مقدمة:
معنى النميمة :
نقل الكلام بين الناس لقصد الإفساد وإيقاع العداوة والبغضاء ، فالنم خلق ذميم ؛
لأنه باعث للفتن وقاطع للصلات ، وزارع للحقد ومفرق للجماعات ، يجعل الصديقين عدوين والأخوين أجنبيين ، فالنمام يصير كالذباب ينقل الجراثيم .
والنميمة اسم يطلق على من ينم قول الغير إلى المقول فيه.
مثال عن النميمة:
كما تقول : فلان كان يتكلم فيك بكذا وكذا وليست النميمة مختصة به ..
بل حدها كشف ما يكره كشفه سواء كرهه المنقول عنه أو المنقول إليه أو كرهه ثالث، وسواء كان الكشف بالقول أو بالكتاب أو بالرمز أو بالإيماء.. .إلى غير ذلك من الكلام غير الصحيح أحيانا وإن كان صحيحا لا يجوز أيضا نقله لأن هذا من النميمة ومن هتك الستر عما يكره كشفه، ومن نمّ لك نمّ عليك كما قيل.
............
وعن حذيفةـ رضي الله عنه ـ قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
" لا يدخل الجنة نمام "
وعن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ مر بقبرين فقال :
"إنهما يعذبان وما يعذبان في كبير : أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة ، وأما الآخر فكان لا يستتر من بوله "
(رواه البخاري ومسلم)
قال بعض العلماء :" وما يعذبان في كبير "
أي كبير في زعمهما وقيل كبير تركه عليهما .
وقال صلى الله عليه وسلم :
ألا أخبركم بشراركم ؟ قالوا : بلى ،
قال : المشاؤون بالنميمة ،المفرقون بين الأحبة، الباغون للبراء العنت
(رواه أحمد)
وعن ابن مسعود ـ رضي الله عنه قال :
" ألا أنبئكم ما العضه؟
هي النميمة القالة بين الناس "
(رواه مسلم) .
أن رجلا باع غلاما عنده فقال للمشتري:
العبرة من القصة:
أرأيت ما تصنع النميمة كيف أودت بحياة رجل وزوجته وأوقعت المقتلة بين أقاربهما هذا صنيع ذي الوجهين دائما.
................
صفات النمام في القرآن :
وقد وصف الله النمام بتسع صفات، كما قال أهل العلم،
وهذه الصفات في سورة القلم قال تعالي :
﴿وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ * هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ * مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ * عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ﴾
1- لا تطع كل حلاَّف:
لا تطعه انتبه, حلاَّف؛
لأنه يكثر الحلف، فالذي دعاه إلى الإكثار من الحلف كون أناس لا يصدقونه فيحلف لهم بالأيمان المغلظة ليصدقوه، وهو ليس بصادق،
فلا ينبغي أن يجعل الإنسان ربه عُرضة ليمينه، بل ومن الثلاثة الذين لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم من أنفق سلعته بالحلف الكاذب،
وأن من العلاج للنميمة هو: عدم تصديق النمام .
2- مَهين :
أي أنه هان على ربه،
قال تعالى:
﴿وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ﴾
ولو كان عزيزًا على الله لحفظه من النميمة،
لكن هوانه على الله جعله يتصف بهذه الصفة الذميمة، ولو كان على الله عزيزًا لحفظه منها .
3- همَّاز :
بلسانه وبعينه وبجسده، من الناس من يهمز بلسانه يخرج لسانه ويتكلم استهزاء بالناس،
أحيانًا يحرك عينه من أجل أن يستهزأ بالناس، لو رأى إنسانًا قصيرًا يشير بيده إلى قِصره،
أو رأى إنسانًا أعور يضع يده على عينه، فكل هذا من الهمز .
4- مشَّاء بنميم :
يتنقل بين الناس بالنميمة، من أجل أن يفسد بينهم .
5- منَّاع للخير :
قلبه قليل الخير، لسانه قليل الخير، وأفعاله كذلك،
إذًا هذا قليل في خيره، يمنع الخير عن نفسه، ويمنع الخير عن الآخرين، وينشر الشر بين الناس .
6- مُعتدٍ :
كم اعتدى النمام عليه من الخلق !
اعتدى على نفسه..واعتدى على من نم عنه..
واعتدى على من نم إليه..واعتدى على المجتمع كله..
7- أثيم :
أي كثير الإثم، لربما قبيلة كاملة أبغضت قبيلة كاملة بسبب نميمة نمام،
فيتحمل النمام وزر هؤلاء جميعًا فهو كثير الإثم .
8- عُتُل :
أي أنه مستكبر غليظ جاف .
9- زنيم :
أتدرون ما الزنيم، ولد الزنا.
قال يحيى بن أكثم :
"أَنمُ الناس ولد الزنا".
وقال عبد الله بن المبارك :
"الزنيم : ولد الزنا الذي لا يكتم الحديث وإنما يظهره للناس" .
وقد شبه الله النميمة بالحطب في قوله تعالى : ﴿وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ﴾
فما وجه الشبه ؟
قال : ﴿وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ﴾
أي حمالة النميمة،
وما وجه الشبه بين الحطب والنميمة ؟
الجواب :
وجه الشبه بينهما أن النار لا يزيد في اشتعالها إلا الحطب، والعداوة لا يزيد في اشتعالها إلا النميمة،
النار إذا اشتعلت وكثر حطبها أكلت الأخضر واليابس، والعداوة إذا اشتعلت بالنميمة أكلت الأخضر واليابس .
