مقدمة:

إن الفِتن والابتلاءات كَثيرةٌ!!

ومنها فِتنٌ يَسيرةٌ، وفِتنٌ عَظيمةٌ، وقد أخبَرَنا النبيُّ صلى الله عليه وسلم عن كثيرٍ مِن الفِتَنِ التي ستَحدُثُ؛ تحذيرًا منها، ومُسارَعةً إلى الأخذِ بأسبابِ النَّجاةِ، فقال صلى الله عليه وسلم:

(بَادِرُوا بِالأَعْمَالِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ، يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِى كَافِرًا، أَوْ يُمْسِى مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا، يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيَا)

والفتن لا تطيب معها حياة، ولا يصفو معها عيش، وتضيق بها الصدور، وتزل فيها الأقدام..

..........

ماالمقصود من الفتنة؟

هي الابتلاء والامتحان، كفتنة المال والولد.

والفتن على نوعين‏:‏

فتن شبهات، وفتن شهوات، ففتن الشبهات.

هي‏:‏ العقائد الفاسدة والبدع والشكوك والأوهام، وفتن الشهوات‏:‏ كفتنة المال والولد، وفتنة الزنا، والسرقة، وشرب المسكر... إلى غير ذلك.

  وموقف المسلم من الفتن جميعها أن يستعيذ بالله من شرها، وأن ينكر على مروجيها ويجاهدهم، ويسعى في إبعادها عن نفسه وعن إخوانه المسلمين، ويبطل شبهات الدعاة إلى الفتن.

قال صلي الله وعليه وسلم:

(إن السعيد لَمن جُنِّبَ الفتن, إن السعيد لمن جُنب الفتن, إن السعيد لمن جُنب الفتن, ولمن ابتلي فصبر فواها)

أي: هنيئاً له.

_صححه الألباني في صحيح سنن أبي داود.

 

وسأل رجل فقال: يا رسول الله، هل للإسلام من منتهى؟

قال:(أيما أهل بيت من العرب أو العجم أراد الله بهم خيراً أدخل عليهم الإسلام. قال: ثم مه؟

قال: "ثم تقع الفتن كأنها الظلل".

 قال الرجل: كلا والله إن شاء الله!

قال: "بلى، والذي نفسي بيده! ثم تعودون فيها أساود صُباً يضرب بعضكم رقاب بعض)_السلسلة الصحيحة.

 أَسَاوِدَ صُبَّا: الأساود نوع من الحيات عظام فيها سواد وهو أخبثها، وصُبّا -بضم الصاد وتشديد الباء- الصب من الحيات التي تنهش ثم ترتفع ثم تنصب، يعني بذلك تشبيههم بها وما يتولونه من الفتن والقتل والأذى.

 

إن الفتن إذا تلاطم موجها، وغشيت كقطع من الليل مظلم، عندها تضطرب الأفهام، وتزل الأقدام، وتختل الموازين؛

 فإذا بدهماء الناس يسيرون خلف كل ناعق، ويهتفون لكل صائح، يرددون بلا وعي، ويتعجلون بلا روية، حتى قال حذيفة رضي الله عنه:

(تكون فتنة تموج فيها عقول الرجال، حتى ما تكاد ترى رجلاً عاقلاً).

...................

انواع الفتن: 

والفتن!!

 منها ما هو خاص بالمرء في ذاته..

ومنها ما هو عام عليه وعلى أمته..

 فقد يفتن المرء بنفسه فيصيبه الغرور والعجب، والكبر، والبطر، وحب الشهرة والتعالي، والاعتداد بالرأي المجحف، والتعصب للهوى، والحسد، والفخر...

 وقد يفتن في أهله وماله:

لقوله تعالي:(إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ) [التغابن:15].

وقال عليه الصلاة والسلام:

(إن لكل أمة فتنةً، وفتنة أمتي المال)_رواه الترمذي وصححه الألباني.

ومن الفتن:

الكفر والشرك والبدع فتنة ،والوقوع في كبائر الذنوب والمعاصي فتنة ،والمال فتنة ،والنساء فتنة ،والأبناء فتنة، والسلطان والملك فتنة ، وتسلط الأعداء فتنة، والظلم والجور فتنة، وترجع هذه الفتن بكل أنواعها إلى قسمين رئيسيين :

الأول : فتنة الشبهات.

والثاني: فتنة الشهوات .

