الأثار المترتبة علي أستبداله الدين
مقدمة:
لقدأرسل الله في كل أمة رسولا منهم و أمرنا بإقامة الدين الذي يتمثل في علاقة الإنسان بنفسه وعلاقته بربه وعلاقته بمن حوله من الخلق؛ فهذه دوائر ثلاث إذا نحج الإنسان في إقامة القسط فيها ، قال تعالي: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ} (الحديد: 25).
لقد اجتمعت الرسالات السماوية كلها على تحقق الأمن والسلم المجتمعي الذي هو أحد مقاصد الشرائع السماوية ؛
كما يقول سيد قطب:فكل الرسالات جاءت لتقر في الأرض وفي حياة الناس ميزانا ثابتا ترجع إليه البشرية، لتقويم الأعمال والأحداث والأشياء والرجال، وتقيم عليه حياتها في مأمن من اضطراب الأهواء واختلاف الأمزجة، وتصادم المصالح والمنافع.. ميزانا لا يحابي أحدا لأنه يزن بالحق الإلهي للجميع، ولا يحيف على أحد لأن الله رب الجميع. (١).
وقد خُتمت هذه الرسالات جميعا بالرسالة الخالدة التي تنزلت على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ؛
وجاءت أهدافها ومقاصدها كلها بما فيه خير الدنيا والآخرة لمن تمسك بها وحرص على تطبيق أحكامها الشاملة في مختلف مناحي الحياة.
يقول ابن القيم رحمه الله:إنّ الشريعة مبناها وأساسها على الحِكَم ومصالح العباد في المعاش والمعاد، وهي عدْل كلها، ورحمة كلها، ومصالح كلها، وحكمة كلها؛ فكل مسألة خرجت عن العدْل إلى الجَوْر، وعن الرحمة إلى ضدها، وعن المصلحة إلى المفسدة، وعن الحكمة إلى العبث؛ فليست من الشريعة، وإن أُدخلت فيها بالتأويل.
فالشريعة عدل الله بين عباده، ورحمته بين خلقه، وظله في أرضه، وحكمته الدالة عليه وعلى صدق رسوله صلى الله عليه وسلم أتمّ دلالة وأصدقها، وهو نوره الذي أبصر به المبصرون، وهُداه الذي اهتدى به المهتدون، وشفاؤه التام الذي به دواء كل عليل، وطريقه المستقيم الذي من استقام عليه فقد استقام على سواء السبيل.(٢)
وأي اخلال بمقاصد الشريعة يؤدي الي الإخلال بحياة البشريةبكل نواحيها ؛ومن ذلك :
_ القلق والصراع النفسي:
إن أول الآثار التي يخلفها ضياع الدين وطمس الهوية في نفوس الأفراد هو القلق والحيرة والاضطراب والصراع النفسي.
وذلك أن داخل كل إنسان منا فطرة تلح عليه، وأسئلة تهجم علي عقلهِ: لماذا خلقنا؟ ومن خلقنا؟ وإلى أين نسير؟ وإذا كانت زحمة الحياة، وشغلها الشاغل يصرف الإنسان أحياناً عن الإمعان في جواب هذه الأسئلة، ويصطدم الإنسان بمواقف وهزات تحمله حملاً على التفكير في هذا السؤال، فالأمراض والكوارث، وفقد بعض الأهل والأحبة، والمصائب التي تصيب الإنسان
ولا بد تفرض على الإنسان أن يفكر في مصيره ومستقبله،
وذلك لما كان استبدال الدين او انتشار الالحاد عقيدة الجهلاء لأنه يقوم على افتراض عدم وجود إله فإنه لا يقدم شيئاً يخرج هذا الإنسان من الحيرة والقلق والالتباس ويبقى لغز الحياة محيراً للإنسان ويبقى رؤية الظلم والمصاعب التي يلاقيها البشر في حياتهم كابوساً يخيم على النفس ويظل الانسان عاجزاً عن فهم غاية الحياة والكون، ولايجد إلا مجموعة من الظنون والافتراضات لا تقنع عقلاً ولا تشفي غليلاً. ومع إلحاح نداء الفطرة الداخلي وتردد تلك الأسئلة الخالدة في النفس يظل الإنسان قلقاً معذباً.
وقد كان للإنسان قديماً فسحة من الوقت ليخلو بنفسه ويطالع السماء بنجومها، والبحر بروعته وسحره، والجبال بشموخها والصحراء بسعتها وامتدادها وروعتها. والزهر والنبات وبهجته، وكان ذلك يفيده كثيراً في الاستدلال على الرب والاعتراف بالصانع العظيم والخالق الكريم. ولكن الإنسان المعاصر أصبحت تحاصره المدينة بعمارتها الشامخة وطرقها الحديثة ومغرياتها فتشل فكره عن التفكير في الخالق والاستدلال على الله. فيزيد هذا في حيرته وارتباكه.
وأصبح الإنسان لا يجد من يشكو إليه قلقه ومشكلاته ولا يتصور أن يجد من يمد له يد العون لو زلت قدمه وأصابته مشكلة أو فاقة وبذلك تعاظم الخوف من المستقبل والحذر من الأيام، واهتم الناس بأنفسهم وأصبحوا حريصين ماديين يجمعون ويدخرون ولا ينفقون. ومع الخوف من المستقبل والحذر من الأيام زاد القلق والاضطراب والتوجع.
