حكم النذر لغير الله ؟!
شرح كتاب التوحيد للشيخ محمد بن عبد الوهاب_رحمه الله
باب من الشرك النذر لغير الله
أي إنه من العبادة، فيكون صرفه لغير الله شركًا، فإذا نذر طاعة وجب عليه الوفاء بها وهو عبادة،
وقربة إلى الله. ولهذا مدح الله الموفين به، فإن نذر لمخلوق تقربًا إليه ليشفع له عند الله، ويكشف ضره ونحو ذلك فقد أشرك في عبادة الله تعالى غيره ضرورة،
كما أن من صلى لله وصلى لغيره، فقد أشرك، كذلك هذا، لقوله تعالى: {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ}
وجه الدلالة من الآية على الترجمة أن الله تعالى مدح الموفين بالنذر،
والله تعالى لا يمدح إلا على فعل واجب أو مستحب، أو ترك محرم،
لا يمدح على فعل المباح المجرد، وذلك هو العبادة، فمن فعل ذلك لغير الله متقربًا إليه فقد أشرك.
قال: وقوله: {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ} .
وجه الدلالة من الآية على الترجمة أن الله تعالى أخبر بأن ما أنفقناه من نفقة، أو نذرناه من نذر متقربين بذلك إليه أنه يعلمه، ويجازينا عليه. فدل ذلك أنه عبادة.
وبالضرورة يدري كل مسلم أن من صرف شيئًا من أنواع العبادة لغير الله فقد أشرك.
قال ابن كثير: يخبر تعالى بأنه عالم بجميع ما يعمله العاملون من الخيرات من النفقات والمنذورات.
وتضمن ذلك مجازاته على ذلك أوفر الجزاء للعاملين لذلك، ابتغاء وجهه، ورجاء موعوده.
إذا علمت ذلك فهذه النذور الواقعة من عباد القبور وأشباههم لمن يعتقدون فيه نفعًا أو ضرًا فيتقرب إليه بالنذر، ليقضي حاجته أو ليشفع له.
كل ذلك شرك في العبادة، وهو شبيه بما ذكر الله عن المشركين في قوله:
{وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالأَنْعَامِ نَصِيباً فَقَالُوا هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لِشُرَكَائِنَا فَمَا كَانَ لِشُرَكَائِهِمْ فَلا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ وَمَا كَانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَى شُرَكَائِهِمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} .
روى ابن أبي حاتم في الآية. يعني: جعلوا لله جزءًا من الحرث ولشركائهم ولأوثانهم جزءًا، فما ذهبت به الريح مما سموا لله إلى جزء أوثانهم تركوه،
وقالوا: الله عن هذا غني، وما ذهبت به الريح من جزء أوثانهم إلى جزء الله أخذوه.
وعباد القبور يجعلون لله جزءًا من أموالهم بالنذر والصدقة، وللأموات والطواغيت جزءًا كذلك، وقد نص غير واحد من العلماء، على أن النذر لغير الله شرك.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية _رحمه الله:
وأما ما نذره لغير الله كالنذر للأصنام والشمس والقمر والقبور ونحو ذلك،
فهو بمنْزلة أن يحلف بغير الله من المخلوقات، والحالف بالمخلوقات لا وفاء عليه ولا كفارة، وكذلك الناذر للمخلوق ليس عليه وفاء ولا كفارة، فإن كليهما شرك، والشرك ليس له حرمة، بل عليه أن يستغفر الله من هذا العقد
ويقول ما قال النبي صلى الله عليه وسلم
حيث قال:
"من حلف باللات والعزى فليقل لا إله إلا الله" .
وقال أيضًا فيمن نذر للقبور ونحوها دهنًا لتنور به ويقول: إنها تقبل النذر كما يقول بعض الضالين.
فهذا النذر معصية باتفاق العلماء، لا يجوز الوفاء به، وكذلك إذا نذر مالاً من النقد أو غيره للسدنة أو المجاورين العاكفين بتلك البقعة، فإن هؤلاء السدنة فيهم شبه من السدنة التي كانت للات والعزى ومناة يأكلون
{أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ}
والمجاورون هناك فيهم شبه من العاكفين الذين قال فيهم إبراهيم الخليل عليه السلام:
{مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ} .
والذين اجتاز بهم موسى عليه السلام وقومه؛
قال تعالى: {وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرائيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ} .
فالنذر لأولئك السدنة والمجاورين في هذه البقاع التي لا فضل للشريعة في المجاورة فيها نذر معصية،
وفيه شبه من النذر للسدنة الصلبان المجاورين عندها، أو لسدنة الأبدال التي في الهند والمجاورين عندها، ثم هذا المال إذا صرفه في جنس تلك العبادة من المشروع مثل أن يصرفه في عمارة المساجد أو للصالحين من فقراء المسلمين، يستعينون بالمال على عبادة الله كان حسنًا.
وقد تقدم كلام ابن القيم في قوله: ويقولون إنها تقبل النذر،
أي: تقبل العبادة من دون الله، فإن النذر عبادة. إلى آخره.
