حفظ اللسان
مقدمة :
حفظ اللسان عن المآثم والحرام عنوانٌ على استقامة الدين وكمال الإيمان؛ كما في الحديث عند الإمام أحمد وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
(لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه، ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه)، بل إن جوارح الإنسان كلها مرتبطة باللسان في الاستقامة والاعوجاج؛
فقد روى الترمذي في سننه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:(إذا أصبح ابن آدم فإن الأعضاء كلها تكفِّر اللسان، تقول : اتق الله فينا؛ فإنما نحن بك، فإن استقمت استقمنا، وإن اعوججت اعوججنا)،
قال الإمام النووي رحمه الله:معنى (تكفر اللسان) أي: تذل له وتخضع.
إن حفظ المرء للسانه، وقلة كلامه عنوان أدبه، وزكاء نفسه، ورجحان عقله، كما قيل في مأثور الحكم:
(إذا تم العقل نقص الكلام)،
وقال بعض الحكماء:(كلام المرء بيان فضله، وترجمان عقله، فاقصره على الجميل، واقتصر منه على القليل).
ما هو حفظ اللسان؟
المقصود بحفظ اللسان؛ هو ألا يتحدث الإنسان إلا بخير، ويبتعد عن قبيح الكلام، وعن الغيبة والنميمة والفحش، وغير ذلك.
والإنسان مسئول عن كل لفظ يخرج من فمه؛ حيث يسجله الله ويحاسبه عليه، قال تعالى:(ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد) [ق: 18].
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(إذا أصبح ابن آدم فإن الأعضاء كلها تُكَفِّر اللسان "تذل له وتخضع" تقول: اتق الله فينا، فإنما نحن بك، فإن استقمتَ استقمنا، وإن اعوَجَجْتَ اعوَجَجْنَا) [الترمذي].
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(لا يستقيمُ إيمان عبد حتى يستقيمَ قلبه، ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه) [أحمد].
وقال ابن مسعود رضي الله عنه: والذي لا إله غيره، ما على ظهر الأرض شيء أحوج إلى طول سجن من لسان.
وهناك أمور أباح الإسلام فيها للمسلم أن يذكر عيوب الآخرين، ولا يعد هذا من قبيل الغيبة التي يعاقَب عليها المرء، وهذه الأمور هي:
- التظلم إلى القاضي أو الحاكم: فيجوز للمظلوم أن يشكو إلى القاضي أن غيره قد ظلمه.
- تغيير المنكر ورد العاصي إلى الرشد والصواب: فيجوز للمسلم أن يقول: فلان يفعل كذا وكذا من المنكر حتى يزدجر ويرجع عما يفعله، طالما أنه لا يستجيب لنصح ولا ينفع معه ستر،
ولكن يشترط أن يكون القصد هو تغيير المنكر وليس التشهير بالعاصي.
- تحذير المسلمين من الشر ونصيحتهم:
فيجوز للمسلم أن ينصح أخاه بالابتعاد عن أحد الأشخاص لما فيه من صفات ذميمة تجلب الشر والخسران.
- المجاهرة بالفسق والبدع:
فإذا كان من الناس مَنْ يفعل الذنوب علانية؛ كأن يشرب الخمر، أو يظلم الناس، فإنه يجوز ذكر عيوبه؛ حتى يرتدع ويرجع إلى الله.
- التعريف: فإذا كان بعض الناس لا يعرف إلا بلقب يسمى به بين الناس كأن نقول: فلان الأعمش أو الأحول، فإن ذلك يجوز إذا كان الغرض معرفة الإنسان، ولا يجوز إذا كان الغرض سبه وتنقيصه.
وكما قال الحسن رحمه الله: لا غيبة إلا لثلاثة: فاسق مجاهر بالفسق، وذي بدعة، وإمام جائر.
عن زيد بن أسلم ، عن أبيه ، قال : رأيتُ أبا بكر الصدِّيق رحمه الله آخذًا بطرف لسانه ، فقال : هذا أوردني الموارد.
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه :
قال أبو هريرة رضي الله عنه :
قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه :
البلاء موكل بالقول.
وقال أيضًا: والذي لا إله غيره ما على الأرض شيء أحوج من طول سجن من لسان.
وقال أيضًا : أنذركم فضول كلامكم ، حسب امرئ من الكلام ما بلغ به حاجته.
وقال لابنه : يا بني...اخزِنْ لسانك.
وجاء إليه رجل فقال له : أوصني يا أبا عبد الرحمن ، فقال له : ليسعك بيتُك ، واكفُفْ لسانَك ، وابْكِ على ذكْرِ خطيئتك.