الدافع للنميمة
(الباعث علي النميمة):
إن مما يدفع الناس إلى النميمة بواعث خفية منها:
_ إرادة السوء للمحكي عنه
_ إظهار الحب للمحكي له
_ التفرج بالحديث والخوض في النقول والباطل .
_ مافي النفس من غل وحسد
_جهل البعض بحرمة النميمة وأنها من كبائر الذنوب وأنها تؤدي إلى شر مستطير وتفرق بين الأحبة.
_مسايرة الجلساء ومجاملتهم والتقرب إليهم وإرادة إيقاع السوء على من ينم عليه.
_أراد التصنع ومعرفة الأسرار والتفرس في أحوال الناس فينم عن فلان ويهتك ستر فلان.
قال الحسن البصري_رحمه الله :
من نم إليك نم عليك .
قال رجل لعمرو بن عبيد :
إن الأسوارى ما يزال يذكرك في قصصه بشر ،
فقال عمرو : يا هذا ما راعيت حق مجالسة الرجل ؛
حيث نقلت إلينا حديثه ، ولا أديت حقِّي حين أعلمتني عن أخي ما أكره ولكن أعلمه :
أن الموتَ يَعُمُّنا ، والقبر يَضُمُّنَا ، والقيامة تجمعنا ، والله تعالى يحكم بيننا وهو خير الحاكمين .
وروى أن سليمان بن عبد الملك كان جالسـًا وعنده الزهري فجاءه رجل فقال له سليمان :
بلغني أنك وقعت فيَّ وقلت كذا وكذا وكذا ،
فقال الرجل : ما فعلت ولا قلت ،
فقال سليمان : إن الذي أخبرني صادق ،
فقال له الزهري : لا يكون النمام صادقـًا ،
فقال سليمان : صدقت ، ثم قال للرجل : اذهب بسلام .
وقال بعض الصالحين :
لو صح ما نقله النمام إليك ، لكان هو المجترئ بالشتم عليك ، والمنقول عنه أولى بحلمك ؛
لأنه لم يقابلك بشتمك .
ويروى أن عمر بن عبد العزيز دخل عليه رجل فذكر عنده وشاية في رجل آخر فقال عمر :
إن شئت حققنا هذا الأمر الذي تقول فيه وننظر فيما نسبته إليه ، فإن كنت كاذبـًا فأنت من أهل هذه الآية : (إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا) ،
وإن كنت صادقـًا فأنت من أهل هذه الآية :
(هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ) ،
وإن شئت عفونا عنك ،
فقال : العَفْوَ يا أمير المؤمنين لا أعود إليه أبدًا
ماالواجب لمن نقلت إليه النميمة!
أولا :
أن لا يصدق النمام ؛
لأن النمام فاسق ، قال تعالى :
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ)
ثانيا:
ينهاه عن ذلك وينصح له ويقبح عليه فعله .
ثالثا:
يبغضه في الله فإنه بغيض عند الله .
رابعاً:
لا تظن بأخيك الغائب سوءًا؛
لقوله تعالى :
(اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ )
خامساً:
لا يحملك ما حكى على التجسس والبحث للتحقق منه لقوله عز وجل : (وَلا تَجَسَّسُوا)
سادساً:
لا ترض لنفسك ما نهيت النمام عنه ،ولا تحكِ نميمته فتكون نمامـًا ومغتابـًا ، فليتق الله ذوو الألسنة الحداد ، ولا ينطقوا إلا بما فيه الخير لخلق الله ،ويكفيهم في هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم :
" من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت "
(رواه البخاري ومسلم)
...................
أنواع النميمة:
أولا:
النميمةمحرمة:
هي نقل الكلام بين الناس على جهة الإفساد والإيقاع بينهم، دون وجود مصلحة شرعية في نقل الكلام.
ثانيا:
النميمة الواجبة:
وهي التي تكون للتحذير من شرٍّ واقع على إنسان ما، فيُخبر بذلك الشر ليحذره.
وقال ابن الملقن وهو يتحدث عن النَّمِيمَة:
أمَّا إذا كان فعلها نصيحة في ترك مفسدة أو دفع ضرر، وإيصال خير يتعلق بالغير لم تكن محرمة ولا مكروهة بل قد تكون واجبة أو مستحبة.
قال النووي_رحمه الله:
وهذا كله إذا لم يكن في النقل مصلحة شرعية، وإلا فهي مستحبة، أو واجبة، كمن اطلع من شخص أنه يريد أن يؤذي شخصًا ظلمًا فحذَّره منه
_ثالثاً:
النميمة مباحة:
_ إذا كان لحاجة تقتضيها مصلحة المسلمين عامةً، كالإيقاع بين الأعداء بعضهم بعضًا:
قال صلي الله وعليه وسلم: (الحرب خدعة)
كما فعل نعيم بن مسعود
في تفريقه بين كلمة الأحزاب وبين قريظة، وجاء إلى هؤلاء فنمى إليهم عن هؤلاء كلامًا، ونقل من هؤلاء إلى أولئك شيئًا آخر، ثم لأم بين ذلك، فتناكرت النفوس وافترقت ، وإنَّما يحذو على مثل هذا الذَّكاء والبصيرة النافذة .