وقال الإمام الأذرعي " في شرح منهاج النووي":
وأما النذر للمشاهد التي بنيت على قبر ولي أو شيخ، أو على اسم من حلها من الأولياء، أو تردد في تلك البقعة من الأنبياء والصالحين، فإن قصد الناذر بذلك وهو الغالب أو الواقع من قصود العاقد تعظيم البقعة والمشهد والزاوية، أو تعظيم من دفن بها أو نسبت إليه، أو بنيت على اسمه، فهذا النذر باطل غير منعقد،
فإن معتقدهم أن لهذه الأماكن خصوصيات لأنفسها، ويرون أنها مما يدفع به البلاء، ويستجلب به النعماء، ويستشفى بالنذر لها من الأدواء، حتى إنهم ينذرون لبعض الأحجار لما قيل:
إنه جلس إليها أو استند إليها عبد صالح، وينذرون لبعض القبور السرج والشموع والزيت،
ويقولون: القبر الفلاني أو المكان الفلاني يقبل النذر، يعنون بذلك أنه يحصل به الغرض المأمول من شفاء مريض، وقدوم غائب، وسلامة مال، وغير ذلك من أنواع نذر المجازاة.
فهذا النذر على هذا الوجه باطل لا شك فيه، بل نذر الزيت والشمع ونحوهما للقبور باطل مطلقًا، من ذلك نذر الشموع الكثيرة العظيمة وغيرها لقبر الخليل عليه السلام، ولقبر غيره من الأنبياء والأولياء، فإن الناذر لا يقصد بذلك إلا الإيقاد على القبر تبركًا وتعظيمًا، ظانًا أن ذلك قربة، فهذا مما لا ريب في بطلانه. والإيقاد المذكور محرم سواء انتفع به هناك منتفع أم لا إلى آخر كلامه.
وقال الشيخ قاسم [بن قُطُلُبُغَى] الحنفي في "شرح درر البحار":
النذر الذي ينذره أكثر العوام على ما هو مشاهد، كأن يكون للإنسان غائب أو مريض أو له حاجة ضرورية، فيأتي إلى بعض الصلحاء، ويجعل على رأسه سترة ويقول:
يا سيدي فلان إن رد الله غائبي أو عوفي مريضي أو قضيت حاجتي، فلك من الذهب كذا أو من الفضة كذا، أو من الطعام كذا، أو من الماء ومن الشمع والزيت كذا، فهذا النذر باطل بالإجماع لوجوه.
منها: أنه نذر لمخلوق، والنذر للمخلوق لا يجوز لأنه عبادة، والعبادة لا تكون لمخلوق.
ومنها أن المنذور له ميت والميت لا يملك.
ومنها أنه ظن أن الميت يتصرف في الأمور دون الله، واعتقاد ذلك كفر، إلى أن قال:
إذا علمت هذا فما يؤخذ من الدراهم والشمع والزيت وغيرها وينقل إلى ضرائح الأولياء تقربًا إليهم فحرام بإجماع المسلمين. نقله عنه ابن نجيم في "البحر الرائق" في آخر كتاب الصوم.
ومنه نقله المرشدي أيضًا في "تذكرته" ونقله غيرهما عنه وزاد:
وقد ابتلي الناس بهذا لا سيما في مولد أحمد البدوي.
وقال الشيخ صنع الله الحلبي الحنفي في الرد على من أجاز الذبح والنذر للأولياء،
وأثبت الأجر في ذلك:
فهذا الذبح والنذر إن كان على اسم فلان وفلان فهو لغير الله، فيكون باطلاً.
وفي التنزيل: {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} .
وقوله: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} :
أي: صلاتي وذبحي لله، كما فسر به قوله:
{فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} .
وفي الحديث: "لا نذر في معصية الله" . رواه أبو داود وغيره.
والنذر لغير الله إشراك مع الله، إلى أن قال: فالنذر لغير الله كالذبح لغيره.
وقال الفقهاء: خمسة لغير الله شرك: الركوع والسجود والنذر والذبح واليمين.
قال: والحاصل أن النذر لغير الله فجور، فمن أين تحصل لهم الأجور؟ انتهى ملخصًا.
وقال القاضي أبو بكر ابن العربي المالكي:
قد نهي عن النذر، وندب إلى الدعاء، والسبب فيه أن الدعاء عبادة عاجلة، ويظهر به التوجه إلى الله تعالى، والتضرع له، وهذا بخلاف النذر فإن فيه تأخير العبادة إلى حين الحصول وترك العمل إلى حين الضرورة.
فقد نص أبو بكر على أن الدعاء والنذر عبادتان، ولا يمتري مسلم أن من عبد غير الله فقد أشرك، ولكن كما قال تعالى: {وَمَا تُغْنِي الآياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ} .
قال: وفي " الصحيح " " عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه " .
قوله في "الصحيح" :
أي: "صحيح البخاري".
