حكم التبرك بشجرة او حجر او نحو ذلك...شرح كتاب التوحيد للشيخ محمد بن عبد الوهاب

حكم التبرك بشجرة او حجر او نحو ذلك...شرح كتاب التوحيد للشيخ محمد بن عبد الوهاب 



شرح كتاب التوحيد للشيخ محمد بن عبد الوهاب _رحمه الله 
"   باب من تبرك بشجرة أو حجر ونحوهما  "

 كبقعة وغار وعين وقبر ونحو ذلك 
مما يعتقد كثير من عباد القبور وأشباههم فيه البركة فيقصدونه رجاء البركة.

ويعني بقوله:"   تبرك "
أي: طلب البركة ورجاها واعتقدها، 
أي: ما حكمه هل هو شرك أم لا؟ .


ذكر صفات هذة الاوثان التي تعبد من دون الله ؟!

قال: وقول الله تعالى: {أَفَرَأَيْتُمُ اللاَّتَ وَالْعُزَّى وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَى أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الأُنْثَى تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزَى إِنْ هِيَ إِلاَّ أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى} .

 هكذا ثبت في الآيات يعني إلى قوله: 
{وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى} . 

قال القرطبي لما ذكر الوحي إلى النبي صلى الله عليه وسلم وذكر من آثار قدرته ما ذكر، حاج المشركين، إذ عبدوا ما لا يعقل 

وقيل: أفرأيتم هذه الآلهة التي تعبدونها أوحَيْنَ إليكم شيئًا كما أوحي إلى محمد صلى الله عليه وسلم؟ 

وكانت اللات لثقيف، والعزى لقريش وبني كنانة، ومناة لبني هلال. 
وقال ابن هشام بن الكلبي في الأصنام :
 كانت مناة لهذيل وخزاعة.


ذكر صفة هذه الأوثان :
ليعرف المؤمن كيفية الأوثان، وكيفية عبادتها،
 وما هو شرك العرب الذين كانوا يفعلونه حتى يفرق بين التوحيد والإخلاص وبين الشرك والكفر.

فأما اللات فقرأ الجمهور بتخفيف التاء، 
وقرأ ابن عباس وابن الزبير ومجاهد وحميد وأبو صالح ورويس عن يعقوب: اللات بتشديد التاء.

1- فعلى الأولى قال الأعمش: سموا اللات من الإله والعزى من العزيز.

قال ابن جرير: وكانوا قد اشتقوا اسمها من الله تعالى، فقالوا: اللات مؤنثة منه، تعالى الله عن قولهم علوًا كبيرًا. قال: وكذا العزى من العزيز.

قال ابن كثير: وكانت صخرة بيضاء منقوشة عليها بيت بالطائف، له أستار وسدنة، وحوله فناء معظم عند أهل الطائف، وهم ثقيف ومن تابعها، يفتخرون به على من عداهم من أحياء العرب بعد قريش.

قال ابن هشام بن الكلبي : وكانت في موضع مسجد الطائف اليسرى، فلم يزل كذلك إلى أن أسلمت ثقيف، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم المغيرة بن شعبة فهدمها وحرقها بالنار.

2- وعلى الثانية قال ابن عباس:
 كان رجلاً يَلُتُّ السويق للحاج، فلما مات عكفوا على قبره. ذكره البخاري.

وقال ابن عباس كان يبيع السويق والسمن عند صخرة ويلته عليها، فلما مات ذلك الرجل، عبدت ثقيف تلك الصخرة إعظامًا لصاحب السويق. وعن مجاهد نحوه، 
وقال: فلما مات عبدوه. رواه سعيد بن منصور والفاكهي، وكذا روى ابن أبي حاتم عن ابن عباس: أنهم عبدوه.

وقال ابن جُريج: كان رجل من ثقيف يَلُتُّ السويق بالزيت، فلما توفي جعلوا إلى قبره وثنا،. وبنحو ذلك قال

    
جماعة من أهل العلم، ولا تخالف بين القولين، فإن من قال: إنها صخرة لم ينف أن تكون صخرة على القبر أو حواليه فعظمت وعبدت تبعًا لا قصدًا، فالعبادة إنما أرادوا بها صاحب القبر، فهو الذي عبدوه بالأصالة; 
يدل على ذلك ما روى الفاكهي عن ابن عباس :
_ أن اللات لما مات:
 قال لهم عمرو بن لُحَيْيّ: 
إنه لم يمت، ولكنه دخل الصخرة فعبدوها، وبنوا عليها بيتًا، فتأمل فعل المشركين مع هذا الوثن، ووازن بينه وبين بناء القباب على القبور والعكوف عندها ودعائها، وجعلها ملاذًا عند الشدائد.

