حكم قرأة اوسماع قصيدة البردة!

قرأة او سماع قصيدة البردة  !


حكم قصيدة البردة البوصيري :


مقدمة:

جاءت النصوص مبينة أمرين مهمين في حق النبي صلى الله عليه وسلم:

_الأول:

بشريته: وكونه خلقا من خلق الله تعالى، من ولد آدم، ولد وعاش ومات كغيره من بني آدم.


_الثاني: 

أنه أفضل البشر وأحسنهم، وأعلاهم، وأقربهم إلى الله تعالى .

فمن النصوص في المعنى الأول قوله تعالى:

قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء إن أنا إلا نذير وبشير لقوم يؤمنون "

وقوله تعالي:

"قل إنما أدعو ربي ولا أشرك به أحدا * قل إني لا أملك لكم ضرا ولا رشد * قل إني لن يجيرني من الله أحد ولن أجد من دونه ملتحدا "

وقوله تعالي:

قل ما كنت بدعا من الرسل وما أدري ما يفعل بي ولا بكم إن أتبع إلا ما يوحي إلي وما أنا إلا نذير مبين "

وفوله تعالي:

"ولو تقول علينا بعض الأقاويل * لأخذنا منه باليمين * ثم لقطعنا منه الوتين * فما منكم من أحد عنه حاجزين "

وقوله تعالي:

وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفئن مت فهم الخالدون "


والآيات في المعنى كثيرة، أما الأحاديث فمنها:


ما رواه الإمام البخاري بسنده عن عمر رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول:

لا تُطروني كما أطرت النصارى المسيح ابن مرين، فإنما أنا عبده، فقولوا: عبد الله ورسوله "


وما رواه الإمام أحمد بسنده عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم:

ما شاء الله وشئت!

فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:

" أجعلتني والله عدلا؟!بل ما شاء الله وحده "


وما رواه الإمام أحمد بسنده عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رجلا قال:

 يا محمد! يا سيدنا، وابن سيدنا، وخيرنا، وابن خيرنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

يا أيها الناس! عليكم بتقواكم، لا يستهوينكم الشيطان، أنا محمد بن عبد الله، عبد الله ورسوله، والله ما أحب أن ترفعوني فوق منزلتي التي أنزلني الله " 


وقد حرص النبي صلى الله عليه وسلم على تربية أصحابه رضوان الله عليهم على هذا المعنى، وهو أن النبي - مهما بلغ – فلن يبلغ أن يكون إلهاً وربا مسؤولا، فكان حرصهم رضوان الله عليهم على طلب مرضاة الله تعالى وسؤاله والرغبة إليه فوق كل شيء، ولم يكن في قلوبهم الرغبة إلى المخلوق أو طلب الحسْب منه مهما كان شأنه؛

ومن أمثلة ذلك:


ما رواه الإمام البخاري في حادثة الإفك بسنده عن عائشة رضي الله عنها قالت:

" فلما سُري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم سُري عنه وهو يضحك، فكانت أول كلمة تكلم بها:

 ( يا عائشة! أما الله عز وجل فقد برأك )

 فقالت لي أمي: قومي إليه، قالت: فقلت: والله لا أقوم إليه، فإني لا أحمد إلا الله تعالى" .


وما رواه الإمام البخاري – أيضا - بسنده عن كعب بن مالك رضي الله عنه في قصة توبته قال:

فلما سلمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

 "أبشر بخير يوم مر عليك منذ ولدتك أمك "

 قال: قلت: أمن عندك يا رسول الله، أم من عند الله؟، فقال:

 " لا، بل من عند الله "


و لما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم قام أبو بكر رضي الله فقال كما روى الإمام البخاري بسنده عن ابن عباس رضي الله عنهما:" أما بعد:

فمن كان منكم يعبد محمدا صلى الله عليه وسلم فإن محمدا قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت، قال الله:

وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفئن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين " 


ذلك فيما يتعلق بالأمر الأول، وهو بشريته صلى الله عليه وسلم.


أما فيما يتعلق بالأمر الثاني، وهو أفضليته صلى الله عليه وسلم على سائر الخلق، فاصطفاؤه بالرسالة الكاملة الخاتمة الشاملة، وتقديمه على الخواص من الأنبياء والرسل، واتخاذه خليلا، وجعله سيد ولد آدم، واختصاصه بأنواع من الشفاعة، روى الإمام مسلم بسنده عن ابن مسعود رضي الله عنه قال:

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

لو كنت متخذا خليلا، لاتخذت أبا بكر خليلا، ولكنه أخي وصاحبي، وقد اتخذ الله صاحبكم خليلا "


وروى مسلم - أيضاً بسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

أنا سيد ولد آدم يوم القيامة، وأول من ينشق عنه القبر، وأول شافع وأول مشفع "


وروى الإمام أحمد بسنده عن عبد المطلب بن ربيعة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

"أنا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب، ألا إن الله خلق خلقه، فجعلني من خير خلقه، ثم فرقهم فرقتين فجعلني من خير الفرقتين، ثم جعلهم قبائل فجعلني من خيرهم قبيلة، ثم جعلهم بيوتا، فجعلني من خيرهم بيتا، وأنا خيركم بيتا وخيركم نفسا"


ويكفي من ذلك كله أن الله تعالى شهد له بالعبودية الكاملة، ووصفه بها في أشرف المواطن، في الإسراء والمعراج في أول سورة الإسراء، وفي مقام التحدي في سورة البقرة، وفي مقام الدعوة في سورة الجن.


