حكم من اتخذ شفيعاً عند الله ؛شرح كتاب التوحيد للشيخ محمدبن عبد الوهاب_رحمه الله
شرح كتاب التوحيد للشيخ محمدبن عبدالوهاب _رحمه الله
باب الشفاعةلما كان المشركون في قديم الزمان وحديثه إنما وقعوا في الشرك لتعلقهم بأذيال الشفاعة،
كما قال تعالى: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ} .
وقال تعالى: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} .
وكذلك قطع الله أطماع المشركين منها، وأخبر أنه شرك، ونزه نفسه عنه، ونفى أن يكون الخلق من دونه ولي أو شفيع،
كما قال تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا شَفِيعٍ أَفَلاتَتَذَكَّرُونَ} .
أراد الشيخ محمدبن عبدالوهاب _رحمه الله في هذا الباب إقامة الحجج على أن ذلك هو عين الشرك وأن الشفاعة التي يظنها مَنْ دعا غير الله ليشفع له كما يشفع الوزير عند الملك منتفية دنيا وأخرى،
وإنما الله هو الذي يأذن للشافع ابتداء، لا يشفع ابتداء كما يظنه أعداء الله.
فإن قلت: إذا كان من اتخذ شفيعا عند الله، إنما قصده تعظيم الرب تعالى وتقدس أن يتوصل إليه إلا بالشفعاء، فلم كان هذا القدر شركًا؟!
قيل: قصده للتعظيم لا يدل على أن ذلك تعظيم لله تعالى، فكم من يقصد التعظيم لشخص ينقصة بتعظيمه،
ولهذا قيل في المثل المشهور: يضر الصديق الجاهل ما لا يضر العدو العاقل.
فإن اتخاذ الشفعاء والأنداد من دون الله هضم لحق الربوبية، وتنقص للعظمة الإلهية، وسوء ظن برب العالمين،
كما قال تعالى: {وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً}
فإنهم ظنوا به ظن السوء حتى أشركوا به، ولو أحسنوا به الظن لوحدوه حق توحيده،
ولهذا أخبر سبحانه وتعالى عن المشركين أنهم ما قدروه حق قدره وكيف يقدره حق قدره من اتخذ من دونه ندًا، أو شفيعًا يحبه ويخافه ويرجوه، ويذل له، ويخضع له ويهرب من سخطه ويؤثر مرضاته ويدعوه ويذبح له وينذر، وهذه هي التسوية التي أثبتها المشركون بين الله وبين آلهتهم،
وعرفوا وهم في النار أنها كانت باطلا وضلالاً، فيقولون وهم في النار:
{تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ}
ومعلوم، أنهم ما ساووهم به في الذات والصفات والأفعال، ولا قالوا:
إن آلهتكم خلقت السماوات والأرض وإنها تحيي وتميت، وإنما ساووهم به في المحبة والتعظيم والعبادة،
كما ترى عليه أهل الإشراك ممن ينتسب إلى الإسلام،
وإنما كان ذلك هضمًا لحق الربوبية، وتنقصًا لعظمة الإلهية، وسوء ظن برب العالمين !
لأنالمتخذ للشفعاء والأنداد، إما أن يظن أن الله سبحانه يحتاج إلى مَنْ يدبّر أمر العالم معه من وزير أو ظهير أو معين، وهذا أعظم التنقص لمن هو غني عن كل ما سواه بذاته، وكل ما سواه فقير إليه بذاته،
وإما أن يظن أن الله سبحانه إنما تتم قدرته بقدرة الشفيع،
وإما أن يظن أنه لا يعلم حتى يعلمه الشفيع، أو لا يرحم حتى يجعله الشفيع يرحم، أو لا يكفي وحده، أو لا يفعل ما يريد العبد حتى يشفع عنده كما يشفع عند المخلوق، أو لا يجيب دعاء عباده حتى يسألوا الشفيع أن يرفع حاجتهم إليه، كما هو حال ملوك الدنيا.
وهذا أصل شرك الخلق،
أو يظن أنه لا يسمع حتى يرفع الشفيع إليه ذلك، أو يظن أن للشفيع عليه حقًا، فهو يقسم عليه بحقه، ويتوسل إليه بذلك الشفيع،
كما يتوسل الناس إلى الأكابر والملوك بمن يعز عليهم، ولا تمكنهم مخالفته، وكل هذا تنقص للربوبية، وهضم لحقها. ذكر معناه ابن القيم.
فلهذه الأمور وغيرها أخبر سبحانه وتعالى أن ذلك شرك، ونزه نفسه عنه فقال:
{وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} .
فإن قلت: إنما حكم سبحانه وتعالى بالشرك على من عبد الشفعاء، أما من دعاهم للشفاعة فقط، فهو لم يعبدهم، فلا يكون ذلك شركًا.
قيل: مجرد اتخاذ الشفعاء ملزوم للشرك، والشرك، لازم له كما أن الشرك ملزوم لتنقص الرب سبحانه وتعالى، والتنقص لازم له ضرورة، شاء المشرك أم أبى، وعلى هذا فالسؤال باطل من أصله لا وجود له في الخارج، وإنما هو شيء قدره المشركون في أذهانهم،
فإن الدعاء عبادة، بل هو مخ العبادة، فإذا دعاهم للشفاعة، فقد عبدهم وأشرك في عبادة الله شاء أم أبى.
قال: وقول الله عز وجل: {وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ} .
الإنذار: هو الإعلام بموضع المخافة
وقوله: "به"، قال ابن عباس بالقرآن
وقوله: {الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ} :
أي أنذر يا محمد بالقرآن الذين هم من خشية ربهم مشفقون. الذين يخشون ربهم، ويخافون سوء الحساب، وهم المؤمنون،
كما روي ذلك عن ابن عباس والسدي وعن "الفضيل بن عياض: ليس كل خلقه عاتب، إنما عاتب الذين يعقلون فقال:
{وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ} ، أي: وهم المؤمنون أصحاب القلوب الواعية، فإنهم المقصودون، والمنظور إليهم لا أصحاب التجمل والسيادة، فإن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم"
وقوله: {لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ} :
قال الزجاج: موضع "ليس" نصب على الحال كأنه قال: متخلين من ولي وشفيع، والعامل فيه "يخافون".
وقال ابن كثير: ليس لهم من دونه يومئذ ولي ولا شفيع من عذابه إن أرادهم به لعلهم يتقون، فيعملون في هذه الدار عملا ينجيهم الله به من عذابه يوم القيامة.
قلت: فنفى سبحانه وتعالى عن المؤمنين أن يكون لهم ولي أو شفيع من دون الله كما هو دين المشركين، فمن اتخذ من دون الله شفيعا، فليس من المؤمنين، ولا تحصل له الشفاعة.
وليس في الآية دليل على نفي الشفاعة لأهل الكبائر بإذن الله كما ادعته المعتزلة، بل فيها دليل على نفي اتخاذ الشفعاء من المؤمنين، وعلى نفيها بغير إذن الله،
ولهذا أثبت الشفاعة بإذنه في مواضع كما قال: {مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلاَّ مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ} .
قال وقوله: {قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعاً} ،
[الزّمر، من الآية: 44] .
هكذا أوردها الشيخ محمد بن عبدالوهاب_رحمه الله، ونتكلم عليها وعلى الآية التي قبلها ليتضح المعنى.
١ قال الله تعالى: {أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لا يَمْلِكُونَ شَيْئاً وَلا يَعْقِلُونَ قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ
جميعاً لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} ، [الزّمر: 43-44] .
فقوله: {أَمِ اتَّخَذُوا}:
أي: بل اتخذوا، أي: المشركون. والهمزة للإنكار من دون الله شفعاء، أي: أتشفع لهم عند الله بزعمهم
كما قال: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ} .
وقال: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ} . فكذبهم وكفرهم بذلك
وقال تعالى: {فَلَوْلا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ قُرْبَاناً آلِهَةً بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ وَذَلِكَ إِفْكُهُمْ وَمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ} . فهذا هو مقصود المشركين ممن عبدوهم وهو الشفاعة لهم عند الله.
قوله: من دون الله :
أي: من دون إذنه وأمره. والحال أنه لا يشفع عنده أحد إلا بإذنه، وأن يكون المشفوع له مرتضى،
وههنا الشرطان مفقودان، فإن الله سبحانه لم يجعل اتخاذ الشفعاء ودعاءهم من دونه سببًا لإذنه ورضاه، بل ذلك سبب لمنعه وغضبه.
قوله: {قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لا يَمْلِكُونَ شَيْئاً وَلا يَعْقِلُونَ} :
أي: أيشفعون ولو كانوا على هذه الصفة كما تشاهدونهم جمادات لا تقدر ولا تعلم، أو أموات كذلك، حتى ولا يملكون الشفاعة
كما قال: {قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعاً} :
أي: هو مالكها كلها فليس لمن تدعونهم منها شيء،
قال البيضاوي: لعله رد لما عسى يجيبون به وهو أن الشفعاء أشخاص مقربون، هي تماثيلهم.
والمعنى: أنه مالك الشفاعة كلها لا يستطيع أحد شفاعة إلا بإذنه، ولا يستقل بها.
وقوله: {لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} :
تقرير لبطلان اتخاذ الشفعاء من دونه بأنه مالك الملك كله، لا يملك أحد أن يتكلم في أمره دون إذنه ورضاه، فاندرج في ذلك ملك الشفاعة، فإذا كان هو مالكها بطل اتخاذ الشفعاء من دونه كائنًا من كان.
وقوله: {ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} :
أي:فتعلمون أنهم لا يشفعون، ويخيب سعيكم في عبادتهم، بل، يكونون عليكم ضدًا ويتبرؤون من عبادتكم
كما قال تعالى: {كَلاَّ سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدّاً} ،
وقال تعالى: {وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكَانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكَاؤُكُمْ فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ وَقَالَ شُرَكَاؤُهُمْ مَا كُنْتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ فَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ إِنْ كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَافِلِينَ} .
قال: وقوله: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ} .
في هذه الآية رد على المشركين الذين اتخذوا الشفعاء من دون الله من الملائكة والأنبياء والأصنام المصورة على صور الصالحين وغيرهم، وظنوا أنهم يشفعون عنده بغير إذنه فأنكر ذلك عليهم، وبين عظيم ملكوته وكبريائه وأن أحدا لا يتمالك أن يتكلم يوم القيامة إلا إذا أذن له في الكلام كقوله:
{لا يَتَكَلَّمُونَ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ} ، [النبأ، من الآية: 38] .