قال النَّووي_رحمه الله:
فلو دعت إلى النَّمِيمَة حاجةٌ فلا منع منها، كما إذا أخبره أنَّ إنسانًا يريد الفتك به أو بأهله أو بماله، أو أخبر الإمام أو من له ولايةٌ بأنَّ فلانًا يسعى بما فيه مفسدةٌ، ويجب على المتولِّي الكشف عن ذلك .
و قسَّم النَّبي صلى الله عليه وسلم قسمةً، فقال رجلٌ من الأنصار:
والله ما أراد محمدٌ بهذا وجه الله، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته، فتمعَّر وجهه، وقال: رحم الله موسى، لقد أُوذي بأكثر من هذا فصبر
(متفق عليه)
قال ابن بطَّال:
في هذا الحديث من الفقه أنَّه يجوز للرجل أن يخبر أهل الفضل والستر من إخوانه بما يقال فيهم مما لا يليق بهم؛
ليعرفهم بذلك من يؤذيهم من الناس وينقصهم، ولا حرج عليه في مقابلته بذلك وتبليغه له. وليس ذلك من باب النَّمِيمَة؛
لأنَّ ابن مسعود حين أخبر النَّبي عليه السلام بقول الأنصاري فيه وتجويره له في القسمة، لم يقل له: أتيت بما لا يجوز، ونممت الأنصاري، والنَّمِيمَة حرام، بل رضي ذلك عليه السلام، وجاوبه عليه بقوله:
(يرحم الله موسى، لقد أُوذي بأكثر من هذا فصبر)
وإنَّما جاز لابن مسعود نقل ذلك إلى النَّبي عليه السلام؛
لأنَّ الأنصاري في تجويره للنَّبي عليه السلام استباح إثمًا عظيمًا، وركب جرمًا جسيمًا، فلم يكن لحديثه حرمة، ولم يكن نقله من باب النَّمِيمَة.
_إذا كانت لإصلاح ذات بين الناس:
قال صلي الله وعليه وسلم :
(ليس بالكذَّاب من يَنمَّ خيرًا)
...........
أسباب النميمة:
1- فساد القلب :
وفساد القلب فساد للبدن، كما في الحديث :
(ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد، وإذا فسدت فسد الجسد، إلا وهي القلب)
ولما فسد القلب فسد القول، وفسد التعامل وفسدت حياة هذا الإنسان وفسد المجتمع كله .
2- فساد اللسان :
لأن اللسان هو الذي ينقل النميمة، ولو أن هذا اللسان سليم لسلم الناس من سوئه وشره، وقد بين صلي الله وعليه وسلم أن المسلم الحقيقي من سلم المسلمون من لسانه ويده، وضمن لمن يحفظ ما بين فكيه الجنة، وبيَّن أن أخوف ما يخاف على الإنسان منه اللسان .
3- عدم مراقبة الرب :
فلما نسي العبد ربه ولم يراقبه نسيه الله وأنساه نفسه، فليس النسيان من الله الذهول،
ولكن النسيان من الله من باب المشاكلة والمقابلة ومن باب تركه في العذاب أو من باب إنساء العبد نفسه .
4- الجهل :
والجهل داء خطير، وعند الناس جهل بأحكام النميمة وأضرارها،
أما الجهل بأحكامها :
فالنميمة كبيرة من الكبائر وموبقة من الموبقات، ومهلكة من المهلكات قد يأتي صاحبها يوم القيامة وليس معه من الحسنات شيء ، يأخذها الغرماء،
وأما أضرارها : فهي عذاب دائم،
وقال بعض الصالحين :
"يفسد النمام في ساعة ما لا يفسده الساحر في سنة"،
هل هناك أفسد من الساحر ؟
قالوا يفسد النمام في ساعة ما لا يفسده الساحر في سنة
وقال بعض الصالحين :
عمل النمام أشد من عمل الشيطان،
عمله- أي الشيطان- بالوسوسة والخيال، وأما عمل النمام فبالمواجهة والعيان .
5- حب النمام الإضرار بالغير:
من باب التشفي والانتقام، وما علم أن المكر السيئ لا يحيق إلا بأهله، وما علم أن كل نفس بما كسبت رهينة،
وقد قال صلى الله عليه وسلم لابن عباس لما ركب خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا :
يا غلام... واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفَّت الصحف
(رواه الترميذي وصحه الالباني)
6- إظهار النمام حبه لمن نمَّ إليه :
والحقيقة أنه ليس مُحبًا له؛ لأنه جنى عليه جنايات كثيرة .
الامر الأول : تجرأ عليه بالمعصية .
والأمر الثاني : أفسد عليه قلبه .
والأمر الثالث : بغَّض إليه إخوانه .
قال أحد الحكماء: جاءه أحد النمامين فوشي عنده على آخر -أي: (نمَّ)- فقال له الحكيم : لقد تأخرت في الزيارة، وقوله : تأخرت في الزيارة يقول : والله إنك ثقيل عليَّ، وإنك ثقيل في زيارتك، يعني : قم، وبغَّضت إليَّ أخي، وأفسدت وأشغلت عليَّ قلبي، واتهمت نفسك بهذه الأمور .
7- الجلوس في مجالس أهل السوء :
والسماع منهم والاحتذاء بهم، والاقتداء بما يقولون، والسير على نهجهم، وما شابه ذلك .
