فضائل ليلة القدر
مقدمة :
امتن الله على هذه الأمة بأن خصها بليلة شريفة مُباركة في شهر رمضان من كل عام ، وبخاصة في العشر الأخيرة منه ، هذه الليلة هي ليلة القدر التي قال الله فيها :(ليْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ )[القدر: 3] ، ووصفها بأنها ليلة مُباركة ،
فقال تعالى:(إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ) [الدخان: 3].
سبب تسمية هذه الليلة بليلة القدر
اختلف العلماء رحمهم الله تعالى في معنى (القدر) الذي سُميت به هذه الليلة الشريفة على عدة أقوال ، ذهب إلى كل واحد منها جماعة من الأئمَّة ، أشهرها ثلاثة الأقوال ، هي :
القول الأول :أن القدر بمعنى التقدير ؛
والمراد : أن هذه الليلة الشريفة تُقدَّر فيها مَقادير الخلائق ، والمراد بهذا التقدير : التقدير السنوي ،وهو ما يكون بين يدي الملائكة الكرام عليهم السلام كل عام من ليلة القدر إلى التي تليها من العام الآخَر ؛
قال تعالى :( فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ) [الدخان: 4] ، أما التقدير الأول العام فقد كان قبل خَلقِ السموات والأرض بخَمسين ألف سنَة.
القول الثاني : أن القدر بمعنى الشرف وعلوِّ المنزلة ؛ والمراد : أن هذه الليلة شريفة عند الله ومن شرفها أن أنزل فيها كتابه الكريم ، وجعلها خيرًا من ألف شهر.
القول الثالث : أن القدر بمعنى التضييق ؛
القول الثاني : أن القدر بمعنى الشرف وعلوِّ المنزلة ؛ والمراد : أن هذه الليلة شريفة عند الله ومن شرفها أن أنزل فيها كتابه الكريم ، وجعلها خيرًا من ألف شهر.
القول الثالث : أن القدر بمعنى التضييق ؛
والمراد : أن هذه الليلة الشريفة يكثُر فيها تَنزُّل الملائكة الكرام عليهم السلام إلى الأرض حتى تضيق بهم ، وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في ليلة القدر :
(إن الملائكة تلك الليلة في الأرض أكثر من عدد الحصى) رواه الطيالسي وأحمد ، وصحَّحه ابن خزيمة.
وكل هذه أقوال صحيحة لا تَعارُض بينها ، ويؤيد ذلك اللغة ، وواقع هذه الليلة الشريفة الذي دلَّت عليه النصوص الشرعية.
تحرِّي ليلة القدر وما يُشرع فيها
ليلة القدر مُتنقِّلة في العشر الأواخر ؛ ولهذا يُشرع تحريها في جميع العشر ، وليالي الأوتار آكد ، وقد تكون في ليالي الأشفاع ، وأولى الليالي بتحريها ليلة سبع وعشرين.
ويُسنُّ أن يجتهد المسلم في جميع ليالي العشر بالطاعات كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك ، لعله أن يوافق هذه الليلة المُباركة ، فيتضاعف أجره وعمله إلى عمل أكثر من ثلاث وثمانين سنة ، وإن من أعظم التفريط :
ليلة القدر مُتنقِّلة في العشر الأواخر ؛ ولهذا يُشرع تحريها في جميع العشر ، وليالي الأوتار آكد ، وقد تكون في ليالي الأشفاع ، وأولى الليالي بتحريها ليلة سبع وعشرين.
ويُسنُّ أن يجتهد المسلم في جميع ليالي العشر بالطاعات كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك ، لعله أن يوافق هذه الليلة المُباركة ، فيتضاعف أجره وعمله إلى عمل أكثر من ثلاث وثمانين سنة ، وإن من أعظم التفريط :
إضاعة هذه الليالي المباركة بالسهر فيما لا ينفع أو في المُحرَّمات وترْك الطاعة والتقصير فيها ، وعدم الاهتمام بما عظَّمه الله وشرَّفه من الليالي والأيام.
ومما يُشرع في هذه الليالي ؛
- الحِرص على الفرائض وعدم التفريط فيها.
- الإكثار من ذِكر الله وتلاوة القرآن الكريم.
