مقدمة:
عباد الله! إن ربنا خلقنا لعبادته، وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ، وعلى رأس هذه العبادة أعظم أركان الإسلام العملية، وأولها بعد الشهادتين إقامة الصلاة..
فالصلاة عمود الإسلام وركنه، من أدى حقها، وأتم ركوعها وسجودها وخشوعها كانت قرة عينه، وحلاوة قلبه، وانشراح صدره
أهمية وفضل الصلاة:
والصلاة التي هي إيمانك بالله، لقوله تعالي:
(وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ )[سورة البقرة:143]،
والصلاة هي الخشوع؛لقوله تعالي:
(وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي) [سورة طه:14]، تذكر المصلي بربه.
والصلاة وهي عون من الله في مواجهة المصائبق؛
لقوله تعالي:( وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ)[سورة البقرة:45].
التي تقوي هذا البدن ونفسه، وكان صلي الله عليه وسلم إذا حزبه أمر صلى.
و الصلاة هي التي تفك ضيق الصدر؛ ولذلك قال تعالى لنبيه صلي الله عليه وسلم:
(وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ).[سورة الحجر:97، 98]
فما الذي يفك ضيقة الصدر؟ التسبيح، وأن يكون من الساجدين، من المصلين؛ ولذلك كان صلي الله عليه وسلم يلجأ إليها، فكان إذا حزبه أمر صلى.
والصلاة هي التي أخبرنا النبي صلي الله عليه وسلم أنها موئل المسلم إذا ظهرت الآيات؛
ومنها الكسوف الذي يذكر بيوم القيامة، فقال صلي الله عليه وسلم للأمة:(فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى الصلاة).
والصلاة هي موئل النائم إذا أفزعه حلم من الأحلام أن يقوم للصلاة؛ فأرشد النبي صلي الله عليه وسلم صاحب المنام الذي فيه تحزين من الشيطان إذا فزع من نومه، أن يقوم فيصلي ركعتين.
والصلاة هي التي تضبط المشاعر، وترشد الإنسان في عالم الجزع والهلع؛لقوله تعالي:
( إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا إِلَّا الْمُصَلِّينََ)[سورة المعارج:19- 22].
والصلاة هي سبب توسعة الرزق، والإتيان به؛
لقوله تعالي:(وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ) [سورة طه:132]، فهكذا لو أقبل على الصلاة.
والصلاة هي جالبة للنشاط؛ فإنه إذا قام من الليل فتوضأ، فصلى انحلت العقد، فأصبح نشيطا طيب النفس، كما أخبر صلي الله عليه وسلم.
والصلاة متعة، هذه الصلاة راحة، وجعلت قرة عيني في الصلاة، طمأنينة وهدوء بال؛
لقوله صلي الله عليه وسلم:(أرحنا بالصلاة يا بلال).
والصلاة أخبرنا النبي صلي الله عليه وسلم عنها بما أخبر به ربه من أنها تربي المسلم على ضبط المواعيد؛
لقوله تعالي:(إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا) [سورة النساء:103]، فتجعل المسلم محافظًا على مواعيده.
والصلاة هي التي تربي المسلمين علي أن يكونوا صفًا واحدًا، صفهم في القتال كصفهم في الصلاة؛
لقوله تعالي:(إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ )[سورة الصف:4]، متشبهين بالملائكة، ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربها؟ يتمون الصفوف الأول ويتراصون في الصف.
والصلاة هي التي تربي المؤمنين على تجنب الخلاف فيما بينهم، وأن تكون قلوبهم واحدة، لا تختلفوا؛ يعني: في الصف في صف الصلاة فتختلف قلوبكم.
والصلاة هي كانت أول وصايا الله إلى عباده؛
فماذا قال عيسى في المهد لما تكلم؟ قال:
( وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ) [سورة مريم:31].