8- ضعف الإيمان :
ولو قويَ الإيمان لحال بينه وبين النميمة؛ لأن الإيمان أمن في الدنيا والآخرة، أمنٌ
على القلوب وعلى الأبدان وعلى الأعمال .
9- الرغبة في الدنيا والزهد في الآخرة:
ولو ذكر أن الدنيا قد ارتحلت مدبرة، وأن الآخرة قد ارتحلت مقبلة، لترك النميمة .
10- عدم النصيحة وموافقة النمام والأخذ بقوله .
11- الكبر والتعالي على الناس :
ويكفي أنه لا يدخل الجنة من في قلبه مثقال ذرة من كبر .
............
أضرار النميمة(او أثار /او خطورة) :
_ أن النميمة أذى للمؤمنين والمؤمنات :
ولا يجوز أن تؤذي مؤمنًا ولا مؤمنة، ألم يُحرِّم الإسلام أذى القلب مثل الحقد،
إذا حقدت على إنسان أليس في ذلك إيذاء له، فالعلة في تحريمه أن فيه إيذاء للغير،
وكذلك حرم الكبر لأن فيه إيذاء للغير،
وكما حرم الله الأذى بالقلب فقد حرم الأذى باللسان كالغيبة والنميمة والاستهزاء والسخرية،
حرَّم الأذى باليد كأخذ حق المسلم، وجعل الأذى في طريقه كضربه وقتله.. أيًا كان.. المهم أنه حرم الأذى بجميع أشكاله وألوانه، ولذا قال تعالي :
﴿وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا﴾
_النميمة تَتبُّعٌ لعورات المسلمين :
والمسلم لا يجوز لك أن تتبع عورته، لو تتبعت عورة أخيك المسلم تتبع الله عورتك، ثم فضحك ولو في جوف دارك،
والواجب عليك أن تستر عورة أخيك المسلم؛
لأن من ذبَّ عن عرض أخيه المسلم كان حقًا على الله أن ينجيه، أو يعتقه من النار، وكان عمر -رضي الله عنه-يقول:
ما دمت تجد خيرًا في أخيك المسلم فاحمله عليه.
_النميمة صفة الأشرار :
إما شرار الأمم جميعًا أو شرار هذه الأمة والنبي صلى الله عليه وسلم قال :
«ألا أخبركم بخياركم ؟»
قالوا : بلى يا رسول الله قال : «الذين إذا رُؤوا ذُكر الله تعالى» ثم قال : «ألا أخبركم بشراركم»
قالوا : بلى يا رسول الله قال :
«المفسدون بين الأحبة المشَّاؤون بالنميمة الباغون للبرآء العنت»
(رواه احمد،وحسنه الأرناؤوط).
فالخيار هم الذين إذا رؤوا ذكر الله،
فإن من الناس من إذا رأيته تذكرت الصلاة،
ومن الناس من إذا رأيته تذكرت القرآن،
ومن الناس من إذا رأيته تذكرت الحديث،
ومن الناس من إذا رأيته تذكرت الدعوة،
وتذكرت الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر،
ومن الناس من إذا رأيته تذكرت قيام الليل،
ومن الناس من إذا رأيته تذكرت الصيام،
ومن الناس من إذا رأيته تذكرت الربا،
ومن الناس من إذا رأيته تذكرت الغناء،
ومن الناس من إذا رأيته تذكرت الرشوة،
ومن الناس من إذا رأيته تذكرت المعاصي .
وقد كان محمد ابن سيرين إذا خرج إلى السوق فإن جميع أهل السوق بمجرد رؤيته يقولون :
الله أكبر، ولم يطلب منهم ذلك ولكن بمجرد أن يروه يقولون :
الله أكبر، لأن محمد بن سيرين معروف بالتكبير،
وقال صلى الله عليه وسلم : «ألا أخبركم بشراركم ؟» قالوا : بلى يا رسول الله !
قال : «المفسدون بين الأحبة المشاؤون بالنميمة الباغون للبرآء العنت» .
_النميمة هي الحالقة :
التي تحلق الدين، وإذا حلقت الدين لم تبق منه شيئًا ولم تذر، وحَلْق الدين ليس بالأمر الهيّن، الواحد منا لا يريد أن تفوته من دينه حسنة واحدة، فكيف إذا حلق الدين كله، والسبب في ذلك أن النميمة تنشر البغضاء بين الناس،
وقد قال صلى الله عليه وسلم في الحديث :
«دبَّ إليكم داء الأمم : الحسد والبغضاء، هي الحالقة، لا أقول : تحلق الشعر، ولكن تحلق الدين، والذي نفسي بيده ! لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أفلا أنبئكم بما يثبت ذاكم لكم ؟ أفشوا السلام بينكم»
(رواه الترميذي،وحسنه الألباني)
وفي الحديث الآخر : عن أبي الدرداء -رضي الله عنه
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
«ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة» قالوا : بلى يا رسول الله !
قال : «إصلاح ذات البين، وفساد ذات البين هي الحالقة»
(رواه أبو داود وصححه الألباني) أي : التي تحلق الدين .
