أوَّلًا: مِنَ الكتاب
قَولُه تعالى:
وقوله تعالى:
(يسألونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات)
وقوله تعالى:
(يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا لله إن كنتم إياه تعبدون)
أنَّ تَكرارَ شُربِ الدُّخَانِ يُؤدِّي إلى أمراضٍ مُزمِنةٍ مُهلِكةٍ، وقد ثَبَت ضَرَرُه بيَقينٍ في البُحوثِ الطِّبيَّةِ المُعاصِرةِ
قَولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
من المقاصد العامَّة للشريعة الإسلاميَّة حفظُ الضروريَّات الخمس: وهي:
_ الدِّين
_والنفس
_والعقْل
_والنَّسْل
_والمال
وقد تبيَّن لنا مما مَضى ضررُ التدخين البالغ في كل واحدة من هذه الضروريَّات؛ ولذلك صرَّح العلماء المحقِّقون من المذاهب الأربعة وغيرهم بتحريمه:
_قول الحنفيَّة:
الشيخ محمد العيني، وله رسالة في تحريمه، ومنهم الشيخ محمد الخواجة، وعيسى الشهاوي الحنفي، ومكي بن فروج، وعمر بن أحمد المصري الحنفي، فقد قال ما نصُّه:
الآثار النقليَّة الصحيحة، والدلائل العقلية الصريحة، تُعْلِن بتحريم الدُّخَان... إلخ.
_قول المالكية:
كنون وأبو زيد عبدالرحمن الفاسي وغيرهم، قال الفاسي في حكم الدُّخَان:
إن الذي ينبغي اعتمادُه، ويرجع إليه في صلاح الدِّين والدنيا، مع وجوب الإعلان والإعلام والإشادة في جميع بلاد الإسلام؛ أنَّ الدُّخَان المذكور حَرام الاستعمال؛
لاعتراف كثيرين ممن له تمييز وتجربة بأنه يُحدِث تفتير أو تخدير... إلخ.
_قولالشافعيَّة:
ومنهم ابن علان شارِح رياض الصالحين، وله رسالتان في تحريم الدُّخَان، ومنهم الشيخ عبدالرحمن الغزي، وإبراهيم بن جمعان، وتلميذه أبو بكر الأهدل، وغيرهم، قال ابن علان في رسالته إعلام الإخوان بتحريم الدُّخَان:
وقد اتَّفق العلماء على حِفْظ العقول وصَوْنها من المفتِّرات والمخدرات، إلى قوله:
لأنَّ كلَّ ما غيَّر العقل بوجْهٍ من الوجوه، أو أثَّر فيه بطريقة تناوله، فهو حرام.
_قولالحنابلة:
وقد اتَّفق علماء الحنابلة على تحريمه إلاَّ مَن شذَّ ممَّن لا يُعْتَد به ، وممن صرَّح بتحريمه علماءُ الدعوة من أحفاد الشيخ محمد بن عبدالوهاب وتلامذتهم رَحِم الله الجميع، منهم:
١_الشيخ عبدالله بن الشيخ محمد بن عبدالوهاب،
قال ما نصُّه: وبما ذكرنا من كلام الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وكلام أهل العلم يتبيَّن لك تحريم التتن
أي: الدخان الذي كثُرَ في هذا الزمان استعمالُه، وصحَّ بالتواتُر عندنا والمشاهدة إسكاره في بعض الأوقات، خصوصًا إذا أكْثَرَ منه أو قام يومًا أو يومين لا يَشربه، ثم شَرِب منه، فإنه يُسْكر ويُزيل العقْل.
٢_ الشيخ عبدالله أبابطين، قال عن الدُّخَان:
والذي نرى فيه التحريم لعِلَّتين:
_إحداهما: حصول الإسكار به إذا فَقَده شاربُه مدَّة ثم شَرِبه أو أكثر منه، وإن لَم يحصلْ إسكارٌ، حصل تخديرٌ وتَفتير.
_الثانية: أنه مُنْتِن ومُسْتَخْبَث عند مَن لَم يَعْتَده... إلخ.
٣_الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ: فقد قال:
لا ريبَ في خبث الدُّخَان ونَتنه، وإسكاره أحيانًا وتفتيره، وتحريمه بالنقْل الصحيح والعقل الصريح، وكلام الأطباء المعتبَرين.
سبق لدار الإفتاء المصرية أن أصدرت فتوى تاريخية صدرت عن الدكتور نصر فريد واصل المفتي السابق لجمهورية مصر العربية في 25 جمادى الأول 1420 هجرية الموافق ليوم 5 سبتمبر للعام 1999 ميلادية، جاء فيها:
العلم قد قطع في عصرنا الحالي بأضرار استخدامات التبغ على النفس، لما في التدخين من أضرار تصيب المدخن وغيره ممن يخالطونه، ولما فيه من إسراف وتبذير نهى الله عنهما، فتم إعلان الفتوى عن أن التدخين حرام بكل المقاييس الشرعية.
