الأسرة وتربية الأبناء 0 لايمكن الاستغناء عن الدين ولنا أمل لايمكن الاستغناء عن الدين مقدمة:من الناس من يتصور إمكان الاستغناء عن الدين بالعلم الحديث أو بالمذاهب الفكريةالحديثة، وكلا التصورين خطأ؛ فقد بين حاجة البشرية وفطرتهُ الطبيعية أنه لا شيء يُغني عن الدين، ويقوم بديلًا عنه في أداء رسالته الضخمة في حياة الإنسان.فكم جُربت عقائد وديانات مزعومة؟ وكم حكمت في الأرض دساتير وشرائع موضوعة؟لكن لم يعش العالم في أمن وأمان كما يعيشه في ظلال شريعة الإسلام الخالدة التي أخذ الله عز وجل على بني آدم عهودهم بالإيمان به وهم في عالم الذر كما أخبر سبحانه وتعالى بقوله: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ * أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ} (الأعراف: 172، 173)._العلم ليس بديلا عن الدين:فالعلم فليس بديلًا عن الدين والإيمان بأي حال من الأحوال ؛ فإن مجال العلم غير مجال الدين. والعلم؛هنا العلم بمفهومه الغربي المحدود، لا بمفهومه الإسلامي الشامل الذي يشمل العلم بالظواهر الجزئية للكون، والعلم بحقائق الوجود الكبرى؛ أي ما يشمل علم الدنيا، وعلم الدين. فليس هو علم المادة وخواصها فحسب، بل العلم المتعلق بالكون والحياة والإنسان، وخالقها سبحانه.العلم بالمفهوم الغربي لا يصلح بديلًا عن الدين؛ لأن مهمة هذا العلم أن ييسر للإنسان أسباب الحياة، لا أن يفسر له ألغازها. العلم يعين الإنسان على حل مشكلة العيش، ولكنه لا يعينه على حل مشكلة الوجود وقضاياه الكبرى.ولهذا نرى أعظم البلاد في عصرنا تقدمًا في العلم، وأخذًا بأسبابه؛ يشكو أهلها من الفراغ الروحي، والقلق النفسي، والاضطراب الفكري، والشعور الدائم بالتفاهة والاكتئاب والضياع. ونرى شبابها ينقلبون بين شتى البدع الفكرية والسلوكية، ثائرين على آلية الحياة ومادية الحضارة، وإن لم يهتدوا إلى المنهج السليم والصراط المستقيم.وهذا هو سر العوج والشذوذ والانحرافات، التي لمسها العالم كله في سلوك أولئك الشباب الحائرين، الذين يسمونهم "الخنافس" أو "الهيبيين" وأشباههم ممن ضاق ذرعهم بتفاهة العيش، وتمردوا على حضارة الغرب وإن نشأوا بين أحضانها.إن العلم الحديث محدود الوسع، محدود القدرة، محدود المجال. في وسع العلم أن يمنح الإنسان الوسائل والآلات، ولكن ليس في وسعه ولا من اختصاصه أن يمنحه الأهداف والغايات، وما أتعس الإنسان إذا تكدست لديه الوسائل دون أن يعرف لنفسه هدفًا ولا لحياته قيمة، إلا أهداف السباع في العدوان، أو أهداف البهائم في الأكل والسفاد. أما هدف رفيع يليق بمواهب الإنسان، وخصائص الإنسان، وكرامة الإنسان، فلا.إن الدين وحده هو الذي يمنح الإنسان أهدافًا عليا للحياة وغايات كبرى للوجود، ويجعل له فيه مهمة ورسالة لحياته ،كما يمنحه القيم الخلقية والمثل العليا التي تحبسه عن الشر، وتحفزه على الخير، لغير منفعة مادية عاجلة.لقد قوى العلم الجانب المادي في الإنسان إلى أبعد حد، ولكنه أضعف الجانب الروحي فيه إلى أدنى مستوى. فقد أعطى العلم الإنسان جناحي طائر فحلق في الفضاء، وأعطاه خياشيم حوت فغاص في أعماق الماء، ولكنه لم يعطه قلب إنسان!