_النميمة إفلاس ما بعده إفلاس :
فالذي نشر دواعي الإفلاس بين الناس النميمة،
تسببت في القتل، وفي الشتم،
وفي أخذ أموال الناس، والضرب والقطيعة بينهم والتحريش،
وقد قال صلى الله عليه وسلم :
«أتدرون ما المفلس»
قالوا : المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع،
فقال : «إن المفلس من أمتي يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي قد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا فيُعطي هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أُخذ من خطاياهم فطرحت عليه، ثم طرح في النار»
روى كعبٌ: أنَّه أصاب بني إسرائيل قحطٌ، فاستسقى موسى صلَّى الله عليه وسلم مرَّاتٍ فما أجيب، فأوحى الله تعالى إليه أنِّي لا أستجيب لك ولا لمن معك، وفيكم نمَّامٌ، قد أصرَّ على النَّمِيمَة، فقال موسى:
اتبع رجل حكيمًا سبعمائة فرسخ في سبع كلمات،
قال أبو الفرج ابن الجوزي_رحمه الله:
- النَّمِيمَة تحرم صاحبها دخول الجنة.
............
عقوبة النميمة:
وعقوبة النميمة أنها عذاب في الدنيا، وعذاب في القبر، وعذاب في الآخرة .
أما إنها عذاب في الدنيا :
فلأنها مرض يعذب به الإنسان ويعذب به المجتمع فهي عذاب، وعذاب لأنها تُفني الحسنات وتزيد في السيئات .
وأما أنها عذاب في القبر :
فلأنه ورد في الحديث عن ابن عباس -رضي الله عنهما ,قال :
مر النبي صلى الله عليه وسلم بحائط من حيطان المدينة أو مكة فسمع صوت إنسانين يعذبان في قبورهما فقال النبي صلى الله عليه وسلم :
«يعذبان وما يعذبان في كبير» ثم قال :
«بلى كان أحدهما لا يستتر من بوله، وكان الآخر يمشي بالنميمة»
ثم دعا بجريدة فكسرها كسرتين، فوضع على كل قبر منهما كسرة فقيل له :
يا رسول الله، لِم فعلت هذا ؟! قال : «لعله أن يخفف عنهما ما لم تيبسا أو : إلى أن ييبسا»
(رواه البخاري ومسلم)
قال : «إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير»
أي في زعم الرجلين، وفي رواية،
قال : «إنه كبير»
قال : «أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة، وأما الآخر فكان لا يستبرئ من البول»
قال بعض أهل العلم : خص هاتين الكبيرتين لأن أول ما يحاسب عليه العبد من أعماله الصلاة، ومفتاح الصلاة الطهارة، والذي لم يستبرئ من البول لم يتطهر .
ولأن أول ما يقضي بين الناس في الدماء، والذي أراق الدماء وأشاع القتل بين الناس النميمة !
ولذا قال :
«أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة، وأما الآخر فكان لا يستبرئ من البول»
ثم أخذ جريدة نخل فشقها في نصفها أو قطعها في عرضها وجعل على كل قبر جريدة ،
وقال: «لعل الله أن يخفف عنها ما لم ييبسا»
وهذا خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم فلا يأتينا إنسان، ويقول : أنا سأجعل جريدة على قبر،
نقول له :
أولا :
هل تعرف هو معذب أو منعم ؟
ولو جعلت جريدة على قبر فقد دعوت على صاحبها بالهلاك؛ لأنك ادعيت أنه معذب .
ثانيًا:
كم مات عند النبي صلى الله عليه وسلم من الصحابة ولم يجعل هذه الجريدة إلا على قبر هذين الرجلين فقط.
ثالثًا :
أن جعلها قد يكون من ادعاء علم الغيب، والغيب لا يعلمه إلا الله، أو من يُطلعه عليه،
وأما العلة في قوله :
«لعل الله أن يخفف عنهما ما لم ييبسا»
فقال بعض أهل العلم :
لأنها ما دامت خضراء فهي تسبح، ويستفيد من في القبر من تسبيحها فيخفف الله عنهم عذابه،
هذا قول لبعض أهل العلم وليس بالاتفاق، لكن هذا قول أحببت أن أورده عن بعض أهل العلم .
إذا حصل العذاب في القبر لأحد هذين الاثنين من النميمة، لأنه كان يمشي بالنميمة، وعذاب القبر لا تستسهله، نحن لم نصبر في الدنيا على عذاب الدنيا، مع أننا فوق الأرض فكيف نصبر على عذاب القبر ؟
أنت الآن لو عذبت فلست وحدك بل معك أناس، لو جاءك مرض فمعك أناس، في المستشفى معك أناس، وفي المجتمع معك أناس هذا يعني أنك لست وحدك، لكن في قبرك إن عذبت فمن معك ؟
ليس معك أحد، ويأتيك التراب من كل مكان وعندك ضيق في قبرك، إلا أن يوسع الله عليك بعملك الصالح، فعذاب القبر أشد من عذاب الدنيا .
أما أن النميمة عذاب في الآخرة :
فلأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
«لا يدخل الجنة نمام»
(رواه مسلم)
وفي رواية قال حذيفة -رضي الله عنه:
سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول :
«لا يدخل الجنة قتات»
(رواه البخاري ومسلم)
وفرَّق بعض أهل العلم بين القتات والنمام،
فقالوا : النمام من يحضر المجلس، وينقل النميمة من المجلس، والقتات هو الذي يستمع من وراء الجدران، وينقل النميمة من وراء الجدران،
وأيًا كان فالمراد من ذلك هو الوشاية، أو نقل الكلام بين الناس على سبيل الإفساد، وقد قال صلى الله عليه وسلم :
«لا يدخل الجنة قاطع» فقد قاطع ما بين الناس بالنميمة .