والصلاة هي كانت آخر ما تكلم بها نبينا صلي الله عليه وسلم وهو يودع الأمة؛
ويقول لهم: الصلاة الصلاة، اتقوا الله فيما ملكت أيمانكم، فإذا كان يوصيهم بالإماء والعبيد، وما ملكت أيمانكم حثوهم على الصلاة، فكيف بالأحرار؟كيف بأولادهم؟ وكيف بأهليهم؟
والصلاة هي التي دعا إبراهيم من أجلها ربه ؛
قال تعالي:(رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ) [سورة إبراهيم:40].
والصلاة هي أمرنا النبي صلي الله عليه وسلم لمعشر الآباء والأولياء في ان نراعها في أولادنا إذا بلغوا سبعًا؛
قال صلي الله علي وسلم :(مروا أبناءكم بالصلاة لسبع سنين وهم أبناء سبع، وأكد علينا تأكيدًا شديدًا إذا بلغوا عشرًا).
والصلاة هي التي من أجلها أسكن إبراهيم الخليل ذريته في ذلك المكان؛
رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ [سورة إبراهيم:37]، فمن أجل ذلك أسكنهم.
و الصلاة كانت موعد موسى مع الله؛
لما قال له:(إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي) [سورة طه:14].
و الصلاة كانت الوحي من الله لموسى وهارون ومن معهما من المستضعفين في مواجهة الطغيان؛
لقوله تعالي:( وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّآ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ) [سورة يونس:87].
والصلاة هي من أجلها طفق سليمان مسحًا بالسوق والأعناق لما توارت الشمس بالحجاب عند الغروب.
والصلاة هي سبب النصر والتمكين؛
قال تعالي:(الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ) [سورة الحج:41].
و الصلاة هي ملجأ التائبين؛
كلما أذنب مسلم ذنبًا قام يصلي لله ركعتين لا يحدث فيهما نفسه.
و الصلاة شأنها عظيم ؛ومقامها كبير، أليست مجلبة الرزق لمريم؟ أليست تكريم الله لها؟ وكذلك كانت إذا صلت في المحراب يأتيها رزقها ؛
قال تعالي:(كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ )[سورة آل عمران:37]، فماذا كانت تفعل في المحراب إلا الصلاة.
والصلاة بسببها نادت الملائكة لأجلها زكريا بالبشارة بيحيى ولدًا، بعد طول عمر بلا أولاد؛
قال تعالي:( فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى) [سورة آل عمران:39].
والصلاة تأمر بالخير، وتنهى عن الشر، هذه الصلاة التي تعجب قوم شعيب منه، وقالوا له:( أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ )[سورة هود:87].
والصلاة التي تقيم الإنسان على الحق.
والصلاة دعا النبي صلي الله عليه وسلم على الكفار دعوة مرعبة مخيفة لأجلها؛
ففي معركة الأحزاب لما شغلوه عن صلاة العصر، دعا الله أن يملأ قبورهم وقلوبهم نارًا كما شغلوه عن الصلاة..
و الصلاة فرضت في السماء، ولما تفرض في الأرض، التي ضوعفت بخمسين على خمس فقط يؤديها العبد.
و الصلاة قرنت بتوحيد الله.
و الصلاة هي التي انشغل لأجلها بال النبي صلي الله عليه وسلم وهو مريض بمرض الموت يكشف الستار ؛
ويقول صلي الله عليه وسلم :( أصلى الناس؟ قالوا: لا هم ينتظروك). فلأجلها جر رجليه جرًا ولأجلها خرج يسحب إلى الصلاة.
والصلاة التي لا تترك حضرًا ولا سفرًا ولا أمنًا ولا خوفًا فإنها تصلى، حتى في الخوف صلاة الخوف.
و الصلاة أحب الأعمال إلى الله.
و الصلاة التي تكتب بها الخطوات رفع درجة، وزيادة حسنة، ومحو سيئة.
و الصلاة عهد من الله بدخول الجنة، وسبب عظيم لدخول النار،؛قال تعالي:(مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ )[سورة المدثر:42، 43].