_وأما العزى:
 فقال ابن جرير: كانت شجرة عليها بناء وأستار بنخلة بين مكة والطائف كانت قريش يعظمونها، كما قال أبو سفيان يوم أحد: 
"لنا العزى ولا عزى لكم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قولوا:
 "الله مولانا ولا مولى لكم" . وروى النسائي وابن مردويه عن أبي الطفيل
 قال: "لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة، بعث خالد بن الوليد إلى نخلة وكانت بها العزى، فأتاها خالد وكانت على ثلاث سمرات فقطع السمرات، وهدم البيت الذي كان عليها، ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره،
 فقال: ارجع فإنك لم تصنع شيئًا، فرجع خالد، فلما أبصرته السدنة وهم حجبتها أمعنوا في الجبل 

وهم يقولون:
 يا عزى يا عزى فأتاها خالد، فإذا امرأة عريانة ناشرة شعرها، تحفن التراب على رأسها فعمّمها بالسيف حتى قتلها، ثم رجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره

 فقال: تلك العزى" قال هشام بن الكلبي : 
وكانوا يسمعون منها الصوت. 
وقال أبو صالح [با ذام مولى أم هانئ] :
 العزى نخلة كانوا يعلقون عليها السيور والعهن . رواه عبد بن حميد وابن جرير.

فتأمل فعل المشركين مع هذا الوثن، ووازن بينه وبين ما يفعله عباد القبور من دعائها، والذبح عندها، وتعليق الخيوط وإلقاء الخرق في ضرائح الأموات ونحو ذلك، فالله المستعان.

_وأما مناة :
فكانت بالمشلل عند قديد بين مكة والمدينة، وكانت خزاعة والأوس والخزرج يعظمونها، ويهلون مهنا للحج إلى الكعبة وأصل اشتقاقها من اسم الله المنان،

وقيل: من منى الله الشيء: إذا قدره.
 وقيل: سميت مناة لكثرة ما يمنى،
 أي: يراق عندها من الدماء للتبرك بها.

قال هشام بن الكلبي : فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عليًا فهدمها عام الفتح.

قال ابن إسحاق في السيرة:
 وقد كانت العرب اتخذت مع الكعبة طواغيت، 
وهي بيوت تعظمها كتعظيم الكعبة، لها سدنة وحجاب، وتهدي لها كما يهدى للكعبة، وتطوف بها وتنحر عندها، وهي تعرف فضل الكعبة عليها، 
لأنها كانت قد عرفت أنها بيت إبراهيم عليه السلام ومسجده.

قلت: هذا الذي ذكره ابن إسحاق من شرك العرب هو بعينه الذي يفعله عباد القبور، بل زادوا على الأولين.

إذا تبين هذا فمعنى الآية كما قال القرطبي: 
إن فيها حذفًا تقديره: أفرأيتم هذه الآلهة هل نفعت أو ضرت حتى تكون شركاء لله؟!.

وقال غيره: ومناة الثالثة الأخرى، ذم،
 وهي المتأخرة الوضيعة المقدار كقوله: 
{وَقَالَتْ أُولاهُمْ لأُخْرَاهُمْ} [الأعراف، من الآية: 39] ، 
أي وضعاؤهم لرؤسائهم.

وقوله: {أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الأُنْثَى} .
 قال ابن كثير: أي أتجعلون له ولدًا وتجعلون ولده الأنثى، وتختارون لكم الذكور؟! 
وقال غيره: بجوز أن يراد اللات والعزى ومناة إناث، وقد جعلتموهن لله شركاء، ومن شأنكم أن تحتقروا الإناث وتستنكفوا من أن يولدن لكم، أو ينسبن إليكم، فكيف تجعلون هؤلاء الإناث أندادًا لله وتسمونهن آلهة؟!.
 قلت: ما أقرب هذا القول إلى سياق الآية؟!

وقوله: {تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى} :
 أي: جور وباطلة، فكيف. تقاسمون ربكم هذه القسمة التي لو كانت بين مخلوقين كانت جورًا وسفهًا، فتنْزهون أنفسكم عن الإناث، وتجعلونهن لله، تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرًا؟!.

وقوله: {إِنْ هِيَ إِلاَّ أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُم} .
قال ابن كثير :
ثم قال منكرًا عليهم فيما ابتدعوه، وأحدثوه من الكذب والافتراء والكفر من عبادة الأصنام، 
وتسميتها آلهة: {إِنْ هِيَ إِلاَّ أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ} ،
 أي: من تلقاء أنفسكم. {مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ} ، أي: من حجة. {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنّ} ،
 أي: ليس لهم

مستند إلا حسن ظنهم بآبائهم الذين سلكوا هذا المسلك الباطل قبلهم، وإلا حظ أنفسهم في رياستهم، وتعظيم آبائهم الأقدمين! .

وقوله: {وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى} .
قال ابن كثير: ولقد أرسل الله إليهم الرسل بالحق المنير، والحجة القاطعة، ومع هذا ما اتبعوا ما جاؤوهم به ولا انقادوا له.