وحين يعيش الإنسان في الحياة بغير دين ؛ تتحول أدوات العلم في يديه إلى مخالب وأنياب تقتل وترهب، وإلى معاول وألغام تنسف وتدمر. تستحيل أدوات العلم إلى أسلحة ذرية، وقنابل نابالم، وغازات سامة، وأسلحة كيماوية، وجرثومية تنشر الموت والخراب عند استعمالها، وتشيع الذعر والخوف قبل استعمالها.نعم!! لقد استطاع العلم أن يضع قدم الإنسان على سطح القمر، ولكنه لم يملك أن يضع يده على سر وجوده وغاية حياته! ولقد اكتشف الإنسان بالعلم أشياء كثيرة، ولكنه لم يكتشف حقيقة نفسه! أوصله علم القرن العشرين إلى القمر، ولكن لم يوصله إلى السعادة والطمأنينة على ظهر الأرض!جلب من هناك بعض الصخور والأتربة، ولكنه لم يجد هناك ما يخرجه من التعاسة والقلق والضياع في كوكبه!وكذلك أعطى العلم إنسان القرن العشرين سلاحًا انتصر به على بعض قوى الطبيعة، ولم يعطه ما ينتصر به على نفسه: على شهواته، وشكه، وقلقه، وخوفه، وتخبطه، وصراعه الداخلي والاجتماعي.لقد تقدم الطب الحديث والجراحة إلى أقصى حدودهما في هذا القرن، وبدأ الأطباء يقولون: إن العلم يستطيع القضاء على كل مرض غير الموت والشيخوخة!!ولكن الأمراض تكثر وتتشعب وتنتشر بسرعة مذهلة، ومنها "الأمراض العصبية" و"النفسية" التي هي نتائج وأعراض "التناقض" الشديد الذي يمر به الفرد والمجتمع. وسر ذلك أن العلم المادي على سعته واكتشافاته لم يعرف حقيقة الإنسان، الذي عرف المادة وقوانينها، ولكنه لم يعرف نفسه، ولا غرو أن كتب أحد أقطاب العلم "(١)_الفلسفة ليست بديلا عن الدين:لقد تبين لنا أن إنسان العلم الحديث هو "ذلك المجهول" الذي لم يستطع العلم أن يسبر غوره، وأن يتعرف على حقيقته، وأن ينفذ إلى أعماقه، كما بين ذلك "ألكسيس كاريل" و "رينيه دوبو"، وغيرهما. لقد عرف العلم الجمادات أو المادة، وحللها واكتشف قوانينها، ولكنه عجز عن معرفة الإنسان؛ لأن الإنسان من التركيب والتعقيد بحيث لا يعرفه إلا من خلقه فسواه: {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} (الملك:14).ومادام العلم يجهل الإنسان؛ فلا يؤمل منه أن يحسن توجيهه وتربيته والتشريع له، بل بدا اليوم أن العلم فطرة الإنسان، وبيئة الإنسان.وإنسان الفلسفة ليس أحسن حظًا من إنسان العلم، والفلسفة رغم اهتمامها بالإنسان منذ أنزلها "سقراط" من السماء إلى الأرض ووجه العقل الإنساني إلى محاولة اكتشاف ذاته: اعرف نفسك لم تتفق على رأي في نظرتها إلى الإنسان: أهو روح أم مادة؟ جسم يفنى أم روح يبقى؟ عقل أم شهوة؟ ملاك أم شيطان؟ الأصل فيه الخير أم الشر؟ أهو إنسان كما نراه، أم ذئب مقنع؟ أو أناني أم غيري؟ أهو فردي أم جماعي؟ أهو ثابت أم متطور؟ أتجدي فيه التربية أم لا تجدي؟ أهو مختار أم مجبور؟اختلفت الفلسفات في الإجابة عن هذه التساؤلات وتناقضت، فلا تستطيع أن تخرج منها بطائل، حتى قال شيخنا الدكتور عبد الحليم محمود ـ وهو أستاذ الفلسفة في كلية أصول الدين ـ قبل أن يكون شيخا للأزهر: "الفلسفة لا رأي لها؛ لأنها تقول الرأي وضده، والفكرة ونقيضها".هنا نجد الفلسفة الإلهية مناقضة للفلسفة المادية، والفلسفة المثالية مناقضة للفلسفة الواقعية، وفلسفة الواجب معارضة لفلسفة المنفعة أو اللذة، إلى آخر ما نعرفه من تناقضات في الساحة الفلسفية، فهذا يثبت، وذاك ينفي، وهذا يبني، وذاك يهدم.