الكذب لغةً:
الكَذِب نقيض الصِّدْقِ، كَذَبَ يَكْذِبُ كَذِبًا وكِذْبًا.
فهو كَاذِب وكَذَّاب وكَذُوب، 
تقول: كذَّبت الرجل، إذا نسبته إلى الكذب، وأكْذَبتُه إذا أخبرت أن الذي يحدث به كذب .


 الكذب اصطلاحًا:
هو الإخبار بالشيء على خلاف ما هو عليه سواء كان عمدًا أم خطئًا .

وقال النووي عن الكذب:
 هو الإخبار عن الشيء على خلاف ما هو، عمدًا كان أو سهوًا، سواء كان الإخبار عن ماض أو مستقبل

فإياك وَالْكذب !!
 فَإِنَّهُ يفْسد عَلَيْك تصور المعلومات على مَا هِيَ عَلَيْهِ، وَيفْسد عَلَيْك تصورها وَتَعْلِيمهَا للنَّاس.
 
 ‏ فَإِن الْكَاذِب يصور الْمَعْدُوم مَوْجُودًا وَالْمَوْجُود مَعْدُومًا..وَالْحق بَاطِلًا وَالْبَاطِل حَقًا..وَالْخَيْر شرًا وَالشَّر خيرًا..فَيفْسد عَلَيْهِ تصَوره وَعلمه عُقُوبَة لَهُ..
 ثمَّ يصور ذَلِك فِي نفس الْمُخَاطب المغتر بِهِ الراكن إِلَيْهِ فَيفْسد عَلَيْهِ تصَوره وَعلمه، وَنَفس الْكَاذِب معرضة عَن الْحَقِيقَة الْمَوْجُودَة، نزاعة إِلَى الْعَدَم مُؤثرَة للباطل، وَإِذا فَسدتْ عَلَيْهِ قُوَّة تصَوره وَعلمه الَّتِي هِيَ مبدأ كل فعل إرادي فَسدتْ عَلَيْهِ تِلْكَ الْأَفْعَال، وسرى حكم الْكَذِب إِلَيْهَا فَصَارَ صدورها عَنهُ كصدور الْكَذِب عَن اللِّسَان، فَلَا ينْتَفع بِلِسَانِهِ وَلَا بِأَعْمَالِهِ. وَلِهَذَا كَانَ الْكَذِب أساس الْفُجُور 

  ‏كَمَا قَالَ النَّبِي_صلي الله وعليه وسلم :
  ‏«إِن الْكَذِب يهدي إِلَى الْفُجُور وَإِن الْفُجُور يهدي إِلَى النَّار»
وَأول مَا يسري الْكَذِب من النَّفس إِلَى اللِّسَان فيفسده ثمَّ يسري إِلَى الْجَوَارِح فَيفْسد عَلَيْهَا أَعمالهَا كَمَا أفسد على اللِّسَان أَقْوَاله، فَيعم الْكَذِب أَقْوَاله وأعماله وأحواله، فيستحكم عَلَيْهِ الْفساد ويترامى داؤه إِلَى الهلكة إِن لم يُدْرِكهُ الله بدواء الصدْق يقْلع تِلْكَ من أَصْلهَا. 
 
 ‏وَلِهَذَا كَانَ أصل أَعمال الْقُلُوب كلهَا الصدْق، وأضدادها من الرِّيَاء وَالْعجب وَالْكبر وَالْفَخْر وَالْخُيَلَاء والبطر والأشر وَالْعجز والكسل والجبن والمهانة وَغَيرهَا أَصْلهَا الْكَذِب. 
 
 فَكل عمل صَالح ظَاهر أَو بَاطِن فمنشؤه الصدْق وكل عمل فَاسد ظَاهر أَو بَاطِن فمنشؤه الْكَذِب، وَالله تَعَالَى يُعَاقب الْكذَّاب بِأَن يقعده ويثبطه عَن مَصَالِحه ومنافعه، ويثيب الصَّادِق بِأَن يوفقه للْقِيَام بمصالح دُنْيَاهُ وآخرته.
 