وفي هذه الآيات من الدلائل القطعية على بطلان عبادة هذه الطواغيت، وأشباهها بما لا مزيد عليه، فسبحان من جعل كلامه شفاء وهدى ورحمة، وبشرى للمسلمين.

_ومنها: 
أنها أسماء مؤنثة دالة على اللين والرخاوة، وما كان كذلك فليس بإله, 
_ومنها:
 أنكم قاسمتم الله بزعمكم فجعلتم له هذه الأسماء المؤنثة شركاء ودعوتم له الأولاد، ثم جعلتموهم بنات واختصصتم بالذكور، فجعلتم له المكروه الناقص، 
ولكم المحبوب الكامل: 
{لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} .

_ومنها: 
أنها أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم، ابتدعتموها.

_ومنها:
 أنها ما أنزل الله بها من سلطان،
 أي: حجة وبرهان، ومنها أنكم لم تستندوا في تسميتها إلى علم ويقين، وإنما استندتم في ذلك إلى الظن والهوى اللذين هما أصلا الهلاك دنيا وأخرى.

_ومنها: {وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى} ،
 أي: بإبطال عبادتها، وما كان كذلك، فهو عين المحال البين البطلان، وكل واحد من هذه الأدلة كاف شاف في بطلان عبادتها.

فإن قلت: فأين دليل الترجمة من الآيات؟
 قيل: هو بيّن بحمد الله !
 لأنه إن كان التبرك بالشجر والقبور والأحجار من الأكبر فواضح، وإن كان من الأصغر، فالسلف يستدلون بما نزل في الأكبر على الأصغر.

قال: وعن أبي واقد الليثي قال: 
"خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حنين ونحن حدثاء عهد بكفر، وللمشركين سدرة يعكفون عندها، وينوطون بها أسلحتهم يقال لها: ذات أنواط. 

فقلنا: يا رسول الله اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الله أكبر إنها السنن، 
قلتم: والذي نفسي بيده كما قالت بنو إسرائيل لموسى اجعل لنا إِلهًا كما لهم آلهة. 
قال: إِنكم قوم تجهلون، لتركبن سنن من كان قبلكم" . رواه الترمذي وصححه.

و الحديث رواه الترمذي كما قال الشيخ محمدبن عبد الوهاب _رحمه الله : 
ولفظه: حدثنا سعيد بن عبد الرحمن المخزومي حدثنا سفيان عن الزهري عن سنان بن أبي سنان عن أبي واقد الليثي :
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما خرج إلى حنين مر بشجرة للمشركين ؛

يقال لها: ذات أنواط يعلقون عليها أسلحتهم، قالوا يا رسول الله اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: 
"سبحان الله هذا كما قال قوم موسى: اجعل لنا إلهًا كما لهم آلهة، والذي نفسي بيده لتركبن سنة من كان قبلكم"  هذا حديث حسن صحيح.

وأبو واقد الليثي اسمه الحارث بن عوف وفي الباب عن أبي سعيد، وأبي هريرة، هذا لفظ الترمذي بحروفه.

وفيه مخالفة لما في الكتاب لفظًا ومعنى، وقد اتفق اللفظان على المقصود هنا.
 وقد رواه أحمد وأبو داود وأبو يعلى وابن أبي شيبة والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني بنحوه. وروى ابن أبي

حاتم وابن مردويه والطبراني من طريق كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف [بن زيد] عن أبيه عن جده نحوه أيضًا.

قوله: "عن أبي واقد الليثي". اسمه الحارث بن عوف، كما قال الترمذي، 
وقيل: الحارث بن مالك، صحابي مشهور. مات سنة ثمان وستين وله خمس وثمانون سنة.

قوله: (خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حنين) . في حديث عمرو بن عوف،
 قال: "غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح ونحن ألف ونيف حتى إذا كنا بين حنين والطائف".
 ولا مخالفة بينهما في المعنى، فإن غزوة الفتح وحنين كانتا في سفر واحد.

قوله: "ونحن حدثاء عهد بكفر":
 أي: قريبو عهد بكفر، ففيه دليل أن غيرهم لا يجهل هذا، وأن المنتقل من الباطل الذي اعتاده قلبه لا يأمن أن يكون في قلبه بقية من تلك العادات الباطلة، ذكره المصنف.


قوله:"يعكفون عندها":
الاعتكاف: هو الإقامة على الشيء بالمكان، ولزومها، 
ومنه قوله: {مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ} . وكانوا يعكفون عند هذه السدرة تبركًا بها.

 وفي حديث عمرو بن عوف قال،: كان يناط بها السلاح فسميت ذات أنواط، وكانت تعبد من دون الله، فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم صرف عنها في يوم صائف إلى ظل هو أدنى منها. 
الحديث فيجمع بينهما بأن عبادتها هي العكوف عندها رجاء لبركتها.