قوله: "عن عائشة":
هي أم المؤمنين، وزوج النبي صلى الله عليه وسلم. وبنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما، تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم. وهي بنت سبع سنين، ودخل بها وهي بنت تسع سنين، وهي أفقه النساء مطلقًا، وأفضل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم إلا خديجة ففيهما خلاف كثير. وماتت سنة سبع وخمسين على الصحيح، قاله الحافظ [في التّقريب] .
قوله: "من نذر أن يطيع الله فليطعه":
أي: فليفعل ما نذره من طاعة الله وقد أجمع العلماء على أن من نذر طاعة بشرط يرجوه
كقوله: إن شفى الله مريضي فعلي أن أتصدق بكذا ونحو ذلك، وجب عليه أن يوفي بها مطلقًا إذا حصل الشرط، إلا أنه حكي عن أبي حنيفة أنه لا يلزمه الوفاء بما لا أصل له في الوجوب،كالاعتكاف، وعيادة المريض. والحديث حجة عليه،
لأنه لم يفرق بين ما له أصل في الوجوب وما لا أصل له، فإنّ نذر ابتداء
كقوله: لله تعالى علي صوم شهر فالحكم أيضًا كذلك في قول الأكثرين. وعن بعضهم أنه لا يلزم، والحديث حجة عليه أيضًا، لأنه لم يفرق بين ما علقه على شرط وبين ما نذره ابتداء قوله:
"ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه" .
زاد الطحاوي "وليكفر عن يمينه".
قال ابن القطان: عندي شك في رفع هذه الزيادة :
أي: لا يفعل المعصية التي نذرها وقد أجمع العلماء على أنه لا يجوز الوفاء بنذر المعصية.
قال الحافظ في "الفتح": واتفقوا على تحريم النذر في المعصية، وتنازعوا هل ينعقد موجبًا للكفارة أم لا؟
وقد تقدم ذلك في الباب قبله.
وقد يستدل بقوله: "ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه":
بصحة النذر في المباح، كما هو مذهب أحمد وغيره. يؤيده ما رواه أبو داود عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ورواه أحمد والترمذي عن بريدة
"أن امرأة قالت: يا رسول الله إني نذرت أن أضرب على رأسك بالدف. فقال: "أوف بنذرك"
وإذا صححناه فحكمه حكم الحلف على فعله، فيخير بين فعله وكفارة اليمين.
وأما نذر اللجاج والغضب، فهو يمين عند أحمد، فيخير بين فعله وكفارة اليمين، لحديث عمران بن حصين مرفوعًا: "لا نذر في غضب، وكفارته كفارة يمين" . رواه سعيد [بن منصور] وأحمد، والنسائي، وله طرق، وفيه كلام، فإن نذر مكروها كالطلاق، استحب أن يكفر ولا يفعله.
..... ..... .....
كتاب القول المفيد في شرح كتاب التوحيدللشيخ محمدبن عبدالوهاب_رحمه الله
" باب من الشرك النذر لغير الله "
النذر لغير الله مثل أن يقول: لفلان علي نذر، أو لهذا القبر علي نذر، أو لجبريل علي نذر، يريد بذلك التقرب إليهم، وما أشبه ذلك.
والفرق بينه وبين نذر المعصية:
أن النذر لغير الله ليس لله أصلًا، ونذر المعصية،
ولكنه على معصية من معاصيه،
مثل أن يقول:
لله على نذر أن أفعل كذا وكذا من معاصي الله، فيكون النذر والمنذور معصية، ونظير هذا الحلف بالله على شيء محرم، والحلف بغير الله، فالحلف بغير الله
مثل: والنبي، لأفعلن كذا وكذا، ونظيره النذر لغير الله، والحلف بالله على محرم،
مثل: والله، لأسرقن، ونظيره نذر المعصية، وحكم النذر لغير الله شرك، لأنه عبادة للمنذور له، وإذا كان عبادة، فقد صرفها لغير الله، فيكون مشركًا.
وهذا النذر لغير الله لا ينعقد إطلاقًا، ولا تجب فيه كفارة، بل هو شرك تجب التوبة منه، كالحلف بغير الله فلا ينعقد وليس فيه كفارة.
وأما نذر المعصية، فينعقد، لكن لا يجوز الوفاء به، وعليه كفارة يمين، كالحلف بالله على المحرم ينعقد، وفيه كفارة.
وقد ذكر المؤلف في هذا الباب آيتين:
وقول الله تعالى: {يوفون بالنذر} [الإنسان: 7].
_الأولى: قوله: {يوفون بالنذر}، هذه الآية سيقت لمدح الأبرار، {إن الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورًا} [الإنسان: 5].
ومدحهم بهذا يقتضي أن يكون عبادة، لأن الإنسان لا يمدح ولا يستحق دخول الجنة إلا بفعل شيء يكون عباده.
ولو أعقب المؤلف هذه الآية بقوله تعالى: {وليوفوا نذورهم} [الحج: 29]، لكان أوضح،
لأن قوله: {وليوفوا نذورهم} أمر، والأمر بوفائه يدل على أنه عبادة، لأن العبادة ما أمر به شرعًا.
