مطلب ضروري


مقدمة:


وهب أن شخصاً ما تمتَّع في هذه الحياة بألذَّ الطعام والشَّرب وسائر الشَّهوات وضيع دينه وفقد هويتهُ مائة سنة ثم مات ولكن بعد موته دخل النار مخلداً فيها فبالله ماذا أفاده الطَّعام والشّراب وسائر الشَّهوات؟!
ماذا افاده تضيع دينه وفقدان هويتهُ؟!

ففي الحديث ؛حدثنا عمرو الناقد حدثنا يزيد بن هارون أخبرنا حماد بن سلمة عن ثابت البناني عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

«يؤتى بأنعم أهل الدنيا من أهل النار يوم القيامة فيصبغ في النار صبغة ثم يقال يا ابن آدم هل رأيت خيرا قط هل مر بك نعيم قط فيقول لا والله يا رب ويؤتى بأشد الناس بؤسا في الدنيا من أهل الجنة فيصبغ صبغة في الجنة فيقال له يا ابن آدم هل رأيت بؤسا قط هل مر بك شدة قط فيقول لا والله يا رب ما مر بي بؤس قط ولا رأيت شدة قط.(١)   

وإن فطرة الإنسان خاضعة لهذه العقيدة السليمة لهذا الدين، حتى لو كان صاحبها مكابراً وجاهلاً فإنه في وقت الأزمة لا يجد إلا الله تعالى معينا ومغيثا وملاذا وملجأ يهرع إليه كما أخبر عز وجل بقوله: {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ} (العنكبوت: 65)،

 وقوله عز وجل: {وَإِذَا مَسَّ الإِنسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَن لَّمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَّسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (يونس: 12)

وأصحاب الفطرة السليمة القويمة فإنها لا تطمئن ولا تركن إلا بذكر الله عز وجل كما قال تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} (الرعد: 28).

فالدين الإسلام هو فطرة الله التي فطر الناس عليها كما أخبر صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه أبو هريرة رضي الله عنه: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “‏مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلا يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ؛ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ، كَمَا تُنْتَجُ الْبَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ هَلْ تُحِسُّونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ، ثُمَّ يَقُولُ: {فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ}. (٢).

وحيثُ أن الدين مطلب إنساني ضروري لا بديل عنهُ في جميع نواحي الحياة البشرية، مرتكز في فطر الناس، حافظ لعقولهم، مهذب لأرواحهم، واصل بينهُم وبين خالقهم، منظم لشؤون حياتهم كلها، فلا يقبل عاقل بعد كل هذا مثل تلك المُهاترات السخيفة التي تزعمُ عدم الحاجة إليه ووجود ما يغني عنه

ولابد للإنسان أن يفهم قيمة دينه الحق وحاجته إليه,  إذ كرامة الله للشخص لا تأتي إلا بعد أن يُحقّق عبادة الله وحده وتقوى الله عز وجل ،
 قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ} [الحج: 18]
 
وأعظم درجة هي الاتصاف بالعبوديةو التقوى فكما قال تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [ الحجرات: 13] .

 والعاقل هو الذي  يعتبر بغيرهُ بأن يتوب  إلى الله  ويرجع إلى دينه الحق  بالعلم لأن الجاهل أصلا لا يعلم ما يذر مما يأخذ كما قال تعالى: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [النور: 31 ] .

كما يجب  أن يتغيَّر ليغيِّر الله خوفه أمناً وقحطه رخاءاً وذله عزاً كما قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ} [الرعد : 11] .

أما إن عاد إلى إضاعة دينه والطغيان فسيعيد الله عليه بأسه وغضبه :{وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ} [الشعراء: 227]
كما قال تعالى: {وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا} [الإسراء: 8)

ويجب علينا نشر الوعي في الدين بفتح كل القنوات أمام سريان مياهها بكل سهولة ويسر وتذليل العقبات أمامها يعد ضمانة هامة لتحقيق التوازن الروحي والإشباع النفسي لأفراد المجتمع جميعا؛ بحيث يكونون في حالة سلم مع الله ومع النفس ومن ثم مع المجتمع والناس.


........
(١)رواه مسلم رحمه الله في صحيحه،برقم [2807]
(٢)صحيح البخاري، تفسير القرآن، لا تبديل لخلق الله
تعليقات