وقوله: {يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ} [هود] :
قال ابن جرير في هذه الآية: نزلت لما قال الكفار: ما نعبد أوثاننا هذه إلا ليقربونا إلى الله زلفى فقال الله تعالى: {لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ}
وتقرر في هذه الآية أن الله يأذن لمن يشاء بالشفاعة، وهم الأنبياء والعلماء وغيرهم، والإذن راجع إلى الأمر فيما نص عليه كمحمد صلى الله عليه وسلم إذا قيل له: اشفع تشفع، وكذلك قاله غير واحد من المفسرين.
[بيان أنه لا شفاعة إلا بإذن الله]
قال: وقوله: {وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلاَّ مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى}
قال أبو حيان: "كم" خبرية ومعناها: التكثير،
وهي في موضع رفع بالابتداء والخبر. "لا تغني" والغناء جلب النفع، ودفع الضرر بحسب الأمر الذي يكون فيه الغناء. و"كم": لفظها مفرد، ومعناها جمع.
وإذا كانت الملائكة المقربون {لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ}
إلا بعد إذن الله ورضاه أن يرضاه أهلا للشفاعة، فكيف تشفع الأصنام لمن عبدها؟
قلت: في هذه الآيات من الرد على مَنْ عَبَدَ الملائكة والصالحين لشفاعة أو غيرها ما لا يخفى،
لأنهم إذا كانوا لا يشفعون إلا بإذن من الله ابتداء، فلأي معنى يُدعَون ويُعْبَدُون؟
وأيضًا فإن الله لا يأذن إلا لمن ارتضى.
قوله: (وعمله) :
وهو الموحد لا المشرك.
كما قال: {يَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً}
والله لا يرتضي إلا التوحيد كما قال: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الأِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم:
"أسعد الناس بشفاعتي من قال لا إله إلا الله خالصًا من قلبه" .
فلم يقل: أسعد الناس بشفاعتي مَنْ دعاني.
فإن قال المشرك: أنا أعلم أنهم لا يشفعون إلا بإذنه لكن أدعوهم ليأذن الله لهم في الشفاعة لي.
قيل: فإن الله لم يجعل الشرك به ودعاء غيره سببًا لإذنه ورضاه، بل ذلك سبب لغضبه،
ولهذا نهى عن دعاء غيره في غير آية كقوله: {وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذاً مِنَ الظَّالِمِينَ} .
فتبين أن دعاء الصالحين من الملائكة والأنبياء وغيرهم شرك كما كان المشركون الأولون
"يدعونهم ليشفعوا لهم عند الله، فأنكر الله عليهم ذلك، وأخبر أنه لا يرضاه، ولا يأمر به ؛
كما قال تعالى: {وَلا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَاباً أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} .
وقال تعالى: {إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ} .
قال ابن كثير: تبرأت منهم الملائكة الذين كانوا يزعمون أنهم يعبدونهم في الدنيا: فنقول الملائكة: {تَبَرَّأْنَا إِلَيْكَ مَا كَانُوا إِيَّانَا يَعْبُدُونَ} .
وقال تعالى: {وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ}
وقال تعالى: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلا تَحْوِيلاً} .
روى سعيد بن منصور والبخاري والنسائي وابن جرير عن ابن مسعود في الآية:
"كان نفر من الإنس يعبدون نفرًا من الجن فأسلم نفر من الجن وتمسك الإنسيون بعبادتهم فأنزل الله: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ} " كلاهما بالياء.
وروى ابن جرير وابن أبي حاتم عن "ابن عباس في الآية لما كان أهل الشرك يعبدون الملائكة والمسيح وعزيرًا. وفي رواية عنه عندهما في قوله: {فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ} قال عيسى وأمه وعزير.
وقال تعالى: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ} إلى قوله: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى}
قال ابن إسحاق: لما ذكر قصة ابن الزبعري ومخاصمته لرسول الله صلى الله عليه وسلم عند نزول هذه الآية قال: وأنزل الله: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ ... } الآيتين :
أي: عيسى وعزير ومن عبد من الأحبار والرهبان الذين مضوا على أمر الله، فاتخذهم من يعبدهم من أهل الضلالة أربابًا من دون الله.
وقال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلاَّ إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ} 5 الآيات.
وروى ابن أبي حاتم عن الزهري قال:
"نزلت سورة النجم وكان المشركون يقولون: لو كان هذا الرجل يذكر آلهتنا بخير أقررناه وأصحابه، ولكنه لا يذكر من خالف دينه من اليهود والنصارى بمثل الذي يذكر آلهتنا من السب والشتم والشر،
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد اشتد عليه ما نال أصحابه من أذاهم وتكذيبهم، وأحزنه ضلالتهم، فكان يتمنى هداهم،
فلما أنزل الله سورة النجم قال:
{أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى} [النجم] ألقى الشيطان عندها كلمات حين ذكر الطواغيت فقال: تلك الغرانيق العلا، وإن شفاعتهن لترتجى، وكان ذلك من سجع الشيطان وفتنته، فوقعت هاتان الكلمتان في قلب كل مشرك بمكة، وذلت بها ألسنتهم، وتباشروا بها وقالوا: إن محمدًا قد رجع إلى دينه الأول ودين قومه.
فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم آخر النجم، سجد، وسجد كل من حضر من مسلم ومشرك، ففشت تلك الكلمة في الناس وأظهرها الشيطان حتى بلغت أرض الحبشة فأنزل الله:
{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلاَّ إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ ... } الآيات.
فلما بين الله قضاءه وبرأه من سجع الشيطان انقلب المشركون بعداوتهم وضلالتهم للمسلمين، واشتدوا عليه .
وهي قصة مشهورة صحيحة رويت عن ابن عباس من طرق بعضها صحيح. ورويت عن جماعة من التابعين بأسانيد صحيحة منهم عروة وسعيد بن جبير وأبو العالية وأبو بكر بن عبد الرحمن وعكرمة، والضحاك وقتادة، ومحمد بن كعب القرظي ومحمد بن قيس والسدي وغيرهم. وذكرها أيضًا أهل السير وغيرها وأصلها في "الصحيحين".
والمقصود منها قوله:
تلك الغرانيق العلا وإن شفاعتهن لترتجى.
فإن الغرانيق هي الملائكة على قول، وعلى آخر هي الأصنام ولا تنافي بينهما،
فإن المقصود بعبادتهما الأصنام الملائكة والصالحين كما تقدم عن البيضاوي.
فلما سمع المشركون هذا الكلام المقتضي لجواز عبادة الملائكة رجاء شفاعتهم عند الله ظنوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاله، فرضوا عنه وسجدوا معه، وحكموا بأنه قد وافقهم على دينهم من دعاء الملائكة والأصنام للشفاعة حتى طارت الكلمة كل مطار، وبلغ المهاجرين إلى الحبشة أنهم صالحوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فعرفت أن الفارق بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم هي مسألة الشفاعة، لأنم يقولون: نريد من الملائكة
والأصنام المصورة على صورهم بزعمهم أن يشفعوا لنا عند الله، والرسول صلى الله عليه وسلم قد أتاهم بإبطال ذلك، والنهي عنه، وتكفير من دان به وتضليلهم وتسفيه عقولهم ولم يرخص لهم في سؤال الشفاعة من الملائكة، ولا من الأنبياء ولا الأصنام، بل أتاهم بقوله تعالى: {قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعاً} .
وقوله: {أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً وَلا يُنْقِذُونِ إِنِّي إِذاً لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ} . وهذا كثير جدًا لمن تتبعه.
والمقصود أن المشركين الأولين يدعون الملائكة والصالحين ليشفعوا لهم عند الله، كما تشهد به نصوص القرآن، وكتب التفسير والسير، والآثار طافحة بذلك، ويكفي العاقل المنصف قوله تعالى:
{وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ أَهَؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ} .
قال: وقوله: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ ... } .
هذه الآية هي التي قال فيها بعض العلماء :
إنها تقطع عروق شجرة الشرك من القلب لمن عقلها.
قال ابن القيم في الكلام عليها:
وقد قطع الله الأسباب التي يتعلق بها المشركون جميعها قطعًا، يعلم من تأمله وعرفه أن من اتخذ من دون الله وليًا،
فمثله {كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ} [العنكبوت] ،
فالمشرك إنما يتخذ معبوده لما يحصل له به من النفع، والنفع لا يكون إلا ممن يكون فيه خصالا من هذه الأربع:
إما مالك لما يريد عابده منه، فإن لم يكن مالكا كان شريكا للمالك،
فإن لم يكن شريكا له، كان معينا له وظهيرا،
فإن لم يكن معينًا ولا ظهيرًا، كان شفيعًا عنده،
فنفى سبحانه المراتب الأربع نفيا مرتبا منتقلا من الأعلى إلى ما دونه،
فنفى الملك والشركة والمظاهرة والشفاعة التي يطلبها المشرك،
وأثبت شفاعة لا نصيب فيها لمشرك وهي الشفاعة التي، قال:
فهو الذي يأذن للشافع،
وإن لم يأذن له لم يتقدم في الشفاعة بين يديه كما يكون في حق المخلوقين، فإن المشفوع عنده يحتاج إلى الشافع ومعاونته له، فيقبل شفاعته
وإن لم يأذن له فيها، دوأما كل ما سواه فقير إليه بذاته وهو الغني بذاته عن كل ما سواه،
فكيف يشفع عنده أحد بدون إذنه؟!
فكفى بهذه الآية نورًا وبرهانًا ونجاة وتجريدًا للتوحيد، وقطعًا لأصول الشرك ومواده لمن عقلها.
والقرآن مملوء من أمثالها ونظائرها، ولكن أكثر الناس لا يشعرون بدخول الواقع تحته، وتضمنه له، ويظنه في نوع، وقوم قد خلوا من قبل ولم يعقبوا وارثًا، وهذا الذي يحول بين القلب وبين فهم القرآن، ولعمر الله إن كان أولئك قد خلوا، فقد ورثهم من هو مثلهم وشر منهم ودونهم، وتناول القرآن لهم كتناوله لأولئك،
ولكن الأمر كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه:
"إنما تنقض عرى الإسلام عروة عروة، إذا نشأ في الإسلام من لم يعرف الجاهلية".
وهذا لأنه إذا لم يعرف الجاهلية والشرك، وما دعا به القرآن وذمه، وقع فيه وأقره، ودعا إليه وصوبه وحسنه،
وهو لا يعرف أنه الذي كان عليه الجاهلية، أو نظيره أو شر منه أو دونه، فتنتقض بذلك عرى الإسلام، ويعود المعروف منكرًا، والمنكر معروفًا، والبدعة سنة، والسنة بدعة، ويكفر الرجل بمحض الإيمان وتجريد التوحيد ويبدع بتجريد متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم ومفارقة الأهواء والبدع.