فقد وصف بالعبودية في هذه المواطن الشريفة، مما يدل على أن هذا الوصف هو وصف تشريف وتكريم، وليس انتقاصا كما قد يظن من يظن.


فالنبي صلى الله عليه وسلم عبد رسول، كما وصف هو نفسه بذلك في قوله الذي رواه الإمام البخاري بسنده عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه:

" إنما أنا عبده، فقولوا: عبد الله ورسوله"

وفي هذا رد على طائفتين غاليتين:


_الأولى:

مفْرِطة:

 رفعته فوق منزلته، فجعلته فوق مرتبة العبودية، في مرتبة الربوبية والألوهية، حتى صار عندها إلها وربا مسؤولا.


_الثانية: 

مفَرِّطة:

 لم تعرف منزلته ولا قدره ولا حقوقه، فعاملته كسائر البشر، فلم ترفع بهديه رأسا.

فوصفه بالعبودية رد على الطائفة الأولى، ووصفه بالرسالة رد على الطائفة الثانية، وهذا هو التوسط، وهو خير الأمور، وبذلك نعطي النبي حقه ومنزلته، دون غلو أو إجحاف.


فمن كلام الغالين في حق النبي صلى الله عليه وسلم ما قاله البوصيري في البردة التي يرددها ملايين الصوفية في العالم، في كل آن، خاصة في الموالد النبوية في شهر ربيع:

يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به..........سواك عند حلول الحادث العمم

ولن يضيق رسول الله جاهك بي...........إذا الكريم تجلى باسم منتقم

فإن من جودك الدنيا وضرتها............ومن علومك علوم اللوح والقلم

فهذا هو الغلو بعينه ، بل هو الشرك والكفر الأكبر، حيث استغاث بالنبي صلى الله عليه وسلم فيما لا يقدر عليه إلا الله تعالى، فقد استغاث به وهو ميت، والميت لا يستغاث به، فهو لا يقدر على شيء..


ثم إنهم زعموا أن هذه الاستغاثة إنما تكون يوم القيامة..

ولو فرضنا الأمر كما قالوا فكيف لهم أن يتقدموا بهذه الاستغاثة في الدنيا قبل حلول الآخرة؟..

إنهم استغاثوا به حال موته .. وهذا هو المحرم.


ثم الزعم أن الدنيا والآخرة إنما هما من جود النبي صلى الله عليه وسلم:


فهل هما من جود النبي؟..

هل أوجدهما النبي؟..

أم وجدا لأجل النبي؟...


أما الأول:

 فباطل لا ريب، فلا خالق إلا الله..


أما الثاني:

 فهو الغلو بعينه:

 ومن أين لهم أن الدنيا والآخرة ما وجدتا إلا لأجل النبي صلى الله عليه وسلم؟

 بل عندنا أن الله ما خلق الخلق إلا لعبادته

 قال تعالى:

 "وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون "


ثم القول بأن من علوم النبي علم اللوح والقلم، فذلك معناه

 أن علم النبي زيادة على ما في اللوح والقلم..

 إذن هو يعلم ما كان وما لم يكن، وزيادة.. وهذا باطل


 فالنبي لا يعلم ما في غد، إلا شيئا علمه الله، والله تعالى لم يعلمه كل شيء، وقد قال الله تعالى:

" قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء إن أنا إلا نذير وبشير لقوم يؤمنون "


أما هؤلاء فيزعمون أن النبي يعلم كل شيء في اللوح وزيادة، ويدعون أن الله علمه، وذلك باطل، ولم يكن، ولو كان لما أخبر النبي عن نفسه أنه لا يعلم الغيب، ولما مسه السوء..


وهؤلاء بلاياهم وغلوهم كبير في النبي، فهذا ابن عربي يقول:

" بدء الخلق الهباء، وأول موجود فيه الحقيقة المحمدية الرحمانية" الفتوحات المكية 1/118


ويقول الحلاج:

" أنوار النبوة من نوره برزت، وأنوارهم من نوره ظهرت، وليس في الأنوار نور أنور وأظهر وأقدم سوى نور صاحب الكرم... همته سبقت الهمم، ووجوده سبق العدم، واسمه سبق القلم، لأنه كان قبل الأمم... العلوم كلها قطرة من بحره.. والأزمان ساعة من دهره" الطواسين 13


وقال ابن الدباغ:

" اعلم أن أنوار المكونات كلها من عرش وفرش وسموات وأرضين وجنات وحجب وما فوقها وما تحتها إذا جمعت كلها وجدت بعضا من نور محمد، وأن مجموع نوره لو وضع على العرش لذاب، ولو وضع على الحجب السبعين التي فوق العرش لتهافتت، ولو جمعت المخلوقات كلها ووضع ذلك النور العظيم عليه لتهافتت وتساقطت" هذه هي الصوفية ص87 نقلا عن محبة الرسول ص203


فمثل هذا هو الغلو..

 وهو رفع للنبي فوق منزلته، والله لا يرضى بذلك، ولا النبي صلى الله عليه وسلم..

  

ماهي قصيدة البردة:

هذه القصيدة للشاعر البوصيري مشهورة بين الناس ولا سيما بين الصوفيين.

ولو تدبرت معناها لرأيت فيها مخالفات للقرآن الكريم وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم !

يقول في قصيدته:

1- يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به         سواك عند حلول الحادث العمم

يستغيث الشاعر بالرسول صلى الله عليه وسلم ويقول له: لا أجد من ألتجئ إليه عند نزول الشدائد العامة إلا أنت..

