حكم الخوف من الشرك ؛شرح كتاب التوحيد للشيخ محمد بن عبد الوهاب


حكم الخوف من الشرك ؛شرح كتاب التوحيد للشيخ محمد بن عبد الوهاب _رحمه الله


شرح كتاب التوحيد للشيخ محمد بن عبد الوهاب _رحمه الله"

"  باب الخوف من الشرك  "


 لما كان الشرك أعظم ذنب عُصِيَ الله به، ولهذا رتب عليه من عقوبات الدنيا والآخرة ما لم يرتبه على ذنب سواه، 

من إباحة دماء أهله وأموالهم، وسبي نسائهم وأولادهم، وعدم مغفرته من بين الذنوب إلا بالتوبة منه; 

 وينبغي للمؤمن أن يخاف منه ويحذره ويعرف أسبابه ومبادئه وأنواعه لئلا يقع فيه، 

ولهذا قال حذيفة_رضي الله عنه : 

"كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير، وكنت أساله عن الشر مخافة أن أقع فيه". رواه البخاري. 


وذلك أن من لم يعرف إلا الخير قد يأتيه الشر ولا يعرف أنه شر فإما أن يقع فيه، وإما أن لا ينكره كما ينكره الذي عرفه،

 ولهذا قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: 

"إنما تنقض عرى الإسلام عروة عروة إذا نشأ في الإسلام من لم يعرف الجاهلية ".


قال شيخ الإسلام ابن تيمية _رحمه الله: 

وهو كما قال عمر، فإن كمال الإسلام هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتمام ذلك بالجهاد في سبيل الله، ومن نشأ في المعروف، فلم يعرف غيره، فقد لا يكون عنده من العلم بالمنكر وضرره ما عند مَنْ عَلِمَهُ، 

ولا يكون عنده من الجهاد لأهله ما عند الخبير بهم; ولهذا يوجد في الخبير بالشر وأسبابه إذا كان حسن القصد عنده من الاحتراز

عنه والجهاد لهم ما ليس عند غيره، ولهذا كان الصحابة أعظم إيمانًا وجهادًا ممن بعدهم لكمال معرفتهم بالخير والشر، وكمال محبتهم للخير وبغضهم للشر لما علموه من حسن حال الإيمان والعمل الصالح، وقُبْح حال الكفر والمعاصي.


قال: وقول الله: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} .


قال ابن كثير: 

أخبر تعالى أنه {لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ} ، أي: {لا يَغْفِرُ} لعبد لقيه وهو مشرك به، {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ} ، 

أي: من الذنوب {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ} من عباده.


قلت: فتبين بهذا أن الشرك أعظم الذنوب، لأن الله تعالى أخبر أنه لا يغفره،

 أي: إلا بالتوبة منه، وما عداه، فهو داخل تحت مشيئة الله إن شاء غفره بلا توبة وإن شاء عذب به.

 وهذا يوجب للعبد شدة الخوف من هذا الذنب الذي هذا شأنه عند الله، وإنما كان كذلك؟ 

_ لأنه أقبح القبح وأظلم الظلم إذ مضمونه تنقيص رب العالمين، وصرف خالص حقه لغيره، وعدل غيره به كما قال تعالى: {ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ} . 


_ ولأنه مناقض للمقصود بالخلق والأمر منافٍ له من كل وجه، وذلك غاية المعاندة لرب العالمين، والاستكبار عن طاعته والذل له، 

والانقياد لأوامره الذي لا صلاح للعالم إلا بذلك. فمتى خلا منه خرب وقامت القيامة، 

كما قال صلى الله عليه وسلم "لا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض: الله الله"  رواه مسلم.


_ولأن الشرك تشبيه للمخلوق بالخالق ـ تعالى وتقدس ـ في خصائص الإلهية من ملك الضر والنفع، والعطاء والمنع الذي يوجب تعلق الدعاء والخوف والرجاء والتوكل وأنواع العبادة كلها بالله وحده.

 فمن علق ذلك لمخلوق فقد شبهه بالخالق، وجعل من لا يملك لنفسه 

{ضرًا ولا نفعًا ولا ... موتًا ولا حياة ولا نشورًا} [الفرقان]_ فضلاً عن غيره ـ شبيهًا بمن {لَهُ الْخَلْقُ}كله، 

{وَلَهُ الْمُلْكُ} كله وبيده الخير كله، 

{وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ} . فَأَزِمَّة الأمور كلها بيديه سبحانه، ومرجعها إليه فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، لا مانع لما أعطى، ولا معطي لما منع، الذي إذا فتح للناس {رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} . 

فأقبح التشبيه تشبيه العاجز الفقير بالذات القادر الغني بالذات، ومن خصائص الإلهية الكمال المطلق من جميع الوجوه الذي لا نقص فيه بوجه من الوجه، وذلك يوجب أن تكون العبادة كلها له وحده، والتعظيم والإجلال والخشية والدعاء والرجاء والإنابة والتوكل والتوبة والاستعانة وغاية الحب مع غاية الذل،

 كل ذلك يجب عقلاً وشرعًا وفطرة أن يكون لله وحده، ويمتنع عقلاً وشرعًا وفطرة أن يكون لغيره، فمن فعل شيئًا من ذلك لغيره، فقد شبه ذلك الغير بمن لا شبيه له ولا مثل له ولا ند له، وذلك أقبح التشبيه وأبطله، فلهذه الأمور وغيرها أخبر سبحانه أنه لا يغفره مع أنه {كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} ، فهذا معنى كلام ابن القيم.