وجه استدلال المؤلف بالآية على أن النذر لغير الله من الشرك:
أن الله تعالى أثنى عليهم بذلك، وجعله من الأسباب التي بها يدخلون الجنة، ولا يكون سببًا يدخلون به الجنة إلا وهو عبادة، فيقتضي أن صرفه لغير الله شرك.
وقوله: {وما أنفقتم من نفقة أو نذرتم من نذر فإن الله يعلمه} [البقرة: 270].
_ الآية الثانية قوله: {وما أنفقتم}.
{ما}: شرطية،
و: {أنفقتم}: فعل الشرط،
وجوابه: {فإن الله يعلمه}.
قوله: {من نفقة}، بيان لـ: {ما} في قوله: {ما أنفقتم}، والنفقة: بذل المال، وقد يكون في الخير، وقد يكون في غيره.
قوله: {أو نذرتم}، معطوف على قوله: {وما أنفقتم}.
قوله: {فإن الله يعلمه}، تعليق الشيء بعلم الله دليل على أنه محل جزاء، إذ لا نعلم فائدة لهذا الإخبار بالعلم إلا لترتب الجزاء عليه، وترتب الجزاء عليه يدل على أنه من العبادة التي يجازى الإنسان عليها، وهذا وجه استدلال المؤلف بهذه الآية.
وفي الصحيح عن عائشة رضي الله عنها، أن رسول الله قال:
«من نذر أن يطيع الله، فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله، فلا يعصه».
قوله: (وفي الصحيح)، سبق الكلام على مثل هذا التعبير في باب تفسير التوحيد (ص 146).
قوله: «من نذر»، جملة شرطية تفيد العموم،
وهل تشمل الصغير؟
قال بعض العلماء: تشمله، فينعقد النذر منه.
وقيل: لا تشمله، لأن الصغير ليس أهلًا للإلزام ولا للالتزام، وبناء على هذا يخرج الصغير من هذا العموم، لأنه ليس أهلًا للإلزام ولا للالتزام.
قوله: «أن يطيع الله»، الطاعة: هي موافقة الأمر:
أي: توافق الله فيما يريد منك إن أمرك، فالطاعة فعل المأمور به، وإن نهاك، فالطاعة ترك المنهي عنه، هذا معنى الطاعة إذا جاءت مفردة.
أما إذا قيل: طاعة ومعصية، فالطاعة لفعل الأوامر، والمعصية لفعل النواهي.
قوله: «فليطعه»، الفاء واقعة في جواب الشرط:
لأن الجملة إنشائية طلبية، واللام لام الأمر.
وظاهر الحديث: يشمل ما إذا كانت الطاعة المنذورة جنسها واجب، كالصلاة والحج وغيرهما، أو غير واجب، كتعليم العلم وغيره.
وقال بعض أهل العلم: لا يجب الوفاء بالنذر إلا إذا كان جنس الطاعة واجبًا، وعموم الحديث يرد عليهم.
وظاهر الحديث أيضًا يشمل من نذر طاعة نذرًا مطلقًا ليس له سبب،
مثل: (لله علي أن أصوم ثلاثة أيام).
ومن نذر نذرًا معلقًا،
مثل: إن نجحت، فلله علي أن صوم ثلاثة أيام.
ومن فرق بينهما، فليس يجيد لأن الحديث عام.
وأعلم أن النذر لا يأتي بخير ولو كان نذر طاعة،
وإنما يستخرج به من البخيل، ولهذا نهى عنه النبي، وبعض العلماء يحرمه، وإليه يميل شيخ الإسلام ابن تيمية للنهي عنه،
ولأنك تلزم نفسك بأمر أنت في عافية منه، وكم من إنسان نذر وأخيرًا ندم، وربما لم يفعل.
ويدل لقوة القول بتحريم النذر قوله تعالى: {وأقسموا بالله جهد إيمانهم لئن أمرتهم ليخرجن} [النور: 53]،
فهذا التزام مؤكد بالقسم فيشبه النذر.
قال الله تعالى: {قل لا تقسموا طاعة معروفة} [النور: 53]:
أي: عليكم طاعة معروفة بدون يمين، والإنسان الذي لا يفعل الطاعة إلا بالنذر، أو حلف على نفسه يعني أن الطاعة ثقيلة عليه.
ومما يدل على قوة القول بالتحريم أيضًا خصوصًا النذر المعلق:
أن النادر كأنه غير واثق بالله- عز وجل،
فكأنه يعتقد أن الله لا يعطيه الشفاء إلا إذا أعطاه مقابلة، ولهذا إذا أيسوا من البرء ذهبوا ينذرون، وفي هذا سوء ظن بالله- عز وجل.
والقول بالتحريم قول وجيه.
فإن قيل/ كيف تحرمون ما أثنى الله على من وفى به؟
فالجواب/أننا لا نقول: إن الوفاء هو المحرم حتى يقال: إننا هدمنا النص، إنما نقول: المحرم أو المكروه كراهة شديدة هو عقد النذر، وفرق بين عقده ووفائه، فالعقد ابتدائي، والوفاء في ثاني الحال تنفيذ لما نذر.
