باب قول الله تعالى:
{أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُون}
المراد بهذه الترجمة التنبيه على الجمع بين الرجاء والخوف، ولذلك ذكر بعد هذه الآية قوله تعالى:
{وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ} .
هذا هو مقام الأنبياء والصديقين ؛
كما قال تعالى:
{أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُوراً} .
فابتغاء الوسيلة إليه هو التقرب بحبه وطاعته، ثم ذكر الرجاء والخوف وهذه أركان الإيمان.
وقال تعالى:
{إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} .
وقال تعالى عن إبراهيم عليه السلام:
{وَلا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئاً وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ} .
وقال عن شعيب:
{قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِباً إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْهَا وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَعُودَ فِيهَا إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّنَا} .
فوكلا الأمر إلى مالكه، وقال تعالى عن الملائكة عليهم السلام:
{يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم:
"إني لأعلمكم بالله وأشدكم له خشية" .
وكلما قوي إيمان العبد ويقينه قوي خوفه ورجاؤه مطلقًا.
قال الله تعالى:
{إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ}
وقال تعالي:
{إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ}
وقالت عائشة_رضي الله عنها:
يارسول الله هو الرجل يزني ويسرق ويخاف أن يعاقب؟
قال: "لا يا بنت الصديق هو الرجل يصلي ويصوم ويتصدق ويخاف أن لا يقبل منه ". رواه الإمام أحمد والترمذي وابن جرير وابن أبي حاتم والحاكم وصححه.
قال ابن القيم_رحمه الله:
الخوف من أجلِّ منازل الطريق، وخوف الخاصة أعظم من خوف العامة، وهم إليه أحوج، وهم به أليق وله ألزم، فإن العبد إما أن يكون مستقيمًا أو مائلاً عن الاستقامة. فإن كان مائلاً عن الاستقامة فخوفه من العقوبة على ميله، ولا يصح الإيمان إلا بهذا الخوف، وهو ينشأ من ثلاثة أمور:
_أحدها: معرفته بالجناية وقبحها
_والثاني: تصديق الوعيد وأن الله رتب على المعصية عقوبتها
_الثالث: أنه لا يعلم أنه يمنع من التوبة، ويحال بينه وبينها إذا ارتكب الذنب؛
فبهذه الأمور الثلاثة يتم له الخوف، وسبب قوتها وضعفها يكون قوة الخوف، وضعفه هذا قبل الذنب، فإذا عمله كان خوفه أشد.
وبالجملة فمن استقر في قلبه ذكر الدار الآخرة وجزائها، وذكر المعصية والتوعد عليها، وعدم الوقوف بإتيانه بالتوبة النصوح، هاج من قلبه من الخوف ما لا يملكه، ولا يفارق حتى ينجو وأما إن كان مستقيمًا مع الله، فخوفه يكون من جريان الأنفاس لعلمه بأن الله مقلب القلوب. وما من قلب إلا وهو بين إصبعين من أصابع الرحمن عزّ وجل فإن شاء أن يقيمه أقامه، وإن شاء أن يزيغه أزاغه
كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم وكانت أكثر يمينه: "لا ومقلب القلوب" ؛ ويكفي في هذا قوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ}
فأي قرار لمن هذه حاله ومن أحق بالخوف منه، بل خوفه لازم له في كل حال، وإن توارى عنه بغلبة حال أخرى عليه، فالخوف حشو قلبه، ولكن توارى عنه بغلبة غيره، فوجود الشيء غير العلم به، فالخوف الأول ثمرة العلم بالوعد والوعيد، وهذا الخوف ثمرة العلم بقدرة الله عزّ وجل وعزته وجلاله، وأنه الفعال لمايريد، وأنه المحرك للقلب المصرف له كيف يشاء، لا إله إلا هو العزيز الحكيم انتهى. فهذا الخوف الثاني هو من خوف المكر.
فإذا علمت هذا، فمعنى الآية المترجم لها أن الله تبارك وتعالى لما ذكر حال أهل القرى المكذبين للرسل، بين أن الذي حملهم على ذلك هو الأمن من عذاب الله، وعدم الخوف منه، كما قال تعالي:
{أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتاً وَهُمْ نَائِمُونَ أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحىً وَهُمْ يَلْعَبُونَ}
ثم بين أن ذلك بسبب الجهل والغرة بالله، فأمنوا مكره فيما ابتلاهم به من السراء والضراء، بأن يكون استدراجًا، فقال: {أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} أي: الهالكون.
فدل على وجوب الخوف من مكر الله.
قال الحسن: من وسع عليه فلم ير أنه يمكر به فلا رأي له، ومن قتر عليه، فلم ير أنه ينظر له فلا رأي له.
وقال قتادة: بغت القوم أمر الله، وما أخذ الله قومًا قط إلا عند سلوتهم وغرتهم ونعمتهم. فلا تغتروا بالله إنه لا يغتر به إلا القوم الفاسقون.
وفي الحديث:
"إذا رأيت الله يعطي العبد من الدنيا على معاصيه ما يحب; فإنما هو استدراج" . رواه أحمد وابن جرير وابن أبي حاتم.