ومن له بصيرة وقلب حي يرى ذلك عيانًا، فالله المستعان.
وقال الله تعالى حاكيًا عن أسلاف هؤلاء المشركين: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} .
فهذه حال من اتخذ من دون الله وليًا يزعم أنه يقربه إلى الله تعالى،
وما أعز من يخلص من هذا بل ما أعز من يعادي من أنكره.
والذي في قلوب هؤلاء المشركين وسلفهم أن آلهتهم تشفع لهم عند الله،
وهذا عين الشرك،
وقد أنكره الله عليهم في كتابه، وأبطله، وأخبر أن الشفاعة كلها له، وأنه لا يشفع عنده أحد إلا لمن أذن الله تعالى أن يشفع له فيه، ورضي قوله وعملة.
وهم أهل التوحيد الذين لم يتخذوا من دون الله شفعاء، فإنه سبحانه وتعالى يأذن في الشفاعة فيهم لمن يشاء، حيث لم يتخذوهم شفعاء من دونه، فيكون أسعد الناس بشفاعته من يأذن الله تعالى له، صاحب التوحيد الذي لم يتخذ شفيعا من دون الله.
والشفاعة التي أثبتها الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم هي الشفاعة الصادرة عن إذنه لمن وحده، والتي نفاها الله تعالى هي الشفاعة الشركية التي في قلوب المشركين المتخذين من دون الله شفعاء، فيعاملون بنقيض مقصودهم من شفاعتهم، ويفوز بها الموحدون. انتهى.
ولكن تأمل الآية كيف أمرهم تعالى بدعاء الملائكة أمر تعجيز، والمراد بيان أنهم لا يملكون شيئا، فلا يدعون لا لشفاعة ولا غيرها،
ثم أخبر أنهم هم الذين اتخذوهم بزعمهم شفعاء فنسبه إلى زعمهم وإفكهم الذي ابتدعوه من غير برهان ولا حجة من الله وهذه الآية نزلت في دعوة الملائكة، ودخول غيرهم فيها من باب أولى،
كما روى ابن أبي حاتم عن السدي في قوله: {وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ} . يقول: من عون الملائكة.
وكما يدل عليه قوله تعالى: {حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ} . كما تقدم.
فإذا كان اتخاذ الملائكة شفعاء من دون الله شركًا، فكيف باتخاذ الأموات كما يفعله عباد القبور؟
أم كيف باتخاذ الفجار والفساق إخوان الشياطين من المجاذيب الذين جذبهم إبليس إلى جانبه وطاعته شفعاء؟
وأعظم من ذلك اعتقاد الربوبية في هؤلاء الملاعين مع ما يشاهده الناس منهم من الفجور، وأنواع الفسوق، وترك الصلوات، وفعل المنكرات، والمشي في الأسواق عراة.
كما قال بعض المتأخرين:
كقوم عراة في ذرى مصر ما يرى ... على عورة منهم هناك ثياب.
يدورون فيها كاشفين لعورة ... تواتر هذا لا يقال كذاب.
يعدونهم في مصرهم فضلاءهم ... دعاؤهم فيما يرون مجاب
ومن العجب أنهم لم يأتوا بشيء يدل على كون هؤلاء الشياطين
من جملة المسلمين، فضلا عن كونهم أولياء، فضلاً عن كونهم يدعون ويستغاث بهم إلا بشيء من المخاريق والسحر والشعبذة، يدعون أن لهم كرامات، وأنهم أولياء لما يظهرونه من المخاريق.
وأعلم أن الضلال والكفر إنما استولى على أكثر المتأخرين بسبب نبذهم كتاب الله وراء ظهورهم، وإحسان الظن بمن سحرهم، ودعا إلى نفسه، واقتصارهم على القوانين والدعاوي والأوضاع التي وضعوها لأنفسهم، وإلا فلو قرؤوا كتاب الله، وعلموا بما فيه، ورجعوا عند الاختلاف إليه لوجدوا فيه الهدى والشفاء والنور، ولكن نبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمنًا قليلا فبئس ما يشترون وتقدم الكلام على بقية الآية.
قال الشيخ محمدبن عبدالوهاب_رحمه الله: قال أبو العباس: نفى الله عما سواه كل ما يتعلق به المشركون، فنفى أن يكون لغيره ملك أو قسط منه أو يكون عونًا لله، ولم يبق إلا الشفاعة.
فبين أنها لا تنفع إلا لمن أذن له الرب كما قال: {وَلا يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضَى} .
فهذه الشفاعة التي يظنها المشركون هي منتفية يوم القيامة كما نفاها القرآن،
وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه يأتي فيسجد لربه ويحمده لا يبدأ بالشفاعة أولاً، ثم يقال له. ارفع رأسك، وقل يسمع، واسأل تعط واشفع تشفع.
وقال له أبو هريرة: "من أسعد الناس بشفاعتك؟
قال: من قال: لا إله إلا الله خالصا من قلبه " .
فتلك الشفاعة لأهل الإخلاص بإذن الله ولا تكون لمن أشرك، بالله وحقيقته أن الله سبحانه هو الذي يتفضل على أهل الإخلاص، فيغفر لهم بواسطة دعاء من أذن له أن يشفع ليكرمه، وينال المقام المحمود فالشفاعة التي نفاها القرآن ما كان فيها شرك،
ولهذا أثبت الشفاعة بإذنه في مواضع. وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أنها لا تكون إلا لأهل التوحيد والإخلاص. انتهى كلامه.
قوله: قال أبو العباس. هو شيخ الإسلام تقي الدين أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن تيمية، الإمام المشهور، صاحب "المصنفات" شهرته وإمامته في علوم الإسلام وتفننه تغني عن الإطناب في وصفه.
قال الذهبي: لم يأت قبلة بخمس مائة سنة مثله،
وفي رواية: بأربع مائة وقال أيضًا: لو حلفت بين الركن والمقام لحلفت أني لم أر مثله. وما رأي بعينيه مثل نفسه رحمه الله.
وقال ابن دقيق العيد: لما اجتمعت بابن تيمية رأيت رجلا كل العلوم بين عينيه، يأخذ ما يشاء، ويدع ما يشاء. وبالجملة فما أتى بعد عصر الإمام أحمد له نظير، وكانت وفاته سنة ثمان وعشرين وسبع مئة.
قوله: نفي الله عما سواه كل ما يتعلق به المشركون، أي: أن الله تعالى نفى في الآية المذكورة قبل ما يتعلق به المشركون من الاعتقاد في غير الله من الملك والشركة فيه والمعاونة والشفاعة، فهذه الأمور الأربعة هي التي يتعلق بها المشركون.
قوله: فنفى أن يكون لغيره ملك، وذلك في قوله تعالى: {لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ} . ومن لا يملك هذا المقدار فليس بأهل أن يدعى
قوله: أو قسط منه. أي من الملك، والقسط بكسر القاف هو النصيب من الشيء، وذلك في قوله:
{وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ} :
أي: ما لمن تدعون من الملائكة وغيرهم فيها،
أي: في السماوات والأرض من شرك ومن ليس بمالك ولا شريك للمالك فكيف يدعي من دون الله؟!
قوله: أو أن يكون عونًا لله، وذلك في قوله: {وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ} أي ما لله ممن تدعونهم عون.
قوله: ولم يبق إلا الشفاعة:
فتبين أنها لا تنفع إلا لمن أذن له الرب. إلخ. جملة الشروط التي لا بد وأن يكون أحدها في المدعو، أربعة حتى يقدر على إجابة من دعاه:
الأول:
الملك، فنفاه بقوله:
{لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ} .
الثاني:
إذا لم يكن مالكا فيكون شريكا للمالك،.
فنفاه بقوله: {وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ} .
الثالث:
إذا لم يكن مالكا ولا شريكا للمالك فيكون عونا ووزيرًا فنفاه بقوله: {وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ}
الرابع:
إذا لم يكن مالكا ولا شريكا ولا عونًا فيكون شفيعا:
فنفى سبحانه وتعالى الشفاعة عنده إلا بإذنه،
فهو الذي يأذن للشافع ابتداء فيشفع، فبنفي هذه الأمور بطلت دعوة غير الله، إذ ليس عند غيره من النفع والضر ما يوجب قصده بشيء من العبادة.
كما قال تعالى: {وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلا يَمْلِكُونَ لأَنْفُسِهِمْ ضَرّاً وَلا نَفْعاً وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلا حَيَاةً وَلا نُشُوراً} .
وقال تعالى: {وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنْصَرُونَ لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ} .
وقال تعالى: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُهُمْ وَلا يَضُرُّهُمْ وَكَانَ الْكَافِرُ عَلَى رَبِّهِ ظَهِيراً} .
قوله: فهذه الشفاعة التي يظنها المشركون هي منتفية يوم القيامة، كما نفاها القرآن :
عني أن الشفاعة التي عنيها المشركون من الشفعاء والأنداد من دون الله منتفية دنيا وأخرى،
كما قال تعالى عن مؤمن يس: {أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً وَلا يُنْقِذُونِ إِنِّي إِذاً لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ} .
وقال تعالى عن مؤمن آل فرعون: {لا جَرَمَ أَنَّمَا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيَا وَلا فِي الآخِرَةِ} .
وقال تعالى: {فَلَوْلا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ قُرْبَاناً آلِهَةً بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ وَذَلِكَ إِفْكُهُمْ وَمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ} .
وقال تعالى: {فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِييَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ لَمَّا جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ} .
وقال تعالى: {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ} .
وقال تعالى: {وَقِيلَ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَرَأَوُا الْعَذَابَ لَوْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَهْتَدُونَ} .
فهذه حال كل من دعي من دون الله لشفاعة أو غيرها في الدنيا والآخرة
قوله: وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه يأتي فيسجد لربه ويحمده لا يبدأ بالشفاعة أولاً. إلى آخره.