وقالت دار الإفتاء أن:
متعاطي المحرمات التي ثبتت حرمتها بيقين وبدليل شرعي، كالتدخين أو المخدرات أو الخمور، يكون مرتكبًا لكبيرة من الكبائر المنهي عنها شرعًا”.
وعللت الحكم بأن:
تعاطي مثل هذه المحرمات مضر بالإنسان ومهلك للنفس والمال...
لقوله تعالى:
(وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ)
وقوله تعالى:
(وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا)
التدخين بأنواعه لا يجوز لما فيه من المضار العظيمة، وقد نص جمع من أهل العلم الذين ألفوا في ذلك على مضاره الكثيرة، ونص عليها الأطباء العارفون مش به؛
فهو محرم بلا شك، ولا يجوز تعاطيه، ولا بيعه، ولا شراؤه، ولا التجارة فيه، كالخمر كما يحرم بيع الخمر والتجارة فيها، فهكذا التدخين والقات وأشباهها من المضرات بالمسلمين وبالعباد،
إذا حكم بيع الشيء فرع من الحكم عليه، فالشيء المباح أكله وشربه يباح بيعه والاتجار فيه
أما الشيء المحرم أكله أو شربه أو اقتناؤه فيحرم قطعًا الاتجار فيه بيعًا وشراءً، فقال العلماء أنَّه يَحْرُم الاتِّجار بالدُّخان ,بيعًا وشراءً وزِراعة ؛ وبعقوبة دنيوية لمن تاجر واشترى وباع الدخان ؛
مُستَدلِّين بحديث:
«إنَّ الله إذا حرَّم شيئًا، حرَّم ثمنَه».
وأيضًا فإنَّ الذي يُروِّجه إنما يُروِّج بضاعة ضارَّة مُضِرَّة، مفسدة للعقول والأديان، والأخلاق والمال، وثمنُها ينتفع به عدوُّ المسلمين المتربِّص؛
ولذلك نصُّوا على أنَّه لا بُدَّ من تأديبٍ رادعٍ لمتعاطي الدُّخَان؛
يقول الشيخ عبدالله بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب_رحمه الله:
والذي يزرع التنباك يُؤدَّب، ومَن يوجَد في بيته أو متاعه أو يشربه يؤدَّب.
وقال الشيخ عبدالله أبابطين_رحمه الله:
وأما شاربُ التنباك، فالذينعتقد تحريمه وفيه التعزير، ولا يتبيَّن لي أنه يبلغُ به حدَّ الخمر.
وقال الشيخ حمد بن ناصر بن معمر_رحمه الله:
وأما شارِبُ التنباك، فيُجْلَد قدرَ أربعين.
وقال الشيخ ابن سعدي_رحمه الله:
أمَّا الدُّخَان؛ شُرْبه والاتجار به، والإعانة على ذلك، فهو حرام لا يحلُّ لمسلمٍ تَعاطيه شُربًا، ولا استعمالاً واتجارًا، وعلى مَن كان يتعاطاه أن يتوبَ إلى الله توبةً نصوحًا، كما يجبُ عليه أن يتوبَ من جميع الذنوب؛
وذلك أنه داخل في عموم النصوص الدالَّة على التحريم، داخل في لفظها العام وفي معناها؛
وذلك لمضارِّه الدينيَّة والبدنيَّة والماليَّة التي يكفي بعضُها في الْحُكم بتحريمه، فكيف إذا اجتمعت؟!.
وكذلك تَحرُمُ السَّجائِرُ الإلكترونيَّة لأنَّها تحتوي على النيكوتين السَّامِّ.
فلا تجوز مجالسة المدخن أثناء تدخينه إلا لحاجة، أو مصلحة معتبرة، مع الإنكار عليه بحسب القدرة، . وما أحيل عليه فيها.
وحيث ثبَت ضرَر الدُّخَان المحض من كلِّ وجْه، وقطَع المحقِّقون من أهل العلم بتحريمه لأدلَّة كثيرة سبَقَ ذِكْرُ طرفٍ منها، فقد ذكروا رحمهم الله أيضًا أنَّه يَحْرُم الاتِّجار بالدُّخان؛ بيعًا، وشراءً، وزِراعته، مُستَدلِّين بحديث:
«إنَّ الله إذا حرَّم شيئًا، حرَّم ثمنَه».
...............
حكم التدخين لمن يعلم أنه حرام ولا يقلع عنه؟
الواجب على المسلم والمسلمة
الإقلاع عن الذنب والتوبة منه وعدم الإصرار عليه، مع علمه بالتحريم.
قال تعالي:
(إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً)
قال قتادة:
أَجْمَعَ أصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أنَّ كُلَّ مَا عُصِيَ بِهِ اللَّهُ فَهُوَ جَهَالَةٌ عَمْدًا كَانَ أوْ لَمْ يَكُنْ، وَكُلَّ مَنْ عَصَى اللَّهَ فَهُوَ جَاهِلٌ.