وقال إسماعيل بن رافع: من الأمن من مكر الله إقامة العبد على الذنب يتمنى على الله المغفرة. رواه ابن أبي حاتم.
قال: وقوله: {قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّالُّونَ}
نبه محمد عبدالوهاب_ رحمه الله بهذه الآية على الجمع بين الرجاء والخوف، فإذا خاف فلا يقنط من رحمة الله، بل يرجوها مع العمل الصالح.
كما قال تعالى:
{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}.
فذكر سبحانهأنهم يرجون رحمة الله مع الاجتهاد في الأعمال الصالحة فأما الرجاء مع الإصرار على المعاصي، فذاك من غرور الشيطان;
إذا تبين ذلك، فقوله تعالى: ومن يقنط حكاية قول إبراهيم عليه السلام لما بشرته الملائكة بولده إسحاق عليه السلام، ف
{قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ}.
استبعادًا لوقوع هذا في العادة مع كبر السن منه ومن زوجته {قَالُوا بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ} أي:
الذي لا ريب فيه ولا مثنوية، بل هو أمر الذي {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} .
وإن بعد مثله في العادة التي أجراها فإن ذلك عليه يسير، إذا أراده، فلا تكن من القانطين، أي لا تيأس من رحمة الله، قال إبراهيم عليه السلام:
{وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّالُّونَ} .
فأجابهم بأنه ليس بقانط، ولكن يرجو من الله الولد، وإن كان قد كبر، وأسنت امرأته، فإنه يعلم من قدرة الله ورحمته ما هو أبلغ من ذلك.
قال السدي: {وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ} . قال: من ييأس من رحمة ربه.
رواه ابن أبي حاتم {إِلاَّ الضَّالُّونَ}
قال بعضهم: إلا المخطئون طريق الصواب، أو الكافرون، كقوله: {لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} .
وفي حديث مرفوع: "الفاجر الراجي لرحمة الله أقرب منها من العابد القانط" رواه الحكيم الترمذي والحاكم في "تاريخه".
قال: عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الكبائرقال: "الشرك بالله، واليأس من روح الله، والأمن من مكر الله".
هذا الحديث رواه البزار وابن أبي حاتم من طريق شبيب بن بشر عن عكرمة عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كان متكئًا، فدخل عليه رجل، فقال: ما الكبائر؟ فقال: الشرك بالله" . وذكر الحديث. ورجاله ثقات إلا شبيب بن بشر فقال ابن معين: ثقة، ولينه ابن أبي حاتم، ومثل هذا يكون حسنًا. وقال ابن كثير: في إسناده نظر، والأشبه أن يكون موقوفًا.
قوله: "الشرك بالله هو أكبر الكبائر"، إذ مضمونه تنقيص رب العالمين وإلههم ومالكهم وخالقهم الذي لا إله إلا هو، وعدل غيره به، كما قال تعالي:
{ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ} .
فهو أظلم الظلم، وأقبح القبيح، ولهذا لا يغفر إن لم يتب منه، بخلاف غيره من الذنوب، ففي مشيئة الله إن شاء غفرها، وإن شاء عذب بها.
قوله تعالي: "واليأس من روح الله"
أي: قطع الرجاء والأمل من الله فيما يرومه ويقصده قال تعالى: {وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} .
وذلك إساءة ظن بكرم الله ورحمته وجوده ومغفرته.
قوله: "والأمن من مكر الله" أي:
من استدراجه للعبد أو سلبه ما أعطاه من الإيمان
_ نعوذ بالله من غضبه _ وذلك جهل بالله وبقدرته، وثقة بالنفس وعجب بها.
واعلم أن !!
هذا الحديث لم يرد فيه حصر الكبائر فيما ذكر، بل الكبائر كثيرة، لكن ذكر ما هو أكبرها، أو من أكبرها، ولهذا قال ابن عباس: هي إلى السبعين أقرب منها إلى السبع، رواه ابن جرير، وابن أبي حاتم. وفي رواية هي إلى سبعمائة أقرب منها إلى سبع، غير أنه لا كبيرة مع استغفار، ولا صغيرة مع إصرار.
قال: وعن ابن مسعود قال:
"أكبر الكبائر: الإشراك بالله، والأمن من مكر الله، والقنوط من رحمة الله، واليأس من روح الله". رواه عبد الرزاق.
هذا الأثر رواه ابن جرير بأسانيد صحاح عن ابن مسعود، قال ابن كثير: وهو صحيح إليه بلا شك، ورواه الطبراني أيضًا.
قوله: "أكبر الكبائر الإشراك بالله"
أي: في ربوبيته أو عبادته وهذا بالإجماع.
قوله: "والقنوط من رحمة الله"
قال أبو السعادات: هو أشد اليأس من الشيء.
فعلى هذا يكون الفرق بينه وبين اليأس كالفرق بين الاستغاثة والدعاء، فيكون القنوط من اليأس، وظاهر القرآن أن اليأس أشد لأنه حكم لأهله بالكفر، ولأهل القنوط بالضلال.
وهنا !!