ومن هنا لا تستطيع الفلسفة وحدها أن تهدى الإنسان سبيلًا أو تشفي له غليلًا، أو تمنحه منهجًا يركن له ويطمئن إليه، ويقيم حياته على أساسه.وأبعد الفلسفات عن هداية الإنسان وإسعاده هي الفلسفات المادية، التي تنكر أن للكون إلها، وأن للإنسان روحًا، وأن وراء الدنيا آخرة. وعلى رأس هذه الفلسفات: الفلسفة الماركسية القائمة على المادة الجدلية، والتي تتبنى مقولة بعض الفلاسفة الماديين: ليس صوابًا أن الله خلق الإنسان، بل الصواب أن الإنسان هو الذي خلق الله !! ومثل ذلك: الفلسفات العبثية والعدمية والشكية؛ فكلها فلسفات تهدم ولا تبني، وتميت ولا تحيى.ويُقول الدكتور محمد عبدالله دراز الفرق بين: الفلسفة والدين، فيرى أن الفلسفة فكرة هادئة باردة، أما الدين فهو قوة دافعة، فعالة، خلّاقة، لا يقف في سبيلها شيء في الكون إلا استهانت به أو تبلغ هدفها.(٢)ذلك هو فصل ما بين الفلسفة والدين، غاية الفلسفة المعرفة، وغاية الدين الإيمان، مطلب الفلسفة فكرة جافة، ترتسم في صورة جامدة، ومطلب الدين روح وثابة وقوة محركة.لا نقول كما يقول كثير من الناس: إن الفلسفة تخاطب العقول، وإن الدين في كل أوضاعه لا يقنع بعمل العقل قليلًا أو كثيرًا حتى يضم إليه ركون القلب .فالمقصد والغاية من الدين انه ركن اساسي في حياة البشرية لايمكن الاستغناء عناء او طمسها او تحريفها هي كما انزلها الله سبحانه وتعالي بشرائعة؛_علم النفس المادي لايعتبر بديلاً عن الدينإن علم النفس المادي ينبثق من فلسفات معادية للإسلام في كثير من منطلقاته؛ولي بينهم اجماع علي نظرية واحدة،وإنما تطرح كل مدرسة نظريةً تتبناها كأنها مسلمات وتطالب غيرها بالتسليم لها ..ولقد ظهرت في النصف الثاني من القرن العشرين مدارس في علم النفس حاولت التخلص من سلبيات المدارس السابقة ذات الاتجاخات المادية الإلحادية.فالتدين عندهم لايعتبر أحد الدافع الفطرية لدي الإنسان،وإنما يعتبرونه دافعاً اجتماعية أي مكتسباً؛لأن الدين في زعمهم صناعة بشرية وليس وحياً إلهياً.وهم يعتقدون في خرافة داروين التي تزعم أن الإنسان كائن متطور عن الحيوان ،وهم يجعلون سلوك الحيوان مدخلاً مقبولاً لفهم سلوك الإنسان لان علم النفس في إحدي التعريفات عندهم هو:علم سلوك الكائن الحي _حيوانا كان أم إنسان _الناتج عن المنبهات الخارجية والداخلية وهم ايضاً يتعمدون في دراستهم النفسية إقصاء الدين والعوامل الروحية مع انها من أهم مكونات السلوك الإنساني(٣)،بل إن فرويد يري ان كل المعتقدات الدينية مجرد اوهام كاذبة.وهم يرفضون الإقرار بوجود الروح في الإنسان بدعوي لأنه لايمكن ملاحظتها مادياً ولاإثباتها بالوسائل التجريبية المادية.وهم لايعترفون بالوحي الإلهي إلي الأنبياء عليهم السلام كمصدر للمعرفة.ومن هنا ندرك الفرق الكبير بين الدين فطرة وبين الوحي الإلهي وبين مايسمي علم النفس الذي نشأ في بيئة عالمانية وإطار مادي لامكان فيهما للدين الحق.......(١)الإنسان ذلك المجهول ،لألكسيس كاريل.(٢)انظر:الدين،لمحمدعبدالله الدراز (٣)علم النفس القرن الواحد والعشرين ،William S.Buskist،ص٢١ الأسرة وتربية الأبناء ولنا أمل مقالات قد تهمك تعليقات