حكم سب الدهر ؛شرح كتاب التوحيد للشيخ محمد بن عبد الوهاب_رحمه الله
شرح كتاب التوحيد للشيخ محمد بن عبد الوهاب _رحمه الله
" باب من سب الدهر فقد آذى الله "
مناسبة هذا الباب لكتاب التوحيد ظاهرة،
لأن سب الدهر يتضمن الشرك كما سيأتي بيانه.
ولفظ الأذى في اللغة هو لما خف أمره، وضعف أثره من الشرك والمكروه. ذكره الخطابي.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية _ رحمه الله:
وهو كما قال وهذا بخلاف الضرر، فقد أخبر سبحانه أن العباد لا يضرونه
كما قال تعالى: {وَلا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئاً} .
فبين سبحانه أن الخلق لا يضرونه، لكن يؤذونه إذا سبوا مقلب الأمور.
وقال تعالى: {وَقَالُوا مَا هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلاَّ الدَّهْرُ ... } .
وقال ابن كثير: يخبر تعالى عن قول الدهرية من الكفار ومن وافقهم من مشركي العرب في إنكار المعاد :{وَقَالُوا مَا هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا} .
قال ابن جرير: أي: ما حياة إلا حياتنا التي نحن فيها، ولا حياة سواها تكذيبًا منهم بالبعث بعد الموت
وقال ابن كثير: أي: يموت قوم ويعيش آخرون، وما ثم معاد ولا قيامة.
وهذا يقوله مشركو العرب المنكرون للمعاد، وتقوله الفلاسفة الإلهيون منهم، وهم ينكرون البدأة والرجعة،
وتقوله الفلاسفة الدورية المنكرون للصانع، المعتقدون أن في كل ستة وثلاثين ألف سنة يعود كل شيء إلى ما كان عليه.
فزعموا أن هذا قد تكرر مرات لا تتناهى، فكابروا العقول وكذبوا المنقول،
ولهذا قالوا {وَمَا يُهْلِكُنَا إِلاَّ الدَّهْرُ} .
قال ابن جرير: أي: وما يهلكنا فيفنينا إلا مر الليالي والأيام، وطول العمر إنكارًا منهم أن يكون لهم رب يفنيهم ويهلكهم.
ثم روى بإسناد على شرط "الصحيحين" عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"كان أهل الجاهلية يقولون: إنما يهلكنا الليل والنهار، وهو الذي يهلكنا ويميتنا ويحيينا".
فقال الله في كتابه: {وَقَالُوا مَا هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلاَّ الدَّهْرُ} .
قال فيسبون الدهر فقال الله تبارك وتعالى:
"يؤذيني ابن آدم يسب الدهر وأنا الدهر أقلب الليل والنهار"
قوله: {وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ} .
قال ابن جرير: يعني: من يقين علم {إِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ} . قال ابن كثير: يتوهمون ويتخيلون.
.......... .......... ........
الشيخ ابن باز شرح كتاب التوحيد للشيخ محمدبن عبد الوهاب _رحمه الله
" باب من سب الدهر فقد آذى الله "
وقول الله تعالى وقالوا:
" مَا هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلاَّ الدَّهْرُ " [الجاثية: 24].
في الصحيح عن أبي هريرة عن النبي صلي الله وعليه وسلم قال: قال تعالى: يؤذيني ابن آدم، يسب الدهر، وأنا الدهر أقلب الليل والنهار.
وفي رواية: لا تسبوا الدهر؛ فإن الله هو الدهر.
فهذا الباب بيان منع سب الدهر ؟!
لأن كثيرًا من الناس لجهله إذا ضاقه أمر وحزبه أمر سب الدهر، لا بارك الله في هذه السنة، لا بارك الله في هذه الساعة، لا بارك الله في هذا اليوم، أو ما أشبه ذلك لجهله، فلا يجوز سب الدهر،
بل ذلك من التأسي بالجاهلية،
حيث قالوا:
" مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ " [الجاثية: 24]
ما عندهم إيمان بالآخرة والبعث والجزاء، فالله جل وعلا هو مقلب الدهر، والدهر هو الزمان والله خالقه ومقلب ليله ونهاره فلا يسب فليس في يده شيء لا ينفع ولا يضر الدهر، وليس في يد الدهر عطاء ولا منع، بل هو مخلوق ومدبر ليل ونهار بأمر الله جل وعلا، ولهذا قال صلي الله وعليه وسلم :
لا تسبوا الدهر؛ فإن الله هو الدهر
وفي اللفظ الآخر: مقلب ليله ونهاره،
وفي اللفظ الآخر: يقلب الليل والنهار، فأنا الدهر يعني خالقه ومدبره ومسيره في ليله ونهاره.
وفي اللفظ الآخر يقول الله جل وعلا:
يؤذيني ابن آدم يسب الدهر وأنا الدهر أقلب ليله ونهاره، فهذا يدل على أن سب الدهر أذية لله وإغضاب لله فلا يجوز سبه لا بالشتم ولا بغيره، لا يقال:
لعن الله الدهر أو فعل الله بالدهر، أو أشغلنا هذا الدهر، أو لا بارك الله في هذا الزمان أو في هذه الليلة أو في هذه الساعة كل هذا لا يجوز، بل إذا أصابه شيء يكرهه يقول:
قدر الله وما شاء فعل إنا لله وإنا إليه راجعون، يسأل ربه العافية والسلامة فالدهر ليس بيده شيء، ليل ونهار مدبران مسيران فليس في يدهما عطاء ولا منع، ولا شدة ولا رخاء ولا خير ولا شر بل هما آيتان من آيات الله سخرهما لعباده جل وعباه،
كما قال تعالى:
" وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ " [القصص: 73].
وقال تعالى:
" وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ " [يس: 40]
فهذه الآيات من أرض وسماء ونجوم وليل ونهار كل ذلك من تسخير الله ومن خلق الله لهؤلاء العباد لينتفعوا بشمسهم وقمرهم وليلهم ونهارهم وحرهم وبردهم وسائر ما خلق الله لهم،
قال تعالى:
" هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا "
[البقرة: 29].
وقال تعالى:
" وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ "[الجاثية: 13]
منه عطاء ونعمة وإحسانًا إلى عباده، فلا يجوز مقابلة هذا الإحسان وهذا الخير بالسب للدهر،
ولكن تقول: قدر الله وما شاء فعل،
مثل ما جاء في الحديث الصحيح حديث أبي هريرة يقول النبي صلي الله وعليه وسلم :
المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير، ثم يقول صلي الله وعليه وسلم :
احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجزن، وإن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت كذا لكان كذا وكذا، ولكن قل قدر الله وما شاء فعل؛
فإن لو تفتح عمل الشيطان، وقال سبحانه:
" وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ "[البقرة: 155- 157].
هذا هو الحكم الشرعي وهذا هو الأدب الشرعي.