التنبيه على الجمع بين الرجاء والخوف، فإذا خاف فلا يقنط ولا ييأس، وكان السلف يستحبون أن يقوى في الصحة الخوف، وفي المرض الرجاء، هذه طريقة أبي سليمان وغيره، قال: وينبغي للقلب أن يكون الغالب عليه الخوف فإذا كان الغالب عليه الرجاء فسد، فنسأل الله تعالى أن يرزقنا خشيته في الغيب والشهادة إنه على كل شيء قدير.
......... ....
شرح الشيخ ابن باز من كتاب التوحيد للشيخ محمدبن عبد الوهاب_رحمه الله
باب قول الله تعالى: أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ [الأعراف:99]
وقوله تعالى: وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ [الحجر:56]
وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلي الله وعليه وسلم سئل عن الكبائر؟
فقال: الشرك بالله، واليأس من روح الله، والأمن من مكر الله.
وعن ابن مسعود قال: أكبر الكبائر: الإشراك بالله، والأمن من مكر الله، والقنوط من رحمة الله، واليأس من روح الله رواه عبد الرازق.
قال الشيخ محمدبن عبدالوهاب_ رحمه الله في كتاب التوحيد الذي جمعه رحمه الله في بيان حقيقة التوحيد وحقيقة الشرك والتنبيه على أمور كثيرة من أمور الشرك والبدع التي وقع فيها الناس؛
وهو كتاب عظيم النفع، عظيم الفائدة، ومنها هذا الباب، قال تعالي:
"باب قول الله تعالى: أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ [الأعراف:99]
وقوله تعالي:
وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ [الحجر:56]
الله جل وعلا حذر عباده من الأمن من مكره والقنوط من رحمته، فالواجب على أهل الإيمان أن يجمعوا بين الخوف والرجاء أن يخافوه ويرجوه ، فلا قنوط ولا أمن، بل يجب أن يرجى لكمال إحسانه، وكمال جوده وكرمه، ويجب أن يُخاف لعظيم انتقامه وشدة بطشه، قال تعالى:
{ نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ }[الحجر:49- 50]
قال تعالي:
{ إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ }[البروج:12]
قال تعالى:
{ أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ
الْخَاسِرُونَ }[الأعراف:99]
وقال تعالي:
{ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ }[الحجر:56]
وقال تعالي:
{وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ }[يوسف:87]
قال تعالي:
{ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر:53]
فالواجب على كل مسلم ومسلمة !
أن يخاف الله ويرجوه، وأن يكون بين الخوف والرجاء، يخاف الله مما يقع منه من الذنوب والسيئات، ولعظم انتقامه وعظيم بطشه لمن خالف أمره، ويرجوه لكمال إحسانه وكمال جوده وكرمه وعظيم رحمته في حق من اتقاه وقام بحقه وسارع إلى مراضيه؛
ولهذا قال تعالي:
{أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ }[الأعراف:99]
مكر الله عقوبته، وأخذ العبد على غرة..
{فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ }[الأعراف:99]
يعاقبهم بمثل ما فعلوا {
وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ }[آل عمران:54]
والمكر: هو فعل ما حرم الله بالطرق المعوجة بالخداع والتلبيس، فالله يعاقبهم بمثل ما فعلوا جزاء وفاقًا، وهكذا المخادعة:
}يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ }[النساء:142]
فمن خادع الناس وظلمهم فقد خادع الله بذلك، وهو جدير بالعقوبة من حيث يعلم ومن حيث لا يعلم.
وهكذا من مكر جدير بأن يمكر به عقوبة له بمثل ما فعل، والله يوصف بالمكر في مقابل المكر،.. والاستهزاء في مقابل الاستهزاء..والخداع في مقابل الخداع..
فهذه صفات لربنا في مقابل أضدادها فمن مكر مكر به، ومن خادع خدع، ومن استهزأ استهزئ به، ومن كاد كيد }إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا وَأَكِيدُ كَيْدًا} [الطارق :15-16]
وهو في حقه كمال؛ لأنه عدل منه، فالخداع في حقه والمكر والكيد والاستهزاء كله في حقه حق؛
لأنها صدرت منه في مقابل المجرمين في جزائهم على عدوانهم، والانتقام من الظالم بمثل ما فعل حق ومدح، وإن عفا فهو أهل الفضل .
وفي حديث ابن عباس المروي عنه أن النبي صلي الله وعليه وسلم بين أن من الكبائر:
اليأس من روح الله، والقنوط من رحمة الله، والأمن من مكر الله؛ فالواجب على المؤمن أن يحذر ذلك.
وهكذا ما جاء في أثر ابن مسعود:
أكبر الكبائر اليأس من رحمة الله، والقنوط من رحمة الله، واليأس من روحه والأمن من مكره جل وعلا، كل هذه كبائر يجب الحذر منها:
الأمن والقنوط واليأس من رحمة الله، والمكر، والخداع، يجب على المؤمن أن يكون ذا إنصاف، وذا عدل، وذا عناية بالحق، ورحمة وعطف، وأن يكون عظيم الخوف من الله، شديد الحذر من عقابه جل وعلا، بعيدًا عن صفات المنافقين من الخداع والاستهزاء والمكر.