أما فتنة الشبهات :

كالتشكيك في الدين، والوقوع في الشرك أو البدع، أو اختلاط الأمر على الإنسان فلا يميز بين الحق والباطل والمباح والمحرم، وغير ذلك فهذه فتنة الشبهات، ودواءها كما سوف يأتي بتعلم العلم وسؤال أهل العلم فبالعلم تزال كل الشبهات.

وأما فتنة الشهوات:

وهي الغالبة كالافتتان بالنساء أو بالمال الحرام أو بالمنصب أو بالجاه  ، ومن الفتن التي من قبيل الشهوات : الظلم والبغي والتعدي على العباد بغير حق ،وغير ذلك من فتن الشهوات


 وأيضا من الفتن! 

الفتنة بزهرة الحياة الدنيا، والمنصب والجاه والنسب، ونحو ذلك، والسحر والشيطان وقرناء السوء، وفتنة التبرج والسفور، والمجاهرة بالسوء والفحشاء، والتشبه بالأعداء فتنة، وقبض العلم وذهاب الصالحين، وارتفاع الأسافل، وإسناد الأمر إلى غير أهله فتنة، والقتل والتعذيب والسجن والإبعاد والحرمان فتنة، وعلماء السوء، ودعاة التغريب والتخريب فتنة، وتسلط أهل الكفر والإلحاد على أعراض المسلمين وحرماتهم ومقدساتهم وممتلكاتهم في بلاد شتى، وهواننا عن نجدتهم واستنقاذهم فتنة، وأي فتنة!

قال أبو الدرداء رضي الله عنه:

 (حبذا موتاً على الإسلام قبل الفتن)


 وإيضاً من الفتن:

 أن يأتي على الناس زمان لا يُتبع فيه العالم، ولا يُستحيا فيه من الحليم، ولا يوقر الكبير، ولا يرحم الصغير.

زمانٌ تنتكس فيه الفطر, وتختل فيه الموازين؛ فيصبح المعروف منكراً والمنكر معروفاً، ويخوّن فيه الأمين، ويُكذب الصادق، وتشتد على المسلم غربته في دينه بين أهله وقرابته وفي مجتمعه وأمته.


للإسف فتن يكثر فيها الهرج والمرج، يكثر فيها القتل بحق وبغير حق، قال صلى الله عليه وسلم:

 (والذي نفسي بيده! لا تذهب الدنيا حتى يأتي يوم لا يدري القاتل فيم قتل، ولا المقتول فيم قتل"، 

فقيل: كيف يكون ذلك؟

قال: "الهرج، القاتل والمقتول في النار)_ رواه مسلم.


 وقال صلي الله وعليه وسلم:

(إنه لم يكن نبي قبلي إلا كان حقاً عليه أن يدل أمته على ما يعلمه خيراً لهم وينذرهم ما يعلمه شراً لهم، وإن أمتكم هذه جعل عافيتها في أولها وسيصيب آخرها بلاء شديد وأمور تنكرونها، وتجيء فتن فيرقق بعضها بعضاً، وتجيء الفتنة فيقول المؤمن: هذه مهلكتي! ثم تنكشف، وتجيء الفتنة فيقول المؤمن:هذه! هذه!

فمن أحب منكم أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر، وليأت إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه).

 

نحن في زمن كثرت فيه الفتن، وما هي إلا من علامات الساعة التي أخبر عنها النبي صلى الله عليه وسلم، أن يسلط بعض الأمة على بعض، ويقتل بعضها بعضا، وتسيل الدماء، وتنتهك الحرمات، وتسلب الأموال، وفي هذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم:

(سألت ربي ثلاثاً فأعطاني اثنتين ومنعني واحدة، سألت ربي ألا يهلك أمتي بالسنة فأعطانيها، وسألته ألا يهلك أمتي بالغرق فأعطانيها، وسألته ألا يجعل بأسهم بينهم فمنعنيها),

وفي رواية:

(حتى يكون بعضهم يهلك بعضاً، ويسبي بعضهم بعضاً).

 

وعن أبي موسى الأشعري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

(إن بين يدي الساعة الهرج"، قالوا: وما الهرج؟ قال: "القتل، إنه ليس بقتلكم المشركين، ولكن قتل بعضكم بعضاً، حتى يقتل الرجل جاره ويقتل أخاه ويقتل عمه ويقتل ابن عمه"، قالوا: ومعنا عقولنا يومئذ؟! قال: "إنه لتنزع عقول أهل ذلك الزمان ويخلف له هباء من الناس، يحسب أكثرهم أنهم على شيء وليسوا على شيء)_رواه أحمد وصححه الألباني.


....................

