كيف نستقبل رمضان؟


كيف نستقبل رمضان؟

مقدمة:

إن المؤمن الحق تجده دائمًا ساعيًا في مرضاة ربه ، مستثمرًا لمواسم الخير والبر ، فلا يفوت فرصة إلا وقد أحدثت فيه تغييرًا ؛ إما أن تُحدِثَ زيادة في إيمانه ، أو تقويمًا لسلوكه.

وشهر رمضان من أعظم مواسم الخيرات ، وأكثرها تأثيرًا في استقامة النفوس على طاعة خالقها ومدبرها ، ومَن هو أعلم بما يصلحها ويهذبها ؛ فمن صام رمضان بحقٍّ أحدث فيه ذلك تغييرًا ولا بد ؛ ولذلك كان لزامًا على المسلم أن يتفكر كيف يستفيد من هذه الفرصة العظيمة ، وألَّا يضيِّعها كما ضاعت في سنوات مضت.

لذلك ينبغي للمسلم أن لا يفرط في مواسم الطاعات , وأن يكون من السابقين إليها ومن المتنافسين فيها , قال الله تعالى : { وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ} الآية ( المطففين : 26 )

ولذا كان هذا المقال المختصر في بيان كيف نستقبل رمضان بما يعين على قطف الثمار.

رمضان شهر التوبة :

من أعظم مكائد الشيطان أن يوهمك أنك بلا ذنب ، وظنك أنك بلا ذنبٍ ذنبٌ ؛ وذلك لأن سيد ولد آدم صلى الله عليه وسلم قال :كل ابن آدم خطَّاء ، وخير الخطائين التوابون.(رواه الترمذي (2499، وحسنه الألباني)

فدل ذلك على أنه لا يخلو عبدٌ من ذنب ، فإياك إياك أن يخدعك عدوك فيوهمك أنك بلا ذنب ؛ ظنًّا منك أن الذنوب مقصورة على الكبائر ؛فإن الإصرار على الصغائر يجعلها كبائر ؛
كما قال بعض السلف :"لا صغيرة مع إصرار ، ولا كبيرة مع استغفار " ،
وقلب المؤمن كالمرآة يغبرها أقل ضباب ويحجب رؤيتها.

وفي رمضان تتيسر فرصة التوبة أكثر من أي وقت آخر وذلك لأن الشياطين مقيدة ؛
 قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :إذا جاء رمضان ، فُتحت أبواب الجنة ، وغُلقت أبواب النار ، وصُفدت الشياطين.(متفق عليه)

فأبواب الرحمة مشرعة ،وأبواب العذاب موصدة ، ومردة الشياطين موثقة ، فما بقي عليك يا عبد الله إلا أن تسعى في علاج نفسك الأمارة بالسوء ، والدنيا المزخرفة بمتاع الغرور ؛ فتنجو وتسلم بفضل إعانة أرحم الراحمين لك :( إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ) [الفاتحة: 5] ، وبتحفيز الملائكة الكرام لك:( إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ) [فصلت: 30] ، فلا تظننَّ أنك تنجو بغير تمام الاستعانة بربك ، وتذكر دومًا :(اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك) ، فوالله لولا فضل ربنا ما اهتدينا ، وما صمنا ولا صلينا.

والتوبة أشرف الأعمال وأجلها وأحبها إلى الله ؛
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
لله أشد فرحًا بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة ، فانفلتت منه وعليها طعامه وشرابه ، فأيس منها ، فأتى شجرةً ، فاضطجع في ظلها قد أيس من راحلته ، فبينا هو كذلك إذا هو بها قائمةً عنده ، فأخذ بخطامها، ثم قال من شدة الفرح : اللهم أنت عبدي ، وأنا ربك ، أخطأ من شدة الفرح؛(خ: 6308، م: 2747)

فأي شرف أعظم من أن يفرح ربك لعمل عملته؟ وأي سعادة تغمر قلب المؤمن حين يتأمل قلبه هذه الكرامة العظيمة؟ فإياك إياك أن تسوِّفَ التوبة ؛فإن الموت يأتي بغتة .
  قال ابن القيم رحمه الله :منها أن المبادرة إلى التوبة من الذنب فرض على الفور ، ولا يجوز تأخيرها ، فمتى أخرها عصى بالتأخير ، فإذا تاب من الذنب بقي عليه التوبة من التأخير ، وقلَّ أن تخطر هذه ببال التائب ، بل عنده أنه إذا تاب من الذنب ، لم يبق عليه شيء آخر.

يقول الله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [البقرة 183] ،
فوضَّح سبحانه وتعالى أن الغاية الحقيقية من الصيام هى الوصول إلى التقوى.