..............
علاج النميمة :
1_ مراقبة الله :
ولو راقب النمام ربه ما نمَّ؛
لأن الله يرى ويسمع ويعلم، ولا تخفى عليه خافية، لِم لا تراقب الرب أيها النمام، وكل شيء مكشوف أمامه ؟
ولو راقب النمام ربه لكان من المحسنين ولم يكن من المفسدين .
2_ لا نُصدق النمام :
لأن الله تعالى يقول :
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ﴾
قال علي بن أبي طالب _رضي الله عنه وقد جاءه رجل يوشي برجل آخر، قال:
إن صَدَقْتَ مَقَتْنَاك وإن كذبت عاقبناك، وإن شئت أن نقيلك أقلناك
قال : بل أقِلني يا أمير المؤمنين.
يقول إن كنت صادقًا مقتناك، أي : بغضناك وكرهناك لأنك نمام،
قال : وإن كذبت عاقبناك لأنك كذاب ومفسد،
وقال : وإن شئت أقلناك أي عفونا عنك ولعلها المرة الأولى والأخيرة،
قال : بل اعف عني يا أمير المؤمنين .
وجاء رجل إلى سليمان بن عبد الملك فقال له سليمان : لماذا وقعت فيَّ، وقلت فيَّ كذا وكذا ؟
قال : ما قلت ذلك يا أمير المؤمنين،
قال : أخبرني فلان أنك قلت ذلك وهو صادق،
قال الزهري وهو إمام من أئمة الحديث والفقة :
يا أمير المؤمنين، النمام لا يكون صادقًا أبدًا،
قال : صدقت ،ثم عفا عن هذا الرجل .
لماذا لا تتبين إذا جاءتك الأخبار من أحد النمامين، أو على الأقل نقفل على هذا النمام، ولا نصدقه، إنما يريد الوشاية بك .
3_ توعية النمَّام بخُطورة النميمة:
بمثل ما سبق من الآيات والأحاديث والحكم،
والتنفير منها بأنها صِفَة امرأة لوط، التي كانت تَدُل الفاسقين على الفجور، فعذَّبها الله كما عذَّبهم.
واجب السامع عدمُ تصْديق النَّميمة؛
لأنَّ النمَّام فاسق والفاسق مردود الشهادة،
قال تعالى:
(يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ)
كذلك يجب عليه أنْ يَنْصَحَهُ قِيامًا بالأمر بالمعروف والنهْي عن المنكر، وأن يَبْغضه لوجه الله؛
لأنه مبغوض من الله والناس، وألا يَظن سوءًا بمَن نَقل عنه الكلام، فالله يقول:
(يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ)
أن يحفظ لسانه عن جميع الكلام إلا كلاما تظهر المصلحة فيه، ومتى استوى الكلام وتركه في المصلحة، فالسنة الإمساك عنه،
لأنه قد ينجر الكلام المباح إلى حرام أو مكروه، بل هذا كثير وغالب في العادة وفي الحديث المتفق على صحته قال عليه الصلاة والسلام:
(من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت)
قال الإمام الشافعي:
إذا أراد الكلام فعليه أن يفكّر قبل كلامه فإن ظهرت المصلحة تكلم وإن شك لم يتكلم حتى يظهر.
4_ إنكار المنكر عليه :
فإنه قد جاء بمنكر وما دام جاء بمنكر فيجب أن ننكر عليه وقد قال صلى الله عليه وسلم :
(من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان)
ويجب أن ننصحه فإن الدين النصيحة، وأن نبين له خطورة العمل الذي يعمله، وأن نعيب عليه هذا الفعل الذي فعله وأنه لا يليق به .
5_ أن نبغض النمام في الله :
لأنه جاء بمعصية وموبقة وكبيرة، توعَّده الله بويل وتوعده النبي صلى الله عليه وسلم بالنار، وفرَّق بين المجتمع، وأفسد بين الإخوة، وأفسد بين الأحباب، فكان بذلك من المفسدين ،
وقد قال الله تعالي :
﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ﴾
وديننا يحثنا على أن نحب في الله ونبغض في الله، والنمام عاصٍ يبغَض في الله تعالى .
6_ أن توقن بأن من نمَّ إليك نمَّ عنك:
فهو ينقل أخبارًا فقط، ينقل إليك وينقل عنك، فينبغي عليك أن تقفل عليه الباب، حتى لا يتضرر المجتمع منه، ولا يتضرر من نم إليه ثم هو لا يتضرر .
7_ألا تظن بأخيك سوءًا:
وينبغي أن تبني ظنك بالمسلمين على الخير، ولا تبنيه على الشر، وأن تذُبَّ عن أعراض إخوانك المسلمين، وأن تعلم ثواب من ذبَّ عن عِرض أخيه المسلم؛
لأن بعض الظن إثم،
ولا ينبغي أن تسيء الظن بإخوانك المسلمين بمجرد الأقاويل التي جيء بها إليك، كم من أناس ظُنَّ بهم سوءًا فتبين خلاف ذلك،
قال تعالي:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ﴾
وجاء رجل إلى عمر بن عبد العزيز ووشى برجل آخر، قال عمر بن عبد العزيز:
"إن كنت صادقًا فأنت من أهل هذه الآية :
﴿هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ﴾
وإن كنت كاذبًا فأنت من أهل هذه الآية:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ﴾،
وإن شئت أن نعفو عنك عفونا عنك"،
قال : "اعف عني يا أمير المؤمنين" .