ماالواجب عليك اتجاة الفتن/ 

(أسباب النجاة من الفتن)

إن أول الواجبات على المسلم تجاه الفتن:


_عدم الفرح بها أو استشرافها، أو السعي فيها ولها.

والدليل ذلك ما صح عنه عليه الصلاة والسلام من تعوذه من الفتن، وسؤال الله صرفها عن أمته، يقول صلى الله عليه وسلم:

(يوشك أن يكون خير مال المسلم غنم يتبع شعف الجبال ومواقع القطر؛ يفر بدينه من الفتن)_رواه البخاري.

 وقال صلى الله عليه وسلم:

(ستكون فتن، القاعد فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من الماشي، والماشي فيها خير من الساعي، ومن يشرف لها تستشرفه!ومن وجد منها ملجأ أو معاذاً فليعذ به)_رواه البخاري.

 

وقال صلي الله وعليه وسلم:

(لا تتمنوا لقاء العدو، وسلوا الله العافية؛ فإذا لقيتموه فاصبروا)_رواه البخاري.


 ولما حدث عن الدجال قال صلي الله وعليه وسلم:

(من سمع بالدجال فلينأ منه؛ فوالله! إن الرجل ليأتيه وهو يحسب أنه مؤمن فيتبعه؛ مما يُبعث به من الشبهات)_رواه أبو داود وصححه الألباني.

وهذه قاعدة نافعة وركن ركين للمسلم يتعامل بها مع كل فتنة وشر؛ فلينأ عنها.

 

إن السعيد لمن جنب الفتن، قال صلي الله وعليه وسلم (إنها ستكون فتن، ألا ثم ستكون فتنة، إلى أن قال:

فإذا نزلت أو وقعت فمن كان له إبل فليلحق بإبله, ومن كانت له غنم فليلحق بغنمه، ومن كانت له أرض فليلحق بأرضه.

فقال رجل: يا رسول الله! أرأيت من لم يكن له إبل ولا غنم ولا أرض؟

 قال: يعمد إلى سيفه؛ فيدق على حده بحجر، ثم لينج إن استطاع النجاء، اللهم هل بلغت! اللهم هل بلغت!.

فقال رجل: يا رسول الله، أرأيت إن كرهت حتى يُنطلق بي إلى إحدى الصفين، أو إحدى الفئتين، فضربني رجل بسيفه، أو يجيء سهم فيقتلني.

قال: يبوء بإثمه وإثمك، ويكون من أصحاب النار)

_رواه مسلم.


_ الفزع إلى الصلاة والعبادة؛قال تعالى:

(وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ) [البقرة:45].

ولما استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة فزعاً قال:

(سبحان الله! ماذا أنزل الله من الخوماذا أنزل من الفتن؟ من يوقظ صواحب الحجرات -يريد أزواجه- لكي يصلين؟ رب كاسية عارية في الآخرةزائن؟!)

_رواه البخاري.

 

ولما نزلت الفتنة بعثمان رضي الله عنه في مقتله، قال له عبيد الله بن عدي، وهو محصور في داره:

إنك إمام عامة، ونزل بك ما نرى، ويصلي لنا إمام فتنة ونتحرج. فقال:

(الصلاة أحسن ما يعمل الناس؛ فإذا أحسن الناس فأحسن معهم, وإذا أساؤوا فاجتنب إساءتهم).

وقال صلي الله عليه وسلم:

(العبادة في الهرج كهجرة إليّ) رواه مسلم.


_اليقين بوعد الله ووعيده

وقد أخبرنا الله ورسوله أن هذه الأمة سوف تفتن وتتعرض لأنواع من الفتن وقد يكون في بعضها خير للمؤمنين ، قال تعالى :

(وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ)( محمد31).

وقال تعالى : (الم (1) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ){العنكبوت }


_الدعاء:

وهي من مظاهر التوحيد وسلامة المعتقد أن يلجأ المؤمن إلى ربه في كل أموره ، وأن يعلق قلبه به ، وخاصَّة في أوقات الفتن ، فلا منجي ولا هادي ولا عاصم من هذه الفتن القواصم إلا الله ، فلا يلتفت المؤمن لغيره؛

وقد جاء في صحيح مسلم عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال  :

(تَعَوَّذُوا بِاللَّهِ مِنَ الْفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ ).

قَالُوا نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الْفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ قَالَ

( تَعَوَّذُوا بِاللَّهِ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ ). (قَالُوا نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ).