قال أبو الدرداء رضي الله عنه :
كان عمَّار بن ياسر رضي الله عنه:
قال سلمان رضي الله عنه :
قال ابن عباس رضي الله عنهما :
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال :
قال عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما : كان يقال : دَعْ ما لست منه في شيء ، ولا تنطق فيما لا يعنيك ، واخزِن لسانَك كما تخْزِن ورِقَك.
قال كعب الأحبار رضي الله عنه:
قال رجل لأبي سعيد الخُدْري رضي الله عنه :
قال مورق العجلي رحمه الله:
قال عبد الله بن أبي زكريا رحمه الله :
كان عطاء بن أبي رباح : يطيل الصمت.
قال رجل لأيوب السختياني رحمه الله :
قال الأوزاعي رحمه الله:
قال شفيُّ بن ماتع رحمه الله:
قال الفضيل بن عياض رحمه الله :
قال أبو بكر بن عياش رحمه الله:
قال القاسم بن عثمان الجوعي رحمه الله :
بدر بن المنذر ، قال عنه الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله:
قال سفيان الثوري رحمه الله:
قال لقمان عليه السلام :
يا بني : كن أخرس عاقلًا ، ولا تكن نطوقًا جهولًا.
يا بني : لو أن الكلام من فِضَّة ، فإن السكوت مِن ذَهَب.
يا بني : قد ندمت على الكلام ، ولم أندم على الصمت.
قيل له : ما حكمتك؟ قال : لا أسأل عما كفيت ، ولا أتكلَّف ما لا يعنيني.
قال إبراهيم بن أدهم رحمه الله:
قال بشر بن الحارث الحافي رحمه الله :
قال سلمة بن دينار رحمه الله:
قال وهيب بن الورد رحمه الله:
قال حكيم :
قال الفضيل بن عياض رحمه الله :
قال ابن سيرين رحمه الله :
قال الإمام مالك رحمه الله:
وكان يعيب كثرة الكلام ، ويقول :
قال زبيد اليامي رحمه الله :
قال أكثم بن صيفي رحمه الله:
قال الأحنف رحمه الله :
قال عبد الله بن عون رحمه الله :
عن عطاء قال :
قال بعض قُضاة عمر بن عبد العزيز ، وقد عزله ، لِمَ عزلتني؟ فقال :
قال محمد بن عجلان رحمه الله :
تكلَّم ربيعة يومًا فأكثر الكلامَ وأعجبَتْه نفسُه ،وإلى جنبه أعرابي ، فقال له : يا أعرابي ،ما تعُدُّون البلاغة؟ قال : قلة الكلام ، قال : فما تعُدُّون العيَّ فيكم؟
قال الحسن رحمه الله:
ما نظرْتُ ببصري ، ولا نطقتُ بلساني ، ولا بطشتُ بيدي ، ولا نهضْتُ على قدمي ؛ حتى أنظر : أعلى طاعة أو معصية؟ فإن كانت طاعة تقدَّمْتُ ، وإن كانت معصيةً تأخَّرْتُ.
وقال أيضًا: ابن آدم بسطت لك صحيفتك ، ووكل بها مَلَكانِ كريمانِ ، يكتبان أعمالك ، فاعمل ما شئت وأكثِر وأقِلَّ.
وقال أيضًا: مَن كثُر كلامُه كثُر كذبُه ، ومَن كثُر كذبُه كثُرت ذنوبُه.
قال إبراهيم التيمي رحمه الله :
قال عطاء بن رباح رحمه الله :
قال طاوس رحمه الله:
قال شبيب بن شيبةرحمه الله:
قال خالد بن صفوان لرجل كثير كلامه :
قال الإمام ابن قتيبةرحمه الله:
قال الإمام ابن حزم رحمه الله :
الواجب على العاقل أن يلزم الصمت إلا أن يلزمه أن يتكلَّم ، فما أكثر مَنْ ندم إذا نطق! وأقل مَنْ يندم إذا سكت! وأطول الناس شقاءً وأعظمهم بلاءً : من ابتُلي بلسان مطلق، وفؤاد مطبق! ولسان العاقل يكون وراء قلبه ، فإذا أراد القول رجع إلى القلب ، فإن كان له قال ، وإلَّا فلا.
وقال أيضًا: العاقل لا يبتدئ الكلام إلا أن يُسأل ، ولا يقول إلا لمن يقبل ، ولا يُجيب إذا شوتم ، ولا يُجازي إذا أُسمِع ؛ لأن الابتداء بالصمت وإن كان حسنًا ، فإن السكوت عند القبيح أحسن منه.