قوله: "وينوطون بها أسلحتهم":
 أي: يعلقونها عليها للبركة

قوله: يقال لها: ذات أنواط.

قال أبو السعادات: سألوه أن يجعل لهم مثلها فنهاهم عن ذلك.

وأنواط جمع نوط، وهو مصدر سمي به المنوط.

قوله: (فقلنا: يا رسول الله اجعل لنا ذات أنواط):
 أي. شجرة

مثلها نعلق عليها، ونعكف حواليها، ظنوا أن هذا أمر محبوب عند الله فقصدوا التقرب إلى الله بذلك، وإلا فهم أجل قدرًا، وإن كانوا حديثي عهد بكفر عن قصد مخالفة النبي صلى الله عليه وسلم.

قوله:"فقال النبي صلى الله عليه وسلم الله أكبر".
 هكذا في بعض الروايات. 
وفي رواية الترمذي "سبحان الله" والمقصود باللفظين واحد، لأن المراد تعظيم الله، وتنْزيهه عن الشرك، والتقرب به إليه، وفيه تكبير الله وتنْزيهه عند التعجب، أو ذكر الشرك، خلافًا لمن كرهه.

قوله: "إنها السنن". بضم السين، أي: الطرق.

قوله: "قلتم والذي نفسي بيده كما قالت بنو إسرائيل لموسى: اجعل لنا إلها. إلخ". 

أخبر صلى الله عليه وسلم أن هذا الأمر الذي طلبوه منه، وهو اتخاذ شجرة للعكوف عندها، وتعليق الأسلحة بها تبركاً كالأمر الذي طلبه بنو إسرائيل من موسى عليه السلام حيث قالوا: (اجعل لنا إلهًا كما لهم آلهة) ،

 فإذا كان اتخاذ شجرة لتعليق الأسلحة، والعكوف عندها، اتخاذ إله مع الله مع أنهم لا يعبدونها، ولا يسألونها، 
فما الظن بما حدث من عباد القبور من دعاء الأموات، والاستغاثة بهم، والذبح، والنذر لهم، والطواف بقبورهم، وتقبيلها، وتقبيل أعتابها وجدرانها، والتمسح بها، والعكوف عندها، وجعل السدنة والحجاب لها؟!

 وأي نسبة بين هذا، وبين تعليق الأسلحة على شجرة تبركًا؟!

قال الإمام أبو بكر الطرطوشي من أئمة المالكية: فانظروا رحمكم الله أينما وجدتم سدرة أو شجرة يقصدها الناس، ويعظمونها، ويرجون البرء والشفاء من قبلها، ويضربون بها المسامير والخرق، 
فهي ذات أنواط فاقطعوها.

وقال الحافظ أبو محمد عبد الرحمن بن إسماعيل الشافعي المعروف بأبي شامة في كتاب
 "البدع والحوادث":
 ومن هذا القسم أيضًا ما قد عم الابتلاء به من تزيين الشيطان للعامة، 
تخليق الحيطان والعمد، وسرج مواضع مخصوصة في كل بلد يحكي لهم حاكٍ أنه رأى في منامه بها أحدًا ممن شهر بالصلاح والولاية فيفعلون ذلك، 
ويحافظون عليه مع تضييعهم فرائض الله تعالى وسننه، ويظنون أنهم متقربون بذلك، ثم يتجاوزون هذا إلى أن يعظم وقع تلك الأماكن في قلوبهم فيعظمونها، ويرجون الشفاء لمرضاهم وقضاء حوائجهم بالنذر لهم، وهي من بين عيون وشجر وحائط وحجر، وفي مدينة دمشق صانها الله من ذلك مواضع متعددة كعوينة الحما خارج باب توما، والعمود المخلق داخل باب الصغير، والشجرة الملعونة اليابسة خارج باب النصر في نفس قارعة الطريق، سهل الله قطعها واجتثاثها من أصلها، فما أشبهها بذات أنواط الواردة في الحديث!


 ثم ذكر الحديث المتقدم، وكلام الطرطوشي الذي ذكرنا، ثم قال: 
ولقد أعجبني ما صنعه الشيخ أبو إسحاق الجبنياني_ رحمه الله أحد الصالحين ببلاد أفريقية في المائة الرابعة حكى عنه صاحبه الصالح أبو عبد الله محمد ابن أبي العباس المؤدب أنه كان إلى جانبه عين تسمى عين العافية، كان العامة قد افتتنوا بها يأتونها من الآفاق، من تعذر عليها نكاح أو ولد قالت: 
امضوا بي إلى العافية، فتعرف بها الفتنة،

 قال أبو عبد الله: فأنا في السحر ذات ليلة إذ سمعت أذان أبي إسحاق نحوها، فخرجت فوجدته قد هدمها وأذن الصبح عليها 
ثم قال: اللهم إني هدمتها لك فلا ترفع لها رأسًا، 
قال: فما رفع لها رأس إلى الآن.