 ‏ فَمَا استجلبت مصَالح الدُّنْيَا وَالْآخِرَة بِمثل الصدْق وَلَا مفاسدها ومضارهما بِمثل الْكَذِب
 
 ‏ قَالَ تَعَالَى :
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقين} 
  
وَقَالَ تَعَالَى:
 {هَـٰذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ} 
  
وَقَالَ تعالي :
{فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّـهَ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ} 
  ‏
وَقَال تعالي:
 {وَجَاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّـهَ وَرَسُولَهُ ۚ سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}

 كما في الحديث المتفق عليه : 
 ‏" إن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار، وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذاباً " 
 ‏ويؤدي إلى اللعن والطرد من رحمة الله

 قال تعالى: ( قتل الخراصون )
 أي لعن الكذابون،
 ‏ 
وقال تعالي :
 (إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب) 
 ‏وهو من خصال أهل النفاق

 وكما جاء في صحيح مسلم :
" آية المنافق ثلاث وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان "

وبالجملة فإن الكذب محرم..
 وهو على عدة أقسام: 
_منه الكذب على الله ورسوله، وهذا متعاطيه مقعده محجوز له في النار..
 كما في الحديث المتواتر :
" من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار "

_ ومنه الكذب على الناس كي يضحكهم أو يجلب أنظارهم إليه ونحو ذلك.
 
_ومنه أن يقول:
 رأيت في منامي كذا وهو كاذب
وهذا قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم كما في البخاري :
 ‏ " من تحلم بحلم لم يره، كلف أن يعقد بين شعيرتين ولن يفعل " 
 ‏
 ولم يرخص في الكذب شيء منه إلا في مواطن ثلاث: _في الحرب
_وإصلاح ذات البين
_وحديث الرجل إلى امرأته، وحديث المرأة إلى زوجها،

 ‏ كما في زيادة مسلم في حديث أم كلثوم حيث روى عنها أنها قالت: ولم أسمعه يرخص في شيء مما يقوله الناس إلا في ثلاث: 
 ‏تعني: 
الحرب والإصلاح بين الناس، وحديث الرجل امرأته وحديث المرأة زوجها

حتى يُكتب عند الله صديقاً

قال تعالي:
"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ"

قال تعالي:
"هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ"

فالواجب عليك!!
 أن تحذر الكذب  وتتحرى الصدق
 قال النبي صلي الله وعليه وسلم: 
" ‏عليكم بالصدق! فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، ولا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقًا، وإياكم والكذب! فإن الكذب يهدي إلى الفجور، والفجور يهدي إلى النار"

قال صلي الله وعليه وسلم :
لا يزال الرجل يكذب ويتحرّى الكذب حتى يُكتب عند الله كذاباً، وإياكم والكذب، فإن الكذب يهدي إلى الفجور والفجور يهدي إلى النار
_رواه البخاري: 6094

وقال صلي الله وعليه وسلم :
"فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، ولا يزال الرجل يصدق ويتحرّى الصدق حتى يُكتب عند الله صديقاً"

قال صلي الله وعليه وسلم : 
عليكم بالصدق فإنه مع البر وهما في الجنة، وإياكم والكذب، فإنه مع الفجور وهما في النار، وسلوا الله اليقين والمعافاة
_رواه أحمد 5

 قال صلي الله وعليه وسلم :
 ‏ ولا زال يصدُق ويتحرّى الصدق حتى يُكتب عند الله صديقاً
_ ‏رواه مسلم: 2607
 فهذه إشارة إلى حسن خاتمته


قال ابن القيم_رحمه الله:
والكذب له تأثير عظيم في سواد الوجه 
  ويكسوه برقعاً من المقت يراه الصادق .
_إعلام الموقعين

وقال ابن القيم_رحمه الله :
فإن اللسان الكذوب
 بمنزلة العضو الذي قد تعطل نفعه
  بل هو شر منه 
 فشر ما في المرء
  لسان كذوب
_إعلام الموقعين


- قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (لأن يضعني الصدق- وقلَّما يضع- أحبُّ إليَّ من أن يرفعني الكذب، وقلَّما يفعل)
- وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: (أعظم الخطايا الكذب، ومن يعفَّ يعفُ الله عنه)
- وروي عنه أيضًا أنه قال: (الكذب لا يصلح منه جدٌّ ولا هزل)
- وكان ابن عباس يقول: (الكذب فجور، والنَّمِيمَة سحرٌ، فمن كذب فقد فجر، ومن نمَّ فقد سحر)
- وقال ابن عمر: (زعموا زاملة الكذب)
- وقال الأحنف: (ما خان شريفٌ، ولا كذب عاقلٌ، ولا اغتاب مؤمنٌ. وكانوا يحلفون فيحنثون، ويقولون فلا يكذبون)
- وقال أيضًا: (اثنان لا يجتمعان أبدًا: الكذب والمروءة)
- وقال ميمون بن ميمون: (من عُرف بالصدق جاز كذبه، ومن عُرف بالكذب لم يجز صدقه)
- وقال ابن القيم: (إياك والكذب؛ فإنه يفسد عليك تصور المعلومات على ما هي عليه، ويفسد عليك تصويرها وتعليمها للناس)