وَقِيلَ: مَعْنَى الْجَهَالَةِ:
اخْتِيَارُهُمُ اللَّذَّةَ الْفَانِيَةَ عَلَى اللَّذَّةِ الْبَاقِيَةِ
وإن كان يدخن مع علمه بالتحريم ثم يتوب ثم يرجع مرة أخرى للتدخين فهذه مخالفات تجب التوبة منها، ولا يبلغ فعله هذا أن يكون كبيرة، وأما إن كان يفعل المعصية باستمرار دون توبة، مع عزمه على فعلها مستقبلا فهذا هو الإصرار الذي ذكر العلماء أنه يجعل الصغيرة كبيرة.
وفي فتاوى اللجنة الدائمة:
والإصرار:
هو التصميم علي الاستمرار في المعصية ،أماإذا فعل المعصيةثم تاب منها توبة نصوحا ؛
ثم غلبته نفسه فعاد إليها؛
ثم تاب توبة نصوحا وعاد إليها وهكذا فلا يعد مصرا.
وقال الغزالي: وقد تعظم الصغائر من الذنوب فتصير كبيرة لعدة أسباب ؛ومنها: الإصرار والمواظبة.
ومنها: أن يستصغر الذنب .
ومنها:السرور بالصغيرة والفرح والتبجح بها واعتداد التمكن من ذلك نعمة والغفلة عن كونه سبب الشقاوة.
وقد ذكر العلماء أثر الإصرار في تحول الصغيرة إلى كبيرة، ووجه ذلك، وصورالإصرار.
قال القرافي_رحمه الله:
الصغيرة لا تقدح في العدالة ولا توجب فسوقا، إلا أن يصر عليها فتكون كبيرة، فإنه لا صغيرة مع إصرار، ولا كبيرة مع استغفار، كما قال السلف،
ويعنون بالاستغفارالتوبة بشروطها، لا طلب المغفرة مع بقاء العزم، فإن ذلك لا يزيل كبر الكبيرة البتة.
وقد أورد الزركشي في عداد الكبائر إدمان الصغيرة:
وأما حقيقة التكرارالمشترط في تحقق الإصرار فيعرف من تقسيم الزركشي الإصرار إلى قسمين: أحدهما حكمي: وهو العزم على فعل الصغيرة بعد الفراغ منها، فهذا حكمه حكم من كررها فعلا، بخلاف التائب منها، فلو ذهل عن ذلك ولم يعزم على شيء، فهذا هو الذي تكفره الأعمال الصالحة.
والثاني: الإصرار بالفعل، وعبر عنه بعضهم بالمداومة أو الإدمان، وعن بعض الشافعية قال:
لا أجعل المقيم على الصغيرة المعفو عنها مرتكبا للكبيرة إلا أن يكون مقيما على المعصية المخالفة أمر الله دائما، ونحوه في المغني لابن قدامة.
فعلي المدخن أن يتوب إلى الله وإن ضعف وارتكب الذنب فيعزم عزمة صادقة على عدم العودة إليه ويجاهد نفسه لتركه وليتب إلى الله توبة صادقة، فإن ضعف أحيانا وعاد فليستغفر وهكذا، ولكن لا يقيم على الذنب بلا مجاهدة نفس.
ففي الصحيحين عَنْ أبي هريرة عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا يَحْكِي عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ:
أذْنَبَ عَبْدٌ ذَنْبًا، فَقَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي، فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: أذْنَبَ عَبْدِي ذَنْبًا فَعَلِمَ أنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُالذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ غَفَرْتُ لِعَبْدِي، ثُمَّ عَادَ فَأَذْنَبَ فَقَالَ: أيْ رَبِّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي، فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: عَبْدِي أذْنَبَ ذَنْبًا فَعَلِمَ أنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِالذَّنْب، غَفَرْتُ لِعَبْدِي، ثُمَّ عَادَ فَأَذْنَبَ فَقَالَ: أيْ رَبِّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي، فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: أذْنَبَ عَبْدِي ذَنْبًا فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ، قَدْ غَفَرْتُ لِعَبْدِي.
وقال عمر عبد العزيز رحمه الله في خطبة له:
أيها الناس من ألمَّ بذنب فليستغفر الله وليتب، فإن عاد فليستغفر الله وليتب، فإن عاد فليستغفر وليتب، فإنما هي خطايا مطوقة في أعناق الرجال، وإن الهلاك في الإصرار عليها.
وأعظم ما يعصم من الذنوب هو الخوف من الله،
و أن العود للذنب مرة أخرى ضعفاً وغلبةً للشهوة مع المبادرة إلى التوبة عقب الذنب لا يعتبر إصراراً