وهذا من الشرك الأكبر الذي يُخلد صاحبه في النار إن لم يتب منه، لقوله تعالى:

" ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك فإن فعلت فإنك إذا من الظالمين " [ يونس: 106]

( أي المشركين ) لأن الشرك ظلم عظيم.


وقوله صلى الله عليه وسلم:

" من مات وهو يدعو من دون الله نداً دخل النار " رواه البخاري.

ومعني الند: المثيل 


2- فإن من جودك الدنيا وضرتها         ومن علومك علم اللوح والقلم


وهذا تكذيب للقرآن الذي يقول الله فيه:

 " وإن لنا للآخرة والأولى "

 فالدنيا والآخرة هي من الله ومن خلْقِهِ، وليست من جود الرسول صلى الله عليه وسلم وخلقه، والرسول صلى الله عليه وسلم لا يعلم ما في اللوح المحفوظ، إذ لا يعلم ما فيه إلا الله وحده، وهذا إطراء ومبالغة في مدح الرسول صلى الله عليه وسلم حتى جعل الدنيا والآخرة من جود الرسول وأنه يعلم الغيب الذي في اللوح المحفوظ بل إن ما في اللوح من علمه 

وقد نهانا الرسول صلى الله عليه وسلم عن الإطراء فقال:

لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، فإنما أنا عبد، فقولوا عبد الله ورسوله " رواه البخاري.


3- ما سامني الدهر ضيماً واستجرت به         إلا ونلت جواراً منه لم يُضَم

يقول: ما أصابني مرض أو همٌّ وطلبت منه الشفاء أو تفريج الهم إلا شفاني وفرَّج همي.


والقرآن يحكي عن إبراهيم عليه السلام قوله عن الله عز وجل:

وإذا مرضتُ فهو يشفين " [الشعراء: 80].

والله تعالى يقول:

" وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو "[الأنعام: 17].


والرسول صلى الله عليه وسلم يقول:

 " إذا سألت فأسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله " رواه الترمذي وقال حسن صحيح.


4- فإن لي منه ذمة بتسميتي محمداً         وهو أوفى الخلق بالذمم

يقول الشاعر:

 إن لي عهداً عند الرسول أن يدخلني الجنة، لأن اسمي محمداً، ومن أين له هذا العهد ؟


ونحن نعلم أن كثيراً من الفاسقين والشيوعيين من المسلمين اسمه محمد، فهل التسمية بمحمد مُبرر لدخولهم الجنة ؟ 

والرسول صلى الله عليه وسلم قال لبنته فاطمة رضي الله عنها:

" سليني من مالي ما شِئْتِ، لا أُغني عنك من الله شيئاً " رواه البخاري.


5- لعل رحمة ربي حين يقسمها         تأتي على حسب العصيان في القسم


وهذا غير صحيح، فلو كانت الرحمة تأتي قسمتها على قدر المعاصي كما قال الشاعر لكان على المسلم أن يزيد في المعاصي حتى يأخذ من الرحمة أكثر، وهذا لا يقوله مسلم

ولا عاقل ولأنه مخالف قول الله تعالى:

" إن رحمت الله قريب من المحسنين " [الأعراف:56] .


والله تعالى يقول:

ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون " [الأعراف: 156].


6- وكيف تدعو إلى الدنيا ضرورة من         لولاه لم تخرج الدنيا من العدم


الشاعر يقول لولا محمد صلى الله عليه وسلم لما خُلقت الدنيا، والله يكذبه ويقول:

" وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون " [الذاريات: 56].

وحتى محمد صلى الله عليه وسلم خُلق للعبادة وللدعوة إليها يقول الله تعالى:

وأعبد ربك حتى يأتيك اليقين " [الحجر: 99].


7- أقسمت بالقمر المنشق إن له         من قلبه نسبة مبرورة القسم


الشاعر يقسم ويحلف بالقمر والرسول صلى الله عليه وسلم يقول:

" من حلف بغير الله فقد أشرك " حديث صحيح رواه أحمد.


ثم يقول الشاعر يخاطب الرسول قائلاً:


8- لو ناسبتْ قدرَه آياتُه عِظَماَ         أحيا اسمه حين يُدعى دَارِسَ الرِمَمِ


ومعناه:

 لو ناسبتْ معجزات الرسول صلى الله عليه وسلم قدره في العِظَم، لكان الميت الذي أصبح بالياً يحيا وينهض بذكر اسم الرسول صلى الله عليه وسلم، وبما أنه لم يحدث هذا فالله لم يُعط الرسول صلى الله عليه وسلم حقه من المعجزات، فكأنه اعتراض على الله حيث لم يعط رسول الله صلى الله عليه وسلم حقه!!


وهذا كذب وافتراء على الله..

فالله تعالى أعطى كل نبي المعجزات المناسبة له، فمثلاً :

 أعطى عيسى عليه السلام معجزة إبراء الأعمى والأبرص وإحياء الموت، 

وأعطى لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم معجزة القرآن الكريم، وتكثير الماء والطعام وانشِقاق القمر وغيرها.


ومن العجيب أن بعض الناس يقولون:

 إن هذه القصيدة تسمى بالبردة وبالبُرأة ؟!