والتقوى هي :أنْ تجعل بينك وبين غضب الله وعذابه وقاية ، وذلك بفعل الطاعات (بألوانها وأشكالها) ، واجتناب المعاصى (صغيرها وكبيرها).

أو بمعنى آخر : أن يجدكَ اللهُ حيث أمرك وألا يجدكَ حيث نهاك.

وهنا نقف لنتسائل :هل خرج كلُ واحدٍ منا بالتقوى من رمضان الماضى؟!
هل أثرَّ فينا رمضان الماضى حقاً؟!
أقول بكل أسف : كم من رمضان ضاعَ منا دونَ أنْ نخرج منه بالتقوى.

ولذلك تجد أنه كلما اقترب شهرُ رمضان... كلما اقترب الخوف من قلب العبد المؤمن:

كيف استعددت؟؟ كيف سأستقبل رمضان؟
هل سأكونُ من الفائزين فيه أم سأكونُ من الخاسرين؟

فلذلك وحتى يتحول هذا الخوف إلى أمان لابد أنْ تحدد هدفك من الآن....

- الدعاء بأن يبلغك الله شهر رمضان وأنت في صحة وعافية؛
حتى تنشط في عبادة الله تعالى، من صيام وقيام وذكر , فقد روي عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل رجب قال:( اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان )رواه أحمد والطبراني.
وكان السلف الصالح يدعون الله أن يبلغهم رمضان ،ثم يدعونه أن يتقبله منهم .

  فإذا أهل هلال رمضان فادع الله وقل :( الله أكبر اللهم أهله علينا بالأمن والإيمان والسلامة والإسلام , والتوفيق لما تحب وترضى ربي وربك الله )رواه الترمذي , والدارمي , وصححه ابن حيان 

ـ الحمد والشكر على بلوغه ؛
قال النووي رحمه الله في كتاب الأذكار : ( اعلم أنه يستحب لمن تجددت له نعمة ظاهرة ،أو اندفعت عنه نقمة ظاهرة أن يسجد شكراً لله تعالى، أو يثني بما هو أهله )
وإن من أكبر نعم الله على العبد توفيقه للطاعة، والعبادة فمجرد دخول شهر رمضان على المسلم وهو في صحة جيدة هي نعمة عظيمة ،تستحق الشكر والثناء على الله المنعم المتفضل بها ،فالحمد لله حمداً كثيراً كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه .

-الفرح والابتهاج؛
ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يبشر أصحابه بمجئ شهر رمضان فيقول :( جاءكم شهر رمضان، شهر رمضان شهر مبارك كتب الله عليكم صيامه فيه تفتح أبواب الجنان وتغلق فيه أبواب الجحيم ... الحديث)أخرجه أحمد .
وقد كان سلفنا الصالح من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعين لهم بإحسان يهتمون بشهر رمضان ،ويفرحون بقدومه ، وأي فرح أعظم من الإخبار بقرب رمضان موسم الخيرات، وتنزل الرحمات .

- العزم والتخطيط المسبق للاستفادة من رمضان؛
 الكثيرون من الناس وللأسف الشديد حتى الملتزمين بهذا الدين يخططون تخطيطاً دقيقاً لأمور الدنيا، ولكن قليلون هم الذين يخططون لأمور الآخرة ،
وهذا ناتج عن عدم الإدراك لمهمة المؤمن في هذه الحياة ،ونسيان أو تناسى أن للمسلم فرصاً كثيرة مع الله ومواعيد مهمة لتربية نفسه حتى تثبت على هذا الأمر ومن أمثلة هذا التخطيط للآخرة،
 التخطيط لاستغلال رمضان في الطاعات والعبادات، فيضع المسلم له برنامجاً عملياً لاغتنام أيام وليالي رمضان في طاعة الله تعالى .

- عقد العزم الصادق على اغتنامه وعمارة أوقاته بالأعمال الصالحة؛ 
فمن صدق الله صدقه وأعانه على الطاعة ويسر له سبل الخير , قال تعالي :(فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ )[ محمد : 21}

-العلم والفقه بأحكام رمضان ؛
فيجب على المؤمن أن يعبد الله على علم ،ولا يعذر بجهل الفرائض التي فرضها الله على العباد ،
ومن ذلك صوم رمضان فينبغي للمسلم أن يتعلم مسائل الصوم وأحكامه قبل مجيئه ، ليكون صومه صحيحاً مقبولاً عند الله،
قال تعالي:(فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ)[ الأنبياء :7]

- أن نستقبله بالعزم على ترك الآثام والسيئات والتوبة الصادقة من جميع الذنوب؛والإقلاع عنها وعدم العودة إليها , فهو شهر التوبة فمن لم يتب فيه فمتى يتوب ؟ قال تعالى :{ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}[ النور : 31].