8_ألا تتجسس على عورات إخوانك المؤمنين :
لأن الله نهى عن التجسس، ونهى عن تتبع عورات أخيك المسلم فيتتبع الله عورتك، ثم يفضحك في جوف دارك، وقد قال صلى الله عليه وسلم :
(ولا تحسسوا ولا تجسسوا) .
9_وأخيرًا لا ينبغي أن تنقل النميمة من النمام :
فتكون نمامًا لنقلك لها، وقد أورد علماء السير قصة لمولى من الموالي عبد من العبيد، كان سيده يطوف به في الأسواق ليبيعه وكان الناس عندهم نصح يظهرون عيب السلعة، ولا يغشون الناس بها،
ولذلك بارك الله لهم في أموالهم وفي أعمارهم وأولادهم وأوقاتهم؛
لأنهم بنوا حياتهم على النصح وعلى الأمانة،
وهذا الرجل كان عنده هذا العبد (الرقيق) وعرضه في الأسواق من أجل أن يبيعه، وسامه إنسان قال :
هل فيه من عيب ؟ قال : نعم، قال : ما عيبه ؟
قال : عيبه أنه نمام، قالوا : ما دام أن عيبه نمام إذا لا يصلح لأمرين :
أولاً: لأنه نمام،
ثانيًا : لأنك ما بعته من حسنه، وإنما بعته من سوئه .
لكن يوم من الأيام عرضه في السوق فجاءه رجل، فقال : ما عيبه ؟ قال له : عيبه أنه نمام،
قال : نمام فقط ؟! قال : نعم، قال : هين، النميمة هيّنة ! لكنها والله أودت بحياته وحياة زوجه وحياة عشيرتيهما، يقول : هذه النميمة هينة، لا والله ما هي بهينة فالذي يستهين بها يعاقب .
فاشترى النمام، وبقي عنده فترة من الزمن،
وكان يتألف سيده ما بين وقت وآخر، لكن الصفة الذميمة الموجودة فيه من قديم الزمان أخذت تحركه جاء إلى سيدته فقال لها : أما علمت ؟
قالت : وما الذي حصل ؟
قال : زوجك يريد أن يتزوج عليك وهذه قاصمة الظهر عند النساء، ومن الطريف أن رجلا قال لزوجته إنه تزوج فحرنت حزنًا شديدًا ومضى بها إلى أهلها على أنها ساخطة عليه، ولما قرب من أهلها قال : لم أتزوج، ففرحت المرأة فقال لها : ولكن أباك مات، قالت : هين، ما دام لم تتزوج فالأب غفر الله له.. قاصمة الظهر عند النساء أن يتزوج الرجل على زوجته- المهم أنه جاءها من مدخل الضعف، من أجل تبذل كل ما في وسعها، وقال لها : زوجك يريد أن يتزوج عليك، قالت : ما الحيلة ؟ ماذا أفعل ؟
قال هذا النمام لها : أريد أن تعطيني شعرة من حلقه، مع أن فيه شعرًا آخر، لكن قال من حلقه وأسحِره لك حتى لا يتزوج عليك، ومن الناس من ضيَّع دينه وما علِمتْ أن الرضى بالسحر كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم قالت : سأفعل عندما ينام سآخذ السكين وآخذ شعرة واحدة من حلقه، فذهب إلى زوجها، قال : زوجتك اتخذت عليك صديقًا تحبه ويحبها، قال : كيف عرفت ذلك ؟
قال : إذا أنت نمت جاءت بالسكين من أجل أن تذبحك وتتخلص منك، قال : سأنظر وأرى فتناوم الزوج، فجاءته الزوجة تظن أنه نام تريد أن تأخذ شعرة من حلقه، فلما رآها أقبلت نحوه وهوت بالسكين إلى حلقه قام وقال : صدق، ثم
أخذ السيكن منها وذبحها .
هدم النمام بيتًا، نعم والله لقد هدم بيتًا، البيت يقوم على ركنين : الزوج والزوجة، هدم هذا النمام الركن الأول، ثم جاء أهل الزوجة فذبحوا الزوج، وبذلك هدم ركني البيت، ثم احتدم القتال بين قبيلتي الزوج والزوجة بسبب هذا النمام
.................
ما الفرق بين النميمة والغيبة؟!
الفرق بين الغيبة والنَّمِيمَة:
قال ابن حجر _رحمه الله:
(اختُلِفَ في الغيبة والنَّمِيمَة،
هل هما متغايرتان أو متَّحدتان، والراجح التغاير،
وأن بينهما عمومًا وخصوصًا وجيهًا؛
وذلك لأنَّ النَّمِيمَة نقل حال شخص لغيره على جهة الإفساد بغير رضاه، سواء كان بعلمه أم بغير علمه.
والغيبة ذكره في غيبته بما لا يرضيه، فامتازت النَّمِيمَة بقصد الإفساد، ولا يشترط ذلك في الغيبة.
وامتازت الغيبة بكونها في غيبة المقول فيه، واشتركا في ما عدا ذلك.
