إن الدين عند الله الإسلام

إن الدين عند الله الإسلام


مقدمة:

(إن الدين عند الله الإسلام),تفسير ابن كثير وتفسيرالسعدي وتفسيرالطبري وتفسيرالبغوي وتفسيرالقرطبي وتفسيرالجلاليين وتفسيرالميسر.


تفسير الجلالين:

إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ۗ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ۗ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (19)

(إن الدين):المرضي عند الله هو الإسلام؛

أي الشرع المبعوث به الرسل المبنى على التوحيد وفي قراءة بفتح أن بدل من أنه الخ بدل اشتمال.

(وما اختلف الذين أوتوا الكتاب): اليهود والنصارى في الدين بأن وحَّد بعضٌ وكفر بعضٌ «إلا من بعد ما جاءهم العلم» بالتوحيد.

(بغيا) من الكافرين (بينهم ومن يكفر بآيات الله) (فإن الله سريع الحساب) أي المجازاة له.

............

التفسير الميسر:

إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ۗ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ۗ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (19)

إن الدين الذي ارتضاه الله لخلقه وأرسل به رسله، ولا يَقْبَل غيره هو الإسلام،
وهو الانقياد لله وحده بالطاعة والاستسلام له بالعبودية، واتباع الرسل فيما بعثهم الله به في كل حين حتى خُتموا بمحمد صلى الله عليه وسلم، الذي لا يقبل الله مِن أحد بعد بعثته دينًا سوى الإسلام الذي أُرسل به.
وما وقع الخلاف بين أهل الكتاب من اليهود والنصارى، فتفرقوا شيعًا وأحزابًا إلا من بعد ما قامت الحجة عليهم بإرسال الرسل وإنزال الكتب؛
بغيًا وحسدًا طلبًا للدنيا.ومن يجحد آيات الله المنزلة وآياته الدالة على ربوبيته وألوهيته، فإن الله سريع الحساب، وسيجزيهم بما كانوا يعملون.
........

تفسير السعدي:

إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ۗ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ۗ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (19)

لما قرر أنه الإله الحق المعبود، بين العبادة والدين الذي يتعين أن يعبد به ويدان له، وهو الإسلام الذي هو الاستسلام لله بتوحيده وطاعته التي دعت إليها رسله، وحثت عليها كتبه،
وهو الذي لا يقبل من أحد دين سواه، وهو متضمن للإخلاص له في الحب والخوف والرجاء والإنابة والدعاء ومتابعة رسوله في ذلك،

وهذا هو دين الرسل كلهم، وكل من تابعهم فهو على طريقهم، وإنما اختلف أهل الكتاب بعد ما جاءتهم كتبهم تحثهم على الاجتماع على دين الله، بغيا بينهم، وظلما وعدوانا من أنفسهم، وإلا فقد جاءهم السبب الأكبر الموجب أن يتبعوا الحق ويتركوا الاختلاف، وهذا من كفرهم،
 فلهذا قال تعالى:
{ وما اختلف الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيًا بينهم ومن يكفر بآيات الله فإن الله سريع الحساب }
 فيجازي كل عامل بعمله، وخصوصا من ترك الحق بعد معرفته، فهذا مستحق للوعيد الشديد والعقاب الأليم.

..........

تفسير ابن كثير:

إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ۗ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ۗ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (19)

( إن الدين عند الله الإسلام ):
 إخبار من الله تعالى بأنه لا دين عنده يقبله من أحد سوى الإسلام ، وهو اتباع الرسل فيما بعثهم الله به في كل حين ،
حتى ختموا بمحمد صلى الله عليه وسلم ، الذي سد جميع الطرق إليه إلا من جهة محمد صلى الله عليه وسلم ، فمن لقي الله بعد بعثته محمدا صلى الله عليه وسلم بدين على غير شريعته ، فليس بمتقبل.
كما قال تعالى :
( ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه [ وهو في الآخرة من الخاسرين ] ) [ آل عمران : 85 ]
 وقال في هذه الآية مخبرا بانحصار الدين المتقبل عنده في الإسلام : ( إن الدين عند الله الإسلام )

وذكر ابن جرير أن ابن عباس قرأ :
( شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم إن الدين عند الله الإسلام ) بكسر " إنه "وفتح ( إن الدين عند الله الإسلام ) أي :
 شهد هو وملائكته وأولو العلم من البشر بأن الدين عند الله الإسلام .

