانه بأن يعتقد أنه ينفعه من الأموات والأشجار والأحجار والأصنام والجن ونحو ذلك كان هذا هو الشرك

 قال الله جل وعلا: 
"  وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا  " [الجن:18] 
والدعاء يشمل دعاء العبادة كالذبح والصلاة ودعاء المسألة انصرني وعافني ونحو ذلك، 

قال جل وعلا: 
" وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ  "[الذاريات:56]، 

" وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ " [البينة:5] 

وقال تعالى:
 قُلْ يا محمد للناس"  إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي " يعني ذبحي وجميع الأنساك لله رب العالمين لا شريك له،

 وقال تعالى: "  فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ  " [الكوثر:2] 

فقرن النحر مع الصلاة؛ 
لأن هذه عبادة مالية والصلاة عبادة بدنية، فكما يجب أن تصرف الصلاة لله وأن لا يصلى إلا لله فيجب أيضاً أن لا ينحر إلا لله.

وكان المشركون يذبحون لأصنامهم ويتقربون إليها بالذبائح فحذر الله من ذلك ومنع من جميع أنواع الشرك، 

كما قال جل وعلا:
"   إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ   " [المائدة:72]،

 وقال تعالى: 
"  إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ   "[لقمان:13] 

وقال تعالى:
"  وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ "[الأنعام:88] 

وقال سبحانه:
"   إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ  " [النساء:48].

وفي الحديث الصحيح يقول صلي الله وعليه وسلم : لعن الله من ذبح لغير الله، لعن الله من لعن والديه،
 لعن الله من آوى محدثًا، لعن الله من غير منار الأرض 

رواه مسلم في الصحيح من حديث علي رضي الله عنه، والشاهد فيه قوله: 
لعن الله من ذبح لغير الله فدل على أن الذبح لغير الله من أعظم الكبائر وأن صاحبه ملعون ؛
 لأنه شرك أكبر فالذي يتقربون للبدوي أو الشيخ عبدالقادر الجيلاني أو إلى الرسول أو إلى زيد أو عمرو من الأموات أو للجن أو للأصنام هذا من الشرك الأكبر.

أما الذبيحة للضيف للأكل ما هي من هذا الباب كونه يذبح للضيف يكرم الضيف، يذبح لحاجة أهله يذبح للتوزيع بين الفقراء هذا قربة وطاعة وليس به بأس، 
فالمقصود الذبح ليتقرب لملك أو جني أو صنم أو ميت أو غير هذا.

فالرسول صلي الله وعليه وسلم  قال: 
لعن الله من ذبح لغير الله فدل على أن الذبح لغير الله من الكبائر الشركية، لعن الله من لعن والديه لعن الوالدين من أعظم الكبائر؛ 
لأن حقهما عظيم وبرهما من أهم الواجبات فلعنهما من أعظم الكبائر نعوذ بالله، سواء بلفظ اللعن أو بالسب سبهما وشتمها وظلمهما كله من أعظم الكبائر.

الثالث: لعن الله من آوى محدثًا المحدث الذي يأتي حدثًا في الإسلام فيؤويه إنسان حتى لا يقام عليه الحد، أو لا يعاقب بالعقوبة المستحقة، فهذا ملعون من النبي صلر الله وعليه وسلم ،
 أخبر أن الله لعنه.

فالذي يؤوي المحدثين يستحق هذه اللعنة ؛
يعني يمنع أن يقام فيهم حد الله من زنا وسرقة أو لواط أو غير هذا يمنع أن تقام عليهم الحدود ويحول بين ولاة الأمور وبينهم.

وروي مُحدَثًا يعني البدعة وإيواء البدعة كذلك أخطر وأشر، فالمحدث الذي أحدث المعاصي والبدع، فالذي يؤويه حتى لا يقام عليه أمر الله وحد الله داخل في اللعنة، وهكذا من أوجد البدع وحماها يدخل في اللعنة نسأل الله العافية.

لعن الله من غير منار الأرض يعني مراسيم الأرض، فالذي يغيرها بزيادة أو نقص ملعون بهذا الحديث؛ 
لأنه يسبب ظلمًا على الناس وشرًا بين الناس فإذا قدم العلم أو أخره فقد ظلم.


والحديث الثاني:
 حديث طارق بن شهاب وهو صحابي صغير يقول عن النبي صلي الله وعليه وسلم : 
دخل الجنة رجل في ذباب ودخل النار رجل في ذباب تعجب الصحابة كيف هذا يا رسول الله؟!
 قال: مر رجلان على قوم لهم صنم، والصنم ما نحت على صورة وعبد من دون الله، فهم مروا على الصنم وكان هذا الصنم عنده سدنة 
لا يجوز أحد حتى يقرب له شيء، فلما مر الرجلان، قالوا لأحدهما: قرب،
 قال: ليس عندي شيء أقربه، قالوا: قرب ولو ذبابًا، المهم الموافقة على التقريب لهذا الصنم، فخلوا سبيله فدخل النار؛
 لأنه ذبح لغير الله، الثاني موحد 
قالوا له: قرب، 
قال: ما كنت لأقرب لأحد شيء سوى الله، 
يعني لا ذباب ولا غيره، فضربوا عنقه فدخل الجنة، دخوله الجنة ظاهر لأنه أخلص لله وصبر على القتل فكان شهيدًا، وله عند الله الأجر العظيم،
 أما الأول فقرب فصار من جملة المشركين فاستحق النار.
وهذا يحتمل أن يكون ؛
لأنه لم يتوقف فلا يسمى مكرهًا؛ 
لأنه قال ما عندي ثم بادر ولا امتنع ولا انتظر حتى يلزموه فبادر فكان هذا ليس بمكره لأنه بادر بالإجابة من دون إكراه.
 ويحتمل أنه دخل النار لأنه كان في شرع الماضين شرع التوراة والإنجيل أنه لا يعذر بالإكراه،

 أما في شريعة محمد صلي الله وعليه وسلم فهو معذور بالإكراه ؛
كما قال جل وعلا: 
"  مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ  " [النحل:106]
 فهذه قصة الذباب إما أن تكون في حق من قرب ذبابًا وخلوا سبيله أنه ما انتظر حتى يلزموه بل تساهل وأجاب بسرعة، فلا يتعارض مع آية الإكراه، 

والمعنى الثاني أن هذا العمل في شريعة الماضين غير معذور، المكره غير معذور، ويكون من الآصار التي عليهم والأغلال، 

أما في شريعتنا فقد وضع الله عنا الآصار والأغلال فصار الإكراه في شريعة محمد صلى الله عليه وسلم عذرًا، فقد يكره بالضرب أو بالسجن أو بالوعيد بالقتل ممن يظن أنه يفعل يكون هذا عذرًا شرعيًّا.
تعليقات