وقال أيضًا :الواجب على العاقل أن يروِّض نفسه على ترك ما أُبِيح له من النطق ؛ لئلا يقع في المزجورات فيكون حتفه فيما يخرج منه.
قال الإمام الماوردي رحمه الله :
مَن سكتَ عمَّا لا يعلم سلِمَ ، ومَن تكلَّم بما عَلِم غَنِم.
قال بعض البلغاء :
وقد قيل :ليعلم أن الحاجة إلى الصمت أكثرُ من الحاجة إلى الكلام ؛ لأن الحاجة إلى الصمت عامَّة ، والحاجة إلى الكلام عارضةٌ ؛ فلذلك وجب أن يكون صمتُ العاقل في الأحوال أكثرَ كلامِه في كل حال.
وقد قيل : قلَّ مَن كثُر كلامُه إلَّا كثُر ندمُه ،
وقد قيل : مَن أعجب بقوله أُصيب بعقلِه.
الكلامُ بالخير أفضلُ من السكوت ، والسكوتُ خيرٌ من الكلام بالباطل.
وقال أيضًا: قولُ الخير أفضلُ من الصمت ؛ لأن قول الخير غنيمةٌ ، والسكوتُ سلامةٌ ، والغنيمةُ أفضلُ من السلامة ، وكذلك قالوا : قُلْ خيرًا تغنَمْ ، واسكُتْ عن شرٍّ تَسْلَمْ.
معنى قيل وقال -والله أعلم- : الحديث بما لا معنى له ، ولا فائدة فيه ، من أحاديث الناس التي أكثرها غيبة ، ولغط ، وكذب ، ومَن أكثرَ من القيل والقال مع العامَّة لم يسلم من الخوض في الباطل ، ولا من الاغتياب ، ولا من الكذب.
وقال أيضًا: قبيح الكلام.... سلاحُ اللئام.
اعلم أن أحسن أحوالك أن تحفظ ألفاظك، ولا تتكلَّم بما أنت مُستغنٍ عنه ، ولا حاجة بك إليه ، فإنك مُضيِّعٌ به زمانك ، ومحاسبٌ على عمل لسانك.
وقال أيضًا :حدُّ الكلام فيما لا يعنيك أن تتكلَّم بكلام لو سكتَّ عنه لم تأثم ، ولم تستضر به في حال ولا مال ، مثاله : أن تجلس مع قوم فتذكر لهم أسفارك ، وما رأيتَ فيها من جبال وأنهار ، وما وقع لك من الوقائع ، وما تعجَّبت منه ، فهذه أمور لو سكتَّ عنها لم تأثم ، ولم تستضر ، ومن جملتها : أن تسأل غيرك عمَّا لا يعنيك ، فأنت بالسؤال مُضيِّعٌ وقتَك ، وقد ألجأت صاحبك أيضًا بالجواب إلى التضييع.
وقال أيضًا: فضول الكلام... مذموم ، وهذا يتناول الخوض فيما لا يعني ، والزيادة فيما يعني على قدر الحاجة ، فإن من يُغنيه أمرٌ يُمكِنُه أن يذكره بكلامٍ مختصرٍ ، ومهما تأتَّى مقصوده بكلمة واحدة فذكر كلمتين ، فالثانية فضول- أي : فضل عن الحاجة- وهو أيضًا مذموم- لما سبق - وإن لم يكن فيه إثم ولا ضرر.
وقال أيضًا: الكلام في المعاصي ؛ كحكاية أحوال النساء ، ومجالس الخمر ، ومقامات الفُسَّاق ، وتنعُّم الأغنياء ، وتجبُّر الملوك ، ومراسمهم المذمومة ، وأحوالهم المكروهة ، فإن كل ذلك بما لا يحل الخوض فيه ، وهو حرام.
وقال أيضًا: الفحش وبذاءة اللسان... مذمومٌ منهيٌّ عنه ، ومصدره الخبث واللؤم ، فأمَّا حدُّه وحقيقتُه فهو التعبير عن الأمور المستقبحة بالعبارات الصريحة ، وأكثر ذلك يجري في ألفاظ الوقاع ، وما يتعلق به ، فإن لأهل الفساد عبارات صريحة فاحشة يستعملونها ، وأهل الصلاح يتحاشون عنها ، بل يُكَنُّون عنها ، والباعث على الفحش إما قصد الإيذاء ، وإما الاعتياد الحاصل من مخالطة الفُسَّاق ، وأهل الخبث واللؤم.