و الصلاة هي أول الأعمال يُنظر فيه يوم القيامة؛
فإن أفلح صاحبها وأنجح، فقد أفلح في عمله كله وأنجح، وإذا خاب فيها وخسر، فقد خاب وخسر في عمله كله.
والصلاة كفارة الذنوب؛كنهر يغتسل فيه الإنسان كل يوم خمس مرات.
والصلاة هي رباط بعد رباط ينتظر الصلاة بعد الصلاة.
والصلاة نور لصاحبها؛
قال تعالي:(سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِِ)[سورة الفتح:29] وقال: الصلاة نور،وقال: بشر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة.
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
(يَتَعاقَبونَ فيكُم ملائِكَةٌ بالليلِ وملائِكةٌ بالنهارِ، ويجتمعونَ في صلاةِ الفجرِ وصلاةِ العصرِ، ثم يَعْرُجُ الذينَ باتوا فيكُم، فيَسألُهُم وهو أعلَمُ بِهِم: كيفَ تَرَكتُم عِبادي؟ فيقولون: تَرَكْناهُم وهُم يُصلونَ، وأتَيناهُم وهُم يُصلونَ)[حديث متفق عليه].
وقال صلي الله وعليه وسلم :
(إن أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة من عمله صلاته، فإن صلحت فقد أفلح ونجا، وإن فسدت فقد خاب وخسر، فإن انتقص من فريضته شيء قال الرب -عز وجل-: انظروا هل لعبدي من تطوع فيكمل بها ما انتقص من الفريضة؟)[رواه الترمذي].
أهمية الصلاة :
أثر الصلاة على النفس والمجتمع ، وسائر شؤون الحياة؛ لكن هناك في المجتمع من لا يعرف المسجد على قلتهم، وهناك من لا يؤدون الصلاة حق الصلاة، وهناك من اتخذ الصلاة عادة وليس عبادة، وغير ذلك من مظاهر تفقد معنى الصلاة؛ فالصلاة هي عمود الإسلام، وركنه الثاني.
جعلها صلى الله عليه وسلم فرقا بين الإسلام والكفر، ومن تركها فقد حبط عمله .
فريضة ليست مرتبطة بموسم كالحج مثلا، أو الصوم في رمضان، ولا موقوفة على مناسبة ليست في العمر مرة ولا في العام مرة، لكنها في اليوم والليلة خمس مرات مفروضة على كل مسلم مكلف غني وفقير، صحيح ومريض، ذكر وأنثى، مسافر ومقيم، في الأمن والخوف، لا يستثنى منها مسلم مكلف، ما عدا الحائض والنفساء.
إنها قرة عيون المؤمنين، ومعراج المتقين، بل قبل ذلك وبعده قرة سيد الأنبياء والمرسلين -عليه أفضل الصلاة وأذكى التسليم-.
هي ركن الدين وعموده؛ كما قال صلى الله عليه وسلم: "لا دين لمن لا صلاة له".
و"لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة".
و"ليس بين الرجل والكفر والشرك إلا ترك الصلاة".
"من ترك صلاة مكتوبة متعمدا برئت منه ذمة الله".
وكان أصحابه صلى الله عليه وسلم لا يرون شيئا من الأعمال تركه كفر غير الصلاة.
هذه كلها أخبار وأثار صحت عن نبيكم -عليه الصلاة والسلام-، نقول ذلك مع الأسف ونحن نرى بعض الناس يتهاونون بالصلاة بعدم أدائها -عياذا بالله- مما يوصلهم للكفر، أو بعضهم بجمع الصلوات، إلى آخر الليل؛ كما يفعله بعض العمالة، إما بإهمال بعض فروضها، أو عدم معرفة أركانها وواجباتها كذلك وشروطها، وهذا حال الكثيرين لا يعرفون تلك الأركان والواجبات والشروط.