قلت: أبو إسحاق الذي هدمها إمام مشهور من أئمة المالكية زاهد اسمه إبراهيم بن أحمد بن علي بن أسلم، وكان الإمام أبو محمد ابن أبي زيد يعظم شأنه، 
ويقول: طريق أبي إسحاق خالية لا يسلكها أحد في الوقت، 
وكان القابسي يقول: الجبنياني إمام يقتدى به. مات سنة تسع وستين وثلاثمائة.

وذكر ابن القيم نحو ما ذكره أبو شامة، ثم قال: فما أسرع أهل الشرك إلى اتخاذ الأوثان من دون الله، ولو كانت ما كانت، 

ويقولون: إن هذا الحجر، وهذه الشجرة، وهذه العين تقبل النذر،
 أي: تقبل العبادة من دون الله، فإن النذر عبادة وقربة يتقرب بها الناذر إلى المنذور له.

وسيأتي شيء يتعلق بهذا الباب عند قوله:
 "اللهم لا تجعل قبري وثنًا يعبد" .
 وفي هذه الجملة من الفوائد:
أن ما يفعله من يعتقد في الأشجار والقبور والأحجار من التبرك بها، والعكوف عندها، والذبح لها، هو الشرك، ولا يغتر بالعوام والطغام، ولا يستبعد كون هذا شركًا، ويقع في هذه الأمة.
 فإذا كان بعض الصحابة ظنوا ذلك حسنًا، وطلبوه من النبي صلى الله عليه وسلم حتى بين لهم أن ذلك كقول بني إسرائيل:
 اجعل لنا إلهًا، فكيف بغيرهم مع غلبة الجهل وبعد العهد بآثار النبوة؟ .
وفيها أن الاعتبار في الأحكام بالمعاني لا بالأسماء، ولهذا جعل النبي صلى الله عليه وسلم طلبتهم كطلبة بني إسرائيل، ولم يلتفت إلى كونهم سموها ذات أنواط، فالمشرك وإن سمى شركه ما سماه، 
كمن يسمي دعاء الأموات، والذبح لهم والنذر ونحو ذلك تعظيمًا ومحبة، فإن ذلك هو الشرك، وإن سماه ما سماه، وقس على ذلك.

_ وفيها:
 أن من عبد فهو إله، لأن بني إسرائيل والذين سألوا النبي صلى الله عليه وسلم،لم يريدوا من الأصنام والشجرة الخلق والرزق، وإنما أرادوا البركة، والعكوف عندها، فكان ذلك اتخاذًا له مع الله تعالى.

_وفيها: 
أن معنى الإله هو المعبود، وأن من أراد أن يفعل الشرك جهلاً فنهي عن ذلك فانتهى لا يكفر. وأن لا إله إلا الله

تنفي هذا الفعل مع دقته وخفائه على أولئك الصحابة. ذكره الشيخ محمد بن عبد الوهاب_رحمه الله ،
 فكيف بما هو أعظم منه؟
 ففيه رد على الجهال الذين يظنون أن معناها الإقرار بأن الله خالق كل شيء، وأن ما سواه مخلوق ونحو ذلك من العبارات، والإغلاظ على من وقع منه ذلك جهلاً.

قوله: "لتركبن" :بضم الموحدة، 
أي: لتتبعن أنتم أيها الأمة سنن من كان قبلكم
 بضم السين، 
أي: طرقهم ومناهجهم وأفعالهم، ويجوز فتح السين، وهذا خبر صحيح وجد كما أخبر صلى الله عليه وسلم ففيه دليل على شهادة أن محمدًا رسول الله.


وفي الحديث من الفوائد غير ما تقدم:

 النهي عن التشبه بأهل الجاهلية من أهل الكتاب والمشركين، وأنه متقرر عندهم أن العبادات مبناها على الأمر، فصار فيها التنبيه على مسائل القبر،
 أما من ربك؟ فواضح، وأما من نبيك؟
 فمن إخباره بأنباء الغيب، وأما ما دينك؟ 
فمن قولهم: اجعل لنا إلهًا إلى آخره،

 قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب _رحمه الله وفيه أن 
الشرك لا بد أن يقع في هذه الأمة كما وقع فيمن قبلها، ففيه رد على من قال:
 إن الشرك لا يقع في هذه الأمة، وفيه سد الذرائع والغضب عند التعليم، وأن ما ذم الله به اليهود والنصارى، فإنه لنا لنحذره،
 ذكر ذلك الشيخ محمد بن عبد الوهاب.