كما علمنا صلى الله عليه وسلم أن نتعوذ في دبر كل صلاة من عذاب جهنم ومن عذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات ومن فتنة المسيح الدجال .

وفي صحيح البخاري أن (رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَتَعَوَّذُ مِنْهُنَّ دُبُرَ الصَّلاَةِ 

(اللَّهُمَّ إِنِّى أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْجُبْنِ ، وَأَعُوذُ بِكَ أَنْ أُرَدَّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الدُّنْيَا ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ ) .


 _العلم :

فبالعلم يرفع الجهل ،وتستبين الأمة طريقها، وبالعلم يرتفع اللبس عنها عند اختلاط الأمور، وكثرة الشرور.

والعلم الذي نقصده ونعنيه هو : العلم الشرعي؛ 

فالعلماء: هم قادة الأمة الذين يقودونها إلى بر الأمان، وهم الذين يعلمون ما أنزل الله في كتابه وما جاء عن رسوله؛ فيبلغونه للأمة لكي تنجو من الفتن وتسلم في أوقات المحن . والعلماء ورثة الأنبياء والأنبياء لم يورثوا درهماً ولا ديناراً ولكن ورثوا العلم فمن أخذ به أخذ بحظ وافر . وإن من العلم أن تقرأ سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وسيرة صحابته ، وكيف واجهوا الفتن وتعاملوا معها ، فعليك بطريقتهم ومنهجهم وسلوكهم ، ففيه النجاة ،قال تعالى :

(أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ ) الانعام 90 ،

وهنا نهمس في آذان الدعاة والمربين والمصلحين ،أن يجعلوا مرتكز دعوتهم وأساس تربيتهم على العلم الشرعي ،المؤصل من الكتاب والسنة ،وأن يحرصوا على تعويد الناشئة على حلق العلم والعكوف عليه ، فالعلم نور وهاد عند اشتداد الفتن.


_العبادة والطاعة والعمل الصالح :

فعبادة الله والفزع واللجوء إليه ،يصبح لازما للمؤمن حينما تكثر الشهوات والملهيات، وتتزين الدنيا للمؤمنين ،وتصرفهم عما خلقوا لأجله ، فالمؤمن يهرع ويفزع إلى سيده ومولاه ، يفزع إلى الرحمن الرحيم جل وعلا ، فحينما يتملك قلبك الهم ، ويعلو محياك الغم ، فعليك بمنهج نبيك فأتم .

وجاء في صحيح مسلم عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:( الْعِبَادَةُ فِى الْهَرْجِ كَهِجْرَةٍ إِلَىَّ )

ويعني بذلك أن لها ميزة وفضل وأجر عظيم في أوقات الفتن . يقول الحافظ ابن رجب رحمه الله معلقاً على هذا الحديث:

 وسبب ذلك أن الناس في زمن الفتن يتبعون أهوائهم ولا يرجعون إلى دين فيكون حالهم شبيهاً بحال الجاهلية فإذا انفرد من بينهم من يتمسك بدينه ويعبد ربه ويتبع مراضيه ويجتنب مساخطه كان بمنزلة من هاجر من بين أهل الجاهلية إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مؤمناً به ،متبعاً لأوامره مجتنباً لنواهيه  ونبينا الكريم صلى الله عليه وسلم كان إذا حزبه أمر هرع وفزع إلى الصلاة .

وجاء في صحيح مسلم عن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه  أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

(بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا أَوْ يُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنْ الدُّنْيَا)،

فالرسول صلى الله عليه وسلم حث على المبادرة إلى الأعمال الصالحة عند حلول الفتن ، من صلاة ،وصيام ،وصدقة ،وبر ،وأداء للحقوق الواجبة عليك ،وصلة الرحم ،وقراءة القرآن ،وغيرها من الأعمال.                  

 _ تربية النفس على الإيمان بالله وباليوم الآخر :

الإيمان بالله:يحصل تعظيمه وتعظيم أمره ،ومراقبته في السر والعلن، وبالإيمان بالله يغرس في القلوب محبته ومرضاته، وتقديمها على كل المحاب، وبالإيمان بالله : يتعرف على الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى ،فيظهر أثرها على السلوك والأخلاق ،وتظهر قوة الإيمان بها وقت الفتن والشدائد ،

 وبالإيمان باليوم الآخر واليقين الجازم بما أعده الله في ذلك اليوم للمحسنين ،وما توعد به  للمسيئين،  تحصل العصمة بإذن الله من المغريات والشهوات التي هي ظل زائل ، ولا يعرف حقيقة الدنيا إلا من عرف حقيقة الآخرة ، وما أعد الله للمؤمنين ،