وفي الآية رد على الخوارج المكفِّرين بالذنوب، وعلى المعتزلة القائلين بأن أصحاب الكبائر يدخلون النار ولا بد، ولا يخرجون منها، وهم أصحاب المنْزلة بين المنْزلتين. ووجه ذلك أن الله تعالى جعل مغفرة ما دون الشرك معلقة بالمشيئة،

 ولا يجوز أن يحمل هذا على التأكيد، فإن التائب لا فرق في حقه بين الشرك وغيره. كما قال تعالى في الآية الأخرى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً} . 

فهنا عمم وأطلق؛ 

لأن المراد به التائب، وهناك خص وعلق؛ 

لأن المراد به ما لم يتب. قاله شيخ الإسلام.


قوله: وقال الخليل عليه السلام: {وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأَصْنَامَ} .


(الصنم) : ما كان منحوتًا على صورة البشر.

 والوثن: ما كان منحوتًا على غير ذلك. 

ذكره الطبري عن مجاهد. والظاهر أن الصنم ما كان مصورًا على أي صورة، والوثن بخلافه كالحجر والبينة، 

وإنكان الوثن قد يطلق على الصنم، ذكر معناه غير واحد، ويروى عن بعض السلف ما يدل عليه. 

وقوله: {وَاجْنُبْنِي} :أي: اجعلني {وَبَنِيَّ} في جانب عن عبادة الأصنام، وباعد بيني وبينها.

 قيل: وأراد بذلك بنيه وبناته من صلبه، ولم يذكر البنات لدخولهم تبعا في البنين، وقد استجاب الله دعاءه وجعل بنيه أنبياء وجنبهم عبادة الأصنام، وإنما دعا إبراهيم عليه السلام بذلك، 

لأن كثيرًا من الناس افتتنوا بها، كما قال: {رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ} . 


فخاف من ذلك ودعا الله أن يعافيه وبنيه من عبادتها، فإذا كان إبراهيم عليه السلام يسأل الله أن يجنبه ويجنب بنيه عبادة الأصنام، فما ظنك بغيره؟ 

كما قال إبراهيم التيمي: ومن يأمن من البلاء بعد إبراهيم؟! رواه ابن جرير، وابن أبي حاتم، وهذا يوجب للقلب الحي أن يخاف من الشرك، لا كما يقول الجهال: إن الشرك لا يقع في هذه الأمة، ولهذا أمنوا الشرك فوقعوا فيه..


(  بيان أن الرياء من الشرك الأصغر  )


قال: وفي الحديث :

"أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر، فسئل عنه فقال: الرياء" ..


هكذا أورد الشيخ محمدبن عبد الوهاب _رحمه الله

 هذا الحديث مختصرًا غير معزوّ، وقد رواه الإمام أحمد والطبراني، وابن أبي الدنيا، والبيهقي في " الزهد" ; وهذا لفظ أحمد قال: حدثنا يونس، ثنا ليث عن يزيد، يعني ابن الهاد، عن عمرو عن محمود بن لبيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: 

"إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر قالوا: وما الشرك الأصغر يا رسول الله؟

 قال: الرياء، يقول الله يوم القيامة إذا جزى الناس بأعمالهم: اذهبوا إلى الذين كنتم تراؤون في الدنيا فانظروا هل تجدون عندهم جزاء" .


قال المنذري: ومحمود بن لبيد رأى النبي صلى الله عليه وسلم ولم يصح له منه سماع فيما أرى. وذكر ابن أبي حاتم أن البخاري قال: له صحبة.

 قال: وقال أبي: لا تعرف له صحبة، ورجح ابن عبد البر والحافظ أن له صحبة وقال: جل روايته عن الصحابة. وقدرواه الطبراني بإسناد جيد عن محمود بن لبيد عن رافع بن خديج.


وقيل: إن حديث محمود هو الصواب دون ذكر رافع. مات محمود سنة ست وتسعين.

 وقيل: سنة سبع، وله تسع وتسعون سنة. 

قوله: "إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر" .

 هذا من رحمته صلى الله عليه وسلم لأمته وشفقته عليهم، وتحذيره مما يخاف عليهم، فإنه ما من خير إلا دلهم عليه وأمر به، وما من شر إلا وأخبرهم به وحذرهم عنه. كما قال صلى الله عليه وسلم فيما صح عنه:

 "ما بعث الله من نبي إلا كان حقًا عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم، وينهاهم عن شر ما يعلمه لهم" . 

ولما كانت النفوس مجبولة على محبة الرياسة والمنْزلة في قلوب الخلق إلا من سلم الله، كان هذا أخوف ما يخاف على الصالحين، لقوة الداعي إلى ذلك، والمعصوم مَنْ عَصَمَهُ الله، 

وهذا بخلاف الداعي إلى الشرك الأكبر، فإنه إما معدوم في قلوب المؤمنين الكاملين، ولهذا يكون. الإلقاء في النار أسهل عندهم من الكفر.

 وإما ضعيف، هذا مع العافية، 

وإما مع البلاء، ف {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ} .

 فلذلك صار خوفه صلى الله عليه وسلم على أصحابه من الرياء أشد لقوة الداعي وكثرته، دون الشرك الأكبر لما تقدم، مع أنه أخبر أنه لا بد من وقوع عبادة الأوثان في أمته، فدل على أنه ينبغي للإنسان أن يخاف على نفسه الشرك الأكبر، 

إذا كان الأصغر مخوفًا على الصالحين من الصحابة مع كمال إيمانهم، فينبغي للإنسان أن يخاف الأكبر لنقصان إيمانه ومعرفته بالله، فهذا وجه إيراد المصنف له هنا مع أن الترجمة تشمل النوعين.


قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب _رحمه الله: 

وفيه أن الرياء من الشرك، وأنه من الأصغر، وأنه أخوف ما يخاف على الصالحين، وفيه قرب الجنة والنار، والجمع بين قربهما في حديث واحد على عمل واحد متقارب في الصورة.


قال: وعن ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من مات وهو يدعو لله ندًا دخل النار" . رواه البخاري.

 

وقال ابن القيم: (الند) : الشبه،

 يقال: فلان ند فلان ونديده، 

أي: مثله وشبهه انتهى. وهذا كما قال تعالى: {فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} . 

وقال تعالى: {وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْدَاداً لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلاً إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ} 


أي: من مات وهو يدع لله ندًا،

 أي: يجعل لله ندًا فيما يختص به تعالى ويستحقه من الربوبية والإلهية، دخل النار، 

لأنه مشرك، فإن الله تعالى هو المستحق للعبادة لذاته، 

لأنه المألوه المعبود الذي تألهه القلوب وترغب إليه، وتفزع إليه عند الشدائد، وما سواه فهو مفتقر إليه، مقهور بالعبودية له، تجري عليه أقداره وأحكامه

 {طوعًا وكرهًا} ، فكيف يصلح أن يكون ندًا؟


 قال الله تعالى: {وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءاً إِنَّ الأِنْسَانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ} .


 وقال: {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِلاَّ آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدّاً وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً} . 


وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} . 

فبطل أن يكون له نديد من خلقه، تعالى عن ذلك

 {علوًا كبيرًا} 


{مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} .


واعلم أن دعاء الند على قسمين:

 أكبر وأصغر، فالأكبر لا يغفره الله إلا بالتوبة منه، 

وهو الشرك الأكبر. 

والأصغر : كيسير الرياء، 

وقول الرجل: ما شاء الله وشئت، ونحو ذلك؛

 فقد ثبت "أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قال له رجل: ما شاء الله وشئت قال: أجعلتني لله ندًا؟ 

بل ما شاء الله وحده" . رواه أحمد وابن أبي شيبة، والبخاري في " الأدب المفرد " والنسائي، وابن ماجة، وقد تقدم حكمه في باب فضل التوحيد.


( من مات وهو يدعو لله ندا دخل النار )

قال: ولمسلم عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: 

"من لقي الله لا يشرك به شيئًا دخل الجنة، ومن لقيه يشرك به شيئًا دخل النار" .


 جابر: هو ابن عبد الله بن عمرو بن حرام ـ بمهملتين ـ الأنصاري ثم السلمي بفتحتين، صحابي جليل مكثر، ابن صحابي، له ولأبيه مناقب مشهورة رضي الله عنهما. مات بالمدينة بعد السبعين، وقد كف بصره  وله أربع وتسعون سنة.


قوله: "من لقي الله لا يشرك به شيئًا".

 قال القرطبي: أي: من لم يتخذ معه شريكًا في الإلهية ولا في الخلق، ولا في العبادة. 

ومن المعلوم من الشرع المجمع عليه عند أهل السنة 

أن من مات على ذلك، فلا بد له من دخول الجنة،

 وإن جرت عليه قبل ذلك أنواع من العذاب والمحنة، 

وإن مات على الشرك لا يدخل الجنة ولا يناله من الله رحمة، ويخلد في النار أبد الآباد من غير انقطاع عذاب، ولا تصرم آماد، وهذا معلوم ضروري من الدين، مجمع عليه بين المسلمين.


وقال النووي: أما دخول المشرك إلى النار، 

فهو على عمومه، فيدخلها ويخلد فيها، ولا فرق فيه بين الكتابي اليهودي والنصراني، وبين عبدة الأوثان وسائر الكفرة من المرتدين والمعطلين، ولا فرق عند أهل الحق بين الكافر عنادًا وغيره، ولا بين من خالف ملة الإسلام، وبين من انتسب إليها ثم حكم بكفره بجحده وغير ذلك.

 وأما دخول من مات غير مشرك الجنة، فهو مقطوع له به، لكن إن لم يكن صاحب كبيرة مات مصرًا عليها دخل الجنة أولاً،

 وإن كان صاحب كبيرة مات مصرًا عليها، فهو تحت المشيئة، فإن عفا عنه دخل الجنة أولاً،

 وإلا عذب في النار ثم أخرج فيدخل الجنة.


وقال غيره: اقتصر على نفي الشرك لاستدعائه التوحيد بالاقتضاء، واستدعائه إثبات الرسالة باللزوم، إذ من كذب رسل الله، فقد كذب الله، ومن كذب الله، 

فهو مشرك، وهو قولك: من توضأ صحت صلاته، 

أي مع سائر الشروط، فالمراد من مات حال كونه مؤمنًا بجميع


ما يجب الإيمان به إجمالاً في الإجمالي، وتفصيلاً في التفصيلي.


قلت: قد تقدم بعض ما يتعلق بذلك في باب فضل التوحيد.


قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب _رحمه الله: 

وفيه تفسير لا إله إلا الله، كما ذكره البخاري في "صحيحه" يعني :

أن معنى لا إله إلا الله: ترك الشرك، وإفراد الله بالعبادة، والبراءة ممن عبد سواه، كما بينه الحديث، وفيه فضيلة من سلم من الشرك.