- الإكثار من الدعاء ؛ومن أحسنِه الدعاء الذي علمه النبي صلى الله عليه وسلم لأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها حيث قالت : يا رسول الله ، أرأيت إن وافقتُ ليلة القدر ، بم أدعو؟ قال :
- الإكثار من ذِكر الله وتلاوة القرآن الكريم.
- الإكثار من الدعاء ؛ومن أحسنِه الدعاء الذي علمه النبي صلى الله عليه وسلم لأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها حيث قالت : يا رسول الله ، أرأيت إن وافقتُ ليلة القدر ، بم أدعو؟ قال :
(تقولين : اللهم إنك عفو تحبُّ العفو فاعف عني) رواه أحمد والترمذي وابن ماجه.
- الحرص على الاعتكاف هذه العشر أو بعضها ما أمكن ذلك ؛ فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يتحرَّى الاعتكاف في العشر الأواخر ليُوافق ليلة القدر.
- الحرص على قيام الليل في هذه الليالي المباركة ؛
- الحرص على الاعتكاف هذه العشر أو بعضها ما أمكن ذلك ؛ فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يتحرَّى الاعتكاف في العشر الأواخر ليُوافق ليلة القدر.
- الحرص على قيام الليل في هذه الليالي المباركة ؛
فإن من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا، غُفر له ما تقدم من ذنبه ، كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
(مَن قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا ؛ غُفر له ما تقدَّم من ذنبه)متَّفق عليه.
بيان فضل ليلة القدر والحث على الاجتهاد فيها
الحمد لله فضل شهر رمضان على غيره من الشهور ، وخصه بليلة القدر ، التي هي خير من ألف شهر
قال تعالى:(إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ* فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ)،
الحمد لله فضل شهر رمضان على غيره من الشهور ، وخصه بليلة القدر ، التي هي خير من ألف شهر
قال تعالى:(إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ* فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ)،
وقال تعالى: (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ* وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ* لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ* تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ* سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ).
وهي في شهر رمضان المبارك لقوله تعالى :(شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنْ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ) ،
وهي في شهر رمضان المبارك لقوله تعالى :(شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنْ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ) ،
وترجى في العشر الأواخر منه ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم :( تَحَرَّوْا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي الْوِتْرِ مِنَ الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ ) متفق عليه.
فينبغي الاجتهاد في كل ليالي العشر طلبًا لهذه الليلة ، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم :
فينبغي الاجتهاد في كل ليالي العشر طلبًا لهذه الليلة ، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم :
(مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمانًا وَاحتسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ) ،وأخبر تعالى أنها خير من ألف شهر وسميت ليلة القدر لأنه يقدر فيها ما يكون في تلك السنة ،
لقوله تعالى : (فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ) وهو التقدير السنوي ، وهو التقدير الخاص ،
أما التقدير العام فهو متقدم على خلق السماوات والأرض كما صحة بذلك الأحاديث ، وقيل سميت (ليلة القدر)لعظم قدرها وشرفها ،
ومعنى قوله تعالى :(خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ) أي : قيامها والعمل فيها خير من العمل في ألف شهر خالية منها.
وطلبها في أواخر العشر آكد ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : (اطْلُبُوهَا فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ فِي ثَلاَثٍ أَوْ فِي سَبْعٍ يَبْقَيْنَ أَوْ فِي تِسْعٍ يَبْقَيْنَ) وليلة سبع وعشرين أرجاها لقول كثير من الصحابة إنها ليلة سبع وعشرين ،منهم ابن عباس وأبي بن كعب وغيرهما.
وحكمة ؛إخفائها ليجتهد المسلمون في العبادة في جميع ليالي العشر ، كما أخفيت ساعة الإجابة من يوم الجمعة ليجتهد المسلم في جميع اليوم.
ويستحب للمسلم أن يكثر فيها من الدعاء؛ لأن الدعاء فيها مستجاب ويدعو بما ورد عن عائشة رضي الله عنها قالت يا رسول الله : إن وافقتها فيم أدعو قال : (قُولي اللَّهُمَّ إِنَّك عَفُوٌّ كريمٌ تُحبُّ العفوَ فاعفُ عنِّى) رواه أحمد وابن ماجه.