 قال تعالي: (فَأَمَّا مَنْ طَغَى (37) وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (38) فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى (39) وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى) {النازعات}


_العمل بالعلم والدعوة إلى الله :

إن العامل بدين الله الذي يبلغه وينشره الذي يأمر الناس بالمعروف وينهاهم عن المنكر ، لهو من أبعدهم عن الوقوع في الفتن ، فالذي ينصح للمسلمين ويدلهم على كل خير ، لهو أكثر الناس بعداً عن الوقوع في الخلل والزلل، وهو أكثر الناس توفيقا وهداية وسداداً ، قال تعالي:

(وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا (66) وَإِذًا لَآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا (67) وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا (68) وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا (69) ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا) {النساء} ،

فيحصل لمن عمل بما يوعظ به : الخيرية و الثبات والأجر العظيم والهداية للصراط المستقيم .


_الخوف من الفتن والفرار منها :

المؤمن الصادق المتواضع هو الذي يخاف على نفسه ، ومن خاف نجا ،ومن أمن هلك.

فإذا رأيت فتنة مال ،أو نساء ،أو غيرها من الفتن فابتعد ، وإياك ومواطن الفتن والريب ، حتى لا يصيبك منها شيء ،

وقد علمنا سلفنا هذا المنهج فكانوا يخافون منها ، فهذا ابن أبي مليكة يقول :

(أدركت ثلاثين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم يخشى النفاق على نفسه)

وهذا أبو هريرة رضي الله عنه يقول :

(تكون فتنة لا ينجي منها إلا دعاء كدعاء الغرق ) ،

 أي الذي بلغ منه الخوف والوجل كخوف الذي أوشك على الغرق . والخوف المحمود من الفتن ما كان باعثاً على العمل ، فهذا نبينا الكريم يخاف من الفتن فيهرع إلى العمل الصالح ،فقد أخرج البخاري في صحيحه عن أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ :

(اسْتَيْقَظَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ لَيْلَةٍ فَقَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ مَاذَا أُنْزِلَ اللَّيْلَةَ مِنْ الْفِتَنِ وَمَاذَا فُتِحَ مِنْ الْخَزَائِنِ أَيْقِظُوا صَوَاحِبَاتِ الْحُجَرِ فَرُبَّ كَاسِيَةٍ فِي الدُّنْيَا عَارِيَةٍ فِي الْآخِرَةِ ). 

................

الوسائل المشروعة اتجاه الفتن:

ما المخرج من هذه الفتن التي نراها ونسمع بها من حولنا؛ ولربما بُلينا ببعضها؟!

_الثبات على دين الله، والتمسك بكتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، فعن حذيفة رضي الله عنه قال:

(تعرض الفتن على القلوب؛ فأي قلب كرهها نُكتت فيه نكتة بيضاء, وأي قلب أُشربها نكتت فيه نكتة سوداء، قال: فمن أحب أن يعلم أصابته الفتنة أم لا؛

فلينظر هل يرى شيئاً حلالاً كان يراه حراماً، أو يرى شيئاً حراماً كان يراه حلالاً).

 

ومن ذلك:

_كف أذي اللسان واليد : قال صلى الله عليه وسلم: (ويلٌ للعرب من شر قد اقترب! قد أفلح من كف يده)_رواه أبو داود، وصححه الألباني.

 

وقد ذكر العلماء حرمة بيع السلاح حال الفتن، وهذا من كف اليد. قال الحسن رحمه الله عن الفتن:

(وما الخروج منها كيوم دخلوا فيها إلا السلامة, فسلمت قلوبهم وأيديهم وألسنتهم).

 

وقال صلي الله وعليه وسلم :

(مَن صمت نجا)_رواه الترمذي وصححه الألباني.

ولما سئل أحد السلف عن القتال الذي حصل بين الصحابة رضي الله عنهم قال:

(تلك دماء طهر الله يدي منها، أفلا أطهر منها لساني؟!).

 

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

(كيف أنت يا عبد الله بن عمرو لو بقيت في حثالة من الناس؟

قال: وذاك ما هم يا رسول الله؟

 قال: "ذاك إذا مرجت عهودهم وأماناتهم، وصاروا هكذا"، وشبّك بين أصابعه.

قال: فكيف بي يا رسول الله؟

 قال: "تعمل بما تعرف، وتدع ما تنكر, وتعمل بخاصة نفسك، وتدع عوام الناس)

_ رواه ابن حبان في صحيحه.