.....................

قول الشيخ ابن عثيمين في شرح كتاب التوحيد للشيخ محمد بن عبد الوهاب _رحمه الله

"  باب الخوف من الشرك  "


 وقول الله عز وجل: 

إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:48]، 

وقال الخليل عليه الصلاة والسلام: وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأَصْنَامَ [إبراهيم:35]،


 وفي الحديث (أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر فسئل عنه فقال: الرياء)،


 وعن ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من مات وهو يدعو من دون الله نداً دخل النار)، رواه البخاري .


ولـمسلم عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من لقي الله لا يشرك به شيئاً دخل الجنة، ومن لقيه يشرك به شيئاً دخل النار)

الشرح

الشرك أعظم جريمة يقع فيها الإنسان في حق الله سبحانه؛ 

ولذلك لا يغفره الله تعالى.أما ما دونه من الذنوب ولو كان من الكبائر فالله عز وجل يغفرها قال تعالى: وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:48]، 

فلما ذكر هنا الشرك -الذي هو أكبر الكبائر- ذكر أن غيره من الذنوب يغفرها الله سبحانه وتعالى.وإذا تاب العبد فيقيناً أن يغفر الله له ذنوبه وكبائره، أما إذا لم يتب فهو تحت المشيئة إن شاء الله تاب عليه، وإن شاء عذبه. 


وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم تسمية الشرك وبعض الكبائر بالموبقات المهلكات فقال: 

(اتقوا السبع الموبقات المهلكات، قيل: وما هن يا رسول الله! قال: الشرك بالله، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات(...


يقول ابن القيم_ رحمه الله: 

إن الله تعالى أخبر أنه لا يغفر لمن لم يتب من الشرك، أما ما دونه من الذنوب؛ فيغفرها الله وذلك يوجب للعبد شدة الخوف من الشرك الذي هذا شأنه؛

 لأنه أقبح القبيح، وأظلم الظلم أن يظلم الإنسان نفسه بالشرك بالله سبحانه تبارك وتعالى؛

 لأن فيه تنقيص من رب العالمين سبحانه، وصرف خالص حق الله عز وجل لغيره.

 وفيه العدل فيعدل بربه غيره قال سبحانه: ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ [الأنعام:1]، 

يعني: يجعلون معه من يعادله، حاشا لله سبحانه وتعالى.ذلك لأن الشرك ناقض للمقصود بالخلق والأمر، فالله عز وجل وحده التفرد بالخلق، وله وحده الأمر 

قال تعالى: أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ [الأعراف:54] 

فكما أنه تفرد بخلق المخلوقات جميعها كذلك تفرد بالأمر والتشريع؛ فهو الذي يأمر وهو الذي ينهى سبحانه وتعالى.


 يقول ابن القيم _رحمه الله:

 (لأنه مناقض للمقصود بالخلق والأمر، مناف له من كل وجه، وذلك غاية المعاندة لرب العالمين، والاستكبار عن طاعة الله سبحانه، والذل له والانقياد لأوامره الذي لا صلاح للعالم إلا به.فمتى قال ذلك خربت الديار وقامت القيامة).

فاستدل بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض الله الله).."فتح المجيد


ولا يعرف قيمة التوحيد ، وفضل التوحيد ، وتحقيق التوحيد إلا من عرف الشرك وأمور الجاهلية حتى يتجنبها ،


ويحافظ على التوحيد ..  الموحد يجب أن يخاف من الشرك ، ولا يقول : أنا موحد وأنا عرفت التوحيد ، ولا خطر


 علي من الشرك ، هذا إغراء  من الشيطان ، لا أحد يزكي نفسه ، ولا أحد لا يخاف من الفتنة ما دام على قيد الحياة


فالإنسان معرض للفتنة ، ضل أحبار ورهبان وعلماء ، وزلت أقدامهم ، وختم لهم بالسوء !


فلا يأمن الإنسان على نفسه أن تنزلق  قدمه في الضلال ، وأن يقع في الشرك ، لذا يجب أن يتعلم العبد التوحيد ومايضاده  ويستعين  بالله  ، ويطلب منه العصمة والهداية ..


 قال تعالى " رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ  "   { ال عمران : 8 }


 خافوا من الزيغ بعد  الهداية ، والمهتدي يكون أشد خوفا أن يزيغ ، وأن تزل قدمه ، وأن تسوء خاتمته ، وأن يكون

من أهل النار ، نسأل االله العافية .

 

المسائل المهمة في هذا الباب :

تعريف الشرك ..          

قبح الشرك .

أنواع الشرك ..

حكم الشرك ..

ثمرات الخوف من الشرك .. 


معني الشرك :

الشرك هو تشريك غير الله مع الله في العبادة كأن يدعو الأصنام أو غيرها  يستغيث بها أو ينذر لها

أو يصلي لها أو يصوم لها أو يذبح لها  .. 