والجمهور قرءوها بالكسر على الخبر ، وكلا المعنيين صحيح . ولكن هذا على قول الجمهور أظهر والله أعلم.

ثم أخبر تعالى بأن الذين أوتوا الكتاب الأول إنما اختلفوا بعد ما قامت عليهم الحجة بإرسال الرسل إليهم ،وإنزال الكتب عليهم ، فقال :
( وما اختلف الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم )أي :
بغى بعضهم على بعض ، فاختلفوا في الحق لتحاسدهم وتباغضهم وتدابرهم ، فحمل بعضهم بغض البعض الآخر على مخالفته في جميع أقواله وأفعاله ،وإن كانت حقا،
ثم قال :
( ومن يكفر بآيات الله فإن الله سريع الحساب )أي :
من جحد بما أنزل الله في كتابه فإن الله سيجازيه على ذلك ، ويحاسبه على تكذيبه ، ويعاقبه على مخالفته كتابه

............. 

تفسير البغوي:

إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ۗ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ۗ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (19)

( إن الدين عند الله الإسلام ):
يعني الدين المرضي الصحيح ، كما قال تعالى :(ورضيت لكم الإسلام دينا)(المائدة3)

وقال تعالي:
(ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه )( آل عمران 85)
وفتح الكسائي الألف من :
 أن الدين ردا على أن الأولى تقديره شهد الله أنه لا إله إلا هو وشهد أن الدين عند الله الإسلام ، أو شهد الله أن الدين عند الله الإسلام بأنه لا إله إلا هو ، وكسر الباقون الألف على الابتداء ، والإسلام هو الدخول في السلم وهو الانقياد والطاعة ،
يقال : أسلم أي دخل في السلم واستسلم ،

قال قتادة في قوله تعالى:(إن الدين عندالله الإسلام)
قال :شهادة أن لا إله إلا الله والإقرار بما جاء من عند الله تعالى وهو دين الله الذي شرع لنفسه وبعث به رسله ودل عليه أولياءه [ ولا يقبل غيره ولا يجزي إلا به ] .

أخبرنا أبو سعيد الشريحي ، أنا أبو إسحاق الثعلبي ، أنا أبو عمرو الفراتي ، أنا أبو موسى عمران بن موسى ، أنا الحسن بن سفيان ، أنا عمار بن عمر بن المختار ، حدثني أبي عن غالب القطان قال : 
أتيت الكوفة في تجارة فنزلت قريبا من الأعمش وكنت أختلف إليه فلما كانت ذات ليلة أردت أن أنحدر إلى البصرة ، فإذا الأعمش قائم من الليل يتهجد ، فمر بهذه الآية ( شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم ) ؛

ثم قال الأعمش : وأنا أشهد بما شهد الله به وأستودع الله هذه الشهادة وهي لي عند الله وديعة
( إن الدين عند الله الإسلام ) قالها مرارا قلت لقد سمع فيها شيئا ، فصليت معه وودعته ،
ثم قلت : إني سمعتك تقرأ آية ترددها فما بلغك فيها؟
  قال لي : أوما بلغك ما فيها؟ قلت : أنا عندك منذ سنتين لم تحدثني.
 قال : والله لا أحدثك بها إلى سنة ، فكتبت على بابه ذلك اليوم وأقمت سنة ، فلما مضت السنة،
قلت : يا أبا محمد قد مضت السنة،
 قال : حدثني أبو وائل عن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
( يجاء بصاحبها يوم القيامة فيقول الله : إن لعبدي هذا عندي عهدا ، وأنا أحق من وفى بالعهد ، أدخلوا عبدي الجنة).