قوله: «ومن نذر أن يعصي الله، فلا يعصه»:
لا: ناهية، والنهي بحسب المعصية، فإن كانت المعصية حرامًا، فالوفاء بالنذر حرام، وإن كانت المعصية مكروهة، فالوفاء بالنذر مكروه، لأن المعصية الوقوع فيما نهي عنه، والمنهي عنه ينقسم عند أهل العلم إلى قسمين:
منهي عنه نهي تحريم،
ومنهي عنه نهي تنزيه.
فيه مسائل:
_ الأولى:
وجوب الوفاء بالنذر، يعني: نذر الطاعة فقط،
لقوله: «من نذر أن يطيع الله، فليطعه»
ولقول المؤلف في المسألة الثالثة: إن نذر المعصية لا يجوز الوفاء به.
_ الثانية:
إذا ثبت كونه عبادة، فصرفه إلى غير الله شرك، وهذه قاعدة في توحيد العبادة، فأي فعل كان عبادة، فصرفه لغير الله شرك.
_ الثالثة:
أن نذر المعصية لا يجوز الوفاء به،
لقوله: «من نذر أن يعصي الله، فلا يعصه».
باب من الشرك الاستعاذة بغير الله:
قوله: (من الشرك):
من: للتبعيض، وهذه الترجمة ليست على إطلاقها،
لأنه إذا استعاذ بشخص مما يقدر عليه، فإنه جائز، كالإستعانة.
وقول الله تعالى: {وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقًا} [الجن: 6].
قوله تعالى: {وأنه كان رجال من الإنس}، الواو: حرف عطف، و: {أن}: فتحت همزتها بسبب عطفها على قوله: {أنه استمع نفر من الجن}.
قال ابن مالك:
وهمز إن افتح لسد مصدر ** مسدها وفي سوى ذاك اكسر
فيؤول بمصدر،
أي: قل أوحي إلى استماع نفر وكون رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن.
قوله: {من الإنس} :
صفة لرجال، لأن رجال نكرة، وما بعد النكرة صفة لها.
قوله: {يعوذون} :
الجملة خبر كان، ويقال: عاذ به ولاذ به،
فالعياذ مما يخاف، واللياذ فيما يؤمل، وعليه قول الشاعر يخاطب ممدوحة، ولا يصلح ما قاله إلا لله:
يا من ألوذ به فيما أأمله
ومن أعود به مما أحاذره
لا يجبر الناس عظمًا أنت كاسره
ولا يهيضون عظمًا أنت جابره
قوله: {يعوذون برجال من الجن}:
أي: يلتجئون إليهم مما يحاذرونه، يظنون أنهم يعيذونهم، ولكن زادوهم رهقًا،
أي: خوفًا وذعرًا، وكان العرب في الجاهلية إذا نزلوا في واد نادوا بأعلى أصواتهم: أعود بسيد هذا الوادي من سفهاء قومه.
قوله: {رهقًا} :
أي: ذعرًا وخوفًا، بل الرهق أشد من مجرد الذعر والخوف، فكأنهم مع ذعرهم وخوفهم أرهقهم وأضعفهم شيء، فالذعر والخوف في القلوب والرهق في الأبدان.
وهذه الآية تدل على أن الاستعاذة بالجن حرام :
لأنها لا تفيد المستعيذ، بل تزيده رهقًا، فعقب بنقيض قصده، وهذا ظاهر، فتكون الواو ضمير الجن والهاء ضمير الإنس.
وقيل: إن الإنس زادوا الجن رهقًا :
أي: استكبارًا وعتوًا، ولكن الصحيح الأول.
قوله: {برجال من الجن}، يستفاد منه أن للجن رجالًا، ولهم إناث، وربما يجامع الرجل من الجن الأنثى من بني آدم، وكذلك العكس الرجل من بني آدم قد يجامع الأنثى من الجن، وقد ذكر الفقهاء الخلاف في وجوب الغسل بهذا الإجماع.
والفقهاء يقولون في باب الغسل، لو قالت، أن بها جنيًّا يجامعها كالرجل، وجب عليها الغسل،
وأما أن الرجل يجامع الأنثى من الجن، فقد قيل ذلك، لكن لم أره في كلام أهل العلم، وإنما أساطير تقال، والله أعلم.
لكن علينا أن نصدق بوجودهم، وأنهم مكلفون، وبأن منهم الصالحين ومنهم دون ذلك، وبأن منهم المسلمين والقاسطين، وبأن منهم رجالًا ونساء.
وجه الاستشهاد بالآية: ذم المستعيذين بغير الله، والمستعيذ بالشيء لا شك أنه قد علق رجاءه به، واعتمد عليه، وهذا نوع من الشرك.
وعن خولة بنت حكيم قالت: سمعت رسول الله يقول: «من نزل منزلًا، فقال: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، لم يضره شيء حتى يرحل من منزله ذلك» رواه مسلم.
قوله: (كلمات)، من جموع القلة:
لأنه جمع مؤنث سالم، وجموع القلة من ثلاثة إلى عشرة، والكثرة ما فوق ذلك.