قال تعالى :

  { وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ } 

قال ابن سعدي :

"حقيقة الشرك أن يُعبَد المخلوق كما يعبَد الله، أو يعظَّم كما يعظَّم الله، أو يصرَف له نوع منخصائص الربوبية والإلهية"


  أنواع الشرك :

الشرك ثلاثة أنواع:

 _أولا : الشرك الأكبر    

_ثانيا : الشرك الأصغر           

_ثالثا :  الشرك الخفي


النوع الأول: الشرك الأكبر: 

وهو: كل شرك أطلقه الشارع وهو يتضمن خروج الإنسان عن دينه" مثل أن يصرف

شيئاً من أنواع العبادة لله عز وجل لغير الله، كأن يصلي لغير الله، أو يصوم لغير الله، أو يذبح لغير الله،

وكذلك من

الشرك الأكبر أن يدعو غير الله عز وجل مثل أن يدعو صاحب قبر، أو يدعو غائباً ليغيثه من أمر لا يقدر عليه إلا الله

عز وجل وأنواع الشرك معلومة فيما كتبه أهل العلم.


النوع الثاني: الشرك الأصغر 

وهو: كل عمل قولي، أو فعلي أطلق عليه الشرع وصف الشرك ولكنه لا يخرج من

 الملة : مثل الحلف بغير الله فإن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك"، فالحالف

بغير الله الذي لا يعتقد أن لغير الله تعالى من العظمة ما يماثل عظمة الله فهو مشرك شركاً أصغر، سواء كان هذا

المحلوف به معظماً من البشر أم غير معظم، فلا يجوز الحلف بالنبي صلى الله عليه وسلم، ولا ملكا ولا بجبريل، وميكائيل، ولابالكعبة لأن هذا شرك أصغر.


 النوع الثالث : الشرك الخفي  

عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: 

(ألا أخبركم بما هو أخوف عليكم من المسيح عندي؟ )

قال: قلنا: بلى، قال: ( الشرك الخفي؛ أن يقوم الرجل يعمل لمكان رجل ).

وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

( أيها الناس، اتقوا هذا الشرك، فإنه أخفى من دبيبالنمل )، فقال له من شاء الله أن يقول:

 وكيف نتقيه وهو أخفى من دبيب النمل

يا رسول الله ؟ قال: ( قولوا: اللهم إنانعوذ بك من أن نشرك بك شيئاً نعلمه، ونستغفره لما لا نعلم ).

 " وهذا الدعاء كفارة الشرك الاصغر  ..

هذه النصوص تدلّ على أن هناك نوعاً آخر من الشرك يسمّى الشرك الخفي، فهل هذا يدخل تحت أحد نوعي الشرك أم

هو نوع مستقل بذاته؟

 اختلفوا في ذلك

فقيل: يمكن أن يجعل الشرك الخفي نوعاً من الشرك الأصغر، فيكون الشرك


حينئذ نوعين: 

_شرك أكبر :

ويكون في عقائد القلوب، 

_وشرك أصغر :

ويكون في هيئة الأفعال وأقوال اللسان والإرادات

الخفية، ولكن الظاهر من النصوص أن الشرك الخفي قد يكون من الشرك الأكبر، وقد يكون من الشرك الأصغر،

وليس له وصف منضبط، بل دائماً يتردّد بين أن يكون من الشرك الأكبر أو الشرك الأصغر، بل هو كل ما خفي من


أنواع الشرك  ...

من أمثلة الشرك الخفي ما جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما في تفسير قوله تعالى:

{فَلاَ تَجْعَلُواْ للَّهِ أَندَاداً}[البقرة:22]

قال: (الأنداد هو الشرك أخفى من دبيب النمل على صفاء سوداء، في ظلمة الليل.

 وهو أن يقول: والله

وحياتك يا فلانة وحياتي، ويقول: لولا كلبة هذا لأتانا اللصوص، ولولا البط في الدار لأتى اللصوص،

 وقول الرجللصاحبه: ما شاء الله وشئت، وقول الرجل: لولا الله وفلان، لا تجعل فيها فلان، فإن هذا كله به شرك)... 


قال الشيخ ابن عثيمين_ رحمه الله:

اتصال الرياء بالعبادة على ثلاثة أوجه:

_ الوجه الأول:

 أن يكون الباعث على العبادة مراءاة الناس مِن الأصل؛ كمن قام يصلِّي مراءاة الناس، مِن أجل أن

يمدحه الناس على صلاته، فهذا مبطل للعبادة.

_ الوجه الثاني:

 أن يكون مشاركاً للعبادة في أثنائها، 

بمعنى:

 أن يكون الحامل له في أول أمره الإخلاص لله، ثم طرأالرياء في أثناء العبادة، فهذه العبادة لا تخلو من حالين:

أن لا يرتبط أول العبادة بآخرها، فأولُّها صحيح بكل حال، وآخرها باطل.

 مثال ذلك: رجل عنده مائة ريال يريد أن

يتصدق بها، فتصدق بخمسين منها صدقةً خالصةً، ثم طرأ عليه الرياء في الخمسين الباقية فالأُولى صدقة صحيحة

مقبولة، والخمسون الباقية صدقة باطلة لاختلاط الرياء فيها بالإخلاص.

أن يرتبط أول العبادة بآخرها: فلا يخلو الإنسان حينئذٍ مِن أمرين:

أن يُدافع الرياء ولا يسكن إليه، بل يعرض عنه ويكرهه: فإنه لا يؤثر شيئاً لقوله صلى الله عليه وسلم: «إن الله تجاوز عن أمتي ماحدَّثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم» (صحيح البخاري).


وقال ابن عثيمين: 

"قوله: (هذا كله به شرك) وهو شرك أكبر أو أصغر، حسب ما يكون في قلب الشخص من نوع هذا التشريك" القول المفيد (2/323)


أن يطمئنَّ إلى هذا الرياء ولا يدافعه: 

فحينئذٍ تبطل جميع العبادة؛ لأن أولها مرتبط بآخرها.