عوّد لسانك قول الصدق تحظ به
          إن اللسان لما عودت معتاد
موكل بتقاضي ما سلمت له في 
        الخير والشر فانظر كيف ترتاد


صور الكذب (أنواع الكذب)

1- الكذب على الله تعالى ورسوله:

وهذا أعظم أنواع الكذب
 (والكذب على الله نوعان:
_ النوع الأول:
 أن يقول: قال الله كذا، وهو يكذب.

_النوع الثاني: أن يفسر كلام الله بغير ما أراد الله، لأن المقصود من الكلام معناه.

فإذا قال: أراد الله بكذا كذا وكذا، فهو كاذب على الله، شاهد على الله بما لم يرده الله عزَّ وجلَّ،

 لكن الثاني إذا كان عن اجتهاد وأخطأ في تفسير الآية، فإنَّ الله تعالى يعفو عنه؛ لأنَّ الله قال:
"   وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ "

وقال تعالي:
لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا "

 وأما إذا تعمَّد أن يفسِّر كلام الله بغير ما أراد الله، اتباعًا لهواه أو إرضاء لمصالح أو ما أشبه ذلك، فإنَّه كاذب على الله عزَّ وجلَّ

 وقال تعالى:
وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوْحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ "

 فلا أحد أعظم ظلمًا، ولا أكبر جرمًا، ممن كذب على الله. بأن نسب إلى الله قولًا أو حكمًا، وهو تعالى بريء منه، وإنما كان هذا أظلم الخلق، لأنَّ فيه من الكذب، وتغيير الأديان أصولها، وفروعها، ونسبة ذلك إلى الله ما هو من أكبر المفاسد.

ويدخل في ذلك:
 ادعاء النبوة، وأنَّ الله يوحي إليه، وهو كاذب في ذلك، فإنه مع كذبه على الله، وجرأته على عظمته وسلطانه يوجب على الخلق أن يتبعوه، ويجاهدهم على ذلك، ويستحل دماء من خالفه وأموالهم.

ويدخل في هذه الآية، كل من ادعى النبوة، كمسيلمة الكذاب، والأسود العنسي، والمختار، وغيرهم ممن اتصف بهذا الوصف.

 وقال صلى الله عليه وسلم: 
"لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُبْعَثَ دَجَّالُونَ كَذَّابُونَ قَرِيبًا مِنْ ثلاثين كلُّهم يزعم أنَّه رسول الله "
 
قال تعالى:
وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْمُتَكَبِّرِينَ "

وقال تعالي:
فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ"

وقال تعالى:
"قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ"

وقال الرسول صلى الله عليه وسلم:
(من كذب علي متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار  )

وقال صلي الله وعليه وسلم: 
(من حدث عني بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكذابين  ) 

وأكثر الناس كذبًا على رسول الله هم الرافضة الشيعة، فإنه لا يوجد في طوائف أهل البدع أحد أكثر منهم كذبًا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما نص على هذا علماء مصطلح الحديث رحمهم الله، لما تكلموا على الحديث الموضوع قالوا:
 إن أكثر من يكذب على الرسول هم الرافضة الشيعة، وهذا شيء مشاهد ومعروف لمن تتبع كتبهم


2- الكذب على الناس بادِّعاء الإيمان:
كذب يظهر الإنسان فيه أنَّه من أهل الخير والصلاح، والتقى والإيمان، وهو ليس كذلك، بل هو من أهل الكفر والطغيان فهذا هو النفاق، النفاق الأكبر الذين قال الله فيهم:
وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ "

 لكنَّهم يقولون بألسنتهم، ويحلفون على الكذب وهم يعلمون، وشواهد ذلك في القرآن والسنة كثيرة، إنهم أعني المنافقين أهل الكذب يكذبون على الناس في دعوى الإيمان وهم كاذبون،
 وانظر إلى قول الله تعالى في سورةالمنافقون
 حيث صدر هذه السورة ببيان كذبهم حيث 
قال تعالى:
إِذَا جَاءكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ  "

أكدوا هذه الجملة بكم مؤكد؟
 بثلاثة مؤكدات !
_نشهد
_إن
_اللام

هذة ثلاثة مؤكدات، يؤكدون أنهم يشهدون أنَّ محمدًا رسول الله، فقال الله تعالى:
وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ "

 في قولهم :
"نشهد إنك لرسول الله"
 هذا أيضًا من أنواع الكذب، وهو أشدُّ أنواع الكذب على الناس؛ لأنَّ فاعله والعياذ بالله منافق


3- الكذب في الحديث بين الناس:
الكذب في الحديث الجاري بين الناس يقول: قلت لفلان كذا. وهو لم يقله. قال فلان كذا. وهو لم يقله. جاء فلان. وهو لم يأت وهكذا، هذا أيضًا محرم ومن علامات النفاق.
كما قال النَّبي صلى الله عليه وسلم: 
"آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب.."


4- الكذب لإضحاك الناس:
روي عن النَّبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: 
"ويل للذي يحدث بالحديث، ليضحك به القوم فيكذب، ويل له، ويل له  "

قال المناوي في شرحه للحديث: 
كرره إيذانًا بشدة هلكته؛ وذلك لأنَّ الكذب وحده رأس كلِّ مذموم، وجماع كلِّ فضيحة، فإذا انضم إليه استجلاب الضحك الذي يميت القلب، ويجلب النسيان، ويورث الرعونة كان أقبح القبائح، ومن ثم قال الحكماء: إيراد المضحكات على سبيل السخف نهاية القباحة

قال ابن عثيمين_رحمه الله:
 وهذا يفعله بعض الناس ويسمونها النكت، يتكلم بكلام كذب ولكن من أجل أن يضحك الناس، هذا غلط، تكلم بكلام مباح من أجل أن تدخل السرور على قلوبهم،
 وأما الكلام الكذب فهو حرام

والحكمة من هذا المنع !
أنَّه يجر إلى وضع أكاذيب ملفقة على أشخاص معينين، يؤذيهم الحديث عنهم، كما أنه يعطي ملكة التدرب على اصطناع الكذب، وإشاعته فيختلط في المجتمع الحق بالباطل، والباطل بالحق


5- المبالغة في الإطراء والمدح:
تمدح الناس مدرجة إلى الكذب، والمسلم يجب أن يحاذر حينما يثني على غيره، فلا يذكر إلا ما يعلم من خير، ولا يجنح إلى المبالغة في تضخيم المحامد، وطيِّ المثالب، ومهما كان الممدوح جديرًا بالثناء، فإنَّ المبالغة في إطرائه ضرب من الكذب المحرم
فعن المقداد رضي الله عنه، قال: 
"أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نحثو في وجوه المداحين التراب "

قال النووي _رحمه الله:
اعلم أنَّ مدح الإنسان والثناء عليه بجميل صفاته قد يكون في حضور الممدوح، وقد يكون بغير حضوره، فأمَّا الذي في غير حضوره، فلا منع منه إلا أن يجازف المادح، ويدخل في الكذب، فيحرم عليه بسبب الكذب لا لكونه مدحًا، ويستحب هذا المدح الذي لا كذب فيه إذا ترتب عليه مصلحة، ولم يجرَّ إلى مفسدة، بأن يبلغ الممدوح فيفتتن به، أو غير ذلك

6- كذب التاجر في بيان سلعته:
عن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنهما:
أن رجلًا أقام سلعة في السوق، فحلف فيها، لقد أعطى بها ما لم يعطه، ليوقع فيها رجلًا من المسلمين 
فنزلت:
إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلاً "

وقال صلى الله عليه وسلم:
"ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا ينظر إليهم: رجل حلف على سلعة لقد أعطي بها أكثر مما أعطي وهو كاذب، ورجل حلف على يمين كاذبة بعد العصر؛ ليقتطع بها مال رجل مسلم...  "

7- الكذب على الأولاد:
 فكثيرًا ما يكذب الوالدان على أولادهما الصغار؛
رغبةً في التخلص منهم، أو تخويفًا لهم؛
كي يكفُّوا عن العبث واللعب، أو حفزًا لهم كي يجِدُّوا في أمر ما، أو غير ذلك

8- شهادة الزور:
الحلف في الشهادة من أشنع الكذب، فالمسلم لا يبالي إذا قام بشهادة ما أن يقرر الحقَّ، ولو على أدنى الناس منه وأحبهم إليه، لا تميل به قرابة ولا عصبية، ولا تزيغه رغبة أو رهبة.

وتزكية المرشحين لمجالس الشورى، أو المناصب العامة، نوع من أنواع الشهادة فمن انتخب المغموط في كفايته وأمانته، فقد كذب وزوَّر، ولم يقم بالقسط.