لأن صاحبها كما يزعمون مرض فرأى الرسول صلى الله عليه وسلم، فأعطاه جبته فلبسها فبرىء من مرضه

 وهذا كذب وافتراء

 حتى يرفعوا من شأن هذه القصيدة، إذ كيف يرضى الرسول صلى الله عليه وسلم بهذا الكلام المخالف للقرآن ولهديه صلى الله عليه وسلم وفيه شرك صريح .


علماً بأن رجلاً جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له:


ما شاء الله وشِئْتَ، فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم :

" أجعلتني لله نداً ؟ قل ما شاء الله وحده " رواه النسائي بسند جيد.

والند: المثل والشريك.


فاحذر يا أخي المسلم..

واحذري ياأختي المسلمة ..

من قراءة هذه القصيدة وأمثالها المخالفة للقرآن، وهدي الرسول عليه الصلاة والسلام..

 والعجيب أن في بعض بلاد المسلمين من يُشَيع بها موتاهم إلى القبور، فيضمون إلى هذه الضلالات بدعة أخرى حيث أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصمت عند تشييع الجنائز ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم


..........       ..........      ... ........

قول العلامة عبدالله بن عبدالرحمن أبابطين في قصيدة البردة

 

قال العلامة عبدالله بن عبدالرحمن أبابطين في كتابه الرد على البردة :

 

قوله :

 يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به         سواك عند حلول الحادث العمم

 إن لم تكن في معادي آخذاً بيدي         فضلاً وإلا فقل : يا زلة القدم

 فإن من جودك الدنيا وضرتها         ومن علومك علم اللوح والقلم

 

مقتضى هذه الأبيات إثبات علم الغيب للنبي صلى الله عليه وسلم وأن الدنيا والآخرة من جوده 

وتضمنت الاستغاثة به صلى الله عليه وسلم من أعظم الشدائد ورجاءه لكشفها وهو الأخذ بيده في الآخرة وإنقاذه من عذاب الله..

وهذه الأمور من خصائص الربوبية والألوهية التي ادعتها النصارى في المسيح عليه السلام وإن لم يقل هؤلاء إن محمداً هو الله أو ابن الله ولكن حصلت المشابهة للنصارى في الغلو الذي نهى عنه صلى الله عليه وسلم

 بقوله :

لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، إنما أنا عبد فقولوا عبدالله ورسوله "


 والإطراء هو المبالغة في المدح حتى يؤول " الأمر إلى " أن يجعل المدح شيء من خصائص الربوبية والألوهية .

 

وهذه الألفاظ صريحة في الاستغاثة بالنبي صلى الله عليه وسلم كقوله :

 يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به         سواك . .  أي وإلا فأنا هالك

 

والنبي صلى الله عليه وسلم يقول في دعائه :

 " لا ملجأ منك إلا إليك " . . .


.........        ..........      ............


قول الشيخ ابن عثيمين_رحمه الله في قصيدةالبردة:


فإننا نسمع أنه يلقى في هذه الاحتفالات من القصائد ما يخرج عن الملة قطعاً كما يرددون قول البوصيري :

يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به     سواك عند حدوث الحادث العمم

إن لم تكن آخذاً يوم المعاد يدي    صفحاً وإلا فقل يا زلة القدم

فإن من جودك الدنيا وضرتها      ومن علومك علم اللوح والقلم


مثل هذه الأوصاف لا تصح إلا لله عز وجل ، وأنا أعجب لمن يتكلم بهذا الكلام إن كان يعقل معناه كيف يسوغ لنفسه أن يقول مخاطباً النبي عليه الصلاة والسلام :

( فإن من جودك الدنيا وضرتها )

 ومن للتبعيض والدنيا هي الدنيا وضرتها هي الآخرة ، فإذا كانت الدنيا والآخرة من جود الرسول عليه الصلاة والسلام ، وليس كل جوده ، فما الذي بقي لله عز وجل ، ما بقي لله عز وجل ، ما بقي له شيء من الممكن لا في الدنيا ولا في الآخرة .


وكذلك قوله  :

 ( ومن علومك علم اللوح والقلم )

 ومن : هذه للتبعيض ولا أدري ماذا يبقى لله تعالى من العلم إذا خاطبنا الرسول عليه الصلاة والسلام بهذا الخطاب .


ورويدك يا أخي المسلم .. إن كنت تتقي الله عز وجل فأنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم منزلته التي أنزله الله .. 

أنه عبد الله ورسوله فقل هو عبدالله ورسوله ، واعتقد فيه ما أمره ربه أن يبلغه إلى الناس عامة :

 " قل لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول لك إني ملك إن أتبع إلا ما يوحى إلي "( الأنعام : 50 )


وما أمره الله به في قوله :

"قل إني لا أملك لكم ضراً ولا رشداً "

 ( الجن : 21 )


 وزيادة على ذلك :


"قل إني لن يجيرني من الله أحد ولن أجد من دونه ملتحداً " ( الجن : 22 )

 

حتى النبي عليه الصلاة والسلام لو أراد الله به شيئاً لا أحد يجيره من الله سبحانه وتعالى .


سؤال:

هل يجوز أن نقول " يا رسول الله " ؟


لا يجوز دعاء غير الله لا في الرخاء ولا عند الشدة مهما عظم شأن المدعو ، ولو كان نبياً مقرباً ، أو ملكاً من ملائكة الله ؛

 لأن الدعاء عبادة .


عن النعمان بن بشير عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :

 " الدعاء هو العبادة " ، 

ثم قرأ :

 "وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين " رواه الترمذي ( 2895 ) وابن ماجه ( 3818 ) . وصححه الألباني في صحيح الترمذي (2370) .