وقيل: جموع الكثرة من ثلاثة إلى ما لا نهاية له، فيكون جمع القلة والكثرة يتفقان في الابتداء، ويختلفان في الانتهاء.
قال ابن مالك:
أفعلة أفعل ثم فعله
ثمت أفعال جموع قله
وبعض ذي بكثرة وضعًا يفي
كأرجل والعكس جاء كالصفي
والراجح:
أن جموع القلة تدل على الكثرة بالدليل.
و: (كلمات):
جمع قلة دال على الكثرة لوجود الدليل،
قال تعالى: {قل لو كان البحر مدادًا لكلمات ربي لنفذ البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا يمثله مدادًا} [الكهف: 109].
وأبلغ من هذا قوله تعالى:
{ولو أن ما في الأرض من شجر أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله} [لقمان: 27].
والمراد بالكلمات هنا:
الكلمات الكونية والشرعية.
وقوله: (من نزل منزلًا) يشمل من نزله على سبيل الإقامة الدائمة، أو الطارئة، بدليل أنه نكرة في سياق الشرط، والنكرة في سياق الشرط تفيد العموم.
وقوله: (أعوذ) بمعنى: ألتجئ وأعتصم.
قوله: (التامات)، تمام الكلام بأمرين:
1- الصدق في الأخبار.
2- العدل في الأحكام.
قال الله تعالى: {وتمت كلمة ربك صدقًا وعدلًا} [الأنعام: 115].
قوله: (من شر ما خلق) :
أي: من شر الذي خلق، لأن الله خلق كل شيء: الخير والشر، ولكن الشر لا ينسب إليه، لأنه خلق الشر لحكمة، فعاد بهذه الحكمة خيرًا، فكان خيرًا.
وعلى هذا تكون (ما) موصولة لا غير :
أي: من شر الذي خلق، لأنك لو أولتها إلى المصدرية وقلت: من شر خلقك، لكان الخلق هنا مصدرًا
يجوز أن يراد به الفعل، ويجوز أيضًا المفعول، لكن لو جعلتها اسمًا موصلًا تعين أن يكون المراد بها المفعول، وهو المخلوق.
وليس كل ما خلق الله فيه شر، لكن تستعيذ من شره إن كان فيه شر، لأن مخلوقات الله تنقسم إلى ثلاثة أقسام هي:
1- شر محض، كالنار وإبليس باعتبار ذاتيهما، أما باعتبار الحكمة التي خلقهما الله من أجلها، فهي خير.
2- خير محض، كالجنة، والرسل، والملائكة.
3- فيه شر وخير، كالإنس، والجن، والحيوان.
وأنت إنما تستعيذ من شر ما فيه شر.
قوله: (لم يضره شيء):
نكرة في سياق النفي، فتفيد العموم من شر كل ذي شر من الجن والإنس وغيرهم والظاهر الخفي حتى يرتحل من منزله،
لأن هذا خبر لا يمكن أن يتخلف مخبره،
لأنه كلام الصادق المصدوق، لكن إن تخلف، فهو لوجود مانع لا لقصور السبب أو تخلف الخبر.
ونظير ذلك كل ما أخبر به النبي من الأسباب الشرعية إذا فعلت ولم يحصل المسبب، فليس ذلك لخلل في السبب، ولكن لوجود مانع،
مثل: قراءة الفاتحة على المرضى شفاء، ويقرأها بعض الناس ولا يشفى المريض، وليس ذلك قصورًا في السبب، بل لوجود مانع بين السبب وأثره.
ومنه: التسمية عند الجماع، فإنها تمنع ضرر الشيطان للولد، وقد توجد التسمية ويضر الشيطان الولد لوجود مانع يمنع من حصول أثر هذا السبب، فعليك أن تفتش ما هو المانع حتى تزيله فيحصل لك أثر السبب.
قال القرطبي: وقد جربت ذلك، حتى إني نسيت ذات يوم، فدخلت منزلي ولم أقل ذلك، فلدغتني عقرب.
والشاهد من الحديث:
قوله: «أعوذ بكلمات الله».
والمؤلف يقول في الترجمة: الاستعاذة بغير الله،
وهنا استعاذة بالكلمات، ولم يستعذ بالله، فلماذا؟
أجيب/
أن كلمات الله صفة من صفاته، ولهذا استدل العلماء بهذا الحديث على أن كلام الله من صفاته،
ولهذا استدل العلماء بهذا الحديث على أن كلام الله من صفاته غير مخلوق،
لأن الاستعاذة بالمخلوق لا تجوز في مثل هذا الأمر، ولو كانت الكلمات مخلوقة ما أرشد النبي إلى الاستعاذة بها.
ولهذا كان المراد من كلام المؤلف: الاستعاذة بغير الله، أي: أو صفة من صفاته.
وفي الحديث: «أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر»،
وهنا استعاذ بعزة الله وقدرته، ولم يستعذ بالله، والعزة والقدرة من صفات الله، وهي ليست مخلوقة.
ولهذا يجوز القسم بالله وبصفاته، لأنها غير مخلوقة.