فعن أبي بكرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ ثلاثًا، قلنا: بلى. قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وقتل النفس. وكان متكئًا فجلس، وقال: ألا وقول الزور، وشهادة الزور. فما زال يكررها حتى قلنا: ليته سكت"

10- المبالغة في المعاريض: 
لا ريب أنَّ في المعاريض مندوحةً عن الكذب، ولكن هناك من يبالغ في المعاريض، ويتوسَّع فيها توسُّعًا يخرجه عن طوره، ويجعله يدخل فيها ما ليس منها، فتجده يقلب الحقائق، وينال من الآخرين، ويُلبس عليهم، ويحصل على مآربه بالمراوغة والمخاتلة، مما يوقعه في الكذب، فَتُفْقَدُ الثقة به، وبحديثه

11- الكذب السياسي:
الكذب الذي يقوم على القاعدة الميكافيلية التي تقول: (إن الغاية تبرر الوسيلة) 
أو
 (الغاية تسوغ الواسطة).
 وهذه القاعدة يأخذ بها غالبية السياسيين

........

الفرق بين الكذب وبعض المترادفات


- الفرق بين الخرص والكذب:

الخرص:
 هو الحزر، وليس من الكذب في شيء.

 والخرص:
هو ما يحزر من الشيء.
يقال: كم خرص نخلك؛ أي: كم يجئ من ثمرته، وإنما استعمل الخرص في موضع الكذب؛
لماذا!
 لأنَّ الخرص يجري على غير تحقيق، فشُبِّه بالكذب، واستُعمل في موضعه.

 وأما التكذيب فالتصميم، على أنَّ الخبر كذب بالقطع عليه، ونقيضه التصديق


- الفرق بين الكذب والافتراء والبهتان:

 الكذب: 
هو عدم مطابقة الخبر للواقع، أو لاعتقاد المخبر لهما على خلاف في ذلك.

والافتراء:
هو أخص منه؛
 لأنَّه الكذب في حق الغير بما لا يرتضيه، بخلاف الكذب فإنه قد يكون في حق المتكلم نفسه،
 ولذا يقال لمن قال: فعلت كذا ولم أفعل كذا.
مع عدم صدقه في ذلك: هو كاذب، ولا يقال: هو مفتر، وكذا من مدح أحدًا بما ليس فيه، يقال: إنه كاذب في وصفه، ولا يقال: هو مفتر؛ 
لأنَّ في ذلك مما يرتضيه المقول فيه غالبًا.

وقال سبحانه حكاية عن الكفار:
"افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا "؛
 لزعمهم أنه أتاهم بما لا يرتضيه الله سبحانه مع نسبته إليه.

وأيضًا قد يحسن الكذب على بعض الوجوه، كالكذب في الحرب، وإصلاح ذات البين، وعدة الزوجة، كما وردت به الرواية، بخلاف الافتراء.

وأما البهتان:
 فهو الكذب الذي يواجه به صاحبه على وجه المكابرة له


- الفرق بين الكذب والإفك 

الكذب:
 اسم موضوع للخبر الذي لا مخبر له على ما هو به، وأصله في العربية التقصير؛
 ومنه قولهم: كذب عن قرنه في الحرب.
 إذا ترك الحملة عليه، وسواء كان الكذب فاحش القبح، أو غير فاحش القبح.

والإفك:
 هو الكذب الفاحش القبح.
 مثل الكذب على الله ورسوله، أو على القرآن
 ومثل قذف المحصنة...وغير ذلك مما يفحش قبحه، 
وجاء في القرآن على هذا الوجه، قال الله تعالى:
وَيْلٌ لِّكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ "


- الفرق بين الخُلف والكذب:
 الكذب فيما مضى:
 وهو أن تقول: فعلت كذا، ولم تفعله.

 والخلف لما يستقبل:
 وهو أن تقول: سأفعل كذا. ولا تفعله

........