والعبادة حق خالص لله تعالى ، فلا يجوز أن تصرف لغيره ، ولذلك أجمع المسلمون على أن من دعا غير الله تعالى فهو مشرك .


قال شيخ الإسلام ابن تيمية_رحمه الله:


فمن جعل الملائكة والأنبياء وسائط يدعوهم ويتوكل عليهم ويسألهم جلب المنافع ودفع المضار مثل أن يسألهم غفران الذنب وهداية القلوب وتفريج الكروب وسد الفاقات فهو كافر بإجماع المسلمين 

 " مجموع الفتاوى " ( 1 / 124 ) .


وقال ابن القيم_رحمه الله :

ومِن أنواعه - يعني الشرك – طلب الحوائج من الموتى والاستغاثة بهم والتوجه إليهم وهذا أصل الشرك .

 " فتح المجيد " (ص 145) 


ولذلك وصف الله تعالى من دعا غيره بأنه لا أحد أضل منه ، قال الله تعالى :

 "وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ (5) وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ " [ الأحقاف: 5-6 ]


وكيف يُدعَى غير الله ، والله تعالى قد أخبر عن عجزهم بقوله :

 "وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ (13) إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ" [ فاطر: 13-14 ] .


وهنا!!

يخبر تعالى عن حال المدعوين من دونه من الملائكة والأنبياء والأصنام وغيرها بما يدل على عجزهم وضعفهم وأنهم قد انتفت عنهم الأسباب التي تكون في المدعو ، وهي الملك وسماع الدعاء والقدرة على استجابته اهـ . " فتح المجيد " ( ص 158 ) .


وكيف يُدعَى الرسول صلى الله عليه وسلم ، والله تعالى أمره أن يقول :

 " قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَدًا "[الجن: 21].


وقال النبي صلى الله عليه وسلم :

" إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلْ اللَّهَ ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ " 

رواه الترمذي (2516) . وصححه الألباني في صحيح الترمذي (2043) .


ولذلك فإنه لا شك في خطأ من مدح الرسول صلى الله عليه وسلم ، بقوله :

 يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به        سواك عند حلول الحادث العمم

وخطَّأه في ذلك كبار العلماء :


قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله في تعليقه على كتاب "فتح المجيد" بشأن "بردة البوصيري" والتي فيها هذا الكلام :

وحذرنا النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري ومسلم :

 " لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم فأنا عبد الله ورسوله 

وإنما تعظيمه وحبه باتباع سنته وإقامة ملته ودفع كل ما يلصقه الجاهلون بها من الخرافات ، فقد ترك أكثر الناس هذا ، وشغلوا بهذا الغلو والإطراء الذي أوقعهم في هذا الشرك العظيم . " فتح المجيد " ( ص 155 ) .


هذا ..

 ولم يُعلم أن صحابيّاً واحداً كان يستغيث بالرسول أو يدعو الرسول ولا نُقِلَ ذلك عن عالمٍ من العلماء المعتبرين ، إلا ما كان مِن خرافات المنحرفين .


فإذا حزبك أمرٌ فقل : يا الله ، فهو الذي يستجيب الدعاء ، ويفرج الكروب ، ويصرف الأمور 


........      ............   


من أبرز الأبيات التي انتُقدت في تلك القصيدة

قوله :
 يا أكرمَ الخلْقِ مالي مَن ألوذُ به ***** سواك عند حدوثِ الحادثِ العَمم
 

إن لم تكن آخذاً يوم المعاد يدي ***** عفواً وإلا فقل يا زلة القدم


فإن مِن جودك الدنيا وضَرتها ***** ومن علومك علم اللوح والقلم

 دع ما ادعته النصارى في نبيهم ***** واحكم بما شئت مدحاً فيه واحتكم

 لو ناسبت قدره آياته عظما ***** أحيا اسمه حين يدعى دارس الرمم

فإن لي ذمة منه بتسميتي ***** محمداً وهو أوفى الخلق بالذمم

 
كلام أهل العلم في نقض تلك الأبيات ونقدها :



 قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب – رحمه الله - :

  

وأما الملك : فيأتي الكلام عليه ؛ وذلك أن قوله :

 ( مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ) ، 

وفي القراءة الأخرى ( مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ ) :


 فمعناه عند جميع المفسرين كلهم ما فسره الله به في قوله تعالى :


( وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ . ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ . يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِّنَفْسٍ شَيْئاً وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ ) الانفطار/ 17 – 19 .


فمن عرف تفسير هذه الآية ، وعرف تخصيص المُلك بذلك اليوم ، مع أنه سبحانه مالك كل شيء ذلك اليوم وغيره : 

عرف أن التخصيص لهذه المسألة الكبيرة العظيمة التي بسبب معرفتها دخل الجنة من دخلها  وسبب الجهل بها دخل النار من دخلها 


 فيالها من مسألة لو رحل الرجل فيها أكثر من عشرين سنة لم يوفها حقها ..