قوله تعالى : ( وما اختلف الذين أوتوا الكتاب ):
قال الكلبي : نزلت في اليهود والنصارى حين تركوا الإسلام؛
أي وما اختلف الذين أوتوا الكتاب في نبوة محمد صلى الله عليه وسلم إلا من بعد ما جاءهم العلم ، يعني بيان نعته في كتبهم ،

وقال الربيع : إن موسى عليه السلام لما حضره الموت دعا سبعين رجلا من أحبار بني إسرائيل فاستودعهم التوراة واستخلف يوشع بن نون ، فلما مضى القرن الأول والثاني والثالث وقعت الفرقة بينهم وهم الذين أوتوا الكتاب من أبناء أولئك السبعين حتى أهرقوا بينهم الدماء ، ووقع الشر والاختلاف ،
وذلك من بعد ما جاءهم العلم يعني بيان ما في التوراة.

( بغيا بينهم ) أي طلبا للملك والرياسة ، فسلط الله عليهم الجبابرة وقال محمد بن جعفر بن الزبير : نزلت في نصارى نجران ومعناها:

( وما اختلف الذين أوتوا الكتاب ):
يعني الإنجيل في أمر عيسى عليه السلام وفرقوا القول فيه إلا من بعد ما جاءهم العلم بأن الله واحد وأن عيسى عبده ورسوله،

( بغيا بينهم ):أي للمعاداة والمخالفة ( ومن يكفر بآيات الله فإن الله سريع الحساب ) .
..............

تفسير القرطبي:

قوله تعالي:(إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ۗ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ۗ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ) (19)

(إن الدين عند الله الإسلام الدين)
في هذه الآية الطاعة والملة ، والإسلام بمعنى الإيمان والطاعات ; قاله أبو العالية ، وعليه جمهور المتكلمين . والأصل في مسمى الإيمان والإسلام التغاير ; 
لحديث جبريل.
وقد يكون بمعنى المرادفة . فيسمى كل واحد منهما باسم الآخر؛

كما في حديث وفد عبد القيس وأنه أمرهم بالإيمان بالله وحده وقال : ( هل تدرون ما الإيمان ) ؟
 قالوا : الله ورسوله أعلم .
قال صلي الله عليه وسلم:( شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وأن تؤدوا خمسا من المغنم).

وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم: ( الإيمان بضع وسبعون بابا فأدناها إماطة الأذى وأرفعها قول لا إله إلا الله ) أخرجه الترمذي .

وزاد مسلم ( والحياء شعبة من الإيمان ) .
ويكون أيضا بمعنى التداخل وهو أن يطلق أحدهما ويراد به مسماه في الأصل ومسمى الآخر ،
 كما في هذه الآية إذ قد دخل فيها التصديق والأعمال ; ومنه قوله عليه السلام :
 الإيمان معرفة بالقلب وقول باللسان وعمل بالأركان . أخرجه ابن ماجه ، وقد تقدم والحقيقة هو الأول وضعا وشرعا وما عداه من باب التوسع ، والله أعلم .

قوله تعالى :(وما اختلف الذين أوتوا الكتاب)؛
 أخبر تعالى عن اختلاف أهل الكتاب أنه كان على علم منهم بالحقائق ، وأنه كان بغيا وطلبا للدنيا .
قاله ابن عمر وغيره . وفي الكلام تقديم وتأخير ، 

والمعنى :وما اختلف الذين أوتوا الكتاب بغيا بينهم إلا من بعد ما جاءهم العلم ;
قاله الأخفش . قال محمد بن جعفر بن الزبير : المراد بهذه الآية النصارى ، وهي توبيخ لنصارى نجران .
وقال الربيع بن أنس :المراد بها اليهود .
ولفظ الذين أوتوا الكتاب يعم اليهود والنصارى ;
أي وما اختلف الذين أوتوا الكتاب يعني في نبوة محمد صلى الله عليه وسلم إلا من بعد ما جاءهم العلم يعني بيان صفته ونبوته في كتبهم .