فاجتهدوا في هذه الليلة المباركة بالصلاة والدعاء والاستغفار والأعمال الصالحة فإنها فرصة العمر ، والفرص لا تدوم ، فإن الله سبحانه أخبر أنها خير من ألف شهر ، وألف الشهر تزيد على ثمانين عامًا ، وهي عمر طويل لو قضاه الإنسان كله في طاعة الله.
فليلة واحدة وهي ليلة القدر خير منه ، وهذا فضل عظيم ، وهذه الليلة في رمضان قطعًا وفي العشر الأخير منه آكد ،
وطلبها في أواخر العشر آكد ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : (اطْلُبُوهَا فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ فِي ثَلاَثٍ أَوْ فِي سَبْعٍ يَبْقَيْنَ أَوْ فِي تِسْعٍ يَبْقَيْنَ) وليلة سبع وعشرين أرجاها لقول كثير من الصحابة إنها ليلة سبع وعشرين ،منهم ابن عباس وأبي بن كعب وغيرهما.
وحكمة ؛إخفائها ليجتهد المسلمون في العبادة في جميع ليالي العشر ، كما أخفيت ساعة الإجابة من يوم الجمعة ليجتهد المسلم في جميع اليوم.
ويستحب للمسلم أن يكثر فيها من الدعاء؛ لأن الدعاء فيها مستجاب ويدعو بما ورد عن عائشة رضي الله عنها قالت يا رسول الله : إن وافقتها فيم أدعو قال : (قُولي اللَّهُمَّ إِنَّك عَفُوٌّ كريمٌ تُحبُّ العفوَ فاعفُ عنِّى) رواه أحمد وابن ماجه.
فاجتهدوا في هذه الليلة المباركة بالصلاة والدعاء والاستغفار والأعمال الصالحة فإنها فرصة العمر ، والفرص لا تدوم ، فإن الله سبحانه أخبر أنها خير من ألف شهر ، وألف الشهر تزيد على ثمانين عامًا ، وهي عمر طويل لو قضاه الإنسان كله في طاعة الله.
فليلة واحدة وهي ليلة القدر خير منه ، وهذا فضل عظيم ، وهذه الليلة في رمضان قطعًا وفي العشر الأخير منه آكد ،
وإذا اجتهد المسلم في كل ليالي رمضان فقد صادف ليلة القدر قطعًا ورجي له الحصول على خيرها ، فأي فضل أعظم من هذا الفضل لمن وفقه الله.
فاحرصوا رحمكم الله على طلب هذه الليلة واجتهدوا بالأعمال الصالحة لتفوزوا بثوابها فالمحروم من حرم الثواب.
ومن تمر عليه مواسم المغفرة ويبقى محملاً بذنوبه بسبب غفلته وإعراضه وعدم مبالاته فإنه محروم.
فاحرصوا رحمكم الله على طلب هذه الليلة واجتهدوا بالأعمال الصالحة لتفوزوا بثوابها فالمحروم من حرم الثواب.
ومن تمر عليه مواسم المغفرة ويبقى محملاً بذنوبه بسبب غفلته وإعراضه وعدم مبالاته فإنه محروم.
طلب العفو والعافية في ليلة القدر
سألت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها النبي صلى الله عليه وسلم : ماذا أقول إنْ وافقت ليلة القدر؟
سألت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها النبي صلى الله عليه وسلم : ماذا أقول إنْ وافقت ليلة القدر؟
قال لها النبي صلى الله عليه وسلم:(قولي : اللهم إنك عفوٌّ تُحب العفو فاعف عني)، ولو تأمَّلت في جواب النبي تَجد أنَّ هذه الكلمات تجمع للإنسان خيري الدُّنيا والآخرة ، بأن يسلم من البلاء في الدُّنيا ، ومن العذاب في الآخرة ، فإذا عُوفي الإنسانُ في دُنياه وآخرته ، كان مآله إلى الجنة ولا بُدَّ.