هذا ثابت في "الصحيحين" وغيرهما من حديث أنس وغيره عنه صلى الله عليه وسلم في حديث الشفاعة قال:
" فأقوم فأمشي بين سماطين من المؤمنين حتى أستأذن على ربي، فإذا رأيته وقعت له، أو خررت ساجدا لربي، فيدعني ما شاء الله أن يدعني
ثم قال: ارفع محمد، قل يسمع واشفع تشفع، وسل تعطه، فأرفع رأسي فأحمد بتحميد يعلمنيه، ثم أشفع فيحد لي حدًا فأدخلهم الجنة، ثم أعود إليه الثانية، فإذا رأيت ربي وقعت له، أو خررت ساجدًا لربي فيدعني ما شاء الله أن يدعني، ثم يقول: ارفع محمد، قل يسمع، وسل فتعطه. واشفع تشفع فأرفع رأسي فأحمده بتحميد يعلمنيه، ثم اشفع فيحد لي حدًا، فأدخلهم الجنة ثم أعود الثالثة، فإذا رأيت ربي وقعت له، أو خررت ساجدًا لربي، فيدعني ما شاء الله أن يدعني ثم يقال: ارفع محمد، قل يسمع، وسل تعطه، واشفع تشفع، فأرفع رأسي فأحمده بتحميد يعلّمنيه، ثم أشفع فيحد لي حدًا فأدخلهم الجنة، ثم أعود الرابعة فأقول: يا رب ما بقي إلا من حبسه القرآن" الحديث،
فبين صلى الله عليه وسلم أنه لا يشفع إلا بعد الإذن في الشفاعة وفي المشفوع فيهم، كما قال: "فيحد لي حدًا فأدخلهم الجنة" .
[أنواع الشفاعة التي تكون للرسول صلى الله عليه وسلم في القيامة]
قوله: وقال أبو هريرة: من أسعد الناس بشفاعتك إلى آخره.
هذا الحديث رواه البخاري ومسلم والنسائي عن أبي هريرة قال:
قلت: يا رسول الله من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة فقال: "لقد ظننت يا أبا هريرة أن لا يسألني عن هذا الحديث أحد أول منك، لما رأيت من حرصك على الحديث، أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال: لا إله إلا الله خالصًا من قبل نفسه" .
وفي رواية: "خالصًا مخلصًا من قلبه أو نفسه " رواه أحمد من طريق آخر، وصححه ابن حبان،
وفيه: "وشفاعتي لمن شهد أن لا إله إلا الله مخلصا، يصدق قلبه لسانه ولسانه قلبه" .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية_رحمه الله:
فجعل أسعد الناس بشفاعته أكملهم إخلاصًا.
وقال في الحديث الصحيح: "من سأل الله لي الوسيلة حلت عليه شفاعتي يوم القيامة" .
ولم يقل: كان أسعد الناس بشفاعتي، فعلم أن ما يحصل للعبد بالتوحيد والإخلاص من شفاعة الرسول صلى الله عليه وسلم وغيرها ما لا يحصل بغيره من الأعمال، وإن كان صالحا لسؤال الوسيلة للرسول صلى الله عليه وسلم فكيف بما لم يأمر به من الأعمال، بل نهى عنه، فذلك لا يُنال به خيرٌ لا في الدنيا ولا في الآخرة، مثل غلو النصارى في المسيح، فإنه يضرهم ولا ينفعهم، ونظير هذا في "الصحيح" عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لكل نبي دعوة مستجابة، وإني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة، فهي نائلة إن شاء الله من مات لا يشرك بالله شيئًا" .
وكذلك في أحاديث الشفاعة كلها إنما يشفع في أهل التوحيد، فبحسب توحيد العبد لربه، وإخلاصه دينه لله تعالى يستحق كرامة الله بالشفاعة وغيرها.
وقال ابن القيم ما معناه: تأمل هذا الحديث كيف جعل أعظم الأسباب التي تنال بها شفاعته تجريد التوحيد، عكس ما عند المشركين من أن الشفاعة تنال باتخاذهم شفعاء، وعبادتهم وموالاتهم من دون الله، فقلب النبي صلى الله عليه وسلم ما في زعمهم الكاذب،
وأخبر أن سبب الشفاعة تجريد التوحيد، فحينئذ يأذن الله للشافع أن يشفع.
ومن جهل المشرك اعتقاده أن من اتخذه وليا أو شفيعًا أنه يشفع له، وينفعه عند الله، كما يكون خواص الملوك والولاة تنفع من والاهم، ولم يعلموا أن الله لا يشفع عند أحد إلا بإذنه، ولا يأذن في الشفاعة إلا من رضي قوله وعمله،
قال تعالى في الفصل الأول:
{مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} .
وفي الفصل الثاني:
{وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى} .
وبقي فصل ثالث وهو أنه لا يرضى من القول والعمل إلا توحيده، واتباع رسوله صلى الله عليه وسلم فهذه ثلاثة فصول تقطع شجرة الشرك من قلب من وعاها وعقلها. انتهى ملخصًا.
وقال الحافظ: المراد بهذه الشفاعة، المسؤول عنها هنا بعض أنواع الشفاعة،
وهي التي يقول صلى الله عليه وسلم: "أمتي أمتي"،
فيقال له: أخرج من النار من كان في قلبه وزن كذا من الإيمان.
فأسعد الناس بهذه الشفاعة من يكون إيمانه أكمل ممن دونه.
وأما الشفاعة العظمى فالإراحة من كرب الموقف. فأسعد الناس بها من يسبق إلى الجنة، وهم الذين يدخلونها بغير حساب، ثم الذين يلونهم وهو من يدخلها بغير عذاب بعد أن يحاسب. ويستحق العذاب، ثم من يصيبه لفح من النار ولا يسقط.
واعلم أن شفاعته صلى الله عليه وسلم في القيامة ستة أنواع كما ذكره ابن القيم _رحمه الله:
الأول:
الشفاعة الكبرى التي يتأخر عنها :
أولو العزم عليهم الصلاة والسلام حتى تنتهي إليه فيقول: "أنا لها". وذلك حين يرغب الخلائق إلى الأنبياء ليشفعوا لهم إلى ربهم حتى يريحهم من مقامهم في الموقف. وهذه شفاعة يختص بها، لا يشركه فيها أحد.
الثاني:
شفاعته لأهل الجنة في دخولها :
وقد ذكرها أبو هريرة في حديثه الطويل المتفق عليه.
الثالث:
شفاعته لقوم من العصاة من أمته قد استوجبوا النار، فيشفع لهم أن لا يدخلوها.
الرابع:
شفاعته في العصاة من أهل التوحيد الذين دخلوا النار بذنوبهم،
والأحاديث بها متواترة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وقد أجمع عليها الصحابة وأهل السنة قاطبة، وبدعوا من أنكرها، وصاحوا به من كل جانب، ونادوا عليه بالضلال.
الخامس:
شفاعته لقوم من أهل الجنة في زيادة ثوابهم ورفع درجتهم، وهذه مما لم ينازع فيها أحد.
السادس:
شفاعته في بعض الكفار من أهل النار حتى يخفف عذابه، وهذه خاصة بأبي طالب وحده.
قوله: وحقيقته:
أي: حقيقة الأمر،
أي: أمر الشفاعة أن الله سبحانه هو الذي يتفضل على أهل الإخلاص، فيغفر لهم بواسطة دعاء من أذن له أن يشفع، ليكرمه، وينال المقام المحمود.
فهذا هو حقيقة الشفاعة، لا كما يظن المشركون والجهال أن الشفاعة هي كون الشفيع يشفع ابتداء فيمن شاء، فيدخله الجنة وينجيه من النار.
ولهذا يسألونها من الأموات وغيرهم إذا زاروهم وذلك أنهم قالوا: إن الميت المعظم الذي لروحه قرب ومزية عند الله لا تزال تأتيه الألطاف من الله، وتفيض على روحه الخيرات، فإذا علق الزائر روحه به، وأدناها منه فاض من روح المزور على روح الزائر من تلك الألطاف بواسطتها، كما ينعكس الشعاع من المرآة الصافية والماء ونحوه على الجسم المقابل له.
قالوا: فتمام الزيارة أن يتوجه الزائر بروحه وقلبه إلى الميت، ويعكف بهمته عليه، ويوجه قصده كله وإقباله عليه بحيث لا يبقى فيه التفات إلى غيره. وكل ما كان جمع الهمة والقلب عليه أعظم كان أقرب إلى انتفاعه به، وشفاعته له.
قال ابن القيم_رحمه الله : وقد ذكر هذه الزيارة على هذا الوجه ابن سينا والفارابي وغيرهما، وصرح بها عباد الكواكب في عبادتها وقالوا: إذا تعلقت النفس الناطقة بالأرواح العلوية فاض عليها منها النور.
وبهذا السر عبدت الكواكب، واتخذت لها الهياكل، وصنفت لها الدعوات، واتخذت الأصنام المجسدة لها، وهذا بعينه هو الذي أوجب لعباد القبور اتخاذ أعياد، وتعليق الستور عليها، وإيقاد السرج عليها، وبناء المساجد عليها،
وهو الذي قصد الرسول صلى الله عليه وسلم إبطاله ومحوه بالكلية، وسد الذرائع المفضية إليه، فوقف المشركون في طريقه، وناقضوه في قصده وكان صلى الله عليه وسلم في شق وهؤلاء في شق.
وهذا الذي ذكره هؤلاء المشركون في زيارة القبور هو الشفاعة التي ظنوا أن آلهتهم تنفعهم بها وتشفع لهم عند الله.
قالوا: فإن العبد إذا تعلقت روحه بروح الوجيه المقرب عند الله، وتوجه بهمته إليه، وعكف بقلبه عليه، صار بينه وبينه اتصال يفيض به عليه منه نصيب مما يحصل له من الله، وشبهوا ذلك بمن يخدم ذا جاه وحظوة وقرب من السلطان، فهو شديد التعلق به، فما يحصل لذلك السلطان من الإنعام والإفضال ينال ذلك المتعلق بحسب تعلقه به.
فهذا سر عبادة الأصنام وهو الذي بعث الله رسله، وأنزل كتبه بإبطاله وتكفير أصحابه، ولعنهم، وأباح دماءهم، وأموالهم، وسبى ذراريهم، وأوجب لهم النار، والقرآن من أوله إلى آخره، مملوء من الرد على أهله وإبطال مذهبهم. انتهى.
قوله: (وينال المقام المحمود) :
أي: المقام الذي يحمده فيه الخلائق كلهم وخالقهم تبارك وتعالى
قال ابن جرير: قال أكثر أهل التأويل: ذلك المقام، الذي يقومه صلى الله عليه وسلم الشفاعة للناس ليريحهم ربهم مما هم فيه من شدة ذلك اليوم.
وقال "ابن عباس: المقام المحمود مقام الشفاعة".
وكذا قال ابن أبي نجيح عن مجاهد. وقال قتادة: هو أول من تنشق عنه الأرض، وأول شافع، وكان أهل العلم يرون أنه المقام المحمود.
قوله: فالشفاعة التي نفاها القرآن ما كان فيها شرك. يعني: أن الشفاعة التي نفاها الله في القرآن هي الشفاعة التي فيها شرك بالله، من دعاء غير الله وعبادته ليشفع له عند الله، فإن الله سبحانه نفى هذه الشفاعة، وأخبر أنها لا تكون أبدًا، بل أخبر أن ذلك شرك، ونزه نفسه عنه،
ونفى أن يكون للمؤمنين ولي أو شفيع من دونه، مع أن الشفاعة يوم القيامة لهم بإذنه، لا للمشركين
كما قال تعالى: {يَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً} .
