الغاية من للدين:

وجود الله من البدهيات التي يدركها الإنسان بفطرته ويهتدي إليها بطبيعته، وإذا كان التدين فطرة طبيعية فمعنى ذلك أن الإنسان يستحيل تصوره بلا دين.

فالدين فطري في الإنسان طبيعي فيه، لا تزول عنه ولا تتلاشى أبدًا.ويأخذ في النمو والارتقاء حسب الظروف والمحيط.وعلى نسبة من اتساع المدارك الفكرية وعمق المعارف.

وخلق الله تبارك وتعالى هذا الكون العظيم وسخرهُ للإنسان لا ليقضى فيه شهواته أو ينعم بلذاته فحسب، ولكن ليعبد الله عز وجل، ويقيم الدين في الأرض، يقول تعالي:{أفحسبتم أنما خلقناكم عبثاً وأنكم إلينا لاترجعون فتعالي الله الملك الحق لاإله إلا هو رب العرش الكريم} (المؤمنون: 115-116).

يقول الطبري: يقول تعالى ذكره: أفحسبتم أيها الأشقياء أنا إنما خلقناكم إذ خلقناكم، لعباً وباطلاً، وأنكم إلى ربكم بعد مماتكم لا تصيرون أحياء، فتجزون بما كنتم في الدنيا تعملون؟ .(١)


ويقول الحافظ ابن كثير: وقوله:{أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا} أي: أفظننتم أنكم مخلوقون عبثاً بلا قصد ولا إرادة منكم، ولا حكمة لنا، {وأنكم إلينا لاترجعون} أي: لا تعودون في الدار الآخرة،

 كما قال: {أيحسب الإنسان أن يترك سدي}(القيامة: 36)، يعني هملاً.

وقوله: {فتعالي الله الملك الحق} أي: تقدَّس أن يخلق شيئاً عبثاً، فإنه الملك الحق المنزه عن ذلك،{لاإله إلا هو رب العرش الكريم}، فذكر العرش؛ لأنه سقف جميع المخلوقات، ووصفه بأنه كريم، أي: حسن المنظر بهي الشكل، كما قال تعالى:{فأنبتنا فيها من كل زوج كريم}(لقمان: 10).

فالله عزوجل لم يخلق الإنسان عبثاً، بل خلقه لحكمةٍ وغاية، قال تعالى:{وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ماأريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين}(الذاريات: 56-58) .(٢)


ويقول الشيخ السعدي في تفسيره:

 هذه الغاية التي خلق الله الجن والإنس لها، وبعث جميع الرسل يدعون إليها، وهي عبادته، المتضمنة لمعرفته ومحبته، والإنابة إليه والإقبال عليه، والإعراض عما سواه، وذلك يتضمن معرفة الله تعالى، فإن تمام العبادة، متوقف على المعرفة بالله، بل كلما ازداد العبد معرفة لربه، كانت عبادته أكمل، فهذا الذي خلق الله المكلفين لأجله، فما خلقهم لحاجة منه إليهم، فما يريد منهم من رزق وما يريد أن يطمعوه، تعالى الله الغني المغني عن الحاجة إلى أحد بوجهٍ من الوجوه، وإنما جميع الخلق، فقراء إليه، في جميع حوائجهم ومطالبهم، الضرورية وغيرها، ولهذا قال: {إن الله هو الرزاق} أي: كثير الرزق، الذي ما من دابة في الأرض ولا في السماء إلا على الله رزقها، ويعلم مستقرها ومستودعها،

{ذو القوة المتين}أي: الذي له القوة والقدرة كلها، الذي أوجد بها الأجرام العظيمة، السفلية والعلوية، وبها تصرف في الظواهر والبواطن، ونفذت مشيئته في جميع البريات، فما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، ولا يعجزه هارب، ولا يخرج عن سلطانه أحد، ومن قوته، أنه أوصل رزقه إلى جميع العالم، ومن قدرته وقوته، أنه يبعث الأموات بعد ما مزّقهم البلى، وعصفت بترابهم الرياح، وابتلعتهم الطيور والسباع، وتفرّقوا وتمزّقوا في مهامه القِفَار، ولجج البحار، فلا يفوته منهم أحد، ويعلم ما تنقص الأرض منهم، فسبحان القوي المتين .(٣)

إذاً فالغاية من خلق الإنسان هو عبادة الله عز وجل، وهو ما يعرف بالدين؛

 وحاجة البشر إلى الدين أعظم من حاجتهم إلى ما سواه من ضرورات الحياة؛

لأن الإنسان لا بد له من معرفة مواقع رضى الله عز وجل ومواقع سخطه، ولا بد له من حركةٍ يجلب بها منفعته، وحركةٍ يدفع بها مضرته، والشرع هو الذي يميز بين الأفعال التي تنفع والتي تضر، وهو عدل الله في خلقه، ونوره بين عباده، فلا يمكن للناس أن يعيشوا بلا شرعٍ يميزون به بين ما يفعلونه وما يتركونه.

ويقول المفكر المصري محمد فريد وجدي:يستحيل أن تتلاشى فكرة التدين، لأنها أرقى ميول النفس وأكرم عواطفها، ناهيك بميل يرفع رأس الإنسان، بل إن هذا الميل سيزداد، ففطرة التدين ستلاحق الإنسان مادام ذا عقل يعقل به الجمال والقبح، وستزداد فيه هذه الفطرة على نسبة علو مداركه ونمو معارفه(٤).

حينما بين الله للناس الدين الحق بإرسال الرسل وإنزال الشرائع؛ قامت الحجـة عليهم وانــتفىٰ عنهم عذر الجهل بالطريق الصحيح أو عذر ترك الله لهم بلا هادٍ ولا دستور. فانقطعت حجتهم و اندفعت شبهتهم ، و وضعوا على مفتـرق طريق نهايته إما جنة أو نار.

وعلي أثر ذلك أيضاً وجود الدين كمكون راسخ فيها. وهذا المكون ارتبطت بهِ حوادث التاريخ الكبرى ونقاطهُ المحورية، يقول ابن خلدون : الدول العامة الاستيلاء العظيمةُ الملك أصلها الدين أما من نبوة أو دعوة حق (٥).

وارتباط البشرية بالدين لم يكن فقط على نطاق الدول والممالك، بل كان أعمق من ذلك، فارتباطهُ الأساس هو بالفرد من حيث كونه فردًا، وهذا الذي جعل له تلك المركزية في المجتمعات البشرية المختلفة،  ومع طغيان المادية وبروز الاتجاهات العلمانية والإلحادية، تظهر على السطح دعاوى تحاول التقليل من حجم الدين وإنكار مرجعيته.

 فالغاية من الدين حاجة حتمية، وليست كماليات ترفية، ولا مجرد تحسينات جمالية كما قد يظن البعض.. إنها كالماء والغذاء والهواء بالنسبة للإنسان على امتداد الزمان والمكان وعلى تنوع احتياجاته ومتطلباته الروحية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية والعلمية

........

(١)تفسير الطبري،للطبري ،الأيه١١٦،١١٥
(٢)تفسير ابن كثير،لابن كثير،الأيه٥٨،٥٦
(٣)تفسير السعدي,للسعدي
(٤)انظرالي:مادة دين,للمفكر محمد فريد وجدي،دائرة معارف (القرن العشرون)، 4/111
(٥)تاريخُ ابنِ خلدونَ،لابن خلدون
تعليقات