مثال ذلك: أن يبتدئ الصلاة مخلصاً بها لله تعالى، ثم يطرأ عليها الرياء في الركعة الثانية، فتبطل الصلاة كلها لارتباط

أولها بآخرها.

 أن يطرأ الرياء بعد انتهاء العبادة: 

فإنه لا يؤثر عليها ولا يبطلها؛ لأنها تمَّت صحيحة فلا تفسد بحدوث الرياء بعد

ذلك ...

وليس مِن الرياء أن يُسرَّ الإنسان بفعل الطاعة؛ لأن ذلك دليل إيمانه، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «مَن سرَّته

حسنته وساءته سيئته فذلك المؤمن» (صحيح الجامع).

وقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك

 فقال: «تلك عاجل بشرى المؤمن» (صحيح مسلم). 

 

 قبح الشرك وخطره : 

فأما قبحه فيظهر في أن الشرك تنقص للرب تعالى بمساواة غيره له في بعض الأمور، وذلك غاية الضلال كما قال الله

تعالى عن المشركين يوم القيامة عند خصومتهم مع معبوديهم:

{ تَاللَّهِ إِن كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ إِذْ نُسَوِّيكُم بِرَبِّ الْعَالَمِينَ  }[الشعراء: 97-98]،

وهذا التنقص متضمن للظلم ولذلك قال الله تعالى: 

{ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ } [لقمان: 13].

 فإن الذي يعبد هو الذي بيده الخلق والأمر والمتفضل بالنعم فصرف شيء من حق الله تعالى من العبودية إلى غيره

ظلم عظيم. فظهر مما تقدم أن قبح الشرك يتمثل في أنه تنقص للرب تعالى وظلم وضلال مبين.

وأما خطره فيتمثل في  ..

1_أنه يحبط الأعمال كما قال الله تعالى:

{  وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ } [الزمر: 65]. 

2 ـ ويتمثل خطره كذلك في أن صاحبه إن مات عليه فإنه لا يغفر له كما قال الله تعالى:

{ إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء  }[النساء: 4]

3 ـ  ويتمثل خطره كذلك في أن صاحبه الذي مات عليه مخلد في نار جهنم، 

كما قال الله تعالى:{  إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ  } [المائدة: 72 } 


حكم الشرك بأنواعه  والفرق بين الشرك الأكبر والشرك الأصغر: ـ

يقول الشيخ عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله: 

وأما الشرك الأصغر؛ فهو جميع الأقوال والأفعال التي يتوسل بها إلى

الشرك؛ كالغلو في المخلوق الذي لا يبلغ رتبة العبادة؛ كالحلف بغير الله، وكيسير الرياء، ونحو ذلك .. 

 

حكم الشرك الأصغر، مع دليله ..

- الشرك الأصغر من أكبر الكبائر بعد الشرك الأكبر ومعصية من أكبر المعاصي لما فيه من تسوية غير الله بالله تعالى

- الشرك الأصغر لا ينقض التوحيد، بل يتنافى مع كماله.

- الشرك الأصغر لا يحبط جميع العمل، بل يحبط العمل المصاحب.

- الشرك الأصغر إن مات صاحبه عليه؛ فإنه يموت مسلما، ولكن شركه لا يغفر له -على الراجح من قولي العلماء،

  بل يعاقب عليه، وإن دخل بعد ذلك الجنة  .. 

- صاحب الشرك الأصغر في الآخرة إن دخل النار لا يخلد فيها. والدليل على الشرك الأصغر: قول الله تعالى:

{فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف: 110]  


قال الشيخ عبدالرحمن بن سعدي في بيان حد الشرك الأكبر:

 إنَّ حدَّ الشرك الأكبر وتفسيره الذي يجمع أنواعهوأفراده: 

(أن يصرِفَ العبد نوعاً أو فرداً من أفراد العبادة لغير الله) فكلُّ اعتقادٍ أو قولٍ أو عملٍ ثبت أنَّه مأمورٌ به منالشَّارع فصرفُه لله وحده توحيدٌ وإيمانٌ وإخلاصٌ، وصرفُه لغيره شركٌ وكفرٌ.  


ثمرات الخوف من الشرك : 

ـ أن يكون عالما بالشرك بأنواعه حتى لا يقع فيه  ولايتم العلم بالتوحيد إلا بمعرفة مايضاده..

ـ أن يكون متعلماً للتوحيد بأنواعه حتى يقوم في قلبه الخوف من الشرك ويعظم  الله في قلبه أعظم تعظيم ويستمر على ذلك حتى الموت .

ـ الخائف من الشرك يكون قلبه دائماً مستقيماً على طاعة الله مخلصا مبتغياً مرضاة الله تعالى  ..

.............

قول ابن باز في شرح كتاب التوحيد للشيخ محمد بن عبد الوهاب _رحمه الله

"  باب الخوف من الشرك  "


وقول الله : إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:48].


وقال الخليل عليه السلام:

 وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ [إبراهيم:35].


وفي الحديث: أخوف ما أخاف عليكم: الشرك الأصغر، فسئل عنه، فقال: الرياء


وعن ابن مسعود أن رسول الله صلي الله وعليه وسلم قال: من مات وهو يدعو لله ندا دخل النار رواه البخاري.


 ولمسلم عن جابر  أن رسول الله صلي الله وعليه وسلم قال: من لقي الله لا يشرك به شيئا دخل الجنة، ومن لقيه يشرك به شيئا دخل النار.