أما القسم بالآيات، فإن أراد الآيات الشرعية، فجائز،
وإن أراد الآيات الكونية، فغير جائز.
أما الاستعاذة بالمخلوق، ففيها تفصيل، فإن كان المخلوق لا يقدر عليه، فهي من الشرك، قال شيخ الإسلام ابن تيمية_رحمه الله:
(لا يجوز الاستعاذة بالمخلوق عند أحد من الأئمة)، وهذا ليس على إطلاقه، بل مرادهم مما لا يقدر عليه إلا الله، لأنه لا يعصمك من الشرك الذي لا يقدر عليه إلا الله، سوى الله.
ومن ذلك أيضًا الاستعاذة بأصحاب القبور، فإنهم لا ينفعون ولا يضرون، فالاستعاذة بهم شرك أكبر، سواء كان عند قبورهم أم بعيدًا عنهم.
أما الاستعاذة بمخلوق فيما يقدر عليه، فهي جائزة، وقد أشار إلى ذلك الشارح الشيخ سليمان في (تيسير العزيز الحميد)،
وهو مقتضى الأحاديث الواردة في (صحيح مسلم) لما ذكر النبي الفتن،
قال: «فمن وجد من ذلك ملجأ، فليعذ به».
وكذلك قصة المرأة التي عاذت بأم سلمة، والغلام الذي عاذ بالنبي، وكذلك في قصة الذين يستعيذون بالحرم والكعبة، وما أشبه ذلك.
وهذا هو مقتضى النظر، فإذا اعترضني قطاع طريق، فعذت بإنسان يستطيع أن يخلصني منهم، فلا شيء فيه.
لكن تعليق القلب بالمخلوق لا شك أنه في الشرك، فإذا علقت قلبك ورجاءك وخوفك وجميع أمورك بشخص معين، وجعلته ملجأ، فهذا شرك،
لأن هذا لا يكون إلا الله.
وعلى هذا، فكلام الشيخ محمدبن عبدالوهاب_رحمه الله في قوله:
(إن الأئمة لا يجوزون الاستعاذة بمخلوق) مقيد بما لا يقدر عليه إلا الله، ولولا أن النصوص وردت بالتفصيل لأخذنا الكلام على إطلاقه، وقلنا: لا يجوز الاستعاذة بغير الله مطلقًا.
فيه مسائل:
_ الأولى:
تفسير آية الجن، وقد سبق ذلك في أول الباب.
_الثانية:
كونه من الشرك، أي: الاستعاذة بغير الله، وقد سبق التفصيل في ذلك.
_ الثالثة:
الاستدلال على ذلك بالحديث،
لأن العلماء يستدلون به على أن كلمات الله غير مخلوقة،
لأن الاستعاذة بالمخلوق شرك،
وجه الاستشهاد: أن الاستعاذة بكلمات الله لا تخرج عن كونها استعاذة بالله، لأنها صفة من صفاته.
_ الرابعة:
فضيلة هذا الدعاء مع اختصاره، أي: فائدته، وهي أنه لا يضرك شيء ما دمت في هذا المنزل.
_الخامسة:
أن كون الشيء يحصل به منفعة دنيوية من كف شر أو جلب نفع، لا يدل على أنه ليس من الشرك،
ومعنى كلامه:
أنه قد يكون الشيء من الشرك، ولو حصل لك فيه منفعة، فلا يلزم من حصول النفع أن ينتفي الشرك، فالإنسان قد ينتفع بما هو شرك.
مثال ذلك:
الجن، فقد يعيذونك، وهذا شرك مع أن فيه منفعة.
مثال آخر:
قد يسجد إنسان لملك، فيهبه أموالًا وقصورًا، وهذا شرك مع أن فيه منفعة،
ومن ذلك ما يحصل لغلاة المداحين لملوكهم لأجل العطاء، فلا يخرجهم ذلك عن كونهم مشركين.
قال بعضهم:
فكن كما شئت يا من لا نظير له
وكيف شئت فما خلق يدانيك
وفي الحديث فائدة :
وهي: أن الشرع لا يبطل أمرًا من أمور الجاهلية إلا ذكر ما هو خير منه، ففي الجاهلية كانوا يستعيذون بالجن، فأبدل بهذه الكلمات،
وهي: أن يستعيذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق.
وهذه الطريقة هي الطريقة السليمة التي ينبغي أن يكون عليها الداعية، أنه إذا سد الناس باب الشر، وجب عليه أن يفتح لهم باب الخير، ولا يقول: حرام، ويسكت، بل يقول: هذا حرام، وافعل كذا وكذا من المباح بدلًا عنه، وهذا له أمثلة في القرآن والسنة.
فمن القرآن قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا} [البقرة: 104]،
فلما نهاهم عن قول: {راعنا} ذكر لهم ما يقوم مقامه وهو: {انظرنا}.
ومن السنة قوله لمن نهاه عن بيع الصاع من التمر الطيب بالصاعين، والصاعين بالثلاثة:
«بع الجمع بالدراهم، واشتر بالدراهم جنيبًا».