ومن العلماء من يشترط في الغيبة أن يكون المقول فيه غائبًا، والله أعلم
وقال ابن حجر الهيتمي_رحمه الله:
كل نميمة غيبة، وليس كل غيبة نميمة، فإن الإنسان قد يذكر عن غيره ما يكرهه، ولا إفساد فيه بينه وبين أحد، وهذا غيبة، وقد يذكر عن غيره ما يكرهه وفيه إفساد، وهذا غيبة، ونميمة معًا
فإن الغيبة هي:
ذكر المسلم أخاه المسلم بما يكره في حال غيبته،
أما النميمة:
فهي نقل الكلام على وجه الإفساد بين شخصين أو أشخاص. وبذلك تعرف الفرق بينهما، وكلاهما حرام شرعا ومذموم طبعا
وأما ذكر شخص بوصفه أو شكله:
فإن كان يكره ذلك، فإنه يعتبر من الغيبة ولو لم يكن القصد به الإساءة إليه أو السخرية منه، لقول النبي صلى الله عليه وسلم:
أتدرون ما الغيبة؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: ذكرك أخاك بما يكره.
_رواه مسلم
فضابط الغيبة ؛
هو ذكر الشخص بما يكره بغض النظر عما يقصد من ذلك، وإذا كان لا يكرهه أو كان بقصد التعريف به وتمييزه عن غيره لحاجة، فإنه لا يعتبر غيبة.
قال العلامة ابن حجر الهيتمي في الزواجر عن اقتراف الكبائر:
الأصل في الغيبة الحرمة، وقد تجب أو تباح لغرض صحيح شرعي لا يتوصل إليه إلا بها.
القتَّات والنَّمام بمعنى واحد.
قال رجل لعمر بن الخطَّاب رضي الله عنه:
يا أمير المؤمنين، احذر قاتل الثَّلاثة، قال: ويلك، من قاتل الثَّلاثة؟
قال: الرَّجل يأتي الإمام بالحديث الكذب، فيقتل الإمام ذلك الرَّجل بحديث هذا الكذَّاب، ليكون قد قتل نفسه، وصاحبه، وإمامه
وقيل لمحمد بن كعب القرظي:
أي خصال المؤمن أوضع له؟
فقال: كثرة الكلام، وإفشاء السرِّ، وقبول قول كلِّ أحد
الخلاصة:
النميمة حرمها الله في كتابه نصًا وجعلها بين الناس محرمة إلى يوم القيامة،
وحرمها الرسول صلى الله عليه وسلم في سنته،
وتوعد -تبارك وتعالى أهل النميمة بأشد وعيد وأشد كلمة وعيد في القرآن ﴿وَيْلٌ﴾ وقد توعد الله النمام بويل، وأيًا كان ويل؛
هل هو واد في جهنم لو سيرت فيه جبال الدنيا لذابت من شدة حره، أو أنه هلاك أو أنه ثبور أو أنه شدة عذاب، أو ما شابه ذلك، يكفي أن هذا الويل ممن يملك العذاب، وممن يقدر على أن يفعل ما يشاء، فالإنسان قد يتوعد لكن لا يكون في استطاعته التعذيب،
أما إذا قال الرب: ﴿وَيْلٌ﴾ فإنه هو الذي يقول للشيء كن فيكون .
قال تعالي:
﴿وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ﴾
قال ابن عباس، وابن عباس معتمد في التفسير، واعتماده في التفسير
لأن النبي صلى الله عليه وسلم دعا له , ضرب على صدره لما أعدَّ له الوضوء ؛
وقال له : «اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل» أي علمه التفسير .
فكان من أعلم الناس بالتفسير حتى أن عمر رضي الله عنه لما جمعه مع كبار الصحابة أشياخ بدر قالوا وكأنهم تأذوا من جلوسه معهم :
كيف يجلس معنا ابن عباس وهو صغير وأولادنا لا يجلسون معنا !
فاختبرهم عمر رضي الله عنه وقال :ما تقولون في قوله تعالى :
﴿إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ﴾ فكل أدلى بدلوه،
ثم قال :ما تقول فيه يا ابن عباس؟
قال: ما أعلم إلا أنها نزلت إيذانا وإخبارًا بوفاة الرسول صلى الله عليه وسلم"
قال :نعم، فوالله ما أعلم فيها غير ذلك، قال:
أتمنى أن جميع الناس يعرفون من التفسير ما أعرف.
كان ابن عمر رضي الله عنه مع أن ابن عمر رضي الله عنه- أكبر من ابن عباس رضي الله عنه وأسبق في الإسلام منه وعنده علم غزير- إذا جاءه رجل يستفتيه في آية قال :
اذهب لذاك -أي لابن عباس- فإني ما علمت أحدًا أعلم منه بكتاب الله .
فابن عباس الذي تربى على العلم وجلس في مجالس العلم يقول ابن عباس في قوله تعالى :
﴿وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ﴾
إنهم النمامون الذين يفرقون بين الأحبة، الباغون للبرآء العنت، الإنسان البريء يبغون له الإثم.
وجه الجمع بين الخَصلتين أن البرزخ مُقدمة الآخرة وأول ما يُقضى فيه يوم القيامة من حقوق الله الصلاة ومن حقوق العباد الدماء. ومفتاح الصلاة التطهر من الخَبَث ومفتاح الدماء الغيبة والسعي بين الناس بالنميمة بنشر الفتن التي يُسفك بسببها الدماء