فبالعافية تندفع عنك الأسقام ، ويقيك الله شرها ، ويرفعها عنك إن وقعت بك ، وبالعافية يقيك الله شرَّ ما لم ينزل من البلاء ، وتستشعر نعمة الله عليك ، وقد علَّمنا النبي أن نقول عند رُؤية المبتلى سواء في دينه أم في بدنه وأهله وماله :
فبالعافية تندفع عنك الأسقام ، ويقيك الله شرها ، ويرفعها عنك إن وقعت بك ، وبالعافية يقيك الله شرَّ ما لم ينزل من البلاء ، وتستشعر نعمة الله عليك ، وقد علَّمنا النبي أن نقول عند رُؤية المبتلى سواء في دينه أم في بدنه وأهله وماله :
(الحمدُ لله الذي عافاني مما ابتلاك به وفضلني على كثير ممن خلق تفضيلاً) ،وبيَّن لنا أنَّها بمثابة المصل الواقي من طروء مثل هذا البلاء.
فمن قالها عند أهل البلاء ، لم يصبه ذلك البلاء ، وقد ثَبَتَ عن النبي أنَّه كان يسأل ربَّه العفو والعافية والستر والأمن والحفظ في كل يوم وليلة ؛
فمن قالها عند أهل البلاء ، لم يصبه ذلك البلاء ، وقد ثَبَتَ عن النبي أنَّه كان يسأل ربَّه العفو والعافية والستر والأمن والحفظ في كل يوم وليلة ؛
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : لم يكن رسول الله يدع هؤلاء الكلمات إذا أصبحَ وإذا أمسى :
(اللهم إنِّي أسألك العافية في الدُّنيا والآخرة ، اللهم إنِّي أسألك العفو والعافية في ديني ودُنياي وأهلي ومالي ، اللهم استر عوراتي ، وآمن روعاتي ، اللهم احفظني من بين يدي ومن خلفي ، وعن يميني وعن شمالي ومن فوقي ، وأعوذ بعظمتك من أنْ أغتال من تحتي).الأدب المفرد وسنن الترمذي ،
وأتى النبي صلى اللهُ عليه وسلم رجلٌ ، فقال : يا رسول الله ، أيُّ الدعاء أفضل؟ قال :(سَلِ الله العفو والعافية في الدُّنيا والآخرة، ثم أتاه الغد ،
فقال : يا نبيَّ الله ؛ أيُّ الدعاء أفضل؟
قال :سل الله العفو والعافية في الدنيا والآخرة ،
فإذا أُعطيت العافية في الدنيا والآخرة ، فقد أفلحت).صحيح الالباني
قال ابن عثيمين رحمه الله :
ليلة القدر يُفتح فيها الباب، ويُقرَّب فيها الأحباب ،ويُسمع الخطاب،ويُردّ الجواب، ويُكتب للعاملين فيها عظيم الأجر، ليلة القدر خيرٌ من ألف شهر، فاجتهدوا رحمكم الله في طلبها؛فهذا أوان الطلب،واحذروا من الغفلة ففي الغفلة العطب .(مجالس رمضان، ١٦٤)
ليلة القدر يُفتح فيها الباب، ويُقرَّب فيها الأحباب ،ويُسمع الخطاب،ويُردّ الجواب، ويُكتب للعاملين فيها عظيم الأجر، ليلة القدر خيرٌ من ألف شهر، فاجتهدوا رحمكم الله في طلبها؛فهذا أوان الطلب،واحذروا من الغفلة ففي الغفلة العطب .(مجالس رمضان، ١٦٤)
الخلاصة:
ليلة القدر هي أفضل الليالي، وقد أنزل الله فيها القرآن، وأخبر سبحانه أنها خير من ألف شهر، وأنها مباركة، وأنه يفرق فيها كل أمر حكيم، كما قال سبحانه في أول سورة الدخان:(حم * وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ * إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ * فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ * أَمْرًا مِّنْ عِندِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ * رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ) [الدخان:1-6].
وقال تعالي: (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ * سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ ) [القدر:1-5]
وصح عن رسول الله صلي الله عليه وسلم أنه قال: (من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه)رواه البخاري.
وقيامها يكون بالصلاة والذكر والدعاء وقراءة القرآن وغير ذلك من وجوه الخير.