فأين هذا المعنى ، والإيمان ، بما صرح به القرآن مع قوله صلى الله عليه وسلم :

 ( يا فاطمة بنت محمد لا أغني عنك من الله شيئاً ) : 


من قول صاحب البردة :
ولن يضيق رسولَ الله جاهك بي ***** إذا الكريم تحلي باسم منتقم
فإن لي ذمة منه بتسميتي ***** محمداً وهو أوفى الخلق بالذمم
إن لم تكن في معادي آخذاً بيدي ***** فضلاً وإلا فقل يا زلة القدم

فليتأمل من نصح نفسه هذه الأبيات ومعناها ،

 ومن فتن بها من العباد ، وممن يدعى أنه من العلماء ، واختاروا تلاوتها على تلاوة القرآن : 

هل يجتمع في قلب عبد التصديق بهذه الأبيات والتصديق بقوله : 

( يوم لا تملك نفس لنفس شيئاً والأمر يومئذ لله ) ، وقوله تعالي : 

( يا فاطمة بنت محمد لا أغني عنك من الله شيئاً ) ؟!

 لا والله ... لا والله .. لا والله ،

 إلا كما يجتمع في قلبه أن موسى صادق ، وأن فرعون صادق ، وأن محمَّداً صادق على الحق ، وأن أبا جهل صادق على الحق ، لا والله ما استويا ، ولن يتلاقيا ، حتى تشيب مفارق الغربان .

فمن عرف هذه المسألة ، وعرف البردة ، ومن فتن بها : عرف غربة الإسلام " انتهى .
" تفسير سورة الفاتحة " من  مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب " (5/13) .

.........     

 قال الشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ – رحمه الله - : " من عبد الرحمن بن حسن وابنه عبد اللطيف إلى عبد الخالق الحفظي .

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، وبعد :
فقد بلغنا من نحو سنتين : اشتغالكم ببردة  البوصيري 


وفيها من الشرك الأكبر ما لا يخفى !


من ذلك قوله : " يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به سواك " إلى آخر الأبيات ،

 التي فيها طلب ثواب الدار الآخرة من النبي صلى الله عليه وسلم وحده ...

وكونه صلى الله عليه وسلم أفضل الأنبياء لا يلزم أن يختص دونهم بأمر نهى الله عنه عباده عموماً ، وخصوصاً ، بل هو مأمور أن ينهى عنه ، ويتبرأ منه ، 

كما تبرأ منه المسيح بن مريم في الآيات في آخر سورة المائدة ، وكما تبرأت منه الملائكة في الآيات التي في سورة سبأ .

وأما اللياذ : فهو كالعياذ ، سواء ، فالعياذ لدفع الشر ، واللياذ لجلب الخير ..


 وحكى الإمام أحمد وغيره الإجماع على أنه لا يجوز العياذ إلا بالله ، وأسمائه ، وصفاته ..

وأما العياذ بغيره : فشرك ، ولا فرق .

وأما قوله : " فإن من جودك الدنيا وضرتها " : 

فمناقض لما اختص به تعالى يوم القيامة من الملك في قوله تعالي : ( لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ ) ، 

وفي قوله تعالى في سورة الفاتحة :

 ( مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ) ،

 وفي قوله تعالى : 

( يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَالأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ ) ، 

وغير ذلك من الآيات لهذا المعنى .. وقال غير ذلك في منظومته مما يستبشع من الشرك " انتهى .
"رسائل وفتاوى الشيخ عبد الرحمن بن حسن بن محمد عبد الوهاب" (1/82) .

.......  .......

 ذكر الشيخ سليمان بن عبد الله آل الشيخ – رحمه الله – بعض الأبيات السابقة ، ثم قال: " فتأمل ما في هذه الأبيات من الشرك .
منها : 

_أولا:

أنه نفى أن يكون له ملاذٌ إذا حلَّت به الحوادث  إلا النبي صلى الله عليه وسلم ، وليس ذلك إلا لله وحده لا شريك له ، فهو الذي ليس للعباد ملاذ إلا هو .

_الثاني : 

أنه دعاه وناداه بالتضرع وإظهار الفاقة والاضطرار إليه وسأل منه هذه المطالب التي لا تطلب إلا من الله ، وذلك هو الشرك في الإلهية .


_الثالث : 

سؤاله منه أن يشفع له في قوله :
ولن يضيق رسول الله ... البيت

وهذا هو الذي أراده المشركون ممن عبدوه ، وهو الجاه ، والشفاعة عند الله ، وذلك هو الشرك .

 وأيضاً :

 فإن الشفاعة لا تكون إلا بعد إذن الله ، فلا معنى لطلبها من غيره ؛ فإن الله تعالى هو الذي يأذن للشافع أن يشفع لا أن الشافع يشفع ابتداء .

_الرابع : 

قوله : فإن لي ذمة ... إلى آخره :

كذب على الله وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم ، فليس بينه وبين من اسمه محمد ذمة إلا بالطاعة ، لا بمجرد الاشتراك في الاسم مع الشرك .
تناقض عظيم ، وشرك ظاهر ، فإنه طلب أولاً أن لا يضيق به جاهه ، ثم طلب هنا أن يأخذ بيده فضلاً وإحساناً ، وإلا فيا هلاكه .
فيقال :

 كيف طلبت منه أولاً الشفاعة ، ثم طلبت منه أن يتفضل عليك ، 

فإن كنت تقول !!

 إن الشفاعة لا تكون إلا بعد إذن الله : 

فكيف تدعو النبي صلى الله عليه وسلم وترجوه ، وتسأله الشفاعة ؟ 

فهلا سألتها من له الشفاعة جميعاً ، الذي له ملك السموات والأرض ، الذي لا تكون الشفاعة إلا من بعد إذنه ..فهذا يبطل عليك طلب الشفاعة من غير الله .

وإن قلت !!