فلما منعه من المحذور، فتح له الباب السليم الذي لا محذور فيه.
..... ..... .........
شرح الشيخ ابن باز لكتاب التوحيد للشيخ محمد بن عبد الوهاب_رحمه الله
باب من الشرك النذر لغير الله
وقول الله تعالى: يُوفُونَ بِالنَّذْرِ [الإنسان:7]
وقوله: وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ [البقرة:270].
وفي الصحيح عن عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله صلي الله وعليه وسلم
قال: من نذر أن يطيع الله فليطعه؛ ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه
فهذا الباب في النذر، لما كان الناس يعتادون النذور، ومنهم من يفعلها لأصحاب القبور، ولغيرهم من الجن والملائكة أو الأنبياء أراد المؤلف أن يبين الحكم،
وأن النذور لا تكون إلا لله !!
لأن النذر قربات وطاعات فيكون لله،
ولهذا قال الشيخ محمدبن عبدالوهاب_رحمه الله:
باب من الشرك النذر لغير الله،
يعني باب من الشرك الأكبر النذر لغير الله، هذه أمور تقع بين العامة يقول:
نذر للسيد البدوي أو للنبي أو للجني فلاني إن حصل كذا أن أفعل كذا وأن أذبح كذا، فهذا من الشرك الأكبر،
قال الله جل وعلا مادحًا لمن يوفون بالنذور:
يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا [الإنسان:7]،
وقال تعالى: وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ [البقرة:270]،
يعني فيجازيكم عليه فجعل النذر مثل النفقة،
كما أن التقرب بالمال والصدقات لأصحاب القبور أو للأوثان أو للجن أو لغير ذلك من الشرك فهكذا النذر.
وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ [البقرة:270] يعني فيجازيكم عليه.
وفي الصحيح عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلي الله وعليه وسلم أنه قال: من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه
وفي الحديث الآخر يقول صلي الله وعليه وسلم:
لا تنذروا فإن النذر لا يرد من قدر الله شيئًا،
وإنما يُستخرج به من البخيل فالنذر مكروه نذر الأموال والأشياء التي يتقرب بها من الذبائح غير مشروع يتقرب بدون نذر،
ولهذا قال: لا تنذروا، فإن النذر لا يرد من قدر الله شيئًا.
كثير من الناس إذا مرض أو أصابته مصيبة قال:
نذر لله إن جرى كذا وإن جرى كذا، هذا ما ينبغي مكروه أقل أحواله الكراهة، لكن متى نذر وجب عليه الوفاء، في النذر للطاعة وجب الوفاء، والله مدح الموفين بالنذور، فإذا قال لله عليّ أن أذبح كذا من الإبل أو من البقر أو من الغنم أو أن أتصدق بكذا أو أن أصلي كذا وجب عليه؛
لقوله صلي الله وعليه وسلم:
من نذر أن يطيع الله فليطعه أو علقه قال:
إن شفا الله مريضي فلله عليّ أن أذبح بقرة أو بدنه أو أن أتصدق بكذا، أو إن سلمت من السفر الفلاني فلله عليّ كذا، يجب عليه الوفاء، لقوله عليه الصلاة والسلام:
من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه فلو قال:
لله عليّ أن أشرب الخمر أو أعق والدي هذا نذر معصية لا يجوز الوفاء به، وعليه كفارة يمين عن ذلك مع التوبة، أما النذر المباح فهو مخير، مثل نذرت لله أن أبيت في المحل الفلاني أو آكل طعام فلاني، هذا إن شاء أوفى وإن شاء كفر عن يمينه، أو مكروه
مثل: لله عليه أن لا يصلي الضحى أو لا يصلي سنة كذا فهذا نذر مكروه يكفر ويصلي الضحى، وإن أوفى به ولم يصل فلا حرج؛ لأنها نافلة.
فالمقصود: أن النذر خمسة أقسام:
نذر طاعة واجبة.
ونذر طاعة مستحبة هذا يجب الوفاء به.
_الثالث:
نذر معصية لا يجب الوفاء ولا يجوز الوفاء به وعليه كفارة يمين.
_الرابع:
نذر مكروه يكره الوفاء به، وإن وفى به عليه كفارة يمين. ويستحب له أن لا يفعل المكروه ويكفر عنه كفارة يمين، وإن وفى به وفعل المكروه فلا شيء عليه.
_الخامس:
المباح مستوي الطرفين، نذر أن يأكل هذا التمر أو يأكل هذا اللحم إن شاء الله أكلها وإن شاء تركها، إن أكلها فلا بأس، وإن لم يأكلها فعليه كفارة يمين.
الأسئلة:
س/ في النذر المباح هل يوصى بأن يقول إن شاء الله؟
الجواب/ لا ينذر بالمرة، مكروه النذر، الرسول صلى الله عليه وسلم قال: لا تنذروا فإذا قال إن شاء الله لم يتم النذر، يقول النبي صلي الله وعليه وسلم:
من حلف فقال في يمينه: إن شاء الله فلا حنث عليه.