فنفى سبحانه أن تنفع الشفاعة أحدًا {إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ}
قوله وعمله، وهو المؤمن المخلص.
وأما المشرك الداعي لغير الله ليشفع له فلا تنفعه الشفاعة، ولا يؤذن لأحد في الشفاعة فيه.
كما قال: {فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ} .
وقال تعالى: {وَقِيلَ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَرَأَوُا الْعَذَابَ لَوْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَهْتَدُونَ} .
قوله: وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم إلى آخره. تقدم ما يتعلق بذلك والله أعلم
.... ..... ....
كتاب القول المفيد في شرح كتاب التوحيدللشيخ محمدبن عبدالوهاب_رحمه الله
باب الشفاعة
ذكر الشيخ محمدبن عبدالوهاب_ رحمه الله الشفاعة في كتاب التوحيد،
لأن المشركين الذين يعبدون الأصنام يقولون:
إنها شفعاء لهم عند الله، وهم يشركون بالله - سبحانه وتعالى - فيها بالدعاء والاستغاثة وما أشبه ذلك.
وهم بذلك يظنون أنهم معظمون لله، ولكنهم منتقصون له، لأنه عليم بكل شيء، وله الحكم التام المطلق والقدرة التامة، فلا يحتاج إلى شفعاء.
ويقولون: إننا نعبدهم ليكونوا شفعاء لنا عند الله، فيقربونا إلى الله، وهم ضالون في ذلك، فهو سبحانه عليم وقدير وذو سلطان، ومن كان كذلك، فإنه لا يحتاج إلى شفعاء.
والملوك في الدنيا يحتاجون إلى شفعاء:
إما لقصور علمهم، أو لنقص قدرتهم، فيساعدهم الشفعاء في ذلك، أو لقصور سلطانهم، فيتجرأ عليهم الشفعاء، فيشفعون بدون استئذان، ولكن الله - عز وجل - كامل العلم والقدرة والسلطان، فلا يحتاج لأحد أن يشفع عنده، ولهذا لا تكون الشفاعة عنده سبحانه إلا بإذنه لكمال سلطانه وعظمته.
ثم الشفاعة لا يراد بها معونة الله - سبحانه - في شيء مما شفع فيه، فهذا ممتنع كما سيأتي في كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ، ولكن يقصد بها أمران، هما:
1- إكرام الشافع. 2- نفع المشفوع له.
والشفاعة :
لغة:
اسم من شفع يشفع، إذا جعل الشيء اثنين، والشفع ضد الوتر، قال تعالى: {والشفع والوتر} [الفجر: 3].
واصطلاحًا:
التوسط للغير بجلب منفعة أو دفع مضرة.
مثال جلب المنفعة:
شفاعة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لأهل الجنة بدخولها.
مثال دفعة المضرة:
شفاعة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لمن استحق النار أن لا يدخلها.
وقوله الله عز وجل: {وَأَنذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَن يُحْشَرُواْ إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُم مِّن دُونِهِ وَلِيٌّ وَلاَ شَفِيعٌ} [الأنعام: 51].
وذكر الشيخ محمدبن عبدالوهاب_رحمه الله في هذا الباب عدة آيات:
الآية الأولى قوله تعالى:
{وأنذر به}، الإنذار:
هو الإعلام المتضمن للتخويف،
أما مجرد الخبر، فليس بإنذار، والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم ـ
والضمير في {به} يعود للقرآن،
كما قال تعالى: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا} [الشورى: 7]،
وقال تعالى: {لِتُنذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ} [الأعراف: 2].
وقوله: "يخافون أن يحشروا ":
أي: يخافون مما يقع لهم من سوء العذاب في ذلك الحشر.
والحشر: الجمع، وقد ضمن هنا معنى الضم والانتهاء، فمعنى يحشرون:
أي: يجمعون حتى ينتهوا إلى الله.
قوله {لَيْسَ لَهُم مِّن دُونِهِ وَلِيٌّ وَلاَ شَفِيعٌ} :
{ولي}، أي: ناصر ينصرهم.
{ولا شفيع}، أي: شافع يتوسط لهم، وهذا محل الشاهد.
ففي هذه الآية نفي الشفاعة من دون الله:
أي من دون إذنه، ومفهومها: أنها ثابتة بإذنه،
وهذا هو المقصود، الشفاعة من دونه مستحيلة، وبإذنه جائزة وممكنة.
أما عند الملوك، فجائزة بإذنهم وبغير إذنهم، فيمكن لمن كان قريبًا من السلطان أن يشفع بدون أن يستأذن.
ويفيد قوله: {من دونه} أن لهم بإذنه وليًا وشفيعًا،
كما قال تعالى: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ} [المائدة: 55].
وقوله: {قُل لِّلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا} [الزمر: 44]
الآية الثانية قوله تعالى: {لِّلَّهِ الشَّفَاعَةُ}، مبتدأ وخبر، وقدم الخبر للحصر،
والمعنى: لله وحده الشفاعة كلها، لا يوجد شيء منها خارج عن إذن الله وإرادته،
فأفادت الآية في قوله: {جميعًا} أن هناك أنواعًا للشفاعة.
_وقد قسم أهل العلم رحمه الله الشفاعة إلى قسمين رئيسيين، هما:
القسم الأول:
الشفاعة الخاصة بالرسول صلى الله عليه وسلم
وهي أنواع:
النوع الأول:
الشفاعة العظمى:
وهي من المقام المحمود الذي وعده الله، فإن الناس يلحقهم يوم القيامة في ذلك الموقف العظيم من الغم والكرب ما لا يطيقونه،
فيقول بعضهم لبعض: اطلبوا من يشفع لنا عند الله، فيذهبون إلى آدم أبي البشر، فيذكرون من أوصافه التي ميزه الله بها: أن الله خلقه بيده، وأسجد له ملائكته، وعلمه أسماء كل شيء،
فيقولون: اشفع لنا عند ربك، ألا ترى إلى ما نحن فيه؟! فيعتذر؛
لأنه عصى الله بأكله من الشجرة، ومعلوم أن الشافع إذا كان عنده شيء يخدش كرامته عند المشفوع إليه، فإنه لا يشفع لخجله من ذلك، مع أن آدم عليه السلام قد تاب الله عليه واجتباه وهداه،
قال تعالى: {وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى} [طه: 121، 122]، لكن لقوة حيائه من الله اعتذر.
ثم يذهبون إلى نوح، ويذكرون من أوصافه التي امتاز بها بأنه أول رسول أرسله الله إلى الأرض، فيعتذر بأنه سأل الله ما ليس له به علم حين قال: {رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ} [هود: 45].
ثم يذهبون إلى عيسى عليه الصلاة والسلام، فيذكرون من أوصافه ما يقتضي أن يشفع، فلا يعتذر بشيء، لكن يحيل إلى من هو أعلى مقامًا،
فيقول:
اذهبوا إلى محمد، عبد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فيحيلهم إلى محمد صلى الله عليه وسلم دون أن يذكر عذرًا يحول بينه وبين الشفاعة ، فيأتون محمدًا ـ صلى الله عليه وسلم ـ فيشفع إلى الله ليريح أهل الموقف.
الثاني:
شفاعته في أهل الجنة أن يدخلوها:
لأنهم إذا عبروا الصراط ووصلوا إليها وجدوها مغلقة، فيطلبون من يشفع له، فيشفع النبي صلى الله عليه وسلم إلى الله في فتح أبواب الجنة لأهلها،
ويشير إلى ذلك قوله تعالى: {حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا} [الزمر: 73]،
فقال: {وفتحت}، فهناك شيء محذوف،
أي: وحصل ما حصل من الشفاعة، وفتحت الأبواب،
أما النار، فقال فيها: {حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا...} الآية.
الثالث:
شفاعته ـ صلى الله عليه وسلم ـ في عمه أبي طالب أن يخفف عنه العذاب :
وهذه مستثناة من قوله تعالى: {فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ} [المدثر: 48]،
وقوله تعالى: {يَوْمَئِذٍ لاَّ تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً} [طه: 109]،
وذلك لما كان لأبي طالب من نصرة للنبي صلى الله عليه وسلم ودفاع عنه، وهو لم يخرج من النار،
لكن خفف عنه حتى صار والعياذ بالله في ضحضاح من نار، وعليه نعلان يغلي منهما دماغه، وهذه الشفاعة خاصة بالرسول ـ صلى الله عليه وسلم لا أحد يشفع في كافر أبدًا إلا النبي ـ صلى الله عليه وسلم ومع ذلك لم تقبل الشفاعة كاملة، وإنما هي تخفيف فقط.
القسم الثاني:
الشفاعة العامة له صلى الله عليه وسلم ولجميع المؤمنين.
وهي أنواع:
النوع الأول:
الشفاعة فيمن استحق النار أن لا يدخلها :
وهذه قد يستدل لها بقول الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ:
(ما من مسلم يموت فيقوم على جنازته أربعون رجلًا لا يشركون بالله شيئًا، إلا شفعهم الله فيه) ، فإن هذه شفاعة قبل أن يدخل النار، فيشفعهم الله في ذلك.
النوع الثاني:
الشفاعة فيمن دخل النار أن يخرج منها :
وقد تواترت بها الأحاديث وأجمع عليها الصحابة، واتفق عليها أهل الملة ما عدا طائفتين،
وهما: المعتزلة والخوارج، فإنهم ينكرون الشفاعة في أهل المعاصي مطلقًا لأنهم يرون أن فاعل الكبيرة مخلد في النار، ومن استحق الخلود، فلا تنفع فيه الشفاعة، فهم ينكرون أن النبي صلى الله عليه وسلم أو غيره يشفع في أهل الكبائر أن لا يدخلوا النار، أو إذا دخولها أن يخرجوا منها، لكن قولهم هذا باطل بالنص والإجماع.
النوع الثالث:
الشفاعة في رفع درجات المؤمنين :
وهذه تؤخذ من دعاء المؤمنين بعضهم لبعض كما قال صلى الله عليه وسلم في أبي سلمة:
(اللهم اغفر لأبي سلمة، وارفع درجته في المهديين، وأفسح له في قبره، ونور له فيه، واخلفه في عقبه) ،
والدعاء شفاعة،
كما قال صلى الله عليه وسلم :
(ما من مسلم يموت، فيقوم على جنازته أربعون رجلًا لا يشركون بالله شيئًا، إلا شفعهم الله فيه).