ومن أراد أن يحاسب نفسه صادقا، فليتفقد نفسه في صلاته، صلاته التي تنهاه عن الفحشاء والمنكر، فمن ضيعها فهو لما سواها أضيع.
إنها آخر ما يفقد العبد من دينه، فليس بعد ضياعها، والتفريط فيها، إسلام، ومن أجل هذا فإنها أول ما يسأل عنه العبد يوم القيامة فإن قبلت قبل سائر العمل، وإن ردت رد سائر العمل.
الصلاة أول ما فرض على نبيك محمد -صلى الله عليه وسلم- من الأحكام؛ فرضت في أشرف مقام، وأرفع مكان.
لما أراد الله أن يتم نعمته على عبده ورسوله محمد -صلى الله عليه وسلم-، ويظهر فضله عليه؛ أسرى به، ثم رفعه إليه، وقربه، فأوحى إليه ما أوحى ما كذب الفؤاد، ثم فرض عليه وعلى أمته الصلوات الخمس.
كانت خمسين فرضا في اليوم والليلة، فأصبحت خمسة في الفعل، وخمسين في الأجر.
هي آخر ما أوصى به النبي –صلى الله عليه وسلم- أمته، وهو على فراش الموت يحتضر مناديا: "الصلاة الصلاة، وما ملكت أيمانكم".
والصلاة لم يرخص في تركها، لا في مرض، ولا في خوف، بل إنها لا تسقط حتى في أحرج الظروف، وأشد المواقف في حالات الفزع والقتال: (حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ * فَإنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَانًا فَإِذَا أَمِنتُمْ فَاذْكُرُواْ اللّهَ كَمَا عَلَّمَكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ)[البقرة: 238-239].
الله أكبر، رجالا أو ركبانا، مستقبل القبلة، أو غير مستقبليها، تؤمي إماءً حسب الطاقة.
يأمر الله بالصلاة جماعة حتى في حال الخوف، أما المريض والمضطر فليصل قائما، فإن لم يستطع فقاعدا، وإن لم يستطع فعلى جنب، وإن عجز عن شروطها من الطهارة، وستر العورة، واستقبال القبلة، صلى بلا طهارة، وبلا ستر عورة، وإلى غير قبلة، فالصلاة لا تسقط بحال ما دام العقل موجودا.
بعض الناس يقول: ثيابي لا تساعدني، مظهري لا يساعدني، فيؤجل الصلوات، يجمع الصلوات الخمس إلى الليل، هذا لا يجوز، وهو على خطر عظيم.
الصلاة –إخوتي- أكثر الفرائض ذكرا في القرآن، وإذا ذكرت مع سائر الفرائض قدمت عليها.
لا يقبل الله من تاركها صوما ولا حجا، ولا صدقة، ولا جهادا، ولا أي عمل من الأعمال حتى يؤديها.
هي فواتح الخير وخواتمه يفتتح المسلم بالصلاة نهارا، ويختم بها يومه، يفتتحها بتكبير الله، ويختمها بالتسليم على عباد الله.
وهي من صفات المؤمنين:
(قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ)المؤمنون:1]
أول صفة: (الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ)المؤمنون:2].
ثم استعرض الله صفاتهم، ثم ختم تلك الصفات، فقال سبحانه: (وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)[المؤمنون: 9-11].
صلة بين العبد وربه، لذة ومناجاة تتقاصر دونها جميع الملذات، نور في الوجه والقلب، صلاح للبدن والروح، يطهر القلوب، تكفر السيئات، تنهى عن الفحشاء والمنكر: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ)[البقرة: 153].
جالبة للرزق والبركة: (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى)[طه: 132].
خشوع وتعبد يمسح آثار الغفلة، ونور وهداية يحفظ -بإذن الله- من سبل الضلالة والغواية.
يجتمع للمصلي شرف المناجاة، وشرف العبادة، وشرف البقعة في المسجد.
لا يقعده عن الصلاة ظلمة ليل، ولا صعوبة طريق، ولا صوارف دنيا: "بشر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة".