ما أريد إلا جاهه  وشفاعته بإذن الله .
قيل : 

فكيف سألته أن يتفضل عليك ويأخذ بيدك في يوم الدين ، فهذا مضاد لقوله تعالى : 

( وما أدراك ما يوم الدين . ثم ما أدرك ما يوم الدين . يوم لا تملك نفس لنفس شيئاً . والأمر يومئذ لله ) ، 

فكيف يجتمع في قلب عبد الإيمان بهذا وهذا ؟! .


وإن قلت !!

سألته أن يأخذ بيدي ، ويتفضل عليَّ بجاهه وشفاعته .
قيل :

 عاد الأمر إلى طلب الشفاعة من غير الله.. وذلك هو محض الشرك .

_لخامس : 

في هذه الأبيات من التبري من الخالق - تعالى وتقدس - والاعتماد على المخلوق في حوادث الدنيا والآخرة ما لا يخفى على مؤمن ، فأين هذا من قوله تعالى : 

( إياك نبعد وإياك نستعين ) الفاتحة ..

وقوله تعالى : 

( فإن تولوا فقـل حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلـت وهـو رب العـرش العظيم ) ..

وقوله تعالي:

 ( وتوكل على الحي الذي لا يموت وسبح بحمده وكفى به بذنوب عباده خبيراً ) ..

 وقوله تعالى :

 ( قل إني لا أملك لكم ضراً ولا رشداً . قل إني لن يجيرني من الله أحد ولن أجد من دونه ملتحداً . إلا بلاغاً من الله ورسالاته ) .


فإن قيل : 

هو لم يسأله أن يتفضل عليه ، وإنما أخبر أنه إن لم يدخل في عموم شفاعته فيا هلاكه .

قيل :

 المراد بذلك سؤاله ، وطلب الفضل منه ، كما دعاه أول مرة وأخبر أنه لا ملاذ له سواه ..ثم صرح بسؤال الفضل والإحسان بصيغة الشرط والدعاء ..

والسؤال كما يكون بصيغة الطلب يكون بصيغة الشرط ، كما قال نوح عليه السلام :

 ( وإلا تغفر لي وترحمني أكن من الخاسرين ) " انتهى .
" تيسير العزيز الحميد في شرح كتاب التوحيد " (1/187-189) .


وسئل الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله :
عن حديثاً ( من كان اسمه محمَّداً فلا تضربه ولا تشتمه ) فما مدى صحته؟!

فأجاب : 

هذا الحديث مكذوب ، وموضوع على الرسول صلى الله عليه وسلم ، وليس لذلك أصل في السنة المطهرة ، 

وهكذا قول من قال :

 " مَن سمَّى محمَّداً فإنه له ذمة من محمد ، ويوشك أن يدخله بذلك الجنة " ! 


وهكذا من قال :

 " من كان اسمه محمَّداً فإن بيته يكون لهم كذا وكذا " ، 

فكل هذه الأخبار لا أساس لها من الصحة ..

 فالاعتبار باتباع محمد ، وليس باسمه صلى الله عليه وسلم ، فكم ممَّن سمي محمداً وهو خبيث ؛ 

لأنه لم يتبع محمَّداً ، ولم ينقَد لشريعته ، فالأسماء لا تطهر الناس ، وإنما تطهرهم أعمالهم الصالحة وتقواهم لله جل وعلا ، فمن تسمى بأحمد ، أو بمحمد ، أو بأبي القاسم ، وهو كافر ، أو فاسق : لم ينفعه ذلك ، بل الواجب على العبد أن يتقي الله ويعمل بطاعة الله ، ويلتزم بشريعة الله التي بعث بها نبيه محمداً 

 فهذا هو الذي ينفعه ، وهو طريق النجاة والسلامة ، أما مجرد الأسماء من دون عمل بالشرع المطهر : فلا يتعلق به نجاة ، ولا عقاب .

ولقد أخطأ البوصيري في " بردته " حيث قال :
فإن لي ذمة منه بتسميتي ... محمَّداً وهو أوفى الخلق بالذمم

وأخطأ خطأ أكبر من ذلك بقوله :
يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به ***** سواك عند حلول الحادث العمم
إن لم تكن في معادي آخذا بيدي ***** فضلا وإلا فقل يا زلة القدم
فإن من جودك الدنيا وضرتها ***** ومن علومك علم اللوح والقلم

فجعل هذا المسكين لياذه في الآخرة بالرسول صلى الله عليه وسلم دون الله عز وجل ..

وذكر أنه هالك إن لم يأخذ بيده ، ونسي الله سبحانه الذي بيده الضر والنفع والعطاء والمنع ، وهو الذي ينجي أولياءه ، وأهل طاعته ، وجعل الرسول صلى الله عليه وسلم هو مالك الدنيا والآخرة ، وأنها بعض جوده ، وجعله يعلم الغيب ، وأن من علومه علم ما في اللوح والقلم.. وهذا كفر صريح  وغلو ليس فوقه غلو 


فإن كان مات على ذلك ، ولم يتب : فقد مات على أقبح الكفر ، والضلال ..

 فالواجب على كل مسلم أن يحذر هذا الغلو ، وألا يغتر بـ " البردة " ، وصاحبها ، والله المستعان ، ولا حول ولا قوة إلا بالله " انتهى .
" فتاوى الشيخ ابن باز " ( 6 / 370 ، 371 ) .