فهذا الباب في بيان الخوف من الشرك، وأنه يجب الحذر منه؛

 لأنه أعظم الذنوب وأشدها وأخطرها فالواجب الحذر منه، يجب على كل مؤمن وعلى كل مسلم أن يحذره؛ 

لأنه قد وقع في الناس وغلب على الأكثرين فالواجب الحذر منه؛ ولهذا يقول الله سبحانه: 

إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:48] 

فأعلمنا سبحانه أنه لا يغفر الشرك لمن مات عليه، بل له النار كما قال تعالى: 

" إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ  " [المائدة:72]

 وقال تعالى:

"  وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ  "[الأنعام:88]، 

وقال تعالى: 

"وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا "[الفرقان:23] 

وقال عن إبراهيم أنه قال عليه الصلاة والسلام:

 "  وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ "[إبراهيم:35].


إذا كان إبراهيم يخاف على نفسه وعلى بنيه الشرك فكيف بغيره؟ 

يقول جل وعلا عن إبراهيم إنه قال:

"   وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ   "[إبراهيم:35] قبلها:

"  رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ  "[إبراهيم:35]

 فإبراهيم الخليل عليه السلام يسأل ربه أن يجنبه وبنيه عبادة الأصنام، وما ذلك إلا لعظم الخطر،

 ولهذا قال إبراهيم التيمي رحمه الله: فمن يأمن البلاء بعد إبراهيم؟! 

إذا كان إبراهيم لا يأمن ويسأل ربه العافية فمن يأمن بعد ذلك؟

وفي الحديث يقول صلي الله وعليه وسلم:

 أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر فسئل عنه

 فقال: الرياء أخوف ما يخاف على الصالحين الشرك الأصغر؛ 

لأن الشرك الأكبر قد يعرفونه ولا يخفى عليهم، لكن الشرك الأصغر قد يُبتلى به الصالحون

 وهو الرياء في قراءة أو صلاة أو صوم أو حج أو غير هذا فلهذا خافه النبي صلي الله وعليه وسلم عليهم فيجب الحذر منه! وهو أن يرائي بعمله الناس أو يقصد بعمله الدنيا، 

ولهذا يقول صلي الله وعليه وسلم : أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر يعني: أيها المؤمنون،

 أما الشرك الأكبر فهو مخوف على جميع الأمة وهو أعظم الذنوب، لكن المؤمنين قد عرفوه فهم بحمد الله يحذرونه، لكن قد يقعون في الشرك الأصغر

 وهو الرياء، وبعض الكلمات الشركية

 مثل: ما شاء الله وشاء فلان، لولا الله وفلان، والحلف بغير الله، كل هذا مما قد يقع من بعض الصالحين وبعض المسلمين لخفاء الأدلة عليه ولجهله.


وفي حديث ابن مسعود يقول صلي الله وعليه وسلم: من مات وهو يدعو لله ندًا دخل النار يعني يتخذ لله ندًا يدعوه مع الله يستغيث به ينذر له إلى غير هذا.


هذا الند الند النظير والشبيه والمثيل، وتسمى الأصنام أندادًا؛

 لأنها شبهت بالله في عبادتها والضراعة إليها وخوفها، وهكذا من اتخذ الأنداد من الملائكة أو الأنبياء أو الأصنام أو الجن كله باب واحد يجب الحذر من ذلك، 

قال تعالى: فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُون [البقرة:22] 

يعني وأنتم تعلمون أنه الخلاّق الرزاق. 

وقال تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ الله [البقرة:165].


قال صلي الله وعليه وسلم: من لقي الله لا يشرك به شيئًا دخل الجنة، ومن لقيه يشرك به شيئًا دخل النار هذا وعد ووعيد، وعد لأهل التوحيد بالجنة، ووعيد لأهل الشرك بالنار، أهل التوحيد قد وعدهم الله بالجنة والنجاة، فالواجب عليهم تحقيق توحيدهم والحذر مما يجرحه من المعاصي، والواجب على من أشرك بالله أن يتوب إلى الله، وأن يبادر بالتوبة والإصلاح حتى لا يدخل النار.


سؤال وجواب

س/ بعض الناس أحسن الله إليك إذا أحبك قال: بحق جاه النبي صلي الله وعليه وسلم أن عني ما حكم هذه المقولة؟

ج/ هذا من وسائل الشرك جاه النبي وحق جاه النبي وبالنبي هذه من وسائل الشرك يجب الحذر منها.



س/العلماء يذكرون في أنواع الشرك الأصغر يسير الرياء، متى الرياء يكون شركا أكبر؟

ج/ رياء المنافقين الذي يبطن الشرك ويظهر الإسلام هذا الشرك الأكبر رياء المنافقين باطنهم الكفر وظاهرهم الإسلام هؤلاء في الدرك الأسفل من النار نعوذ بالله 

أما المسلم الموحد فقد يقع منه الشرك الأصغر وهو يسير الرياء بالنسبة إلى رياء المنافقين كأن يرائي في قراءته أو في صلاته بعض الأحيان أو في طوافه أو في قراءته أو ما أشبه ذلك أو في أمره بالمعروف أو في دعوته إلى الله .



س/ من ترك الصف الأول مخافة الرياء ؟

ج/ لا هذا باطل هذا جهل، هذا ما هو من باب الرياء هذا من باب خوف الرياء بزعمه خاف الرياء وهذا غلط يبادر بالصف الأول ويبادر بالدعوة إلى الله ويحذر الرياء.