تنبيه: 
ذكر بعض المتأخرين أن التبرك بآثار الصالحين مستحب كشرب سؤرهم، والتمسح بهم أو بثيابهم، وحمل المولود إلى أحد منهم ليحنكه بتمرة حتى يكون أول ما يدخل جوفه ريق الصالحين، والتبرك بعرقهم.... ونحو ذلك، 
وقد أكثر من ذلك أبو زكريا النووي في "شرح مسلم" في الأحاديث التي فيها أن الصحابة فعلوا شيئًا من ذلك مع النبي صلى الله عليه وسلم وظن أن بقية الصالحين في ذلك كالنبي صلى الله عليه وسلم.

وهذا خطأ صريح لوجوه:

_ منها:
 عدم المقاربة فضلاً عن المساواة للنبي صلى الله عليه وسلم في الفضل والبركة.

_ ومنها: 
عدم تحقق الصلاح، فإنه لا يتحقق إلا بصلاح القلب، وهذا أمر لا يمكن الاطلاع عليه إلا بنص، كالصحابة الذين أثنى الله عليهم ورسوله، أو أئمة التابعين،

ومن شهر بصلاح ودين كالأئمة الأربعة ونحوهم من الذين تشهد لهم الأمة بالصلاح وقد عدم أولئك،
 أما غيرهم، فغاية الأمر أن نظن أنهم صالحون فنرجو لهم. 

_ومنها:
 أنا لو ظننا صلاح شخص، فلا نأمن أن يختم له بخاتمة سوء، والأعمال بالخواتيم، فلا يكون أهلاً للتبرك بآثاره.

_ومنها: 
أن الصحابة لم يكونوا يفعلون ذلك مع غيره لا في حياته، ولا بعد موته، ولو كان خيرًا لسبقونا إليه، فهلا فعلوه مع أبي بكر وعمر وعثمان وعلي ونحوهم من الذين شهد لهم النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة، وكذلك التابعون، هلا فعلوه مع سعيد بن المسيب وعلي بن الحسين وأويس القرني، والحسن البصري ونحوهم ممن يقطع بصلاحهم، فدل أن ذلك مخصوص بالنبي صلى الله عليه وسلم.

_ومنها: 
أن فعل هذا مع غيره صلى الله عليه وسلم لا يؤمن أن يفتنه، وتعجبه نفسه، فيورثه العجب والكبر والرياء، فيكون هذا كالمدح في الوجه بل أعظم.

........     ..........
الشيخ ابن باز شرح كتاب التوحيد للشيخ محمد بن عبد الوهاب _رحمه الله 
"  باب من تبرك بشجر أو حجر ونحوهما  "

وقول الله تعالى: أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى [النجم:19].

عن أبي واقد الليثي قال:
 "خرجنا مع رسول الله صلي الله وعليه وسلم إلى حنين ونحن حدثاء عهد بكفر، وللمشركين سدرة يعكفون عندها وينوطون بها أسلحتهم يقال لها ذات أنواط. فمررنا بسدرة، 
فقلنا: يا رسول الله، اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط، فقال رسول الله صلي الله وعليه وسلم : 
الله أكبر، إنها السنن. 
قلتم والذي نفسي بيده كما قالت بنو إسرائيل لموسى: اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ [الأعراف:138]،
 لتركبن سنن من كان قبلكم" رواه الترمذي وصححه.

يقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب _رحمه الله:
 "باب: من تبرك بشجرة أو حجر أو نحوهما"،
 كالقبر والصنم ونحو ذلك، 
والتبرك بها طلب البركة منها؛ كما يفعل عباد القبور وعباد الأشجار والأحجار، ترك الجواب 
لأنه معلوم المعنى فقد أشرك، باب من تبرك:
 أي حكمه أنه قد أشرك، وهذا هو الجواب، من تبرك يعني باب حكم من تبرك.. إلخ أو باب: من تبرك بشجرة أو حجرة أو نحوهما يعني فقد أشرك،
 ترك الجواب ليتدبر الطالب ويتأمل الطالب الحكم مما ذكر في الآية والحديث،
 والتبرك بالأشجار والأحجار من طبيعة ومن عمل الجاهلية وأخبارهم وأعمالهم المعروفة، فكانوا يتبركون بالأشجار والأحجار والأصنام ويدعونها ويستغيثون بها وينذرون لها، إلى غير ذلك، فجاء الله بالإسلام فأبطل ذلك، وبين لهم النبي صلي الله وعليه وسلم أنها لا تنفعهم ولا تضرهم، وأن عملهم هذا باطل، وأمرهم بترك ذلك، والبراءة من ذلك، وألا يعبدوا إلا الله وحده سبحانه وتعالى، فمنهم من أجاب وهم السعداء، وهم الأقلون، ومنهم من كفر وأنكر وهم الأكثرون، 
قال تعالى: وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ [يوسف:103] ولكن العرب الموجودين في الجزيرة أجاب أكثرهم ودخلوا في دين الله بعدما فتح الله مكة، ودخل الناس في دين الله أفواجا، 
قال تعالى: 
"   أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى ۝ وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى ۝ أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثَى ۝ تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى "[النجم:19-22] 
المعنى كما قال في التفسير: 
يعني أنفعت أم ضرت؟
 حتى تعبدوها من دون الله؟ المعنى أنها لم تنفع ولم تضر، وأنها ليس عندها فائدة، ولكنه الجهل والضلال، فأي فائدة عند شجرة وهي العزى، أو صخرة وهي اللات التي كان يلت عليها السويق أو نفسه هو وجسده وقبره، أي فائدة عند هؤلاء وهكذا مناة الصخرة ... عند قديد بما يلي ساحل البحر؛ 
فهذه الثلاث التي عبدها المشركون في الجاهلية:
 العزى في مكة لأهل مكة ومن كان على طريقهم، واللات لأهل الطائف ومن كان على مذهبهم ونهجمهم واتباعهم، ومناة لأهل المدينة ومن كان على نهجم في ذلك، هؤلاء هذه الأصنام الثلاثة، وهذه الأوثان الثلاثة كانت تعبد من دون الله، وكانت تعظم عند جاهلية العرب، فلما جاء الله بالإسلام أزالها النبي صلي الله وعليه وسلم وقطع الشجرة وهدم اللات وكسر مناة، وانتهى أمرها والحمد لله، ولكن في آخر الزمان تعود هذه الأمور 
كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تذهب الليالي والأيام حتى تعبد اللات والعزى، نسأل الله السلامة والعافية .

وكان من عملهم عندها: 
سؤالها، والتبرك بها، والنذر لها، والاستغاثة بها، ونحو ذلك من أعمالهم الخبيثة، فأبطلها الله بالإسلام وأمر الله عباده أن يعبدوه وحده، وأن يدعوه وحده، وأن يسألوه البركة جل وعلا، هو الذي بيده البركة وبيده كل شيء سبحانه وتعالى، ليس بيد العزى أو اللات أو بقية الأصنام أو الأشجار التي عبدها أهل الشرك؛
 بل كل هذا بيده ، هو المبارك وعبده المبارك، 
وهو الذي بيده الضر والنفع والعطاء والمنع، وهو الذي يجب أن يعبد وحده كما قال سبحانه: 
"  يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ [البقرة:21] وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ   "
[الإسراء:23]
"   إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ   "
[الفاتحة:5]
 فهذه الأصنام قضي عليها بعد الفتح بعدما فتح الله عليه مكة وبعد وقعة هوزان وحنين قضي على هذه الأصنام، وهدمت وأزيلت، وعبد الناس الله وحده ، والحمد لله.

في حديث أبي واقد الليثي: قال خرجنا مع رسول الله عام حنين وللمشركين سدرة يعكفون عندها وينوطون بها أسلحتهم، يقال لها: ذات أنواط، 
فقلنا: يا رسول الله اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط،

 قوله: "ونحن حدثاء عهد بكفر":
 يعني: نحن قريب عهدنا بكفر يعني الآن أسلمنا من قريب ولهذا كالعذر ولهذا جهلنا هذا الأمر،

 "وللمشركين سدرة" : السدرة معروفة سدرة واحدة السدر: الشجرة المعروف، يقال لها: النبق، 

"يعكفون عندها" :
يعني: يقيمون عندها، العكوف الإقامة واللبث، 

"وينوطون" :
يعلقون بها أسلحتهم للتبرك بها، يقولون: إذا علق السيف بها كان أمضى له وأقوى وأسد، 

"يقال لها: ذات أنواط"
 يسمى باسم ما يعلق عليها ذات أنواط، فمررنا بسدرة في رواية: خضراء، "فقلنا: يا رسول الله اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط":
 يعني اجعل لنا شجرة مثلهم نعلق عليها السلاح ونتبرك بها، فعند هذا غضب صلي الله وعليه وسلم
 وقال: الله أكبر هذه عادته صلي الله وعليه وسلم إذا رأى شيئا ينكر قال: الله أكبر أو قال: سبحان الله، هذا هو السنة، وليست السنة التصفيق، التصفيق من أعمال الجاهلية،
 أما الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه فكانوا إذا رأوا شيئا يعجبهم كبروا، ولهذا قال هنا: الله أكبر، وهكذا إذا رأى شيئا منكرا الله أكبر أو سبحان الله كما قاله النبي صلي الله وعليه وسلم في مواضع كثيرة، ولما أخبرهم صلي الله وعليه وسلم  أنه يرجو أن يكونوا ربع أهل الجنة قال: فكبرنا، 
قال: فأرجو أن تكون ثلث أهل الجنة قال: فكبرنا، 
قال: فأرجو أن تكون شطر أهل الجنة، قال: فكبرنا، إنها السنن يعني إن هذه الأمور هي سنن من قبلكم، 

يعني: إن عبادة الأشجار والأحجار والتأسي بالآباء والأسلاف هي السنة المعروفة عند الناس، 

يعني: هي الطريقة المعروفة يتأسى آخرهم بأولهم، إنها السنن

 يعني الطرق المتبوعة المعروفة:
 " إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ " [الزخرف:23]

 ثم قال: "قلتم والذي نفسي بيده" يحلف بالله عز وجل؛ لأن النفوس بيد الله، نفوس العباد كلها بيد الله .