وأقوال العلماء أكثر من هذا ، ويوجد من الأبيات ما فيه مجال للنقد ، لكننا اخترنا بعضاً من `ذلك ، وهو كافٍ في بيان المقصود ، وهو التحذير من هذه القصيدة ، وأنها احتوت على غلو ظاهر .. وكفر وزندقة ..


فقصيدة البردة ما يتبين به حال ناظمها، كان يقول مادحا للنبي صلى الله عليه وسلم:
     

  • يا أكرم الخلق مالي من ألوذ به
  • سواك عند حلول الحادث العمم
  • إن لم تكن آخذا يوم الميعاد يدي
  • عفوا وإلا فقل يا ذلـة القـدم
  • فإن من جودك الدنيا وضرتها
  • ومن علومك علم اللوح والقـلم 


هل يمكن لمؤمن أن يقول موجهاً الخطاب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: 

ما لي من ألوذ به سواك إذا حلت الحوادث؟

 لا يمكن لمؤمن أن يقول هذا، ورسول الله صلى الله عليه وسلم لا يمكن أن يرضى بهذا أبداً..

إذا كان النبي صلى الله عليه وعلى آله سلم أنكر على الرجل الذي قال له: ما شاء الله وشئت، فقال: «أجعلتني لله ندّاً؟! بل ما شاء الله وحده» 

فكيف يمكن أن يقال: 

إنه يرضى أن يوجه إليه الخطاب بأنه ما لأحد سواه عند حلول الحوادث العامة، فضلاً عن الخاصة؟


 هل يمكن لمؤمن أن يقول موجهاً الخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم: 

إن لم تكن آخذاً يوم المعاد يدي عفواً وإلا فقل يا زلة القدم؟

 ويجعل العفو والانتقام بيد الرسول عليه الصلاة والسلام؟

 هل يمكن لمؤمن أن يقول هذا؟

 إن هذا لا يملكه إلا الله رب العالمين. 


هل يمكن لمؤمن أن يقول: فإن من جودك الدنيا وضرتها, الدنيا ما نعيش فيه وضرتها الآخرة، فإذا كانت الدنيا والآخرة من جود الرسول عليه الصلاة والسلام وليست كل جوده بل هي من جوده فما الذي بقي لله؟ 

إن مضمون هذا القول: 

لم يبقَ لله شيء لا دنيا ولا أخرى..

فهل يرضى مؤمن بذلك أن يقول: 

إن الدنيا والآخرة من جود الرسول عليه الصلاة والسلام، وإن الله جل وعلا ليس له فيها شيء؟ 

وهل يمكن لعاقل أن يتصور أن الرسول عليه الصلاة والسلام الذي جاء بتحقيق التوحيد يرضى أن يوصف بأن من جوده الدنيا وضرتها؟ 


هل يمكن لمؤمن أن يرضى فيقول يخاطب النبي صلى الله وسلم: ومن علومك علم اللوح والقلم؟من علومه وليست كل علومه علم اللوح والقلم،

 هل يمكن لمؤمن أن يقول ذلك والله تعالى يقول لنبيه: 

﴿قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ﴾


فأمر الله عز وجل أن يعلن للملأ إلى يوم القيامة أنه ليس عنده خزائن الله ولا يعلم الغيب ولا يدعي أنه ملك وأنه صلى الله عليه وسلم عابد لله تابع لما أوحى الله إليه ﴿إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ﴾ .

 فهل يمكن لمن قرأ هذه الآية وأمثالها أن يقول: إن الرسول يعلم الغيب، وإن من علومه علم اللوح والقلم؟ كل هذه القضايا كفر مخرج عن الملة..

 وإن كنا لا نقول عن الرجل نفسه إنه كافر- أعني: عن البوصيري- لأننا لا نعلم ما الذي حمله على هذا،

 لكنا نقول: هذه المقالات كفر.. ومن اعتقدها فهو كافر..

 نقول ذلك على سبيل العموم.

 ولهذا نحن نرى أنه يجب على المؤمنين تجنب قراءة هذه المنظومة؛

 لما فيها من الأمور الشركية العظيمة، وإن كان فيها أبيات معانيها جيدة وصحيحة، فالحق مقبول ممن جاء به أياً كان، والباطل مردود ممن جاء به أيّاً كان...


...................

الخلاصة

قصيدة البردة هذه أبياتها منكرة.. شرك... ولا تجوز،
 بل هذه من الشرك الأكبر نعوذ بالله، فإن الرسول صلي الله وعليه وسلم ليس من جوده الدنيا وضرتها، ضرتها الآخرة، هذا من جود الرب جل وعلا، من ملك الرب جل وعلا، ما يملكه النبي صلي الله وعليه وسلم، ولا يعلم ما في اللوح والقلم عليه الصلاة والسلام، ما يعلم الغيب عليه الصلاة والسلام، 
وكذلك قوله:
ما لي من ألوذ به سواك عند ...
هذا معناه جعله المعاذ والملاذ، هذا شرك أكبر، أعوذ بالله.
إن لم تكن في معادي آخذًا بيديفضلاً .............

يعني: 
يوم القيامة معناه: 
أنه هو الذي يجير من النار؛ هذا شرك أكبر..

الذي يجير من النار هو الله وحده، لكن اتباع النبي صلي الله وعليه وسلم من أسباب السلامة، اتباع النبي صلي الله وعليه وسلم من أسباب السلامة من النار.
 
أما النبي صلي الله وعليه وسلم فلا يملك الدنيا والآخرة، ولا يجير من النار، بل هو عبد مأمور عليه الصلاة والسلام



تعليقات