س/ العلمانيون هل كفرهم أكبر ؟

ج/العلمانيون ما يؤمنون بالدين يدعون الدنيا ما يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر هذا العلماني يدعو إلى متابعة العالمين وأن يكون على رأي العالمين في شركهم وضلالهم وخرافاتهم.


س/ هم يقولون بفصل الدين عن الدولة؟

ج/ هذا معناه ما عندهم دين يدعون إلى العالمية .



س/إذًا كفار؟

ج/ نعم.


س/ يقولون الدين في المسجد أم برا المسجد لا؟

ج/ولو، بعضهم ما يرى الدين بالكلية يرى الدعوة إلى ما عليه الناس وبس.



س/ ما الفرق بين الشرك الأصغر ووسائل الشرك؟

ج/ وسائل الشرك كثيرة مثل البناء على القبور، اتخاذ المساجد على القبور، وأسألك بجاه فلان وبحق فلان هذه وسائل تجر إلى الغلو . 

أما الشرك الأصغر فهو أن يتكلم بالشيء الذي سماه النبي شركا ولكنه ما وصل إلى حد الشرك الأكبر كيسير الرياء ولولا الله وفلان هذا من الله ومن فلان والحلف بغير الله هذا من الشرك الأصغر.



س/ يأثم الإنسان بالوسائل؟

ج/ هو الشرك الأصغر وسيلة للشرك الأكبر أيضا.



س/ الوسائل كالتي ذكرتها هل يأثم بها فاعلها كالبناء على القبور ؟

ج/وسائل الشرك أعظم من جنس المعاصي؛ لأن وسائل الشرك توقع في الشرك و هي البدع، البدع أعظم من المعاصي البناء على القبور واتخاذ المساجد عليها أعظم من جنس المعاصي لأنها وسيلة للشرك.


س/ الغلو في الصالحين ما يؤدي إلى الشرك؟

ج/ الغلو قسمان: غلو فيهم يدعوهم مع الله، يعظمهم بالشرك، يستغيث بهم ينذر لهم هذا الشرك الأكبر .


والغلو فيهم الذي هو ليس من الشرك الأكبر كونه يتمسح بهم يرى أن التمسح بهم قربة إلى الله ويقوم لهم إذا دخلوا أو يقوم على رؤوسهم يظن أن هذا قربة هذا من وسائر الشرك.


س/ تقبيل حذاء الصالحين والمسح عليها؟

ج/ هذا قد يقع في الشرك الأكبر، 

أما إذا رأى أن هذا قربة إلى الله وأن تقبيلهم والقيام لهم ونحو ذلك هذا فيه تفصيل، تقبيلهم التقبيل العادي ومصافحتهم هذا لا بأس به 

أما كونه يتبرك بمسح أيديهم أو مسح مشالحهم أو ما أشبه ذلك هذا من وسائل الشرك كما قد يقع لبعض الصوفية وغيرهم

 لأن هذا ما يفعل إلا مع النبي صلي الله وعليه وسلم  هو الذي يتبرك بعرقه وبيده وشعره هذا خاص بالنبي صلي الله وعليه وسلم لا يقاس عليه غيره .


س/ وسائل الشرك أعظم من أكبر الكبائر؟

ج/ نعم البدعة ووسائل الشرك أعظم من جنس الكبائر لأنها بدعة المراتب الشرك الأكبر ثم الأصغر ثم البدعة ثم كبائر الذنوب ثم صغائر الذنوب .


هذا جميع الدين، إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ

 [آل عمران:19] يقال له إسلام كل ما شرع الله لعباده وترك ما نهاهم عنه يسمى إسلام، وتسمى الأركان الخمسة إسلام

 وتسمى الشهادتين إسلام ويسمى الدين كله إسلام

"   إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ  "[آل عمران:19]

" وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ " 

[آل عمران:85] 

ويقول جل وعلا:

 "الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا "[المائدة:3] 

الإسلام شهادة ألا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإداء فرائض الله وترك محارم الله .


وعموده الصلاة هي العمود الأعظم بعد الشهادتين .


وذوره سنامه الجهاد في سبيل الله لأن الجهاد ينمي الإسلام ويرفع شأن الإسلام ويرفع شأن المسلمين ثم قال: ألا أخبرك بملاك ذلك كله ؟!

 يعني بما يملك عليك هذا الخير؟ 

قلت:بلى يا رسول الله ! فأشار إلى لسانه 

وقال: كف عليك هذا!

 فقلت:يا رسول الله وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به فقال:ثكلتك أمك يا معاذ وهل يكب الناس في النار على وجوههم أو قال على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم .

ثكلتك أمك هذه الكلمة يقولها العرب لا يراد معناها مثل تربت يداك وأشباهها 

والمقصود تأكيد الكلام والشاهد قوله: وهل يكب الناس فيه بيان خطر اللسان وأن الواجب العناية به وحفظه وصيانته لعلك تسلم من شره !.


يقول النبي صلي الله وعليه وسلم؛

 لما سئل عن الغيبة؟

 قال: ذكرك أخاك بما يكره،

 قيل: يا رسول الله، إن كان في أخي ما أقول، 

قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه فقد بهته. فالذي يتكلم في عرض أخيه إن كان صادقا فقد اغتابه وإن كان كاذبا فقد بهته فهو على شر عظيم نسأل الله العافية فالواجب الحذر من الغيبة كلها بنوعيها

تعليقات