قال الإمام النووي رحمه الله :
ينبغي لمن أراد النطق بكلمةٍ ، أو كلامٍ ، أن يتدبَّره في نفسه ، قبل نطقه ، فإن ظهرت مصلحةٌ تكلَّم ، وإلَّا فأمْسَك.
وقال أيضًا: الكلمة الطيبة سببٌ للنجاة من النار ، وهي الكلمة التي فيها تطيب قلب الإنسان ، إذا كانت مباحةً ، أو طاعة.
وقال أيضًا: ينبغي للإنسان ألَّا يتكلَّم إلَّا بخيرٍ ، فأمَّا الكلام المباح الذي لا فائدة فيه فيُمسِك عنه مخافة من انجراره إلى حرامٍ أو مكروه.
وقال أيضًا : ينبغي الإمساك عن الكلام الذي ليس فيه خيرٌ ولا شرٌّ ؛ لأنه مما لا يعنيه ، ومن حسن إسلام المرء تركُه ما لا يعنيه.
وقال أيضًا: الآثار التي في الباب ففيها الزجر عن التحديث بكل ما سمِعَ الإنسان ، فإنه يسمع في العادة الصدق والكذب ، فإذا حدَّث بكل ما سَمِع فقد كذب لإخباره بما لم يكن.
الأقوال التي ذمَّها الله في كتابه أكثر من أن تُعَدَّ ؛ كالكلام الخبيث ، والقول الباطل ، والقول عليه بما لا يعلم القائل ، والكذب ، والافتراء ، والغيبة ، والتنابُز بالألقاب ، والتناجي بالإثم والعدوان ومعصية الرسول ، وتبييت ما لا يرضى من القول ، وقول العبد بلسانه ما ليس في قلبه ، وقوله ما لا يفعله ، وقول اللغو ، وقول ما لم يُنزل به سلطانًا ، والقول المتضمن للشفاعة السيئة ، والقول المتضمن للمعاونة على الإثم والعدوان ، وأمثال ذلك من الأقوال المسخوطة والمبغوضة للربِّ تعالى ، التي كُلُّها قبيحةٌ لا حسن فيها ولا أحسن.
وقال أيضًا :جعل سبحانه على اللسان غلقين : أحدهما الأسنان ، والثاني الفم ، وجعل على العين غِطاءً واحدًا ، ولم يجعل على الأُذُن غِطاءً ؛ وذلك لخطر اللسان وشرفِه وخطرِ حركاته ، وفي ذلك من اللطائف ؛ فإن آفةَ الكلام أكثرُ من آفة النظر ، وآفة النظر أكثرُ من آفة السَّمْع ؛ فجعل للأكثر آفات طبقتين ، وللمتوسط طبقًا واحدًا ، وجعل الأقل آفةً بلا طبق.
وقال أيضًا: في اللسان آفتانِ عظيمتانِ : إن خلص من إحداهما لم يخلص من الأخرى : آفة الكلام ، وآفة السكوت ، وقد يكون كل منهما أعظم إثمًا من الأخرى في وقتها ، فالساكت عن الحق شيطان أخرس ، عاصٍ لله مُراءٍ مُداهِن ؛
من علم أن كلامه من عمله ، قلَّ كلامُه إلَّا فيما يعنيه وينفعه.
وقال أيضًا : من لم يعد كلامه من عمله كثُرت خطاياه.
قال الحافظ ابن رجب رحمه الله :
يعرض على ابن آدم يوم القيامة ساعات عمره ، فكل ساعةٍ لم يذكر الله فيها ، تتقطَّع نفسُه عليها حسراتٍ ؛ فمن هنا يعلم أن ما ليس بخيرٍ من الكلام ، فالسكوتُ عنه أفضلُ من التكلُّم به ، اللهم إلا ما تدعو إليه الحاجة ، مما لا بُدَّ منه.
الإكثار من الكلام الذي لا حاجة إليه ، يوجِبُ قساوةَ القلب.
النبي صلى الله عليه وسلم أمرَ بالكلامِ بالخير ، والسكوت عمَّا ليس بخيرٍ ، فليس الكلامُ مأمورًا به على الإطلاق ، ولا السكوت كذلك ؛ بل لا بُدَّ من الكلام بخير ، والسكوت عن الشَّرِّ ، وكان السلف كثيرًا ما يمدحون الصمت عن الشرِّ ، وعمَّا لا يعني ؛ لشِدَّته على النفس ؛ ولذلك يقع فيه الناس كثيرًا ، فكانوا يعالجون أنفسهم ويجاهدونها على السكوت عمَّا لا يعنيها.