إشكال وجوابه:
فإن قيل: إن الشفاعة لا تكون إلا بإذنه سبحانه، فكيف يسمى دعاء الإنسان لأخيه شفاعة وهو لم يستأذن من ربه؟
والجواب/
إن الله أمر بأن يدعو الإنسان لأخيه الميت، وأمره بالدعاء إذن وزيادة.
وأما الشفاعة الموهومة التي يظنها عباد الأصنام من معبوديهم:
فهي شفاعة باطلة لأن الله لا يأذن لأحد بالشفاعة إلا من ارتضاه من الشفعاء والمشفوع لهم.
إذا قوله: {لِّلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا}:
تفيد أن الشفاعة متعددة كما سبق .
وقوله: {مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ} [البقرة: 255]
الآية الثالثة قوله تعالى: {من ذا الذي}، {من}:
اسم استفهام بمعنى النفي،
أي: لا يشفع أحد عند الله إلا بإذنه.
{ذا}: هل تجعل ذا اسمًا موصولًا كما قال ابن مالك في "الألفية"، أو لا تصح أن تكون اسمًا موصولًا هنا لوجود الاسم الموصول {الذي}؟
الثاني هو الأقرب، وإن كان بعض المعربين
قال: يجوز أن تكون {الذي} توكيدًا لها.
والصحيح أن {ذا} هنا إما مركبة مع {من}، أو زائدة للتوكيد، وأيًا كان الإعراب،
فالمعنى: إنه لا أحد يشفع عند الله إلا بإذن الله.
وسبق أن النفي إذا جاء في سياق الاستفهام،
فإنه يكون مضمنًا معنى التحدي:
أي إذا كان أحد يشفع بغير إذن الله فأت به.
قوله: {عنده} :
ظرف مكان، وهو سبحانه في العلو، فلا يشفع أحد عنده ولو كان مقربًا، كالملائكة المقربين، إلا بإذنه الكوني، والإذن لا يكون إلا بعد الرضا.
وأفادت الآية: أنه يشترط للشفاعة إذن الله فيها لكمال سلطانه جل وعلا، فإنه كلما كمل سلطان الملك، فإنه لا أحد يتكلم عنده ولو كان بخير إلا بعد إذنه،
ولذلك يعتبر اللغط في مجلس الكبير إهانة له ودليلًا على أنه ليس كبيرًا في نفوس من عنده، كان الصحابة مع الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ كأنما على رؤوسهم الطير من الوقار وعدم الكلام إلا إذا فتح الكلام، فإنهم يتكلمون.
وقوله: {وَكَم مِّن مَّلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلاَّ مِن بَعْدِ أَن يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَن يَشَاء وَيَرْضَى} [النجم: 26].
الآية الرابعة قوله تعالى: {وَكَم مِّن مَّلَكٍ}.
{كم} خبرية للتكثير،
والمعنى: ما أكثر الملائكة الذين في السماء، ومع ذلك لا تغني شفاعتهم شيئًا إلا بعد إذن الله ورضاه.
قوله: {إِلاَّ مِن بَعْدِ أَن يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَن يَشَاء وَيَرْضَى}، فللشفاعة شرطان، هما:
1- الإذن من الله، لقوله: {أن يأذن الله}.
2- رضاه عن الشافع والمشفوع له، لقوله: {ويرضى}، وكما قال تعالى: {وَلا يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضَى} [الأنبياء: 28]، فلا بد من إذنه تعالى ورضاه عن الشافع والمشفوع له، إلا في التخفيف عن أبي طالب، وقد سبق ذلك .
وهذه الآية في سياق بيان بطلان ألوهية اللات والعزى، قال تعالى بعد ذكر المعراج وما حصل للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فيه: {لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى} [النجم: 18]:
أي: العلامات الدالة عليه عز وجل، فكيف به سبحانه؟! فهو أكبر وأعظم.
ثم قال: {أَفَرَأَيْتُمُ اللاَّتَ وَالْعُزَّى وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَى} [النجم: 19، 20]:
وهذا استفهام للتحقير، فبعد أن ذكر الله هذه العظمة قال: أخبروني عن هذه اللات والعزى ما عظمتها؟
وهذا غاية في التحقير،
ثم قال: {أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الأُنثَى تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى إِنْ هِيَ إِلاَّ أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الأَنفُسُ وَلَقَدْ جَاءهُم مِّن رَّبِّهِمُ الْهُدَى أَمْ لِلإِنسَانِ مَا تَمَنَّى فَلِلَّهِ الآخِرَةُ وَالأُولَى وَكَم مِّن مَّلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلاَّ مِن بَعْدِ أَن يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَن يَشَاء وَيَرْضَى} الآية [النجم: 21-26].
فإذا كانت الملائكة وهي في السماوات في العلو لا تغني شفاعتهم إلا بعد إذنه تعالى ورضاه، فكيف باللات والعزى وهي في الأرض؟!
ولهذا قال: {وَكَم مِّن مَّلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ}، مع أن الملائكة تكون في السماوات وفي الأرض، ولكن أراد الملائكة التي في السماوات العلى، وهي عند الله سبحانه ، فحتى الملائكة المقربون حملة العرش لا تغني شفاعتهم إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى.
الآية الخامسة قوله تعالى: {قل ادعوا}.
الأمر في قوله: {ادعوا} للتحدي والتعجيز،
وقوله: {ادعوا} يحتمل معنيين، هما:
1- أحضروهم.
2- أدعوهم دعاء مسألة.
فلو دعوهم دعاء مسألة لا يستجيبون لهم، كما قال تعالى: {إِن تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} [فاطر: 14].
يكفرون: يتبرؤون، ومع هذه الآيات العظيمة يذهب بعض الناس يشرك بالله ويستنجد بغير الله، وكذلك لو دعوهم دعاء حضور لم يحضروا، ولو حضروا ما انتفعوا بحضورهم.
قوله: {لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ}:
واحدة الذر: وهي صغار النمل، ويضرب بما المثل في القلة.
قوله: {مثقال ذرة}، وكذلك ما دون الذرة لا يملكونه، والمقصود بذكر الذرة المبالغة، وإذا قصد المبالغة بالشيء قله أو كثرة، فلا مفهوم له، فالمراد الحكم العام، فمثلًا قوله تعالى: {إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} [التوبة: 80]،
أي: مهما بالغت في الاستغفار.
ولا يرد على هذا أن الله أثبت ملكًا للإنسان،
لأن ملك الإنسان قاصر وغير شامل ومتجدد وزائل، وليس كملك الله.
قوله: {مَا لَهُمْ فِيهِمَا مِن شِرْكٍ}:
أي: ما لهؤلاء الذين تدعون من دون الله.
{فيهما}، أي: في السماوات والأرض.
{من شرك}، أي: مشاركة، أي لا يملكونه انفرادًا ولا مشاركة.
وقوله: {من شرك}: مبتدأ مؤخر دخلت عليه {من} الزائدة لفظًا، لكنها للتوكيد معنى.
وكل زيادة لفظية في القرآن فهي زيادة في المعنى.
وأتت {من} للمبالغة في النفي، وأنه ليس هناك شرك لا قليل ولا كثير.
قوله: {وَمَا لَهُ مِنْهُم مِّن ظَهِيرٍ}، الضمير في {ما له} يعود إلى الله تعالى. وفي {منهم} يعود إلى الأصنام:
أي: ما لله تعالى من هذه الأصنام ظهير.
و{من}:
حرف جر زائد،
و{ظهير}:
مبتدأ مؤخر بمعنى معين،
كما قال تعالى: {قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} [الإسراء: 88]، أي: معينًا،
وقال تعالى: {وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ} [التحريم: 4]، أي: معين. أي: ليس لله معين في أفعاله، وبذلك ينتفي عن هذه الأصنام كل ما يتعلق به العابدون، فهي لا تملك شيئًا على سبيل الانفراد ولا المشاركة ولا الإعانة، لأن من يعينك وإن كان غير شريك لك يكون له منه عليك، فربما تحابيه في إعطائه ما يريد.
فإذا انتفت هذه الأمور الثلاثة، لم يبق إلا الشفاعة، وقد أبطلها الله بقوله: {وَلا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِندَهُ إِلاَّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ} [سبأ: 23]، فلا تنفع عند الله الشفاعة لهؤلاء،
لأن هذه الأصنام لا يأذن الله لها، فانقطعت كل الوسائل والأسباب للمشركين، وهذا من أكبر الآيات الدالة على بطلان عبادة الأصنام،
لأنها لا تنفع عابديها لا استقلالًا ولا مشاركة ولا مساعدة ولا شفاعة، فتكون عبادتها باطلة،
قال تعالى: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَن لاَّ يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَومِ الْقِيَامَةِ} [الأحقاف: 5]، حتى ولو كان المدعو عاقلًا، لقوله: {من}، ولم يقل: "ما"،
ثم قال تعالى: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَن لاَّ يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَومِ الْقِيَامَةِ} [الأحقاف: 5، 6]،
وكل هذه الآيات تدل على أنه يجب على الإنسان قطع جميع تعلقاته إلا بالله عبادة وخوفًا ورجاء واستعانة ومحبة وتعظيمًا، حتى يكون عبدًا لله حقيقة، يكون هواه وإرادته وحبه وبغضه وولاؤه ومعاداته لله وفي الله، لأنه مخلوق للعبادة فقط،
قال تعالى: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ} [المؤمنون: 115] :
أي: لا نأمركم ولا ننهاكم، إذ لو خلقناكم فقط للأكل والشرب والنكاح، لكان ذلك عين العبث، ولكن هناك شيء وراء ذلك، وهو عبادة الله سبحانه في هذه الدنيا.
وقوله: {إلينا ترجعون} :
أي: وحسبتم أنكم إلينا لا ترجعون، فنجازيكم إذا كان هذا هو حسبانكم، فهو حسبان باطل.
قال أبو العباس: (نفى الله عما سواه كل ما يتعلق به المشركون، فنفى أن يكون لغيره ملك أو قسط منه، أو يكون عونًا لله، ولم يبق إلا الشفاعة، فبين أنها لا تنفع إلا لمن أذن له الرب،
كما قال: {وَلا يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضَى} [الأنبياء: 28].
قوله: "قال أبو عباس"، هو شيخ الإسلام تقي الدين أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن تيمية رحمه الله يكنى بذلك، ولم يتزوج،
لأنه كان مشغولًا بالعلم والجهاد، وليس زاهدًا في السنة، مات سنة 728هـ، وله 67 سنة و 10 أشهر.
قوله: "لغيره ملك":
أي: لغير الله في قوله: {لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ}.