قلتم والذي نفسي بيده يعني: والله، كما قالت بنو إسرائيل إسرائيل هو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليه الصلاة والسلام، وبنوه هم اليهود، ومن انتسب إلى إسرائيل، قلتم والذي نفسي بيده كما قالت بنو إسرائيل لموسى:
 اجعل لنا إلها كما لهم آلهة فهؤلاء اليهود قالوا لموسى هذا الكلام -بنو إسرائيل- فأنكر عليهم موسى عليه الصلاة والسلام، وبين بطلان ما هم عليه، وأنه متبر وباطل ما كانوا يعملون، وأن الواجب عليهم أن يعبدوا الله وحده، فهكذا هؤلاء تأسوا بأولئك، وقالوا مثلهم جهلا لم يعرفوا أن هذا لا يجوز، فلهذا قالوا هذه المقالة جهلًا، 
ولهذا قال في أول الحديث: 
ونحن حدثاء عهد بكفر، يعني قريب عهدنا بكفر، لم نتفقه كثيرا، فلهذا خفي علينا هذا الأمر، فأنكر عليهم صلي الله وعليه وسلمي، 
وقال: قلتم والذي نفسي بيده كما قالت بنو إسرائيل لموسى:
 اجعل لنا إلها كما لهم آلهة هذا يبين لنا أن الاعتبار بالحقائق والمعاني لا بالألفاظ، هم قالوا: اجعل لنا ذات أنواط، وبنو إسرائيل قالوا: اجعل لنا إلها، والمعنى واحد،
 المعنى: اجعل لنا شيئا نعبده ونعظمه ونتبرك به كما فعل بنو إسرائيل لموسى حين قالوا :
 اجعل لنا إلها كما لهم آلهة.

ولهذا يبين لنا أن العبرة في المعنى والحقائق لا بالألفاظ المجردة، فإذا قال الإنسان للباطل بأي لفظ فهو باطل، وإن كان ليس لفظ الأولين السابقين، قال الله في بني إسرائيل: إنكم قوم تجهلون 
" إِنَّ هَؤُلَاءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ "[الأعراف:139] لتركبن سنن من كان قبلكم، ثم قال صلي الله وعليه وسلم ، 
بعدها: لتركبن سنن من كان قبلكم يضبط بفتح السين وضمها، سَنَن طريق، سُنَن طرق، 

هذا يبين لنا أن هذه الأمة تسلك مسالك من كان قبلها، وأنها تبتلي بما ابتلي بها من قبلها من الأمم من عبادة الأشجار والأحجار والأصنام والغلو في الصالحين والغلو في الأنبياء وغير هذا، 
وقد وقع هذا للناس الذي أخبر به النبي صلي الله وعليه وسلم،
 قد وقع في الناس حتى عبدت القبور وعظمت وبني عليها القباب والمساجد وعبدت الأصنام من دون الله والأشجار كل هذا قد وقع،
 والمقصود من هذا التحذير والتبيين أن هذا سوف يقع فاحذروه، 

وهكذا قوله صلي الله وعليه وسلم في حديث أبي سعيد في الصحيحين:
 لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة .. الحديث، فالرسول يحذرنا من اتباع من قبلنا من أهل الباطل والشر، وأن الواجب على العبد أن يسلك مسلك الأنبياء والصالحين، 
وأن يأخذ طريقهم ويستقيم على نهجهم الصالح
 وأن يحافظ على ذلك، ويسل ربه الثبات على ذلك، وألا يغتر بمن هلك وضل من الأمم، وألا يسلك سبيلهم في عبادة الأشجار أو الأحجار أو الأصنام أو غير هذا مما عبده المشركون الأولون، فالطريق السليم والصراط المستقيم هو أن تعبد الله وحده، وأن تسلك مسلك الأنبياء والصالحين الذين تابعوا الأنبياء وساروا على نهجهم، هذا هو الطريق الناجي والسعيد وهذا هو الصراط المستقيم، وهذا هو مسلك الأخيار من عباد الله المؤمنين،
 أما اتباع الضالين والسير على نهجهم فهذا نهج المغضوب عليهم ونهج الضالين ونهج فارس والروم ونهج من خالف الشرع، 
تعليقات