ولو كان ثمة إيماناً بالله وتصديقاً بالغيب ومعرفة بالقضاء والقدر لحلت هذه المشكلة
ومن الأثار المترتبة علي ضياع الدين او استبدالهُ:
_النزوع إلى الإجرام:
فعدم خوف الإنسان من إله قوي قادر يراقب تصرفاته وأعماله في هذه الأرض فهو عديم الإحساس قد فقد الوازع الذي يردعه عن الظلم ويأمره بالإحسان والرحمة. لا شك أن هذا المجتمع سيأكل بعضه بعضاً.وكل ذلك بسبب ضياع الدين .
_انهدام النظام الأسري:
فمن المعلوم أن الأسرة هي الخلية الأولى في النظام الاجتماعي. وعند فساد البشرية تفسد الروابط الأسرية فالزوج الفاسد المنحل لا بد وأن يمتد فساده إلى زوجته وأولاده، والزوجة الفاسدة التي لا تراقب الله سبحانه وتعالى ولا تخافه لا بد وأن ينعكس هذه على أسرتها كلها: زوجها وأولادها،
وكذلك الابن الفاسد الذي لا يراعي حرمة لوالد أو والدة، ولا حقاً لله سبحانه وتعالى،
وكذلك البنت الفاسدة وهكذا ابتدأنا نسمع في ظل الإلحاد المعاصر عن انهيار عقد الزواج الشرعي الشريف الذي يقصر المرأة على رجل واحد وتقيم علاقات متوازنة بين الأزواج ويوزع المسئولية في الأسرة توزيعاً عادلاً موافقاً للفطرة البشرية التي خلق الله عليها كلاً من الذكر والأنثى، وبانهيار عقد الزواج الشرعي أصبحت علاقات الأزواج علاقة متعة ومنفعة مجردة وبذلك قلت التضحيات التي لا بد منها فالزوج المخلص الوفي لا بد وأن يضحي بشيء من شهواته في سبيل أسرته، والزوجة الوفية كذلك التي قد تضطرها ظروفها أن تعيش مع زوج فقير أو مريض وأن تكافح لخدمة غيرها وتربية أولادها..
ولكن من ناحية ضياع الدين فإنه لن يبقي ما يحمل بالزوج أو الزوجة على التضحية والفداء. وكذلك الحال بالنسبة للأبناء أيضاً الذين يتعلمون في ظل التوحيد أن يعبدوا الله بالإحسان إلى آبائهم، وأن يجاهدوا في سبيل مرضاتهم وكفالتهم في أحوال العجز والكبر
ومن ناحية أخر العقيدة الإلحادية الفاسدة التي تقوم على النفعية المادية تنظر إلى خدمة الآخرين على أنه سخافة وغباء ما دام أنه لا يحقق نفعاً قريباً. وبهذا ماتت المشاعر الجميلة والروابط الطبيعية التي كانت تمسك بزمام الأسرة وتؤلف بين قلوب أفرادها.
إن المجتمع الحديث في ظل ضياع الدين وفقد الهوية وانتشار الالحاد أصبح شبيهاً بمجتمع الغابة الذي يحاول كل حيوان فيه أن يفترس الآخر وبهذا يلجأ الضعيف إلى التخفي والخداع ويلجأ القوي إلى البطش والقسوة والعنف.
والذين يطالعون أحوال المجتمع الغربي الآن يرون إلى أي حد أصبحت الجريمة عملاً يومياً، وسلوكاً منظماً متطوراً فبالرغم من توفر الزنا والرذيلة ينتشر الاغتصاب للنساء بصورة مذهلة،
وهكذا في ظل ضياع الدين وعدم مراقبة الله سبحانه وتعالى و عدم تذكر الآخرة تتحول المجتمعات إلى مستنقع آسن للرذيلة والفجور، وتصبح الجريمة عملاً يومياً ويصبح التحايل على القانون واستغلال النفوذ وظلم القادر للضعيف ونفاق الضعيف أمام القوي خلقاً وديناً ومنهجاً جديداً تسير عليه المجتمعات المنحلة البعيدة عن الله سبحانه وتعالى.
لعل أعظم آثار ضياع الدين هو آثاره في السياسة العالمية، ونظام العلاقات بين الدول. وذلك أن الأخلاق المادية جعلت قلب الإنسان يمتلئ بالقسوة والأنانية دفعت الإنسان إلى تطبيق هذه القسوة والأنانية في مجال العلاقات السياسية العالمية أيضاً.
وهكذا يصطلي العالم الآن بنار المادية الأنانية العالمية التي تمارسها الدول الاستعمارية الكبرى التي تقوم الآن على استعباد الشعوب ونهب خيراتها وإيقاعها فرائس للقلق والخوف والفوضى والاختلاف حتى يسهل عليهم استلاب خيراتها وسرقة ثرواتها.
والخوف كل الخوف بعد ذلك أن يتسبب فقد الدين وضياعهُ في تدمير العالم أجمع وذلك بعد وضع العلم الحديث في يد الإنسان أسلحة تستطيع تدمير العالم أجمع.
ومن يشاهد الآن ما تلجأ إليه الدول الكبرى لتدمير الشعوب الصغيرة يجد عجباً فهذه الدول تستخدم أسلحة رهيبة جداً لذلك كالمخدرات، والدعاية السوداء والحرب النفسية والنساء وتربية العملاء وكذلك القتل والتشريد لكل العناصر الطيبة المخلصة لأوطانها وأمتها.