 وفي رواية: (الزم بيتك، وأمسك عليك لسانك).

 

ومن ذلك:

_الحذر من المنافقين حال الفتنة وغيرها، من المخذلين والمرجفين والمصطادين في الماء العكر، ممن وصفهم الله بقوله:

(يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ) [التوبة:47].

ولا تستغربوا أن يكون هؤلاء المنافقون المندسون من بني جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا، وهم في الحقيقة دعاة على أبواب جهنم، من أجابهم إليها قذفوه فيها.


الصبر:

قال تعالي :(وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ)،

وعن معاوية ابن أبي سفيان رضي الله عنه قال:

 سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

(لم يبق من الدنيا إلا بلاء وفتنة)_رواه ابن ماجة وصححه الألباني. فأعدوا للبلاء صبراً.

 ومن ذلك:

_الأخذ على يد الظالم؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:

 (إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه؛ أو شك أن يعمهم الله بعقاب منه)

_رواه الترمذي وصححه الألباني.

 

ومن ذلك:

_الامر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ فهذا الركن هو صمام الأمان من الفتن، وبفقده تتحول النعم، وتحل النقم.

 

ومن ذلك:

الائتلاف والاجتماع على كلمة الحق، وعدم التفرق والشتات، ووزن الرايات المرفوعة حال الفتنة بميزان الشرع، والرجوع إلى العلماء الربانيين والاقتداء بهم؛ فإن أعداء الإسلام يستهدفون دين الأمة عند الفتن، وأمنها، يستهدفون خيراتها ووحدتها واجتماع كلمتِها، ويسْتهدفون كلّ خير تتمتَّع به الأمّة.


الخلاصة:

 الواجب علينا أن لا يوجِد بيننا ثغرةً للأعداء يلِجون من خلالها، بل علينا أن نكون صفًّا مترابِطاً، صفًّا واحداً كالبنيان يشدّ بعضه بعضاً، وكالجسد الواحدِ إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائر الجسَد بالحمَّى والسهر، ان نكون التحامًا على الخير، وإغلاقاَ للأسمَاع عن كلِّ الأراجيف والأباطيل؛ لأنَّ الأمة اليوم بحاجةٍ إلى تكاتُف وتعاون واجتماع وارتباط وثيق يشدّ بعضُهم أزرَ بعض، وبهذا يكونوا مؤمنين، (وَلاَ تَنَـازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ) [الأنفال:46].

 

إنَّ اتحادَ جبهة الأمة وقوّة تماسكِها لَعنوانُ صلاحها وسلامتها بتوفيق من الله، وإنَّ هذه الغمَّة والفتن والبلايا سيزيلها الله بفضلِه وكرمه، لكن؛ على المسلمين أن يتمسَّكوا بدينهم، وأن يثقوا بربهم وبتعاليمِ دينِهم وأنها الحق، وأن يكونوا على المنهج القويم، قال رسول الهدى صلى الله عليه وسلم:

(ولا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق، لا يضرّهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتيَ أمر الله) 


فدينُنا منصورٌ ولله الحمد إن نحن قمنا به خير قيام، (وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ) [الصافات:171-173].

 

ولا يكون النصر إلا بالتواصي بالحق، واجتماع الكلمة، ولمِّ الشعث، كلُّها أمور تُمِدّ الأمّة بالقوة أمام كلِّ التحديات، لنعلم أنَّ الله أعدل العادلين وأكرم الأكرمين، وأرحم الراحمين، فليلجأ إليه المسلمون دائماً وأبداً، ولنشكو إليه حالنا، ولنثِق بالله وبنصرِه، ولنأخذ بالأسبابِ النافعة المشروعة عند حلول الفتن.


سؤال؟

كيف يعرف الإنسان أنه وقع في الفتنة أم لا ؟

،فقد جاء عند الحاكم وصححه ووافقه الذهبي:

 (عن حذيفة رضي الله عنه قال : إذا أحب أحدكم أن يعلم أصابته الفتنة أم لا فلينظر فإن كان رأى حلالا كان يراه حراما فقد أصابته الفتنة و إن كان يرى حراما كان يراه حلالا فقد أصابته ) 

فمن الفتن التي لا يعلمها كثير من الناس ،التقلب في الدين والرأي ،على غير هدى وبصيرة فمرة يؤيد الحق وأهله، ومرة يؤيد الباطل وأهل ،والمهتدي من هداه الله ،والمعصوم من عصمه الله






تعليقات