الخلاصة :

- قال تعالى:
 "إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَأُوْلـئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ "

إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ على الله وعلى رسوله شِرارُ الخلق، الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللّهِ من الكفرة والملحدين المعروفين، بالكذب عند الناس


- وقال تعالي: 
"وَيْلٌ لِّكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ "

أي: كذَّاب في مقاله، أثيم في فعاله. وأخبر أنَّ له عذابًا أليمًا، "وأنَّ مِن وَرَائِهِمْ جَهَنَّمُ " تكفي في عقوبتهم البليغة) 

- وقال تعالي:
هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَن تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ "

 وقال تعالي:
لَوْلا جَاؤُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاء فَأُوْلَئِكَ عِندَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ "

 - وقال تعالي في وصف المنافقين:
أَلَمْ تَر إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِن قُوتِلْتُمْ لَنَنصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ لَئِنْ أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِن قُوتِلُوا لا يَنصُرُونَهُمْ وَلَئِن نَّصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الأَدْبَارَ ثُمَّ لا يُنصَرُونَ "

قال السعدي في قوله: "وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ"
في هذا الوعد الذي غروا به إخوانهم، ولا يستكثر هذا عليهم، فإنَّ الكذب وصفهم، والغرور والخداع مقارنهم، والنفاق والجبن يصحبهم، ولهذا كذبهم الله بقوله، الذي وجد مخبره كما أخبر الله به، ووقع طبق ما قال، فقال: لَئِنْ أُخْرِجُوا من ديارهم جلاءً ونفيًا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ لمحبتهم للأوطان، وعدم صبرهم على القتال، وعدم وفائهم 


- عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النَّبي صلى الله عليه وسلم، قال: 
"آية المنافق ثلاث: إذا حدَّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان "

- وعنه أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"كفى بالمرء كذبًا أن يحدِّث بكلِّ ما سمع"

قال ابن الجوزي_رحمه الله: 
فيه تأويلان:

_ أحدها: 
أن يروي ما يعلمه كذبًا، ولا يبينه فهو أحد الكاذبين

_ والثاني: 
أنَّ يكون المعنى بحسب المرء أن يكذب؛ لأنَّه ليس كلُّ مسموع يصدق به، فينبغي تحديث الناس بما تحتمله عقولهم)


- وعن ثابت بن الضحاك رضي الله عنه، عن النَّبي صلى الله عليه وسلم قال:
"من حلف بملة غير الإسلام كاذبًا متعمدًا فهو كما قال، ومن قتل نفسه بحديدة عُذِّب بها في نار جهنم"

ومعنى الحديث النهي عن الحلف بما حلف به من ذلك، والزجر عنه، وتقدير الكلام:
من حلف بملة غير الإسلام، كاذبًا متعمدًا، فهو كما قال، يعنى فهو كاذب حقًّا؛
 لأنَّه حين حلف بذلك ظنَّ أنَّ إثم الكذب واسمه ساقطان عنه؛ لاعتقاده أنَّه لا حرمة لما حلف به، لكن لما تعمد ترك الصدق في يمينه، وعدل عن الحق في ذلك، لزمه اسم الكذب، وإثم الحلف،
 فهو كاذب كذبتين: 
كاذب بإظهار تعظيم ما يعتقد خلافه، وكذب بنفيه ما يعلم إثباته، أو بإثبات ما يعلم نفيه. فإن ظنَّ ظانٌّ أنَّ في هذا الحديث دليلًا على إباحة الحلف بملة غير الإسلام صادقًا، لاشتراطه في الحديث أن يحلف به كاذبًا، قيل له:
 ليس كما توهمت؛ لورود نهي النَّبي صلى الله عليه وسلم، عن الحلف بغير الله، نهيًا مطلقًا، فاستوى في ذلك الكاذب والصادق، وفي النهي عنه


- وعن أبي محمد، الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما، قال: حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"دع ما يريبك إلى ما لا يريبك؛ فإنَّ الصدق طمأنينة، والكذب ريبة "

قال ابن رجب_رحمه الله: 
يشير إلى أنَّه لا ينبغي الاعتماد على قول كلِّ قائل، كما قال في حديث وابصة:
"وإن أفتاك الناس وأفتوك  "
 وإنما يعتمد على قول من يقول الصدق، وعلامة الصدق أنَّه تطمئن به القلوب، وعلامة الكذب؛ أنه تحصل به الريبة، فلا تسكن القلوب إليه، بل تنفر منه.
ومن هنا كان العقلاء في عهد النَّبي صلى الله عليه وسلم إذا سمعوا كلامه وما يدعو إليه، عرفوا أنه صادق، وأنه جاء بالحق، وإذا سمعوا كلام مسيلمة، عرفوا أنه كاذب، وأنه جاء بالباطل.

وقد روي أن عمرو بن العاص سمعه قبل إسلامه يدعي أنه أنزل عليه: يا وبر يا وبر، لك أذنان وصدر، وإنك لتعلم يا عمرو. فقال: والله إني لأعلم أنك تكذب


تعليقات