مِن حُسْن إسلامه تركُ ما لا يعينه من قولٍ وفِعْلٍ ، واقتصر على ما يعينه من الأقوال والأفعال.
وأكثرُ ما يرادُ بترك ما لا يعني ؛حفظُ اللسان من لَغْوِ الكلام.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
قوله تعالى : ﴿وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ﴾ [الفرقان: 63] ؛ أي : خطاب جهل ، ﴿ قَالُوا سَلَامًا ﴾ [هود: 69] ؛ أي : خاطبوهم خطابًا يسلمون فيه من الإثم ، ويسلمون من مقابلة الجاهل بجهله ، وهذا مدح لهم بالحلم الكثير ، ومقابلة المسيء بالإحسان ، والعفو عن الجاهل ، ورزانة العقل الذي أوصلهم إلى هذه الحال.
وقوله تعالى : ﴿ وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ ﴾ [الفرقان: 72] ؛ أي : لا يحضرون الزور ؛ أي : القول والفعل المُحرَّم ، فيجتنبون جميع المجالس المشتملة على الأقوال المُحرَّمة ، أو الأفعال المُحرَّمة ؛ كالخوض في آيات الله ، والجِدال بالباطل ، والغيبة ، والنميمة ، والسبِّ ، والقذف ، والاستهزاء ، والغناء المُحرَّم ، وشرب الخمر ، وفرش الحرير ، والصور ، ونحو ذلك ، وإذا كانوا لا يشهدون الزور فمن باب أوْلى وأحْرى ألَّا يقولوه ويفعلوه ، وشهادة الزور داخلة في قول الزور ، تدخل في هذه الآية بالأولوية.
وقوله تعالى : ﴿ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ ﴾ [الفرقان: 72] ، وهو الكلام الذي لا خير فيه ، ولا فيه فائدة دينية ، ولا دنيوية ؛ ككلام السفهاء ، ونحوهم ﴿ مَرُّوا كِرَامًا ﴾ [الفرقان: 72] ؛ أي : نزَّهُوا أنفسَهم وأكرموها عن الخوض فيه ، ورأوا أن الخوض فيه وإن كان لا إثم فيه ، فإنه سفه... فربأوا بأنفسهم عنه ، وفي قوله : ﴿ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ ﴾ [الفرقان: 72] إشارة إلى أنهم لا يقصدون حضوره ، ولا سماعه ؛ ولكن عند المصادفة التي من غير قصد يكرمون أنفسهم عنه.
قال العلامة العثيمين رحمه الله :
قال الشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ رحمه الله:
قال الشيخ سعد بن ناصر الشثري رحمه الله :
مما يتعلق بهذا أن نحفظ ألسنتنا عن الكلام في الخلق ، فلا نتكلم في أحد مهما استطعنا إلى ذلك سبيلًا ، والكلام في الآخرين قدحًا وسبًّا إنما يكون عند الحاجة الشرعية والمقتضى الشرعي لمثل ذلك ، ومتى تمكَّنَّا من عدم ذكر أولئك الأشخاص الذين يكون عليهم ملحوظات فهو أولى وأحسن ؛
الواجب على المؤمن أن يجتهد في حفظ لسانه مما حرم الله من الغيبة والنميمة والفحش والسب ونحو ذلك، والكذب ونحو ذلك،
ويجتهد في حفظ وقته بطاعة الله، وذكر الله، وقراءة القرآن، ونحو ذلك، أو السكوت حتى لا يقع في المهالك والمعاصي،
يجتهد في حفظ جوارحه، ومن أهمها اللسان من كل ما يغضب الله، ويجتهد في إشغالها بطاعة الله، بما أوجب الله، وبما شرع الله من صلاة وقراءة وذكر وغير ذلك مما ينفعه، ويحذر شغل لسانه بما يضره من غيبة أو نميمة أو سب لأحد، أو غير هذا مما حرمه الله.
فعليه أن يتقي الله، وأن يجاهد نفسه في ذلك؛ حتى يستقيم على الحق، وحتى يدع ما حرم الله على بصيرة، ويسأل ربه التوفيق والإعانة، والله سبحانه هو الموفق والمعين ،قال تعالي:(ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) [غافر:60]،
فالمؤمن يسأل ربه، ويستعين به، ويتوجه إليه بقلبه وقالبه في أن يعينه على الخير، وعلى حفظ جوارحه عما حرم الله، وأن يعينه على استعمالها في طاعة الله