وقيل :أي وما اختلف الذين أوتوا الإنجيل في أمر عيسى وفرقوا فيه القول إلا من بعد ما جاءهم العلم بأن الله إله واحد ، وأن عيسى عبد الله ورسوله . بغيا نصب على المفعول من أجله ، أو على الحال من الذين ، والله تعالى أعلم .

..........

تفسير الطبري:

إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ۗ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ۗ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (19)

القول في تأويل قوله :
( إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ)
قال أبو جعفر: ومعنى " الدين "، في هذا الموضع: الطاعة والذّلة، من قول الشاعر: 
وَيَــوْمُ الحَــزْنِ إِذْ حُشِـدَتْ مَعَـدٌّ
        وَكَــانَ النَّــاسُ, إِلا نَحْــنُ دِينَـا 
يعني بذلك: مطيعين على وجه الذل.

ومنه قول القطامي:
كانَتْ نَوَارُ تَدِينُك الأدْيانا
يعني: تُذلك.

وقول الأعشى ميمون بن قيس:
هُـوَ دَانَ الـرِّبَابَ إذْ كَـرِهُـوا الـدِّ
   ينَ دِرَاكًـا بِغَـــزْوَةٍ وَصِيَــالِ
يعني بقوله:(دان)ذلل؛
وبقوله:(كرهوا الدين)، الطاعة.

وكذلك (الإسلام ):وهو الانقياد بالتذلل والخشوع، والفعل منه: ( أسلم )بمعنى: دخل في السلم،

كما يقال:(أقحط القوم)، إذا دخلوا في القحط،
(وأربعوا )، إذا دخلوا في الربيع ؛
 
فكذلك (أسلموا )، إذا دخلوا في السلم، وهو الانقياد بالخضوع وترك الممانعة.

فإذْ كان ذلك كذلك، فتأويل قوله:(إنّ الدّين عند الله الإسلام):
إنَّ الطاعةَ التي هي الطاعة عنده، الطاعةُ له، وإقرار الألسن والقلوب له بالعبودية والذّلة، وانقيادُها له بالطاعة فيما أمر ونهى، وتذلُّلها له بذلك، من غير استكبار عليه، ولا انحراف عنه، دون إشراك غيره من خلقه معه في العبودة والألوهة.

وبنحو ما قلنا في ذلك قال جماعة من أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله:( إنّ الدين عندَ الله الإسلام)
 والإسلام: شهادة أنّ لا إله إلا الله، والإقرار بما جاء به من عند الله،
وهو دين الله الذي شرع لنفسه، وبعث به رسله، ودلّ عليه أولياءه، لا يقبل غيرَه ولا يجزى إلا به.

 حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع قال، حدثنا أبو العالية في قوله:(إن الدين عند الله الإسلام ),
قال:(الإسلام )، الإخلاص لله وحده، وعبادته لا شريك له، وإقامُ الصّلاة، وإيتاءُ الزكاة، وسائرُ الفرائض لهذا تَبعٌ.

 حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: أَسْلَمْنَا [سورة الحجرات: 14]، قال: دخلنا في السِّلم، وتركنا الحرب.

حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن محمد بن جعفر بن الزبير:(إنّ الدين عند الله الإسلام) أي:
 ما أنت عليه يا محمد من التوحيد للربّ، والتصديق للرسل.

القول في تأويل قوله :
(وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ)
قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: وما اختلف الذين أوتوا الإنجيل وهو ( الكتاب ):الذي ذكره الله في هذه الآية  في أمر عيسى، وافترائهم على الله فيما قالوه فيه من الأقوال التي كثر بها اختلافهم بينهم، وتشتّتت بها كلمتهم، وباين بها بعضهم بعضًا؛ حتى استحلّ بها بعضُهم دماءَ بعض "
( إلا من بعد ما جَاءهم العلم بغيًا بينهم )، يعني:
 إلا من بعد ما علموا الحقّ فيما اختلفوا فيه من أمره، وأيقنوا أنهم فيما يقولون فيه من عظيم الفِرْية مبطلون.
فأخبر الله عباده أنهم أتوا ما أتوا من الباطل، وقالوا من القول الذي هو كفر بالله، على علم منهم بخطأ ما قالوه، وأنهم لم يقولوا ذلك جهلا منهم بخطئه، ولكنهم قالوه واختلفوا فيه الاختلافَ الذي هم عليه، تعدِّيًا من بعضهم على بعض، وطلبَ الرياسات والملك والسلطان، كما.

حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع في قوله:
(وما اختلف الذين أتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم )،
 قال: قال أبو العالية، إلا من بعد ما جاءهم الكتابُ والعلم( بغيًا بينهم)،
 يقول: بغيًا على الدنيا، وطلبَ ملكها وسلطانها، فقتل بعضهم بعضًا على الدنيا، من بعد ما كانوا علماءَ الناس.


 حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله بن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع، عن ابن عمر: أنه كان يكثر تلاوة هذه الآية:
(إنّ الدين عند الله الإسلام وما اختلف الذين أتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيًا بينهم )،

 يقول: بغيًا على الدنيا، وطلبَ ملكها وسلطانها. مِنْ قِبَلها والله أتِينا! ما كان علينا مَنْ يكون علينا،
 بعد أن يأخذ فينا كتابَ الله وسنة نبيه، ولكنا أتِينا من قبلها.


حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع، قال: إن موسى لما حضره الموتُ دعا سبعين حَبرا من أحبار بني إسرائيل، فاستودعهم التوراة، وجعلهم أمناء عليه، كلّ حبر جُزءًا منه،واستخلف موسى يوشع بن نون. 
فلما مضى القرن الأول ومضى الثاني ومضى الثالث، وقعت الفرقة بينهم  وهم الذين أوتوا العلم من أبناء أولئك السبعين  حتى أهَرقوا بينهم الدماء، ووقع الشرّ والاختلاف.
 وكان ذلك كله من قبل الذين أتوا العلم، بغيًا بينهم على الدنيا، طلبًا لسلطانها وملكها وخزائنها وزخرفها، فسلَّط الله عليهم جبابرتهم، فقال الله:
( إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ إلى قوله: وَاللَّهُ بَصِيرٌبِالْعِبَادِ).


فقولُ الربيع بن أنس هَذا، يدلّ على أنه كان عنده أنه معنيٌّ بقوله:
(وما اختلف الذين أوتوا الكتاب )، اليهودُ من بني إسرائيل، دون النَّصارى منهم، وغيرهم.

وكان غيره يوجه ذلك إلى أن المعنىّ به النصارى الذين أوتوا الإنجيل.
ذكر من قال ذلك.

 حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن محمد بن جعفر بن الزبير:
(وما اختلف الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءهم العلم )،الذي جاءك، أي أنّ اللهَ الواحدُ الذي ليس له شريك " بغيًا بينهم "، يعني بذلك النصارى.

القول في تأويل قوله :
(وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ)
قال أبو جعفر: يعني بذلك:
ومن يجحدُ حجج الله وأعلامه التي نصَبها ذكرَى لمن عقل، وأدلةً لمن اعتبر وتذكر، فإن الله محص عليه أعماله التي كان يعملها في الدنيا، فمجازيه بها في الآخرة، فإنه جل ثناؤه (سريع الحساب ):
 يعني:سريع الإحصاء.

وإنما معنى ذلك أنه حافظ على كل عامل عمله، لا حاجة به إلى عقد كما يعقده خلقه بأكفِّهم، أو يعونه بقلوبهم، ولكنه يحفظ ذلك عليهم، بغير كلفة ولا مؤونة، ولا معاناة لما يعانيه غيرُه من الحساب.

وبنحو الذي قلنا في معنى:(سريع الحساب)، كان مجاهد يقول:

حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله عز وجل:
(ومن يكفر بآيات الله فإنّ الله سريع الحساب )،
قال: إحصاؤه عليهم.

حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد:
(ومن يكفر بآيات الله فإن الله سريع الحساب ).
تعليقات