قوله: "أو قسط منه" :
في قوله: {وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِن شِرْكٍ}.
قوله: "أو يكون عونًا لله" في قوله تعالى: {وَمَا لَهُ مِنْهُم مِّن ظَهِيرٍ} بدون استثناء.
قوله: "ولم يبق إلا الشفاعة":
فبين أنها لا تنفع إلا من أذن له الرب،
كما قال تعالى: {وَلا يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضَى}،
وقال: {مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ} [البقرة: 255]،
ومعلوم أنه لا يرضى هذه الأصنام لأنها باطلة، وحينئذ فتكون شفاعتها منتفية.
واعلم أن شرك المشركين في السابق كان في عبادة الأصنام، أما الآن، فهو في طاعة المخلوق في المعصية، فإن هؤلاء يقدسون زعماءهم أكثر من تقديس الله إن أقروا به، فيقال لهم:
إنهم بشر مثلكم، خرجوا من مخرج البول والحيض، وليس لهم شرك في السماوات ولا في الأرض، ولا يملكون الشفاعة لكم عند الله، إذًا،
فكيف تتعلقون بهم؟!
حتى إن الواحد منهم يركع لرئيسه أو يسجد له كما يسجد لرب العالمين.
والواجب علينا نحو ولاة الأمور طاعتهم، وطاعتهم من طاعة الله، وليس استقلالًا، أما عبادتهم كعبادة الله، فهذه جاهلية وكفر.
فهذه الشفاعة التي يظنها المشركون هي منتفية يوم القيامة، كما نفاها القرآن وأخبر النبي ـ صلى الله عليه وسلم :
(أنه يأتي فيسجد لربه ويحمده - لا يبدأ بالشفاعة أولًا - ثم يقال له: ارفع رأسك، وقل يسمع، وسل تعط، واشفع تشفع) .
فهذه الشفاعة التي يظنها المشركون هي منتفية يوم القيامة، كما نفاها القرآن، فالله - سبحانه وتعالى - نفى أن تنفعهم أصنامهم، بل قال:
{إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ لَوْ كَانَ هَؤُلاء آلِهَةً مَّا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ} [الأنبياء: 98/99]،
حتى الأصنام لا تنفع نفسها ولا يشفع لها، فكيف تكون شافعة؟!
بل هي في النار وعابدوها.
قوله: (وأخبر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه يأتي فيسجد لربه)،
أي: وكما أخبر، فالواو عاطفة، ويجوز أن تكون استئنافية، فإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم
وهو أعظم الناس جاهًا عند الله لا يشفع إلا بعد أن يحمد الله ويثني عليه، فيحمد الله بمحامد عظيمة يفتحها الله عليه لم يكن يعلمها من قبل، ويطول سجوده، فكيف بهذه الأصنام هل يمكن أن تشفع لأصحابها؟
قوله: "ارفع رأسك":
أي: من السجود.
قوله: "وقل يسمع"، السامع هو الله، و"يسمع": جواب الأمر مجزوم.
قوله: "وسل تعط":
أي: سل ما بدا لك تعط إياه، وتعط: مجزوم بحذف حرف العلة جوابًا لسل.
قوله: "واشفع تشفع":
وحينئذ يشفع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في الخلائق أن يقضى بينهم.
قوله: "وقال أبو هريرة له ـ صلى الله عليه وسلم ـ من أسعد الناس بشفاعتك؟"
هذا السؤال من أبي هريرة للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال له النبي ـ صلى الله عليه وسلم :
(لقد كنت أظن أن لا يسألني أحد غيرك عنه لما أرى من حرصك على العلم)،
وفي هذا دليل على أن من وسائل تحصيل العلم السؤال.
قوله: (من قال: لا إله إلا الله خالصًا من قلبه):
وعليه، فالمشركون ليس لهم حظ من الشفاعة لأنهم لا يقولون: لا إله إلا الله،
قال تعالى: {إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُوا آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَّجْنُونٍ} [الصافات: 35، 36]،
وقال تعالى حكاية عنهم: {أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} [ص: 5].
الحقيقة أن صنيعهم هو العجاب
قال تعالى: {بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ} [الصافات: 12]،
وقال تعالى: {وَإِن تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ} [الرعد: 5].
وقوله: "خالصًا من قلبه":
خرج بذلك من قالها نفاقًا، فإنه لا حظ له في الشفاعة، فإن المنافق يقول: لا إله إلا الله،
ويقول: أشهد أن محمدًا رسول الله، لكن الله عز وجل قابل شهادتهم هذه بشهادته على كذبهم، قال تعالى: {وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ} [المنافقون: 1]
أي: في شهادتهم، في قولهم: إنك لرسول الله، فهم كاذبون في شهادتهم وفي قولهم: لا إله إلا الله، لأنهم لو شهدوا بذلك حقًا ما نافقوا ولا أبطنوا الكفر.
قوله: "خالصًا":
أي: سالمًا من كل شوب، فلا يشوبها رياء ولا سمعة، بل هي شهادة يقين.
قوله: "من قبله"، لأن المدار على القلب، وهو ليس معنى من المعاني، بل هو مضعة في صدور الناس، قال الله تعالى: {فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} [الحج: 46]، وقال تعالى: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا}، وقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (ألا وإن في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح الجسد كله) .
وبهذا يبطل قول من قال: إن العقل في الدماغ، ولا ينكر أن للدماغ تأثيرًا في الفهم والعقل، لكن العقل في القلب، ولهذا قال الإمام أحمد: "العقل في القلب، وله اتصال في الدماغ".
ومن قال كلمة الإخلاص خالصًا من قلبه، فلا بد أن يطلب هذا المعبود بسلوك الطرق الموصلة إليه، فيقوم بأمر الله ويدع نهيه.
قوله: "فتلك الشفاعة لأهل الإخلاص"، لأن من أشرك بالله قال الله فيه: {فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ}.
قوله: "وحقيقته أن الله - سبحانه - هو الذي يتفضل على أهل الإخلاص، فيغفر لهم بواسطة دعاء من أذن له أن يشفع".
وحقيقته، أي: حقيقة أمر الشفاعة، أي الفائدة منها: أن الله - عز وجل - أراد أن يغفر للمشفوع له، ولكن بواسطة هذه الشفاعة.
والحكمة من هذه الواسطة بينها بقوله:
"ليكرمه وينال المقام المحمود"،
ولو شاء الله لغفر لهم بلا شفاعة، ولكنه أراد بيان فضل هذا الشافع وإكرامه أمام الناس،
ومن المعلوم أن من قبل الله شفاعته، فهو عنده بمنزلة عالية، فيكون في هذا إكرام للشافع من وجهين:
الأول: إكرام الشافع بقبول شفاعته.
الثاني: ظهور جاهه وشرفه عند الله تعالى.
قوله: "المقام المحمود":
أي: المقام الذي يحمد عليه وأعظم الناس في ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن الله وعده أن يبعثه مقامًا محمودًا،
ومن المقام المحمود: أن الله يقبل شفاعته بعد أن يتراجع الأنبياء أولو العزم عنها.
ومن يشفع من المؤمنين يوم القيامة، فله مقام يحمد عليه على قدر شفاعته..
قوله "فالشفاعة التي نفاها القرآن ما كان فيها شرك"، هذا من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
"ما": اسم موصول،
أي: التي كان فيها شرك.
قوله: "وقد أثبت الشفاعة بإذنه في مواضع" :
ومن ذلك قوله تعالى: {مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ} [البقرة: 255]،
وقوله: {وَلا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِندَهُ إِلاَّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ} [سبأ: 23]،
وقوله: {وَكَم مِّن مَّلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلاَّ مِن بَعْدِ أَن يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَن يَشَاء وَيَرْضَى} [النجم: 26].
قوله: "وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أنها لا تكون إلا لأهل الإخلاص والتوحيد".
أما أهل الشرك، فإن الشفاعة لا تكون لهم، لأن شفعاءهم هي الأصنام، وهي باطلة.
وجه إدخال باب الشفاعة في كتاب التوحيد، أن الشفاعة الشركية تنافي التوحيد، والبراءة منها هو حقيقة التوحيد.
فيه مسائل:
الأولى:
تفسير الآيات :
وهي خمس، وسبق تفسيرها في محالها.
الثانية:
صفة الشفاعة المنفية:
وهي ما كان فيها شرك، فكل شفاعة فيها شرك، فإنها منفية.
الثالثة:
صفة الشفاع :
المثبتة وهي شفاعة أهل التوحيد بشرط إذن الله تعالى ورضاه عن الشافع والمشفوع له.
الرابعة:
ذكر الشفاعة الكبرى:
وهي المقام المحمود، وهي الشفاعة في أهل الموقف أن يقضى بينهم، وقول الشيخ: "وهي المقام المحمود"، أي: منه .
الخامسة:
صفة ما يفعله صلى الله عليه وسلم:
وأنه لا يبدأ بالشفاعة، بل يسجد، فإذا أذن له، شفع، كما قال شيخ الإسلام رحمه الله، وهو ظاهر، وهذا يدل على عظمة الرب وكمال أدب النبي صلى الله عليه وسلم .
السادسة:
من أسعد الناس بها؟
هم أهم التوحيد والإخلاص من قال: لا إله إلا الله خالصًا من قلبه.
ولا إله إلا الله معناها:
لا معبود حق إلا الله،
وليس المعنى: لا معبود إلا الله، لأنه لو كان كذلك، لكان الواقع يكذب هذا، إذ إن هناك معبودات من دون الله تعبد وتسمى آلهة، ولكنها باطلة، وحينئذ يتعين أن يكون المراد لا إله حق إلا الله.
ولا إله إلا الله تتضمن نفيًا وإثباتًا، هذا هو التوحيد،
لأن الإثبات المجرد لا يمنع المشاركة، والنفي المجرد تعطيل محض،
فلو قلت: لا إله معناه عطلت كل إله،
ولو قلت: الله إله ما وحدت،
لأن مثل هذه الصيغة لا تمنع المشاركة،
ولهذا قال الله تعالى: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} [البقرة: 163] لما جاء الإثبات فقط أكده بقوله: واحد.
السابعة:
أنها لا تكون لمن أشرك بالله :
لقوله تعالى: {فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ} [المدثر: 48]،
وغير ذلك مما نفى الله فيه الشفاعة للمشركين، ولقوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (خالصًا من قلبه).
الثامنة:
بيان حقيقتها :
وحقيقتها: أن الله تعالى يتفضل على أهل الإخلاص، فيغفر لهم بواسطة من أذن له أن يشفع ليكرمه وينال المقام المحمود.
......... .......