- التهيئة النفسية والروحية من خلال القراءة والاطلاع على الكتب والرسائل؛ وسماع الأشرطة الإسلامية من المحاضرات والدروس التي تبين فضائل الصوم وأحكامه حتى تتهيأ النفس للطاعة فيه فكان النبي صلى الله عليه وسلم يهيء نفوس أصحابه لاستغلال هذا الشهر ، فيقول في آخر يوم من شعبان : جاءكم شهر رمضان ... إلخ الحديث أخرجه أحمد والنسائي ( لطائف المعارف ).

- أن تكون عازماً على أن تخرج من رمضان من ذنوبك كيوم ولدتك أمك.


لابد من وجود الهِمَّة العالية التي تتفجَّر من عُلوّ الهدف:  (الفردوس الأعلى من الجنة) :
 فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : في الجنة مائة درجة ، ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض ، والفردوس أعلاها درجة ، منها تَفَجَّرُ أنهارُ الجنة الأربعة ، ومن فوقها يكون العَرش ، فإذا سألتُمُ اللهَ فاسألوهُ الفردوس.(انظر مِشكَاة المصابيح: 1/273).

- أنْ تضع لنفسك منهجاً للعبادة يجعلُك من الأوائل فى رمضان.

ولذلك لابد من أن تُحسن استقبال هذا الشهر الكريم قبل مجيئهِ بفترة من الزمن ، لأنك لا تدرى.. فربما يكونُ هذا آخرُ رمضان في حياتك فتكون آخر فرصة للعِتق من النار ، فينبغى ألا تضيعها كما ضيعت غيرها.

فهل وضعتَ لنفسك خِطة للعبادة في رمضان؟

- الإعداد الجيد للدعوة إلى الله فيه ، من خلال؛
١- تحضير بعض الكلمات والتوجيهات تحضيراً جيداً لألقائها في مسجد الحي .

٢- توزيع الكتيبات والرسائل الوعظية والفقهية المتعلقة برمضان على المصلين وأهل الحي .

٣ـ إعداد ( هدية رمضان) وبإمكانك أن تستخدم في ذلك ( الظرف) بأن تضع فيه شريطين وكتيب , وتكتب عليه (هدية رمضان) .

٤- التذكير بالفقراء والمساكين , وبذل الصدقات والزكاة لهم .

ماذا تريدُ من رمضان هذا العام؟

 أن تكون عازماً على أنْ تكون عتيق الرحمن فى أول ليلة من ليالى رمضان؛ (أي من أذان مغرب آخر يوم من شعبان إلى فجر أول يوم من أيام رمضان) ،
لأن هذه الليلة يغفل عنها كثيرٌ من الناس ، فلذلك ينبغى أنْ تغتنم هذه الفرصة حق الاغتنام ، فتبذل في هذه الليلة كل طاقتك فى عبادة ربك ، حتى تكون من أول العُتَقاء بمشيئة الله ،
لأن العتق من النار ليس بالأمر الهيّن ، حيث إن معنى عِتقك من النار :
(أن آيات العذاب لم تصبح لك... فلا حميم ولا زَقوم ، ولا رُعبَ ولا فزَعَ تخشاهُ بعد اليوم) ، أنت فقط تستعد لِوَضْع رحالِكَ في الجنة.. يعني تَمشي على الأرض وأنت من أهل الجنة (يا سعادة قلبك إذا أعتقك الله).


الخلاصة :
نستقبل رمضان بفتح صفحة بيضاء مشرقة مع :
- الله سبحانه وتعالى بالتوبة الصادقة .

- الرسول صلى الله عليه وسلم بطاعته فيما أمر واجتناب ما نهى عنه وزجر .

- مع الوالدين والأقارب , والأرحام والزوجة والأولاد بالبر والصلة .

- مع المجتمع الذي تعيش فيه حتى تكون عبداً صالحاً ونافعاً قال صلى الله عليه وسلم :( أفضل الناس أنفعهم للناس ) .

-هكذا يستقبل المسلم رمضان استقبال الأرض العطشى للمطر واستقبال المريض للطبيب المداوي , واستقبال الحبيب للغائب المنتظر.

فنسألُ الله باسمهِ الأعظم... الذي إذا دُعيَ به أجاب..أن يجعلنا من عُتقائهِ من النار في رمضان
تعليقات