وقد دلت هذه السورة العظيمة أن العمل فيها خير من العمل في ألف شهر مما سواها، وهذا فضل عظيم ورحمة من الله لعباده،
فجدير بالمسلمين أن يعظموها وأن يحيوها بالعبادة، وقد أخبر النبي صلي الله عليه وسلم أنها في العشر الأواخر من رمضان، وأن أوتار العشر أرجى من غيرها، فقال عليه الصلاة والسلام:(التمسوها في العشر الأواخر من رمضان، التمسوها في كل وتر).رواه البخاري
وقد دلت الأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلي الله عليه وسلم: أن هذه الليلة متنقلة في العشر، وليست في ليلة معينة منها دائمًا، فقد تكون في ليلة إحدى وعشرين، وقد تكون في ليلة ثلاث وعشرين، وقد تكون في ليلة خمس وعشرين، وقد تكون في ليلة سبع وعشرين وهي أحرى الليالي، وقد تكون في تسع وعشرين، وقد تكون في الأشفاع. فمن قام ليالي العشر كلها إيمانًا واحتسابًا أدرك هذه الليلة بلا شك، وفاز بما وعد الله أهلها.
وقد كان النبي صلي الله عليه وسلم يخص هذه الليالي بمزيد اجتهاد لا يفعله في العشرين الأول. قالت عائشة رضي الله عنها، كان النبي صلي الله عليه وسلم: يجتهد في العشر الأواخر من رمضان ما لا يجتهد في غيرها. وقالت: كان إذا دخل العشر أحيا ليله وأيقظ أهله وجد وشدَّ المئزر وكان يعتكف فيها عليه الصلاة والسلام غالبًا، وقد قال الله :( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) [الأحزاب:31].
وسألته عائشة رضي الله عنها فقالت: يا رسول الله: إن وافقت ليلة القدر فما أقول فيها، قال: قولي:( اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني).رواه الترمذي
وكان أصحاب النبي صلي الله عليه وسلم، وكان السلف بعدهم، يعظمون هذه العشر ويجتهدون فيها بأنواع الخير.
فالمشروع للمسلمين في كل مكان أن يتأسوا بنبيهم صلي الله عليه وسلم وبأصحابه الكرام وبسلف هذه الأمة الأخيار، فيحيوا هذه الليالي بالصلاة، وقراءة القرآن، وأنواع الذكر والعبادة، إيمانًا واحتسابًا، حتى يفوزوا بمغفرة الذنوب، وحط الأوزار، والعتق من النار، فضلًا منه سبحانه وجودًا وكرمًا.
وقد دل الكتاب والسنة أن هذا الوعد العظيم مما يحصل باجتناب الكبائر، كما قال تعالي: (إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلًا كَرِيمًا) [النساء:31].
وقال النبي صلي الله عليه وسلم: (الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر.)رواه مسلم، خرجه الإمام مسلم في صحيحه.
ومما يجب التنبيه عليه أن بعض المسلمين قد يجتهد في رمضان ويتوب إلى الله سبحانه مما سلف من ذنوبه، ثم بعد خروج رمضان يعود إلى أعماله السيئة، وفي ذلك خطر عظيم.
فالواجب على المسلم أن يحذر ذلك، وأن يعزم عزمًا صادقًا على الاستمرار في طاعة الله، وترك المعاصي، كما قال الله لنبيه صلي الله عليه وسلم( وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ )[الحجر:99]،
وقال تعالى:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ) [آل عمران:102] ،
وقال تعالي:(إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلًا مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ ) [فصلت:30-32].
ومعنى الآية أن الذين اعترفوا بأن ربهم الله وآمنوا به وأخلصوا له العبادة واستقاموا على ذلك تبشرهم الملائكة عند الموت بأنهم لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، وأن مصيرهم الجنة من أجل إيمانهم به سبحانه، واستقامتهم على طاعته، وترك معصيته، وإخلاص العبادة له سبحانه، والآيات في هذا المعنى كثيرة كلها تدل على وجوب الثبات على الحق، والاستقامة عليه، والحذر من الإصرار على معاصي الله .
ومن ذلك قوله تبارك وتعالى:(وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وجنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاس وَاللّهُ يُحبُّ الْمُحْسِنِينَ * وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسهُمْ ذكرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُوْلَئِكَ جَزَآؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ ) [آل عمران:133-136].