شرح الشيخ ابن باز لكتاب التوحيد للشيخ محمد بن عبدالوهاب _رحمه الله
باب الشفاعة
وقول الله :
وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ [الأنعام:51]،
وقوله تعالى:
قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا [الزمر:44].
وقوله تعالي :
مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ [البقرة:255]،
وقوله تعالي:
وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى [النجم:26].
وقوله تعالى:
قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ [سبأ:22]
قال أبو العباس:
نفى الله عما سواه كل ما يتعلق به المشركون،
فنفى أن يكون لغيره ملك أو قسط منه، أو يكون عونا لله، ولم يبق إلا الشفاعة،
فبين أنها لا تنفع إلا لمن أذن له الرب،
كما قال تعالى: وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى [الأنبياء:28] فهذه الشفاعة التي يظنها المشركون، هي منتفية يوم القيامة، كما نفاها القرآن وأخبر النبي صلي الله وعليه وسلم:
"أنه يأتي فيسجد لربه ويحمده" (لا يبدأ بالشفاعة أولا) . ثم يقال له: ارفع رأسك وقل يُسمع، وسل تُعط، واشفع تُشفَّع .
وقال أبو هريرة له صلي الله وعليه وسلم:
من أسعد الناس بشفاعتك؟
قال: من قال لا إله إلا الله خالصا من قلبه فتلك الشفاعة لأهل الإخلاص، بإذن الله، ولا تكون لمن أشرك بالله، وحقيقته: أن الله هو الذي يتفضل على أهل الإخلاص فيغفر لهم بواسطة دعاء من أذن له أن يشفع، ليكرمه وينال المقام المحمود.
فالشفاعة التي نفاها القرآن ما كان فيها شرك، ولهذا أثبت الشفاعة بإذنه في مواضع.
وقد بين النبي صلي الله وعليه وسلم أنها لا تكون إلا لأهل التوحيد والإخلاص. اهـ كلامه.
وهذا الباب في الشفاعة، لما كان المشركون يتعلقون بالشفاعة ويدعون غير الله ويستغيثون بغير الله رجاء الشفاعة عقد الشيخ محمدبن عبدالوهاب_رحمه الله هذا الباب ليبين أمر الشفاعة،
يعني باب بيان الشفاعة الشرعية والشفاعة البدعية، والشفاعة التي أثبتها القرآن والشفاعة التي نفاها القرآن؛
حتى تكون المسألة بينة واضحة، وحتى يعلم ذلك كل صاحب حق، وحتى تقوم الحجة على من أنكر ذلك،
قال الله تعالى:
وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ [الأنعام:51]
يعني أنذر الناس ولاسيما أهل الإيمان الذين يخافون أن يُحشروا إلى ربهم ليس لهم من دونه ولي ولا شفيع، أنذر بالقرآن فليس هناك ولي ولا شفيع إلا من أذن الله له من الرسل وأتباعهم،
قال تعالى: مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ [البقرة:255] ما أحد يشفع إلا بإذنه ،
قال تعالى: وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى [الأنبياء:28]
قال سبحانه: وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى [النجم:26]،
فالشفاعة لا بدّ فيها من شرطين:
أحدهما: إذن الله للشافع،
والثاني: رضاه للمشفوع فيه،
وهو سبحانه لا يرضى إلا التوحيد والإيمان لا يرضى الكفر
قال تعالى: إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُم [الزمر:7]
وقال جل وعلا: قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ [سبأ:22-23].
قال أبو العباس ابن تيمية رحمه الله، شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في هذه الآية في تفسيرها:
نفى الله عما سواه كل ما يتعلق به المشركون فنفى أن يكون لغيره ملك لقوله: مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ [فاطر:13]،
لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ [سبأ:22]
أو شرك منه وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ [سبأ:22]،
أو يكون عونًا لله وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ [سبأ:22]،
الظهير العوين، ولم يبق إلا الشفاعة،
فبين سبحانه أنها لا تنفع إلا لمن أذن الله له،
قال تعالى: وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ [سبأ:23]،
فبهذا بطلت الشفاعة التي يتعلق بها المشركون ولم يبق إلا الشفاعة التي أذن الله فيها
وهي التي تكون بإذنه للشافع ورضاه عن المشفوع وهم أهل التوحيد، ورضاه سبحانه لا يرضى إلا التوحيد لا يرضى الشرك ولا يأذن بالشفاعة لأهله
وقد سأله أبو هريرة قال: يا رسول الله، من أحق الناس بشفاعتك؟
قال: من قال لا إله إلا الله خالصًا من قلبه فتلك الشفاعة لأهل الإخلاص، ولا تكون لمن أشرك بالله.
ثم قال الشيخ محمدبن عبدالوهاب_رحمه الله: وحقيقته، يعني حقيقة الأمر أن الله سبحانه هو الذي تفضل على عباده فيأذن للشافع أن يشفع فيهم إذا كانوا موحدين مخلصين،
أما من كان على الشرك فلا يؤذن له بالشفاعة فيه، هذا من فضله جل وعلا، يأذن للشافع في المشفوع فيهم من أهل التوحيد والإيمان، أما أهل الشرك فلا شفاعة فيهم،
كما قال تعالى: وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى [النجم:26]،
فالشفاعة حق ولكنها تكون لأهل التوحيد والإخلاص ولا تكون لمن أشرك بالله، هذه الشفاعة الخاصة.
أما الشفاعة العامة لنبينا صلي الله وعليه وسلم فهي لجميع الناس، تعم أهل الموقف كلهم مسلمهم وكافرهم،
وهذه الشفاعة العظمى هي الشفاعة في أن يقضى بينهم ويحاسبوا ويقال لها الشفاعة العظمى، وهذه خاصة بنبينا صلي الله وعليه وسلم وهي المقام المحمود الذي قال الله فيه:
عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا [الإسراء:79]،
هي الشفاعة العظمى يشفع فيها لأهل الموقف حتى يُقضى بينهم.
أما الشفاعات الأخرى: فهي خاصة بالمؤمنين،
الشفاعة لأهل الجنة يدخلون الجنة،
والشفاعة في بعض العصاة أن يخرجوا من النار، كل هذه بعد الشفاعة العظمى.
والشفاعة في العصاة لا تخصه صلي الله وعليه وسلم بل تعمه وتعم غيره من المؤمنين، فالمؤمنون لهم شفاعات في العصاة.
فالخاصة به ثلاث:
_الشفاعة العظمى
_والشفاعة في أهل الجنة أن يدخلوا الجنة هذه خاصة به صلب الله وعليه وسلم
_ الشفاعة في عمه أبي طالب أن يخفف عنه، يخفف عنه بعض الشيء، فهذه ثلاث شفاعات تخصه صلي الله وعليه وسلم.
أما الشفاعة في أهل النار فيمن استحق النار لا يدخلها، وفيمن دخلها أن يخرج منها، وفي الدرجات فهذه لا تخصه صلي الله وعليه وسلم بل له ولغيره يشفع المؤمنون، تشفع الملائكة يشفع الأفراط، يشفع النبي صلي الله وعليه وسلم، والله جل وعلا يحد لهم شفاعات يوم القيامة يشفع فيحد الله لهم حدًا من العصاة فيخرجهم من النار، ثم يشفع مرة أخرى فيحد الله له حدًا، ثم يشفع مرة ثالثة فيحد الله له حدًا، ثم يشفع مرة رابعة، فيحد الله له حدًا تخرجهم من النار قد امتحشوا بذنوبهم وسيئاتهم.
ويبقى في النار بقية لم تشملهم الشفاعة، بقية لم تشملهم شفاعة الشفعاء فيخرجهم الله من النار بغير شفاعة برحمته سبحانه، يخرجهم من النار وهم آخر من يخرج من النار، لم يعملوا خيرًا قط سوى أنهم ماتوا على التوحيد، ولكن دخلوا النار بمعاصيهم وسيئاتهم، فيخرجهم الله من النار ولا يبقى في النار إلا أهلها وهم الكفرة الذين حكم الله عليهم فيها بالخلود أبد الآباد،
كما قال جل وعلا:
لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُور [فاطر:36]
وقال فيهم جل وعلا:
كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّار [البقرة:167]
وقال فيهم سبحانه:
يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ [المائدة:37]
وقال فيهم سبحانه:
كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا [الإسراء:97]
فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَابًا [النبأ:30]
الأسئلة:
س/ شفاعة النبي صلي الله وعليه وسلم؟
ج/في أبي طالب خاصة التخفيف.
س/الذين لم يفعلوا خيرًا من أهل التوحيد ؟
ج/إلا التوحيد.
س/ هؤلاء كانوا ما يصلون على حسب النص؟
ج/ ماتوا على شيء لا يكفرهم، معاصي لا تكفرهم.
س/ ما كانوا يصلون؟
ج/اللي ما يصلي ما عمل خيرا قط؛ لأن عدم الصلاة يبطل أعماله ما يكون موحدا يكون مع الكفرة، نسأل الله العافية.
س/قول الله : حَسَرَاتٍ [فاطر:8]
وقول الله تبارك وتعالى: يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ [يس:30] ما معنى هذه الآية؟
ج/حسرات عليهم في النار يعني، كل عاص يحسر يوم القيامة ويتمنى أنه أطاع الله لكن لا تنفع كل عاصي يوم القيامة يتحسر وتمنى أنه أطاع الله وأنه لم يطع الشيطان .
س/ يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ [يس:30]؟
ج/ حسرة شديدة، يعني حسرة عليهم شديدة تصيبهم بسبب كفرهم.
س/في الدنيا والآخرة، أما في الآخرة فحسب؟
ج/ أشدها في الآخرة وعند خروج الروح وفي القبر أما في الدنيا ففي غفلة وسهو، نسأل الله العافية.
س/ اللي ينكر شفاعة الرسول صلي الله وعليه وسلم يصير كافرا؟
ج/ يكفر نعم.
س/ أهل الكتاب الذين كانوا في وقت الرسول صلي الله وعليه وسلم وماتوا على دين عيسى ؟
ج/من أهل النار.
س/ كانوا يوحدون ولكن ما أدركهم الإسلام؟
ج/ اللي ماتوا على دين عيسى ودين موسى لهم الجنة أما الذين أدركوا محمدا ولم يؤمنوا به فلهم النار، نسأل الله العافية، يقول صلي الله وعليه وسلم: والذي نفسي بيده ما يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أهل النار، نسأل الله العافية.
س/من الذين لا تشملهم الشفاعة؟
ج/ الكفار، ويبقى بقية من العصاة ما تشملهم الشفاعات كلها يخرجهم الله بغير شفاعة فضلا منه سبحانه.