الصلاة هي المفزع إذا حزب الأمر، وهي المستراح عند التعب: "أرحنا بها يا بلال".
فاين نحن من حال أهل الفلاح حين يناديهم منادي الصلاة والفلاح:
أين هؤلاء من مصلٍ لا يدري أخمس صلى أم أربع؟ تسلط عليه الشيطان، ينتقل من واد إلى واد، ومن هم إلى هم، يقوم إلى صلاته وقلبه بغير الله متعلق، وفكره بسواه مشغول، يحرك لسانه بما لا يعي قلبه.
ويل لهم عن: (عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ) [الماعون: 5]
ويل لهم يُرَاؤُونَ: (وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ) [الماعون: 7].
تحولت صلاتهم إلى عادة، لا يخشعون فيها، ولا يفقهون من حكمتها، ولا يتقون أحكامها ولا طريقتها.
فيا حسرة من ضيع صلاته حين ضيع ركن دينه!.
ما أعظم خيبته وما أشد غفلته! أما سمع الزواجر:
لقوله تعالي:(مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ)[المدثر: 42-43].
يسمع مناد الصلاة والفلاح ثم يدبر: لقوله تعالي:
(فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى وَلَكِن كَذَّبَ وَتَوَلَّى ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى) [القيامة: 31-35].
قال تعالي:(وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لَا يَرْكَعُونَ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ) [المرسلات: 48-4].
واعلم أن التكاسل والتهاون، وقلة الذكر صفات للمنافقين: لقوله تعالي:
(يُخَادِعُونَ اللّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَآؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللّهَ إِلاَّ قَلِيلاً)[النساء: 142].
الصلاة عمود الإسلام وركنه، من أدى حقها، وأتم ركوعها وسجودها وخشوعها كانت قرة عينه، وحلاوة قلبه، وانشراح صدره، قال صلى الله عليه وسلم:
(خمس صلوات كتبهن الله على العباد، فمن جاء بهن ولم يضيع منهن شيئا استخفافا بحقهن، كان له عند الله عهدا أن يدخله الجنة، ومن لم يأت بهن فليس له عند الله عهد إن شاء عذبه وإن شاء أدخله الجنة).
ومن يواظب على الصلاة، يحرص عليها، لكنه لا يهتم بأهله، لا يهتم بصلاة البنات، ولا صلاة الأبناء، حتى الصبي الذي لم يبلغ يؤمر بها؛
وقال تعالي:(وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا)[طه: 132].
قال صلي الله عليه وسلم:
(مُرُوا أَبْنَاءَكُمْ بِالصَّلاَةِ لِسَبْعٍ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا لِعَشْرٍ).
قال ابن مسعود رضي الله عنه:
(من سره أن يلقى الله غدا مسلما فليحافظ على هؤلاء الصلوات الخمس حيث ينادى بهن).
وكما قال صلى الله عليه وسلم:
(من صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل، ومن صلى الصبح في جماعة فكأنما صلى الليل كله، ومن صلى الفجر في جماعة فهو في عصمة الله حتى يمسى).
والإنسان إذا نام من الليل ضرب عليه الشيطان ثلاث عقد، فإذا استيقظ فذكر الله انحلت عقدة، ثم إذا توضأ انحلت عقدة، ثم إذا صلى الفجر في جماعة انحلت عقده كلها، فأصبح نشيط النفس، وإلا أصبح خبيث النفس كسلانا.
وأحب الأعمال إلى الله الصلاة على وقتها، فحافظوا عليها،لقوله تعالي:
(وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُوا رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ)[البقرة: 45-46].
يقول صلى الله عليه وسلم:
(أرأيتم لو أن نهرًا بباب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات، هل يبقى من درنه شيء؟
قالوا: لا يبقى من درنه شيء،
قال: "فذلك مثل الصلوات الخمس؛ يمحو الله بهن الخطايا) _أخرجه مسلم.